المقال 3: 289، وانظر الفوائد 4: 41، ونفس المهموم:
115). ويلاحظ في كلّ الردود التي أوردناها عن صاحب تنقيح المقال أنه ينقلها عن السيد الطباطبائي وهو بحر العلوم (ره).). الثامنة: وقوفه بوجه عليّ(عليه السلام) واعتراضه عليه حينما عزل الأشعث بن قيس عن رئاسة كندة ونصب حسّان بن مخدوج مكانه، حيث قام إلى عليّ(عليه السلام) وقال: إنّ رئاسة الأشعث لاتصلح إلاّ لمثله ! وما حسّان مثل الأشعث … وأجيب عنها: أولاً: لم يكن هو المعترض فحسب، بل كان الأشتر، وعدي بن حاتم الطائي، و... ضمن المعترضين. ثانياً: أنهم رجعوا عن قولهم ورضوا بما فعله أميرالمؤمنين(عليه السلام) كما يظهر من نص (وقعة صفين:
137).
وجوه الشيعة فيها. رسالة الإمام(عليه السلام) الى محمد بن الحنفية ومن قِبله من بني هاشم روى ابن عساكر وابن كثير أنّ الإمام(عليه السلام) بعث الى المدينة (وهو في مكّة) يستقدم إليه من خفّ من بني هاشم، فخفَّ إليه جماعة منهم، وتبعهم إليه محمد
ابن الحنفية، ولكنّ الرواية لم تحدّد من هم أفراد هذه الجماعة الهاشمية(1). وقال الذهبي: «بعث الحسين(عليه السلام) الى المدينة، فقدم عليه من خفَّ معه من بني عبدالمطلب، وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء ...»(2). ومفاد ذلك أنّ هؤلاء لم يرافقوا الحسين(عليه السلام) حين خروجه من المدينة بل التحقوا به بعد الدعوة التي حملتها تلك الرسالة إلى المدينة. لكنّ المصادر التأريخية الشيعية روت أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) بعث من مكّة إلى أخيه محمد بن الحنفية ومن قبله من بني هاشم في المدينة رسالة موجزة العبارة عظيمة الدلالة هي من روائع رسائله(عليه السلام). ففي رواية عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كتب هذه الرسالة من مكّة ونصّها: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم. أمّا بعدُ: فإنّ من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح والسلام.»(3) كما رويت رواية هذه الرسالة بتفاوت يسير عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وظاهرها
(1) راجع تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام) / تحقيق المحمودي: 298 ح
256)، والبداية والنهاية 8: 178.
(2) تأريخ الإسلام: حوادث سنة 61 ص9.
(3) كامل الزيارات: 75 باب 24 حديث رقم 15، ومثير الأحزان: 39 بتفاوت يسير.
أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كتبها بعد خروجه من مكّة(1).
معنى محتوى الرسالة:
قال المجلسي(قدس سره) في تعليقة له على هذه الرسالة: «لم يبلغ الفتح أي لم يبلغ ما يتمنّاه من فتوح الدنيا والتمتّع بها، وظاهر هذا الجواب ذمّه، ويحتمل أن يكون المعنى أنه(عليه السلام) خيّرهم في ذلك فلا إثمَ على من تخلّف».(2)
فالمجلسي(قدس سره) فسّر الفتح بالمكاسب والفتوح الدنيوية والتمتّع بها، كما احتمل أن يكون المعنى أنّ الإمام(عليه السلام) خيّر بني هاشم في مسألة الإلتحاق به فلا إثم على من تخلّف عنه ولم يلتحق به !!
لكنّ القرشيّ فسّره بفتح من نوع آخر لم يكن ولا يكون لغير الإمام أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) مدى العصور وإلى قيام الساعة، فقال: «لقد أخبر الأسرة النبوية بأنّ من لحقه منهم سوف يظفر بالشهادة، ومن لم يلحق به فإنه لاينال الفتح، فأي فتح هذا الذي عناه الإمام ؟
إنّه الفتح الذي لم يحرزه غيره من قادة العالم وأبطال التأريخ، فقد انتصرت مبادئه وانتصرت قيمه، وتألّقت الدنيا بتضحيته، وأصبح إسمه رمزاً للحق والعدل، وأصبحت شخصيته العظيمة ليست ملكاً لأمّة دون أمّة ولا لطائفة دون أخرى، وإنّما هي ملك للإنسانية الفذّة في كلّ زمان ومكان، فأي فتح أعظم من هذا الفتح، وأي نصر أسمى من هذا النصر ؟»(3).
وقد يفسّر هذا الفتح بتفسير آخر، وهو أنّ المراد بهذا الفتح هو التحولات
(1) بصائر الدرجات: 481 حديث رقم 5، كما رواها عن الإمام الصادق(عليه السلام) محمد بن يعقوب الكليني (ره) في كتاب الرسائل (راجع بحار الأنوار 44: 330، و45:
84).
(2) بحار الأنوار 42: 81 ـ مثله القمي في سفينة البحار 7:429.
(3) حياة الإمام الحسين(عليه السلام) 3: 45.
والتغيرات الحاسمة لصالح الإسلام الناشئة عن شهادته(عليه السلام) في عصره وفي العصور المتعاقبة إلى قيام الطالب بدمه الإمام المهدي(عليه السلام) الذي يمثل قيامه الفصل الأخير من نهضة جدّه الحسين(عليه السلام)، والذي يمثّل ظهوره على كلّ الأرض ظهور الدين المحمديّ على الدين كلّه وذلك هو الثمرة الأخيرة لنهضة عاشوراء(1).
ولعلّ المرحوم السيّد المقرّم ذهب إلى بعض أبعاد هذا المعنى بقوله: «كان الحسين(عليه السلام) يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور لما في شهادته من إحياء دين رسول الله، وإماتة البدعة، وتفظيع أعمال المناوئين، وتفهيم الأمّة أنهم أحقّ بالخلافة من غيرهم، وإليه يشير في كتابه الى بني هاشم: من لحق بنا منكم استشهد، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح.
فإنه لم يرد بالفتح إلاّ ما يترتّب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المطهّرة، وإقامة أركان العدل والتوحيد، وأنّ الواجب على الأمّة القيام في وجه المنكر.
وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدين(عليه السلام) لإبراهيم بن طلحة بن عبيدالله لمّا قال له حين رجوعه إلى المدينة: من الغالب !؟ فقال السجّاد(عليه السلام):
إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب!(2)
فإنه يشير إلى تحقق الغاية التي ضحّى سيد الشهداء نفسه القدسية لأجلها، وفشل يزيد بما سعى له من إطفاء نور الله، وما أراده أبوه من نقض مساعي الرسول(صلى الله عليه وآله)، وإماتة الشهادة له بالرسالة بعد أن كان الواجب على الأمّة في
(1) راجع: الجزء الأول من هذه الدراسة: مقالة (بين يدي الشهيد الفاتح).
(2) انظر: أمالي الشيخ الطوسي: 677، ح1432، وبحار الأنوار 45: 177.
الأوقات الخمس الإعلان بالشهادة لنبيّ الإسلام ...»(1).
وقد راجعنا موارد كلمة الفتح في القرآن الكريم فوجدناها إثني عشر هي:
1ـ (فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ...).(2)
2ـ (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ...).(3)
3ـ (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ).(4)
4ـ (ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين).(5)
5ـ (قل يوم الفتح لاينفع الذين كفروا إيمانهم).(6)
6ـ (إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً).(7)
7ـ (فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً).(8)
8ـ (فعلم مالم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً).(9)
(1) مقتل الحسين(عليه السلام)/ للمقرّم: 66.
(2) سورة النساء، الآية 141.
(3) سورة المائدة، الآية 52.
(4) سورة الأنفال، الآية 19.
(5) سورة السجدة، الآية 28.
(6) سورة السجدة، الآية 29.
(7) سورة الفتح، الآية 1.
(8) سورة الفتح، الآية 18.
(9) سورة الفتح، الآية 27.
9ـ (فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين).(1)
10ـ (لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ...…).(2)
11ـ (وأخرى تحبّونها نصر من الله وفتح قريب).(3)
12ـ (إذا جاء نصر الله والفتح).(4)
ومعنى الفتح في هذه الموارد: إمّا فتح مكّة، أو فتح بلاد المشركين، أو فتح الله لمحمّد(صلى الله عليه وآله) على جميع خلقه، أو بمعنى نصر محمّد(صلى الله عليه وآله)، أو النصر بمحمد(صلى الله عليه وآله)، أو بمعنى القضاء والحكم، أو القضاء بعذاب المشركين في الدنيا، أو الحكم بالثواب والعقاب يوم القيامة(5).
وورد في تفسير القمي في ( وأخرى تحبّونها نصر من الله وفتح قريب ): يعني في الدنيا بفتح القائم، وأيضاً قال: فتح مكّة(6).
وورد في كتاب تأويل الآيات عن الإمام الصادق(عليه السلام) في قوله تعالى: (قل يوم الفتح لاينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم يُنظرون)(7) أنه قال:
«يوم الفتح يوم تفتح الدنيا على القائم، لا ينفع أحداً تقرّب بالإيمان مالم يكن قبل ذلك مؤمناً وبهذا الفتح موقناً، فذلك الذي ينفعه إيمانه، ويعظم عند الله
(1) سورة الشعراء، الآية 118.
(2) سورة الحديد، الآية 10.
(3) سورة الصف، الآية 13.
(4) سورة النصر، الآية 1.
(5) انظر مجمع البيان 3: 207 و 4: 531، و8: 332، و9: 233، و10: 554.
(6) تفسير القمي، 2:366; تفسير الصافى، 5:171; نور الثقلين، 5:318; البحار، 51:49.
(7) سورة السجدة، الآية 29.
قدره وشأنه، وتزخرف له يوم البعث جنانه، وتحجب عنه نيرانه، وهذا أجر الموالين لأمير المؤمنين وذرّيته الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين»(1).
والمتأمل يجد أنّ الفتح في رسالة الإمام الحسين(عليه السلام) بأيّ معنىً كان من معانيه القرآنية لاينسجم مع ماذهب إليه العلامة المجلسي(قدس سره) في أنّ المراد به في هذه الرسالة هو ما يُتمنّى من فتوح الدنيا والتمتّع بها !.
رسالة أخرى من الإمام الحسين(عليه السلام)
روى صاحب الفتوح أنّ يزيد بن معاوية كتب من الشام كتاباً إلى أهل المدينة من قريش وبني هاشم، وأرفق مع كتابه أبياتاً من الشعر يخاطب فيها الإمام الحسين(عليه السلام)أساساً، ويفهم من سياق رواية ابن أعثم الكوفي أنّ الرسالة وصلت إلى المدينة والإمام(عليه السلام) في مكّة، كما يقوّي هذا الظن قول ابن أعثم بعد ذكره الأبيات الشعرية: «فنظر أهل المدينة إلى هذه الأبيات ثم وجّهوا بها وبالكتاب إلى الحسين بن عليّ(عليهما السلام)».
والأبيات هي:
(1) نفس المصدر 5: 345 رقم 1782.
(2) هكذا في الأصل، والصحيح هو: (في سيرها)، لأن العذافر الجمل الشديد الصلب، والعذافرة هي الأنثى (الناقة).. (راجع لسان العرب: مادة عذفر).
وتقول الرواية أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لمّا نظر في الكتاب علم أنه كتاب يزيد ابن معاوية، فكتب(عليه السلام) الجواب:
«بسم الله الرحمن الرحيم (وإنْ كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريء مما تعملون)(2). والسّلام»(3).
ومن ظاهر هذه الرواية لايمكن القطع بأنّ الإمام كتب الجواب ليزيد أو أرسله إليه وإن كان المخاطَب فيها هو يزيد، إذ قد يكون الإمام(عليه السلام) بعث بالجواب إلى أهل المدينة الذين وجّهوا بالكتاب وبالأبيات إليه، ثم هم بعد ذلك يوصلونه أو ينقلون محتوى الجواب إلى يزيد.
ولم تذكر هذه الرواية من هم أهل المدينة من قريش وبني هاشم الذين أرسل إليهم يزيد الكتاب، لكن ابن عساكر قال: كتبه يزيد إلى عبدالله بن العباس، وذكر
(1) الفتوح 5: 76.
(2) سورة يونس: 41.
(3) الفتوح 5: 76.
الأبيات الشعرية بتفاوت(1).
والمتأمّل في أبيات يزيد وفي جواب الإمام(عليه السلام) يرى سنن الله تكرر نفسها في المواجهات بين الربانيين والطواغيت، فهذا يزيد بمنطق الطاغوت في أبياته يهدّد الإمام(عليه السلام) بالإضطهاد والقتل في الدنيا ! وذلك قصارى ما يستطيعه الطغاة. أمّا الإمام(عليه السلام) فبمنطق الرَّبانيّين فيصرّح بانفصام الآصرة بين عمل المهتدين وعمل الضالين وبالبراءة بينهم، تصريحاً يستبطن التهديد بالجزاء الأخروي وبعذاب الله الذي لافتور فيه ولا انقطاع.
وفي متن الجواب ازدراء كامل بيزيد إذ لم يذكر الإمام(عليه السلام) اسمه ولم يلقّبه بلقب، ولم يسلّم عليه، مما يُفهم منه أنّ يزيد (لعنه الله) مصداق تام للمكذّب بالدين وبالرسل والأوصياء(عليهم السلام).
يظهر من النصوص التأريخية أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) بعث قيس بن مسهّر الصيداوي إلى الكوفة مرّتين، إذ كان قد بعثه في المرّة الأولى مع مسلم بن عقيل(عليه السلام)فدخل الكوفة(2)، ثم بعثه مسلم(عليه السلام) سفيراً عنه إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، ثم بعثه الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة مرّة ثانية ليستعلم خبر مسلم بن عقيل(عليه السلام)، فاعتقل في الطريق وجرى عليه ماجرى.
ففي التذكرة: «ثم دعا مسلم بن عقيل فبعثه مع قيس بن مسهّر الصيداوي ...»(3). وفيها أيضاً: «كان الحسين(عليه السلام) قد بعث قيس بن مسهّر إلى مسلم بن عقيل ليستعلم
(1) انظر: تأريخ ابن عساكر 14: 210.
(2) انظر: مروج الذهب 2: 86، و وقعة الطف: 99.
(3) تذكرة الخواص: 220.
خبره قبل أن يصل إليه، فأخذه ابن زياد وقال له: قم في الناس واشتم الكذّاب ابن الكذّاب، يعني الحسين(عليه السلام) !
فقام على المنبر وقال: أيّها الناس، إنّي تركت الحسين بالحاجز، وأنا رسوله إليكم لتنصروه، فلعن الله الكذّاب بن الكذّاب ابن زياد.
فطرح من القصر فمات»(1).
من هو قيس بن مسهّر الصيداوي ؟
لم نعثر على ترجمة وافية لهذا البطل الفذّ رغم التتبع والإستقصاء ! فجميع من ترجموا له اكتفوا بأنه حمل كتاباً من أهل الكوفة إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، وأنه رجع مع مسلم إلى الكوفة، ثمّ إنّه حمل كتاباً من مسلم إلى الإمام(عليهما السلام) في الطريق إلى الكوفة، ثم إنه حمل كتاباً من الإمام(عليه السلام) إلى أهل الكوفة، وتعرّض أثناء الطريق إليها إلى الإعتقال في القادسية، ثمّ كان منه ذلك الموقف الصلب الذي عبّر عن شجاعته وولائه وعظمته.
إنّه: «قيس بن مُسَهَّر بن خالد بن جندب ... الأسديّ الصيداوي، وصيدا بطن من أسد. كان قيس رجلاً شريفاً في بني الصيدا شجاعاً مخلصاً في محبّة أهل البيت(عليهم السلام).
قال أبو مخنف: اجتمعت الشيعة بعد موت معاوية في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فكتبوا للحسين بن على(عليهما السلام) كتباً يدعونه فيها للبيعة، وسرّحوها إليه مع عبدالله بن سبع وعبدالله بن وال، ثم لبثوا يومين فكتبوا إليه مع قيس بن مسهّر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي، ثم لبثوا يومين فكتبوا إليه مع سعيد
(1) نفس المصدر: 221.
بن عبدالله وهاني بن هاني ...
فدعا الحسين(عليه السلام) مسلم بن عقيل وأرسله إلى الكوفة، وأرسل معه قيس بن مسهّر وعبدالرحمن الأرحبي، فلما وصلوا إلى المضيق من بطن خبت كما قدّمنا جار دليلاهم فضلّوا وعطشوا، ثم سقطوا على الأرض، فبعث مسلم قيساً بكتاب إلى الحسين(عليه السلام) يخبره بما كان، فلمّا وصل قيس إلى الحسين بالكتاب أعاد الجواب لمسلم مع قيس وسار معه إلى الكوفة(1). قال: ولمّا رأى مسلم اجتماع الناس على البيعة في الكوفة للحسين كتب إلى الحسين(عليه السلام) بذلك، وسرّح الكتاب مع قيس وأصحبه عابس الشاكري وشوذباً مولاهم، فأتوه إلى مكّة ولازموه، ثمّ جاءوا معه.
قال أبو مخنف: ثمّ إنّ الحسين لما وصل إلى الحاجر من بطن الرمّة كتب كتاباً إلى مسلم وإلى الشيعة بالكوفة وبعثه مع قيس، فقبض عليه الحصين بن تميم، وكان ذلك بعد قتل مسلم، وكان عبيدالله نظّم الخيل ما بين خفّان إلى القادسيّة وإلى القطقطانة(2) والى لعلع(3) وجعل عليها الحصين، وكانت صورة الكتاب:
«من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين: سلام عليكم. فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعدُ: فإنّ كتاب مسلم جاءني يخبرني
(1) فيما مضى من هذا الكتاب كنا قد ناقشنا صحة أصل وقوع هذه القصة وتفاصيلها. ويبدو أنّ صاحب (إبصار العين) يرى هنا صحة أصل القصة ولا يرى صحة أنّ مسلماً طلب من الإمام(عليه السلام) أن يعفيه، أو أنّ الإمام(عليه السلام) اتهم مسلماً بالجبن (حاشاهما).
(2) بضم القاف وسكون الطاء موضع فوق القادسية في طريق من يريد الشام من الكوفة. (إبصار العين:
114); وعن الحموي: انه قرب الكوفة من جهة البرية بالطف به كان سجن النعمان بن المنذر (معجم البلدان 4:
374).
(3) بفتح اللام وسكون العين، جبل فوق الكوفة. (إبصار العين:
114); وانظر معجم البلدان، 5:18.
فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنع، وأن يثيبكم على ذلك أحسن الأجر، وقد شخصتُ إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم رسولي عليكم فانكمشوا في أمركم وجدّوا، فإني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
قال: فلمّا قبض الحصين على قيس بعث به إلى عبيدالله، فسأله عبيدالله عن الكتاب، فقال: خرقته.
قال: ولمَ !؟
قال: لئلا تعلم مافيه.
قال: إلى من ؟
قال: إلى قوم لا أعرف أسماءهم.
قال: إنْ لم تخبرني فاصعد المنبر وسبّ الكذّاب بن الكذّاب يعني به الحسين(عليه السلام).
فصعد المنبر فقال:
أيّها الناس، إنّ الحسين بن عليّ خير خلق الله، وابن فاطمة بنت رسول الله، وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر، فأجيبوه.
ثمّ لعن عبيدالله بن زياد وأباه، وصلّى على أميرالمؤمنين، فأمر به ابن زياد، فأُصعد القصر، ورمي به من أعلاه، فتقطّع ومات.
وقال الطبري: لمّا بلغ الحسين(عليه السلام) إلى عذيب الهجانات في ممانعة الحرّ
جاءه أربعة نفر ومعهم دليلهم الطرمّاح(1) بن عديّ الطّائي، وهم يجنبون فرس نافع المرادي، فسألهم الحسين(عليه السلام) عن الناس وعن رسوله، فأجابوه عن الناس، وقالوا له: رسولك من هو ؟
قال: قيس !
فقال مجمع العائذي:
أخذه الحصين فبعث به إلى ابن زياد، فأمره أن يلعنك وأباك، فصلّى عليك وعلى أبيك، ولعن ابن زياد وأباه، ودعانا إلى نصرتك، وأخبرنا بقدومك، فأمر به ابن زياد فأُلقي من طمار القصر، فمات رضي الله عنه.
فترقرقت عينا الحسين(عليه السلام) وقال:
فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، اللّهمَّ اجعل لنا ولهم الجنّة منزلاً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ورغائب مذخور ثوابك»(2).
(1) عدة الشيخ الطوسي في رجاله في اصحاب علي(عليه السلام) قائلاً: رسوله(عليه السلام) الى معاوية، وفي اصحاب الحسين(عليه السلام) وكان الطرماح مع الحسين(عليه السلام) حتى سقط بين القتلى، فحمله قومه وبه رمق، وداووه، فبريء. ولكن التستري يرى خلاف ذلك حيث قال: بل لحقه(عليه السلام) في الطريق واستأذنه للرواح إلى أهله ثم رجع، فأذن(عليه السلام) له فرجع فسمع نعيه ـ عليه السلام ـ في الطريق (قاموس الرجال، 5: 560 عن الطبري، 5:
404).
وعن النمازي: «من اصحاب أمير المؤمنين والحسين صلوات الله عليهم في غاية الجلالة والنبالة وهو رسول أمير المؤمنين الى معاوية. وله كلمات شريفة ظريفة فصيحة بليغة مع معاوية، بحيث أظلم الدنيا فى عينيه... وذكر شهادته يوم الطف في الناسخ ويظهر من المامقاني أنه سقط جريحاً فأخذه قومه وحملوه وداووه، فبريء وعوفي» (مستدركات علم الرجال، 4:
294) و(انظر: معجم رجال الحديث، 9:
261).
(2) إبصار العين: 112 ـ 114.
فهو رضوان الله تعالى عليه من شهداء الثورة الحسينيّة في الكوفة وليس من شهداء الطف، لكنّه شريكهم في الأجر والشرف، ولذا خُصَّ بالسلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة والرجبية(1).
وليس صحيحاً ما ورد في المناقب أنّه كان حاملاً رسالة الإمام الحسين(عليه السلام)من كربلاء إلى سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد وعبدالله بن وال وآخرين، وذلك لأنّ قيساً قتل قبل ورود الإمام(عليه السلام) كربلاء(2).
نعم، لقد كان قيس بن مسهّر رضوان الله تعالى عليه رسولاً أساسياً بين مكّة والكوفة أو على وجه الدقّة بين الإمام الحسين ومسلم(عليهما السلام)، فقد بعثه الإمام(عليه السلام)مع مسلم في النصف من شهر رمضان، وعلى فرض صحة أصل وقوع حادثة المضيق من بطن الخبت فقد أرسله مسلم إلى الإمام(عليه السلام)، ثم حمل جواب الإمام(عليه السلام) إلى مسلم. ثم «لمّا رأى مسلم اجتماع الناس على البيعة في الكوفة للحسين كتب إلى الحسين(عليه السلام) بذلك، وسرّح الكتاب مع قيس وأصحبه عابساً الشاكري وشوذباً مولاهم، فأتوه إلى مكّة ولازموه، ثمّ جاؤوا معه»(3)، ثم بعثه الإمام(عليه السلام) من بطن الرمّة في الثامن من ذي الحجّة أو بعده.
[62]
[63]
[64]
[65]
[66]
[67]
[68]
إرساله(عليه السلام) قيس بن مسهّر إلى الكوفة مرّة ثانية
[69]
[70]
[71]
[72]
[73]