مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
وكان مسلم(عليه السلام) مثالاً سامياً في الأخلاق الإسلامية عامة وفي الشجاعة والجرأة والبأس خاصة، وقد شهدت له ملحمته في الكوفة بتلك الأخلاقية السامية عامة وتلك الشجاعة خاصة، حتى قال عدوّه محمد بن الأشعث وهو يصفه لابن زياد: « .. أولم تعلم أيها الأمير أنّك بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام في كفّ بطل همام من آل خير الأنام ..»(4).
«ونقل عن بعض كتب المناقب: أنّ مسلم بن عقيل كان مثل الأسد، وكان من









(1) معجم رجال الحديث 18: 150.
(2) تنقيح المقال 3: 214.
(3) أمالي الصدوق: 111، المجلس 27، حديث رقم 3; وعنه البحار: 22:288.
(4) نفس المهموم: 111.






[48]



قوّته أنّه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت»(1).
وفي بعض كتب المناقب: أرسل الحسين(عليه السلام) مسلم بن عقيل إلى الكوفة وكان مثل الأسد(2).
ومن مواقفه الكاشفة عن شجاعته الهاشمية الفذّة موقفه أمام معاوية أيّام حكمه وقد طلب منه ردّ المال وأخذ الأرض، حيث قال له مسلم: مه، دون أن أضرب رأسك بالسيف !(3).
هل طلب مسلم الإستعفاء من السفارة ؟! : روى الطبري في تأريخه، والشيخ المفيد(قدس سره) في إرشاده أنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام)بعث إلى الإمام الحسين(عليه السلام) أثناء طريقه إلى الكوفة يطلب منه أن يعفيه من مهمة السفارة إلى أهل الكوفة، في قصة هي على رواية الطبري كمايلي:
«فأقبل مسلم حتى أتى المدينة، فصّلى في مسجد رسول الله، وودّع من أحبّ من أهله، ثم استأجر دليلين من قيس فأقبلا به، فضلاّ الطريق وجارا، وأصابهم عطش شديد، وقال الدليلان: هذا الطريق حتى تنتهي الى الماء، وقد كادوا أن يموتوا عطشاً (وفي رواية الإرشاد: ومات الدليلان عطشاً)، فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي الى الحسين وذلك بالمضيق من بطن الخُبيت (وفي رواية الإرشاد: بطن الخبت): أمّا بعدُ، فإنّي أقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق وضلاّ، واشتدّ علينا العطش، فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلنا حتى انتهينا









(1) نفس المصدر.
(2) راجع: البحار 44: 354.
(3) راجع البحار 42: 116.






[49]



إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا، وذلك الماء بمكان يُدعى المضيق من بطن الخبيت، وقد تطيّرتُ من وجهي هذا، فإن رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري، والسلام.
فكتب إليه الحسين:
أمّا بعدُ، فقد خشيت ألاّ يكون حملك على الكتاب إليَّ في الاستعفاء من الوجه الذي وجّهتك له إلا الجبن، فامضِ لوجهك الذي وجهتك له، والسلام عليك.
فقال مسلم لمن قرأ الكتاب (وفي رواية الإرشاد: فلما قرأ مسلم الكتاب قال:) هذا مالستُ أتخوّفه على نفسي ..»(1).
إنّ من يراجع ترجمة حياة مسلم بن عقيل ـ على اختصارها في الكتب ـ وله معرفة بالعرف العربي آنذاك عامة وبالشمائل الهاشمية خاصة لايتردد في أنّ هذه القصة مختلقة وأنها من وضع أعداء أهل البيت(عليهم السلام) لتشويه صورة وسمعة هذا السفير العظيم.
فإنّ مسلماً(عليه السلام) كان أحد قيادات ميمنة جيش أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)، وهو الذي خاطب معاوية وكان آنذاك الطاغية ذا اليد المطلقة في العالم الإسلامي: مه، دون أن أضرب رأسك بالسيف !، وهو الذي ودّع الإمام الحسين(عليه السلام) وداع فراق لا لقاء بعده إلاّ في الجنّة بعد أن عرف أنّه متوجّه إلى الشهادة لا محالة من قول الإمام(عليه السلام)له: وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء.









(1) تأريخ الطبري 3: 278، والإرشاد: 204، والأخبار الطوال: 230.






[50]



تُرى هل تخشى الموت نفس مطمئنّة بالسعادة بعده !؟ وهل تتطيّر من لقاء الموت نفس مشتاقة الى لقاء الله ولقاء رسوله(صلى الله عليه وآله) والأحبّة الماضين من أهل البيت(عليهم السلام) !؟ وهل فارقت الطمأنينة نفس مسلم(عليه السلام) لحظة ما !؟ وهذه سيرته في الكوفة تشهد له بثبات وطمأنينة مستيقن من أمره، لايفوقه في مستوى ثباته
إلاّ الإمام المعصوم(عليه السلام). وهل يعقل العارف المتأمّل أو يقبل أنّ الإمام الحسين(عليه السلام)يُرسل في هذه السفارة الخطيرة من يعتوره جبن أو يتطيّر من وجهته لعارض من المألوف أن يصيب كثيراً من المسافرين في تلك الأيام !؟ ثمّ هل من الأدب الحسيني أنّ يخاطب الإمام(عليه السلام)ابن عمّه مسلماً(عليه السلام) بهذا النوع من الخطاب ويتهمه بالجبن !؟
يقول السيّد المقرّم(قدس سره):



«فإنّ المتامّل في صك الولاية الذي كتبه سيد الشهداء لمسلم بن عقيل لايفوته الإذعان بما يحمله من الثبات والطمأنينية ورباطة الجأش، وأنه لايهاب الموت، وهل يعدو بآل أبي طالب إلاّ القتل الذي لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة ؟ ولو كان مسلم هيّاباً في الحروب لما أقدم سيد الشهداء على تشريفه بالنيابة الخاصة عن التي يلزمها كلّ ذلك.
فتلك الجملة التي جاء بها الرواة، وسجلها ابن جرير للحطّ من مقام ابن عقيل الرفيع متفككة الأطراف واضحة الخلل، كيف وأهل البيت ومن استضاء بأنوار تعاليمهم لايعبأون بالطيرة ولا يقيمون لها وزناً.
وليس العجب من ابن جرير إذا سجّلها ليشوّه بها مقام شهيد الكوفة كما هي عادته في رجالات هذا البيت، ولكنّ العجب كيف خفيت على بعض أهل النظر والتدقيق حتى سجّلها في كتابه، مع أنه لم يزل يلهج بالطعن في أمثالها ويحكم






[51]



بأنها من وضع آل الزبير ومن حذا حذوهم»(1).
ويظهر أنّ السيّد المقرّم يرى صحة أصل الحادثة وموت الدليلين وأنّ مسلم ابن عقيل(عليه السلام) بعث برسالة الى الإمام(عليه السلام) وأنّ الإمام(عليه السلام) قد بعث إليه بجواب، ولكن المضمون الذي ينسب فيه التطيّر والجبن الى مسلم بن عقيل(عليه السلام) هو من الموضوعات المختلقة التي لا صحة لها(2).
غير أنّ الشيخ باقر شريف القرشي ينكر أصل الرسالة والجواب ويراهما من الموضوعات حيث يقول:
1ـ «إنّ مضيق الخبت الذي بعث منه مسلم رسالته إلى الإمام يقع مابين مكّة والمدينة حسب مانصّ عليه الحموي (معجم البلدان 2:



343) في حين أنّ الرواية تنصّ على أنّه استأجر الدليلين من يثرب، وخرجوا إلى العراق فضلّوا عن الطريق وماتا الدليلان، ومن الطبيعي أنّ هذه الحادثة وقعت مابين المدينة والعراق، ولم تقع مابين مكّة والمدينة.
2ـ إنّه لو كان هناك مكان يُدعى بهذا الإسم يقع مابين يثرب والعراق لم يذكره الحموي فإنّ السفر منه الى مكّة ذهاباً وإياباً يستوعب زماناً يزيد على عشرة أيّام، في حين أنّ سفر مسلم من مكّة الى العراق قد حدّده المؤرّخون فقالوا: إنّه سافر من مكّة في اليوم الخامس عشر من رمضان، وقدم إلى الكوفة في اليوم الخامس من شوّال، فيكون مجموع سفره عشرين يوماً، وهي أسرع مدّة يقطعها المسافر









(1) مسلم بن عقيل: 138.
(2) راجع نفس المصدر: 111 ـ 113.






[52]



من مكّة الى المدينة (ثم الى الكوفة)(1)... وإذا استثنينا من هذه المدّة سفر رسول مسلم من ذلك المكان ورجوعه إليه، فإنّ مدّة سفره من مكّة إلى الكوفة تكون أقلّ من عشرة أيّام، ويستحيل عادة قطع تلك المسافة بهذه الفترة من الزمن.
3ـ إنّ الإمام اتهم مسلماً ـ في رسالته ـ بالجبن، وهو يناقض توثيقه له من أنه ثقته وكبير أهل بيته، والمبرّز بالفضل عليهم، ومع اتصافه بهذه الصفات كيف يتّهمه بالجبن !؟
4ـ إنّ اتهام مسلم بالجبن يتناقض مع سيرته، فقد أبدى هذا البطل العظيم من البسالة والشجاعة النادرة ما يبهر العقول، فإنّه حينما انقلبت عليه جموع أهل الكوفة قابلها وحده من دون أن يعينه أو يقف إلى جنبه أيّ أحد، وقد أشاع في تلك الجيوش المكثفة القتل مما ملأ قلوبهم ذعراً وخوفاً،



ولمّا جيء به أسيراً الى ابن زياد لم يظهر عليه أيّ ذل أو انكسار، ويقول فيه البلاذري: إنه أشجع بني عقيل وأرجلهم (أنساب الأشراف 2:



836)، بل هو أشجع هاشمي عرفه التأريخ بعد أئمّة أهل البيت(عليهم السلام).
إنّ هذا الحديث من المفتريات الذي وضع للحطّ من قيمة هذا القائد العظيم الذي هو من مفاخر الأمّة العربية والإسلامية»(2).
ولذا فنحن نرجّح رأي القرشي على رأي المقرّم في هذه المسألة، ونذهب للذي ذهب إليه في أنّ أصل الرسالة والجواب لا صحة لهما، والظن قويّ في أنّ الحادثة أيضاً لا صحة لها.









(1) مابين القوسين ليس من الأصل، ولكنّ الصحيح هو هكذا.
(2) حياة الإمام الحسين(عليه السلام) 2: 343 ـ 344.






[53]





مسلم بن عقيل(عليه السلام) في الكوفة



كان الإمام الحسين(عليه السلام) قد أوصى مسلم بن عقيل(عليه السلام) ـ كما مرَّ بنا ـ أن يكون نزوله في الكوفة عند أوثق أهلها «فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها»(1)، ذلك لأن من الطبيعي أن تكون انطلاقة عمله السياسي الثوري في دعوة الناس الى طاعة الإمام(عليه السلام)وتعبئتهم للقيام معه، وتخذيلهم عن آل أبي سفيان، من منزل يكون صاحبه من أوثق أهل الكوفة في الولاء لأهل البيت(عليهم السلام).
قال ابن كثير في تأريخه: «فلمّا دخل الكوفة نزل على رجل يُقال له مسلم بن عوسجة الأسدي(2).









(1) الفتوح 5: 36.
(2) مسلم بن عوسجة الأسدي: ويكنّى أبا حجل، الأسدي السعدي، كان رجلاً شريفاً سريّاً عابداً متنسكاً. وكان صحابياً ممن رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكان فارساً شجاعاً له ذكر في المغازي والفتوح الإسلامية. قال أهل السير: إنّه ممن كاتب الحسين(عليه السلام) من الكوفة ووفى له، وممّن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل الى الكوفة. ولمّا دخل عبيدالله بن زياد الكوفة وسمع به مسلم بن عقيل خرج إليه ليحاربه، فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد، و...، فنهدوا إليه حتى حبسوه في قصره، ثمّ لمّا دارت رحى الأحداث على غير مايتمنّاه أنصار الحق وقبض على مسلم بن عقيل وهاني بن عروة اختفى مسلم بن عوسجه مدّة، ثمّ فرّ بأهله إلى الحسين(عليه السلام)



فوافاه بكربلا وفداه بنفسه رضوان الله تعالى عليه. وهو القائل للإمام(عليه السلام) لمّا رخّص أنصاره ليلة العاشر بالإنصراف عنه: أنحن نخلّي عنك ولم نعذر الى الله في أداء حقّك !؟ أم والله لا أبرح حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ماثبت قائمه بيدي ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك. ولمزيد من معرفة فضائل وتأريخ هذا الشهيد المقدّس راجع ترجمته في كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام): 107 ـ



111).






[54]



وقيل نزل فى دار المختار بن أبي عبيدالثقفي (1)..»(2).









(1) المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي: ولد عام الهجرة، وحضر مع أبيه بعض الحروب وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه عمّه، فنشأ مقداماً شجاعاً لا يتّقي شيئاً، وتعاطى معالي الأمور، وكان ذا عقل وافر، وجواب حاضر، وخلال مأثورة، ونفس بالسخاء موفورة.
وهو الذي فتك بمعظم الذين شركوا في دم الإمام الحسين(عليه السلام) وزعمائهم أيّام ولايته التي دامت ثمانية عشر شهراً. وقُتل على يد مصعب بن الزبير وعمره 67 سنة.
وقد اختلفت الروايات فيه، فبعضها مادحة، وبعضها ذامة، والذامّة منها ضعيفة السند، ومنها قاصرة الدلالة، أو صدرت تقيّة، والمادحة فيها روايات صحيحة.
كما اختلفت الأقوال فيه، ويكفينا هنا قول خمسة من المعاصرين:
1ـ الخوئي: «يكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور في قلوب أهل البيت(عليهم السلام) بقتله قتلة الحسين(عليه السلام)، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت(عليهم السلام) يستحق بها الجزاء من قبلهم، أفهل يحتمل أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)



وأهل البيت(عليهم السلام) يغضّون النظر عن ذلك وهم معدن الكرم والإحسان .. وهذا محمد بن الحنفية بينما هو جالس في نفر من الشيعة وهو يعتب على المختار ـ في تأخير قتله عمر بن سعد ـ فما تمّ كلامه إلا والرأسان عنده، فخرَّ ساجداً وبسط كفيه وقال: اللّهمَّ لا تنس هذا اليوم للمختار وأجزأه عن أهل بيت نبيّك محمّد خير الجزاء، فوالله ما على المختار بعد هذا من عتب ..». (معجم رجال الحديث 18:



100).
2ـ المحدّث القمي: الروايات في المختار الثقفي مختلفة، لكن المُسلّم بأنه أدخل السرور والفرح الى قلب الإمام زين العابدين، بل إنّه أدخل السرور والفرح الى قلوب آل الرسول(عليه السلام)والثكالى واليتامى الذين إستشهد آباؤهم مع الإمام الحسين(عليه السلام)، فخمس سنوات كان العزاء والحزن يخيمان على بيوت أصحاب المصيبة،



فلم تُر مكحلة ولاخاضبة ولادخانٌ يتعالى من بيوتهن حتى شاهدن رأس عُبيد الله بن زياد فخرجن من العزاء، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ المختار أشاد البيوت التي هُدمت، وبعث بالعطايا الى المظلومين، فهنيئاً للمختار الذي بعمله هذا أدخل الفرح إلى قلوب أهل بيت رسول الله(عليه السلام) المطهرين (وقايع الايام ص



40).
3ـ النمازي: «والمختار ـ يعني الذي أنا أختاره ـ أنه المختار لطلب الثار، شفى الله به صدور الأطهار، وسرَّ به قلوب الأبرار، وينجو بشفاعة سيدنا الحسين صلوات الله عليه من درك النار، جزاه الله خيراً من لطف الغفّار».



(مستدركات علم الرجال 7:



385).
4ـ الأميني: «من عطف على التأريخ والحديث وعلم الرجال نظرة تشفعها بصيرة نفّاذة علم أنّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص، وأنّ نهضته الكريمة لم تكن إلا لإقامة العدل باستيصال شأفة الملحدين، واجتياح جذوم الظلم الأمويّ، وأنّه بمنزح من المذهب الكيساني، وأنّ كلّ مانبزوه من قذائف وطامات لا مقيل لها من مستوى الحقيقة والصدق … وقد أكبره ونزّهه العلماء الأعلام منهم: ابن طاووس في رجاله، والعلامة في الخلاصة، وابن داود في الرجال، والفقيه ابن نما فيما أفرد فيه من رسالته .. والمحقق الأردبيلي في حديقة الشيعة، وصاحب المعالم في التحرير الطاووسي، والقاضي نور الله في المجالس، وقد دافع عنه الشيخ أبوعلي في منتهى المقال (6:



240) وغيرهم …». (الغدير 2:



343).



5ـ المامقاني: «… ولا إشكال في إسلامه بل كونه إماميّ المذهب، بل الظاهر اتفاق الخاصة والعامة عليه، بل الحق أنّه كان يقول بإمامة مولانا السّجاد(عليه السلام) .. فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الرجل إماميّ المذهب، فإنّ سلطنته برخصة الإمام، وإنّ وثاقته غير ثابتة، نعم هو ممدوح مدحاً مدرجاً له في الحسان …». (تنقيح المقال 3:



206).
هذا وقد توقّف المجلسيّ في شأنه فلم يمدحه ولم يذمّه.
وإذا ثبت تأريخياً نزول مسلم بن عقيل(عليه السلام) دار المختار ـ كما صرّح بذلك المؤرّخون ـ فإنَّ ذلك يثبت وثاقته، بل يثبت أنه من أوثق أهل الكوفة، وذلك لأن الإمام الحسين(عليه السلام) أمر مسلماً(عليه السلام)أن ينزل عند أوثق أهلها فنزل عند المختار، فيكون هذا النزول من باب تعيين المصداق لكلام الإمام الحسين(عليه السلام)، إن لم يكن هذا النزول بأمر من الإمام نفسه(عليه السلام)، والله العالم.
ولعلّ هناك علّة أخرى لاختيار مسلم دار المختار دون غيرها ـ مع فرض ثبوت ذلك ـ وهو أنه كان صهراً للنعمان بن بشير حاكم الكوفة يومها ـ أي كان زوجاً لابنته عمرة ـ فلاتمدُ يد سوء إلى مسلم(عليه السلام) طالما هو في بيت صهر والي الكوفة.
(2) البداية والنهاية 3: 279.






[55]






[56]



وقال الشيخ المفيد(قدس سره): «... ثمّ أقبل مسلم حتى دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة، وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب، وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين(عليه السلام)وهم يبكون، وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً. فكتب مسلم الى الحسين(عليه السلام)يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفاً، ويأمره بالقدوم ..»(1).
لكنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) بعد قدوم عبيدالله بن زياد الى الكوفة والياً عليها من قبل يزيد، وحصول التطورات السريعة المتلاحقة التي أدّت إلى ضرورة تحوّل عمل مسلم بن عقيل من حالة العلانية إلى السرّ، اضطرّ الى تغيير مقرّه فتحوّلَ الى دار هاني بن عروة(2) زعيم مراد وشيخها وهو شريف من أشراف الكوفة ومن









(1) الإرشاد: 205، وتاريخ الطبري 3: 279 بتفاوت يسير.
(2) هاني بن عروة المرادي: كان هاني من أشراف الكوفة وأعيان الشيعة ومن رؤسائهم، وشيخ مراد وزعيمها، يركب في أربعة آلاف درع وثمانية آلاف راجل. روي أنه أدرك النبي(صلى الله عليه وآله) وتشرّف بصحبته، واستشهد وله من العمر تسع وثمانون سنة (انظر: سفينة البحار 8: 714 و قاموس
الرجال 9: 292 / الطبعة القديمة).
ويشهد على كماله وجلالة قدره وعظيم شأنه الزيارة التي نقلها السيّد ابن طاووس له: «سلام الله العظيم وصلواته عليك ياهاني بن عروة، السلام عليك أيها العبد الصالح، الناصح لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين(عليهما السلام)، أشهد أنّك قتلت مظلوماً، فلعن الله من قتلك واستحلّ دمك، وحشى الله قبورهم ناراً، أشهد أنك لقيت الله



وهو راض عنك بما فعلت ونصحت، وأشهد أنك قد بلغت درجة الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء بما نصحت لله ولرسوله مجتهداً، وبذلت نفسك في ذات الله ورضائه، فرحمك الله ورضي عنك، وحشرك مع محمد وآله الطاهرين، وجمعنا وإياكم معهم في دار النعيم، وسلام عليك ورحمة الله ..» (بحار الأنوار 100: 429 نقلاً عن مصباح الزائر والمزار الكبير ومزار الشهيد).
كما أنه شارك في حرب الجمل بين يدي أميرالمؤمنين، ومن شعره فيها:




  • يالك حرباً حثّها جمّالُها
    قائدة ينقصها ضُلاّلها



  • قائدة ينقصها ضُلاّلها
    قائدة ينقصها ضُلاّلها



هذا عليٌ حوله أقيالُها (البحار 32:



181).

: مؤاخذات وردود:
رغم الموقف المشرّف لهاني وتضحيته بنفسه الزكيّة دون سفير الحسين(عليه السلام) لم يسلم هذا الشهيد البطل من المؤاخذات والانتقادات، وأهم هذه المؤاخذات:



الأولى: إنّ دفاعه عن مسلم بن عقيل(عليه السلام) لم يكن عن بصيرة دينية، بل لمجرّد الحميّة وحفظ الذمام ورعاية حقّ الضيف، فهو مثل مدلج بن سويد الطائي الذي يضرب به المثل فيقال: أحمى من مجير الجراد. وقصته معروفة وهي أنه خلا ذات يوم في خيمته فإذا بقوم من طيء ومعهم أوعيتهم، فقال: ما خطبكم ؟ قالوا: جراد وقع بفنائك فجئنا لنأخذه، فركب فرسه وأخذ رمحه وقال: والله لا يتعرّض له أحد منكم إلا قتلته، أيكون الجراد في جواري ثم تريدون أخذه. ولم يزل يحرسه حتى حميت عليه الشمس فطار، فقال: شأنكم الآن به فقد تحوّل عن جواري ! (راجع مجمع
الأمثال 1: 393 والكنى والألقاب 3:



152).
قد أُجيب على هذه المؤاخذة أنه: «اتفقت الأخبار على أنّ هانياً قد أجار مسلماً وحماه في داره، وقام بأمره، وبذل النصرة وجمع له الرجال والسلاح في الدور حوله، وامتنع من تسليمه لابن زياد، وأبى كلّ الإباء واختار القتل على التسليم حتى أُهين وضرب وعذّب وحبس وقتل صبراً على يد الفاجر اللعين، وهذه كافية في حسن حاله وجميل عاقبته ودخوله في أنصار الحسين وشيعته المستشهدين في سبيله، ويدلّ عليه أمور:
1ـ قوله لابن زياد: فإنه قد جاء من هو أحقّ من حقّك وحقّ صاحبك.



2ـ قوله: لو كانت رجلي على طفل من أطفال أهل البيت مارفعتها حتى تقطع.
3ـ قول الحسين(عليه السلام) لمّا بلغه قتله وقتل مسلم: قد أتانا خبرٌ فظيع، قتل مسلم وهاني وعبدالله بن يقطر.
4ـ بعدما أُخبر الحسين(عليه السلام) بقتل مسلم وهاني استعبر باكياً ثم قال: اللّهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك.
5ـ زيارته المعروفة التي ذكرها أصحابنا رضوان الله عليهم. (تنقيح المقال 3:



289).
أقول: قد تضمّنت هذه الإجابة على دلائل ومؤكدات على أنَّ ما فعله هاني كان عن بصيرة دينية لا مجرّد حميّة وحفظ للذمام ورعاية لحقّ الضيف.
الثانية: دخول هانيء على ابن زياد حين أتى الكوفة، واختلافه إليه فيمن اختلف إليه من أعيانها وأشرافها حتى جاء مسلم، مما يدلّ على أنه كان مع السلطة.
وقد أجيب عنها بأنّ: «هذا أيضاً لا يُعدُ طعناً فيه لأنّ أمر مسلم كان مبنياً على التستر



والإستخفاء، وكان هاني رجلاً مشهوراً يعرفه ابن زياد ويصادفه، فكان انزواؤه عنه يحقق عليه الخلاف، وهو خلاف ما كانوا عليه من التستر، فلذا ألزمه الإختلاف ـ أي المراودة ـ إليه دفعاً للوهم. فلمّا لجأ إليه مسلم انقطع عنه خوفاً، وتمارض حتى يكون المرض عذراً، فجاءه من الأمر مالم يكن في حسابه». (تنقيح المقال 3:



289).
الثالثة: أنّ هانياً نهى مسلماً عن الخروج على ابن زياد !
وأجيب عنها: «فلعلّه رأى أنّ المصلحة في التأخير حتى يتكاثر الناس وتكمل البيعة ويصل الحسين(عليه السلام) الى الكوفة، ويتهيأ لهم الأمر بسهولة، ويكون قتالهم مع الإمام مرّة واحدة». (تنقيح
المقال 3:



289).



الرابعة: أنّ هانياً منع مسلماً من قتل ابن زياد في داره !
وأجيب عنها: «فقد عرفت اختلاف الأخبار في ذلك، إذ في بعضها: أنه هو الذي أشار بقتله، وتمارض لابن زياد حتى يأتيه عائداً فيقتله مسلم، وأنه عاتبه على ترك قتله بعد تهيؤه له بسهولة، وقد اعتذر مسلم تارة: بتعلّق المرأة وبكائها في وجهه ومناشدتها في ترك ما همّ به، وأخرى: بحديث الفتك، وهو المشهور عنه، وأشار إليه المرتضى في تنزيه الأنبياء». (تنقيح المقال 3:



289).
(وراجع: في أن هانياً هو الذي أشار بقتل اين زياد: شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد 16:



102).



الخامسة: قوله لابن زياد: والله ما دعوته إلى منزلي، ولا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول فاستحييت من ردّه وداخلني من ذلك ذمام...
وأجيب عنها بـ: «أنّه قال ذلك يريد التخلّص منه، ومن البعيد أن يأتيه مسلم من غير ميعاد ولا استيثاق، ويدخل في أمانه وهو لايدري به ولم يعرفه ولم يختبره، وكذا عدم اطّلاع هاني ـ وهو شيخ المصر وسيّده ووجه الشيعة ـ على شيء من أمره في تلك المدّة حتى دخل عليه بغتة وفاجأه باللقاء مرّة». (تنقيح المقال 3:



289).
السادسة: تصريح صاحب ـ (روضة الصفا) و(حبيب السير) بأنّ هانياً قال لمسلم حين دخل عليه: لقد أوقعتني في عناء وتكليف، ولولا أنّك دخلت داري لرددتك !
أقول: إن سائر الكتب المعتبرة خالية من هذا القول، فهما قد تفرّدا بهذا النقل، ولم يثبت ذلك.



السابعة: ولعلّها من أشدّ المؤاخذات عليه، وهي أنّ هانياً كان مروّجاً ومبلّغاً لولاية عهد يزيد في الكوفة على عهد معاوية إستناداً إلى ما أورده ابن أبي الحديد في شرح النهج: «وفد أهل الكوفة على معاوية حين خطب لابنه يزيد بالعهد بعده، وفي أهل الكوفة هاني بن عروة المرادي وكان سيّداً في قومه، فقال يوماً في مسجد دمشق والناس حوله: العجب لمعاوية يريد أن يقسرنا على بيعة يزيد، وحاله حاله، وما ذاك والله بكائن. وكان في القوم غلام من قريش جالساً، فتحمّل الكلمة الى معاوية، فقال معاوية: أنت سمعت هانئاً يقولها ؟ قال: نعم. قال: فاخرج فأتِ حلقته، فإذا خفّ الناس عنه فقل له: أيها الشيخ، قد وصّلت كلمتك إلى معاوية، ولستَ في زمن أبي بكر وعمر، ولا أحبّ أن تتكلم بهذا الكلام فإنهم بنو أميّة، وقد عرفت جرأتهم وإقدامهم،



ولم يدعني الى هذا القول لك إلاّ النصيحة والإشفاق عليك، فانظر مايقول فإتني به. فأقبل الفتى الى مجلس هانيء، فلمّا خفّ مَن عنده دنا منه فقصّ عليه الكلام، وأخرجه مخرج النصيحة له، فقال هانيء: والله يابن أخي ما بلغت نصيحتك كلّ ما أسمع، وإنّ هذا الكلام كلام معاوية أعرفه ! فقال الفتى: وما أنا ومعاوية ! والله ما يعرفني. قال: فلا عليك، إذا لقيته فقل له: يقول لك هانيء: والله ما إلى ذلك من سبيل، انهض ياابن أخي راشداً. فقام الفتى فدخل على معاوية فأعلمه، فقال: نستعين بالله عليه. ثم قال معاوية بعد أيّام للوفد:



إرفعوا حوائجكم ـ وهانيء فيهم ـ. فعرض عليه كتابه فيه ذكر حوائجه، فقال: ياهانيء، ما أراك صنعت شيئاً! زد. فقام هانيء فلم يدع حاجة عرضت له إلا وذكرها، ثم عرض عليه الكتاب، فقال: أراك قصّرت فيما طلبت ! زد. فقام هاني فلم يدع حاجة لقومه ولا لأهل مصره إلاّ ذكرها، ثم عرض عليه الكتاب، فقال: ماصنعت شيئاً ! زد. فقال: ياأمير المؤمنين، حاجة بقيت ! قال: ماهي !؟ قال: أن أتولّى أخذ البيعة ليزيد بن أمير المؤمنين بالعراق ! قال: افعل، فما زلت لمثل ذلك أهلاً. فلمّا قدم هاني العراق قام بأمر البيعة ليزيد بمعونة من المغيرة بن شعبة وهو الوالي بالعراق يومئذ». (شرح



النهج 18:



408).



/ 31