مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
(1) حياة الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام)، 2: 349.
(2) راجع: حياة الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام)، 2: 188 ـ 190.
(3) راجع: نفس المصدر، 2: 349.






[128]



حركة النفاق تبنياً تاماً، وكان من معالم هذه السياسة أنّ معاوية كان يتحاشى المواجهة العلنية مع الإمام الحسين(عليه السلام)، وأنّ معاوية لو اضطرّ إلى مواجهة علنية أي إلى قتال ضدّ الإمام الحسين(عليه السلام)، وظفر بالإمام(عليه السلام) لعفا عنه، وليس ذلك حباً للإمام(عليه السلام) وإنّما لأنّ معاوية ـ وهو من دهاة السياسة النكراء والشيطنة ـ يعلم أنّ إراقة دم الإمام(عليه السلام) علناً وهو بتلك القدسية البالغة في قلوب الأمّة كفيل بأن يفصل الأمويّة عن الإسلام ويذهب بجهود حركة النفاق عامة والحزب الأموي خاصة أدراج الرياح،



خصوصاً الجهود التي بذلها معاوية في مزج الأموية بالإسلام فى عقل الأمّة وعاطفتها مزجاً لم يعد أكثر هذه الأمّة بعدها يعرف إلا (الإسلام الأموي)، حتّى صار من غير الممكن بعد ذلك الفصل بين الإسلام والأموية إلا إذا أريق ذلك الدم المقدّس ـ دم الإمام(عليه السلام) ـ على مذبح القيام ضد الحكم الأموي.(1)
ولقد صرّح معاوية بذلك حتى للإمام الحسين(عليه السلام) نفسه قائلاً: «..ولكنني قد ظننتُ ياابن أخي أنّ في رأسك نزوة، وبودّي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك، وأتجاوز عن ذلك، ولكنني والله أتخوّف أن تُبلى بمن لاينظرك فواق ناقة».(2)
وقال في وصيته لابنه يزيد بصدد الإمام الحسين(عليه السلام): «.. ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه، فإنْ خرج وظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رحماً ماسّة وحقاً عظيماً وقرابة من محمّد».(3)





(1) وقد كشف النعمان عن معرفته بموقف معاوية من قتل الإمام الحسين(عليه السلام) في محاورته مع يزيد (كما في رواية الصفحة التالية).
(2) شرح نهج البلاغة، 18: 409.
(3) الكامل في التأريخ، 2: 523.






[129]



وكان النعمان بن بشير مؤمناً بصحة نظر معاوية في هذا الصدد، وقد أراد أن يذكّر يزيد نفسه بذلك، حينما استدعاه يزيد الى القصر بعد مقتل الإمام(عليه السلام) وبعد نصب الرأس المقدّس بدمشق، فلمّا جاءه سأله يزيد قائلاً: كيف رأيت ما فعل عبيدالله بن زياد ؟
قال النعمان: الحرب دُوَل.
فقال يزيد: الحمد لله الذي قتله !
قال النعمان: قد كان أميرالمؤمنين ـ يعني به معاوية ـ يكره قتله.(1)
ولا شك أن معاوية ـ كما قلنا من قبل ـ يكره قتل الإمام(عليه السلام) في مواجهة علنية، أمّا في مواجهة سريّة فما أكثر من قتلهم معاوية بالسّم أو الاغتيال،



ومنهم الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)، فمعاوية لايتورّع قيد أنملة في المبادرة الى قتل الإمام الحسين(عليه السلام) في مواجهة سرية بسمّ أو اغتيالاً مادعته الضرورة إلى ذلك.
من كلّ ما تقدّم نرجّح أنّ موقف النعمان بن بشير من الثوّار ومن بوادر الثورة إنّما اتسم ظاهراً باللين والتسامح لأنه كان يرى ـ إيماناً بنظرة معاوية ـ أنّ المواجهة العلنيّة مع الإمام الحسين(عليه السلام) ليست في صالح الحكم الأموي.
فلم يكن النعمان ضعيفاً، بل كان يتضعّف مكراً وحيلة، معوّلاً على الأسلوب السرّي والخدعة الخفية للقضاء على الثورة والتخلّص من مسلم بن عقيل(عليه السلام)، بل حتى من الإمام الحسين(عليه السلام).
فالنعمان لم يكن «حليماً ناسكاً يحبّ العافية !» كما صوّرته رواية الطبري، أو «يحب العافية ويغتنم السلامة !» كما صوّرته رواية الدينوري، بل كان شيطاناً يحذو





(1) راجع: مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي، 2: 59 ـ 60.






[130]



حذو معاوية كبيرهم الذي علّمهم الشيطنة في رسم الخطط الماكرة، لكنّه أخطأ هذه المرّة في حساباته، تماماً كما صوّرت ذلك التقارير المرفوعة إلى يزيد من عملاء وجواسيس الحكم الأمويّ في الكوفة، لأنّ الزمن آنذاك كان يجري في صالح النهضة الحسينية، وكان لابدّ من المسارعة الى عزل النعمان والإتيان بوال غشوم كعبيد الله بن زياد، يبادر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تقلب مسار حركة الأحداث في العاجل لصالح الحكم الأموي، وهكذا كان.
ونحن ـ مع هذا ـ لاننفي احتمال أن يكون لسخط النعمان على يزيد، ولوجود صلة المصاهرة بينه وبين المختار تأثير على موقفه من الثوار، لكننا نرجّح أنّ السبب الذي بيّناه كان هو السبب الأهم.




حركة السلطة الأموية المركزية في الشام



لنعد إلى متابعة حركة الأحداث حسب تسلسلها التأريخي، وننظر ماذا صنعت في دمشق التقارير التي رفعها إلى يزيد من الكوفة الأمويون فيها مثل عمارة بن عقبة، وعملاؤهم مثل عمر بن سعد بن أبي وقاص، وجواسيسهم مثل عبدالله بن مسلم بن سعيد الحضرمي !
يتابع الطبريّ رواية القصة قائلاً: «فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد، ليس بين كتبهم إلاّ يومان، دعا يزيد بن معاوية سرجون(1) مولى معاوية.





(1) هو سرجون بن منصور الرومي (النصراني): كان كاتب معاوية وصاحب سرّه، ثمّ صار كاتب يزيد وصاحب سرّه أيضاً بعد موت معاوية. (راجع: تاريخ الطبري، 3: 275 و280 و524; والكامل في التأريخ، 2: 535; والعقد الفريد، 4:



164); ويقول ابن كثير: كان كاتب معاوية وصاحب أمره (البداية والنهاية، 8: 22 و



148); وكان يزيد ينادم على شرب الخمر سرجون



النصراني (الأغاني، 16:



68). فهو إذن مستشاره وصاحب سرّه وأمره ونديمه على الإثم، وهكذا كان المبرّزون من رجال فصيل منافقي أهل الكتاب في خدمة أهداف حركة النفاق، يعملون تحت ظلّ فصائل حركة النفاق الأخرى مثل فصيل حزب السلطة، وفصيل الحزب الأموي، مقرّبين من الحكّام ومستشارين لهم وندماء !
يقول ابن عبد ربه: «سرجون: كتب لمعاوية، ويزيد ابنه، ومروان ابن الحكم، وعبدالملك بن مروان، إلى أن أمره عبدالملك بأمر فتوانى فيه، ورأى منه عبدالملك بعض التفريط، فقال لسليمان بن سعد كاتبه على الرسائل: إنّ سرجون يُدّل علينا بضاعته، وأظنّ أنه رأى ضرورتنا إليه في حسابه، فما عندك فيه حيلة ؟ فقال: بلى، لو شئت لحوّلت الحساب من الرومية الى العربية. قال: افعل. قال: أنظرني أُعاني ذلك. قال: لك نظرةٌ ماشئت. فحوّل الديوان، فولاه عبدالملك جميع ذلك. (العقد



الفريد، 4: 169، عنوان: من نبل بالكتابة وكان خاملاً).






[131]



فقال: مارأيُك ؟ فإنّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين، وقد بلغني عن النعمان ضعفٌ وقول سيءٌ ـ وأقرأه كتبهم ـ فماترى ؟ من أَستعمل على الكوفة ؟ وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد.
فقال سرجون: أرأيت معاوية لو نُشر لك أكنت آخذاً برأيه ؟
قال: نعم.
فأخرج عهد عبيدالله على الكوفة ..
فقال: هذا رأي معاوية، ومات وقد أمر بهذا الكتاب.
فأخذ برأيه، وضمّ المصرين إلى عبيدالله، وبعث إليه بعهده على الكوفة»(1).
ثمّ يتابع الطبري رواية القصة قائلاً:





(1) تأريخ الطبري، 3: 280; والإرشاد: 206 بتفاوت يسير.






[132]



«ثمّ دعا مسلم(1) بن عمرو الباهلي وكان عنده، فبعثه إلى عبيدالله بعهده إلى البصرة، وكتب إليه معه:
أمّا بعدُ، فإنّه كتب إليَّ شيعتي ! من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين، فَسِرْ حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه. والسلام.
فأقبل مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيدالله بالبصرة. فأمر عبيدالله بالجهاز والتهيء والمسير الى الكوفة من الغد».(2)
هذا وقد نقل الموسوي الكركي في كتابه (تسلية المجالس) رسالة يزيد إلى ابن زياد بتفاوت مهم، ونصّها:
«سلام عليك. أمّا بعد: فإنّ الممدوح مسبوب يوماً، والمسبوب ممدوح يوماً، ولك ما لك، وعليك ما عليك، وقد انتميت ونُميتَ إلى كلّ منصب كما قال الأوّل:






  • رُفِعتَ فجاوزتَ السحاب برفعة
    فمالك إلاّ مقعدُ الشمسِ مقعَدُ



  • فمالك إلاّ مقعدُ الشمسِ مقعَدُ
    فمالك إلاّ مقعدُ الشمسِ مقعَدُ







(1) مسلم بن عمرو الباهلي: كان مع زياد بن أبيه في البصرة، وجيهاً في قبيلة باهلة، عريفاً عليها في ولاية زياد بن أبيه سنة 46هـ (راجع تأريخ الطبري، 5:



228)، ثم سكن الشام فكان بصرياً شامياً. ورجع من الشام الى البصرة بكتاب يزيد إلى ابن زياد، ثم سافر معه الى الكوفة، وتكلّم مع هاني بن عروة (رض) حينما أُدخل على ابن زياد ليقنعه بتسليم مسلم(عليه السلام) الى ابن زياد، وهو الذي شتم مسلم بن عقيل(عليه السلام) حين انتهائه الى باب القصر وطلبه الماء. ثم ازدلف الى مصعب بن الزبير، فكان كالوزير لمصعب، وكان يحبّ المال حباً جماً، وبعثه مصعب الى حرب ابن الحرّ فهزم. (راجع وقعة الطف:103، الهامش).
(2) تأريخ الطبري، 3: 280.






[133]



وقد ابتلي زمانك بالحسين من بين الأزمان، وابتلي بلدك دون البلدان. وقد أخبرتني شيعتي من أهل الكوفة أنّ مسلم بن عقيل في الكوفة يجمع الجموع ويشق عصا المسلمين وقد اجتمع إليه خلق كثير من شيعة أبي تراب، فإذا أتاك كتابي هذا فسر حين تقرأه حتى تقدم الكوفة فتكفيني أمرها، فقد ضممتها إليك، وجعلتها زيادة في عملك فاطلب مسلم بن عقيل طلب الخرز، فإذا ظفرت به فخذ بيعته أو اقتله إن لم يبايع واعلم أنه لا عذر لك عندي دون ما أمرتك، فالعجل العجل، الوحا الوحا، والسلام».(1)
وقد روى الوالد(قدس سره) في كتابه (مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)) نقلاً عن كتاب ناسخ التواريخ أن يزيد في رسالته لابن زياد قال: «بلغني أنّ أهل الكوفة قد اجتمعوا على البيعة للحسين، وقد كتبت إليك كتاباً، فاعمل عليه، فإني لا أجد سهماً أرمي به عدوّي أجرأ منك، فإذا قرأت كتابي هذا فارتحل من وقتك وساعتك، وإيّاك والإبطاء والتواني، واجتهد ولا تبق من نسل عليّ بن أبي طالب أحداً، واطلب مسلم بن عقيل وابعث إليَّ برأسه».(2)




تأمّل وملاحظات





1) ـ سرجون النصراني .. والإقتراح المتوقَّع !
في إطار حركة النفاق ـ بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ كان فصيل منافقي أهل الكتاب يرى أنّ غاية وجوده وعلّة تأسيسه هي دعم خطّ الإنحراف عن أهل البيت(عليهم السلام)، وتكفي نظرة عابرة على سيرة أمثال: كعب الأحبار، وتميم الداري،





(1) تسلية المجالس، 2: 180.
(2) مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) للمرحوم آية الله الشيخ محمدرضا الطبسي (مخطوط): 137.






[134]



ووهب بن منبّه، ونافع بن سرجس مولى عبدالله بن عمر، وسرجون مستشار معاوية ويزيد، وأبي زبيد مستشار الوليد بن عقبة، دليلاً على منهج هذا الفصيل في نوع حركته على أساس العداء لأهل البيت(عليهم السلام).
فكان من المتوقّع بما يشبه اليقين ـ على ضوء التحليل التأريخي والنفسي ـ أن يبادر سرجون نفسه فيقترح على يزيد تعيين عبيدالله بن زياد والياً على الكوفة بدلاً من النعمان بن بشير لمواجهة المستجدّات الصعبة هناك، لما يعلمه سرجون من حقد عبيدالله على أهل البيت(عليهم السلام) وبغضه الشديد لهم، وهذا أهم مزايا عبيدالله في نظر سرجون، ولما يعلمه فيه من عدم التورع عن الغشم والظلم والقتل، وقدرة إدارية عمادها المكر والحيلة، فهو الرجل المناسب لإدارة الأمور في الكوفة في ذلك الظرف الإستثنائي المعقّد.



لكنّ سرجون يعلم أيضاً أنّ هذا الإقتراح قد لايقبله يزيد لأنّه كان يبغض عبيدالله بغضاً شديداً(1) أو كان عاتباً عليه،(2) فسعى سرجون إلى دعم هذا الإقتراح بكتاب معاوية ـ الذي أمر به قبيل وفاته ـ بتولية عبيدالله بن زياد على الكوفة، مؤكداً بذلك مطابقة رأي معاوية لرأيه في هذه المسألة أو العكس.
فسرجون وهو ممثل فصيل منافقي أهل الكتاب في البلاط الأمويّ لم يكن غير ذي رأي في المسألة، بل كان قد اقترح ما يراه هو ـ بطريقة غير مباشرة ـ في إطار رأي معاوية في نفس المسألة، وما يدرينا فلعلّه كان قد أشار على معاوية أيضاً بنفس هذا الرأي فتبنّاه معاوية، ثمّ أظهره سرجون ليزيد في الوقت المناسب على أنه رأي أبيه، والله العالم.





(1) راجع: تذكرة الخواص: 218.
(2) راجع: تأريخ الطبري، 2: 280.






[135]





2) ـ ماذا يعني عهد معاوية ـ أواخر أيّامه ـ لعبيدالله على الكوفة !؟
لقد أحسَّ معاوية بن أبي سفيان قبيل وفاته بإرهاصات تمرّد الكوفيين على الحكم الأموي، ذلك لأنّ عامة أهل العراق بنوع خاص نتيجة مالمسوه من فداحة الظلم الأموي صاروا يرون بغض بني أميّة وحبّ أهل البيت(عليهم السلام) ديناً لأنفسهم.(1)
فكان لابدَّ للكوفة خاصة من إدارة قويّة تمسك بأزمّة الأمور فيها، الأمر الذي لم يوفّق فيه النعمان بن بشير واليها وقتذاك، فبادر معاوية إلى استباق الأحداث وعهد الى عبيدالله بن زياد بالولاية على الكوفة، ليضبط الأمور فيها، لكن الموت أدرك معاوية قبل التنفيذ العملي لهذا العهد، وبقي كتاب هذا العهد محفوظاً عند مستشاره سرجون النصراني، الذي ربّما كان هو الذي حرّك معاوية باتجاه اتخاذ مثل هذا القرار.



هذا، وهناك رأي آخر يقول: إنّ قرار معاوية ـ بمشورة سرجون ـ بتعيين عبيدالله بن زياد والياً على الكوفة يعتبر الخطوة العملية الأولى لقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ذلك لأنّ معاوية يعلم أنّ الإمام(عليه السلام) ـ بعد موت معاوية ـ لن يبايع ليزيد، ولابدّ له من القيام، ولابدّ لأهل الكوفة من تأييده ودعوته إليهم، فلابُدَّ إذن من المواجهة العلنية مع الإمام(عليه السلام).
ومعاوية يعلم أنّ يزيد وعبيدالله بن زياد بما يحملانه من حقد شديد على أهل البيت(عليهم السلام) واعتساف في معالجة الأمور وقلّة في التدبّر والدهاء والصبر سوف يقدمان على قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، بل كان معاوية قد أخبر الإمام(عليه السلام)بذلك في إحدى رسائله إليه.(2)





(1) راجع: الفتنة الكبرى: 295.
(2) راجع: شرح نهج البلاغة، 18: 409.






[136]



إذن فمعاوية بهذا مشارك فعّال في جريمة قتل الإمام(عليه السلام) !
ونقول: إنّ هذا صحيح من حيث النظر الى النتيجة العملية، وقد أدرك معاوية هذه النتيجة في حياته، في إصراره على البيعة لإبنه يزيد ولياً للعهد من بعده ـ وتولية يزيد على كلّ البلاد أهمّ من تولية عبيدالله على الكوفة ـ وكان معاوية يعلم بأنّ يزيد سيرتكب تلك الجريمة ـ التي تحاشا معاوية أن يرتكبها هو في حياته ـ لأنه يعلم أنّ قتل الإمام(عليه السلام) في مواجهة علنية، سوف يقضي بالنتيجة على الحكم الأموي نفسه، وعلى كلّ جهود حركة النفاق منذ وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)، إلى موت معاوية، ولذا كان معاوية إذا تأمّل في النتيجة العملية تأكلُ قلبه الحسرة إزاء ضعفه أمام عاطفته ليزيد وهواه فيه، فكان يقول: «ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي ..».(1)



وقد حاول معاوية قبل موته أن يحتاط لهذا الأمر وأن يحول دون أن يرتكب يزيد من بعده حماقة قتل الإمام الحسين(عليه السلام) في مواجهة علنية، فأوصاه بذلك،(2)ولعلّه أكّد عليه في هذه المسألة بأكثر من سبيل، ولات حين فائدة !!



3) ـ يزيد يستخدم أسلحة أبيه في الإرهاب الديني !!
من التضليل الديني الذي ابتدعه معاوية لتثبيت ملكه، ولاستخدامه في إرهاب الأمّة إرهاباً دينياً من أجل تحذيرها وتخديرها عن التفكير بالقيام ضده، الأحاديث الكثيرة التي وضعها له وافتراها على رسول الله(صلى الله عليه وآله) عملاؤه من صحابة وتابعين معروفين بنفاقهم وتهالكهم على دنيا معاوية، كأبي هريرة، وعمرو بن العاص،





(1) الفتوح، 4: 344; والبداية والنهاية، 8: 126.
(2) وقد رويت هذه الوصية في مصادر الفريقين مع تفاوت في الألفاظ: راجع مثلاً: تأريخ



الطبري، 3:260; والكامل في التاريخ، 2: 523; وأمالي الصدوق: 129 المجلس 30، حديث رقم 1.






[137]



وعبدالله بن عمر، والمغيرة بن شعبة، وسمرة بن جندب، وغيرهم من النفعيين، الذين تفنّنوا في وضع مفتريات تدعو الأمّة الى الصبر على ظلم الحاكم الجائر والخضوع له وعدم الخروج عليه، فمن مفتريات ابن عمر ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ «ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائناً ما كان» و«من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنّ من فارق الجماعة شبراً فمات إلا ميتة جاهلية!» و«أدّوا إليهم حقّهم ـ أي الحكام ـ واسألوا الله حقّكم !»(1) وأمثال ذلك.
فأراد يزيد أن يعزف على نفس النغمة في رسالته الى عبيدالله بن زياد بقوله: «فإنه كتب إليَّ شيعتي ! من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ..»، وكأنّ يزيد أراد أن ينبّه ابن زياد ليقوم باستخدام تهمة



«شقّ عصا المسلمين» في مواجهة مسلم إعلامياً، ويعرّفه أن عقوبة هذه التهمة هي القتل، وما يجري على مسلم من التهم عند الأمويين يجري بالضرورة على سيّده الإمام الحسين(عليه السلام)، بل لقد وجّه الأمويون هذه التهمة إلى الإمام(عليه السلام)بشكل سافر لمّا أرادوا منعه عن الخروج من مكّة المكرّمة فأبى عليهم، حيث نادوه: «ياحسين، ألا تتقي الله ؟ تخرج من الجماعة، وتفرّق بين هذه الأمّة !!».(2)
ولقد أسرف ابن زياد في استخدام هذه التهمة إعلامياً ضدّ مسلم بن عقيل(عليه السلام)والثوّار في الكوفة لتنفير الناس عنهم، وخاطب مسلماً(عليه السلام) بهذه التهمة مباشرة بعد أن تمكّنوا منه وأحضروه في القصر قائلاً: «ياعاقّ، ياشاقّ، خرجت على إمامك، وشققت عصا المسلمين، وألقحت الفتنة !»، لكنّ البطل الشجاع مسلم





(1) راجع: ثورة الحسين(عليه السلام) ظروفها الإجتماعية وآثارها الإنسانية: 105 ـ 114.
(2) تأريخ الطبري، 3: 296.






[138]



بن عقيل(عليه السلام) ردّ عليه قائلاً: «كذبت ياابن زياد، إنّما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد، وأمّا الفتنة فإنّما ألقحها أنت وأبوك زياد ..».(1)



4) ـ من هو عبيدالله بن زياد !؟
كان زياد بن أبيه قبل استلحاق معاوية إيّاه وادعّائه أنه أخوه من أبيه يرى نفسه من الموالي، لأنه ولد على فراش عبيد الرومي،(2) فكان زياد يحنو على الموالي ويدافع عنهم ويدرء عنهم الغوائل، كما فعل في ردّ عمر بن الخطاب عن خطّته في الفتك بالموالي والأعاجم التي كتب بها الى أبي موسى الأشعري.(3)
ولعلّ هذا العامل النفسي كان أقوى عوامل انتماء زياد بن أبيه إلى



صفّ أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام) والعمل تحت لوائه حينذاك.
وكان معاوية بدهائه وخبثه ومعرفته بنفسية زياد بن أبيه قد انتبه الى هذا العامل النفسي المؤثّر جدّاً في نوع انتماء زياد فكرياً وسياسياً، فبادر إلى القول بتلك الدعوى المختلقة، دعوى الإستلحاق، ليُطلق زياداً من عقدة انتمائه الى الموالي، وينسبه إلى نسبه (إلى أبيه) أي إلى بيت معروف من بيوتات قريش، وبهذا ضمن معاوية ـ بماله من معرفة بزياد ـ تحوّله إلى صفّه وباطله.
وهكذا كان، فبعد أن تحوّل زياد إلى باطل معاوية متحرراً من عقدة الموالي بطش بالموالي أشدّ البطش، وكان جلّ الشيعة منهم، وساعده على ذلك معرفته السابقة بهم وبأشخاصهم ورموزهم وأمكنتهم.





(1) اللهوف: 121.
(2) وقيل: هو أبوعبيد عبد بني علاج من ثقيف (نهج الحق وكشف الصدق:



307).
(3) راجع: تفصيل القصة في كتاب سليم بن قيس: 174 ـ 179.






[139]



وفي الرسالة الإحتجاجية الشاملة التي بعثها الإمام الحسين(عليه السلام) إلى معاوية أشار(عليه السلام) إلى هذا البعد النفسي من وراء الإستلحاق إضافة إلى مخالفة هذا الإستلحاق للشريعة المقدّسة، تأمّل في قوله(عليه السلام) في هذه الرسالة:
«أولستَ المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد ثقيف!؟ فزعمت أنّه ابن أبيك، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، وتركت سُنّة رسول الله تعمّداً وتبعت هواك بغير هدى من الله، ثُمَّ سلّطته على العراقين، يقطّع أيدي المسلمين وأرجلهم، ويسمّل أعينهم،



ويصلّبهم على جذوع النخل، كأنّك لست من هذه الأمّة وليسوا منك ..».(1)
ولقد نشأ عبيدالله بن زياد في ظلّ الإعتزاز بالنسب السفياني، وكان يفخر به،(2)وأجّج فيه وهم هذا الإنتساب نيران حقد شديد على أهل البيت(عليهم السلام) خاصة والشيعة عامة، فسجّل له التأريخ ملفاً أسود مليئاً بأبشع الجرائم التي يندى لها جبين التأريخ نفسه !
وروي أنّ عبيدالله ولد سنة 20هـ ،(3) وكانت أمّه مرجانة مجوسية معروفة بالبغاء، فارقها زياد وتزوّج بها شيرويه (الأسواري)،(4) ودفع زياد إليها عبيدالله فنشأ في بيت شيرويه (ولم يكن مسلماً) وتربّى في بيته، فكانت فيه لكنة لايستطيع





(1) إختيار معرفة الرجال، 1: 252 ـ 259 رقم 99.
(2) فقد قال لأهل البصرة مثلاً: «.. وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان» (تاريخ الطبري، 3:



281).
(3) راجع: تأريخ الطبري، 3: 246.
(4) الأساورة: قوم من العجم بالبصرة نزلوها قديماً... والإسوار والأسوار. الواحد من أساورة فارس وهو الفارس من فرسانهم المقاتل.. (راجع: لسان العرب، 4:



388).






[140]



بسببها أداء بعض الحروف العربية كماهي، فكان يقول للحروري مثلاً: هروري، فيضحك سامعوه.(1)
وهلك أبوه زياد سنة 53هـ، فوفد ابنه عبيدالله على معاوية فولاه خراسان سنة 54 هـ ،(2) ثمّ ولاه البصرة سنة 55 هـ، فترك على خراسان أسلم بن زرعة الكلابي ورجع إلى البصرة.(3) ولما مات معاوية كان عبيدالله لم يزل والياً عليها.
ومع أنّ حقد عبيدالله بن زياد على أهل البيت(عليهم السلام) كان كافياً في دفعه الى ارتكاب جريمة قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، لكنّ خوفه من نقمة يزيد عليه وبغضه له، ورغبة عبيدالله فى ترضية يزيد والتودّد إليه، شكّلا دافعاً مضافاً في العزم على قتل الإمام(عليه السلام) وإظهار الإخلاص التام ليزيد.(4)
وكان يزيد قد استخدم مع عبيدالله نفس سلاح أبيه معاوية مع زياد في تهديده بسحب هوية النسب الأموي المكذوب منه فيعود كما هو عبداً لثقيف، حينما حثّه على امتثال أمره في قتل الإمام(عليه السلام) إذ كتب إليه: «إنه قد بلغني أنّ حسيناً سار إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك بين البلدان، وابتليت به من بين العمّال، وعنده تُعتق أو تعود عبداً، فقتله عبيدالله وبعث برأسه وثقله إلى





(1) راجع: سير أعلام النبلاء، 3: 545; والعقد الفريد، 2: 477; والملحمة الحسينية، 3:140.
(2) راجع: تأريخ الطبري، 3: 242 و246.
(3) نفس المصدر.
(4) ولعلّ بغض يزيد لعبيدالله (كما في تذكرة الخواص:



218) أو عتبه عليه (كما في تاريخ



الطبري، 3:



280) كان نتيجة لبغض يزيد لزياد أبي عبيدالله بسبب ماكان يراه زياد من عدم لياقة يزيد للخلافة بسبب افتضاح فسقه وفجوره، وكان زياد يُثنى معاوية عن الإقدام على أخذ البيعة بولاية العهد ليزيد ويحذّره من عواقب ذلك.






[141]



يزيد».(1)
وكان عبيدالله قبيح السريرة، فاسقاً ظالماً غشوماً جباناً إذا ضعف، جبّاراً إذا تمكّن، قال الحسن البصري: «قدم علينا عبيدالله، أمّره معاوية غلاماً سفيهاً، سفك الدماء سفكاً شديداً .. وكان عبيدالله جباناً».(2)



/ 31