مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
يذهب بعض المحقّقين المتتبعين إلى عكس ما أورده الشيخ السماوي(قدس سره)حيث يقول: «ولمّا عزم الإمام(عليه السلام) على مغادرة الحجاز والتوجّه إلى العراق أمر بجمع الناس ليلقي عليهم خطابه التأريخي، وقد اجتمع إليه خلق كثير في المسجد الحرام من الحجّاج وأهالي مكّة، فقام فيهم خطيباً، فاستهلّ خطابه بقوله ..»(1)، ثم أورد تلكم الخطبة نفسها.
ومن الأدلّة على أنّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من مكّة لم يكن سرّاً أنّ والي مكة يومئذ عمرو بن سعيد بن العاص أمر صاحب شرطته باعتراض الركب الحسيني عند الخروج، يقول التأريخ: «ولمّا خرج الحسين من مكّة اعترضه صاحب شرطة أميرها عمرو بن سعيد بن العاص في جماعة من الجند.





(1) حياة الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) 3: 47.




[101]


فقال: إنّ الأمير يأمرك بالإنصراف فانصرف وإلا منعتك.
فامتنع عليه الحسين، وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط.
وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطته يأمره بالإنصراف.»(1).
إذن فخروج الركب الحسينيّ من مكّة لم يكن سرّاً، وهذا لا ينافي الحقيقة





(1) الأخبار الطوال: 244 / وراجع: الكامل في التاريخ 2: 547 وفيه: «ثم خرج الحسين يوم التروية فاعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص ..». وتاريخ الطبري 3: 96 وفيه: «لمّا خرج الحسين من مكّة اعترضه رسل عمرو بن سعيد …». لكنّ ابن عبد ربّه في كتابه العقد الفريد 4: 377 تفرّد بهذا النقل الغريب: «ثم خرج ـ أي عمرو بن سعيد ـ إلى مكّة، فقدمها قبل يوم التروية بيوم، ووفدت الناس للحسين يقولون: ياأبا عبدالله، لو تقدّمت فصلّيت بالناس فأنزلتهم بدارك ! إذ جاء المؤذّن بالصلاة، فتقدّم عمرو بن سعيد فكبّر، فقيل للحسين: أخرج أبا عبدالله إذ أبيت أن تتقدّم. فقال: الصلاة في الجماعة أفضل. قال: فصلّى، ثمّ خرج، فلمّا انصرف عمرو بن سعيد بلغه أنّ حسيناً قد خرج، فقال: اطلبوه، إركبوا كلّ بعير بين السماء


والأرض فاطلبوهـ! قال: فعجب الناس من قوله هذا، فطلبوه فلم يدركوه.».
وهذه الرواية مع مخالفتها لحقائق تأريخية عديدة، أهمّها أنّ التأريخ الموثّق لم يروِ أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد صلّى خلف أحد ولاة يزيد بن معاوية في جماعة أبداً، نراها تضطرب اضطراب خيال الأطفال فتصوّر أنّ الإمام(عليه السلام) ما إنْ يخرج من المسجد حتى يختفي مع الركب الحسيني الكبير في خروجه من مكّة الى درجة أنّ عمرو بن سعيد لمّا انصرف من نفس الصلاة التي كان الإمام(عليه السلام) معه فيها! (على فرض الرواية) طلب من جلاوزته أن يطلبوا الإمام(عليه السلام) على كلّ بعير بين السماء والأرض فلم يدركوه !!
يقول العلامة الأميني (ره) في كتابه الغدير 3: 78 «قد يحسب القاريء لأوّل وهلة أنه ـ أي العقد الفريد ـ كتاب أدب لا كتاب مذهب، فيرى فيه نوعاً من النزاهة، غير أنّه متى أنهى سيره إلى مناسبات المذهب تجد مؤلّفه ذلك المهوّس المهملج، ذلك الأفّاك الأثيم.».




[102]


التأريخية في أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد استبق الأحداث والزمان فخرج من مكّة مبادراً قبل أن يغتاله الحكم الأمويّ فيها أو يُقبَض عليه، لأن خروج الإمام(عليه السلام) من مكّة بالركب الحسيني الكبير نسبياً وقتذاك كان على امتناع وأهبة واستعداد لكلّ احتمال، في وقت لم يكن من مصلحة الحكم الأموي أن تواجه سلطته المحلّية في مكّة ـ على فرض امتلاكها القوّة العسكرية الكافية ـ(1) الإمام الحسين(عليه السلام) مواجهة حربية علنية في مكّة أو في أطرافها، لأنّ الأمويين يعلمون ما للإمام الحسين(عليه السلام)


من مكانة سامية عزيزة وقدسية بالغة في قلوب جموع الحجيج الذين لازالوا آنذاك في مكّة، فهم يخافون من انقلاب الأمر وتفاقمه عليهم، ولعلَّ رواية الدينوري السابقة تشعر بهذه الحقيقة حيث تقول: «.. وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطته يأمره بالإنصراف».
وعلى ضوء ما تقدّم تتأكّد صحة ماتقدّم في الجزء الأوّل(2) من هذا الكتاب (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة): أنّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من مكّة المكرّمة (وكذلك من المدينة) في السحر أو في أوائل الصبح في ستر الظلام من أجل ألاّ تتصفح أنظار الناس في مكّة (وكذلك في المدينة) في وضح النهار حرائر





(1) «فقد روي أنه لما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد بن العاص إلى مكّة في جند كثيف، قد أمره يزيد أن يناجز الحسين(عليه السلام) (إن هو ناجزه !) أو يقاتله (إن قدر عليه !)، فخرج الحسين(عليه السلام) يوم التروية.» (نفس المهموم:


163)، ويلاحظ على هذه الرواية ـ وهي تؤكّد وجود قوّة عسكرية كثيفة لدى السلطة الأموية المحلّية في مكّة ـ أنها لا تقطع بأنّ هذه القوّة العسكرية تملك القدرة على إنزال الهزيمة بقوة الإمام(عليه السلام)، بدليل قول الرواية (إن قدر عليه)، كما أنّ هذه الرواية تؤكّد أنّ السلطة الأموية لاتريد مناجزة الإمام(عليه السلام) (في قتال علني) في مكّة إلا إذا اضطرّت الى ذلك، بدليل قول الرواية (إن هو ناجزه). فتأمّل.
(2) الإمام الحسين(عليه السلام) في المدينة المنورة:399 ـ 401 .




[103]


بيت العصمة والرسالة والنساء الأُخريات في الركب الحسيني، وهذا هو السبب الأقوى ـ إن لم يكن السبب الوحيد ـ في مجموعة الأسباب التي دفعت الإمام(عليه السلام)إلى الخروج في السحر أو في أوائل الصبح، وهذا ما يتناسب تماماً مع الغيرة الحسينية الهاشمية.


لماذا حمل الإمام(عليه السلام) النساء والأطفال معه !؟


في السحر الذي أرتحل فيه الإمام الحسين(عليه السلام) خارجاً عن مكّة الى العراق كان أخوه محمد بن الحنفية(رض) قد هرع إليه، حتى إذا أتاه أخذ زمام ناقته التي ركبها «فقال له: يا أخي، ألم تعدني النظر فيما سألتك!؟
قال(عليه السلام): بلى!
قال: فما حداك على الخروج عاجلاً؟
فقال(عليه السلام): أتاني رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بعدما فارقتك فقال: يا حسين، أخرج فإنّ اللّه شاء أن يراك قتيلا!
فقال له ابن الحنفية: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال!؟
فقال له(عليه السلام): قد قال لي: إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا!
وسلّم عليه ومضى».(1)
وفي إحدى محاوراته(عليه السلام) مع ابن عباس(رض):





(1) اللهوف: 128.




[104]


قال له ابن عبّاس: «جُعلتُ فداك يا حسين، إن كان لابدّ من المسير إلى الكوفة فلا تَسِر بأهلك ونسائك، فوالله إنّي لخائف أن تُقتل...
فقال(عليه السلام): يا ابن العمّ، إني رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في منامي وقد أمرني بأمر لا أقدر على خلافه، وإنه أمرني بأخذهم معي، إنهنّ ودائع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا آمن عليهنّ أحداً، وهنّ أيضاً لايفارقنني...».(1)
وفي محاورته(عليه السلام) مع أمّ سلمة(رض) في المدينة:
كان(عليه السلام) قد قال لها: «يا أمّاه، قد شاء الله عزّ وجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولامعيناً».(2)
لقد علّل الإمام(عليه السلام) حمله لأهله ونسائه معه ـ في محاوراته مع ثلاثة من أشدّ الناس إخلاصاً له ـ بأنّ ذلك تحقيق لمشيئة الله سبحانه، وامتثال لأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنه(عليه السلام) يخاف أن تتعرض ودائع رسول الله(صلى الله عليه وآله) للأذى والمكروه من بعده إذا فارقنه و بقين في المدينة أو في مكّة! كما علّل ذلك بإصرارهن على الخروج معه!(3)





(1) مدينة المعاجز، 3: 454 .
(2) بحار الانوار، 44: 331.
(3) بعدما أنهى الإمام(عليه السلام) قوله لابن عبّاس(رض): «... وإنهن ودائع رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولا آمن عليهن أحداً وهنّ ايضاً لايفارقنني.» سمع ابن عبّاس بكاءً من ورائه وقائلة تقول: «يا ابن عبّاس، أتشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا و يمضي وحده!؟ وهل أبقى الزمان لنا غيره!؟ لا والله بل نحيى معه ونموت معه!». (راجع: مدينة المعاجز، 3:


454).




[105]


فكيف نفهم ملامح الحكمة في هذه المشيئة الإلهية وهذا الأمر النبوي وفي مخافة الإمام(عليه السلام) على ودائع النبوّة وفي إصرارهن على الخروج معه!؟
ماذا سيجري على عقائل بيت الرسالة لو بقين خلاف الإمام(عليه السلام) في المدينة أو في مكّة مثلاً؟
يرى الشيخ المرحوم عبدالواحد المظفّر في كتابه: (توضيح الغامض من أسرار السنن والفرائض) أنّ: «الحسين(عليه السلام) لو أبقى النساء في المدينة لوضعت السلطة الأموية عليها الحجر، لا بل اعتقلتها علناً وزجّتها في ظلمات السجون، ولابدّ له حينئذ من أحد أمرين خطيرين،


كلّ منهما يشلّ أعضاء نهضته المقدّسة!
إمّا الإستسلام لأعدائه وإعطاء صفقته لهم طائعاً ليستنقذ العائلة المصونة، وهذا خلاف الإصلاح الذي يُنشده وفرض على نفسه القيام به مهما كلّفه الأمر من الأخطار، أو يمضي في سبيل إحياء دعوته ويترك المخدّرات اللواتي ضرب عليهنّ الوحي ستراً من العظمة والإجلال، وهذا ما لاتطيق إحتماله نفس الحسين الغيور.
ولايردع أميّة رادع من الحياء، ولايزجرها زاجرٌ من الإسلام، إنّ أميّة لايهمّها اقتراف الشائن في بلوغ مقاصدها وإدراك غاياتها، فتتوصل إلى غرضها ولو بارتكاب أقبح المنكرات الدينية والعقلية!
ألم يطرق سمعك سجن الأمويين لزوجة عمرو بن الحمق الخزاعي، وزوجة عبيدالله بن الحرّ الجعفي، وأخيراً زوجة الكُميت الأسدي؟».(1)





(1) حياة الامام الحسين بن علي(عليه السلام)، 2:300; وروي أطلق من سجن الحجاج ثلثمائة الف ما بين رجل وامرأة - ومات في حبسه خمسون الف رجل وثلاثون الف إمرأة، منهن ستة عشر ألفا مجردات، عاريات، (حياة الحيوان 1: 96 و


241). وأنّ أمّ خالد (الأحمسية) حبست بأمر من يوسف بن عمر ـ حاكم العراق ـ ثمّ أيام ثورة زيد ـ ثم أمر بها فقطعت يداها. (انظر: معجم رجال الحديث، 4:


109).




[106]


وهذا الإحتمال الذي نظر إليه الشيخ المظفّر (ره) وارد بقوّة، لأنّ السلطة الأمويّة كانت تريد منع الإمام(عليه السلام) من القيام والخروج الى العراق بكلّ وسيلة، حتى وإن كانت هذه الوسيلة اعتقال الودائع النبوية من نساء وأطفال يعزُّ على الإمام الحسين(عليه السلام) تعرّضهم للأذى والإهانة والسجن، فيضطّر الى التحرّك لإنقاذهم، الأمر الذي يشلّ حركة النهضة أو يقضي عليها!
وإمكان إقدام السلطة الأموية على مثل هذه الفعلة لايحتاج إلى أدنى تأمّل، لقد كان ضغط السلطة الأموية على المناهضين لها وإحراجها إياهم من خلال إيذاء عوائلهم وإرهابها وسجنها سنّة من سنن الحكم الأموي، وإضافة الى الأمثلة التي قدّمها الشيخ المظفّر (ره)، فإنّ ما قامت به السلطة الأموية في واقعة الحرّة من انتهاك حرمات الأعراض واستباحتها،


بل ما فعلته السلطة الأموية بالودائع النبوية نفسها في السبي بعد استشهاد الإمام(عليه السلام) دليل على سهولة مثل هذه الجسارة العظيمة عند طغاة بني أميّة، وبهذا قد يتجلّى لنا هنا بعد من أبعاد الحكمة في الأمر النبوي بحملهن!
وهذا المحذور ـ حدث تعرّض الودائع النبوية للأذى والسجن ـ سواء وقع قبل خروج الإمام(عليه السلام) (من المدينة أو مكّة)، أو بعد خروجه (وقبل استشهاده)، سيكون حدثاً خارجاً عن مسار حركة أحداث النهضة وأجنبياً عنها، وذا أثر مضادّ لمتّجه آثارها، بخلاف ما إذا وقع هذا الحدث في إطار حركة أحداث هذه النهضة وفي مسارها المرسوم، إذ إنه يكون حينذاك امتداداً لها، وتبليغاً بحقائقها، وتحقيقاً لغاياتها.




[107]


فكان لابدّ للإمام(عليه السلام) من حمل هذه الودائع العزيزة ونسائه معه كيلا يعوّق العدوّ من خلالها على مسار النهضة المقدّسة.
ومع تفويت الإمام(عليه السلام) الفرصة على أعدائه بذلك ـ والحمد لله الذي جعل أعداء أهل البيت(عليه السلام) من الحمقى ـ كان الإمام(عليه السلام) عالماً منذ البدء بضرورة حمل هذه الودائع النبوية معه تحقيقاً (لمسيرة التبليغ الكبرى) ـ بعد استشهاده ـ بدواعي النهضة الحسينية، وبأهدافها، وبمظلومية أهل البيت(عليه السلام) وأحقيتهم بالخلافة، وبحقيقة كفر آل أميّة ونفاقهم وعدائهم للإسلام الحقّ وأهله.
كان الإمام(عليه السلام) عالماً منذ البدء بضرورة هذه المسيرة الإعلامية التبليغية الكبرى من بعده، والتي ينهض بأعبائها بقيّة الله الإمام السجّاد(عليه السلام) وودائع النبوة في أيّام السبي والترحيل من بلد إلى بلد،


إذ لولا هذه المسيرة الإعلاميّة التبليغية لما كان يمكن للثورة الحسينية أن تحقّق كامل أهدافها في عصرها وفي مابعده من العصور إلى قيام الساعة، ولعلّ هاهنا مكمن السرّ في «إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا»، وفي الأمر النبوي بحملهنّ.
إذن فحمل الإمام(عليه السلام) لودائع النبوّة معه ضرورة من ضرورات نجاح الثورة الحسينية، وكان لابدّ للإمام(عليه السلام) أن يقوم بذلك حتى ولو لم يكن هناك احتمال لتعرّض هذه الودائع النبوية للأذى والسجن إذا بقين خلاف الإمام(عليه السلام) في المدينة أو مكّة! فما بالك واحتمال سجنهنّ وارد بقوّة؟
والمتأمل في تفاصيل ماجرى على بقيّة الركب الحسيني بعد استشهاد الإمام(عليه السلام) حتى عودتهم الى المدينة المنوّرة يشاهد بوضوح الأثر العظيم المترتب على العمل الإعلامي والتبليغي الكبير الذي قام بأعبائه أعلام بقية الركب الحسيني،




[108]


ويؤمن أنّ الثورة الحسينية لم تكن لتصل إلى تمام غاياتها لولم تكن تلك الودائع النبوية في الركب الحسيني.(1)





(1) يقول المرحوم المحقّق الكبير السيّد المقرّم: «ان الكلمة الناضجة في وجه حمل الحسين عياله الى العراق مع علمه بما يقدم عليه ومن معه على القتل هو أنه(عليه السلام) لمّا علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعاً لو لم يتعقبها لسان ذرب وجنان ثابت يعرِّفان الامة ضلال ابن ميسون وطغيان ابن مرجانة باعتدائهما على الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر ودحض ما ابتدعوه في الشريعة المقدسة.
كما عرف «أبيّ الضيم» خوف رجال الدين من التظاهر بالانكار وخضوع الكلّ للسلطة الغاشمة ورسوف الكثير منهم بقيود الجور بحيث لايمكن لأكبر رجل الاعلان بفظاعة اعمالهما، وما جرى على ابن عفيف الازدي يؤكد هذه الدعوى المدعومة بالوجدان الصحيح.
وعرف سيد الشهداء من حرائر الرسالة الصبر على المكاره وملاقاة الخطوب والدواهي بقلوب أرسى من الجبال، فلا يفوتهن تعريف الملأ المغمور بالترهات والاضاليل نتائج اعمال هؤلاء المضلين وما يقصدونه من هدم الدين، وان الشهداء ارادوا بنهضتهم مع امامهم قتيل الحنيفية إحياء شريعة جده(صلى الله عليه وآله).


والعقائل من آل الرسول وان استعرت اكبادهن بنار المصاب وتفاقم الخطب عليهن وأشجاهن الاسى لكنهن على جانب عظيم من الأخذ بالثأر والدفاع عن قدس الدين.
وفيهن «العقيلة» ابنة أمير المؤمنين(عليها السلام) التي لم يرعها الاسر وذل المنفى وفقد الأعزاء وشماتة العدو وعويل الأيامى وصراخ الاطفال وأنين المريض، فكانت تلقي خواطرها بين تلك المحتشدات الرهيبة أو فقل بين المخلب والناب غير متلعثمة، وتقذفها كالصواعق على مجتمع خصومها فوقفت أمام ابن مرجانة ذلك الالدّ، وهي امرأة عزلاء ليس معها من حماتها حمي ولا من رجالها ولي، غير الامام الذي أنهكته العلّة ونسوة مكتنفة بها، بين شاكية وباكية، وطفل كظّه العطش، إلى اخرى أقلقها الوجل، وأمامها رأس علّة الكائنات ورؤوس صحبه وذويه،


وقد تركت تلك الأشلاء المقطّعة في البيداء تصهرها الشمس، والواحدة من هذه تهدُّ القوى وتبلبل الفكر.
لكن «ابنة حيدرة» كانت على جانب عظيم من الثبات والطمأنينة، فأفرغت عن لسان أبيها بكلام أنفذ من السهم، وألقمت ابن مرجانة حجراً إذ قالت له: «هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة».
وأوضحت للملأ المتغافل خبثه ولؤمه وأنه لن يرحض عنه عارها وشنارها، كما انها أدهشت العقول وحيّرت الفكر في خطبتها بكناسة الكوفة والناس يومئذ حيارى يبكون لايدورن ما يصنعون «وأنَّى يرحض عنهم العار بقتلهم سليل النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة، وقد خاب السعي وتبّت الايدي، وخسرت الصفقة،


وباءوا بغضب من الله وخزي في الآخرة، ولعذاب الله أكبر لو كانوا يعلمون»
وبعد أن فرغت من خطابها اندفعت فاطمة ابنة الحسين بالقول الجزل مع ثبات جأش وهدوء بال، فكان خطابها كوخز السنان في القلوب، ولم يتمالك الناس دون أن ارتفعت اصواتهم بالبكاء، وعرفوا عظيم الجناية والشقاء فقالوا لها: حسبك يا ابنة الطاهرين فقد احرقت قلوبنا وانضجعت نحورنا!
وما سكتت حتى ابتدرت أم كلثوم زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) فعرّفت الحاضرين عظيم ما اقترفوه، فولول الجمع وكثر الصراخ ولم يُرَد إذ ذاك أكثر باك وباكية.
فهل يا ترى يمكنك الجزم بأن أحداً يستطيع في ذلك الموقف الرهيب الذي تحفّه سيوف الجور أن يتكلم بكلمة واحدة مهما بلغ من المنعة في عشيرته؟ وهل يقدر احد أن يعلن بموبقات


ابن هند وابن مرجانة غير بنات أمير المؤمنين(عليه السلام)؟... كلا.
إن على الألسن أوكية، والايدي مغلولة، والقلوب مشفقة!
على أنّ هذا إنما يقبح ويستهجن اذا لم يترتب عليه إلا فوائد دنيوية مثارها رغبات النفس الامارة، وأمّا إذا ترتّبت عليه فوائد دينية أهمها تنزيه دين الرسول عما ألصقوه بساحته من الباطل فلا قبح فيه عقلاً ولا يستهجنه العرف، ويساعد عليه الشرع.
والمرأة وإن وضع الله عنها الجهاد ومكافحة الاعداء، وأمرها سبحانه وتعالى أن تقرّ في بيتها، فذاك فيما إذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال، وأمّا إذا توقف إقامة الحق عليها فقط بحيث لولا قيامها لدرست أسس الشريعة وذهبت تضحية اولئك الصفوة دونه أدراج التمويهات كان الواجب عليها القيام به. ولذلك نهضت سيدة نساء العالمين


«الزهراء» عليها السلام للدفاع عن خلافة الله الكبرى حين أخذ العهد على سيد الأوصياء بالقعود، فخطبت في مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) الخطبة البليغة في محتشد من المهاجرين والانصار.
على أنّ الحسين(عليه السلام) كان على علم بأخبار جدّه الامين بأن القوم وان بلغوا الغاية وتناهوا في الخروج عن سبيل الحمية لايمدّون الى النساء يد السوء، كما أنبأ عنه سلام الله عليه بقوله لهنّ ساعة الوداع الاخيرة: «إلبسوا أزركم واستعدّوا للبلاء واعلموا أنّ الله حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم الى خير، ويعذّب أعاديكم بأنواع العذاب ويعوّضكم عن هذه البليّة بأنواع النعم والكرامة! فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم»، (مقتل


الحسين(عليه السلام): 115 ـ


118).




[109]




[110]


أمّا قوله(عليه السلام): «وهنّ أيضاً لايفارقنني!» الحاكي عن إصرارهنّ على السفر معه وملازمته في رحلة الفتح بالشهادة، فيمكن أن يُفسّر بأنّ الودائع النبوية (خصوصاً بنات أمير المومنين(عليه السلام) وعلى رأسهن زينب الكبرى(عليها السلام)) كنّ قد أصررن على ملازمة الإمام(عليه السلام) في نهضته لأنهنّ ـ إضافة الى البُعد العاطفي والتعلّق الروحي بالإمام(عليه السلام) ـ كنّ يعلمن بأهمية الدور الإعلامي والتبليغي الذي بإمكانهن القيام به في مسار النهضة خصوصاً بعد استشهاد الإمام(عليه السلام)، إذ من المحتمل جدّاً أنّ(1)الإمام(عليه السلام) كان قد أطلعهنّ على تفاصيل ما يجري عليه وعلى من معه، وكشف لهنّ عن أهميّة الدور الذي يمكنهنّ أن يضطلعن بأعبائه من بعده، وإن كان من الثابت عندنا أنّ العقيلة زينب(عليها السلام) كانت تعلم كلّ ذلك بالعلم اللدنّي موهبة من الله تبارك وتعالى، فقد وصفها الإمام السجّاد(عليه السلام) ذات مرّة بأنها: «عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة!»،(2) ولقد كشفت هي(عليها السلام) عن علمها حتى بما يجري





(1) بل كان الإمام أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام) قد أطلع زينب(عليها السلام) على جميع ما يجري عليها (راجع: كتاب زينب الكبرى:


36).
(2) الإحتجاج، 2: 31.




[111]


على جثمان أخيها(عليه السلام) الى قيام الساعة حينما رأت الإمام السجّاد(عليه السلام) يجود بنفسه حزناً وهو ينظر الى مصارع شهداء الطفّ، فقالت: «مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فوالله إنّ هذا لعهدٌ من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناس لاتعرفهم فراعنة هذه الارض، وهم معروفون في أهل السموات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة، فيوارونها وينصبون بهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لايُدرس أثره ولايمحى رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ علوّاً!».(1)





(1) كامل الزيارات: 259، باب 88 فضل كربلاء وزيارة الحسين(عليه السلام).




[112]


سفـيــدصفحه 112




[113]



الفصل الثاني




حركة السلطة الأموية في الأيّام المكيّة من عمر النهضة الحسينية




[114]


سفـيــدصفحه 114




[115]


وصل الإمام الحسين(عليه السلام) إلى مكّة المكرّمة بعد أن استطاع(عليه السلام) النفاذ من حصار خطة (البيعة أو القتل) فى المدينة المنورة، تلك الخطّة التى أرادها يزيد، وتمنّاها وسعى إلى تنفيذها مروان بن الحكم، لكنّ الوليد بن عتبة والي المدينة آنذاك تردّد فى تنفيذها وتمنى النجاة من تبعاتها.
وبذلك كان الإمام الحسين(عليه السلام) بدخوله مكّة المكرّمة قد اخترق المرحلة الأولى من الحصار العام الذي بادرت السلطة الأموية إلى فرضه عليه.
ولقد انتاب السلطة الأموية خوف شديد، واعتراها اضطراب لا تماسك معه، وقلق لا استقرار فيه، حينما علمت بدخول الإمام(عليه السلام) مكّة المكرّمة في الأيّام التي تتقاطر إليها جموع المعتمرين والحجّاج من جميع أقطار العالم الإسلامي آنذاك.
فهرعت هذه السلطة على جميع مستوياتها إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمواصلة فرض الحصار على حركة الإمام(عليه السلام) من جديد، ولمنع انفلات الأمور في الولايات المهمّة عامة وفي الكوفة منها خاصة.
فما إن رُفعت الى يزيد تقارير جواسيسه في الكوفة عن ضعف موقف واليها النعمان بن بشير في مواجهة التحوّلات الناشئة عن تواجد مسلم بن عقيل(عليه السلام)فيها، حتى اجتمع يزيد مع مستشار القصر الأمويّ سرجون النصراني ليتلقى منه




[116]


تعليماته في كيفية معالجة مستجدّات الأمور قبل انفلاتها وفقدان السيطرة عليها.
وينتهي الإجتماع باتخاذ قرارات خطيرة شملت عزل بعض الولاة ونشر سلطة بعض آخر، وتوجيه رسائل إلى بعض وجهاء الأمة تدعوهم إلى التدخل وممارسة الضغط على الإمام(عليه السلام) وبذل قصارى سعيهم لإخراج السلطة الأمويّة من مأزقها الكبير، ورسائل أخرى أيضاً تضمّنت تهديداً وإنذاراً لأهل المدينة عامة وبني هاشم خاصة، تحذّرهم من مغبّة الإلتحاق بالإمام(عليه السلام) والإنضمام الى حركته. ومن قرارات هذا الإجتماع أيضاً أن خطّطت حركة النفاق الحاكمة أن تغتال الإمام(عليه السلام) في مكّة، وقد بعثت جمعاً من جلاوزتها بالفعل الى مكّة لتنفيذ هذه المهمّة، إذا لم تُوفّق هذه الزمرة الغادرة بمساعدة السلطة المحلّية في مكّة في محاولة لإلقاء القبض على الإمام(عليه السلام) وإرساله الى دمشق، هذا على صعيد قرارات السلطة المركزية في الشام.


/ 31