مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
ففعل ذلك، وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يصلّي، فسمع قوماً يقولون: هذا يبايع للحسين، فجاء وجلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته ثم قال: يا عبدالله، إنّي امرؤ من أهل الشام، أنعم الله عليَّ بحبّ أهل البيت وحبّ من أحبهم. وتباكى له، وقال: معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، فكنت أريد لقاءه فلم أجد أحداً يدلّني عليه، ولا أعرف مكانه، فإنّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفراً من المؤمنين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت وإنّي أتيتك لتقبض منّي هذا المال، وتدخلني على صاحبك فإنّي أخ من إخوانك وثقة عليك، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.
فقال له ابن عوسجة: أحمُد الله على لقائك إيّاي، فقد سرّني ذلك، لتنال الذي تحبّ، ولينصرنّ اللّه بك أهل بيت نبيّه عليه وعليهم السلام، ولقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية وسطوته.






[182]



فقال له معقل: لايكون إلاّ خيراً، خذ البيعة عليَّ!
فأخذ بيعته، وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمن، فأعطاه من ذلك مارضي به، ثمّ قال له: إختلف إليَّ أيّاماً في منزلي فإنّي طالب لك الأذن على صاحبك. وأخذ يختلف مع الناس، فطلب له الأذن فأُذِنَ له، وأخذ مسلم بن عقيل بيعته، وأمر أبا ثمامة الصّائدي بقبض المال منه، وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضاً، ويشتري لهم به السلاح، وكان بصيراً وفارساً من فرسان العرب، ووجوه الشيعة، وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم، فهو أوّل داخل وآخر خارج، وحتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم، فكان يخبره به وقتاً فوقتاً».(1)




حبس هاني بن عروة المرادي



ولمّا كثر تردد الرجال من أهل الكوفة على مسلم بن عقيل(عليه السلام)



في بيت هاني بن عروة، أو جس في نفسه المحذور «وخاف هاني بن عروة عبيد الله على نفسه، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض، فقال ابن زياد لجلسائه: مالي لا أرى هانياً!؟ فقالوا: هو شاك. فقال: لو علمتُ بمرضه لعدته.
ودعى محمّد بن الأشعث، وأسماء بن خارجة، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي وكانت رويحة بنت عمرو تحت هاني بن عروة، وهي أمّ يحيى بن هاني.
فقال لهم: ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا؟
فقالوا: ماندري، وقد قيل إنه يشتكي.
قال: قد بلغني أنه قد بريء وهو يجلس على باب داره! فالقوه ومروه ألاّ يدع ما عليه من حقّنا، فإنّي لا أحبّ أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.





(1) الإرشاد: 207; وعنه البحار، 43: 342 ـ 343.






[183]



فأتوه حتى وقفوا عليه عشيّة وهو جالس على بابه.
وقالوا له: ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه قد ذكرك وقال لو أعلم أنه شاك لَعُدْتُه.
فقال لهم: الشكوى تمنعني.
فقالوا له: قد بلغه إنك تجلس كلّ عشيّة على باب دارك، وقد استبطأك، والإبطاء والجفاء لايحتمله السلطان، أقسمنا عليك لما ركبت معنا.
فدعى بثيابه فلبسها، ثمّ دعى ببغلة فركبها، حتى إذا دنى من القصر كأنّ نفسه أحسّت ببعض الذى كان.
فقال لحسّان بن أسماء بن خارجة: يا ابن الأخ، إني واللّه لهذا الرجل لخايف، فما ترى؟
فقال: يا عمّ، والله ما أتخوف عليك شيئاً ولم تجعل على نفسك سبيلا. ولم يكن حسّان يعلم في أيّ شيء بعث إليه عبيد الله.
فجاء هاني حتى دخل على عبيد الله بن زياد وعنده القوم، فلما طلع قال عبيد الله: أتتك بخاين(1) رجلاه!
فلمّا دنى من ابن زياد، وعنده شريح القاضي،(2) التفت نحوه فقال:





(1) هذا مثل معروف وقد ضبطه المحقّق السماوي هكذا: «أتتك بحائن رجلاه تسعى»: الحائن الميّت، من الحَيْن بفتح الحاء وهو الموت. (إبصار العين:



143).
(2) شريح القاضي: «هو شريح بن الحارث بن المنتجع الكندي وقيل: اسم أبيه معاوية، وقيل: هانيء وقيل: شراحيل، ويكنّى أبا أميّة. استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة، فلم يزل قاضياً ستين سنة. لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين فى فتنة ابن الزبير امتنع من القضاء، ثم استعفى الحجاج فى العمل فأعفاه، فلزم منزله إلى أن مات، وعمّر عمراً طويلاً، قيل: إنه عاش مائةو ثمانى سنين، وقيل: مائة سنة، وتوفي سنة سبع وثمانين، وكان خفيف الروح مزّاحاً... وأقرّ عليٌّ شريحاً على القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة من الفقه مذكورة في كتب الفقهاء، وسخط علي(عليه السلام)



مرّة عليه فطرده عن الكوفة ولم يعزله عن القضاء وأمره بالمقام ببانقيا، وكانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنيها اليهود، فأقام بها مدّة حتى رضي عنه. وأعاده إلى الكوفة وقال أبو عمرو بن عبدالبر في الاستيعاب أدرك شريح الجاهلية ولا يُعَدُّ من الصحابة بل من التابعين..» (راجع البحار، 42: 175; وشرح النهج لابن أبي الحديد، 14:



29).
«روى الاعمش، عن ابراهيم التميمى، قال: قال علي(عليه السلام) لشريح، وقد قضى قضية نَقَم عليه أمرها: والله لأنفينّك إلى بانقيا شهرين تقضي بين اليهود. قال: ثم قُتِل علي(عليه السلام) ومضى دهر، فلمّا قام المختارين أبي عبيد قال لشريح: ما قال لك أمير المؤمنين(عليه السلام) يوم كذا؟ قال إنه قال لي كذا. قال: فلاوالله لاتقعد حتى تخرج إلى بانقيا تقضي بين اليهود فسيّره اليها فقضى بين اليهود شهرين.»



(راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد، 4:



98).
و«... يقال إنه من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن، أدرك النبي(صلى الله عليه وآله) ولم يلقه على الصحيح... استقضاه عمر على الكوفة، وأقرّه علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأقام على القضاء بها ستين سنة، وقضى بالبصرة سنة، ويقال: قضى بالكوفة ثلاثاً وخمسين سنة، وبالبصرة سبع سنين.. مات وهو ابن مائة وعشر سنين. وفى رواية أخرى، مائة وعشرون سنة، قيل مات سنة سبع وتسعين..» (تهذيب الكمال، 8:



318).
وقال الذهبي: «عزل ابن الزبير شريحاً عن القضاء، فلمّا ولي الحجاج ردّه،.. أن فقيهاً جاء الى شريح فقال: ما الذي أحدثت فى القضاء. قال، إنّ الناس أحدثوا، فأحدثت...» (سير اعلام النبلاء 4:



103)
وقال المامقاني:



«... وقد ذكر المؤرخون أنه ممن شهد على حجر بن عدي الكندي بالكفر والخروج عن الطاعة، وكتب زياد شهادته الى معاوية مع سائر الشهود، واراد أمير المؤمنين(عليه السلام) عزله فلم يتيسر له لأنّ أهل الكوفة قالوا: لاتعزله لأنه منصوب من قبل عمر، وبايعناك على أن لاتغيّر شيئاً قررّه أبو بكر وعمر... وقد أساء الأدب مع أمير المؤمنين فى مقامات مثل طلبه البيّنة منه(عليه السلام) على درع طلحة، وصياحه واسنّة عمراه عند نهيه عن صلوة التراويح الى غير ذلك مما تغني شهرته عن النقل» (تنقيح المقال، 2:



83).
«وروى الطبري عن أبي مخنف «أنّ الناس قالوا للمختار : إجعل شريحاً قاضياً، فسمع الشيعة يقولون: إنه عثماني، وإنه ممن شهد على حُجر، وإنه لم يبلّغ عن هاني ما أرسله به، وإنّ علياً(عليه السلام) عزله عن القضاء» (تاريخ الطبري، 6:



34).
روى في الحلية عن ابراهيم بن زيد التميمي، عن أبيه، قال: وجد علي(عليه السلام) درعاً له عند يهودي التقطها، فعرفها، فقال:



درعي سقطت عن جمل لي أورق، فقال اليهودي: درعي وفي يدي! ثم قال اليهودي: بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتوا شريحاً (الى ان قال) فقال شريح لعلي(عليه السلام)صدقت ولكن لابد من شاهدين، فدعا قنبراً مولاه والحسن، وشهدا انه درعه، فقال شريح: اما شهادة مولاك فقد أجزناها واما شهادة ابنك لك فلا نجيزها! فقال: ثكلتك امك! افلا تجيز شهادة سيد شباب اهل الجنة به والله لأوجهنّك الى بانقيا تقضي بين أهلها أربعين يوماً، ثم قال(عليه السلام) لليهودي: خذ الدرع، فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي! صدقت والله، إنها لدرعك، سقطت لك عن جمل، إلتقطتها، أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه وأنّ محمداً رسوله فوهبها له عليٌّ(عليه السلام)وأجازه بتسع مائة، وقُتِلَ في يوم صفين»



(راجع حلية الاولياء، 4: 139 وقاموس الرجال، 5:



408).
وروى الشيخ الصدوق(قدس سره): «أنّ علياً(عليه السلام) كان في مسجد الكوفة، فمرّ به عبداللّه بن فضل التميمي ومعه درع طلحة فقال(عليه السلام): هذه درع طلحة أُخذت غلولاً يوم البصرة. فقال: إجعل بيني وبينك قاضيك!، فقال شريح له(عليه السلام): هات بيّنة! فأتاه بالحسن(عليه السلام) فقال: هذا واحد ولا أقضي بشاهد حتى يكون معه آخر، فأتى(عليه السلام) بقنبر، فقال: هذا مملوك ولا أقضي بشهادة المملوك!. فغضب(عليه السلام)



وقال: خذوا الدرع! فإنّ هذا قضى بجَوْر ثلاث مرّات، فقال شريح: من أين؟ قال: قلتُ لك: إنها درع طلحة اُخذت غلولاً يوم البصرة فقلت: هاتِ بيّنة، وقد قال النبيُّ «حيثما وجد غلول أخذت بغير بيّنة»، ثم أتيتك بالحسن فقلت: لا اقضي حتى يكون معه آخر، وقد قضى النبي بشاهد ويمين، ثم أتيتك بقنبر فقلت: هذا مملوك، وما بأسٌ بشهادة المملوك اذا كان عدلاً ثم قال: يا شريح إنّ إمام المسلمين يؤتمن في أمورهم على ما هو أعظم من هذا» (من لايحضره الفقيه، 3:



63).
قال المجلسي الأوّل بعد نقل هذه الرواية: «فتحول شريح عن مجلسه وقال: لا أقضي بين إثنين حتى تخبرني من أين قضيتُ بجور ثلاث مرّات!؟»
قال المجلسي أما تحوّل شريح عن مجلسه فيدّلُّ على كفره كما هو ظاهرٌ من ردّ قول المعصوم مستخفّاً. (روضة المتقين، 6:



261).






[184]






[185]






[186]






  • أريد حياته ويريد قتلي
    عذيرك من خليلك من مراد



  • عذيرك من خليلك من مراد
    عذيرك من خليلك من مراد



وقد كان أوّل ما قدم مكرماً له ملطفاً
فقال له هاني: وما ذاك أيها الأمير؟
قال: إيه يا هاني بن عروة، ما هذه الأمور التي تربّص في دارك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك، وظننت أنّ ذلك يخفى عليّ؟
قال: ما فعلت ذلك، وما مسلم عندي.
قال: بلى قد فعلت.
فلمّا كثر ذلك بينهما وأبى هاني إلاّ مجاحدته ومناكرته، دعى ابن زياد معقلاً ذلك العين فجاء حتى وقف بين يديه
فقال: أتعرف هذا؟
قال: نعم!
وعلم هاني عند ذلك أنه كان عيناً عليهم، وأنه قد أتاه بأخبارهم، فأُسقط في يده ساعة، ثمّ راجعته نفسه.
فقال: إسمع منّي وصدّق مقالتي، فوالله لا كذبت، والله مادعوته إلى منزلي، ولا علمت بشيء من أمره حتّى جاءني يسألني النزول فاستحييتُ من ردّه، ودخلني من ذلك ذمام فضيّفته وآويته، وقد كان من أمره ما بلغك، فإن شئت أن






[187]



أعطيك الآن موثقاً مغلّظاً ألاّ أبغيك سوءً ولاغائلة، ولآتينّك حتّى اضع يدي في يدك، وإنْ شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك، وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه وجواره!
فقال له ابن زياد: والله لا تفارقني أبداً حتّى تأتينى به.
قال: لا والله، لا أجيئك به ابداً، أجيئك بضيفى تقتله!؟
قال: والله لتأتينّي به.
قال: لا والله لا آتيك به.
فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي ـ وليس بالكوفة شامي ولا بصريٌ غيره ـ فقال: أصلح الله الأمير، خلّني وإيّاه حتى أكلّمه.



فقام فخلا به ناحية من ابن زياد، وهما منه بحيث يراهما، فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان.
فقال له مسلم: ياهاني، أُنشدك الله أن تقتل نفسك، وأن تدخل البلاء في عشيرتك، فوالله إنّي لأنفس بك عن القتل، إنّ هذا الرجل إبن عمّ القوم، وليسوا قاتليه ولا ضائريه، فادفعه إليهم فإنّه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة، إنّما تدفعه إلى السلطان !
فقال هاني: واللهِ إنّ عليَّ في ذلك الخزي والعار أن أدفع جاري وضيفي وأنا حيٌّ صحيح، أسمع وأرى، شديد الساعد كثير الأعوان، والله لو لم أكن إلاّ واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتّى أموت دونه !
فأخذ يناشده وهو يقول: والله لا أدفعه إليه أبداً !
فسمع ابن زياد ذلك، فقال: أدنوه مني.






[188]



فأدنوه منه، فقال: والله لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك.
فقال هاني: إذن لكثر البارقة حول دارك !
فقال ابن زياد: والهفاه عليك، أبالبارقة تخوّفني !؟ ـ وهو يظنّ أنّ عشيرته سيمنعونه ـ ثمّ قال: أدنوه منّي.
فأُدني منه، فاعترض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخدَّه حتى كسر أنفه وسالت الدماء على وجهه ولحيته، ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب، وضرب هاني يده إلى قائم سيف شرطيّ، وجاذبه الرجل ومنعه.
فقال عبيدالله: أحروريّ ساير اليوم !؟ قد حلّ لنا دمك، جرّوه



! فجرّوه، فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه.
فقال: إجعلوا عليه حرساً. ففعل ذلك به».(1)
أعوان السلطة .. والخدعة المشتركة !
في قصة حبس هاني بن عروة (رض) هناك دور مريب لعمرو بن الحجّاج الزبيدي الذي تفانى في امتثال أوامر ابن زياد وابن سعد في كربلاء، مع أنّ هانياً كان صهراً له !
فالرواية التأريخية التي قصّت علينا واقعة حبس هاني ذكرت أنّ عمرو بن الحجّاج كان أحد الذين أتوا هانياً إلى باب منزله وألحّوا عليه بإتيان عبيدالله، فالظاهر أنّه شهد ما جرى على هاني في لقائه مع عبيدالله، لكنّ سياقها بعد ذلك يُلفتُ الإنتباه حيث تقول: «وبلغ عمرو بن الحجّاج أنّ هانياً قد قُتل، فأقبل في





(1) الإرشاد: 209.






[189]



مذحج حتى أحاط بالقصر ومعه جمع عظيم، ثمّ نادى: أنا عمرو بن الحجّاج، وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة، وقد بلغهم أنّ صاحبهم قتل فأعظموا ذلك.
فقيل لعبيدالله بن زياد: هذه مذحج بالباب !
فقال لشريح القاضي: أدخل على صاحبهم فانظر إليه، ثمّ اخرج وأعلمهم أنه حيّ لم يُقتل !
فدخل شريح فنظر إليه، فقال هاني لمّا رأى شريحاً: يالله، ياللمسلمين! أهلكت عشيرتي ؟ أين أهل الدين ؟ أين أهل المصر ؟ ـ والدماء تسيل على لحيته، إذ سمع الرجّة على باب القصر ـ فقال: إنّي لأظنّها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين، إنّه إن دخل عليَّ عشرة نفر أنقذوني !
فلمّا سمع كلامه شريح خرج إليهم فقال لهم: إنّ الأمير لمّا بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه،



فأتيته فنظرت إليه، فأمرني أن ألقاكم وأعرّفكم أنّه حيّ، وأنّ الذي بلغكم من قتله باطل !
فقال له عمرو بن الحجّاج وأصحابه: أمّا إذا لم يُقتل فالحمد لله. ثمّ انصرفوا».(1)
فإذا كان المتأمّل في هذا النصّ لايشك في الدور الخياني الذي لعبه شريح القاضي في ممارسته التورية حيث أظهر لمذحج وكأنّ هاني بن عروة (رض) هو الذي أمره بلقاء مذحج وأن يعرّفهم بأنه حيّ لابأس عليه، فإنّ المتأمّل ليشك كثيراً في نزاهة الدور الذي لعبه عمرو بن الحجّاج الذي ربّما كان قد شهد ما فعله ابن زياد بهاني في القصر حسب ما يُستفاد من السياق الأوّل للرواية.





(1) الإرشاد: 210.






[190]



متى خرج عمرو بن الحجاج من القصر ؟ وكيف تصدّى لقيادة مذحج وأتى بجموعها في وقت قصير نسبياً ؟ ولماذا اكتفى بقول شريح ولم يدخل ـ وهو من المقرّبين لابن زياد ـ ليرى بنفسه هانياً وحقيقة ماجرى عليه داخل القصر !؟
إنّ استمرار ولاء عمرو بن الحجّاج الزبيدي لابن زياد حتى بعد مقتل هاني بن عروة (رض)، ليقويّ الريب في أنّ هذا الرجل كان قد تعمّد التصدّي لجموع مذحج التي أقبلت الى القصر معترضة على حبس هاني، ليركب موجتها ثم ليخدعها وليصرفها عن إخراج هاني من القصر بقوّة السلاح، متواطئاً في ذلك مع عبيدالله بن زياد وشريح القاضي في تنفيذ الخدعة المشتركة لتضليل مذحج.
تسخير الأشراف لتخذيل الناس عن مسلم(عليه السلام)
لمّا علم مولانا مسلم بن عقيل(عليه السلام)



باعتقال هاني قام في الكوفة على ابن زياد، وأعلن عن بدء الثورة، وحاصر القصر بجموع من اتبعه من أهل الكوفة، أغلق ابن زياد أبواب القصر عليه وعلى من كان معه في القصر من أشراف الناس ومن شرطته وأهل بيته ومواليه، وقبع فيه خائفاً يأكل قلبه الرعب وأبى من الجبن أن يخرج بمن معه لمواجهة قوات مسلم(عليه السلام)، يقول الطبري: «فلمّا اجتمع عند عبيدالله كثير بن شهاب ومحمد (أي ابن الأشعث) والقعقاع فيمن أطاعهم من قومهم، فقال له كثير ـ وكانوا مناصحين لابن زياد ـ أصلح الله الأمير، معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس، ومن شُرطك، وأهل بيتك، ومواليك، فاخرج بنا إليهم. فأبى عبيدالله ..».(1)
لكنّ عبيدالله في ساعات خوفه لجأ إلى تسخير الأشراف الذين كانوا معه في القصر وأمرهم بتخذيل الناس عن مسلم، يقول التأريخ: «فبعث عبيدالله الى





(1) تأريخ الطبري، 3: 287.






[191]



الأشراف فجمعهم إليه، ثمّ قال: أشرفوا على الناس، فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة، وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة، وأعلموهم فصول الجنود من الشام إليهم».(1)
يقول شاهد عيان كان مع الناس خارج القصر، وهو عبدالله بن حازم الكبري من الأزد من بني كبير: «أشرف علينا الأشراف، فتكلّم كثير بن شهاب أوّل الناس حتى كادت الشمس أن تجب، فقال: أيها الناس، إلحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشرّ ولا تعرضوا أنفسكم للقتل، فإن هذه جنود أميرالمؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأميرُ عهداً لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيّتكم أن يحرم ذرّيتكم العطاء، ويفرّق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع، وأن يأخذ البريء بالسقيم، والشاهد بالغائب، حتى لا يبقى له فيكم بقيّة من أهل المعصية



إلا أذاقها وبال ما جرّت أيديها. وتكلّم الأشراف بنحو من كلام هذا، فلمّا سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرّقون وأخذوا ينصرفون».(2)
تفتيش دور الكوفة بحثاً عن مسلم(عليه السلام)
وبعد أن آل أمر مولانا مسلم بن عقيل(عليه السلام) إلى أن يبقى وحيداً متخفياً قد تفرّقت عنه جموع من كانوا معه من أهل الكوفة، وبعد أن اطمأنّ عبيدالله بن زياد إلى أنّ القوم قد تفرّقوا وأنّ المسجد قد خلا تماماً من أنصار مسلم(عليه السلام)، عمد «ففتح باب السدّة التي في المسجد، ثمّ خرج فصعد المنبر وخرج أصحابه معه، فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة، وأمر عمرو بن نافع فنادى: ألا برئت الذمّة من رجل من الشُرَط والعرفاء والمناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلاّ في المسجد. فلم يكن إلاّ





(1) تأريخ الطبري، : 287.
(2) نفس المصدر.






[192]



ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس، ثمّ أمر مناديه فأقام الصلاة، وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحدٌ يغتاله، وصلّى بالناس، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعدُ، فإن ابن عقيل .. قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت ذمّة الله من رجل وجدناه في داره، ومن جاء به فله ديته، إتّقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم، ولاتجعلوا على أنفسكم سبيلاً.
ياحصين بن نمير، ثكلتك أمّك إن ضاع باب سكّة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصد على أهل السكك، وأصبح غداً فاستبرء الدور وجس خلالها، حتى تأتيني بهذا الرجل ..».(1)
تجميد الثغور وتوجيه عساكرها إلى حرب الحسين(عليه السلام)
ومن الإجراءات المهمّة والخطيرة التي اتخذها ابن زياد تجميده حركة عدد كبير من الجيوش المتوجهة نحو الحدود لترابط فيها، ليعبئها تحضيراً لحرب الإمام الحسين(عليه السلام)، يروي الطبري: «عن شهاب بن خراش، عن رجل من قومه: كنتُ في الجيش الذي بعثهم ابن زياد إلى حسين، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم، فصرفهم عبيدالله إلى حسين».(2)





(1) الإرشاد: 213; والأخبار الطوال: 240.
(2) تأريخ دمشق، 14: 215.






[193]




حركة السلطة الأمويّة المحلّية في مكة المكرمة



قلق الوالي من تواجد الإمام(عليه السلام) في مكّة
ذعر عمرو بن سعيد بن العاص (الأشدق)(1) والي مكة آنذاك من دخول الإمام





(1) عُرف هذا الجبّار الأمويّ بنصبه وبغضه الشديد لأمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) وكثرة شتمه إيّاه، ولُقّب بالأشدق لأنه أصابه اعوجاج في حلقه لإغراقه في الشتم ! (راجع: معجم الشعراء:



231).
لقد كان عمرو بن سعيد الأشدق شديد التعصّب لأمويته، شديد البغض لبني هاشم عامة ولأهل البيت(عليهم السلام) خاصة، وكان فظاً غليظاً، جباراً متكبّراً، لايبالي ولايستحي من قلب الحقائق وادّعاء ماليس أهلاً له، ومن خطبه التي كشف منها عن اعتزازه بجاهليته وأمويته وبغضه لأهل البيت(عليهم السلام)، وفظاظته وغلظته وتجبّره مارواه لنا ابن عبدربه الأندلسي عن العتبي قال:



«استعمل سعيد بن العاص وهو وال على المدينة، ابنه عمرو بن سعيد والياً على مكّة، فلمّا قدم لم يلقه قرشيٌّ ولا أموي إلا أن يكون الحارث بن نوفل. فلما لقيه قال: لم ياحار ! ما الذي منع قومك أن يلقوني كما لقيتني !؟ قال: ما منعهم من ذلك إلاّ ما استقبلتني به ! والله ما كنيتني ولا أتممتَ إسمي ! وإنّما أنهاك عن التكبّر على أكفائك، فإنّ ذلك لايرفعك عليهم ولا يضعهم لك. قال: والله ما أسأت الموعظة ولا أتهمك على النصيحة، وإنّ الذي رأيت مني لخُلق !! فلمّا دخل مكة قام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، مَعشر أهل مكّة، فإنّا سكنّاها حقبةً، وخرجنا عنها رغبةً، وكذلك كنّا إذا رُفعت لنا لهوة ـ عطية ـ بعد لهوة أخذنا أسناها ونزلنا أعلاها، ثم شَدَخ أمرٌ بين أمرين فقتلنا وقُتلنا، فواللهِ مانزعنا ولا نُزع عنا، حتى شرب الدم



دماً وأكل اللحم لحماً، وقرع العظم عظماً، فَوَلي رسول الله برسالة الله إيّاه، واختياره له. ثم ولي أبوبكر لسابقته وفضله، ثم ولي عمر، ثم أُجيلت قداح نُزعن من شُعب حول نبعة ففاز بحظها أصلبها وأعنفها، فكنا بعض قداحها، ثمّ شَدَخ أمرٌ بين أمرين، فقتلنا وقُتلنا، فواللهِ مانزعنا ولا نُزع عنا حتى شرب الدم دماً، وأكل اللحم لحماً وقرَعَ العظم عظماً، وعاد الحرام حلالاً، وأسكت كلُّ ذي حس عن ضرب مُهند، عَرْكاً عَرْكاً، وعسفاً عسفاً ووخزاً ونهساً، حتى طابوا عن حقّنا نفساً، واللهِ ما أعطوه عن هوادة، ولا رضوا فيه بالقضاء، أصبحوا يقولون حَقُنا غُلبنا عليه ! فجزَينا هذا بهذا وهذا في هذا !
ياأهل مكّة، أنفسكم أنفسكم، وسفهاءكم سفهاءكم، فإنّ معي سوطاً نكالاً، وسيفاً وبالاً، وكلّ مصبوب على أهله. ثم نزل». (العقد الفريد، 4:



134).



وكان هذا الأشدق من جملة أولئك الذين أظهروا ولاءهم ليزيد في حياة أبيه معاوية وهذا بلاشك من جملة الأسباب التي أبقت هذا الأشدق والياً على مكّة حتى بعد موت معاوية بل اضاف إليه يزيد الولاية على المدينة بعد عزل الوليد بن عتبة، تقول رواية تأريخيّة: «لما عقد معاوية ليزيد البيعة قام الناس يخطبون، فقال لعمرو بن سعيد قم ياأبا اُميّة. فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعدُ، فإنّ يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه وأجل تأمنونه، إن استضفتم إلى حلمه وَسعكم، وإن احتجتم الى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم جَذَع قارح، سُوبق فَسَبق، ومُوجد فَمَجد، وقورع فقرع، فهو خلف أميرالمؤمنين ولا خَلَف منه.
فقال له معاوية: أوسعت أبا أميّة فاجلس.» (العقد الفريد، 4:



132).






[194]



الحسين(عليه السلام) مكّة المكرّمة ومن تواجده فيها، ومن تقاطر الوفود عليه والتفاف الناس حوله، فلم يُطق الوالي صبراً، ولم يجد بُدّاً من أن يسأل الإمام(عليه السلام) عن سرّ قدومه إلى مكّة، «فقال له عمرو بن سعيد: ما إقدامك !؟



/ 31