مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
فقال لي: يا عطا، إنّما أبكي لخصلتين: هول المطّلع، وفراق الأحبّة!
ثمّ تفرّق القوم، فقال لي: يا عطا، خذ بيدي واحملني الى صحن الدار. ثمّ رفع يديه الى السماء وقال: أللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد وآله، أللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب. فما زال يكررّها حتي وقع على الأرض، فصبرنا عليه ساعة ثمّ أقمناه فإذا هو ميّت رحمة الله عليه.» (كفاية الاثر: 20 ـ 22; وانظر إختيار معرفة الرجال: 56، الرقم


106).




[236]


بحقّهم، موقناً بأنّ نصرهم والجهاد تحت رايتهم فرض كفرض الصلاة والزكاة،(1)وكانت سيرته مع الامام أمير المؤمنين والامام الحسن والامام الحسين(عليهما السلام) كاشفة عن هذا الإيمان وهذا اليقين وهذه المعرفة،(2) وكان (رض) لايتردد في إظهار





(1) مرّ بنا في المحاورة الاولى أنه (رض) قال للامام(عليه السلام): «وأنّ نصرك لفرض على هذه الأمة كفريضة الصلاة والزكاة التي لايقدر أن يقبل أحدهما دون الأخرى».
(2) قال العلاّمة في الخلاصة: «عبدالله بن العباس من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كان محبّاً لأمير المؤمنين(عليه السلام) وتلميذه، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين أشهر من أن يخفى...»، (ص103، ذكره في القسم الأوّل من كتابه / وانظر مستدركات علم الرجال: 5:


43).
«وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ـ أي عليّ(عليه السلام) ـ وانقطاعه إليه، وأنه تلميذه وخرّيجُه، وقيل له: أين علمك من علم ابن عمّك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر الى البحر المحيط..». (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1:


19)،


وقال الشيخ حسن بن الشهيد الثاني: «عبدالله بن العباس حاله في المحبّة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين والموالاة والنصرة له والذبّ عنه والخصام في رضاه والموازرة مما لا شبهة فيه...». (التحرير الطاووسي:


312).
وبعد أن أنهى الإمام الحسن(عليه السلام) خطبته في الناس بعد وفاة أمير المؤمنين(عليه السلام) قام عبدالله بن عباس بين يديه فقال: «معاشر الناس هذا ابن نبيّكم ووصيّ إمامكم فبايعوه..» (كشف الغمة:2:159 وراجع: مقاتل الطالبيين:


33).
وكان (رض) والياً للإمام الحسن(عليه السلام) على البصرة كما كان والياً لأمير المؤمنين(عليه السلام) عليها.
وقد حاول أعداء أهل البيت(عليهم السلام) الطعن في هذه الشخصية الهاشمية الجليلة فافتروا عليه أكذوبة اختلاس أموال بيت المال


في البصرة ايّام كان والياً عليها في حياة أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد انبرى محققون كثيرون من علمائنا لتفنيد هذه الأكذوبة ولتنزيه ساحة حبر الأمّة من أدرانها، ويحسن هنا أن ننتقي بعض المتون الواردة دفاعاً عن ساحة ابن عباس (رض):
«دخل عمرو بن عبيد على سليمان بن علي بن عبدالله بن العباس بالبصرة فقال لسليمان: أخبرني عن قول عليّ(عليه السلام) في عبدالله بن العباس: يفتينا في النملة والقملة وطار بأموالنا في ليلة! فقال له: كيف يقول هذا!؟ وابن عباس لم يفارق علياً حتى قتل، وشهد صلح الحسن(عليه السلام)!


وأيّ مال يجتمع في بيت مال البصرة مع حاجة عليّ(عليه السلام) الى الأموال، وهو يفرغ بيت مال الكوفة في كلّ خميس ويرشّه، وقالوا: إنه كان يُقيل فيه! فكيف يترك المال يجتمع بالبصرة!؟ وهذا باطل!» (أمالي المرتضى، 1:


177).
وقال السيّد الخوئي: «هذه الرواية ـ أي رواية اختلاس أموال البصرة ـ وما قبلها من طرق العامة، وولاء ابن عباس لأمير المؤمنين وملازمته له(عليه السلام) هو السبب الوحيد في وضع هذه الأخبار الكاذبة وتوجيه التهم والطعون عليه، حتى أنّ معاوية لعنه الله كان يلعنه بعد الصلاة! مع لعنه عليّاً والحسنين وقيس بن سعد بن عبادة والأشتر كما عن الطبري وغيره... والمتحصّل مما ذكرنا أنّ عبدالله بن عباس كان جليل القدر مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين(عليهم السلام)


كما ذكره العلامة وابن داود.» (معجم رجال الحديث، 10:


239).
وقال ابن أبي الحديد: «وقال آخرون وهم الأقلّون: هذا لم يكن، ولا فارق عبدالله بن عباس عليّاً(عليه السلام) ولاباينه ولاخالفه، ولم يزل أميراً على البصرة الى أن قُتل عليّ(عليه السلام).. ويدلّ على ذلك ما رواه أبوالفرج علي بن الحسين الأصفهاني من كتابه الذي كتبه الى معاوية من البصرة لمّا قُتل عليّ(عليه السلام). قالوا: وكيف يكون ذلك ولم يخدعه معاوية ويجرّه الى جهته، فقد علمتم كيف اختدع كثيراً من عمّال أمير المؤمنين(عليه السلام)


واستمالهم اليه بالأموال، فمالوا وتركوا أمير المؤمنين(عليه السلام)، فما باله وقد علم النبوة التي حدثت بينهما، لم يستمل ابن عباس ولا اجتذبه الى نفسه، وكلّ من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقّة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة عليّ(عليه السلام) وما كان يلقاه به من قوارع الكلام وشديد الخصام، وما كان يثني به على أمير المؤمنين(عليه السلام) ويذكر خصائصه وفضائله، ويصدع به من مناقبه ومآثره، فلوكان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك، بل كانت الحال تكون بالضدّ لما اشتهر من أمرهما. وهذا عندي هو الأمثل والأصوب.» (شرح نهج البلاغة، 4:


171).
وقال التستري: «الأصل في جعلهم هذا الخبر ـ اختلاس أموال البصرة ـ في ابن عباس إرادتهم دفع الطعن عن فاروقهم باستعماله في أيّام إمارته المنافقين والطلقاء


ـ كالمغيرة بن شعبة ومعاوية ـ وتركه أقرباء النبيّ(صلى الله عليه وآله)..» (قاموس الرجال، 6:


441).
ويحسن هنا أن ننظر إجمالاً في سندي خبري الإختلاس اللذين أوردهما الكشّي: سند الخبر الأوّل: «قال الكشّي: روى عليّ بن يزداد الصائغ الجرجاني، عن عبدالعزيز بن محمّد بن عبدالأعلى الجزري، عن خلف المحرومي البغدادي، عن سفيان بن سعيد، عن الزهري قال: سمعت الحارث يقول:...» (اختيار معرفة الرجال، 1:279، رقم


109).
ويكفي هذا السند ضعفاً وجود سفيان بن سعيد (الثوري) فيه، الذي هو ليس من أصحابنا، وورد في ذمّه أحاديث صحيحة. (راجع: منتهى المقال، 3:


351).
هذا فضلاً عن عدائه لعليّ(عليه السلام)، ولاننسى قوله المعروف: «أنا أبغض أن أذكر فضائل علي!» (سير أعلام النبلاء، 7:


353).
وفي السند أيضاً: الزهري الذي عُرف بأنّه كان يدلّس عن الضعفاء (راجع: تهذيب


الكمال، 30:471 وميزان الإعتدال، 2:169 وتهذيب التهذيب، 11:


218).
وعُرِف الزهري بأنه أفسد نفسه بصحبة الملوك، وترك بعضهم حديثه لكونه كان مداخلاً للخلفاء! (راجع: سير أعلام النبلاء، 5:


339).
أمّا سند الخبر الثاني فهو:
«قال الكشّي: قال شيخ من أهل اليمامة، يذكر عن معلّى بن هلال، عن الشعبي قال:...» (اختيار معرفة الرجال، 1:279، رقم


110).
ونقول:


1) ـ لكلمة الشيخ إطلاقات عديدة: منها: من له إلمام بالحديث، الزعيم الديني، رئيس القبيلة، لكنّ هذا العنوان لا محالة مهمل ولايمكن الإعتماد عليه إذ لايخرج عن الإبهام والترديد.


2) ـ معلّى بن هلال: قال فيه أحمد بن حنبل: متروك الحديث، حديثه موضوع كذب، وقال فيه ابن معين: هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال فيه أبوداود: غير ثقة ولامأمون. وقال سفيان: هذا من أكذب الناس.
وقال في المغني: كذّاب بالإتفاق. «راجع: ميزان الإعتدال، 4:152 وتهذيب


التهذيب، 10:


241).


3) ـ الشعبي: وهو عامر بن شراحيل، قال الشيخ المفيد(ره): وبلغ من نصب الشعبي وكذبه أنه كان يحلف بالله أنّ عليّاً دخل اللحد وماحفظ القرآن، وبلغ من كذبه أنه قال: لم يشهد من الجمل من الصحابة إلاّ أربعة، فإن جاؤا بخامس فأنا كذّاب.. كان الشعبي سكّيراً خمّيراً مقامراً، روي عن أبي حنيفة أنه خرق ما سمع منه لما خمره وقمره. (راجع: الفصول المختارة: 171 وقاموس


الرجال، 5:


612).
وروى أبونعيم، عن عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق قال: ثلاثة لا يُؤمَنون على عليّ بن أبي طالب: مسروق، ومرّة، وشريح وروي أن الشعبي رابعهم. (انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 4:


98).
قال الشهيد الثاني: «جملة ما ذكره الكشي من الطعن فيه ـ أي ابن عباس ـ خمسة أحاديث كلّها ضعيفة السند..». (انظر: سفينة البحار، 6:


128).
وقال العلامة الحلّي: «.. وقد ذكر الكشّي أحاديث تتضمّن قدحاً فيه، وهو أجلّ من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها.» (خلاصة الأقوال:


103).
وقال التفرشي: «وما ذكره الكشّي من الطعن فيه ضعيف السند» «نقد الرجال، 3:


118).




[237]




[238]




[239]




[240]


اعتزازه وافتخاره بما أنعم الله عليه به من موالاتهم وحبّهم والإنقياد لهم والإمتثال لأمرهم، ومن جميل ما يُروى في ذلك أنّ مُدرك بن زياد اعترض على ابن عباس حين رآه ذات يوم وقد أمسك للحسن والحسين(عليهما السلام) بالركاب وسوّى عليهما: «قائلاً: أنت أسنُّ منهما تُمسك لهما بالركاب!؟
فقال: يالُكع، وتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أو ليس ممّا أنعم الله به عليَّ أن أمسك لهما وأسوّي عليهما!؟»(1).
وكان ابن عباس (رض) قد حفظ ما سمع من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومن أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) ما أخبرا به حول مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، والارض التي يُقتل فيها، وأسماء أصحابه، فها هو يروي قائلاً: «كنت مع أمير المؤمنين(عليه السلام) في خرجته الى صفين، فلمّا نزل بنينوى وهو بشطّ الفرات قال بأعلا صوته: يا ابن عباس، أتعرف هذا الموضع؟
قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين!
فقال(عليه السلام): لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي!
قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيته، وسالت الدموع على صدره، وبكينا




(1) مناقب آل أبي طالب، 3:400; وفيات الأعيان 6:179.




[241]


معاً وهو يقول: أوّه أوّه، مالى ولآل أبي سفيان!؟ مالى ولآل حرب، حزب الشيطان وأولياء الكفر!؟ صبراً يا أبا عبدالله، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم.».(1)
وكان ابن عباس (رض) يقول: «ماكُنا نشكُّ، وأهل البيت متوافرون، أنّ الحسين بن عليّ يُقتل بالطفّ!.».(2)
إذن لِمَ لم يلتحق ابن عباس (رض) بالركب الحسيني ليفوز بشرف نصرة سيد المظلومين(عليه السلام) وبشرف الشهادة بين يديه!؟
هل أثّاقل الى الارض وآثر الدنيا على الآخرة بعد عمر شريف عامر بالجهاد ونصرة الحق!؟
إنّ العارف بسيرة ابن عباس (رض) قد يرفض حتى التفكير في مثل هذا السؤال! أوليس ابن عباس هو القائل في محاورته الأولى مع الإمام الحسين(عليه السلام)في مكّة في شعبان سنة 60 للهجرة:


«جُعلت فداك يا ابن بنت رسول الله، كأنك تريدني إلى نفسك، وتريد مني أن أنصرك! والله الذي لا إله إلاّ هو أنْ لو ضربتُ بين يديك بسيفي هذا حتّى انخلع جميعاً من كفّي لما كنت ممن أوفّي من حقّك عشر العشر! وها أنا بين يديك مرني بأمرك.».
إذن هل كان تقادم العمر به قد أعجزه عن القدرة على النصرة!؟
إذا علمنا أنّ ابن عباس (رض) توفي سنة 68 للهجرة أو 69 وله من العمر سبعون عاماً أو واحد وسبعون،(3) أدركنا أنّ عمره سنة 60 للهجرة كان إثنين وستين




(1) أمالى الصدوق: 478، المجلس 87، حديث رقم 5.
(2) مستدرك الحاكم، 3:179.
(3) راجع: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، 1:272، وأُسد الغابة، 3:195.




[242]


عاماً أو ثلاثة وستين عاماً، فهو أكبر من الإمام الحسين(عليه السلام)بحوالي خمسة أعوام، إذن فقد كان قادراً على الجهاد مع الإمام(عليه السلام) من حيث السلامة البدنية، خصوصاً وأنّه لم يُروَ أنّ ابن عباس كان مريضاً آنذاك كما روي بصدد محمّد بن الحنفية (رض) مثلاً.
فما هي علّة تخلّفه إذن!؟
لعلّ المتأمل في موضوع علّة عدم التحاق ابن عباس (رض) بالامام(عليه السلام) في نهضته المقدّسة يلاحظ ـ قبل الوصول الى الجواب ـ نقطتين مهمتين تساعدان على الإطمئنان أنه كان معذوراً، وهما:


1ـ في جميع ما روي من لقاءات ومحاورات ابن عباس مع الامام الحسين(عليه السلام) في مكة سنة ستين للهجرة، لا يجد المتتبّع أنّ الإمام(عليه السلام) قد دعا ابن عباس دعوة مباشرة الى نصرته كما صنع مثلاً مع ابن عمر، وحتى حينما قال الإمام(عليه السلام) في محاورته الأولى مع ابن عباس وابن عمر: «اللّهمّ اشهد»(1) أدرك ابن عباس مغزى قول الإمام(عليه السلام)، وبادر الى اظهار استعداده للنصرة والجهاد بين يدي الامام(عليه السلام) وعدا هذا لايجد المتتبع أية إشارة من قريب أو بعيد مؤدّاها أنّ الإمام(عليه السلام) قد دعا ابن عباس الى نصرته.
2ـ لم نعثر ـ حسب تتبعنا ـ على نصّ تأريخيّ عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) يفيد أنّ ابن عباس كان مقصّراً وملوماً ومداناً على عدم إلتحاقه بالإمام الحسين(عليه السلام)، بل لم نعثر على نصّ تأريخي عام يشير الى إدانته(2) سوى هذا النصّ الذي نقله ابن




(1) راجع نصّ المحاورة الأولى لفهم المراد في جوّ المحاورة نفسها، في صفحة 213 ـ 217.
(2) بل ورد عن الصادق(عليه السلام) ان الامام الباقر كان يحبّه حباً شديداً انظر: اختيار معرفة الرجال: 57، الرقم 107.




[243]


شهر آشوب مرسلاً: «وعُنِّفَ ابن عباس على تركه الحسين فقال: إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم!»(1)، ويظهر من هذا النصّ أنّ ابن عباس لم يكن معذوراً في تركه الإمام(عليه السلام)، لكنّ إرسال هذا الخبر، ومجهولية المُعنِّف، ومعلوميّة ولاء ابن عباس (رض) لأهل البيت(عليهم السلام)، كلّ ذلك يفرض عدم الإطمئنان الى صدر هذا الخبر، أي «وعُنِّف ابن عباس!».
بعد هذا، ينبغي أن نذكّر بأنّ ابن عباس قد كُفَّ بصرُه آخر عمره، وهذا متّفقٌ عليه عند المؤرّخين، وأنّ سعيد بن جبير كان يقوده بعد أن كُفَّ بصره(2)، وتعبير «كُفَّ بصره» مشعرٌ بأنّ الضعف كان قد دبّ الى بصره حتى استفحل عليه فكفّه عن رؤية الأشياء، ولعلَّ هذا الضعف كان قد دبّ الى بصره منذ أيّام معاوية (ويحتمل أنّ بصر ابن عباس قد كُفَّ أواخر سنين معاوية)، هذا ما يُشعر به قول ابن قتيبة في المعارف حيث يقول: «ثلاثة مكافيف في نسق: عبدالله بن عباس، وأبوه العباس بن عبدالمطلّب، وأبوه عبدالمطلب بن هاشم. قال: ولذلك قال





(1) مناقب آل أبي طالب، 4:53 / ولعل ابن شهر آشوب نقل هذا عن كتاب التخريج الذي نقل عنه رواية قبل هذه الرواية.
(2) «إنّ سعيد بن جبير كان يقوده بعد أن كُفّ بصره» (تنقيح المقال، 2:


191).
وقال الذهبي: «إنّما أخّر الناس عن بيعة ابن عباس ـ أن لو شاء الخلافة ـ ذهاب بصره». (سير أعلام النبلاء، 3:


356). و«خطب ابن الزبير بمكّة على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر، فقال: إنّ ها هنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره... فقال ابن عباس لقائده سعيد بن جبير: استقبل بي وجه ابن الزبير، وارفع من صدري، وكان ابن عباس قد كُفَّ بصره..» «أنظر: قاموس الرجال، 6:470 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 20: 130 و134 وسير أعلام النبلاء، 3:354 ومنتهى المقال، 4:


201).




[244]


معاوية لابن عباس: أنتم يا بني هاشم تُصابون في أبصاركم. فقال ابن عباس: وأنتم يا بني أميّة تُصابون في بصائركم!»،(1) فلولا أنّ بصر ابن عباس (رض) كان قد ضعف جداً أو قد كُفّ بصره آنذاك لما كان لقول معاوية مناسبة ولا داع.
ويقول مسروق: «كنتُ إذا رأيت عبدالله بن عباس قلتُ: أجمل الناس، فإذا تكلّم قلتُ: أفصح الناس، فإذا تحدّث قلتُ: أعلم الناس، وكان عمر بن الخطّاب يقرّبه ويُدنيه ويشاوره مع جلّة الصحابة، وكُفَّ بصره في آخر عمره».(2)
فإذا علمنا أنّ مسروقاً هذا قد مات سنة 62 أو 63 للهجرة،(3) أمكن لنا أن نقول: إنّ ابن عباس كان مكفوفاً قبل سنة 62 أو 63 على الأظهر، هذا على فرض أنّ عبارة (وكفّ بصره في آخر عمره) من قول مسروق أيضاً.


وهناك رواية يمكن أن يُستفاد من ظاهرها أنّ ابن عباس (رض) كان ضعيف البصر جداً أو مكفوفاً أوائل سنة إحدى وستين للهجرة، في الأيّام التي لم يكن خبر مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) قد وصل بعد الى أهل المدينة المنورة.
هذه الرواية يرويها الشيخ الطوسى (ره) في أماليه بسند الى سعيد بن جبير (وهو الذي كان يقود ابن عباس بعد أن كُفَّ بصره)، عن عبدالله بن عباس قال: «بينا أنا راقدٌ في منزلى، إذ سمعتُ صراخاً عظيماً عالياً من بيت أمّ سلمة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فخرجت يتوجّه بي قائدي الى منزلها!، وأقبل أهل المدينة اليها الرجال والنساء، فلمّا انتهيتُ إليها قلت: يا أمّ المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت: يابنات عبدالمطلّب، أسعدنني




(1) المعارف: 589.
(2) اختيار معرفة الرجال، 1:272; وتنقيح المقال، 2:191.
(3) سير أعلام النبلاء، 4:68.




[245]


وابكين معي، فقد واللّهِ قُتل سيّدكُنّ وسيّد شباب أهل الجنّة، وقد واللّه قُتل سبط رسول اللّه وريحانته الحسين.
فقيل: يا أُمَّ المؤمنين، ومن أين علمتِ ذلك؟ قالت: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المنام الساعة شعثاً مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قُتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم.
قالت فقمتُ حتّى دخلتُ البيت وأنا لا أكاد أن أعقل! فنظرتُ فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء فقال إذا صارت هذه التربة دماً فقد قُتل ابنك! وأعطانيها النبيّ(صلى الله عليه وآله)


فقال: إجعلي هذه التربة في زجاجة ـ أو قال في قارورة ـ ولتكن عندك، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قُتل الحسين. فرأيت القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور.
قال: وأخذت أمّ سلمة من ذلك الدمفلطّخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين(عليه السلام)، فجاءت الركبان بخبره، وأنّه قد قُتل في ذلك اليوم...»(1).
فقول ابن عباس (رض): »فخرجت يتوجّه بي قائدي الى منزلها» كاشف ـ على الأقوى ـ عن مكفوفية بصره آنذاك (أو عن ضعف شديد جداً في بصره)، لحاجته الى قائد يقوده هو، وليس الى قائد يقود دابّته ـ كما قد يُحتمل ـ وذلك لقرب المسافة، بدليل أنه سمع الصراخ بإذنيه وشخّص أنّ الصراخ كان ينبعث من بيت أم سلمة (رض).
مما مضى نكاد نطمئن الى أنّ ابن عباس (رض) كان يعاني من ضعف شديد




(1) أمالي الطوسى: 314 ـ 315، المجلس 11، الحديث 640/87.




[246]


في بصره أو كان مكفوفاً بصره أواخر سنة ستين للهجرة ـ وبالذات في الايام التي كان فيها الامام الحسين(عليه السلام) في مكّة المكرّمة ـ الأمر الذي أعجزه عن القدرة على الإلتحاق بالامام(عليه السلام) والجهاد بين يديه، فكان (رض) معذوراً، ولعلّ هذا هو السرُّ في عدم دعوة الإمام(عليه السلام) إيّاه للإنضمام إليه، وترخيصه إيّاه في العودة الى المدينة ليرصد له أخبار السلطة الأموية والناس فيها حيث يقول(عليه السلام): «يا ابن عباس، إنك ابن عمّ والدي، ولم تزل تأمر بالخير منذ عرفتك،


وكنتَ مع والدي تشير عليه بما فيه الرشاد، وقد كان يستنصحك ويستشيرك فتشير عليه بالصواب، فامضِ الى المدينة في حفظ الله وكلائه، ولا يخفَ عليَّ شيءٌ من أخبارك...».(1)
ولايقدح بما نطمئنّ إليه ما أورده المسعودي في مروج الذهب حيث يقول في ابن عباس (رض): «وكان قد ذهب بصره لبكائه على عليٍّ والحسن والحسين..»،(2) إذ لايُستفاد من هذا النصّ بالضرورة أنه صار مكفوفاً بعد مقتل الحسين(عليه السلام)، بل الظاهر من هذا النصّ أنّ الذي سبّب ذهاب بصره هو كثرة بكائه المتواصل لفقد امير المؤمنين عليّ(3) والحسن والحسين(عليهما السلام)، ومؤدّى ذلك أنّ الضعف قد دبّ الى بصره لكثرة بكائه منذ أيّام فقده لأمير المؤمنين(عليه السلام) ثمّ لفقده الحسن(عليه السلام)،(4) ثمّ الحسين(عليه السلام)، ولايخفى أنّ ابن عباس (رض) كان يبكي بكاءً




(1) الفتوح، 5:27; ومقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي، 1:281.
(2) مروج الذهب، 3:108.
(3) ورد في بعض المتون أنّ ذهاب بصره في آخر عمره كان بسبب البكاء على أمير المؤمنين علي(عليه السلام) (انظر سفينة البحار، 6:128 عن حديقة الحكمة).
(4) ولعلّ هذا الضعف الذي دبّ الى بصره بسبب هذا البكاء المتواصل منذ فقده أمير المؤمنين(عليه السلام)كان قد اشتد واستفحل بعد فقده الامام الحسن(عليه السلام)، فكان ابن عباس قريباً من العمى أواخر عهد معاوية ـ فيما بعد شهادة الامام الحسن(عليه السلام) ـ فلما التقى معاوية في تلك الايام كان ضعف بصره الشديد هذا هو الذي دفع معاوية الى القول ساخراً: «أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم!».




[247]


شديداً للحسين(عليه السلام)وهو بعدُ لم يخرج ولم يُستشهد، لعلمه بما سيصيب الامام(عليه السلام) من شديد المحنة ولعلمه بمصيره، والدلائل التأريخية على ذلك كثيرة متوافرة.



رسائل ابن عباس (رض) إلى يزيد


تروي لنا بعض كتب التأريخ أنّ الامام الحسين(عليه السلام) لمّا نزل مكّة كتب يزيد بن معاوية الى ابن عباس رسالة(1) طلب اليه فيها أن يتوسّط في الأمر ليثني الامام الحسين(عليه السلام) عن عزمه على القيام والخروج على الحكم الأمويّ، وعرض فيها يزيد من الإغراءات الدنيوية ما يتناسب وضعف نفسيته هو! ـ أي يزيد ـ
وتقول هذه المصادر التأريخية: «فكتب إليه ابن عباس: أمّا بعدُ: فقد ورد كتابُك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكّة،


فأمّا ابن الزبير فرجل منقطع عنّا برأيه وهواه، يكاتمنا مع ذلك أضغاناً يسرّها في صدره، يوري علينا وري الزناد، لافك اللّه أسيرها، فآرأ في أمره ما أنت رائه.
وأمّا الحسين فإنه لمّا نزل مكّة وترك حرم جدّه ومنازل آبائه سألته عن مقدمه فأخبرني أنّ عُمّالك في المدينة أساؤا إليه وعجّلوا عليه بالكلام الفاحش، فأقبل الى حرم الله مستجيراً به، وسألقاه فيما أشرت إليه، ولن أدع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ويُطفيء به النائرة ويخمد به الفتنة ويحقن به دماء الأمّة، فاتّقِ الله في السرّ والعلانية، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة، ولاترصده بمظلمة، ولاتحفر له مهواة، فكم من حافر لغيره حفراً وقع فيه، وكم من مؤمّل أملاً لم يُؤتَ




(1) راجع متن الرسالة كاملاً في فصل حركة السلطة الأموية (ضمن عنوان حركة السلطة المركزية).




[248]


أمله، وخُذ بحظّك من تلاوة القرآن ونشر السُنّة! وعليك بالصيام والقيام لاتشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها فإنّ كلَّ ما شُغلت به عن اللّه يضرّ ويفنى، وكلّ ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقى، والسلام.».(1)
وقد روى المزّي جواب ابن عباس مختصراً هكذا: «فكتب إليه عبدالله بن عباس: إنّي لأرجو أن لايكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كلّ ما يجمع الله به الألفة ويُطفيء به الثائرة.».(2)
ويبدو من نصّ هذه الرسالة ـ جواب ابن عباس ـ على فرض صحة الرواية أنّ هذه الرسالة كانت بعد لقاء ابن عباس مع الإمام الحسين(عليه السلام)


في مكّة لقاءه الأوّل الذي عاد بعده الى المدينة (بعد الفراغ من العمرة)، كما يُستفاد من نصّها أنّ ابن عباس قَبِل القيام بدور الوساطة بين الإمام(عليه السلام) وبين يزيد! كما يظهر من نصّها أيضاً أنّ ابن عباس اعتمد أسلوب الملاينة دون التقريع حتى في نهيه عن ارتكاب الظلم واجتراح المآثم!
والعارف بعبد الله بن العباس (رض)، وبولائه لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام) وبجرأته في الذَوْدِ عنهم، وبشدّته وقاطعيته في المحاماة عنهم في محاوراته مع رجال بني أميّة، لايستبعد أن يكون نصّ هذه الرسالة ـ جواب ابن عباس ـ من إنشاء الواقدي نفسه الذي يرويها(3) (ونقلها عنه سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص)،


/ 31