مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



كان عبيدالله بن زياد مدّة ولايته على البصرة قد هيمن على ظاهر الحياة السياسية والإجتماعية فيها، لما عُرف عنه من قدرة على الغَشَم والظلم والجور، والتفريق بين القبائل، وخَلْقِ الكراهية بين الوجهاء والأشراف، وما إلى ذلك من فنون المكر في إدارة شؤون الأمّة التي تعرف فساد حكّامها وفسقهم، وتنطوي على كرههم.
لكنّ باطن الحياة السياسية والإجتماعية في البصرة آنذاك كان يشهد أمراً آخر وهو النشاط السرّي للمعارضة الشيعية بشكل أساسي، فقد كان للشيعة في الخفاء منتدياتهم الخاصة التي يتداولون فيها الأخبار ووقائع الأحداث



ومستجدّات الأمور ويتشاورون بصددها فيما بينهم، وكان ابن زياد على علم إجمالي بمثل هذه الحركة الخفية، وكان يتوجّس منها، والدليل على ذلك لحن الخطاب الأخير الذي ألقاه في البصرة قبل سفره منها الى الكوفة.
تلقّى ابن زياد رسالة يزيد التي حملها إليه مسلم بن عمرو الباهلي والتي ولاّه فيها على الكوفة إضافة إلى البصرة، ودعاه فيها الى المبادرة ـ حين قراءة الرسالة ـ الى التوجّه الى الكوفة ليطلب مسلم بن عقيل طلب الخرزة حتى يثقفه فيوثقه أو يقتله أو ينفيه.
وما إنْ قرأ ابن زياد الرسالة حتى أمر بالجهاز والتهيء والمسير الى الكوفة من الغد،(1) لكنّ المفاجأة التي أذهلته قبيل سفره إليها هي معرفته بأنّ الإمام(عليه السلام) قد ارسل رسولاً إلى البصرة إلى الأشراف ورؤساء الأخماس فيها يدعوهم فيها إلى تأييده والإنضمام إليه في قيامه (وإن كان المتيقّن أنّ عبيدالله بن زياد قد اطّلع





(1) راجع: تأريخ الطبري، 3: 281.






[156]



بالفعل على نسخة رسالة الإمام(عليه السلام) الى المنذر بن الجارود فقط، لكنّ مما لاريب فيه أنّ خبرة ابن زياد الإدارية والسياسية تجعله على يقين بأنّ المنذر بن الجارود كان واحداً من الأشراف الذين كتب إليهم الإمام(عليه السلام) ولم يكن الوحيد فيهم).
ولم يحدّثنا التأريخ ـ بل لم نقع على وثيقة تحدّثنا ـ أنّ ابن زياد قد سعى إلى معرفة الأشراف الآخرين الذين كتب إليهم الإمام(عليه السلام)، أو سعى إلى مطاردتهم واضطهادهم مثلاً، ولعلّ ذلك بسبب ضيق الوقت والعجالة التي كان عليها في عزمه على السفر الى الكوفة وهي الساحة الأهمّ والمضطربة الأحداث آنذاك، أو لأنه كان مطمئناً لولاء أكثر هؤلاء الأشراف للحكم الأمويّ.
لنعد إلى مجرى حركة الأحداث في البصرة قبيل يوم واحد من سفر ابن زياد إلى الكوفة ..



وصلت نسخة من رسالة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى اشراف البصرة بيد رسوله سليمان بن رزين إلى المنذر بن الجارود ـ الذي كانت ابنته بحرية زوجة لعبيدالله بن زياد ـ فلم يُخفِ أمر الرسالة كما فعل الآخرون ولم يحفظ الأمان للرسول، بل عزم على الخيانة التي تعوّدها من قبل، فأقبل بالرسالة وبالرسول الى عبيدالله بن زياد، زعماً منه(1) أنه خاف أن يكون الكتاب دسيسة من عبيدالله نفسه، فصلبه عبيدالله بن زياد،(2) أو قدّمه فضرب عنقه على رواية أخرى.(3)
ثمّ صعد عبيدالله منبر البصرة، وقلبه يرتعد خيفة من استجابة أهلها لنداء الإمام(عليه السلام)، ويعتصره القلق من انتفاضة المعارضة الخفية وقيامها مع الإمام(عليه السلام)،





(1) راجع: تأريخ الطبري، 3: 280.
(2) راجع: اللهوف: 114.
(3) راجع: تأريخ الطبري، 3: 280; وابصار العين: 27.






[157]



فكان خطابه مليئاً بالتهديد والوعيد، كاشفاً بذلك عن قلقه وخوفه، وعن قوّة المعارضة التي يخشاها، فقد قال في خطابه بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «أمّا بعدُ، فوالله ما تُقْرَنُ بي الصعبة،(1) ولا يُقعقع لي بالشّنان،(2) وإنّي لَنَكِلٌ(3) لمن عاداني، وسمٌّ لمن حاربني، أنصف القارة من راماها.(4)
يا أهل البصرة، إنَّ أميرالمؤمنين ولاّني الكوفة، وأنا غاد إليها الغداة، وقد استخلفتُ عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان،(5) وإيّاكم والخلاف والإرجاف،





(1) الصعبة: الناقة صعبة القياد.
(2) القعقعة: الصوت، كأنه يقول: لا أدع الناس يتكلّمون ببغضي وكراهتي.
(3) نكل: أي معذِّب لمن عاداني، من النكال: أي العذاب والإنتقام.
(4) أنصف القارة من راماها: رجز لرجل من قبيلة (القارّة)، وكانوا حُذَّقاً في الرماية، فالتقى رجل منهم بآخر من غيرهم فقال له القاري: إنْ شئتَ صارعتك، وإنْ شئت سابقتك، وإنْ شئت راميتك. فقال الآخر: قد اخترتُ المراماة.
فقال القاري:




  • قد أنصف القارة من راماها
    إنّا إذا ما فئة نلقاها



  • إنّا إذا ما فئة نلقاها
    إنّا إذا ما فئة نلقاها



نردُّ أولاها على أُخراها
فرماه



بسهم فشك به فؤاده.
فكأنّ ابن زياد أراد أن يدّعي: أنّ بني أميّة حُذَّق في أمور السياسة والمواجهات السياسية، وأنّ من أراد مواجهتهم ـ وقد أنصفهم ـ لابدّ أنه سيخسر في المواجهة.
(5) عثمان بن زياد بن أبيه: أخو عبيدالله، توفي شاباً وله ثلاث وثلاثون سنة. (راجع: تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث سنة 61 الى 80: ص



5). وقد استخلفه أخوه عبيدالله على البصرة حين ذهب الى الكوفة (راجع: البداية والنهاية، 8:



160).
ويبدو أنّه كان أهون من أخيه عبيدالله بكثير، وكان إدراكه لعواقب الأمور فيه بقية من بصيرة حيث قال في محضر أخيه عبيدالله: «.. ولوددت والله أنه ليس من بني زياد رجلٌ إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأنّ حسيناً لم يُقتل». (البداية والنهاية، 8:



210).






[158]



فوالذي لا إله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلافٌ لأقتلنّه وعريفه ووليّه، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتى تستمعوا لي ولا يكون فيكم مخالفٌ ولا مشاق، أنا ابن زياد، أشبهته من بين من وطيء الحصى ولم ينتزعني شَبهُ خال ولا ابن عمّ».(1)
ويلاحظ المتأمّل هنا أيضاً أنّ عبيدالله بن مرجانة مع كلّ ما أظهره من استعداد للظلم والغشم والقتل الكاشف عن خوفه وتوجّسه من قدرة المعارضة الخفية على التحرّك لنصرة الإمام الحسين(عليه السلام)، كان قد افتخر بانتسابه الموهوم إلى أبي سفيان حيث قال: «وقد استخلفتُ عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان»، ومراده من هذا الإفتخار تحذير أهل البصرة وتخويفهم بتذكيرهم أنه وأخوه امتداد لعائلة معروفة بالحيلة والمكر والدهاء وبسابقة طويلة في الممارسة السياسية.




حركة السلطة الأموية المحلية الجديدة في الكوفة



السفر السريع إلى الكوفة
بعد أن تسلّم عبيدالله بن زياد رسالة يزيد التي حملها إليه مسلم بن عمرو الباهلي، أمر بالجهاز من وقته والمسير والتهيؤ إلى الكوفة من الغد،(2) فلم يبق في البصرة بعدها إلاّ يوماً قتل فيه سليمان بن رزين (رض) رسول الإمام الحسين(عليه السلام)إلى أشراف البصرة، وألقى فيه خطاباً على منبر البصرة أعلن فيه لأهلها عن استخلافه أخاه عثمان بن زياد عليها، وهدّد فيه أهل البصرة وحذّرهم من الخلاف والإرجاف ! وتوعّدهم على ذلك، وفي غد ذلك اليوم خرج من البصرة إلى الكوفة.





(1) تأريخ الطبري، 3: 280; وتذكرة الخواص: 218; والأخبار الطوال: 232.
(2) راجع: الإرشاد: 206.






[159]



تقول رواية تأريخية: «وأقبل الى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي، وشريك بن الأعور الحارثي،(1) وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثّم ..».(2)





(1) شريك بن الأعور الحارثي: كان من شيعة عليّ، وكان ساكناً بالبصرة (سفينة



البحار، 4: 424 ـ الغارات:



281)، وكان من رؤوس الأخماس، وكان على خمس العالية، وقدم معهم برفقة ابن عبّاس إلى عليّ(عليه السلام) تلبية لدعوته لحرب معاوية (وقعة صفين:



117).
كان اسم والده الحارث، ومن ثَمَّ يُطلق على شريك: الحارثي. (معجم رجال الحديث، 9:



24). وكان من خواص أصحاب عليّ(عليه السلام)، شهد معه الجمل وصفين، وكان قويّ الإيمان صلب اليقين، وكان ردأً لجارية بن قدامة في محاربة ابن الحضرمي بالبصرة، ولمعقل بن قيس الرياحي في محاربة الخوارج بالكوفة وهو في ثلاثة آلاف مقاتل من أهل البصرة.
جاء من البصرة مع ابن زياد إلى الكوفة فمرض، فنزل دار هاني أيّاماً، ثم قال لمسلم بن عقيل: إنّ عبيدالله يعودني، وإنّي مطاوله الحديث، فاخرج إليه واقتله ...



وعن المحدّث القمي أنه مات قبل شهادة مسلم وهاني، ودفن في الكوفة.
وله حوار صاخب مع معاوية، أغضبه في الحوار فخرج من عنده وهو يقول:






  • أيشتمني معاوية بن صخر
    فلا تبسط علينا ياابن هند
    وإنْ تَك للشقاء لنا أميراً
    وإنْ تك في أميّة من ذراها
    فإنّا من ذُرى عبد المُدانِ



  • وسيفي صارم ومعي لساني
    لسانك أن بلغت ذُرى الأماني
    فإنّا لا نقرُّ على الهوانِ
    فإنّا من ذُرى عبد المُدانِ
    فإنّا من ذُرى عبد المُدانِ




(راجع: سفينة البحار، 4: 426; ومستدركات علم الرجال، 4:



209).
استُعمل على اصطخر فارس فبنى مسجداً عام 31 هـ. ق; وولي كرمان من قبل عبيدالله بن زياد عام 59 هـ. ق; ولبث بعد وصوله الكوفة أيّاماً فمات فصلّى عليه ابن زياد. (تأريخ الطبري، 5:



364).
(2) الإرشاد: 206; وقال المزّي في تهذيب الكمال، 14: 75 «وبلغ مسيره ـ أي الحسين(عليه السلام) ـ عبيدالله بن زياد وهو بالبصرة، فخرج على بغالهم هو وإثنا عشر رجلاً حتى بلغ الكوفة.






[160]



وتقول رواية أخرى: «فتعجّل ابن زياد المسير إلى الكوفة مع مسلم بن عمرو الباهلي، والمنذرُ بن الجارود، وشريك الحارثي، وعبدالله بن الحارث بن نوفل، في خمسمائة رجل انتخبهم من أهل البصرة، فجدَّ في السير، وكان لا يلوي على أحد يسقط من أصحابه، حتى أنّ شريك بن الأعور سقط أثناء الطريق، وسقط عبدالله بن الحارث رجاء أن يتأخّر ابن زياد من أجلهم، فلم يلتفت ابن زياد إليهم مخافة أن يسبقه الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة، ولمّا ورد القادسية سقط مولاه مهران.
فقال له ابن زياد: إنْ أمسكتَ على هذا الحال، فتنظر القصر فلك مائة ألف.



قال: والله لا أستطيع.
فتركه عبيدالله، ولبس ثياباً يمانية وعمامة سوداء وانحدر وحده، وكلّما مرّ (بالمحارس) ظنّوا أنّه الحسين(عليه السلام) فقالوا: مرحباً بابن رسول الله. وهو ساكت، فدخل الكوفة مما يلي النجف».(1)
ونتابع القصة على رواية الطبري حيث يقول: «والناسُ قد بلغهم إقبال الحسين إليهم، فهم ينتظرون قدومه، فظنّوا حين قدم عبيدالله أنّه الحسين، فأخذ لايمرّ على جماعة من الناس إلاّ سلّموا عليه(2) وقالوا: مرحباً بك يا ابن رسول الله ! قدمت خير مقدم. فرأى من تباشيرهم بالحسين(عليه السلام) ماساءه، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا: تأخّروا، هذا الأمير عبيدالله بن زياد !
فأخذ ـ حين أقبل ـ على الظَهر،(3) وإنّما معه بضعة عشر رجلاً. فلمّا دخل





(1) مقتل الحسين(عليه السلام) للمقرم: 149 ـ دار الكتاب الإسلامي.
(2) وفي رواية (الأخبار الطوال:



232): «فكان لايمرّ بجماعة إلا ظنّوا أنّه الحسين، فيقومون له ويدعون، ويقولون: مرحباً بابن رسول الله، قدمت خير مقدم !».
(3) الظَهر: أي ظهر الكوفة وهو النجف.






[161]



القصر وعلم الناس أنه عبيدالله بن زياد دخلهم من ذلك كآبة وحزن شديد، وغاظ عبيدالله ما سمع منهم، وقال: الا أرى هؤلاء كما أرى !».(1)
إنّ المتون التأريخية التي وصفت الطريقة التي دخل بها ابن مرجانة الكوفة تكشف لنا أنّ حالة التأهب (بل الغليان !) والتوتر التي كانت تعيشها الكوفة وهي تنتظر قدوم الإمام الحسين(عليه السلام) ما كانت تسمح لأي مبعوث أموي أن يدخلها علناً وبسهولة لأنّ الأمّة منتفضة على السلطة الأموية أو تكاد، فكان لابدّ لأي مبعوث أو مسؤول أموي من التخفّي والتنكّر ومخادعة الناس، فيأتي من طريق غير الطريق التي يأتي منها المسؤولون الرسميّون في العادة، ويتنكّر في زيّ آخر، ويشبّه على الناس أنه محبوبهم الذي ينتظرون قدومه بكلّ اشتياق، كي يستطيع العبور بسلام والوصول الى القصر، ليباشر منه التخطيط والقيام بالإجراءات اللازمة للقضاء على انتفاضة الأمة في الكوفة أوّلاً ثم القضاء على محبوب الأمة القادم إليها.




خدعة ابن زياد تنطلى حتى على النعمان بن بشير !



وتواصل الرواية التأريخية قصة خدعة ابن زياد فتقول: «وسار حتى وافى القصر بالليل، ومعه جماعة قد التقوا به لا يشكّون أنّه الحسين(عليه السلام)، فأغلق النعمان ابن بشير الباب عليه وعلى خاصته، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب، فاطّلع عليه النعمان وهو يظنّه الحسين(عليه السلام).
فقال: أُنشدك الله إلاّ تنحيت، والله ما أنا بمسلّم إليك أمانتي، ومالي في قتالك من أرب.
فجعل لا يكلّمه، ثم إنّه دنى وتدلّى النعمان من شرف القصر فجعل يكلّمه..





(1) تاريخ الطبري، 3: 281; وانظر مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي، 1: 290; والإرشاد: 206.






[162]



فقال: إفتح لا فتحت، فقد طال ليلك !
وسمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين(عليه السلام)، فقال: ياقوم، ابن مرجانة والذي لا إله غيره!
ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضّوا».(1)
هذا النصّ كاشف تماماً عن درجة الضعف المذهل التي كان عليها ممثّلو النظام الأمويّ في الكوفة يومذاك، فابن بشير يلبد في القصر ويخشى الخروج منه لمقابلة القادم الذي ظنّ أنّه الحسين(عليه السلام)، وعبيدالله وهو بين مجموعة من أهل الكوفة يخشى حتى من إظهار صوته مخافة أن يُعرف .. فما أقوى دلالة هذا النصّ على حالة (الإنقلاب) التي كانت الكوفة تعيشها في رفضها النظام الأمويّ، وانتظارها لوصول القيادة الشرعية القادمة إليها.




الخطاب الإرهابيّ الأوّل



ما إن دخل ابن مرجانة القصر وهدأت أنفاسه المضطربة من الخوف والتعب حتى أمر الناس بالإجتماع في المسجد ليعلن لهم عن وصوله وعن بداية قرارات الغشم الإرهابية، تقول الرواية التأريخية: «لمّا نزل القصر نودي: الصلاة جامعة، قال: فاجتمع الناس، فخرج إلينا، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعدُ، فإنّ أميرالمؤمنين أصلحه الله ولاّني مصركم وثغركم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متّبع فيكم أمره، ومنفّذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البرّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي، فليُبقِ امرؤ على





(1) الإرشاد: 206; وعنه بحار الأنوار، 44: 340.






[163]



نفسه. الصدق ينبيء عنك لا الوعيد ! ثمّ نزل».(1)
إشارة:
تلفت انتباه المتأمّل في هذه الخطبة دعوى ابن مرجانة بأنّ يزيد أمره فيما أمره به «بالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم !» فمع أنّ هذه الدعوى لم تصدّقها وثائق التأريخ وهي أكذوبة من أكاذيب ابن زياد الكثيرة، وهذا الإحسان ـ لو تحقّق ـ مشروط بالإنقياد التام والخنوع للسلطة الأموية، فإنّ موعدة الإحسان الكاذبة هذه جاءت متأخرة جداً بعد سنين متمادية تعمّد فيها طاغية الأمويين الأكبر معاوية أن يُذيق أهل الكوفة الضيم والجوع والحرمان، وأن يجعلهم وقود حروبه في الثغور وفي مواجهة الخوارج، عقوبة لولائهم لعلي(عليه السلام)، وكان معاوية لايعبأ بشكاية أهل الكوفة، بل يردّ على من يحمل إليه الشكوى منهم أسوأ الردّ ويعامله بالإستخفاف والقسوة.



هذه سودة بنت عمارة تأتيه من العراق وتشكو إليه جور ولاته الذين حكّمهم في رقاب وأموال أهل الكوفة، فتقول: «لا تزال تُقدم علينا من ينهض بعزّك ويبسط سلطانك فيحصدنا حصاد السنبل، ويدوسنا دياس البقر، ويسومنا الخسيسة ويسألنا الجليلة، هذا ابن أرطاة قُدم بلادي، وقتل رجالي وأخذ مالي..».(2)
فما كان جواب الطاغية إلا أن قال لها: «هيهات، لمّظكم ابن أبي طالب الجرأة !».(3)
وقالت له عكرشة بنت الأطرش: «إنه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتُرَدُّ





(1) تاريخ الطبري، 3: 281; والإرشاد: 202.
(2) العقد الفريد، 2: 104.
(3) نفس المصدر.






[164]



على فقرائنا، وإنّا قد فقدنا ذلك، فما يجبر لنا كسير ولا يُنعشُ لنا فقير. فإنْ كان ذلك عن رأيك فمثلك من انتبه عن الغفلة وراجع التوبة، وإنْ كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة !».(1)
فما كان جواب معاوية إلا أن قال لها: «هيهات ياأهل العراق، نبّهكم عليّ بن أبي طالب فلن تُطاقوا ..».(2)
فلم تكن الكوفة تنتظر من السلطة الأموية المركزية ولا من ولاتها إحساناً ورأفة ورفقاً طيلة سنين متمادية جرّعها فيها معاوية كأس الهوان والمذلّة والحرمان.
لكنّ بركان الكوفة لما فارت أعماقه بالحمم، ودوّت في فمه صرخة النُذُر بالتمرّد والقيام مع الحسين(عليه السلام) ضد الحكم الأموي، عزف الوالي الجديد ابن زياد نغمة الإحسان لتهدئة ثورة البركان المتأزّم بقذائف الحمم، بعد سنين طويلة، فلعلّ وعسى ! ولكن أي إحسان هو !؟ إنه الإحسان الخاص للمنقادين السامعين الطائعين فقط.


الإجراء الإرهابي الأوّل



ثمّ إنّ عبيدالله بن مرجانة أتبع خطابه الإرهابي الأوّل بعمل إرهابي كان الأوّل





(1) نفس المصدر، 2:112.
(2) العقد الفريد، 2: 112; وهناك وافدات أخريات وفدن على معاوية بالشكاة والتبرّم من جوره وجور ولاته، منهن: الدارمية، وأمّ الخير، وأروى بنت عبدالمطلب، وأم سنان، والزرقاء، وبكارة الهلالية (راجع: العقد الفريد، 2: 102 ـ



121). وظاهرة وفود النساء دون الرجال على معاوية بالشكوى والتظلّم كاشفة عن أنّ الإرهاب الأموي بلغ آنذاك حدّاً من التعاظم على رجال الكوفة الى درجة أنّ أحداً منهم لم يكن ليستطيع التشكّي والتظلّم خوفاً من قسوة العقوبة والنكال.






[165]



أيضاً في سلسلة أعماله القمعية: «فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً، فقال: اكتبوا إليّ الغرباء، ومن فيكم من طلبة(1) أميرالمؤمنين ، ومن فيكم من الحرورية،(2) وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق، فمن كتبهم لنا فبريء، ومن لم يكتب لنا أحداً فيضمن لنا مافي عرافته ألا يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغي علينا منهم باغ، فمن لم يفعل برئت منه الذمّة، وحلال لنا ماله وسفك دمه، وأيُما عريف وُجدَ في عرافته من بُغية أميرالمؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صُلب على باب داره، وأُلغيت تلك العرافة من العطاء، وسُيّر إلى موضع بعُمان الزارة(3)».(4)
إشارة:



كانت العرافة من وظائف الدولة لمعرفة الرعيّة وتنظيم عطائهم من بيت المال، وقد كان في الكوفة مائة عريف، وكان العطاء يُدفع إلى أمراء أرباع الكوفة الأربعة فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء، فيدفعونه هؤلاء إلى أهله في دورهم، وكان يؤمر لهم بعطائهم في المحرّم من كلّ سنة، وبفيئهم عند طلوع الشعرى في كلّ سنة حيث إدراك الغلات. وكانت العرافة على عهد النبي(صلى الله عليه وآله).(5)
«وكانت الدولة تعتمد على العرفاء، فكانوا يقومون بأمور القبائل ويوزّعون عليهم العطاء، كما كانوا يقومون بتنظيم السجلات العامة التي فيها أسماء الرجال





(1) أي الذين يطلبهم يزيد ويبحث عنهم ليعاقبهم.
(2) أي الخوارج، نسبة الى حروراء من نواحي الكوفة، أوّل موضع اجتمع فيه الخوارج في منصرفهم من صفين قبل وصولهم الى الكوفة.
(3) وهي المعروفة على ساحل الخليج قرب عمان، وهي شديدة الحرارة، ولذا يوعد ابن مرجانة بتبعيد المخالفين إليها لشدّة وصعوبة العيش فيها (راجع: معجم البلدان، 4:



150).
(4) تاريخ الطبري، 3: 281; والإرشاد: 202; وتذكرة الخواص: 200.
(5) وقعة الطفّ: 110.






[166]



والنساء والأطفال، وتسجيل من يولد ليفرض له العطاء من الدولة، وحذف العطاء لمن يموت، كما كانوا مسؤولين عن شؤون الأمن والنظام، وكانوا في أيّام الحرب يندبون الناس للقتال ويحثّونهم على الحرب، ويخبرون السلطة بأسماء الذين يتخلفون عن القتال، وإذا قصّر العرفاء أو أهملوا واجباتهم فإنّ الحكومة تعاقبهم أقسى العقوبات.
ومن أهمّ الأسباب في تفرّق الناس عن مسلم بن عقيل هو قيام العرفاء بتخذيل الناس عن الثورة، وإشاعة الإرهاب بين الناس، كما كانوا السبب الفعّال في زجّ الناس لحرب الإمام الحسين(عليه السلام)».(1)




قتل عبدالله بن يقطر(2) الحميري (رض)



إنّ المشهور عند أهل السير(3) هو أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) سرّح عبدالله بن يقطر (رض) إلى مسلم بن عقيل(عليه السلام) بعد خروجه من مكّة في جواب كتاب مسلم(عليه السلام) إلى الحسين(عليه السلام) يسأله القدوم ويخبره باجتماع الناس، فقبض عليه الحصين بن نمير(4) (أو بن تميم)(5) بالقادسية.. إلى آخر قصة استشهاده (رض).
ولذا فقصة استشهاده (رض) من مختصات تأريخ فترة وقائع الطريق بين مكّة





(1) حياة الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) ، 2: 447.
(2) ضبطه التستري: بقطر، وقال إنَّ يقطر غلط. (راجع: قاموس الرجال، 6:



666); وقال المحقق السماوي: «ضبطه الجزري في الكامل بالباء الموحّدة، لكنّ مشيختنا ضبطوه بالياء المثنّاة تحت» (إبصار العين:



94).
(3) راجع: إبصار العين: 93.
(4) راجع: الإرشاد: 223.
(5) راجع: إبصار العين: 93.






[167]



وكربلاء، أي من مختصات (الجزء الثالث) من هذه الدراسة.
لكنّ هناك روايتين تحدّثتا في قصة قتله (رض) مفادهما أنه قُتل في الفترة التي كان فيها الإمام الحسين(عليه السلام) في مكّة المكرّمة، ولذا فنحن نتعرّض لهاتين الروايتين هنا في هذا الموقع.
الرواية الأولى: وهي رواية ابن شهرآشوب، وفيها أنّ عبيدالله بن زياد بعد أن زار شريك بن الأعور الحارثي في مرضه (في بيت هانيء بن عروة)، وجرى ما جرى من حثّ شريك مسلماً(عليه السلام) على قتل عبيدالله من خلال رمز «ما الإنتظار بسلمى أن تحييها ..»، فأوجس عبيدالله منهم خيفة فخرج: «فلمّا دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبدالله بن يقطر، فإذا فيه: «للحسين بن علي: أما بعدُ، فإني أُخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا،



فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل، فإنّ الناس معك، وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى» فأمر ابن زياد بقتله».(1)
أما الرواية الثانية: وهي رواية محمّد بن أبي طالب في كتابه (تسلية المجالس) فتفصّل القصة هكذا: أنّه بينما كان عبيدالله يتكلّم مع أصحابه في شأن عيادة هاني: «إذ دخل عليه رجل من أصحابه يُقال له مالك بن يربوع التميمي، فقال: أصلح الله الأمير، إني كنت خارج الكوفة أجول على فرسي، إذ نظرتُ إلى رجل خرج من الكوفة مسرعاً إلى البادية، فأنكرته، ثمّ إني لحقته، وسألته عن حاله فذكر أنه من أهل المدينة ! ثمّ نزلت عن فرسي ففتشته فأصبت معه هذا الكتاب.
فأخذه ابن زياد ففضّه فإذا فيه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم: إلى الحسين بن علي: أمّا بعدُ: فإنّي أُخبرك أنّه بايعك من أهل الكوفة نيفاً على عشرين ألف رجل،





(1) مناقب آل أبي طالب، 4: 94; وعنه البحار، 44: 343.






[168]



فإذا أتاك كتابي فالعجل العجل، فإنّ الناس كلّهم معك، وليس لهم في يزيد هوى..».
فقال ابن زياد: أين هذا الرجل الذي أصبت معه الكتاب؟
قال: هو بالباب.
فقال: إئتوني به.
فلمّا وقف بين يديه قال: ما اسمُك؟



/ 31