قال: من دفع إليك هذا الكتاب؟
قال: دفعته إليَّ امرأة لا أعرفها!
فضحك ابن زياد وقال: إختر أحد اثنين، إمّا أن تخبرني من دفع إليك الكتاب أو القتل!
فقال: أمّا الكتابفإنّي لا أخبرك، وأمّا القتل فإنّي لا أكرهه لأنّي لا أعلم قتيلاً عند الله أعظم أجراً ممّن يقتله مثلك!
قال فأمر به فضربت عنقه».(1)
فهذا الشهيد (رض) في هاتين الروايتين ـ وخلافاً للمشهور ـ هو رسول من مسلم(عليه السلام) إلى الإمام الحسين(عليه السلام) ،(2) وهو في رواية (تسلية المجالس) ابن يقطين
(1) تسلية المجالس، 2:182.
(2) وقال بهذا أيضاً ابن قتيبة وابن مسكويه، أي: أنّ الذي أرسله الحسين قيس بن مسهّر.. وأنّ عبداللّه بن يقطر بعثه الحسين(عليه السلام) مع مسلم، فلمّا رأى مسلم الخذلان قبل أن يتمّ عليه ما تمَّ بعث عبداللّه الى الحسين يخبره بالأمر الذي انتهى، فقبض عليه الحصين وصار ما صار من الأمر عليه. (راجع: إبصار العين:
94).
[169]
وليس ابن يقطر أو بقطر.
وهنا قد ينقدح في الذهن احتمال أنّ عبدالله بن يقطر هو غير عبدالله بن يقطين هذا، بقرينة: اختلاف إسم الأب أوّلاً. وثانياً اختلاف اسم الرجل الذي ألقى القبض على ابن يقطر وهو حسب المشهور الحصين بن نمير (او ابن تميم) عن اسم الرجل الذي ألقى القبض على ابن يقطين هذا وهو مالك بن يربوع التميمى. وثالثاً أنّ الأوّل أُلقيَ عليه القبض خارج الكوفة. ورابعاً أنّ الأوّل كما هو مشهور قُتل برميه من فوق القصر، بينما الثاني ضُربت عنقه.
ويمكن أن يُردّ على هذه المرتكزات التي يقوم عليها هذا الإحتمال:
أولاً: أنّ هناك ظنّاً قوياً في أن يكون اسم يقطين تصحيفاً لإسم يقطر خصوصاً في الكتب المخطوطة قديماً، ويقوّي هذا الظنّ أنّ اسم يقطين لم يرد إلاّ في كتاب تسلية المجالس، كما أن إسم الأب في رواية ابن شهراشوب المشابهة لهذة الرواية هو يقطر(1) وليس يقطين، هذا فضلاً عن أنّ رواية كتاب تسلية المجالس نفسها تذكر أنّ عبدالله هذا رجل من أهل المدينة، والتأريخ لم يذكر لنا رجلاً من شهداء النهضة الحسينية من أهل المدينة بهذا الإسم (من غير بني هاشم) سوى عبدالله بن يقطر.
وثانياً: أنّه لايمنع من وحدة الشخص أنّ الأوّل ألقى القبض عليه الحصين بن
(1) ويستفاد من كلام السيد الخوئي أنه يرى عبدالله بن يقطر شخصاً واحداً في روايات القصة المشهورة وفي رواية ابن شهراشوب الشاذة عن المشهور، حيث يقول: «وقد ذكر قصة قتله غير واحد من الأعلام، إلاّ أنّ ابن شهراشوب ذكر أنه كان رسول مسلم الى الحسين(عليه السلام) وأنّ مالك بن يربوع أخذ الكتاب منه.» (معجم رجال الحديث، 10:
384).
[170]
نمير (أو تميم) وأنّ الثاني ألقى القبض عليه مالك بن يربوع التميمي، إذ قد يكون مالك بن يربوع أحد مأموري الحصين، فتصحّ عندئذ نسبة إلقاء القبض إلى كليهما.
وثالثاً: أنّ قول مالك بن يربوع كما في رواية تسلية المجالس: «كنت خارج الكوفة أجول على فرسي إذ نظرت الى رجل خرج من الكوفة مسرعاً يريد البادية ..» قد يعني أنه نظر الى رجل أقبل من ناحية الكوفة مسرعاً يريد البادية، ولاينافي ذلك أنه نظر إليه في القادسية أو قريباً منها (من ناحية الكوفة) حيث تنتشر قوّات الرصد الأموي على اتساع تلك المنطقة.
ورابعاً: أنه لا منافاة في الإخبار عن قتله بأنه ضُربت عنقه في حين أنّ ابن يقطر (رض) رُمى به من فوق القصر فتكسّرت عظامه وبقي به رمق ثم ذبحه اللخمي كما هو مشهور، ذلك لأنّ هذا التفاوت في التعبير عن القتل غير مستغرب في الاستعمال العرفي، وهو ليس في مستوى دقّة التعبير الفقهي أو الرياضي كما نعلم، ثمّ إنّ رواية ابن شهرآشوب ذكرت فقط أنّ ابن زياد أمر بقتله، ولم تتعرّض لطريقة القتل.
من هو عبدالله بن يقطر الحميري ؟
«كانت أمّه حاضنة للحسين(عليه السلام) كأمّ قيس بن ذريح للحسن(عليه السلام)، ولم يكن رضع عندها، ولكنّه يُسمّى رضيعاً له لحضانة أمّه له. وأمّ الفضل بن العبّاس لبابة كانت مربية للحسين(عليه السلام) ولم ترضعه أيضاً، كما صحّ في الأخبار أنه لم يرضع من غير ثدي أمّه فاطمة صلوات الله عليها وإبهام رسول الله(صلى الله عليه وآله) تارة، وريقه تارة أخرى».(1)
(1) إبصار العين: 93 لكنّ هناك روايات تذكر أنّه(عليه السلام) لم يرتضع حتى من ثدي أمّه فاطمة(عليها السلام)، منها عن الإمام الصادق(عليه السلام): «..ولم يرضع الحسين من فاطمة(عليها السلام) ولا من أُنثى، كان يُؤتى به النبيّ فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها مايكفيه اليومين والثلاث، فنبت لحم الحسين(عليه السلام) من لحم رسول الله ودمه». (الكافي، 1: 465، الحديث رقم
4).
وعن الإمام أبي الحسن الرضا(عليه السلام): «أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه، فيمصّه فيجتزىء به، ولم يرتضع من أُنثى» (الكافي، 1:
465).
لكنّ العلامة المجلسي رمى هاتين الروايتين بالإرسال. (مرآة العقول، 5:
365); وللسيد عبدالحسين شرف الدين فيهما نظر (راجع: أجوبة موسى جار الله).
[171]
وذكر ابن حجر في الإصابة أنّ عبدالله بن يقطر كان صحابياً لأنّه لِدَةٌ للحسين(عليه السلام) .(1)
وكان عبدالله بن يقطر رضوان الله تعالى عليه من أهل اليقين والشجاعة الفائقة، إذ لمّا أمره ابن مرجانة قائلاً: «إصعد القصر والعن الكذّاب بن الكذّاب، ثمّ انزل حتى أرى فيك رأيي».(2) صعد هذا البطل القصر «فلمّا أشرف على الناس قال: أيّها الناس، أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) إليكم لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة وابن سميّة الدعيّ بن الدعيّ !».(3)
والظاهر أنّ عبدالله بن يقطر رضوان الله تعالى عليه قُتل قبل قيس بن مسهّر الصيداوي رضوان الله تعالى عليه، الذي قتل بعد قتل مسلم(عليه السلام)، بدليل أنّ خبر مقتل عبدالله ورد إلى الإمام(عليه السلام) بـ (زبالة) في الطريق إلى العراق في نفس خبر مقتل مسلم(عليه السلام) وهاني رضوان الله تعالى عليه، فنعاهم الإمام(عليه السلام) قائلاً: «أمّا بعدُ، فقد أتانا خبر فظيع، قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبدالله بن يقطر، وقد خذلنا
(1) إبصار العين: 93.
(2) نفس المصدر.
(3) نفس المصدر.
[172]
شيعتنا ..».(1)
وبذلك يكون عبدالله بن يقطر رضوان الله تعالى عليه ثاني رسل الإمام الحسين(عليه السلام) الذين استشهدوا أثناء أداء مهمة الرسالة، بعد شهيد النهضة الحسينية الأوّل سليمان بن رزين رضوان الله تعالى عليه، رسول الإمام(عليه السلام) إلى أشراف البصرة، بل إنّ عبدالله بن يقطر هو الشهيد الثاني في النهضة الحسينية المباركة إذا ثبت تأريخياً أنه قُتل قبل قيام انتفاضة مسلم(عليه السلام) في الكوفة.
اضطهاد رجال المعارضة وحبسهم وقتلهم
«إنّ ابن زياد لمّا اطّلع على مكاتبة أهل الكوفة الحسين(عليه السلام) حبس أربعة آلاف وخمسمائة رجل من التوابين من أصحاب أميرالمؤمنين وأبطاله الذين جاهدوا معه، منهم سليمان بن صرد وابراهيم بن مالك الأشتر و... وفيهم ابطال وشجعان ولم يكن له سبيل الى نصر الحسين(عليه السلام) لأنهم كانوا مقيّدين مغلولين وكانوا يوماً يطعمون ويوماً لا يُطعمون».(2)
وينقل المحقّق الشيخ باقر شريف القرشي عن كتاب (المختار مرآة العصر الأموي) أنّ عدد الذين اعتقلهم ابن زياد في الكوفة إثنا عشر ألفاً، كما ينقل عن كتاب (الدرّ المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء) أنّ من بين أولئك المعتقلين سليمان بن صرد الخزاعي، والمختار بن ابي عبيد الثقفي وأربعمائة من الوجوه والأعيان.(3)
(1) نفس المصدر: 94.
(2) تنقيح المقال، 2: 63; وانظر: قاموس الرجال، 5: 280.
(3) راجع: حياة الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) ، 2: 416; وقال المحقق القرشي: «وقد اثارت هذه الإجراءات عاصفة من الفزع والهلع، لا في الكوفة فحسب وإنّما في جميع أنحاء العراق، وقد ابتعد الكوفيون عن التدخل في أية مشكلة سياسية، ولم تبدُ منهم أية حركة من حركات المعارضة، وأيقنوا أن لا قدرة لهم على الإطاحة بالعرش الأمويّ، وظلّوا قابعين تحت وطأة سياطه
القاسية» (نفس المصدر، 2:
416).
ولنا تأمّل في هذا القول، ولعلّنا نناقشه في فصل حركة الأمة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
[173]
وذكر الطبري أنّ ابن زياد «أمر أن يُطلب المختار وعبدالله بن الحارث،(1)وجعل فيهما جعلاً، فأُتي بهما فحبسا».(2)
وقال البلاذري: «أمر ابن زياد بحبسهما ـ المختار وابن الحارث ـ بعد أن شتم المختار واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه، وبقيا في السجن إلى أن قتل الحسين».(3)
«ثمّ إنّ الحصين(4) ـ صاحب شرطة ابن زياد ـ وضع الحرس على أفواه السكك، وتتبّع الأشراف الناهضين مع مسلم، فقبض على عبد الأعلى بن يزيد
(1) عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب: وهو الذي أنفذه الحسن(عليه السلام) إلى معاوية، وله رواية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في فضل فاطمة، وهو الذي حبسه ابن زياد مع المختار وميثم. (مستدركات علم رجال الحديث، 4:
508).
ولد في حياة النبي(صلى الله عليه وآله)، واجتمع أهل البصرة عند موت يزيد على تأميره عليهم، وقال الزبير بن بكّار: هو ابن أخت معاوية بن أبي سفيان وأسمها هند، اصطلح عليه أهل البصرة فأمّروه عند هروب عبيدالله بن زياد، وكتبوا إلى ابن الزبير بالبيعة له فأقرّه عليهم، خرج هارباً من البصرة إلى عمان خوفاً من الحجّاج عند فتنة عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث، فمات بها عام 84هـ، (راجع: سير أعلام النبلاء، 1:
200); وكان من سادة بني هاشم. (نفس المصدر، 3:
531).
(2) تأريخ الطبري، 3: 294.
(3) أنساب الأشراف، 5: 215; عنه مقتل الحسين(عليه السلام) للمقرّم: 157.
(4) الحصين بن نمير: «ملعون خبيث، من رؤساء جند ابن زياد، وكان من أتباع معاوية»
(الغدير، 10:
295); وكان مأموراً من قبل يزيد لقتال ابن الزبير بمكة. (البحار، 38: 193 ومستدركات علم رجال الحديث، 3:
221).
[174]
الكلبي،(1) وعمارة بن صلخب الأزدي(2) فحبسهما، ثمّ قتلهما، وحبس جماعة من
(1) عبدالأعلى بن يزيد الكلبي: فارس شجاع من الشيعة بالكوفة، بايع مسلماً وكان يأخذ البيعة له وللحسين(عليه السلام)، فلما قُتل مسلم حبسه ابن زياد، وأمر بقتله فقتل. (مستدركات علم رجال الحديث، 4:
366).
قال الطبري: «ثمّ إنّ عبيدالله بن زياد لمّا قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة دعا بعبدالأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان، فأُتي به فقال له: أخبرني بأمرك. فقال: أصلحك الله، خرجت لأنظر ما يصنع الناس، فأخذني كثير بن شهاب. فقال له: فعليك وعليك من الأيمان المغلّظة إن كان أخرجك إلا ما زعمت. فأبى أن يحلف ! فقال عبيدالله: انطلقوا بهذا إلى جبانة السبع فاضربوا عنقه. قال فانطلقوا به فضربت عنقه». (تأريخ الطبري 3:
292).
وفي رواية أخرى للطبري عن أبي مخنف قال: «حدّثني أبوجناب الكلبي أنّ كثيراً ألفى رجلاً من كلب يُقال له عبد الأعلى بن يزيد قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بني فتيان، فأخذه حتى أدخله على ابن زياد، فأخبره خبره، فقال لابن زياد:
إنّما أردتك. قال: وكنت وعدتني ذلك من نفسك ! فأمر به فحُبس». (تأريخ الطبري، 3:
287).
(2) عمارة بن صلخب الأزدي: ذكر أهل السير أنه كان فارساً شجاعاً، من الشيعة الذين بايعوا مسلماً، وكان يأخذ البيعة للحسين(عليه السلام)، فلمّا تخاذل الناس عن مسلم أمر ابن زياد بقبضه وحبسه، ثمّ بعد شهادته أمر بضرب عنقه فضرب رضوان الله عليه. (تنقيح المقال، 2:
323).
وقال الطبري: «وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي وهو يريد ابن عقيل، عليه سلاحه، فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه». (تاريخ الطبري، 3:
292)، ثمّ إنّ عبيدالله ـ بعد قتل مسلم وهاني ـ «أخرج عمارة بن صلخب الأزدي، وكان ممن يريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره، فأُتيَ به أيضاً عبيدالله، فقال له: ممن أنت ؟ قال: من الأزد. قال: انطلقوا به إلى قومه. فضربت عنقه فيهم». (تاريخ الطبري، 3:
292).
[175]
الوجوه استيحاشاً منهم، وفيهم الأصبغ بن نباتة،(1) والحارث الأعور الهمداني(2)».(3)
حبس ميثم التمّار
يُستفاد من ظاهر بعض المتون التي تروي قصة مقتل الشهيد الفذّ ميثم التمّار (رض) أنّ قتله كان في أواخر شهر ذي الحجّة سنة ستين للهجرة، كقول الشيخ المفيد (ره): «وحجّ في السنة التي قُتل فيها»،(4) وتصرّح بعض المتون أنه (رض) قتل قبل وصول الإمام الحسين(عليه السلام) إلى العراق: «وكان مقتل ميثم قبل
(1) الأصبغ بن نباتة: مشكور، من خواصّ أصحاب أميرالمؤمنين والحسنين(عليهم السلام)، وروى عنه عهد الأشتر ووصيته إلى ابنه محمد بن الحنفية، وهو من شرطة الخميس الذين ضمنوا له الذبح وضمن لهم الفتح. وعدّه أميرالمؤمنين(عليه السلام) من ثقاته العشرة، وهو الذي أعانه على غسل سلمان الفارسي، وممن حمل سرير سلمان لمّا أراد أن يكلّم الموتى. وكان الأصبغ يوم صفين على شرطة الخميس وقال لعلي(عليه السلام): قدّمني في البقية من الناس فإنك لا تفقد لي اليوم صبراً ولا نصراً. قال(عليه السلام): تقدّم باسم الله والبركة. فتقدّم وأخذ رايته وسيفه فمضى بالراية مرتجزاً، فرجع وقد خضب سيفه ورمحه دماً. وكان شيخاً ناسكاً عابداً، وكان إذا لقي القوم لايغمد سيفه، وكان من ذخائر علي،
ممن قد بايعه على الموت، وكان من فرسان العراق، وهو الذي يقول: حفظت مائة فصل من مواعظ أميرالمؤمنين(عليه السلام)، وحفظت من خطاباته كنزاً لايزيده الإنفاق إلاّ سعة وكثرة. (مستدركات علم رجال الحديث، 1:
692).
(2) الحارث الأعور الهمداني: كان من أولياء أميرالمؤمنين، وعدّه عليّ(عليه السلام) من ثقاته العشرة، وعن ابن أبي الحديد: وكان أحد الفقهاء. توفي عام 65 هـ. ق (مستدركات علم رجال الحديث، 2:
260).
«وعن الطبري: كان من مقدّمي أصحاب عليّ في الفقه والعلم بالفرائض والحساب» (قاموس الرجال، 3:
14).
وثّقه العامّة ومدحوه، ونقلوا الروايات عنه في الصحاح وغيرها. (الغدير، 11:
222).
(3) مقتل الحسين(عليه السلام) للمقرّم: 157.
(4) الإرشاد: 170.
[176]
قدوم الحسين بن علي(عليهما السلام) إلى العراق بعشرة أيّام»،(1) بل تصرّح أخرى قائلة: «وشهادته قبل يوم عاشوراء بعشرين يوماً أو عشرة أيام».(2)
وعلى أي من هذه الأقوال، يكون ميثم التمار (رض) قد قتل فيما بعد خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من مكّة، وفي أثناء أيّام الرحلة إلى العراق.
أمّا حبسه (رض) في سجن ابن زياد فهناك إشاره تأريخية يمكن الإستفادة منها أنه حُبس مع المختار في وقت معاً، كما في قول الشيخ المفيد (ره): «فحبسه وحبس معه المختار ..»،(3) أي قبل مقتل مسلم(عليه السلام)،
وعلى هذا يكون حبسه (رض) في الفترة التي كان فيها الإمام(عليه السلام) بمكّة المكرّمة.
ميثم التمّار رضوان الله تعالى عليه
يندُر أن ترى كتاباً يتناول تأريخ النهضة الحسينية وفاجعة عاشوراء يذكر ميثم التمّار (رض) في جملة شهداء فترة تأريخ تلك النهضة المقدّسة مع أنه (رض) من طليعة الأبرار وخواص الأولياء الذين استشهدوا في تلك الفترة لولائهم لأهل البيت(عليهم السلام) وعدائهم للحكم الأمويّ، ولشهادته نفسها خصوصية تجعلها في العلياء من روائع تأريخ وقائع الإستشهاد في سبيل الله تعالى وفي القمة من نوادره.
هو ميثم بن يحيى ـ أو عبدالله ـ التمّار الأسديّ الكوفي، وهو من حواريّ أميرالمؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم، والروايات في مدحه وجلالته وعظم شأنه وعلمه بالمغيّبات كثيرة لاتحتاج إلى البيان، ولو كان بين
(1) إعلام الورى: 174; وعنه تنقيح المقال، 3: 262; وانظر أيضاً: الإرشاد: 171.
(2) مستدركات علم رجال الحديث، 8: 44.
(3) الإرشاد: 171.
[177]
العصمة والعدالة مرتبة وواسطة لأطلقناها عليه.(1)
كان ميثم (رض) لمنزلته الخاصة عند الله تبارك وتعالى وعند أهل البيت(عليهم السلام)قد رزق علم المنايا والبلايا، وقد شاعت عنه إخباراته بمغيّبات كثيرة، ومنها أنه أخبر حبيب بن مظاهر باستشهاده في نصرة الحسين(عليه السلام) وأنه يُجال برأسه في الكوفة كما أخبر المختار بأنه ينجو من سجن ابن زياد، ويخرج ثائراً مطالباً بدم الحسين(عليه السلام)فيقتل ابن زياد ويطأ بقدميه على وجنتيه،(2) بل أخبر ابن زياد نفسه بأنه يقتله وبالطريقة التي يقتله بها وأنّه أوّل من يُلجم في الإسلام.(3)
روي «أنّ ميثم التمّار كان عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين(عليه السلام)منها فأعتقه، فقال له: ما اسمك؟
فقال: سالم.
فقال: أخبرني رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنّ اسمك الذي سمّاك به أبواك في العجم ميثم.
قال: صدق اللّه ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين، والله إنه لأسمي!
قال: فارجع إلى اسمك الذى سمّاك به رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ودع سالماً، فرجع إلى ميثم واكتنى بأبي سالم.
فقال له عليّ(عليه السلام) ذات يوم: إنك تُؤخذ بعدي فتُصلب وتُطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً يخضّب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، فتُصلب على باب
(1) راجع: مستدركات علم رجال الحديث، 8: 44; وانظر: تنقيح المقال، 3: 262; فقد قال المامقاني أيضاً: «بل لو كانت بين العصمة والعدالة مرتبة واسطة لأطلقناها عليه».
(2) راجع: بحار الانوار، 45: 353.
(3) كما سيأتي في نفس رواية الإرشاد الآتية.
[178]
عمرو بن حُريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة، وامضِ حتى أريك النخلة التي تُصلب على جذعها.
فأراه إيّاها. وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بوركتِ من نخلة، لك خُلِقتُ ولي غُذِيتِ، ولم يزل يتعاهدها حتى قُطعت، وحتى عرف الموضع الذي يُصلب عليها(1) بالكوفة.
قال: وكان يلقى عمرو بن حُريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحسن جواري!
فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟
وهو لايعلم ما يريد.
وحجّ في السنة التى قُتل فيها، فدخل على أمّ سلمة رضي اللّه عنها.
فقالت: من أنت؟
قال: أنا ميثم.
قالت: واللّه لربّما سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يذكرك ويوصي بك عليّاً فى جوف الليل.
فسألها عن الحسين(عليه السلام)، فقالت: هو في حايط له.
قال: أخبريه أنّني قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء اللّه تعالى.(2)
(1) هكذا في الأصل، والصحيح (عليه).
(2) في قول الشيخ المفيد(قدس سره): «وحجّ في السنة التي قُتِل فيها»، وفي قوله: «فسألها عن الحسين(عليه السلام)، فقالت: هو في حايط له. قال: أخبريه أنني قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين...» مدعاة للإستغراب والتأمّل!
تُرى كيف يكون قد حجّ في تلك السنة ولم يكن قد رأى أو التقى الإمام(عليه السلام) في مكّة المكرّمة طيلة المدّة الطويلة التي كان الإمام(عليه السلام) فيها بمكة!؟
الراجح أنّ مراد الشيخ المفيد(قدس سره) من قوله «وحجّ» أصل زيارة بيت اللّه الحرام
، وإن كانت هذه الزيارة عمرة، ولدينا في رواية أخرى تصريح من ابنه وهو حمزة بن ميثم (يصف أحداث نفس هذه الزيارة) يقول فيه: «خرج أبي الى العمرة..» (بحار الأنوار، 42:
129). فهذه الزيارة كانت عمرة، والراجح أيضاً أنّ وصوله الى المدينة المنوّرة كان قبل شهر رجب سنة ستين أو فيه، فيما قبل وصول نبأ موت معاوية إلى المدينة، أيّ قبل مطالبة السلطة الأموية الإمام الحسين(عليه السلام) بالبيعة ليزيد، ذلك لأنّ الظاهر من تأريخ ما بعد ذلك الى خروج الإمام(عليه السلام) من المدينة هو أنّ الإمام(عليه السلام) لم يخرج الى حائط له خارج المدينة.
[179]
فدعت أمّ سلمة بطيب وطيّبت لحيته، وقالت له: أما إنّها ستُخضّب بدم!
فقدم الكوفة، فأخذه عبيد اللّه بن زياد لعنه الله، فأُدخل عليه
فقيل له: هذا كان من آثر الناس عند عليّ!
قال: ويحكم، هذا الأعجميّ!
قيل له: نعم!
قال له عبيد اللّه: أين ربّك!؟
قال: لبالمرصاد لكلّ ظالم، وأنت أحد الظلمة!
قال: إنّك على عجمتك لتبلغ الذي تريد! ما أخبرك صاحبك أني فاعل بك؟
قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبة، وأقربهم إلى المطهّرة.
قال: لنخالفنّه.
[180]
قال: كيف تخالفه!؟ فوالله ما أخبرني إلاّ عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء!؟ ولقد عرفت الموضع الذي أُصلب عليه أين هو من الكوفة، وأنا أوّل خلق اللّه أُلجم في الإسلام!
فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة، قال له ميثم: إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين(عليه السلام) فتقتل هذا الذي يقتلنا.
فلمّا دعا عبيد اللّه بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيد الله يأمره بتخلية سبيله فخلاّ عنه،(1) وأمر بميثم أن يصُلب، فأُخرج.
فقال له رجل لقيه: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم!؟
فتبسّم وقال وهو يومي إلى النخلة: لها خُلقتُ، ولي غُذيتْ!
فلمّا رفع على الخشبة اجتمع النّاس حوله على باب عمرو بن حُريث، قال عمرو: قد كان واللّه يقول إنّي مجاورك! فلمّا صُلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشّه وتجميره، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد! فقال: ألجموه. وكان أوّل خلق الله أُلجم فى الإسلام، وكان قتل ميثم رحمة الله قبل قدوم الحسين بن علي(عليه السلام) بعشرة أيّام، فلمّا كان اليوم الثالث من صلبه طُعن ميثم بالحربة، فكبّر، ثمّ انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دماً».(2)
(1) إن المتأمل في دلالة هذا يستنتج أنّ المختار كان طليقاً قبل وصول الإمام(عليه السلام) الى العراق ـ لأنّ ميثم قُتل قبل وصول الإمام(عليه السلام) الى العراق ـ وهذا خلاف المشهور، وعليه يمكن القول: لعلّ المختار(ره) كان تحت رقابة شديدة أو إقامة جبرية منعته من الإلتحاق بالإمام(عليه السلام)، والله العالم.
(2) الإرشاد: 171.
[181]
التجسس لمعرفة مكان قيادة الثورة
لمّا علم مولانا مسلم بن عقيل(عليه السلام) بالإجراءات الإرهابية المتسارعة التي اتخذها عبيد الله بن زياد «وما أخذ به العرفاء والناس، خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانيء بن عروة فدخلها، فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانيء على تستّر واستخفاء من عبيد اللّه، وتواصوا بالكتمان، فدعا ابن زياد مولى له يُقال له معقل، فقال: خذ ثلاثة آلاف درهم، واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، وقل لهم: استعينوا بها على حرب عدوّكم، وأعلمهم أنّك منهم، فإنّك لو قد أعطيتهم إيّاها لقد اطمأنّوا إليك ووثقوا بك، ولم يكتموك شيئاً من أمورهم وأخبارهم، ثمّ اغدُ عليهم ورُحْ حتى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل وتدخل عليه.