[261] - مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
ويرى المامقاني أيضاً بعد عرضه لجواب العلاّمة الحلّي عن سؤال السيد مهنّا أنّ مرض ابن الحنفية ـ إن صحّ ـ فهو عند رجوع أهل البيت الى المدينة لاعند ذهاب الحسين(عليه السلام)، ويعلّق تعليقة طويلة (هي مورد تأمل ونقاش تحقيقي مفصّل!)، ومن الجدير بالذكر أنه (ره) ضمن تعليقته هذه يرى صحة هذه الرواية (راجع: تنقيح المقال، 3:


112).




[261]


سابق في سموّ مرتبتهم ولايلحق بهم لاحق كما قرّر ذلك أمير المؤمنين(عليه السلام)(1)، إذ المعذور وغير المعذور من المتخلّفين سواء ـ من حيث النتيجة العملية لامن حيث الحساب والجزاء ـ في حرمانهم من ذلك الشرف الذي لايُضاهى والمجد الذي لايُدانى، وحَقَّ لكلّ مؤمن (غير أنصار الحسين(عليه السلام)) أن تذهب نفسه حسرات أسفاً على حرمانه من ذلك الفوز العظيم كلّما ردّد: ياليتني كنت معكم فأفوز واللّه فوزاً عظيماً !!.
مع هذا، فإنّ من علمائنا من روى ونقل أنّ سيّدنا محمد بن الحنفية (رض)


كان مريضاً أيّام خروج الإمام الحسين(عليه السلام)، إلى درجة أنه كان لايقوى على حمل السيف! وفي طليعة هؤلاء الأعلام السيّدابن طاووس(قدّس)، فقد أورد في كتابه: عن أبي مخنف قوله: «وقد كان محمد بن الحنفية موكوعاً(2)، لأنّه أُهدي الى أخيه الحسين(عليه السلام) درع من نسج داود على نبيّنا وعليه السلام، فلبسه ففضل عنه ذراع وأربعة أصابع، فجمع محمّد بن الحنفية ما فضل منه وفركه بيده فقطعه، فأصابته نظرة، فصارت أنامله تجري دماً مدّة، ولهذا لم يخرج مع الحسين(عليه السلام) يوم كربلاء، لأنّه ما كان يقدر أن يقبض قائم سيف ولاكعب رمح.».(3)
ومن هؤلاء الأعلام أيضاً العلاّمة الحلي (ره)، ففي إجابته عن سؤال:
«مايقول سيّدنا في محمّد بن الحنفية، هل كان يقول بإمامة أخويه وزين


العابدين(عليهما السلام) أم لا؟ وهل ذكر أصحابنا له عذراً في تخلّفه عن الحسين(عليه السلام)وعدم




(1) بحار الانوار، 41:295، باب 114، حديث رقم 18.
(2) الوكع: مَيْل الأصابع قِبَل السبّابة حتى تصير كالعّقفَة، خِلقةً أو عرضاً. (راجع لسان العرب، 8:408، مادة وكع).
(3) كتاب (حكاية المختار في أخذ الثار برواية أبي مخنف): 33; المطبوع مع كتاب اللهوف في قتلى الطفوف; منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف.




[262]


نصرته له أم لا؟ وكيف يكون الحال إن كان تخلّفه عنه لغير عذر؟ وكذلك عبدالله بن جعفر وأمثاله؟» قال العلامة الحلي (ره): «قد ثبت في أصول الإمامة أنّ أركان الإيمان: التوحيد والعدل والنبّوة والإمامة، والسيّد محمّد بن الحنفية وعبدالله بن جعفر وأمثالهم أجلّ قدراً وأعظم شأناً من اعتقادهم خلاف الحق وخروجهم عن الإيمان الذي يحصل به اكتساب الثواب الدائم والخلاص من العقاب. وأمّا تخلّفه عن نصرة الحسين(عليه السلام) فقد نُقل أنه كان مريضاً، ويحتمل في غيره عدم العلم بما وقع لمولانا الحسين(عليه السلام) من القتل وغيره، وبنوا على ما وصل من كتب الغَدَرَةِ إليه وتوهمّوا نصرتهم له!».(1)





(1) المسائل المهنّائية: 38، المسألة رقم 33.
لكننا نقول: إن احتمال عدم علم محمد بن الحنفية (رض) بمصير الامام الحسين(عليه السلام) ـ كما احتمله العلاّمة الحلّي (ره) ـ مستبعدٌ جدّاً لوجود الروايات الكثيرة المنتشرة آنذاك والمخبرة بمقتل الامام الحسين(عليه السلام)، المرويّة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام)، وعن الامام الحسين نفسه(عليه السلام)، ولايُحتمل أنّ محمّد بن الحنفية لم يكن على علم ببعضها على الأقلّ!، كيف وقد روي عن محمّد نفسه حول أصحاب الامام الحسين(عليه السلام) قوله: «وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم!». (مناقب آل أبي طالب، 4:


53).
هذا فضلاً عن الروايات التي تقول إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان قد أخبر أخاه محمّداً بذلك، ومنها الرواية المرويّة عن الامام الباقر(عليه السلام)، والتي تخبر أنّ الامام(عليه السلام) بعث برسالة الى محمد بن الحنفية ومن قِبَله من بني هاشم يقول فيها: «.. من لحق بي استشهد..». (كامل الزيارات: 75،


باب 24، حديث


15)، والرواية الاخرى المرويّة بأسانيد متعددة، والتي تقول إنّ الامام(عليه السلام) قال لمحمّد (رض): «والله يا أخي، لوكنت في جحر هامّة من هوامّ الارض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني.». (البحار:، 45:99، باب


37)، ومع اعتقاد محمّد بن الحنفية بامامة الحسين(عليه السلام)، فإنّ أخذه عنه أخذ عن صادق مصدّق، خبره الخبر اليقين الذي لاريب فيه. لكنّ الذي يهوّن الخطب أنّ احتمال العلاّمة في غير ابن الحنفية ـ على الأظهر ـ وإلاّ فإن ابن الحنفية كان مريضاً.




[263]


كما أورد الدربندي في (اسرار الشهادة) نقلاً عن أبي مخنف محاورة في المدينة بين الامام(عليه السلام) وبين أخيه محمّد، كان منها قول محمّد: «إنّي والله ليحزنني فراقك، وما أقعدني عن المسير معك إلاّ لأجل ما أجده من المرض الشديد، فوالله يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولاكعب رمح، فوالله لا فرحت بعدك أبداً. ثم بكى شديداً حتى غُشي عليه، فلمّا أفاق من غشيته قال: يا أخي استودعك الله من شهيد مظلوم!».(1)
كما تعرّض الشيخ حبيب الله الكاشاني لهذا وذكر أنّ أبن الحنفية كان مصاباً بألم، فلم يقدر على حمل السيف والجهاد،(2) بل ذكر أنّ المشهور هو أنّ ابن الحنفية كان مريضاً في المدينة.(3)
وجدير بالذكر: أنّ محمّد بن يزيد المبّرد في كتابه (الكامل) روى قصة محمد بن الحنفية مع الدرع قائلاً: «وكان عبدالله بن الزبير يُظهر البغض لابن الحنفية إلى بغض أهله! وكان يحسدُه على أيْدِهِ (أي قوّته)، ويُقال: إنّ عليّاً استطال درعاً فقال: لينقص منها كذا وكذا حلْقة، فقبض محمّد بن الحنفية بإحدى يديه على ذيلها، وبالأخرى على فضلها، ثمّ جذبه فقطعه من الموضع الذي حدَّه أبوه، فكان ابن الزبير إذا حُدِّث بهذا الحديث غضب واعتراه له أَفْكَلٌ (أي رعدة)!»(4)




(1) أسرار الشهادة: 246; ومعالي السبطين، 1:230.
(2) تذكرة الشهداء: 71.
(3) نفس المصدر: 82.
(4) الكامل، 3:266 / دار الفكر العربي ـ القاهرة.




[264]


زيادة.. ربّما كانت أموية!
ادّعى ابن عساكر في تأريخه، ومن بعده المزّي، والذهبي، أنّ ابن الحنفية لمّا يأس في مكّة من تغيير عزم الامام الحسين(عليه السلام) ومنعه من الخروج الى العراق منع ولده من الإلتحاق بالامام(عليه السلام)، حيث قالوا: «وبعث الحسين الى المدينة، فقدم عليه من خفّ معه من بني عبدالمطّلب، وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء، وصبيان، من إخوانه وبناته ونسائهم. وتبعهم محمّد بن الحنفية فأدرك حسيناً بمكّة، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل ]رأيه[، فحبس محمّد بن علي وُلْده ]عنه[ فلم يبعث معه أحداً منهم، حتى وجد حسين في نفسه على محمّد وقال ]له[: أترغب بولدك عن موضع أُصاب فيه!؟
فقال محمّد: وماحاجتي أن تُصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم!».(1)
أقول: لم نعثر على هذا ـ أي حبس محمّد أولاده عن الإلتحاق بالامام(عليه السلام) ـ في كتبنا، بل في تواريخ غيرنا أيضاً سوى ما أورده ابن عساكر ثمّ المزيّ(2) ثمّ الذهبي،(3) وقد أورد الذهبي هذه الرواية مرسلة، وكذلك أوردها المزّي، ولعلهما أخذاها عن ابن عساكر الذي أوردها بسند، فيه أكثر من مجهول، وفيه من اتهمه ابن عساكر نفسه برقّة دينه كالبزاز!(4)، وفيه من هو ليس بالقوي في حديثه كابن





(1) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الامام الحسين(عليه السلام)) تحقيق المحمودي: 204 ـ 205، رقم 254.
(2) تهذيب الكمال، 4:493.
(3) تاريخ الاسلام، حوادث سنة 61، صفحة 9.
(4) وهو أبو بكر محمّد بن عبدالباقي البزّاز (راجع: سير أعلام النبلاء، 20:


25).




[265]


فهم.(1)
فضلاً عن هذا، فإنّ مثل هذا الأمر لوكان قد حصل فعلاً، لكان سُبّةً وسَوْءةً يُعيَّر بها ابن الحنفية وأبناؤه، ولكان لهذا الحدث آثار ممتدّة يُعرف من خلالها، كأن يُعاتب ابن الحنفية أو أبناؤه من قبل واحد من أهل البيت(عليهم السلام) أو أكثر مثلاً، أو من قبل أحد الهاشميين، أو من قبل بعض الناس، فيردّ محمّد ـ أو أبناؤه ـ مدافعاً عن موقفه في منع أولاده من الالتحاق بالامام(عليه السلام)، ولاشك أن جميع هذه الآثار أو بعضها سوف تنطبع على صفحة التأريخ فنقرأها في المطبوع منه أو في المخطوط.
لكننا لانجد شيئاً من هذا على صفحة التأريخ،


ولا في المأثور عن أهل البيت(عليهم السلام) بصدد نهضة الامام الحسين(عليه السلام)، أو بصدد محمد بن الحنفية نفسه، بل ولانجد له أثراً في المأثور عن ابن الحنفية نفسه وعن أبنائه.
من هنا، نرى أنّ مارواه ابن عساكر بهذا الصدد، زيادة مكذوبة، ولايبعد أن يكون أحد الرواة في سندها ذا ميل أمويّ(2)، فأراد أن يشوِّه وحدة الصفّ الهاشمي في الموقف من نهضة الامام الحسين(عليه السلام)، ويُسيء بالخصوص الى محمد بن الحنفية (رض) الذي كان معتقداً بإمامة الحسنين(عليهما السلام)، وبإمامة زين العابدين(عليه السلام)





(1) وهو حسين بن فهم الفقيه، قال الدارقطني: ليس بالقويّ (راجع: سير أعلام النبلاء، 13:427 وتاريخ بغداد، 8:


93).
(2) في سند رواية ابن عساكر هذه: محمد بن عمر الواقدي، الذي قال فيه الشيخ المفيد (ره): «إنّ الواقدي كان عثماني المذهب بالميل عن علي أمير المؤمنين» «كتاب الجمل:


54). وكان الواقدي يقول: «الكرخ مفيض السفل!» وقد عنى بذلك مواضع يسكنها الرافضة! (تاريخ بغداد، 3:3 وقاموس الرجال: 9:


492). وقد اتهمه جلُّ رجاليي العامة بالكذب (راجع: الفصل الثاني، الملاحظة الرابعة من الملاحظات حول رسالة يزيد الى ابن عباس، ص:150 ـ


151).




[266]


أئمّة له في حياته بعد أمير المؤمنين(عليه السلام).



تحرّك عبدالله بن جعفر (رض)


لم يحدّثنا التأريخ عن شيء من تحرّك عبدالله بن جعفر (رض)(1) طيلة أيّام




(1) عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين: ولد بأرض الحبشة أيّام هجرة أبيه إليها، وأمّه أسماء بنت عميس، وكان عبدالله جليل القدر عظيم الشأن، وآية في الحلم والجود والكرم، وهو من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين(عليه السلام)، والحسنين(عليهما السلام)، وقد شهد صفين مع أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكان على الخيل، وقد ورد في مدحه روايات من طريق الفريقين، وهو من رواة حديث الغدير، وقد احتجّ على معاوية بذلك بعد شهادة عليّ(عليه السلام)،


ومات عبدالله بن جعفر سنة ثمانين وأربع أو خمس، عن تسعين أو أزيد، ومن أولاده: عون، ومحمد، وهما من شهداء الطّف، وزاد المجلسيّ (نقلاً عن أبي الفرج الأصبهاني) ثالثاً: وهو عبدالله أو عبيد الله من الشهداء.. (راجع: مستدركات علم الرجال، 4:502 وانظر خلاصة الاقوال للحلي: 103 ومنتهى المقال للحائري، 4:167 ونقد الرجال للتفرشي، 3:


93).
وقال الذهبي: «عبدالله بن جعفر، السيّد العالم، كفله النبيّ ونشأ في حجره، كان كبير الشأن كريماً جواداً يصلح للأمامة... وقد دعا النبيّ له قائلاً: «أللّهم بارك له في تجارته»، وكان يوم صفين على قريش وأسد وكنانة.» (سير أعلام النبلاء، 3:


456)


.
وكان عبدالله بن جعفر (رض) جريئاً فيقول الحق، فقد روي أنّ عمرو بن العاص نال من عليّ أمير المؤمنين(عليه السلام) في مجلس معاوية بمحضر عبدالله بن جعفر فـ «التمع لونه واعتراه أفكلٌ حتى أرعدت خصائله، ثم نزل عن السرير وحسر عن ذراعيه وقال: يا معاوية، حتّام نتجرّع غيظك!؟ وإلى كم الصبر على مكروه قولك وسييء أدبك وذميم أخلاقك!؟ هبلتك الهبول! أما يزجرك ذمام المجال عن القذع لجليسك!؟ أما والله لو عطفتك أواصر الأرحام،


أو حاميت على سهمك في الاسلام لما أرعيت بني الإماء أعراض قومك فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطئك في سفك دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى التمادي في ما قد وضح لك الصواب في خلافه. فأقسم عليه معاوية وجعل يترضّاه ويسكّن غضبه، وقال له فيما قال: أنت ابن ذي الجناحين وسيّد بني هاشم!. فقال: كلاّ! بل سيّد بني هاشم الحسن والحسين(عليهما السلام) لا ينازعهما في ذلك أحد.». (قاموس الرجال، 6:284 وانظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 6:295 ـ


297).
وروى الشيخ الصدوق (ره) بسندين عن سليم بن قيس الهلالي، عن عبدالله بن جعفر الطيّار يقول: «كنّا عند معاوية أنا والحسن والحسين، وعبدالله بن عبّاس، وعمر بن أبي سلمة، وأسامة بن زيد، فجرى بيني وبين معاوية كلام،


فقلت لمعاوية: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد عليٌّ فالحسن ابن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابنه الحسين بعدُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين الأكبر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني محمد بن عليّ الباقر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا حسين، ثمّ تكملة إثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين رضي الله عنه...». (الخصال، 2:477، باب 12، رقم


41).
وهذه الرواية دالّة بلا ريب على إمامية عبدالله بن جعفر (رض).
يقول السيّد الخوئي (ره): «أقول: جلالة عبدالله بن جعفر الطيّار بن أبي طالب بمرتبة لاحاجة معها الى الإطراء، وممّا يدلّ على جلالته أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يتحفّظ عليه من القتل كما كان يتحفّظ على الحسن والحسين(عليهما السلام) ومحمد بن الحنفية...» (معجم رجال الحديث، 10:138، رقم


6751).




[267]


النهضة الحسينية إلاّ في ثلاث قضايا:
الأولى: ـ كتابته الرسالة التي بعث بها من المدينة الى الامام(عليه السلام) في مكّة بعد انتشار الخبر في أهل المدينة بأنّ الامام الحسين(عليه السلام) يريد الخروج الى العراق (على ما في رواية الفتوح)، أو بعثها إليه من مكّة بعد خروجه(عليه السلام) منها (على ما في رواية الطبري).
والثانية: ـ وساطته بين والي مكّة والمدينة يومئذ عمرو بن سعيد الأشدق وبين الامام(عليه السلام) بُعَيْدَ خروجه من مكّة.




[268]


والثالثة: ـ إرساله ولديه محمّداً وعوناً لنصرة الامام(عليه السلام).
أمّا في قضية الرسالة فتقول رواية الفتوح:
«.. واتصل الخبر بالمدينة، وبلغهم أنّ الحسين عزم على الخروج الى العراق، فكتب إليه عبدالله بن جعفر الطيّار:
بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن علي من عبدالله بن جعفر: أمّا بعدُ، فإنّي أُنشدك الله أن تخرج عن مكّة، فإنّي خائف عليك من هذا الأمر الذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك، فإنّك إنّ قُتلتَ أخاف أن يُطفأ نور الأرض وأنت روح الهدى، وأمير المؤمنين، فلا تعجل بالمسير الى العراق،


فإنّي آخذٌ لك الأمان من يزيد وجميع بني أميّة، على نفسك ومالك وولدك وأهل بيتك، والسلام.».(1)
فكتب إليه الحسين(عليه السلام):
«أمّا بعدُ، فإنّ كتابك ورد عليَّ فقرأته وفهمت ما ذكرت، وأعلمك أنّي قد رأيت جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في منامي، فخبّرني بأمر وأنا ماض له، لي كان أو عليَّ، والله يا ابن عميّ، لو كنت في جحر هامّة من هوامّ الأرض لاستخرجوني ويقتلوني! واللّه يا ابن عمّي ليعدينّ عليَّ كما عدت اليهود على السبت. والسلام.».(2)
أمّا الطبري فقد روى أنّ عبدالله بن جعفر (رض) كان قد بعث برسالته هذه الى الامام(عليه السلام) من مكّة بعد خروجه(عليه السلام) منها، وقد رواها عن علي بن




(1) الفتوح، 5:74 وعنه الخوارزمي في المقتل بتفاوت، 1:311 ـ 312.
(2) المصدر السابق.




[269]


الحسين(عليه السلام) قال: «لمّا خرجنا من مكّة كتب عبدالله بن جعفر بن أبي طالب إلى الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمد: أمّا بعدُ، فإني أسألك باللّه لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّه له أن يكون فيه هلاكك، واستئصال أهل بيتك، إنّ هلكت اليوم طُفيء نور الأرض، فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإنّي في أثر الكتاب، والسلام.».(1)



تأمّل وملاحظات:



1) ـ يستفاد من نصّ رواية الفتوح أنّ هذه الرسالة كتبها عبدالله بن جعفر (رض)


من المدينة إلى الإمام(عليه السلام) بعد أن شاع في المدينة نفسها خبر عزم الامام(عليه السلام) على التوجّه الى العراق، أي في أواخر الأيام المكيّة من عمر النهضة الحسينية، بل المستفاد من رواية الطبري أنّ هذه الرسالة كتبت بعد خروج الامام(عليه السلام) من مكّة، أي بعد انتهاء الأيام المكيّة من عمر النهضة الحسينية.
وعلى كلا الإحتمالين قد يستشعر المتأمّل أنّ تحرّك عبدالله بن جعفر (رض) جاء متأخّراً كثيراً قياساً الى بداية حركة أحداث النهضة الحسينية، هذا على ضوء المتون التأريخية المتوفّرة، والله العالم.
أمّا ابن عساكر فقد أشار إلى هذه الرسالة فقط بقوله: «وكتب عبدالله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يحذّره من أهل الكوفة ويناشده الله أن يشخص إليهم.»،(2)كما لم يَروِ من جواب الامام(عليه السلام) إلاّ: «إنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله)





(1) تاريخ الطبري، 3:297 والكامل في التأريخ، 2:548 والإرشاد: 219.
(2) تاريخ ابن عساكر (ترجمة الامام الحسين، تحقيق المحمودي): 202، وانظر: البداية والنهاية، 8:169 وتهذيب الكمال، 4:


491).




[270]


وأمرني بأمر أنا ماض له، ولستُ بمخبر بها أحداً حتى أُلاقي عملي.»(1)


2) ـ يظهر من نص رسالة ابن جعفر (رض) أنّه يشترك مع ابن عبّاس (رض) وابن الحنفيّة (رض) وغيرهم في النظرة الى قيام الامام(عليه السلام) من زاوية النصر أو الإنكسار الظاهريين، هذه النظرة التي كانت منطلق مشوراتهم ونصائحهم، وخوفهم أن يُقتل الإمام(عليه السلام) في الوجهة التي عزم عليها، ولذا فقد كان الامام(عليه السلام)يجيبهم بأنّ منطقه الذي يتحرّك على أساسه غير هذا من خلال الرؤيا التي رأى فيها جدّه(صلى الله عليه وآله)، وأنه مأمور بهذا النوع من التحرك امتثالاً لأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله).


3) ـ كما يظهر من نصّ رسالة عبدالله بن جعفر (رض) أنه كان يعتقد أو يأمل ـ من خلال الوساطة ـ أن تتحقق المتاركة بين السلطة الأموية وبين الإمام(عليه السلام)


إذا انثنى عن القيام والخروج وإن لم يبايع!
ولذا فقد ردّ الامام(عليه السلام) على هذا الوهم بأنه ما لم يُبايع يُقتل لامحالة، ولأنه لايبايع يزيد أبداً فالنتيجة لا محالة هي: «لو كنت في جحر هامّة من هوامّ الارض لاستخرجوني حتى يقتلوني!..»، وفي هذا ردٌّ أيضاً على تصوّر عبدالله بن جعفر ـ على فرض صحة رواية الفتوح ـ بأنه يستطيع أخذ الأمان من الأمويين للإمام(عليه السلام)ولما له وأولاده وأهله!
ولايخفى على العارف أننا هنا إنّما نناقش معاني مستوحاة من نصّ الرسالتين، وإلاّ فإنّ الامام(عليه السلام) لم يكن لينثني عن قيامه ونهضته حتّى لو أُعطي الأمان مع عدم المبايعة، ذلك لأنه لم يخرج لفقده الأمان بل لطلب الإصلاح في أمّة جده(صلى الله عليه وآله) وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسير بسيرة جدّه وأبيه صلوات الله عليهما وآلهما.





(1) راجع: المصادر السابقة.




[271]


أمّا قصة وساطته بين عمرو الأشدق وبين الامام(عليه السلام)....
فالظاهر من رواية الطبري أنّ عبدالله بن جعفر (رض) لم يكتف بمراسلة الامام(عليه السلام)، بل ترك المدينة مسرعاً الى مكّة لتحقيق وعده بتحصيل الأمان الأموي للإمام(عليه السلام)!
ويستفاد من هذه الرواية أيضاً أنّ عبدالله بن جعفر (رض) حينما توسّط في الأمر كان الامام(عليه السلام) قد تحرك بالفعل خارجاً عن مكّة المكرّمة..
تقول الرواية: «وقام عبدالله بن جعفر الى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه وقال: أكتب الى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان،


وتمنيّه فيه البرّ والصلة، وتوثّق له في كتابك، وتسأله الرجوع، لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع.
فقال عمرو بن سعيد: أكتب ماشئت وأتني به حتّى أختمه.
فكتب عبدالله بن جعفر الكتاب، ثم أتى به عمرو بن سعيد، فقال له: اختمه وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد، فإنه أحرى أن تطمئنّ نفسه اليه ويعلم أنه الجدّ منك.
ففعل ... فلحقه يحيى وعبدالله بن جعفر، ثمّ انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب، فقالا: أقرأناه الكتاب وجهدنا به، وكان مما اعتذر به إلينا أن قال: إني رأيت رؤيا فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأُمرت فيها بأمر أنا ماض له عليَّ كان أو لي!
فقالا له: فما تلك الرؤيا؟
قال: ما حدّثت أحداً بها، وما أنا محدّث بها حتى ألقى ربي!
قال وكان كتاب عمرو بن سعيد الى الحسين بن عليّ:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ:




[272]


أمّا بعد، فإنّي أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لما يُرشدك، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق، وإنّي أُعيذك بالله من الشقاق، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبدالله بن جعفر ويحيى بن سعيد، فأقبل إليَّ معهما، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار، لك الله عليَّ بذلك شهيدٌ وكفيلٌ ومُراع ووكيل، والسلام عليك.».(1)



تأمّل وملاحظات:




1) ـ توحي هذه الرواية ـ كما أوحت ذلك من قبل أيضاً رسالة عبدالله بن جعفر الى الامام(عليه السلام) التي رواها صاحب الفتوح ـ بأنّ عبدالله بن جعفر كان يعتقد أنّ الامام(عليه السلام) إنّما خرج لفقده الأمان على حياته لا لأمر آخر وراء ذلك، فهوهنا يقول للأشدق: أكتب للحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنّيه فيه البرّ والصلة... لعلَّه يطمئن الى ذلك فيرجع!
كما توحي أيضاً بأنه كان يرى إمكان تحقق المتاركة بين السلطة الأموية وبين الامام(عليه السلام) في حال عدم مبايعته ليزيد! الأمر الذي لم يكن يراه محمّد بن الحنفية وعبدالله بن عباس رضي الله عنهما كما هو المستفاد من محاوراتهما مع الامام(عليه السلام).
ونحن نستبعد جدّاً أن يكون عبدالله بن جعفر (رض) ذا اعتقاد كهذا! وهو ابن عمّ الإمام(عليه السلام)، القريب منه الحميم العلاقة به، والمعتقد بإمامته وعصمته، العارف بنظرته الى الأمور، البصير بمشربه.
ونعتقد أنّ قلّة الوثائق التأريخية المتعلّقة بأخبار وتفاصيل موقف ابن





(1) تأريخ الطبري: 3:297 والكامل في التأريخ: 2:548.




[273]


جعفر (رض) من قيام الامام(عليه السلام) ساعدت كثيراً على مظلوميته!
والنزر القليل جدّاً من الروايات التأريخية المتوفّرة في هذا الصدد قد شوّه الصورة الناصعة لهذا الهاشمي العظيم الذي وردت روايات فيه أنه أشبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) خلقاً وخُلقاً.(1)


2) ـ وتدّعي هذه الرواية أيضاً أنّ رسالة الأشدق الى الامام(عليه السلام) كان قد كتبها عبدالله بن جعفر (رض)، وهذا من مظلوميته التأريخية أيضاً، ذلك لأنّ المتأمّل في متن هذه الرسالة يرى فيها كثيراً من سوء الأدب في مخاطبة الامام(عليه السلام)، كمثل: «أسأل الله أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لما يُرشدك.. وإني أُعيذك بالله من الشقاق!»، وهذا مستبعد صدروه من رجل مؤمن بإمامة الامام الحسين(عليه السلام)، ويراه: «نور الأرض» و«أمير المؤمنين» و«روح الهدى».(2)


/ 31