(1) الغارات: 263.
(2) تاريخ الطبري 5: 505.
(3) نفس المصدر 5: 525.
(4) نفس المصدر 5: 519 و 522 و 525 ـ وقعة الطف: 106.
(5) تاريخ الطبري 5: 369.
(6) تاريخ الطبري 5: 172 و 209.
(7) نفس المصدر.
(8) تاريخ الطبري 5: 210.
[35]
انعزل قيس بعزل يزيد لعبد الرحمن بن زياد، فلمّا هلك يزيد كان قيس بالبصرة.
وكان قيس هذا على المقاتلة لابن الزبير في مقاتلة مثنّى بن مخربة الداعي إلى المختار سنة 66هـ، وكان على خمس أهل العالية مع مصعب بن الزبير لمقاتلة المختار سنة 67هـ، وكان قيس سنة 71هـ يستأجر الرجال ليقاتلوا معه خالد بن عبدالله داعية عبدالملك بن مروان معيناً وناصراً لابن الزبير، وكان يحذّر أهل العراق من الغدر بمصعب.(1)
ـ المنذر بن الجارود العبدي:
ولاّه الإمام عليّ(عليه السلام) بعض أعماله فخان فيه، فكتب(عليه السلام) إليه:
«أمّا بعد، فإنّ صلاح أبيك غرَّني منك، وظننت أنّك تتبع هديه وتسلك سبيله، فإذا أنت فيما رقي إليَّ عنك لا تدع لهواك انقياداً، ولا تبقي لآخرتك عتاداً، أتعمّر دنياك بخراب آخرتك!؟ وتصل عشيرتك بقطيعة دينك!؟ ولئن كان ما بلغني عنك حقاً لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك، من كان بصفتك فليس بأهل أن يُسدَّ به ثغر أو ينفذ به أمر أو يُعلى له قدر أو يُشرك في أمانة أو يؤمن على جباية، فأقبل إليَّ حين يصلُ إليك كتابي هذا إن شاء الله».».(2)
وقال(عليه السلام) في المنذر بن الجارود هذا أيضاً:
«إنّه لنظّارٌ في عطفيه، مختالٌ في بُردَيْه، تفّال في شِراكَيْه».(3)
(1) راجع: وقعة الطف : 106.
(2) نهج البلاغة: 461 ـ 262، كتاب رقم 71.
(3) بحار الأنوار 33: 506.
[36]
أي أنه ذو زهو، معجب بنفسه ومظهره، متكبر، همّه في نظافة ظاهره لا في طهارة الباطن وتزكية النفس وتهذيب المحتوى والعروج إلى آفاق المعنويات السامية.
و«كان عليّ(عليه السلام) ولاّه فارساً فاحتاز مالاً من الخراج .. وكان المال أربعمائة ألف درهم، فحبسه عليّ(عليه السلام)، فشفع فيه صعصعة وقام بأمره وخلّصه».(1)
ولقد شفّع المنذر بن الجارود خيانته في الأموال بخيانته في النفوس حيث قدّم نسخة رسالة الإمام الحسين(عليه السلام) إليه مع رسول الإمام(عليه السلام) سليمان بن رزين إلى عبيدالله بن زياد تقرّباً إليه وطمعاً في الزلفة منه، وكانت نتيجة هذه الخيانة أن قُتل رسول الإمام(عليه السلام) صبراً.
ولقد كافأ ابن زياد ابن الجارود على خيانته فولاه السند حيث توفي فيها
سنة 61 هـ ،(2)
فلم يهنأ بجائزته إلا شهوراً قليلة.
هذه صورة موجزة لمجموعة من أشراف البصرة آنذاك، قد تمثّل جلّ أشراف البصرة المعروفين يومها، ورأيناها مؤلّفة من ذي هوىً أموي خالص كمالك بن مسمع، ومعاد لأهل البيت(عليهم السلام) كمسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم السلمي، أو ذي معرفة بحقّ أهل البيت(عليهم السلام) ضعيف اليقين متردد واهن المواقف كالأحنف بن قيس، أو طالب للدنيا متكبّر معجب بنفسه متملّق للأمراء غير مؤتمن كالمنذر بن الجارود العبدي.
وكما قلنا من قبل، فقد اضطرّ الإمام(عليه السلام) إلى الكتابة إلى هؤلاء لأنهم المنفذ الوحيد إلى جلّ أهل البصرة الذين كانوا تبعاً لأشرافهم في فهم الأحداث وتبنّي
(1) بحار الأنوار 34: 333، و الغارات: 357.
(2) الغارات: 358 (الهامش).
[37]
المواقف، وكان لابدّ من إلقاء الحجّة على الجميع من خلال هذا الطريق، فلعلَّ ثمّة من يهتدي ويُسعد بإبلاغ الحجّة.
وهنا لابدّ من التنبيه أنّ من أشراف البصرة مجموعة تعرف حقّ أهل البيت(عليهم السلام)وتواليهم ولها مواقف كريمة ورائعة في المبادرة إلى نصرة الإمام الحسين(عليه السلام)كمثل يزيد بن مسعود النهشلي الذي دعا قومه إلى نصرة الإمام(عليه السلام)وعبّأهم روحياً بهذا الإتجاه، وهو من الأشراف الذين كتب إليهم الإمام(عليه السلام)بتلك النسخة أيضاً، وسيأتي تفصيل موقفه في فصل حركة الأمّة فيما يأتي من البحث، وقد دعا له الإمام(عليه السلام) بهذا الدعاء المبارك:
«مالكَ، آمنك الله يوم الخوف، وأعزّك وأرواك يوم العطش الأكبر».(1)
وكيزيد بن ثبيط العبدي، وهو من أشراف البصرة أيضاً، ومن الشيعة، وقد بادر ـ بعدما علم بما عزم عليه الإمام الحسين(عليه السلام) ـ إلى الإلتحاق بركب الإمام(عليه السلام)في مكّة، مع ولديه عبدالله وعبيدالله وجماعة آخرين من الشيعة البصريين، ورزقوا الشهادة بين يدي الإمام أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) في كربلاء يوم العاشر من المحرم.(2)
الشهيد الأوّل في الثورة الحسينيّة:
يُطلق لقب (الشهيد الأوّل) في الثورة الحسينية عادةً على مولانا مسلم بن عقيل(عليه السلام)، وهو المشهور، وهذا صحيح إذا أردنا بذلك الشهيد الأوّل من شهداء بني هاشم في هذه الثورة المقدّسة، ولكننا إذا أردنا (الشهيد الأوّل) من شهداء هذه الثورة المقدّسة عموماً فإنّ رسول الإمام الحسين(عليه السلام) إلى أشراف البصرة ورؤساء
(1) اللهوف: 19 ـ انظر: ص358 من هذا الكتاب.
(2) راجع: كتاب إبصار العين: 189 ـ 192.
[38]
الأخماس فيها هو ذلك الشهيد الأوّل رضوان الله تعالى عليه، الذي قتله عبيدالله بن زياد قبل يوم من تركه البصرة متوجهاً إلى الكوفة، وذلك بسبب خيانة المنذر بن الجارود العبدي، الذي زعم(1) أنه خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيدالله بن زياد ـ وكانت بحرية بنت المنذر زوجة لعبيدالله بن زياد ـ فأخذ عبيدالله بن زياد الرسول فصلبه،(2) أو قدّمه فضرب عنقه.(3)
وقد ذهب جلّ المؤرّخين إلى أنّ اسم هذا الرسول هو سليمان، إلا أنّ ابن نما ذكر ـ على قول ـ أن إسمه زراع السدوسي حيث قال: «وبعث الكتاب مع زراع السدوسي، وقيل مع سليمان المكنّى بأبي رزين ..»،(4) لكنّ السلام الوارد عليه في زيارة الناحية المقدّسة يؤكّد أنّ إسمه سليمان: «السلام على سليمان مولى الحسين ابن أميرالمؤمنين، ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي»(5)
ويُكنى سليمان بأبي رزين، وقيل إنّ أبا رزين «هو إسم أبيه، وأمّه كبشة، جارية للحسين(عليه السلام)، فتزوجها أبورزين فولدها سليمان»،(6) لكنّ المحقّق السماوي ضبط اسم هذا الشهيد هكذا: سليمان بن رزين.(7)
وكان سليمان قد خرج مع الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة إلى مكّة، ثم بعثه
(1) راجع: تاريخ الطبري 3: 280.
(2) اللهوف: 19.
(3) تأريخ الطبري 3: 280.
(4) مثير الأحزان: 27 ، ولواعج الأشجان: 36.
(5) البحار 101: 271 / ولعلّ سليمان بن عوف هو المباشر لقتله بأمر ابن زياد.
(6) وقعة الطف: 104.
(7) إبصار العين: 94.
[39]
الإمام(عليه السلام)برسالته إلى البصرة،(1) وهذا كاشف عن ثقته به واعتماده عليه ومنزلته الخاصة عنده.
إجتماع الإمام(عليه السلام) برسل أهل الكوفة ومبعوثيهم
بعد أن علم أهل الكوفة بامتناع الإمام(عليه السلام) عن البيعة ليزيد، وأنه(عليه السلام) قد صار إلى مكّة، تقاطرت رسائلهم الكثيرة إليه بلا انقطاع، وقد أبدوا فيها استعدادهم لنصرته والقيام معه، ودعوه فيها إلى القدوم إليهم.
«وتلاقت الرسل كلها عنده، فقرأ الكتب، وسأل الرسل عن الناس...»،(2) وكان هاني بن هاني وسعيد بن عبدالله الحنفي آخر الرسل القادمين عليه.
«فقال الحسين(عليه السلام) لهاني وسعيد بن عبدالله الحنفي:
خبّراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي كُتب معكما إليّ ؟
فقالا: يا أميرالمؤمنين،(3) اجتمع عليه شبث بن ربعي، وحجّار بن أبجر، ويزيد
(1) قال السيد عبدالمجيد الشيرازي الحائري في كتابه ذخيرة الدارين: « .. قال أبوعلي في رجاله: سليمان المكنّى بأبي رزين مولى الحسين بن علي، قُتل معه.
وقال المحقق الإسترابادي في رجاله: سليمان بن أبي رزين، مولى الحسين، قُتل مع الحسين(عليه السلام).
أقول: .. ظاهر كلامهما أنّ سليمان استشهد مع الحسين في وقعة الطف، وهو خلاف ماذكره أهل السير والمقاتل من أنّه قُتل بالبصرة، وليس في الزيارة دلالة على ذلك، نعم، ويمكن حمل كلامهما على أنّ من قُتل لأجل الحسين بن علي في الكوفة أو البصرة كسائر أصحابه الذين قُتلوا معه يوم الطف وإن لم يُقتلوا بين يديه». (ذخيرة الدارين: 172 / المطبعة المرتضوية ـ النجف ـ 1345هـ.ق).
(2) الإرشاد: 204.
(3) لايبعد أن يكون هذا التعبير من ابن أعثم الكوفي صاحب الفتوح أو من الناسخ، لأن المأثور أنّ الأئمة(عليهم السلام) كانوا يرفضون أن يخاطبوا بهذا اللقب لاختصاص أمير المؤمنين علي(عليه السلام) به، ففي الأثر: «دخل رجلٌ على أبي عبدالله(عليه السلام) فقال: السلام عليك ياأمير المؤمنين. فقام أبوعبدالله(عليه السلام) قائماً وقال: مه، إنّ هذا الإسم لا يصلح لأحد إلاّ لأمير المؤمنين ...» (مستدرك الوسائل 10: 400
حديث رقم 5 ».
[40]
ابن الحارث ، ويزيد بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجّاج، ومحمد بن عمير بن عطارد.(1)
قال: فعندها قام الحسين(عليه السلام) فتطهّر وصلّى ركعتين بين الركن والمقام، ثمّ انفتل من صلاته وسأل ربّه الخير فيما كتب إليه أهل الكوفة، ثمّ جمع الرسل فقال لهم: إني رأيتُ جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في منامي، وقد أمرني بأمر وأنا ماض لأمره.
فعزم الله لي بالخير، إنه وليّ ذلك والقادر عليه إن شاء الله تعالى»(2).
رسالة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى أهل الكوفة:
«... ثم كتب مع هاني بن هاني وسعيد بن عبدالله(3)، وكانا آخر الرسل:
(1) ستأتي ترجمة جلّ هؤلاء الذين كتبوا إلى الإمام(عليه السلام) فيما يأتي من المقاطع الأخرى من
هذا البحث / وفي تاريخ الطبري (طبعة دار الكتب العلميّة ـ بيروت):3:278 ورد: يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم، وورد أيضاً عزرة يدل عروة، أمّا طبعة مؤسسة الأعلمي ـ بيروت:4:262 ففيها: يزيد بن الحارث ويزيد بن رويم أمّا في كتاب الإرشاد: 203 ففيه: يزيد بن الحارث بن رويم.
(2) الفتوح 5: 34.
(3) ذكر صاحب المناقب أنّ هذه الرسالة بعثها الإمام(عليه السلام) مع مسلم بن عقيل(عليه السلام) إلى أهل الكوفة لا مع هانيء وسعيد (مناقب آل أبي طالب 4:
90).
لكنّ المامقاني ذهب إلى أنّ الإمام(عليه السلام) بعثها إلى أهل الكوفة مع هاني وسعيد قبل مسلم بن عقيل،
ثم قال:
«أمّا هاني هذا فهو مجهول الحال، وليس هو ابن هاني بن عروة، فإنّ ابن ذاك يحيى، وقد نال الشهادة بالطّف» (تنقيح المقال 3:
290).
ويظهر من ترجمة المزّي ليحيى بن هاني، خلاف ذلك، وأن يحيى كان حياً بعد والده، قال: «وكان من أشراف العرب وكان أبوه ممن قتله عبيد اللّه بن زياد في شأن الحسين بن علي.. عن شعبة أنه كان سيّد أهل الكوفة وزاد أبوحاتم: صالح من سادات أهل الكوفة»
(تهذيب الكمال، 20:
246).
أمّا سعيد بن عبدالله الحنفي: فهو في أعلى درجة الوثاقة والجلالة، ومن أفاضل شهداء الطفّ، وهو الذي جعل نفسه وقاية لمولانا الحسين صلوات الله عليه يوم عاشوراء حين الصلاة». (مستدركات علم الرجال 4:
68).
ولو لم يكن إلاّ ماورد في زيارة الناحية المقدّسة في حقّه لكفى في الكشف عن ثقته وجلالته، ففي الزيارة: «السلام على سعيد بن عبدالله الحنفي القائل للحسين وقد أذن له في الإنصراف: لا والله، لا نخلّيك حتى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيك، والله لو أعلم أنّي أُقتل ثم أحيى ثم أحرق ثم أُذرى، ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، وكيف أفعل ذلك وإنّما هي موتة أو هي قتلة واحدة، ثم بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.
فقد لقيت حمامك وواسيت إمامك، ولقيت من الله الكرامة في دار المقامة، حشرنا الله معكم في المستشهدين ورزقنا مرافقتكم في أعلى علّيين».
كما ازداد شرفاً بوقايته الحسين(عليه السلام) عند الصلاة، كما روى الطبري أنّه لمّا صلّى الحسين(عليه السلام)الظهر صلاة الخوف اقتتلوا بعد الظهر فاشتدّ القتال، ولما قرب الأعداء من الحسين(عليه السلام) وهو قائم بمكانه استقدم سعيد الحنفي أمام الحسين(عليه السلام) فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً وهو قائم بين يدي الحسين(عليه السلام) يقيه السهام طوراً بوجهه وطوراً بصدره وطوراً بجنبه، فلم يكد يصل الى الحسين(عليه السلام) شيء من ذلك، حتى سقط الحنفي الى الأرض وهو يقول: اللّهم العنهم لعن عاد وثمود، اللّهم أبلغ نبيّك عني السلام، وأبلغه مالقيت من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصرة نبيّك، ثمّ التفت إلى الحسين(عليه السلام) فقال: أوفيت يابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ؟ قال: نعم، أنت أمامي في الجنّة. ثمّ فاضت نفسه النفيسة». (تنقيح المقال 2:
28).
[41]
بسم الله الرحمن الرحيم
من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين:
أمّا بعدُ: فإنّ هانياً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد
[42]
فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلّكم: إنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى.
وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إليَّ أنه قد اجتمع رأي ملأكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ماقدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام»(1).
سفير الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة:
«ودعا الحسين(عليه السلام) مسلم بن عقيل، فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي(2)، وعمارة بن عبدالله السلولي(3)، وعبدالله وعبدالرحمن ابني شدّاد الأرحبي(4)، وأمره
(1) الإرشاد: 204، وتاريخ الطبري 3: 278. والأخبار الطوال: 231 وفيه «ليعلم لي كنه أمركم .. ».
(2) قيس بن مسهر الصيداوي: تأتي ترجمته في متن البحث فيما يأتي.
(3) عمارة بن عبيدالله السلولي:
قال النمازي: «عمارة بن عبدالله السلولي: لم يذكروه، هو حامل كتاب أهل الكوفة إلى مولانا الحسين(عليه السلام)، ورجع مع مسلم إلى الكوفة» (مستدركات علم الرجال 6:
20).
وقال التستري: «عمارة بن عبيد السلولي: في الطبري، مرض هاني فجاءه ابن زياد عائداً، فقال له عمارة: إنما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية .. فقد أمكنك الله منه فاقتله! قال هاني: ما أحبّ أن يُقتل في داري.
وهو (أي عمارة) من أواسط رسل أهل الكوفة إلى الحسين(عليه السلام)، حملوا معه ومع قيس بن مسهّر وعبدالرحمن الأرحبي نحواً من 350 صحيفة، وأرسل الحسين(عليه السلام) معهم مسلماً، كما في الطبري أيضاً».
(قاموس الرجال 8:
54).
(4) عبدالله وعبدالرحمن ابني شدّاد الأرحبي:
قال النمازي: «عبدالرحمن بن شدّاد الأرحبي: لم يذكروه، هو وأخوه عبدالله بن شدّاد رسولان من قبل أهل الكوفة إلى مولانا الحسين صلوات الله عليه، ثم أرسلهما الحسين(عليه السلام) مع ابن عمّه مسلم إلى الكوفة كما عن المفيد في الإرشاد». (مستدركات علم الرجال 4:
401).
وقال التستري: «عبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي: عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين(عليه السلام)، وذكر أهل السير أنه أحد الأربعة الذين مضوا إلى مكّة ومعهم نيف وخمسون صحيفة، ودخلوا مكّة لإثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وهو أحد من وجّههم الحسين(عليه السلام) مع مسلم، فلمّا قتل مسلم ردّ هذا من الكوفة إلى الحسين(عليه السلام) حتى استشهد، وورد التسليم عليه في الناحية والرجبية.
أقول: إنّما هذا من رسل أهل الكوفة في الوسط، والطبري جعلهم ثلاثة: هذا وقيس وعمارة السلولي لا أربعة، وورودهم في اليوم الذي قال غير معلوم، وإنّما قال الطبري في الرسل الأولين وكان قدومهم لعشر مضين منه، وكان تسريح هؤلاء بعد الأوّلين بيومين، وأما يوم قدومهم فلم يذكره، ولم يعلم كون سيرهما واحداً، وذكر الطبري أيضاً بعث الثلاثة مع مسلم، وأمّا رجوع هذا إليه(عليه السلام) قبل قتل مسلم أو بعده فلم أقف عليه، والزيارتان تضمّنتا السلام عليه». (قاموس الرجال 6: 123الرقم
4026).
وقال السماوي: «هو عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن بن أرحب ... وبنو أرحب بطن من همدان، كان عبدالرحمن وجهاً تابعياً شجاعاً مقداماً.
قال أهل السير: أوفده أهل الكوفة إلى الحسين(عليه السلام) في مكة مع قيس بن مسهّر ومعهما كتب نحو من ثلاث وخمسين صحيفة .. وكانت وفادته ثانية الوفادات، فإنّ وفادة عبدالله بن سبع وعبدالله بن وال الأولى، ووفادة قيس وعبدالرحمن الثانية، ووفادة سعيد بن عبدالله الحنفي وهاني بن هاني السبعي الثالثة .. وقال أبومخنف: ولمّا دعا الحسين مسلماً وسرّحه قبله إلى الكوفة سرّح معه قيساً وعبدالرحمن وعمارة بن عبيدالسلولي، وكان من جملة الوفود. ثم عاد عبدالرحمن إليه فكان من جملة أصحابه، حتى إذا كان اليوم العاشر ورأى الحال استأذن في القتال فأذن له الحسين(عليه السلام)،
فتقدّم يضرب بسيفه في القوم وهو يقول:
صبراً على الأسياف والأسنّة
صبراً عليها لدخول الجنّة ولم يزل يُقاتل حتى قتل. رضوان الله عليه». (إبصار العين: 131 ـ
132).
وهكذا ذهب المامقاني أيضاً إلى أنه: عبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن الأرحبي، وقال فيه أيضاً: «وهو أحد النفر الذين وجههم الحسين(عليه السلام) مع مسلم، فلما خذلوا أهل الكوفة وقتل مسلم ردّ عبدالرحمن هذا إلى الحسين(عليه السلام) من الكوفة ولازمه حتى نال شرفي الشهادة وتسليم الإمام(عليه السلام) في زيارتي الناحية المقدسة والرجبية رضوان الله عليه». (تنقيح المقال 2:
145).
[44]
بالتقوى، وكتمان أمره، واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك ..»(1).
ماذا يعني كتمان الأمر هنا ؟ هل يعني أن يكتم مسلم بن عقيل(عليه السلام) أمر سفارته مادام في الطريق حتى يصل الى الكوفة ؟ أم يعني أن يتّبع مسلم بن عقيل(عليه السلام)الأسلوب السرّي في تعبئة أهل الكوفة للنهضة مع الإمام(عليه السلام) ؟ أم يعني أن يكتم أمر مكانه وزمان تحركاته ومواقع مخازن أسلحته وأشخاص قياداته ومعتمديه من أهل الكوفة وكلمة السرّ في وثبته ؟ أم غير ذلك ؟
وماذا يعني اللطف هنا ؟
هل هو اللطف مع الناس وهو من أخلاق الإسلام ؟ أم اللطف هنا بمعنى عدم المواجهة المسلّحة مع السلطة المحلّية الأموية في الكوفة حتى يصل إليها الإمام(عليه السلام) أو يأذن بذلك ؟
وهل كانت مهمة مسلم بن عقيل(عليه السلام) ـ على ضوء هذه الرواية ـ منحصرة في معرفة الرأي العام الكوفي، ومعرفة صدق أهل الكوفة فيما كتبوا به إلى الإمام(عليه السلام) ؟ هناك رواية أخرى تقول إنّ رسالة الإمام(عليه السلام) إلى أهل الكوفة حوت أيضاً هذه العبارات:
«... وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّى مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأمرته
(1) الإرشاد: 44.
[45]
أن يكتب إليَّ بحالكم وخبركم ورأيكم ورأي ذوي الحجى والفضل منكم، وهو متوجّه إليكم إن شاء الله، ولا قوة إلاّ بالله، فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه ولا تخذلوه، فلعمري ما الإمام العامل بالكتاب القائم بالقسط كالذي يحكم بغير الحقّ ولا يهتدي سبيلاً ...»(1).
ومن هذا النصّ يتجلّى لنا أنّ مهمة مسلم بن عقيل(عليه السلام) في الكوفة لم تنحصر في استطلاع الرأي العام الكوفي ومعرفة حقيقة ومصداقية التوجهات فيها، بل كانت مهمته الأساسية فيها هي الثورة بأهل الكوفة ضد السلطة المحلّية الأموية فيها والتمهيد للقضاء على الحكم الأموي كلّه، والدليل على هذا قوله(عليه السلام):
«فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه ولا تخذلوه ..».
ويتابع ابن أعثم الكوفي روايته التأريخية قائلاً:
«ثم طوى الكتاب، وختمه، ودعا بمسلم بن عقيل فدفع إليه الكتاب، وقال:
إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة، وسيقضي الله من أمرك مايحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامضِ ببركة الله وعونه حتى تدخل الكوفة، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق اهلها، وادع الناس الى طاعتي، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتى أعمل على حساب ذلك إن شاء الله تعالى. ثم عانقه الحسين(عليه السلام) وودّعه وبكيا جميعاً»(2).
ومن هذه الرواية نستفيد أنّ «كتمان الأمر» في الرواية الأولى لايعني اتّباع
(1) الفتوح 5: 35، ومقتل الخوارزمي 1: 195 ـ 196.
(2) الفتوح 5: 36، ومقتل الخوارزمي 1: 196.
[46]
مسلم بن عقيل أسلوب العمل السرّي في الدعوة إلى طاعة الإمام(عليه السلام) ذلك لأن ظاهر قوله(عليه السلام) «وادع الناس إلى طاعتي» هو العلانية في العمل. نعم قد يلزم الأمر أن تكون البداية والمنطلق من أهل الثقة والولاء، وهذا ما يشعر به قوله(عليه السلام): «فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها».
ويستفاد من هذه الرواية أيضاً أنّ الإمام(عليه السلام) قد أشعر مسلم بن عقيل(عليه السلام) أو أخبره بأنّ عاقبة أمره الفوز بالشهادة من خلال قوله(عليه السلام): «وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء!» والعلم بأن المصير هو القتل لايمنع من المضيّ في أداء التكليف إذا كان الأمر متعلقاً بإحدى مصالح الإسلام العُليا. ومما يدلّ على أنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) قد علم من قول الإمام(عليه السلام) أنه متوجّه إلى الشهادة، وأنّ هذا آخر العهد بابن عمّه الإمام الحسين(عليه السلام) هو أنهما تعانقا وودّع أحدهما الآخر وبكيا جميعاً!
وتقول رواية تأريخية: «فخرج مسلم من مكّة في النصف من شهر رمضان، حتى قدم الكوفة لخمس خلون من شوّال ..»(1).
من هو مسلم بن عقيل(عليه السلام)
إنه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، من أصحاب عليّ والحسنين(عليهما السلام)، وقد تزوّج رقيّة(2) بنت الإمام عليّ(عليه السلام)، وكان على ميمنة جند أميرالمؤمنين(عليه السلام) يوم صفين مع الحسن والحسين(عليهما السلام) وعبدالله بن جعفر(3).
(1) مروج الذهب 2: 89.
(2) المجدي في أنساب الطالبيين: 18 وأنساب الأشراف 2: 830.
(3) بحار الأنوار 42: 93.
[47]
قال الخوئي: «وكيف كان فجلالة مسلم بن عقيل وعظمته فوق ما تحويه عبارة، فقد كان بصفين في ميمنة أميرالمؤمنين(عليه السلام) ..»(1).
وعليه لا يعقل أن يكون عمره الشريف يوم بعثه الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة 28 سنة على ما قاله المامقاني(2)، لأنّ صفين كانت عام 37 للهجرة، ومعناه أن عمره يوم صفين كان أقل من عشر سنين !!.
هذا وقد أخبر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) بأنّ مسلماً(عليه السلام) سوف يقتل في محبّة الحسين(عليه السلام)، فقد روى الصدوق(قدس سره) في أماليه: «قال عليّ(عليه السلام) لرسول الله(صلى الله عليه وآله): يارسول الله، إنّك لتحبّ عقيلاً ؟ قال: إي والله، إني لأحبّه حبين: حباً له، وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإنّ ولده لمقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون، ثمّ بكى رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي».(3)