مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
ملاحظات وتأمّل:


1) ـ كان الإمام الحسين(عليه السلام) قد كتب نسخة واحدة إلى رؤساء الأخماس في البصرة وإلى الأشراف فيها، وذكر الطبري(3) أنّ الإمام(عليه السلام) كتب إلى مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد الله بن معمر.
لكنّ التأريخ لم يسجّل أنّ أحداً من هؤلاء قد أجاب على رسالة الإمام(عليه السلام) أو ردَّ ردّاً حميداً، فالأحنف بن قيس ردّ على رسالة الإمام(عليه السلام) يوصيه بالصبر! وألاّ يستخفّه الذين لايوقنون! ، أمّا المنذر بن الجارود فقد سلّم الرسالة والرسول إلى ابن زياد الذي قتل الرسول! ، وأمّا مالك بن مسمع البكري فقد كان أمويّ الهوى،(4)





(1) اللهوف: 110، ومثير الأحزان: 27 ـ 29.
(2) مثير الأحزان: 29.
(3) تأريخ الطبري 3:280; وراجع: الفتوح 5:42.
(4) راجع: ترجمته في الفصل الأول: ص32.




[362]


ولم يسجّل التأريخ أنه أجاب على رسالة الإمام(عليه السلام) ! ، وأمّا قيس بن الهيثم فقد كان عثماني الهوى متباعداً عن أهل البيت(عليهم السلام) إلى آخر عمره،(1) ولم يذكر التأريخ أيضاً أنّ قيس بن الهيثم قد أجاب على رسالة الإمام(عليه السلام) !، وأمّا عمر (أو عمرو) بن عبيد الله بن معمر فلم تذكر له كتب التواريخ والتراجم أيّة علاقة طيّبة مع أهل البيت(عليهم السلام)، بل عُرف عنه ولاؤه لابن الزبير أيّام سلطانه، وكان على ميمنة مصعب ابن الزبير في قتال المختار، ثمّ انقلب ولاؤه لعبد الملك بن مروان! فكان يأتمر بأمره، حتّى وفد عليه بدمشق، فمات عنده بالطاعون سنة 82 هـ ،(2) ولم يذكر التأريخ أيضاً أنّ هذا الرجل قد أجاب على رسالة الإمام الحسين(عليه السلام)!، وأمّا مسعود بن عمرو الأزدي فقد كان أيضاً مجانباً ومعادياً لأهل البيت(عليهم السلام)، وصديقاً حميماً وناصراً وحامياً لابن زياد حتى بعد مقتل الحسين(عليه السلام)،(3) ولم يذكر التأريخ أيضاً أنّ مسعود بن عمرو الأزدي هذا قد أجاب على رسالة الإمام الحسين(عليه السلام)! (4)





(1) راجع: ترجمته في الفصل الأوّل ص34 ـ 35.
(2) راجع: البداية والنهاية 9:49 و8:29 و296 / والمعارف: 414 / وتاريخ الطبري 3:377 و 407 و 484 و 541 / وكان المحقق السماوي (ره) قد ذكره بإسم: عبدالله بن عبيد الله بن معمر التيمي، تيم قريش. (راجع: إبصار العين:


41).
(3) راجع: ترجمته في الفصل الأوّل ص34.
(4) لكنّ المحقّق السماوي (ره) قال في مسعود هذا: «وهو الذي جمع الناس وخطبهم لنصرة الحسين فلم يتوفّق، ويمضي في كتب المقاتل أنه يزيد بن مسعود النهشلي، وهذا تميميٌّ يُكنّى بأبي خالد وليس من رؤساء الأخماس، ولعلّه مكتوب إليه أيضاً، والذي يُستظهر من الخطبة والكتاب الى الحسين(عليه السلام) أنّ الذي جمع الناس هذا، لامسعود، ولكنّ الطبري وغيره من المؤرّخين لم يذكروا الثاني». (إبصار العين:


41). ولايخفى أنّ ما ذهب إليه الشيخ السماوي (ره) اشتباه محض، لاتساعد عليه سيرة مسعود بن عمرو الأزدي المعادي لأهل البيت(عليهم السلام)، ولعلّ مرّد هذا الإشتباه هو ظنّ الشيخ السماوي (ره)


أنّ الذين كتب إليهم الإمام(عليه السلام) هم رؤساء الأخماس لاسواهم، وأنهم الذين ذكرهم الطبري فقط! والأمر ليس كذلك، أولاً: لأنّ عبارة الطبري صريحة في أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) بعث بنسخ من رسالته إلى أشراف في البصرة ليسوا من رؤساء الأخماس، حيث قال: «وكتب بنسخة إلى رؤوس الأخماس وإلى الأشراف...» (تأريخ الطبري 3:


280)، وثانياً: لأنّ يزيد بن مسعود النهشلي كان من أشراف البصرة وكبّار وجهائها وإن لم يكن من رؤساء الأخماس فيها، وقد ذكر مؤرّخون آخرون في غاية الإعتبار كالسيّد ابن طاووس (ره) في كتابه (اللهوف:


110) وابن نما (ره) في كتابه (مثير الأحزان: 27 ـ


29) أنّ يزيد بن مسعود النهشلي ممّن كتب إليهم الإمام الحسين(عليه السلام). وأمّا قول الشيخ السماوي (ره) في ترجمته للشهيد الحجّاج بن بدر التميمي السعدي: «كان الحجّاج بصرياً من بني سعد بن تميم، جاء بكتاب مسعود بن عمرو إلى الحسين فبقي معه وقُتل بين يديه» (إبصار العين:


212) فناشيء من نفس هذا الإشتباه، ولا دليل عليه!، بل كان الحجّاج هذا (رض) رسول يزيد بن مسعود النهشلي على ما ذكره بعض أهل المقاتل، ولقد ذكر السماويّ نفسه هذا في (إبصار العين:


213).




[363]


فإذا كان جلُّ رؤساء الأخماس في البصرة وأشرافها بين متباعد عن أهل البيت(عليهم السلام) مجانب لهم، وبين متردّد متذبذب في حبّه إياهم وموقفه منهم، وبين متربّص خائن طامع في دنيا أعدائهم، فما هو السرّ في كتابة الإمام(عليه السلام) إلى


مثل هؤلاء!؟
لعلّ مجموعة الأسباب التالية هي التي دعت الإمام(عليه السلام) إلى كتابة هذه الرسالة إلى رؤساء الأخماس والأشراف في البصرة:
أ ـ كانت مخاطبة القبائل في ذلك الوقت لاتتمُّ ولاتثمر إلاّ من خلال رؤسائها وأشرافها ذلك لأنّ أفراد كلِّ قبيلة كانوا لايتجاوزون رؤساءهم وأشرافهم في إتخاذ أي موقف وقرار، والمتأمّل في خطبة يزيد بن مسعود النهشلي في بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، وردّهم عليه يرى هذه الحقيقة واضحة جليّة.
ب ـ إلقاء الحجّة على جميع أهل البصرة بما فيهم رؤساؤهم وأشراف




[364]


قبائلهم، خصوصاً وأنّ البصرة برغم سيطرة ابن زياد عليها ـ ما يزيد على خمس سنين حتى ذلك الوقت ـ لم تكن قد انغلقت لصالح الأمويين كما هو حال مدن الشام، إذ كان فيها أشراف ورؤساء يعرفون حقّانية أهل البيت(عليهم السلام) ، وأفئدتهم تهوي إليهم، كما كان في البصرة معارضة شيعية لها اجتماعاتها ومنتدياتها السريّة، إذن ففي مبادرة الإمام(عليه السلام) في الكتابة إلى كلّ هؤلاء إلقاء للحجّة عليهم وقطع العذر عليهم بالقول إنهم لم ينصروا ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأنهم لم يعلموا بقيامه ونهضته.
ج ـ قد تُثمر رسالة الإمام(عليه السلام) صدّ المتردّد من الأشراف ورؤساء الأخماس عن الإنضمام إلى أيّ فعل مُضادّ لحركة الإمام(عليه السلام)، وقد يعتزل هو وكثير من أفراد قبيلته فلا ينصرون الحكم الأمويّ، وهذا على أيّة حال أفضل من اشتراكهم في القتال ضدّ الإمام(عليه السلام).
د ـ من ثمرات هذه الرسالة إعلام البصريين الراغبين في نصرته(عليه السلام) بأمر نهضته، وتعبئتهم لذلك من خلال أشرافهم الموالين لأهل البيت(عليهم السلام)


كمثل يزيد بن مسعود النهشلي وأمثاله.


2) ـ في قصة رسالة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى رؤساء الأخماس في البصرة وإلى أشرافها، لم يوفّق أحدٌ منهم إلى الموقف المحمود إلاّ يزيد بن مسعود النهشلي (ره)، الذي كشفت خطبته في بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، ورسالته الى الإمام(عليه السلام)، عن أنّه كان مؤمناً بمقام أهل البيت(عليهم السلام) عامة وبمقام الإمام الحسين(عليه السلام) خاصة، وكان عارفاً بحقّهم، ويكفيه مجداً وفخراً موقفه الرائع هذا، كما يكفيه سعادة دعاء الإمام(عليه السلام) له: «آمنك اللّه يوم الخوف، وأعزّك، وأرواك يوم العطش الأكبر!».




[365]


لكنّ ممّا يؤسف له أننا لم نعثر في كتب التواريخ والتراجم على ما يزيدنا معرفة بهذا الرجل الشريف الوجيه الماجد عدا ماورد في قصة هذه الرسالة، وعدا أنّه أرسل جوابه إلى الإمام(عليه السلام) مع الحجّاج بن بدر التميمي السعدي (رض)، الذي أوصل الرسالة إلى الإمام(عليه السلام) بمكّة، وبقي معه ورافقه إلى كربلاء واستشهد بين يديه يوم عاشوراء.(1)


3) ـ قال يزيد بن مسعود النهشلي (ره) في خطبته: «إنّ معاوية مات، فأهون به واللّه هالكاً ومفقوداً، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم...»،


والظاهر من طبيعة هذه العبائر أنّ يزيد النهشلي (ره) كان يقرّر لجموع بني تميم حقيقة مسلّمة عندهم وعند جميع أهل البصرة، في أنّهم كانوا قد عانوا الأمرّينَ من ظلم وجور ومآثم معاوية وولاته عليهم.
إنّ الكوارث التي أصابت البصريين على يد ولاة الأمويين لم تكن اقلّ من تلك التي أصابت الكوفة طيلة حوالي عشرين من السنوات العجاف من بعد شهادة أمير المؤمنين عليٍّ(عليه السلام).
هذا سمرة بن جندب مثلاً،(2) كان «في زمن ولايته البصرة يخرج من داره مع





(1) راجع: إبصار العين: 213 ـ 214.
(2) سمرة بن جندب: روي أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: «آخر أصحابي موتاً في النار!» فبقي سمرة بن جندب ـ حليف الأنصار ـ بالبصرة، وأبومحذورة بمكّة، وكان سمرة يسأل من يقدم من الحجاز عن أبي محذورة، وكان أبو محذورة يسأل من يقدم من البصرة عن سمرة، حتى مات أبو محذورة قبله. (راجع: أنساب الأشراف 1:


527)، وقال ابن الأثير: «توفي سنة تسع وخمسين، بالبصرة، وسقط في قدر مملوءة ماءً حاراً، كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد أصابه، فسقط فيها فمات» (أُسد الغابة 2:


355)، لكنّ ابن أبي الحديد قال: «كان ـ أي سمرة بن جندب ـ من شرطة ابن زياد، وكان أيّام مسير الحسين(عليه السلام) الى العراق يحرّض الناس على الخروج إلى قتاله» (شرح نهج البلاغة 4:


74)،


وكذلك صرّح ابن قتيبة في كتاب (المعارف:


172) أنّ سمرة مات سنة بضع وستّين، وعليه فلا يُلتفت الى قول ابن الأثير بأنّ سمرة هلك سنة تسع وخمسين بالبصرة.
لقد كان سمرة بن جندب من شرار من صحب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وخدم طيلة حياته في خط حركه النفاق، وكان لايعبأ بالحرمات، ففي (الكافي 8:322 ح


515) أنه ضرب على رأس ناقة النبي(صلى الله عليه وآله) فشجّها! فخرجت إلى النبي(صلى الله عليه وآله) فشكته! وكان يجاهر بمعصية الله ورسوله! ففي (التهذيب 7:


147) عن زرارة، عن الإمام الباقر(عليه السلام): أنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاريّ بباب البستان، وكان يمرّ به إلى نخلته ولايستأذن! فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة!


، فجاء الأنصاري إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فشكا إليه فأخبره الخبر، فأرسل إليه النبيّ(صلى الله عليه وآله) وخبّره بقول الأنصاري وقال: إذا أردتَ الدخول فاستأذن.
فأبى! فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ماشاء فأبى أن يبيعه!
فقال: لك بها عذقٌ مُذلَّلٌ في الجنّة. فأبى ان يقبل! فقال النبي(صلى الله عليه وآله) للأنصاري: إذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنه لاضرر ولاضرار.
وروى الطبري عن أبي سوار العدويّ قال: «قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القرآن» (تأريخ الطبري 5:


237).
وروى أيضاً عن عوف قال: «أقبل سمرة من المدينة، فلمّا كان عند دور بني أسد خرج رجل من بعض أزقّتهم ففاجأه أوّل الخيل، فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة! ثمّ مضت الخيل، فاتى عليه سمرة وهو متشحطٌ بدمه فقال: ما هذا!؟


فقيل: أصابته أوائل خيل الأمير. فقال: إذا سمعتم بنا ركبنا فاتّقوا أسنّتنا.» (تأريخ الطبري 5:


237).
وكان سمرة من المأجورين الذين استخدمهم معاوية للكذب على الله ورسوله(صلى الله عليه وآله)، فقد روي أنّ معاوية بذل له مائة ألف درهم على أن يروي أنّ آية «ومن الناس من يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ـ الى قوله تعالى ـ والله لايحبّ الفساد» نزلت في عليّ(عليه السلام)، وأنَّ آية «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد» نزلت في ابن ملجم، فلم يقبل! فبذل له مائتي الف فلم يقبل! فبذل ثلاثمائة ألف فلم يقبل! فبذل أربعمائة ألف فقبل! (راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4:


73).
وعن الطبري: أنّ معاوية اقرّ سمرة بعد زياد ستة أشهر ثمّ عزله، فقال سمرة: لعن الله معاوية!


والله لو أطعتُ الله كما اطعتُ معاوية ما عذّبني أبداً! (تأريخ الطبرى 5:


237).
ومع كلّ هذا! فإن تعجب فعجبٌ قول الذهبي «إنّ سمرة من علماء الصحابة، له أحاديث صالحة!!»، ولعلّ الذهبي قصد بها الأحاديث المكذوبة التي اختلقها سمرة في ذمّ عليّ(عليه السلام) خدمة لحركة النفاق!
كما ينقل الذهبي عن ابن سيرين قوله: «كان سمرة عظيم الأمانة صدوقاً!!»، ويقول الذهبي في قصة هلاكه: «إنّ سمرة استجمر، فغفل عن نفسه حتى احترق... فهذا إن صحّ فهو مُراد النبيّ، يعني نار الدنيا!» (راجع: سير أعلام النبلاء 3:


186)، فالذهبي يأبى إلاّ أن يحرف صريح مراد قول النبيّ(صلى الله عليه وآله): «آخر اصحابي موتاً في النار» ليكون معناه: آخر أصحابي يموت احتراقاً بالنار!! تُرى كم هو الفرق كبير وشاسع بين صريح مراد النبي(صلى الله عليه وآله) وبين مُدّعى هذا المذهوب بنور بصره وبصيرته!؟




[366]




[367]


خاصته ركباناً بغارة، فلا يمرُّ بجيوان ولاطفل ولاعاجز ولاغافل إلاّ سحقه هو واصحابه بخيلهم! وهكذا إذا رجع! ولايمرُّ عليه يوم يخرج به إلاّ وغادر به قتيلاً أو أكثر!»،(1) و«قتل من أهل البصرة ثمانية آلاف رجل من الشيعة في ستّة أشهر، وهي ايّام إمارته على البصرة!».(2)
ويروي الذهبي، عن عامر بن أبي عامر قال: «كنّا في مجلس يونس بن عبيد، فقالوا: ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه ـ يعنون دار الإمارة ـ قُتل بها سبعون ألفاً! فسألتُ يونس فقال: نعم، من بين قتيل وقطيع! قيل: من فعل ذلك!؟ قال: زياد وإبنه وسمرة..».(3)





(1) تنقيح المقال 2:62.
(2) تنقيح المقال 2:69.
(3) سير أعلام النبلاء 3:186.




[368]


وروى الطبري عن محمّد بن سليم قال: «سألتُ أنس بن سيرين: هل كان سمرة قتل أحداً؟ قال: وهل يُحصى من قتلهم سمرة!؟ إستخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة، وقد قتل ثمانية آلاف من الناس! فقال له زياد: هل تخاف أن تكون قتلت أحداً بريئاً؟ قال: لو قتلت مثلهم ما خشيت!».(1)
من هنا يمكننا أن نستفيد بُعداً آخر ودافعاً جديداً يُضاف الى مجموعة الدوافع التي كانت من وراء كتابة الإمام(عليه السلام) رسالته إلى أهل البصرة، وهو أنّ أهل البصرة ـ كما أهل الكوفة ـ أولى من غيرهم في مجال المبادرة الى النهوض مع الإمام(عليه السلام) والجهاد بين يديه لإزالة الظلم والجور وإحقاق الحقّ، لأنهم عانوا الأمرَّين من جور وظلم بني أميّة الذين قتلوا الآلاف منهم، ولعلّ يزيد بن مسعود النهشلي (ره) كان ايضاً قد اراد هذا المعنى في مخاطبته بني تميم حينما ابتدأ خطبته بتذكيرهم بهذه الحقيقة.




المؤتمر الشيعيّ السرّيُّ في البصرة


روى الطبري عن أبي مخارق الراسبي قال: «اجتمع ناسٌ من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبدالقيس يقال لها مارية(2) ابنة سعد ـ أو ـ منقذ أيّاماً، وكانت





(1) تأريخ الطبري 5:236.
(2) قال المامقاني: «مارية بنت منقذ أو سعيد العبدية: يُستفاد كونها إماميّة تقيّة ممّا روي عن أبي جعفر(عليه السلام) من أنها كانت تتشيّع، وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدّثون فيها..» (تنقيح المقال 3:


82)، وعلّق على قوله التستري قائلاً: «اقول: المصنّف راى كلام بعضهم أنّ أبا جعفر قال مارية كانت تتشيّع فتوّهم أنَّ مراده بأبي جعفر ابوجعفر الباقر(عليه السلام)، مع أنّ مراده أبو جعفر الطبري». (قاموس الرجال 11:35 / الطبعة الأولى ـ مكتبة الصدوق)، وقال النمازى: «قيل إنّ المراد بأبي جعفر: الطبري لا أبوجعفر الإمام(عليه السلام)». (مستدركات علم الرجال 8:


598).




[369]


تتشيّع، وكان منزلها لهم مألفاً يتحدّثون فيه!
وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين فكتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظر ويأخذ الطريق!
قال: فأجمع يزيد بن نبيط(1) الخروج وهو من عبدالقيس الى الحسين، وكان له بنون عشرة، فقال: أيّكم يخرج معي؟ فانتدب معه إبنان له: عبدالله وعبيد الله، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة: إنّي قد أزمعت على الخروج، وأنا خارج. فقالوا له: إنّا نخاف عليك اصحاب ابن زياد. فقال: إنّي واللّه لو قد استوت اخفافهما بالجُدد لهان عليَّ طلب من طلبني!
قال: ثمّ خرج فقويَ في الطريق حتّى انتهى الى حسين(عليه السلام) فدخل في رحله بالأبطح...».(2)
إشارة:
شهدت البصرة في السرّ انعقاد هذا المؤتمر الشيعيّ فيها في الأيام التي كانت تشهد أيضاً في العلانية تحرّكات رؤساء الأخماس والأشراف على أثر وصول رسالة الإمام(عليه السلام) إليهم، وكان الفارق كبيراً جدّاً بين المشهدين!





(1) يزيد بن نبيط العبدي: ذكره المحقّق السماوي (ره) في (إبصار العين:


191) باسم يزيد بن ثبيط، وقال: ويمضي في بعض الكتب: ثبيث ونبيط، وهما تصحيف. وهو مع إبنيه رضوان الله تعالى عليهم من شهداء الطفّ، وقد ورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة بإسم: يزيد بن ثبيت، كما ورد السلام على ولديه فيها ايضاً، وسيأتي ذكرهم تحت عنوان (الملتحقون بالركب الحسيني في مكة المكرّمة).
(2) تأريخ الطبري 3:278.




[370]


ذلك لأنها شهدت في تحرّكات الرؤساء والأشراف: تردّداً في نصرة الإمام(عليه السلام)، وشهدت إعراضاً عنه، وخيانة وغدراً! أللّهمّ إلاّ ماشهدته في تحرّك يزيد بن مسعود النهشلي (ره) من تحريك وتوجيه المشاعر القبلية ـ من خلال مزجها بمشاعر دينية ـ باتجاه نصرة الامام(عليه السلام).
لكنّ ما شهدته البصرة في السرّ كان شهوداً من نوع آخر!
إذ شهدت اجتماعاً استمرّ أيّاماً في السرّ، لم يقم على أساس الإنتماء القبلي، فالمجتمعون كانوا من قبائل شتّى، بل قام على أساس الولاء لأهل البيت(عليهم السلام)والبراءة من أعدائهم، وقد تذاكر فيه المجتمعون أمر الإمامة وما آل إليه الوضع الراهن يومذاك،(1) وتداولوا ما يجب عليهم القيام به أداءً للتكليف الديني «فأجمع رأي بعض على الخروج فخرج، وكتب بعض بطلب القدوم»،(2) وبالفعل فقد نتج عن هذا المؤتمر المبارك أن انطلقت كوكبة كريمة من البصريين برغم أعين الرصد وحواجز الحصار، تتجّه مسرعة إلى مكّة المكرّمة لتلتحق بالركب الحسيني ولتفوز الفوز العظيم.


خمسمائة من البصريين في سفر ابن زياد الى الكوفة!


روى الطبري عن عيسى بن يزيد الكناني قال: «لمّا جاء كتاب يزيد إلى عبيدالله بن زياد انتخب من أهل البصرة خمسمائة، فيهم عبدالله بن الحارث بن





(1) راجع: ابصار العين: 25.
(2) إبصار العين: 25 / لكننا لم نعثر على أثر تاريخي يفيد بأنّ بعض الشيعة في البصرة كتب إلى الإمام(عليه السلام) في مكّة يطلب منه القدوم الى العراق عامة أو البصرة خاصة، ولعلَّ الشيخ السماوي (ره) كان قد عثر على مثل هذا فقال به!




[371]


نوفل،(1) وشريك بن الأعور،(2) وكان شيعة لعليّ، فكان أوّل من سقط بالناس شريك، فيقال إنه تساقط غمرة ومعه ناس، ثمَّ سقط عبدالله بن الحارث وسقط معه ناس، ورجوا أن يلوي عليهم عبيدالله ويسبقه الحسين الى الكوفة! فجعل لايلتفت إلى من سقط، ويمضي حتّى ورد القادسية، وسقط مهران مولاه فقال: أيا





(1) عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلّب بن هاشم، القرشي الهاشمي، أبومحمد، لقبه: ببّه، وأمّه هند بنت ابي سفيان أخت معاوية..، ولد على عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فحنّكه النبي(صلى الله عليه وآله)، وتحوّل الى البصرة، واصطلح عليه أهل البصرة بعد موت يزيد بن معاوية، فأقرّه عبدالله بن الزبير.
قال ابن حبان: توفي سنة تسع وسبعين، قتلته السَّموم، ودفن بالأبواء.
وقال محمد بن سعد: توفي بعمان سنة اربع وثمانين عند انقضاء فتنة عبدالرحمن بن الأشعث، وكان خرج إليها هارباً من الحجّاج. (راجع: تهذيب الكمال 10:


74) و«كان رسول الحسن ابن علي(عليهم السلام) من المدائن الى معاوية.. وكان من أفاضل المسلمين، تحوّل الى البصرة فسكنها وبنى بها داراً، ولمّا كان أيام مسعود بن عمرو وخرج عبيد الله عن البصرة،


واختلف الناس بينهم، وأجمعوا أمرهم فولّوا عبدالله بن الحارث صلاتهم وفيأهم، وكتبوا بذلك الى عبدالله بن الزبير، وقالوا: إنّا رضينا به.
فأقرّه ابن الزبير على البصرة، فلم يزل عاملاً عليها سنة ثم عزله، وخرج عبدالله بن الحارث الى عمان فمات بها... وكان ظاهر الصلاح، وله رضاً في العامة، واراده أهل البصرة على التعسف لصلاح البلد فعزل نفسه وقعد في منزله.. (راجع: تاريخ بغداد 1:212 وسير أعلام النبلاء 1:


201).
وقال المامقاني: «وإن وثّقه الثلاثة ـ اي أبوموسى الاصفهاني، وابن منده، وابن عبدالبر ـ إلاّ أنّ مبناهم في التوثيق غير معلوم، وبعد استفادة كونه إمامياً من ظاهر كلام الشيخ (الطوسي) نجعل توثيق الجماعة إيّاه مدحاً، مُدرجاً له في الحسان». (راجع: تنقيح المقال 2:


176).
وقال النمازي: «أنفذه الحسن(عليه السلام) الى معاوية، وحبسه ابن زياد مع المختار وميثم... جملة من رواياته المفيدة حسنة». (مستدركات علم الرجال 4:


508).
(2) شريك بن الأعور: مرّت بنا ترجمة مختصرة له في ص159.




[372]


مهران، على هذه الحال إن أمسكتَ عنك حتى تنظر الى القصر فلك مائة ألف! قال: لا واللّه ما استطيع. فنزل عبيد اللّه فأخرج ثياباً مقطّعة من مقطّعات اليمن، ثمّ اعتجر بمعجرة يمانية، فركب بغلته ثمّ انحدر راجلاً وحده...».(1)
إشارة:
يبدو من ظاهر نصّ هذا الخبر أنّ عدد الشيعة الذين صحبوا ابن زياد الى الكوفة في هذا السفر لم يكن قليلاً ـ إن لم يكونوا هم الأكثر ـ فقد تساقط شريك الحارثي ومعه ناس! وكذلك تساقط عبداللّه يتأخّر إبن الحارث ومعه ناس! راجين أن يتأخّر ابن زياد لأجلهم فلا يسبقُ الإمام(عليه السلام)


في الوصول الى الكوفة!
تُرى هل كان هذا التساقط أفضل الوسائل لتعويق ابن زياد ومنعه من دخول الكوفة قبل الإمام(عليه السلام)!؟
وإذا كان شريك ومن معه من الشيعة يعرفون الدور الخطير الذي سيقوم به ابن زياد لاستباق حركة الأحداث في الكوفة وإدارتها لصالح يزيد! أفلم يكن من الراجح أن يقتلوا ابن زياد بأيّة صورة، سرّاً أو علناً، وإن أدّى ذلك إلى قتل أحدهم أو جماعة منهم أو جميعهم بعد ذلك، ترجيحاً لمصلحة الإسلام العُليا!؟
أم أننا هنا ايضاً أمام صورة أخرى من صور الوهن والشلل النفسي الذي أصاب الأمّة وتفشّى فيها، فأصاب هؤلاء أيضاً، فرأوا أنّ أقصى ما يمكنهم المبادرة إلى هو التساقط في الطريق فقط! متمنّين للإمام(عليه السلام) أن ينصره الله على أن لاتتعرّض دنياهم لأيّ ضرر أو خطر!
إننا لانشكُّ في إخلاص شريك وأمثال شريك من شيعة عليّ(عليه السلام)، ولكننا





(1) تأريخ الطبري 3:281; وانظر: مقتل الحسين(عليه السلام) للمقرّم:149.




[373]


نعجب من إقتصارهم على التفكير في التساقط فقط! وعدم تدبيرهم لخطّة يتخلّصون بها من ابن زياد ويخلّصون الأمّة منه في ثنايا الطريق من البصرة إلى الكوفة! وربّما كان قتل ابن زياد بتدبير خفيّ غامض في ليلة ظلماء في هذه الرحلة أيسر بكثير ـ من حيث الإعتبارات العرفيّة والتبعات ـ من قتله في بيت هاني بن عروة على ضوء الخطّة التي أقترحها شريك نفسه يومذاك! نقول هذا كلّه بحسب الموازين والحسابات الظاهرية، ونعلم أنّ إرادة الله وتقديراته شيء آخر!


الملتحقون بالركب الحسينيّ في مكّة المكرّمة


إلتحق بالإمام الحسين(عليه السلام) في مكّة المكرّمة مجموعة من أخيار هذه الأمّة وأبرارها، فانضمّوا إلى الركب الحسينيّ المتشكّل آنذاك ممن كان قد قُدم مع الإمام(عليه السلام) من المدينة المنوّرة، ومنهم من لازم الإمام(عليه السلام) حتّى استشهد معه في كربلاء يوم عاشوراء، ومنهم من أرسله الإمام(عليه السلام) فقُتل أو عاد إليه، ويمكننا أن نصنّفهم حسب الأمكنة التي انطلقوا منها للإلتحاق بالإمام(عليه السلام) في مكّة المكرّمة الى:


/ 31