مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
«وكان الحسن البصري يسمّيه الشابّ المترف الفاسق، وقال فيه: مارأينا شراً من ابن زياد !».(3)
و«جيء إليه بسيّد من سادات العراق، فأدناه منه ثمّ ضرب وجهه بقضيب كان في يده حتى كسر أنفه وشقّ حاجبيه، ونثر لحم وجنته، وكسر القضيب على وجهه ورأسه».(4)
«وغضب على رجل تمثّل بآية من القرآن، فأمر أن يُبنى عليه ركن من أركان قصره !».(5)
«وكان يقتل النساء في مجلسه، ويتشفّى بمشاهدتهن يعذّبن وتقطّع أطرافهن !».(6)
«عاش مكروهاً عند أهل العراق»(7) و«مهيناً عند أهل الحجاز».(8)





(1) العقد الفريد، 4: 382.
(2) راجع: سير أعلام النبلاء، 3: 549.
(3) أنساب الأشراف، 5: 83 .
(4) مروج الذهب، 2: 44; ولعلّ ذلك السيّد الوجيه هو هاني بن عروة (رض).
(5) المحاسن والمساوىء، 2: 165.
(6) بلاغات النساء: 134; وأنساب الأشراف، 5: 289.
(7) الإمامة والسياسة 2: 16.
(8) الأغاني، 18: 272.






[142]



«لما مات يزيد أغرى بعضَ البصريين أن يبايعوه، ثم جبن عن مواجهة الناس فاستتر ثم هرب الى الشام .. وكان عبيدالله من الأكلة، كان يأكل جدّياً أو عناقاً يُتخيّر له في كلّ يوم فيأتي عليه ! وأكل مرّة عشر بطّات وزبيلاً من عنب، ثمّ عاد فأكل عشر بطّات وزبيلاً من عنب وجدياً !!».(1)
«قال التنوخي: إنّ عبيدالله بن زياد لمّا بنى داره البيضاء بالبصرة بعد قتل الحسين صوّر على بابها رؤوساً مقطّعة، وصوّر في دهليزها أسداً وكبشاً وكلباً، وقال: أسد كالح، وكبش ناطح، وكلب نابح.
فمرّ بالباب أعرابي



ّ فرأى ذلك فقال: أما إنّ صاحبها لا يسكنها إلاّ ليلة واحدة لا تتم !
فرفع الخبر إلى ابن زياد، فأمر بالأعرابي فضُرب وحُبس، فما أمسى حتى قدم رسول ابن الزبير إلى قيس بن السكون ووجوه أهل البصرة في أخذ البيعة له، ودعا الناس الى طاعته فأجابوه، وراسل بعضهم بعضاً في الوثوب عليه في ليلتهم (أي على ابن زياد)، فأنذره قوم كانت له صنائع عندهم، فهرب من داره في ليلته تلك، واستجار بالأزد فأجاروه، ووقعت الحرب المشهورة بينهم وبين بني تميم بسببه، حتى أخرجوه فألحقوه بالشام، وكُسِر الحبس فخرج الأعرابي، ولم يعد ابن زياد الى داره، وقتل في وقعة الخازر».(2)
ولما رأى ابن زياد ـ بعد فاجعة كربلاء ـ أنه لم يجنِ إلا غضب الله وسخط الناس عليه(3) سعى إلى التنصّل من مسؤولية قتل الإمام(عليه السلام)، فكان يدّعي قائلاً: «أمّا





(1) أنساب الأشراف، 5: 86.
(2) راجع: الفرج بعد الشدّة، 2: 101.
(3) زار ابن زياد عبدالله بن مغفل الصحابي في مرضه، وقال له: أتعهد إلينا شيئاً قال: لا تصلِّ عليَّ ولا تقم على قبري. (سير أعلام النبلاء 3:



549)، وقالت له أمّه مرجانة: ياخبيث، قتلت ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) !؟ لا ترى الجنة أبداً (الكامل في التأريخ 3:



8).
وقال أخوه عثمان وهو يسمع: لوددتُ أنه ليس من بني زياد رجلٌ إلا وفي أنفه خزامة الى يوم القيامة وأنَّ حسيناً لم يُقتل. (تاريخ الطبري 3: 342، والكامل في التأريخ 2:



582).






[143]



قتلي الحسين فإنّه أشار إليّ يزيد بقتله أو قتلي فاخترتُ قتله !».(1)
ولمّا جاء نعي يزيد هرب عبيدالله بعد أن كاد يؤسر، واخترق البرية إلى الشام، وانضم إلى مروان وقاتل معه، فلمّا ظفر مروان ردّه إلى العراق، فلمّا دخل أرض العراق وجّه المختار إليه إبراهيم بن مالك الأشتر، فالتقوا بقرب الزاب، وقتل إبراهيم بن الأشتر عبيدالله بن زياد بضربة نجلاء قدَّه بها نصفين، وكان ذلك في يوم عاشوراء سنة 67هـ .(2)
«وأُنفذ رأس عبيدالله بن زياد الى المختار ومعه رؤوس قوّاده، فأُلقيت في القصر، فجاءت حيّة دقيقة فتخلّلت الرؤوس حتى دخلت في فم عبيدالله بن زياد ثم خرجت من منخره، ودخلت في منخره وخرجت من فيه، فعلت هذا مراراً، أخرج هذا الترمذيّ في جامعه».(3)
وكانت جثّته قد أحرقت بعد قطع رأسه.(4)
وهلك هذا الطاغية حين هلك ولم يكن له عقب.(5)





(1) الكامل في التأريخ، 2: 612.
(2) راجع: المعارف: 347; وسير أعلام النبلاء، 3: 549.
(3) الكامل في التأريخ، 3: 8; وقد أخرجه الترمذي في المناقب من سننه، 5: 660 رقم 3780 وقال: حسن صحيح. كما أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء، 3: 549 وصححه.
(4) الكامل في التأريخ، 3: 8.
(5) راجع: المعارف: 347.






[144]



ومع أننا نجد في كتاب الله الحكيم أنّ الله تعالى لعن المفسدين في الأرض القاطعين الرحم في قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم
أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم)،(1) ولا نظن أنّ مسلماً عاقلاً عالماً يشك في أنّ يزيد وعبيدالله بن زياد وأضرابهم كانوا المصداق الأتمّلمفهوم المفسد في الأرض والقاطع الرحم، كيف لا وقد قتلوا عامدين ريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين(عليه السلام) شرّ قتلة مع أنصاره من أهل بيته وأصحابه وسبوا حريم رسول الله(صلى الله عليه وآله)



على أفجع حالة، يتصفّح وجوههنّ الأعداء والغرباء من كربلاء الى الشام !؟ وهل هناك عند الله وعند المؤمنين رَحِم أعزّ وأولى بالصلة من رحم رسول الله(صلى الله عليه وآله) !؟ وهل هناك إفساد مُتصوَّر أكثر وأكبر وأنكر مما اجترحه يزيد وعبيدالله وأضرابهم !؟
مع كلّ هذا، يقول الذهبي في شدّة ورع وتقوى !!: «الشيعي لايطيب عيشه حتى يلعن هذا ودونه، ونحن نبغضهم في الله !، ونبرأ منهم ولا نلعنهم، وأمرهم إلى الله !».(2) ونقول: شنشنة أعرفها من أخزمِ !!(3)
هل غيّرت السلطة الأموية المركزية والي مكّة ؟
يذهب بعض المؤرّخين إلى أنّ معاوية مات حين مات: «وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وعلى مكّة يحيى بن حكيم بن صفوان بن أميّة،(4) وعلى





(1) سورة محمد(صلى الله عليه وآله): الآية 22 و 23.
(2) سير أعلام النبلاء، 3: 549.
(3) عجز بيت شعر قديم، مضى مثلاً للقضية المعروف أصل سببها.
(4) يحيى بن حكيم بن صفوان بن أميّة: وهو من بني جمح الذين كانوا مع عائشة يوم الجمل، فقُتل منهم إثنان وهرب الباقون، وكان يحيى هذا ضمن الذين هربوا ونجا بنفسه، ويروى أنّ أميرالمؤمنين علياً(عليه السلام) لمّا مرَّ بقتلى موقعة الجمل بعد انتهائها قال: « ..لقد كنت أكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب ! أدركت وتري من بني عبدمناف وأفلتني أعيار بني جُمح ..» (شرح نهج



البلاغة، 11: 123; وروى ابن أبي الحديد: أن يحيى هذا عاش حتى استعمله عمرو بن سعيد الأشدق على مكة لمّا جمع له يزيد الولاية على مكة والمدينة فأقام عمرو بالمدينة ويحيى بمكة;



راجع 11:



125).






[145]



الكوفة النعمان بن بشير الأنصاريّ، وعلى البصرة عبيدالله بن زياد».(1)
وهذا يعني أنّ السلطة الأموية المركزية في دمشق قد عزلت يحيى بن حكيم عن ولاية مكّة، وأحلّت مكانه عمرو بن سعيد الأشدق، ضمن الإجراءات الجديدة التي اتخذتها على أثر وصول الإمام الحسين(عليه السلام) إلى مكة المكرّمة.
غير أنّ مؤرّخين آخرين رووا أنّ عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق هو الذي كان والياً على مكّة حين مات معاوية،(2) ثم جمع له يزيد الولاية على مكّة والمدينة بعد عزله الوليد بن عتبة عن منصب الولاية في المدينة.
ومما يؤيد هذا ماروي أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لمّا ورد مكّة قال له عمرو بن سعيد: ما إقدامك !؟ فقال(عليه السلام): عائذاً بالله وبهذا البيت.(3) فتأمّل.
عزل الوليد بن عتبة عن ولاية المدينة
كان الوليد بن عتبة(4) أمويّاً مخلصاً كلّ الإخلاص للحكم الأمويّ عن وعي تام





(1) الأخبار الطوال: 227.
(2) راجع: تأريخ الطبري، 3: 272; والكامل في التأريخ، 2: 529.
(3) تذكرة الخواص: 214.
(4) راجع عنوان (شخصية الوليد بن عتبة) في الجزء الأول من هذا الكتاب (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة): 361 ـ 365.






[146]



لانتمائه القبلي وحرص بالغ على تقديم بني أميّة على من سواهم، وكان في نفس الوقت يتمنّى أن لايصطدم مع بني هاشم عامة وأهل البيت خاصة، ويطلب العافية من ذلك ويرجوها.
وفي صدد الموقف من الإمام الحسين(عليه السلام) خاصة كان الوليد يتبنّى نظرة معاوية الذي كان يرى أنّه ليس من مصلحة الحكم الأموي أن يدخل في مواجهة علنية مع الإمام الحسين(عليه السلام)، مع ماروي أنّ الوليد كان يرى لأهل البيت(عليهم السلام)حرمة ومنزلة عند الله تعالى !، ولذا فقد اتّسم موقفه من رفض الإمام الحسين(عليه السلام)بالتسامح واللّين، الأمر الذي أغضب السلطة الأموية المركزية في دمشق وأسخطها على الوليد، فقام يزيد بعزل الوليد عن ولاية المدينة في شهر رمضان من نفس السنة،(1) وأضاف ولاية المدينة لعمرو بن سعيد الأشدق مع ولاية مكّة المكرّمة.




رسالة يزيد إلى عبدالله بن عبّاس



ومن الإجراءات التي بادرت إليها السلطة الأموية المركزية في الشام بعد وصول الإمام الحسين(عليه السلام) إلى مكّة إرسال الكتب إلى من يحتمل أن يكون له تأثير على موقف الإمام الحسين(عليه السلام) من بني هاشم خاصة أو من وجهاء الأمّة الإسلامية عامة،(2) وقد سجّل لنا التأريخ في هذا الإطار قصة الرسالة التي بعث بها يزيد الى عبدالله بن عباس يطلب إليه فيها أن يردَّ الإمام(عليه السلام) عن الخروج على النظام





(1) راجع: تأريخ الطبري، 3: 272; والبداية والنهاية، 8: 151; وتاريخ الخليفة: 142.
(2) نظنّ ظنّاً قوياً تدعمه دلائل تأريخيّة أنّ حماسة عبدالله بن عمر في محاولاته ردّ الإمام(عليه السلام) عن القيام ونهيه عن الخروج إلى العراق كانت بدفع من السلطة الأموية، لكننا لم نعثر على وثيقة تأريخية تنهض بهذا الظن القويّ إلى مستوى القطع، ونذكّر هنا بأنّ معاوية في وصيته ليزيد يقول: «ـ فأمّا عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه..» (أمالي الصدوق: 129، المجلس 30 حديث رقم



1).






[147]



الأموي، وأن يحذّره من مغبّة ذلك، ويمنّيه بالأمان والصلة البالغة والمنزلة الخاصة عند السلطان الأموي !
«قال الواقدي: ولمّا نزل الحسين مكّة كتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس:
أمّا بعدُ: فإنّ ابن عمّك حسيناً وعدوّ الله ابن الزبير التويا ببيعتي ولحقا بمكّة مرصدين للفتنة، معرّضين أنفسهما للهلكة، فأمّا ابن الزبير فإنه صريع الفناء وقتيل السيف غداً، وأمّا الحسين فقد أحببت الإعذار إليكم أهل البيت مما كان منه، وقد بلغني أنّ رجالاً من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ويمنّونه الخلافة ويمنّيهم الإمرة، وقد تعلمون مابيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتايج الأرحام، وقد قطع ذلك الحسين وبتّه، وأنت زعيم أهل بيتك وسيّد أهل بلادك، فالقه فاردده عن السعي في الفرقة، وردّ هذه الأمّة عن الفتنة، فإنْ قبل منك وأناب إليك فله عندي الأمان والكرامة الواسعة، وأجري عليه ما كان أبي يجريه على أخيه، وإنْ طلب الزيادة فاضمن له ما أراك الله أنفذ ضمانك، وأقوم له بذلك وله عليَّ الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كلّ الأمور عليه.
عجّل بجواب كتابي وبكلّ حاجة لك إليَّ وقِبَلي، والسلام».(1)
وأضاف صاحب تذكرة الخواص قائلاً:
«قال هشام بن محمد: وكتب يزيد في أسفل الكتاب:






  • ياأيها الراكب الغادي لمطيته(2)
    على عذافرة في سيرها قحمُ



  • على عذافرة في سيرها قحمُ
    على عذافرة في سيرها قحمُ





(1) تذكرة الخواص: 215.
(2) هكذا في الأصل، والصحيح «لطيّته» كما هو في رواية الفتوح، 5: 76.






[148]






  • أَبلغ قريشاً على نأي المزار بها
    وموقف بفناء البيت أنشده
    هنيتمُ قومكم فخراً بأمِّكمُ
    هي التي لايُداني فضلها أحدٌ
    إنّي لأعلم أو ظنّاً لعالمه
    أنْ سوف يترككم ماتدّعون به
    ياقومنا لاتشبّوا الحرب إذ سكنتْ
    قد غرَّت الحرب من قد كان قبلكم
    فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخاً
    فَرُبَّ ذي بذخ زلّت به القدمُ»(2)



  • بيني وبين الحسين اللهُ والرحمُ
    عهد الإله غداً يوفى به الذممُ
    أُمٌّ لعمري حسانٌ(1) عفّة كرمُ
    بنت الرسول وخير الناس قد علموا
    والظنّ يصدق أحياناً فينتظمُ
    قتلى تهاداكم العقبان والرخمُ
    وأمسكوا بحبال السلم واعتصموا
    من القرون وقد بادت بها الأممُ
    فَرُبَّ ذي بذخ زلّت به القدمُ»(2)
    فَرُبَّ ذي بذخ زلّت به القدمُ»(2)




ملاحظات حول هذه الرسالة



1) ـ هناك مشتركات نفسية أساسية بين متن الرسالة وبين أبيات الشعر التي قال (هشام بن محمّد) إنّ يزيد أرفقها مع الرسالة، وأهم هذه المشتركات هو أنّ كليهما تضمّن الترغيب والترهيب معاً، ومخاطبة الإمام(عليه السلام) عن طريق ابن عبّاس الذي عبّر عنه يزيد بـ(قريش) في الشعر، وهناك مشترك نفسي آخر فيهما وهو أنّ يزيد اجتهد في هذه الرسالة أن يمسك بزمام حنقه وغضبه، وهو الناصبيّ الفظّ





(1) هكذا في الأصل، وفي رواية الفتوح، 5: 76 (حصانٌ) وهو الصحيح.
(2) تذكرة الخواص: 215 ـ 216.






[149]



الغليظ الجلف الذي لايتناهى عن منكراته،(1) وهذا التماسك فرضته الضرورة السياسية على مزاج يزيد الذي تعوّد الإستهتار، ولا يبعد أن تكون هذه الموازنة في الترغيب والترهيب من تأثير وإملاء سرجون المستشار النصراني المعتّق صاحب الخبرة في الحرب النفسية ومعالجة الأزمات السياسية منذ عهد معاوية.



2) ـ ونقف في هذه الرسالة مرّة أخرى أيضاً أمام نفس النغمة التي يعزفها الحكم الأمويُّ بوجه المعارضة، وهي التحذير من شقّ عصا الأمّة وتفريق كلمة المسلمين وإرجاعهم إلى الفتنة وما إلى ذلك.



هذا السلاح الذي ابتكره معاوية واستخدمه في وجه معارضيه بعد أن روّج له في الأمّة من خلال أحاديث مفتريات على رسول الله(صلى الله عليه وآله)تدعو الأمّة الى الخنوع للحاكم الظالم والصبر على جوره، وتدعو إلى قتل كلّ من ينهض للخروج على الحكّام الجائرين بتهمة شقّ عصا الأمّة وتفريق كلمتها.
فليس من المستغرب أن يخاطب يزيد ابن عبّاس بذلك فيقول: «فالقه فاردده عن السعي في الفرقة، ورُدَّ هذه الأمّة عن الفتنة !»، وليس بمستغرب أن يخاطب ابن زياد مسلم بن عقيل قائلاً: «أتيتَ الناسَ وهم جميع فشققتَ بينهم وفرّقتَ كلمتهم وحملت بعضهم على بعض !»،(2) فمن قبل كان معاوية يدسُ تلك التهم إلى الإمام الحسين(عليه السلام) ويعزف نفس النغمة من خلال تحذيره بألاّ يشقّ عصا هذه الأمّة وألاّ يردّها في الفتنة، وكان الإمام أبو عبدالله الحسين(عليه السلام) يجيبه قائلاً: «.. فلا





(1) يقول الذهبي في يزيد: «كان ناصبياً، فظاً غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر ويفعل المنكر .. وقال فيه النبي(صلى الله عليه وآله): لايزال أمرُ أمّتي قائماً حتى يثلمه رجل من بني أميّة يقال له يزيد ..» (سير أعلام النبلاء، 3:



37).
(2) الإرشاد: 216; وعنه البحار، 44: 357.






[150]



أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي وولدي وأمّة جدّي أفضل من جهادك، فإن فعلته فهو قربة إلى الله عزوجلّ، وإن تركته فاستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقي لإرشاد أموري ..».(1)



3) ـ سعىيزيد في هذه الرسالة الى اتهام الإمام(عليه السلام) بأنّ غاية خروجه طلب الملك والدنيا، ولذا فقد طلب في الرسالة الى ابن عبّاس أن يمنّي الإمام(عليه السلام) ـ في حال تخلّيه عن القيام ـ بالأمان والكرامة الواسعة ! وإجراء ماكان معاوية يجريه على أخيه(عليه السلام) ! وأنّ له ما يشاء من الزيادة على ذلك !
ويزيد يعلم تمام العلم أنّ الإمام(عليه السلام) لم يقم ولم يخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرج لطلب الإصلاح في هذه الأمّة المنكوبة بكارثة الحكم الأموي الجاثم على صدرها سنين طويلة،



لكنّها عادة الطغاة في مواجهة الثائرين وعادة الضلال في مواجهة الهدى، فمن قبل سعى أبو سفيان جدُّ يزيد وأعلام جاهلية قريش إلى إتهام النبي(صلى الله عليه وآله) بتهمة طلب الملك والدنيا، وشرطوا لأبي طالب(عليه السلام)أن يحققوا له(صلى الله عليه وآله) كلّ مايتمنّاه من ذلك فيهم إذا هو تخلّى عن دعوته، لكنّ النبي(صلى الله عليه وآله)ردّ على إغرائهم وتهمتهم بقاطعية يخلد ذكرها ما خلد الدهر: «ياعم والله، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ماتركته حتى يُظهره الله أو أهلك فيه ماتركته».(2)



4) ـ ومع ماقدّمناه من ملاحظات حول متن هذه الرسالة، ينبغي أن نلفت الإنتباه إلى أنّ الواقدي الذي رويت عنه قصة هذه الرسالة قد تأمّل علماء الرجال فيه أو رموه بالكذب، فقد قال الذهبي: «قال البخاري: سكتوا عنه، تركه أحمد وابن





(1) الإحتجاج، 2: 21.
(2) السيرة النبوية، 1: 285.






[151]



نمير، وقال أسلم وغيره: متروك الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الشافعي: كُتُب الواقدي كذب. وقال ابن معين: ليس الواقدي بشيء. وقال مرّة: لايُكتب حديثه. وقال أحمد بن حنبل: الواقديّ كذّاب. وقال إسحاق: هو عندي يضع الحديث. وقال النسائي: المعروفون بوضع الحديث على رسول الله أربعة .. والواقدي ببغداد. وقال أبوزرعة: ترك الناس حديث الواقدي. وروى عبدالله بن علي المديني، عن أبيه قال: عند الواقدي عشرون ألف حديث لم أسمع بها، ثمّ قال: لا يُروى عنه وضعّفه».(1)
هذا عند رجاليّيّ العامة، وأمّا عندنا فلم يتعرّضوا له بمدح أو ذم،(2) وإن حاول المامقاني جعله في سلك الحسان،(3) كما تفرّد ابن النديم في نسبته إلى التشيّع.
هذا فضلاً عن أنّ الرواية مرسلة، لأنّ الواقدي وراوي الرسالة ولد بعد المائة والعشرين للهجرة، والرسالة ـ على الفرض التأريخي ـ تكون قد صدرت عام ستين للهجرة.
والظاهر أنّ أوّل من ذكر أنّ هذه الرسالة كانت موجّهة الى ابن عباس هو ابن عساكر المتوفّى سنة 571 هـ ،(4) وبعده سبط ابن الجوزي المتوفى 654 هـ ، ثمَّ المزّي المتوفى 742هـ، أمّا الكتب التأريخية التي هي أقدم من هذه الكتب كالفتوح وتأريخ الطبري فهي خالية من هذه الرسالة، والأبيات الشعرية التي أوردها سبط ابن الجوزي في ذيل الرسالة أو ردها صاحب الفتوح على أنّ المخاطب بها هم أهل





(1) سير أعلام النبلاء، 9: 462.
(2) معجم رجال الحديث، 17: 72.
(3) تنقيح المقال، 3: 166.
(4) معجم المؤلّفين، 7: 69.






[152]



المدينة ـ وسيأتي ذكرها ـ مما يثير الشبهة في أنّ هذا الكتاب ـ الرسالة ـ ربّما كان من مفتعلات مرتزقة التأريخ الساعين في خدمة الشجرة الملعونة، ظنّاً منهم أنّ ذكر مثل هذه الرسالة يشكّل تبريراً لموقف يزيد بأنّه قد بادر وكتب الى ابن عبّاس (بني هاشم) وخاطب الحسين(عليه السلام) من خلالهم، وأنّه قد أعذر من أنذر !




رسالة يزيد إلى (القرشيين) في المدينة



ويروي التأريخ أيضاً أنّ يزيد بعث برسالة الى أهل المدينة تتضمّن أبياتاً من الشعر ـ وهي التي مرّ ذكرها ـ تحتوي على تهديدهم وتحذيرهم من أي تحرك يتنافى ومصالح السلطة الأموية، فعن ابن أعثم الكوفي: «وإذا كتاب يزيد بن معاوية قد أقبل من الشام إلى أهل المدينة على البريد ـ من قريش وغيرهم من بني هاشم، وفيه هذه الأبيات ..
قال: فنظر أهل المدينة إلى هذه الأبيات، ثمّ وجّهوا بها وبالكتاب إلى الحسين ابن عليّ ـ رضي الله عنهما ـ فلمّا نظر فيه علم أنّه كتاب يزيد بن معاوية، فكتب الحسين الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
(وإنْ كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل، وأنا بريء مما تعملون).(1) والسلام.(2)
ويظهر من قول المزّي أنّ يزيد كان قد كتب هذه الأبيات إلى ابن عبّاس وإلى من كان في مكّة والمدينة من قريش، حيث يقول: «كتب بهذه الأبيات إليه وإلى من





(1) سورة يونس(عليه السلام): الآية 41.
(2) الفتوح، 5: 77.






[153]



بمكّة والمدينة من قريش».(1)
والملفت للإنتباه هنا أنّ جواب الإمام(عليه السلام) كاشف عن ازدرائه(عليه السلام) الكامل ليزيد إذ لم يذكر في الجواب إسمه، كما لم يلقّبه بلقب، ولم يسلّم عليه، مما يتبيّن منه أنّ يزيد لعنه الله مصداق تام للمكذّب بالدين وبالرسل والأوصياء(عليهم السلام)، وقد فصّلنا القول في التعليق على هذه الرسالة في الفصل الأوّل فراجع.




التخطيط لإغتيال الإمام(عليه السلام) أو إعتقاله في مكّة



ومن الإجراءات السرية التي اتخذتها السلطة الأموية المركزية في الشام بعد فشل خطّتها الرامية الى اعتقال الإمام(عليه السلام) أو قتله في المدينة المنوّرة ،(2) هو قيامها بالتدابير اللازمة لاغتيال الإمام(عليه السلام) أو اعتقاله في مكّة المكرّمة.
وخطّة السلطة الأموية لاغتيال الإمام(عليه السلام) في مكة المكرّمة أو اعتقاله من المسلّمات التأريخية التي يكاد يجمع على أصلها المؤرّخون، وكفى بتصريح الإمام الحسين(عليه السلام) لأخيه محمّد بن الحنفية:
«ياأخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت !»(3)
وقوله(عليه السلام)للفرزدق: «لو لم أعجل لأخذت».(4)





(1) تهذيب الكمال، 4: 493; والبداية والنهاية، 8: 167.
(2) راجع الجزء الأول من هذه الدراسة (مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة): الفصل الرابع، عنوان: لماذا لم يبق الإمام(عليه السلام) فى المدينة المنوّرة ؟ ص373 ـ 376.
(3) اللهوف: 128.
(4) الإرشاد: 201.






[154]



ذكرت بعض المصادر التأريخية: «أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر، وأمّره على الحاج وولاه أمر الموسم وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد ..».(1)
ويقول مصدر آخر: «وبعث ثلاثين من بني أميّة مع جمع وأمرهم أن يقتلوا الحسين».(2)
ويقول آخر: «إنهم جدّوا في إلقاء القبض عليه وقتله غيلة ولو وجد متعلّقاً بأستار الكعبة».(3)
ومن الوثائق التأريخية الكاشفة عن هذه الحقيقة رسالة ابن عباس الى يزيد والتي ورد فيها: «.. وما أنسَ من الأشياء، فلست بناس اطّرادك الحسين بن علي من حرم رسول الله الى حرم الله، ودسّك عليه الرجال تغتاله .. فأكبر من ذلك مالم تكبر حيث دسست عليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم ..».(4)
وفي هذا القدر من المتون التأريخية كفاية في الدلالة على خطة السلطة الأموية المركزية في الشام لإلقاء القبض على الإمام(عليه السلام) أو اغتياله في مكّة المكرّمة.





(1) مقتل الحسين(عليه السلام) للمقرّم: 165.
(2) تذكرة الشهداء: 69.
(3) الخصائص الحسينية: 32، طبعة تبريز.
(4) تأريخ اليعقوبي، 2: 248 ـ 249; والبحار، 45: 323 ـ 324; وفي تذكرة الخواص: 248 «أنسيت إنفاذ أعوانك الى حرم الله لقتل الحسين ..».






[155]






حركة السلطة الأموية المحليّة في البصرة



/ 31