مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مع الرکب الحسینی من المدینة الی المدینة - جلد 2

نجم الدین طبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


3) ـ ويلاحظ المتأمّل في جميع هذه المحاورات الأدب الجمّ والخلق السامي الذي تعامل به الإمام(عليه السلام) مع عبدالله بن الزبير، مع معرفته التامّة بما انطوى عليه ابن الزبير من بغض لأهل البيت(عليهم السلام)، فكان صلوات الله عليه يسارّه كما يسارّ الودود المخلص في وداده، ويحاوره كما يحاور الناصح الصادق في نصحه، ومع كلّ هذا الخلق العظيم فقد حرص الإمام(عليه السلام) في محاوراته مع ابن الزبير على أمرين هما:




[287]


الأوّل: التأكيد على حرمة استحلال البيت وانتهاك حرمته «إنّ أبي حدّثني أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها! فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش!» و«والله لئن أُقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليَّ من أن أُقتل داخلاً منها بشبر!» و«لأَن أُقتل وبيني وبين الحرم باعٌ أحبُّ إليَّ من أن أُقتل وبيني وبينه شبر!» و«لانستحلّها ولاتُستحلّ بنا، ولأن أُقتل على تل أعفر أحبّ إليَّ من أن أُقتل بها!»، ولايخفى على المتأمّل أنّ الإمام(عليه السلام) أراد من خلال هذا التأكيد أيضاً نهي ابن الزبير ألاّ يكون هو أيضاً ذلك الكبش القتيل إقامة للحجّة عليه، مع علمه(عليه السلام) بأنّ ابن الزبير هو ذلك المستحِلُّ لحرمة البيت الحرام!
الثاني: تأكيد الإمام(عليه السلام) على نفي أيّ ارتباط بينه وبين ابن الزبير، ويظهر حرص الإمام(عليه السلام) على ذلك كلّما أحسّ أنّ هناك من يراهما اثناء التحاور ويُنصت لهما،


حيث يكشف الإمام(عليه السلام)لأولئك المراقبين عن ما يسرّه إليه ابن الزبير، كمثل قوله(عليه السلام): «إنّ هذا يقول لي: كن حماماً من حمام الحرم...» وقوله(عليه السلام)كاشفاً عن أمنية ابن الزبير: «ها إنّ هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أخرج الى العراق...».


4) ـ ويلاحظ أيضاً أنّ الإمام(عليه السلام) أكّد لابن الزبير ولسامعيه الآخرين أنه لامحالة مقتول حيث قال(عليه السلام): «وأيمُ الله لو كنت في جحر هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم! والله ليعتدُنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت!»، كما أشار(عليه السلام) تلميحاً إلى مكان مصرعه في قوله: «ولأن أُقتل بالطفّ أحبّ إليّ من أن أُقتل بالحرم!» و«يا ابن الزبير، لأَن أُدفن بشاطيء الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن بفناء الكعبة!»، ولعلّ الإمام(عليه السلام) أراد بذلك إلقاء الحجّة


على ابن الزبير وعلى من كان يسمع تحاورهما بوجوب الخروج معه




[288]


لنصرته والجهاد بين يديه.


5) ـ ممّا لايخفى ـ على من له أدنى اطّلاع على تأريخ النهضة الحسينية ـ أنّ مشورات ونصائح ابن الزبير المتعارضة ـ وإن استمع إليها الإمام(عليه السلام) بأدبه السامي العظيم ـ لم يكن لها أيّ تأثير على الإمام(عليه السلام) الذي كان عارفاً بحقيقة مايستبطنه ابن الزبير من عداوة وبغضاء لآل محمّد(صلى الله عليه وآله)، وبكذب مايستظهره من نصح ومودّة لهم، ولذلك فلم يكن لرأي ابن الزبير أيّ أثر على حركة أحداث النهضة الحسينية لا من قريب ولا من بعيد.
من هنا حقَّ للمتأمّل أن يعجب كثيراً من سخيف ما ذهب إليه ابن أبي الحديد من أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) خرج الى العراق عملاً بنصيحة ابن الزبير له بذلك، فغشه!
يقول ابن أبي الحديد: «واستشار الحسين(عليه السلام)،


عبدالله بن الزبير وهما بمكّة في الخروج عنها، وقصد العراق ظانّاً أنه ينصحه، فغشّه، وقال له: لاتقم بمكّة، فليس بها من يبايعك، ولكن دونك العراق، فإنّهم متى رأوك لم يعدلوا بك أحداً، فخرج الى العراق حتى كان من أمره ما كان!».(1)
وأسخف من قول ابن أبي الحديد قول محمّد الغزالي في الدفاع عن ابن الزبير واستبعاده أن يكون ابن الزبير قد أشار على الإمام(عليه السلام) بالخروج الى العراق ليستريح منه، قائلاً: «فعبد الله بن الزبير أتقى للّه وأعرق في الإسلام من أن يقترف مثل هذه الدنيّة!».(2)




(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16:102.
(2) حياة الإمام الحسين بن عليّ(عليهما السلام): 2:311.




[289]



عبدالله بن عمر.. والمشورة المريبة !


تميّز عبدالله بن عمر(1) عن جميع وجهاء الأمّة وأعلامها من الرجال الذين




(1) عبدالله بن عمر بن الخطّاب العدويّ القرشيّ: وأمّه زينب بنت مظعون الجمحيّة، وقيل إنه ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي، ومات وله سبع وثمانون سنة، (راجع: الإصابة في معرفة الصحابة: 2: 338 رقم


4834)، وروي عن أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) أنه قال فيه: «.. لقد كان صغيراً وهو سيّء الخلق، وهو في كبره أسوأ خُلقاً!» (راجع: شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 4:9 و


10)، وكان شبقاً في شهوته الجنسية، فكان له وطيء على كلّ إفطار، وكان يفخر بذلك (راجع: سير أعلام النبلاء: 3:


223)، وكان أبوه يعرف هذا التهالك على الجنس فيه، حتى قال له ـ حين أستأذنه في الجهاد ـ أي بُنيّ إنّي أخاف عليك الزنا! (راجع: الغدير: 10:37 عن سيرة عمر بن الخطّاب لابن الجوزي: 115 أو


138)


، وكان يأكل الدجاج والفراخ والخبيص، ويلبس المطرف الخزّ ثمنه خمسمائة درهم (راجع: سير أعلام النبلاء: 3: 239 و


212).
وكان ابن عمر يُكثر الرواية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويُكثر في الفُتيا، ويُخطيء في كليهما أخطاءً فاحشة تكشف عن بلادة ذهنه وقلّة عقله وفقهه، وقد كشفت عائشة عن كثير من اشتباهاته في الرواية والفتيا (راجع: الغدير: 10: 37 ـ 58 / أخبار ابن عمر ونوادره)، ومن طريف ما يُروى في هذا ما أخرجه الطبراني من طريق موسى بن طلحة قال: بلغ عائشة أنّ ابن عمر يقول: إنّ موت الفجأة سخط على المؤمنين! فقالت: يغفر الله لابن عمر! إنّما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): موت الفجأة تخفيف على المؤمنين وسخط على الكافرين. (الغدير: 10:42 عن الاجابة للزركشي:


119)، وروى ابن عمر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ الميّت يُعذّب ببكاء أهله عليه! فقضت عائشة عليه بأنه لم يأخذ الحديث على وجهه: مرَّ رسول الله على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال(صلى الله عليه وآله)


: إنهم يبكون عليها وإنها تُعذَّب في قبرها.
وظنّ ابن عمر العذاب معلولاً للبكاء! وظنّ الحكم عامّاً على كلّ ميّت! (راجع: الغدير:10:43 عن كتاب الانصاف لشاه صاحب).
ويكفي ابن عمر جهلاً أنه ما كان يحسن طلاق زوجته، وقد عجر واستحمق (كما في صحيح مسلم 3:273 ح7 كتاب الطلاق) ولم يكُ يعلم أنّه لايقع إلاّ في طهر لم يواقعها فيه! وفي لفظ مسلم أنّه طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض (مسلم:3:


273) ولذلك لم يره أبوه أهلاً للخلافة بعدما كبر وبلغ منتهى الكهولة! إذ قال عمر ردّاً على رجل اقترح عليه أن يستخلف عبدالله بن عمر: قاتلك الله! واللّه ما أردت اللّه بها! أستخلف من لم يحسن أن يطلّق امرأته!؟ (راجع: تأريخ الطبرى 4:228 والكامل لابن الاثير: 2:


219) وكان ابن عمر يقول: لا اُقاتل في الفتنة وأصلّي وراء من غلب! (راجع: الطبقات الكبرى: 4:


149)،


فهو يرى شرعيّة الغالب بالقوّة وإن كان فاسقاً فاجراً عدوّاً لله ولرسوله كيزيد والحجّاج وأمثالهما! ومن المؤسف أنّ الفقه السنّي ـ الذي يعتبر ابن عمر فقيه الأمّة! ـ قد تبنّى هذه النظرة الخاطئة وكان ولايزال متأثّراً بها الى يومنا هذا.
وقال ابن حجر في (فتح البارى: 13:


47): «كان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أنّ إحدى الطائفتين محقّة والأخرى مبطلة!» وهذا مخالف لصريح القرآن في وجوب قتال الفئة التي تبغي! وقال ابن كثير في (تأريخه: 9:8 / حوادث سنة


74):


«كان ـ أي ابن عمر ـ في مدّة الفتنة لايأتي أميراً إلاّ صلّى خلفه! وأدّى إليه زكاة ماله!» فهو مع الأمير دائماً وإن كان ظالماً فاجراً!
لكنّ ابن عمر لم يلتزم بما ادّعى الإلتزام به من تلك المتبنيّات في موقفه من الأمير الحقّ عليّ(عليه السلام)، إذ لم يرَ شرعيته حتى بعد انتصاره في موقعة الجمل! ولم يبايعه وقعد عنه! ولمّا «دخل عبدالله بن عمر، وسعد بن أبي وقّاص، والمغيرة بن شعبة مع أُناس معهم، وكانوا قد تخلّفوا عن عليّ، فدخلوا عليه فسألوه أن يعطيهم عطاءهم ـ وقد كانوا تخلّفوا عن عليّ حين خرج الى صفيّن والجمل ـ فقال لهم عليّ: ما خلّفكم عني!؟ قالوا:


قُتل عثمان، ولاندري أحلُّ دمه أم لا؟ وقد كان أحدث أحداثاً ثمّ استتبتموه فتاب، ثمّ دخلتم في قتله حين قُتل، فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم؟ مع أنّا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين وسابقتك وهجرتك! فقال عليّ: ألستم تعلمون أنّ اللّه عزّ وجلّ قد أمركم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فقال: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء الى أمر الله؟ قال سعد: يا عليّ، اعطني سيفاً يعرف الكافر من المؤمن! أخاف أن أقتل مؤمناً فأدخل النار!. فقال لهم عليّ:


ألستم تعلمون أنَّ عثمان كان إماماً بايعتموه على السمع والطاعة، فعلام خذلتموه إن كان محسناً!؟ وكيف لم تقاتلوه إذ كان مسيئاً!؟ فإن كان عثمان أصاب بما صنع فقد ظلمتم إذ لم تنصروا إمامكم، وإن كان مسيئاً فقد ظلمتم إذ لم تعينوا من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدّونا بما أمركم الله به، فإنه قال: فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر اللّه. فردّهم ولم يعطهم شيئاً.» (وقعةصفين:


551).


ومن المضحك قول ابن عبدالبرّ في ابن عمر: «وكان رضى الله عنه لورعه قد أُشكلت عليه حروب عليّ رضى الله عنه وقعد عنه!» (الاستيعاب 3:


81) فإنّ ابن عمر الورع التقيّ هذا كان قد رفض أن يعطي أمير المؤمنين عليّاً(عليه السلام) حتى كفيلاً على شرطهِ ومدّعاه، إذ لمّا «أمر أمير المؤمنين بإحضار عبدالله بن عمر فقال له: بايع. قال: لا أبايع حتى يبايع جميع الناس!!
فقال له(عليه السلام): فاعطني حميلاً حتى تبرح! قال: ولا أعطيك حميلاً! فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، أَمِنَ هذا سوطك وسيفك فدعني أضرب عنقه! فقال: لست أريد ذلك منه على كره، خلّو سبيله. فلمّا انصرف قال أمير المؤمنين: لقد كان صغيراً وهو سيىء الخلق، وهو في كبره أسوأ خلقاً!» (شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 4:


9)،


ويتمادى ابن عمر في تمرّده وتطاوله حين يأمن سطوة أهل الحق، إذ «لمّا بايع الناس عليّاً، وتخلّف عبدالله بن عمر، وكلّمه في البيعة، أتاه في اليوم الثاني فقال: إنّي لك ناصح! إنّ بيعتك لم يرضَ بها كلُّهم، فلو نظرت لدينك ورددت الامر شورى بين المسلمين! فقال عليّ: ويحك! وهل كان عن طلب مني!؟ ألم يبلغك صنيعهم!؟ قم عنّي يا أحمق! ما أنت وهذا الكلام!؟» (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4:


10). ويُروى أنّ ابن عمر أظهر في أواخر عمره ندمه على عدم نصرته لأمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) في حروبه!! فكان يقول: ما أجدني آسى على شيء فاتني من الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل مع عليٍّ الفئة الباغية!! وفي لفظ آخر: ما آسى على شيء إلاّ تركي قتال الفئة الباغية مع عليّ رضي الله عنه!!


(راجع: الطبقات الكبرى: 4:187 والاستيعاب: 3:83 وأُسد الغابة: 3:342 والرياض النضرة: 3:


201).
ولو صحّ هذا الندم فلابدّ أنّ حصوله كان لمّا حضرت ابن عمر الوفاة حيث يندم المجرمون ولات ساعة مندم، ذلك لأنّه كان يصلّي أواخر عمره خلف الحجّاج في مكّة، وخطباء الحجّاج لعنه الله ولعنهم كانوا يسبّون عليّاً(عليه السلام) ويلعنونه! بل كان ابن عمر يصلّي أيضاً خلف نجدة بن عامر الخارجيّ! (راجع: الطبقات الكبرى: 4:149 والمحلّى: 4:


213).
وقد أذلّ الله ابن عمر وأذاقه وبال أمره ـ بإمتناعه عن مبايعة عليّ(عليه السلام) ـ إذ لمّا أراد أن يبايع لطاغية زمانه على يد ممثله الحجاج مدَّ إليه هذا المتجبّر رجله بدلاً من يده احتقاراً له، ثمّ سلّطه الله عليه فقتله وصلّى عليه! (راجع: الإستيعاب: 3:82 وأُسد الغابة: 3:230 وانساب


الأشراف 10:447 و


452).




[290]




[291]




[292]


التقوا مع الامام الحسين(عليه السلام) في مكّة المكرّمة وعرضوا عليه نصائحهم ومشوراتهم بموقفه الرافض لأصل القيام والنهضة! وبدعوته الإمام(عليه السلام) الى الدخول في ما دخل فيه الناس! وإلى مبايعة يزيد! والصبر عليه كما


صبر لمعاوية من قبل!
وكان هذا النهي عن القيام والخروج، والدعوة الى مبايعة يزيد، والدخول في ما دخل فيه الناس، خطّاً ثابتاً لابن عمر في لقاءاته الثلاثة(1) مع الإمام الحسين(عليه السلام)منذ ابتداء قيامه المبارك.
ولم يسجّل لنا التأريخ في الأيام المكيّة من عمر النهضة الحسينية شيئاً عن موقف ابن عمر من قيام الإمام(عليه السلام) سوى آرائه ومشوراته التي أبداها في المحاورة الثلاثية بينه وبين الإمام(عليه السلام) وبين ابن عباس (رض).
وقد نقلنا هذه المحاورة في حديثنا عن تحرّك ابن عبّاس (رض) مركّزين




(1) روى التاريخ ثلاثة لقاءات لعبد الله بن عمر مع الإمام(عليه السلام) منذ رفض الامام(عليه السلام) البيعة ليزيد، اللقاء الأوّل في الأبواء بين المدينة ومكّة، بين ابن عمر وابن عبّاس (أو ابن عيّاش) من جهة وبين ابن الزبير والامام(عليه السلام) من جهة (راجع: تأريخ ابن عساكر / ترجمة الامام الحسين(عليه السلام) / تحقيق المحمودى: 200 رقم


254)، وقد مرَّ في الجزء الاول من هذه الدراسة أنّ هذا اللقاء لم يقع لأنّ الامام(عليه السلام) وابن الزبير لم يجتمعا في الطريق بين المدينة ومكّة. أمّا اللقاء الثاني فهو في مكّة، وأمّا الثالث فهو بعد خروجه من مكّة كما في (تاريخ ابن عساكر / ترجمة الامام الحسين(عليه السلام) / تحقيق المحمودي: 192 ـ 193 رقم


246).




[293]


على نصوص التحاور بين الامام(عليه السلام) وبين ابن عباس (رض)، وننقلها هنا مركزّين على نصوص التحاور بين الامام(عليه السلام) وبين عبدالله بن عمر..
تقول الرواية التأريخية: «وأقام الحسين(عليه السلام) بمكّة باقي شهر شعبان ورمضان وشوّال وذي القعدة، وبمكّة يومئذ عبدالله بن عبّاس وعبدالله بن عمر بن الخطّاب، فأقبلا جميعاً حتى دخلا على الحسين(عليه السلام) وقد عزما على أن ينصرفا الى المدينة...
فقال له ابن عمر: أبا عبدالله، رحمك الله إتّق الله الذي إليه معادك! فقد عرفت من عداوة أهل هذا البيت لكم وظلمهم إيّاكم، وقد ولي الناس هذا الرجل يزيد بن معاوية! ولست آمن أن يميل الناس إليه لمكان هذه الصفراء والبيضاء فيقتلونك ويهلك فيك بشرٌ كثير، فإني قد سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)


وهو يقول: «حسين مقتول، ولئن قتلوه وخذلوه ولن ينصروه ليخذلهم الله الى يوم القيامة»، وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس، واصبر كما صبرت لمعاوية من قبل، فلعلّ الله أن يحكم بينك وبين القوم الظالمين!
فقال له الحسين(عليه السلام):
أبا عبدالرحمن! أنا أُبايع يزيد وأدخل في صلحه وقد قال النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيه وفي أبيه ما قال!؟
وهنا يتدخّل ابن عبّاس في الحوار ليصدّق قول الامام(عليه السلام)، ويروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: «مالي وليزيد! لابارك الله في يزيد! وإنه ليقتل ولدي وولد ابنتي الحسين(عليه السلام)، والذي نفسي بيده لايُقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلاّ خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم»، ثم يبكي ابن عبّاس، ويبكي معه الإمام(عليه السلام)ويسأله أليس يعلم أنّه ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فيشهد ابن عبّاس بذلك ويؤكّد




[294]


أنّ نصرة الامام(عليه السلام) فرض على هذه الأمّة كالصلاة والزكاة!
ثمّ يسأله الامام(عليه السلام) عن رأيه في الأمويين الذين أخرجوه عن حرم جدّه(صلى الله عليه وآله)وأرادوا سفك دمه بلا جُرم كان قد اجترحه، فيجيبه ابن عبّاس بأنّ هؤلاء قوم كفروا بالله ورسوله، وعلى مثلهم تنزل البطشة الكبرى، ثمّ يشهد ابن عبّاس أنّ من طمع في محاربة الامام(عليه السلام) والرسول(صلى الله عليه وآله) فماله من خلاق! وهنا يقول الامام(عليه السلام)«أللّهمّ اشهد!»، فيُدرك ابن عباس(رض) أنّ الامام(عليه السلام) قصده وابن عمر بطلب النصرة! فيبادر ابن عباس ويظهر استعداده لنصرة الامام(عليه السلام) والجهاد بين يديه، ويقول انه لا يوفّي بذلك عشر العشر من حقّه(عليه السلام)!
وهنا يُحرج ابن عمر لأنّه مقصود أيضاً بالخطاب!


فيتدخل ليحرف مسير الحوار عن الإتجاه الذي أراده الامام(عليه السلام) فيقول لابن عباس: مهلاً، ذرنا من هذا يا ابن عبّاس!
ثمّ أقبل ابن عمر على الحسين(عليه السلام) فقال: أبا عبدالله، مهلاً عمّا قد عزمت عليه، وارجع من هنا الى المدينة، وادخل في صلح القوم! ولاتغب عن وطنك وحرم جدّك رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا تجعل لهؤلاء الذين لاخلاق لهم على نفسك حجّة وسبيلا، وإن أحببت أن لاتبايع فأنت متروك حتى ترى برأيك، فإنّ يزيد بن معاوية عسى أن لايعيش إلاّ قليلاً فيكفيك اللّه أمره!
فقال الحسين(عليه السلام):
أُفٍّ لهذا الكلام أبداً مادامت السموات والأرض!، أسألك بالله يا عبدالله! أنا عندك على خطأ من أمري هذا؟ فإن كنتُ عندك على خطأ فردّني فإني أخضع وأسمع وأطيع!
فقال ابن عمر: أللّهمّ لا، ولم يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسوله على خطأ،




[295]


وليس مثلك من طهارته وصفوته من الرسول(صلى الله عليه وآله) على مثل يزيد بن معاوية باسم الخلافة، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف، وترى من هذه الأمّة ما لا تحب، فارجع معنا الى المدينة، وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبداً واقعد في منزل!
فقال الحسين(عليه السلام):
هيهات يا ابن عمر! إنّ القوم لايتركوني، إن أصابوني وإن لم يُصيبوني، فلا يزالون حتى أُبايع وأنا كاره، أو يقتلوني! أما تعلم يا عبدالله أنّ من هوان هذه الدنيا على الله تعالى أنه أُتي برأس يحيى بن زكريا(عليه السلام) الى بغيّة من بغايا بني إسرائيل والرأس ينطق بالحجّة عليهم؟ أما تعلم أبا عبدالرحمن أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كلهم كأنّهم لم يصنعوا شيئاً،


فلم يعجّل الله عليهم، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر! إتّقِ الله أبا عبدالرحمن ولا تدعنّ نصرتي! واذكرني في صلاتك! يا ابن عمر، فإن كان الخروج معي ممّا يصعب عليك ويثقل فأنت في أوسع العذر، ولكن لا تتركنّ لي الدُعاء في دبر كلّ صلاة، واجلس عن القوم، ولاتعجل بالبيعة لهم حتى تعلم الى ماتؤول الأمور!
ثمّ أقبل الامام(عليه السلام) على ابن عبّاس (رض) فأثنى عليه، ورخّصه بالمضيّ الى المدينة وأوصاه بمواصلته بأخباره، وأظهر(عليه السلام) أنه مستوطن الحرم ما رأى أهله يحبّونه وينصرونه، وأنه يستعصم بالكلمة التي قالها إبراهيم(عليه السلام) يوم أُلقي في النار (حسبي الله ونعم الوكيل) فكانت النار عليه برداً وسلاماً.




[296]


فبكى ابن عبّاس (رض) وابن عمر بكاءً شديداً، وشاركهما الامام(عليه السلام)بكاءهما ساعة ثمّ ودّعهما وصارا الى المدينة.(1)
تأمّل وملاحظات:


1) ـ سبق ان قلنا(2) أنّ ابن أعثم الكوفي كان قد تفرّد برواية نصّ هذه المحاورة المفصّلة في كتابه الفتوح، ونقلها عنه الخوارزمي في كتابه مقتل الحسين(عليه السلام)، والملفت للإنتباه أنّ هذا النص قد احتوى على عبارات متعارضة، وأخرى لاتنسجم مع نظرة أهل البيت(عليهم السلام) الى بعض أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) سواء في حياته(صلى الله عليه وآله) أو بعد رحلته، ومثال على المتعارضات قوله(عليه السلام) لابن عمر «إتّق اللّه أبا عبدالرحمن ولاتدعنّ نصرتي» وقوله بعد ذلك «فإن كان الخروج معي ممّا يصعب عليك ويثقل فأنت في أوسع العُذر!».


ومثال على الاخرى قوله: «فوالذي بعث جدّي محمداً(صلى الله عليه وآله) بشيراً ونذيراً لو أنّ أباك!»، وقوله «واذكرني في صلاتك!» وقوله «ولكن لا تتركنّ لي الدعاء في دبر كُلّ صلاة!».
والظنّ قويٌّ أنّ العبارة التي ترخّص لابن عمر في عدم نصرة الامام(عليه السلام)وتجعله في أوسع العذر! والعبارة التي تثني على بعض الصحابة بمالم يفعله (والوثائق التأريخية تؤكد خلاف ذلك!)، والعبارة التي تدّعي عناية الامام(عليه السلام)بصلاة ابن عمر أو بدعائه ـ على فرض صحة رواية هذه المحاورة أصلاً ـ قد





(1) راجع: الفتوح: 5:26 ـ 27 ومقتل الحسين(عليه السلام) / للخوارزمي: 1: 278 ـ 281، وقد روى بعضها السيد ابن طاووس (ره) في اللهوف: 102.
(2) راجع حاشية آخر هذه الرواية في عنوان (تحرّك عبدالله بن عباس) في أوائل هذا الفصل،ص231.




[297]


أُدخلت على أصل النصّ وأُقحمت عليه إقحاماً من قبل بعض الرواة أو النسّاخ من أجل تحسين صورة البعض على لسان الامام(عليه السلام)!!


2) ـ اعترف ابن عمر بأنّ نصرة الامام الحسين(عليه السلام) والإنضمام إليه واجب شرعيّ حين قال إنه سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «حسينٌ مقتول! ولئن قتلوه وخذلوه ولن ينصروه ليخذلهم الله يوم القيامة!».
ويتأكد لابن عمر هذا الواجب الشرعيّ المقدّس حين يسمع من ابن عباس أيضاً أنه سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول:
«مالي وليزيد!؟


لابارك الله في يزيد! وإنه ليقتل ولدي وولد ابنتي الحسين(عليه السلام)! والذي نفسي بيده لايُقتل ولدي بين ظهرانيّ قوم فلا يمنعونه إلاّ خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم!».
ويُلقي الامام(عليه السلام) الحجّة صريحة بالغة تامة على ابن عمر حيث يقول له:
«إتّقِ الله أبا عبدالرحمن ولا تدعنّ نصرتي!».
ومع كلّ هذا نرى عبدالله بن عمر يقعد ويتخلّف عن نصرة الامام الحسين(عليه السلام) عامداً بلا عُذر! ولايكتفي بذلك بل يلحُّ بإصرار على الامام(عليه السلام)ليترك القيام، ويرجع الى المدينة، ويدخل في صلح القوم!، ويصبر على يزيد!


3)


ـ ونلاحظ ابن عمر أيضاً يحاول ـ وكأنّه ناطق رسميّ أمويّ! ـ أن يوهم الامام(عليه السلام) بأنّ المتاركة بينه وبين يزيد أمرٌ ممكن، وأنّه لابأس على الامام(عليه السلام) إنْ ترك القيام حتى وإن لم يبايع! فيقول له: «وإن أحببت أن لا تبايع فأنت متروك حتّى ترى برأيك!»، ويقول: «وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبداً واقعد في منزل!».
تُرى هل كان ابن عمر مؤمناً حقّاً بإمكان هذه المتاركة!؟




[298]


كيف يكون مؤمناً بها وقد روى هو نفسه أنه سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «حسين مقتول!...» ويسمع ابن عباس أيضاً يروي عنه(صلى الله عليه وآله) بأنّ يزيد قاتل الحسين(عليه السلام)!؟
وإذا لم يكن مؤمناً بإمكان هذه المتاركة! فلماذا كان يصرّ على دعوى إمكانها وكأنّه ينطق عن لسان الحكم الأمويّ!؟
هل كان ابن عمر يريد ـ بلسان المشورة والنصيحة ـ أن يوقع الامام(عليه السلام) في شِباك صيد يزيد بعد نزع فتيل الثورة قبل اندلاعها!؟
وهل يستبعد المتأمّل ان يصدر هذا من ابن عمر!؟
لعلّ التأمّل في أبعاد الملاحظة التالية يكشف لنا عن الجواب!


4) ـ أكّد ابن عمر في هذه المحاورة اعترافه بعداوة الأمويين لأهل البيت(عليهم السلام)وبظلمهم إيّاهم! وبأنّ الأمويين وعلى رأسهم يزيد هم «القوم الظالمون»! وأنهم «لاخلاق لهم» عند الله! وأكّد على خوفه من أن يميل الناس إليهم طمعاً في ما عندهم من الذهب والفضة «الصفراء والبيضاء»!


/ 31