[ قال ( باب الحربي اذ الجأ إلى الحرم و كذا ) من وجب عليه الحد - قلت - مراده انه يقام عليه الحد في الحرم ثم استدل على ذلك يقوله عليه السلام ( اقتلوه يعنى ابن خطل و بتأمينه عليه السلام الناس الا أربعة ) ثم ذكر قوله عليه السلام في حديث أبى شريح ( فلا يحل لامرئ يؤمن بالله و اليوم الآخر ان يسفك بها دما و لا يعضدبها شجرة فان احد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقولوا ان الله اذن لرسوله ) ]
[ الحديث ثم حكى عن الشافعي انه قال ( انما معنى ذلك و الله أعلم انها لم يحلل ان ينصب عليها الحرب حتى تكون كغيرها فقد أمر النبي عليه السلام عند ما قتل عاصم بن ثابت و خبيب بقتل ابى سفيان في داره بمكة غيلة ان قدر عليه و هذا في الوقت الذي كانت فيه محرمة فدل انها لا تمنع احدا من شيء وجب عليه و انها انما تمنع من ان ينصب عليها الحرب كما ينصب على غيرها ) ثم ذكر البيهقي بعثه صلى الله عليه و سلم إلى ابى سفيان من يقتله و فى آخره ( ان عمرو بن أمية جاء إلى خبيب و هو مصلوب فانزله و اهال عليه التراب ) - قلت - ذكر شارح العمدة في حديث ابن خطل ان اباحته عليه السلام لقتله قد تمسك به في إباحة قتل الملتجئ إلى الحرم و يجاب عنه بانه محمول على الخصوصية التي دل عليها قوله صلى الله عليه و سلم
و لم تحل قبلى و لا تحل لاحد بعدي و انما أحلت لي ساعة من نهار - و قال في شرح حديث أبى شريح قوله عليه السلام فلا يحل لا مري يؤمن بالله و اليوم الآخر ان يسفك بها دما - يؤخذ منه امران - أحدهما - تحريم القتال لاهل مكة و هو الذي يدل عليه سياق الحديث و لفظه و قد قال بذلك بعض الفقهاء و فى التلخيص في أول كتاب النكاح في ذكر الخصائص لا يجوز القتال بمكة حتى لو تحصن جماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم فيها و حكى الماوردي ايضا ان من خصائص الحرم ان لا يجارب أهله ان بغوا على أهل العدل فقد قال بعض الفقهاء يحرم قتالهم بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة و يدخلوا في أحكام أهل العدل و قد قيل أن الشافعي اجاب عن الاحاديث بأن معناها
تحريم نصب القتال عليهم و قتالهم بما يعم كالمنجنيق و غيره إذا لم يمكن إصلاح الحال بدون ذلك بخلاف ما إذا تحصن الكفار في بلد آخر فانه يجوز قتالهم على كل وجه و بكل شيء و أقول هذا التأويل على خلاف الظاهر القوي الذي دل عليه العموم في النكرة في سياق النفي في قوله فلا يحل لامرئ يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يسفك بها دما و أيضا فان النبي صلى الله عليه و سلم بين خصوصيته باحلالها ساعة من نهار و قال فان احد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقولوا ان الله أذن لرسوله و لم يأذن لكم - فان هذا اللفظ يفيد أن المأذون لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيه لم يؤذن فيه لغيره و الذى أذن للرسول فيه انما هو مطلق القتال و لم يكن قتال النبي صلى الله عليه و سلم لاهل مكة بمنجنيق و غيره مما يعم كما حمل عليه الحديث في هذا التأويل و أيضا فان الحديث و سياقه يدل على ان هذ التحريم لاظهار حرمة المنفعة بتحريم مطلق القتال فيها و سفك الدم و ذلك لا يختص بما يستأصل و أيضا فتخصيص الحديث بما يستأصل ليس لنا دليل على تعيينة لان يجمل عليه الحديث فلو أن قائلا ابدى معنى آخر خص به الحديث لم يكن هذا أولى منه - الثاني ]
[ يستدل به أبو حنيفة رحمه الله في أن الملتجئ إلى الحرم لا يقتل به لقوله عليه السلام لا يحل لامرئ ان يسفك بها دما - و هذا عام يدخل فيه صورة النزاع انتهى كلامه و قد ذكر البيهقي ايضا خصوصيته عليه السلام بالقتل فيه فقال في الخصائص في كتاب النكاح باب دخوله الحرم بغير إحرام و القتل فيه ) ثم ذكر حديث ابن خطل و حديث أبى شريح و السند الذي خرج به البيهقي بعثه عليه السلام لابى سفيان سند ضعيف و على تقدير صحته ليس فيه ان ذلك كان عند ما قتل عاصم و خبيب كما ذكر الشافعي و ليس فيه ايضا انه أمر بقتله في داره بمكة كما ذكر الشافعي ايضا بل لفظه فان اصبتما منه غرة فاقتلاه - و فى مغازى محمد بن سعد ثم سرية كرز بن جابر إلى العرنيين في شوال سنة ست من مهاجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم سرية عمرو بن أمية الضمرى و سلمة بن اسلم إلى أبى سفيان بن حرب بمكة إلى آخره و لفظه ايضا ان اصبتمامنه غرة فاقتلاه - و
مقتل عاصم و خبيب كان في الثالثة فبينه و بين البعثة إلى أبى سفيان من البعد ما ترى و لم يذكر ابن سعد أن عمرا أنزل خبيبا و اهال عليه التراب كما في رواية البيهقي و كيف يترك هذه المدة الطويلة مصلوبا هذا بعيد جدا و ذكر الطحاوي في كتابه الكبير في اختلاف العلماء قول الشافعي أمر عليه السلام عند ما قتل عاصم و خبيب بقتل أبى سفيان إلى آخره ثم قال الطحاوي هذا الذي حكاه لم نجد له أصلا و لا ندرى عمن أخذه - ثم ذكر البيهقي في آخر هذه الباب اثرا عن ابن عباس إلى آخره ثم قال ( و هذا رأى منه تركناه بالظواهر التي وردت في اقامة الحدود دون تخصيص الحرم ) إلى آخره - قلت ذكر الطحاوي في كتابه المشكل حديث عبد الله بن عمرو كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
في سفر فنزلوا بقبر أبى رغال فقال كان امرءا من ثمود و كان منزله بالحرم فلما أهلك الله عز و جل قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم و انه خرج حتى إذا بلغ ههنا اصابته النقمة بهذا المكان - الحديث ثم قال و إذا كان الحرم يمنع في الجاهلية من العقوبات التي معها إتلاف الانفس كان في الاسلام من مثل ذلك امنع و شد ذلك ما روى عن ابن عباس - فذكر الاثر المذكور ثم قال وا روى عن ابن عمر أنه قال لو وجدت قاتل عمر في الحرم ماهجته - ثم قال و لا نعلم لاحد من الصحابة خلافا لهما و قوله تعالى و من دخله كان آمنا - يوجب ذلك و القرآن نزل بلغتهم و هم العالمون بما خوطبوا به انتهى كلامه و روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج سمعت ابن أبى حسين يحدث عن عكرمة بن خالد قال قال عمر لو وجدت فيه قاتل الخطاب مامسسته حتى يخرج منه - و رجال هذا السند على شرط الصحيح و فى اتصاله نظر و ابن أبى حسين اسمه عبد الله بن عبد الرحمن و ذكر ابن حزم هذا القول عن جماعة ثم قال فهؤلاء عمر و ابنه عبد الله و ابن عباس و أبو شريح و لا مخالف لهم من الصحابة و من التابعين عطاء و عبيد بن عمير و مجاهد و سعيد بن جبير و الزهري و يخبر بذلك عن علمائه و هم التابعون من أهل المدينة و يخبر أن السنة مضت بذلك و قوله تعالى و من دخله كان أمنا - ليس بخبر لان الكفرة قتلوا فيه فتعين انه امر انتهى
[ كلامه و تبين بهذا ان الذي ذهب اليه هؤلاء هو الموافق لظواهر الكتاب و السنة و آراء الصحابة نصا و دلالة و كيف يترك هذا كله ببعثه عليه السلام إلى أبى سفيان و هي واقعة عين محتملة للتأويل و بما قد قام الدليل على انه كان خاصا بالنبي عليه السلام - ]
[ قال ( باب ذبائح نصارى بني تغلب ) ]