و اما قصد الانتقاص فالظاهر اعتباره في مفهومها عرفا فمن ذكر عيب مريض عند الطبيب ليعالجه من قصد التعييب و الانتقاص لا يقال : انه اغتابه في العزف ، و تشهد له كلمات كثير من اللغويين كالصحاح و المجمع حيث فيهما : اغتابه اغتيابا : إذا وقع فيه فان معنى وقع فيه وقيعة : ان يذكره بسوء ففى المنجد : وقع في فلان : سبه و عابه و اغتابه ، و كنهاية ابن اثير و منتهى الارب و معيار اللغة و المنجد و صدر كلام القاموس و ما في ذيله و الغيبة فعلة منه تكون حسنة أو قبيحة : لا ينافي صدره ، لاحتمال ان يكون مراده تقسيم الغيبة إليهما فتكون الحسنة غيبة المتجاهر بقصد المنع عن المنكر مثلا بل لا يبعد ان يكون هذا ظاهر كلامه و لعله يرجع إلى كلام الطبرسي حيث قيد ذكر العيب بقوله : بوجه تمنع الحكمة ، أو ان يكون مراده ان لها معنيين أحدهما تعييبه و ذكره بالسوء و ثانيهما ذكره بما فيه من الحسن ، أو يكون مراده ان الغيبة عبارة عن تعييب غيره سواء كان التعييب بشيء قبيح أو حسن فإذا عابه بشيء و لو كان حسنا واقعا اغتابه ، بل لعل الاعتبار مقتضى كلام كل من قيده بما يكرهه من حيث ملازمة الاكراه نوعا للذكر في مقام الانتقاص و عدمه نوعا في غيره كمقام التلطف و الترحم و نحوهما و هو صريح التعريفين في رسالة الشهيد و المحكي عن البهائي بل مقتضى سائر التعاريف بناء على ظهور ما يكرهه في ذلك .
و كيف كان المتبادر من الغيبة اعتبار هذا القيد في مفهومها فيكون جميع الادلة التي علق فيها الحكم علي عنوانها ظاهرة فيه ، مضافا إلى ظهور جلها لو لا كلها مع الغض عما ذكر في اعتباره ، كآية تحريمها بمناسبة ذيلها فان الظاهر من أكل لحم الاخ هو ذكره على سبيل الانتقاص و هو الظاهر من جميع الروايات الواردة بهذا المضمون ، كما هو الظاهر من قوله : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الامن ظلم ( 1 ) فان ذكر السوء و الجهر به عبارة اخرى عن التعييب سيما مع استثناه من ظلم ، و قوله تعالى : ويل لكل همزة لمزة ( 2 ) كما عن أهل اللغة و التفسير و المتفاهم منهما
1 - سورة النساء - الاية 147 . 2 - سورة الهمزة - الاية 1 .