و هي ان اختلاق الكذب مقصورة على الذين لا يؤمنون بآيات الله من اختصاص بالكذب على الله تعالى و يؤكد التعميم قوله : و اولئك هم الكاذبون ، لظهوره في ان الكاذب مقصور على المؤمن و ان المؤمنين بآيات الله هم الكاذبون منحصرا ، فيظهر منه ان الكذب مطلقا من خواص المؤمن ، و لما كان في مقام تعظيم الكذب و تكبيره و لو بدعوى ان الكاذبين المؤمنين يفهم منه انه عظيمة كبيرة و الا لما صحت الدعوي .
وهنا احتمال آخر فيها و هو انها بصدد رد القائلين و إنشاء ذمهم لا الاخبار بامر واقعي حتى يحتاج في تصحيحها إلى التاول و الدعوى نظير ما نسب إلى زينب الكبرى ( ع ) في جواب عبيد الله لعنه الله حيث قال الحمد لله ( الخ ) " قالت : انما يفتضح الفاجر و هو غيرنا فانه ظاهر في انشاء الذم لا الاخبار عن واقعة و نظير قولك في رد من قال لك : أنت بخيل : ان البخيل من يأكل مال الناس فان ذلك رد قوله بإنشاء ذم بالجملة الخبرية لا الاخبار بان آكل مال الناس بخيل فيكون المقصود من قوله : انما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون رد قولهم بإنشاء ذم لهم .
وهنا احتمال ثالث و هو ان الاية بصدد ردهم بجملة إخبارية و هي ان الذين يقولون : بانك مفتر و يقولون : يعلمه بشرهم يفترون الكذب في انتساب الافتراء ، إليك و انهم الكاذبون ، و لا يبعد ان يكون الاحتمال الثاني اقرب إلى الذوق في المقام .
ثم انه لو سلم رجحان الاحتمال الاول و لو بضميمة الروايتين المتقدمتين ، يكون في دلالتها على حرمة الكذب مجال مناقشة لا مكان ان يكون المراد بدعوى قصر الكذب على المؤمن و نفى اتصاف المؤمنين به هو ان الكذب لما كان صفة خبيثة دنية يناسب ارذال الناس و المؤمن شريف كامل لا يناسب صدوره منه فسلب الصفة عنه ليس لكونه معصية كبيرة بل لكونه صفة ردية قبيحة قذرة لا تناسب مقام المؤمن و عليه لا تدل على كونه محرما نظير قوله : المؤمن لا يخلف الوعد ، و انه لفى شغل عن اللهو و المؤمنون عن اللغو معرضون إلى ذلك .