قادرا الا بقدرة ، و القدرة لا يصح بها فعل الاجسام . و انما قلنا " ان المحدث لا يصح أن يكون قادرا لنفسه " لانه لو جاز أن يكون الجسم قادرا لنفسه لوجب أن تكون الاجسام كلها قادرة لنفسها لانها متماثلة ، و المعلوم خلاف ذلك . و انما قلنا " ان القدرة لا يقع بها فعل جسم " لانا لو اجتهدنا كل الجهد أن نوجد جسما أو جوهرا لتعذر ذلك ، و لا وجه لتعذره الا أنه مقدور لنا و بذلك نفصل بين ما هو مقدور لنا و بين ما ليس بمقدور لنا . فبان بذلك أن من صح منه الجسم لا يكون الا قديما و لا يكون محدثا . و هو تعالى متكلم . و الطريق الذي يعلم كونه متكلما السمع ، لان العقل لا يدل عليه ، و انما يدل على أنه قادر على الكلام ، لانه جنس من الافعال و هو قادر على جميع الاجناس . و قد أجمع المتكلمون على أنه تعالى متكلم لا خلاف بينهم ، و إجماعهم حجة . و معلوم أيضا من دين النبي عليه السلام أنه تعالى متكلم ، و ان هذا القرآن كلام الله تعالى . فان قيل : السمع مستند إلى قول النبي عليه السلام ، و النبي بأي شيء يعلم أنه متكلم ؟ فان قلتم بسمع آخر أدى إلى ما لا نهاية له من المستمعين ، أو ينتهى إلى مسمع علم عقلا أنه متكلم ، و الا فما الجواب ؟ قيل : لا يمتنع أن يعلم النبي كونه متكلما بكلام يسمعه يتضمن بأنه كلام الله ، و يقترن بذلك علم معجز ، فيقطع على ذلك أنه كلامه و أنه متكلم . و يمكن أيضا أن يخلق الله تعالى فيه العلم الضروري بأنه ليس بكلام أحد من المخلوقين و قد تقرر في عقله أن المحدث لابد أن يكون له محدث ، فيعلم عند ذلك أنه كلامه القديم ، لانه لا واسطة بين القديم و المحدث ، و إذا بطل انه كلام محدث ثبت أنه كلام قديم .