شرح المحلی

ابن حزم الاندلسی

جلد 11 -صفحه : 432/ 371
نمايش فراداده

2289 حكم الخليطين من الاشربة

لانه يقول لنا لا تطيعوا هذا الامر من الله تعالى و لا من رسوله صلى الله عليه و آله فواجب علينا عصيان من أمر بذلك إلا أن يأتي نص جلي بين يشهد بأن هذا الامر منسوخ أو إجماع على ذلك أو بتاريخ ثابت مبين أن أحدهما ناسخ للآخر و أما نحن فان قولنا هو ان الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه و أكمله و نهانا عن اتباع الظن فلا يجوز البتة أن يرد نصان يمكن تخصيص أحدهما من الآخر و ضمه اليه الا و هو مراد الله تعالى منها بيقين و أنه لا نسخ في ذلك بلا شك أصلا و لو كان في ذلك نسخ لبينه الله تعالى بيانا جليا و لما تركه ملتبسا مشكلا حاش لله من هذا قال أبو محمد رحمه الله : فلم يبق الا أن يرد نصان ممكن أن يكون أحدهما مخصوصا من الآخر لانه أقل معاني منه و قد يمكن أن يكون منسوخا بالاعم و يكون البيان قد جاء بأن الاخص قبل الاعم بلا شك فهذا إن وجد فالحكم فيه النسخ و لا بد حتى يجئ نص آخر أو إجماع متيقن على أنه مخصوص من العام الذي جاء بعده ، برهان ذلك أن الله تعالى قال في كتابه : ( تبيانا لكل شيء ) و قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) و البيان بلا شك هو ما اقتضاه ظاهر اللفظ الوارد ما لم يأت نص آخر أو إجماع متيقن على نقله عن ظاهره فإذا اختلف الصحابة فالواجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد اليه اذ يقول : ( فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول ) الآية ، و قد صح أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتله في الرابعة و لم يصح نسخه و لو صح لقلنا به و لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه و آله 2289 مسألة الخليطين - قد ذكرنا فيما يحل و يحرم من الاشربة أن التمر و الرطب . و الزهو . و البسر . و الزبيب هذه الخمسة خاصة دون سائر الاشياء يحل أن ينبذ كل واحد منهما على انفراده و لا يحل أن ينبذ شيء منها مع شيء آخر لا منها و لا من سائرها في العالم و أنه لا يحل أن يخلط نبيذ شيء بعد طيبه أو قبل طيبه لا بشيء آخر و لا بنبيذ شيء آخر لا منها و لا من غيرها أصلا و أما ما عدا هذه الخمسة فجائز أن ينبذ منها الشيئان و الاكثر معا و أن يخلط نبيذ اثنين منها فصاعدا أو عصير اثنين فصاعدا و بينا السنن الواردة في ذلك فمن شرب من الخليطين المحرمين مما ذكرنا شيئا لا يسكر فقد شرب حراما كالدم و البول و لا حد في ذلك لانه لم يشرب خمرا و لا حد الا في الخمر لقول رسول الله صلى الله عليه و آله : " من شرب الخمر فاجلدوه " و للآثار الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جلد في الخمر ، و لقوله عليه السلام : " كل مسكر خمر " فان لم يكن خمرا فلا حد فيه و إنما فيه التعزير فقط لانه أتى منكرا ، و أما كل خليطين مما ذكرنا من ذلك إذا أسكر فهو خمر و على شاربه حد الخمر لما ذكرنا و بالله تعالى التوفيق