مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 9 -صفحه : 31/ 2
نمايش فراداده

(1)

( الجزء التاسع من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبية ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

(2)

بسم الله الرحمن الرحيم ( باب الكسوة ) ( قال ) رضى الله عنه و إذا حلف لا يشترى ثوبا ولانية له فاشترى كساء خز أو طيلسانا أو فروا أو قباء أو ذلك مما يلبس الناس حنث لان اسم الثوب حقيقة لهذا و ينطلق عليه عرفا و ان اشترى مسحا أو بساطا لم يحنث لان اسم الثوب لا يطلق عليه عادة و انما يطلق على ملبوس بني آدم و في الايمان للعادة عبرة و لو اشترى قلنسوة لم يحنث لانه ليس بثوب فالثوب ما يستر العورة و تجوز الصلاة فيه و كذلك لو اشترى خرقة لا تكون أى لا تبلغ نصف ثوب لان هذا لا يستر العورة و لا يتأدى به الكسوة في الكفارة و ان اشترى أكثر من نصف الثوب حنث لان اسم الثوب ينطلق على أكثر الثوب و لانه يستر عورته و كذلك ان اشترى ثوبا صغيرا حنث و مراده ما يكون ازارا أو سراويل يستر العورة و تجوز الصلاة فيه و كذلك لو حلف يلبس ثوبا فلو سمي ثوبا بعينه و لبس منه طائفة يكون أكثر من نصفه حنث لانه يسمى لابسا له ألا تري أن الانسان قد يلبس الرداء و بعض جوانبه على الارض و ان حلف لا يلبس ثوبا بعينه فاتخذ منه جبة و حشاها و لبسها حنث لانه جعل شرط حنثه لبس العين و عقد اليمين بإسم الثوب و الثوب باق بعد ما اتخذ منه الجبة فان لابس الجبة يسمى لابسا للثوب بخلاف ما لو حلف على قميص لا يلبسه أبدا فجعل منه قباء فلبسه لم يحنث لانه عقد اليمين بإسم القميص و لا يبقي هذا الاسم بعد ما جعله قباء ألا ترى أن لابس القباء لا يسمى لابسا للقميص و ان حلف لا يلبس من غزل فلانة شيئا فلبس ثوبا من غزلها حنث لان لبس الغزل هكذا يكون في العادة و في القياس لا يحنث لان الثوب الغزل ألا ترى أن من غصب غزلا فنسجه كان الثوب له و لكنه ترك هذا القياس للعرف فان أحدا لا يلف الغزل على نفسه هكذا و لو فعله لا يسمى لابسا ثوبا و انما يسمي لابسا للغزل و ان نوى الغزل بعينه قبل أن ينسج لم يحنث إذا لبسه

(3)

يعنى ثوبا لانه نوى حقيقة كلامه و ان حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها و غزل أخرى لم يحنث لان الذي من غزلها بعض الثوب و يستوى ان نسج غزلهما مختلطا أو غزل كل واحدة منهما في جانب على حدة و كذلك لو حلف لا يلبس ثوبا من نسج فلان أو من شراء فلان و هذا إذا كان فلان ذلك يباشر الشراء و النسج بيده فان كان ممن لا يفعل ذلك و انما ينسج له غلمانه و إجراؤه فهو حانث إذا لبس ثوبا نسجوه له لان مقصود الحالف معتبر في اليمين و ان حلف لا يلبس خزا فلبس ثوبا من هذا الذي يسميه الناس الخز حنث و ان لم يكن خالصا لان مطلق الاسم منصرف إلى ما هو المتعارف باعتبار ان العرف اصطلاح حادث طرأ على أصل اللغة و هو مقصود المتكلم عند الاطلاق و ان حلف لا يلبس حريرا أو ابريسما فلبس ثوب خز سداه حرير و أبريسم لم يحنث لان الثوب لا ينسب إلى سداه و انما ينسب إلى لحمته فان اللحمة هى التي تظهر دون السدا ألا ترى ان لبس الحرير حرام على الذكور ثم لا بأس بلبس العتابي و المصمت و ان كان سداه حريرا لان لحمته غزل و لو لبس ثوبا لحمته ابريسم أو حرير حنث عندنا بمنزلة ما لو كان حريرا كله ألا ترى أنه لا يحل للرجال لبسه و الشافعي يعتبر اللون و البريق فيقول ان كان الغالب عليه بريق الابريسم و لينه حنث و الا فلا و أشار الى الفرق بين هذا و بين الخز و لا معنى للفرق سوى العرف فان الناس يسمونه ثوب الخز و ان لم تكن لحمته خزا و لا يسمونه ثوب الحرير الا ان يكون حريرا كله أو يكون لحمته حريرا ( قال ) الا أن يعني سدا الثوب أو لحمته أو علمه فحينئذ يحنث إذا لبسه بتلك الصفة لانه شدد الامر على نفسه بنيته و ان حلف لا يلبس قطنا فلبس ثوب قطن حنث لان القطن هكذا يلبس و ان لبس قباء لبس بقطن و لكنه محشو بقطن لم يحنث لان القباء ينسب إلى الظهارة لا إلى الحشو و لا يسمى في الناس لابسا للحشو و انما يسمى لابسا للقباء المحشو فلا يحنث لكون حشوه قطنا الا أن يعنيه و ان حلف لا يلبس كتانا فلبس ثوبا من قطن و كتان حنث لانه قد لبس الكتان بخلاف ما لو كان حلف لا يلبس ثوب كتان لانه إذا سمى الثوب فشرط حنثه أن يكون جميعه كتانا و لم يوجد و إذا سمي الكتان فشرط حنثه و هو لبس الكتان قد وجد لانه يقال هذا ثوب قطن و كتان فان القطن و الكتان يستويان في اضافة الثوب إليهما فلا يصير منسوبا إلى أحدهما دون الآخر بخلاف الخز فانه يغلب على الابريسم في نسبة الثوب

(4)

اليه و بخلاف الابريسم مع الغزل فان الابريسم يغلب على الغزل في نسبة الثوب اليه حتى يسمى ملحما و ان كان سداه قطنا و ان حلف لا يلبس هذا القطن فجعله ثوبا فلبسه حنث لان القطن هكذا يلبس و الحاصل أنه بني هذه المسائل على معاني كلام الناس فلا يشكل على من يتأمل في كلام الناس و ان حلف لا يلبس ثوبا قد سماه بعينه فاتزر به أو ارتدى أو اشتمل به حنث و القميص و غيره فيه سواء بخلاف ما لو قال لا ألبس قميصا فاتزر بقميص أو ارتدى به فانه لا يحنث في القياس في الفصلين سواء و لكنه استحسن الفرق بينهما بناء على الحرف الذي بينا أن الوصف في المعين معتبر و في المعين لا يعتبر انما يصير معلوما بوصفه ثم لبس القميص بصفة مخصوصة متعارف و الثابت بالعرف كالثابت بالنص و إذا لم يعين القميص انصرفت يمينه إلى اللبس بالصفة المعروفة فإذا اتزر به أو ارتدي به لم يحنث الا ترى انه لو قال ما لبست اليوم قميصا كان صدقا و اما في المعين لا يعتبر الوصف فعلى أي وجه لبسه كان حانثا الا ترى انه لو قال ما لبست هذا القميص و قد اتزر به كان كاذبا و ان لبس قميصا ليس له كمان حنث في يمينه لانه يسمى قميصا و ان لم يكن له كم لان القميص كالدرع و قد يشتري الرجل لدرعه كمين فعرفنا ان القيص و الدرع ينسب إلى البدن فلا ينعدم الاسم بعدم الكمين كالرجل يسمى رجلا و ان لم يكن له يدان و ان حلف لا يلبس ثوبا فوضعه على عاتقه يريد به الحمل لا يحنث لانه حامل حافظ لا مستعمل لابس الا تري ان الامين إذا فعل ذلك بالامانة لم يضمن و ان نوى نوعا من الثياب دين فيما بينه و بين الله تعالى و لم يدين في الحكم لانه نوى التخصيص في اللفظ العام و ان حلف لا يلبس من ثوب فلان شيئا و هو ينوي ما عنده فاشترى فلان ثيابا فلبس منها لم يحنث لان المنوي من محتملات لفظه فانه عقد يمينه على فعل في ملك مضاف إلى فلان و نوى حقيقة الاضافة في الحال فتصح نيته و يجعل مانوي كالملفوظ به و لو حلف لا يكسو فلانا شيئا و لا نية له فكساه قلنسوة أو خفين أو نعلين أو جوربين حنث لان الكسوة عبارة عن التمليك و ما ملكه شيء فيتم شرط حنثه بخلاف ما لو حلف لا يكسوه ثوبا فان الثوب ما يكون ساترا لبدنه و ذلك لايوجد في الخف و القلنسوة و لهذا لا تتأدى بهما الكسوة في الكفارة و لو حلف لا يكسوه ثوبا فأعطاه دراهم فاشتري بها ثوبا لم يحنث لان ما كساه الثوب و انما وهب له الدراهم و أشار عليه بمشورة و الموهوب له بالخيار ان شاء اشترى بها ثوبا و ان شاء غيره فلو أرسل اليه بثوب كسوة

(5)

حنث لانه قد كساه فان فعل رسوله كفعله فان نوى أن يعطيه من يده إلى يده لم يحنث لانه نوي حقيقة كلامه و ان حلف لا يلبس سلاحا فتقلد سيفا أو تنكب قوسا أو ترسا لم يحنث لانه لا يسمى في الناس لابسا و انما يسمى متقلدا للسيف أو حاملا للسلاح أو معلقا له على نفسه و لو لبس درع حديد حنث لانه يسمى به لابسا للسلاح و لو حلف لا يلبس درعا فلبس درع حديد أو درع إمرأة حنث لان اسم الدرع تناولهما حقيقة و عادة فان عني أحدهما فقد نوي التخصيص في اللفظ العام و ذلك صحيح فلا يحنث الا بلبس ما عنى و ان حلف لا يلبس شيئا فلبس درع حديد أودع إمرأة أو خفين أو قلنسوة حنث في كل ذلك لانه عقد يمينه على فعل اللبس في محل هو شيء و اسم الشيء يتناول هذا كله و فعل اللبس يوجد في كلها فلهذا حنث و الله سبحانه و تعالى أعلم بالصواب ( باب القضاء في اليمين ) ( قال ) و إذا حلف ليعطين فلانا ماله رأس الشهر أو عند الهلال ولانية له فله الليلة التي يهل فيها الهلال و يومها كلها لان الشهر جزء من الزمان يشتمل على الليل و النهار و رأس كل شهر أوله فأول الليلة و أول اليوم من الشهر يكون رأس الشهر ألا تري ان في العرف يقال اليوم رأس الشهر و انما أهل البارحة و عند عبارة عن القرب و ذكره في المعنى و ذكر الرأس سواء و ان حلف ليعطينه حقه صلاة الظهر فله وقت الظهر كله لان الصلاة تذكر بمعنى الوقت قال عليه الصلاة و السلام ان للصلاة أولا و آخرا و المراد الوقت و لان الاعطاء انما يكون في الزمان لافي الصلاة فعرفنا ان مراده الوقت و ان قال عند طلوع الشمس أو حين تطلع الشمس فهو إلى أن تبيض لان صاحب الشرع نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس ثم النهى يمتد إلى أن تبيض و ان قال ضحوة فوقت الضحوة من حين تبيض الشمس إلى أن تزول و ان قال مساء فالمساء مساء ان أحدهما بعد الزوال و الآخر بعد غروب الشمس فايهما نوي صحت نيته و ان قال سحرا فوقت السحر مما بعد ذهاب ثلثي الليل إلى طلوع الفجر الثاني فان لم يعطه حتى مضى الوقت ا لدى سماه حنث لفوات شرط البر و ان قال يوم كذا فله ذلك اليوم كله فإذا غابت الشمس قبل أن يعطيه حنث لان اليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ألا ترى أن صوم اليوم يتأدي بوجود الامساك في هذا القدر و ان أعطاه قبل

(6)

مجئ الوقت المسمى أو وهبه له أو أبرأه منه ثم جاء الوقت و ليس عليه شيء لم يحنث في قول أبى حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى لما بينا أن اليمين المؤقتة انما تنعقد موجبا في آخر الوقت المسمى و عند ذلك لاحق له عليه و في مثله لا ينعقد اليمين عند أبى حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى خلافا لابى يوسف رحمه الله تعالى و لو مات أحدهما قبل مضى الوقت لم يحنث لان شرط حنثه ترك فعل الاداء في آخر ذلك الوقت اليه و لا يتحقق ذلك إذا مات أحدهما قبله و كذلك لو قضي إلى وكيل الطالب بر لان دفعه إلى وكيل الطالب كدفعه إلى الطالب و ان حلف لا يعطيه حتى يأذن له فلان فمات فلان قبل أن يأذن له فأعطاه لم يحنث في قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى و يحنث في قول أبى يوسف رحمه الله لانه عقد يمينه على فعل الاعطاء و جعل لذلك غاية و هو اذن فلان فبموت فلان تفوت الغاية و ذلك يوجب صيرورة اليمين مطلقة لاطلاقها و اذن فلان كان مانعا من الحنث فبفواته يتحقق اتحاد شرط الحنث و لا ينعدم و هما يقولان المعقود عليه حرمة الدفع إلى غاية و هو اذن فلان و قد فات اذنه بموته فيفوت المعقود عليه و العقد لا يبقي بعد فوات المعقود عليه توضيحه أنها لو بقيت بقيت حرمة الدفع مطلقا لا مؤقتا و هذا المطلق لم يكن ثابتا بيمينه فلا يثبت من بعد و لانه جعل شرط حنثه ترك الاستئذان من فلان قبل الاعطاء و ذلك لا يتحقق بعد موت فلان فمن هذا الوجه يفوت شرط الحنث بموت فلان و ان حلف ليقضين فلانا ماله و فلان قد مات و هو لا يعلم به لم يكن عليه حنث في يمينه و ان كان يعلم بموته حين حلف حنث و كذلك لو حلف ليضربنه أو ليكلمنه أو ليقتلنه و هذا قول أبي حنيفة و محمد و قال أبو يوسف رضوان الله عليهم أجمعين يحنث علم أو لم يعلم لانه أضاف اليمين إلى محلها فانعقدت ثم شرط البر فات منه و فوات شرط البر يوجب الحنث كما لو كان عالما بموته أو كان حيا فمات قبل أن يقتله و بيان الوصف أن محل اليمين خبر في المستقبل سواء كان الحالف قادرا عليه أو عاجزا عنه ألا ترى أنه لو قال و الله لا مسن السماء أو لاحولن هذا الحجر ذهبا انعقدت يمينه لانه عقدها على خبر في المستقبل و ان كان هو عاجزا عن إيجاده فهذا مثله و أبو حنيفة و محمد رحمهما الله قالا محل اليمين المعقودة خبر فيه رجاء الصدق لانها تعقد للحظر أو للايجاب أو لاظهار معني الصدق و ذلك لا يتحقق فيما ليس فيه رجاء الصدق فلا تنعقد أصلا كاليمين الغموس ثم إذا كان لا يعلم بموته فمقصوده أزهاق روح موجودة فيه وقت