مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 9 -صفحه : 31/ 16
نمايش فراداده

(98)

نفسه بالاسباب الموجبة للعقوبة و لان ما يلحقه من الضرر في ذلك فوق ما يلحق المولى فلانتفاء التهمة حكمنا بصحة إقراره بخلاف الاقرار بالمال ( قال ) و لا يؤخذ الاخرس بحد الزنا و لا بشئ من الحدود و ان أقربه بإشارة أو كتابة أو شهدت به عليه شهود و عند الشافعي رحمه الله تعالى يؤخذ بذلك لانه نفس مخاطبة فهو كالاعمى أو أقطع اليدين أو الرجلين و لكنا نقول إذا أقربه بالاشارة فالإِشارة بدل عن العبارة و الحد لا يقام بالبدل و لانه لابد من التصريح بلفظه الزنا في الاقرار و ذلك لايوجد في اشارة الاخرس انما الذي يفهم من اشارته الوطء فلو أقر الناطق بهذه العبارة لا يلزمه الحد فكذلك الاخرس و كذلك ان كتب به لان الكتابة تتردد و الكتابة قائمة مقام العبارة و الحد لا يقام بمثله و كذلك ان شهدت الشهود عليه بذلك لانه لو كان ناطقا ربما يدعى شبهة تدرأ الحد و ليس كل ما يكون في نفسه يقدر على إظهاره بالاشارة فلو أقمنا عليه كان اقامة الحد مع تمكن الشبهة و لا يوجد مثله في الاعمى و الاقطع لتمكنه من اظهار دعوى الشبهة و الذى يجن و يفيق في حال افاقته كغيره من الاصحاء يلزمه الحد بالزنا في هذه الحالة سواء أقربه أو شهد عليه الشهود و ان قال زنيت في حال جنونى لم يحد لانه أضاف الاقرار إلى حالة معهودة و هو ليس بأهل لالتزام العقوبة في تلك الحالة لكونه مرفوع القلم عنه فهو كالبالغ إذا قال زنيت و أنا صبي و كذلك الذي أسلم إذا أقر أنه كان يزني في دار الحرب لانه أضاف الاقرار إلى حالة تنافي التزام العقوبة بالزنا في تلك الحالة فانه لم يكن تحت ولاية الامام و لا كان ملتزما حكم الاسلام ( قال ) و ان أقر المجبوب بالزنا لا يحد لانا نتيقن بكذبه فالمجبوب ليس له آلة الزنا فالتيقن بكذبه أكثر تأثيرا من رجوعه عن الاقرار ( قال ) و ان أقر الخصى بالزنا أو شهدت به عليه الشهود حد لان للخصى آلة الزنا و انما ينعدم بالخصي الانزال و ذلك معتبر في إتمام فعل الزنا فيلزمه من الحد ما يلزم الفحل و ان قال العبد بعد عتقه زنيت و انا عبد لزمه حد العبيد لانه مصدق في اضافة الاقرار إلى حالة الرق لكونها حالة معهودة فيه ثم الثابت بإقراره كالثابت بالمعاينة و لو عايناه زنى في حالة رقه ثم عتق كان عليه حد العبيد فهذا مثله ( قال ) و إذا أقر الرجل أربع مرات أنه زنى بفلانة و قالت كذب ما زنى بي و لا أعرفه لم يحد الرجل في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله تعالى يحد لحديث سهل بن سعد ان رجلا أقر بالزنا بإمرأة و أنكرت فحده رسول الله صلى الله عليه و سلم و لان الزنا

(99)

فعلان من الزانيين ؟ و فعل كل واحد منهما يظهر بإقراره موجبا للحد عليه فانكارها لا يؤثر في إقراره و أكثر ما فيه أنه يمتنع بإنكارها ظهور الزنا في حقها و ذلك لا يمنع وجوب الحد على الرجل كما لو كانت حاضرة ساكتة أو غائبة و كما لو قالت زنا بي مستكرهة يجب الحد عليه و ان لم يجب عليها و أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول فعل الزنا من الرجل لا يتصور بدون المحل و بانكارها قد انتفي في جانبها فينتفي في جانبه أيضا ألا ترى أنه لو انتفي صفة الزنا في جانبها بدعوى النكاح سقط الحد عنهما فإذا انتفي أصل الفعل أولى و هذا لان القاضي لا يتمكن من القضاء عليه بالزنا بها مع إنكارها ألا ترى انها تبقي محصنة لا يتمكن من القضاء عليه بالزنا بغيرها لانه لم يقر بذلك و بدون القضاء بالزنا لا يتمكن من اقامة الحد و في الغائبة قياس استحسان و الفصل المستحسن لا يدخل على طريقة القياس ثم بغيبتها و استكراهها لا ينتفى الفعل في جانبها و بانكارها ينتفى ألا تري أن من أقر لانسان بشيء و كذبه بطل إقراره حتى لو صدقه بعد ذلك لم يصح و لو كان غائبا أو حاضرا ساكتا لم يبطل به الاقرار حتى إذا صدقه عمل بتصديقه و هذا بخلاف ما إذا قالت زنى بي مستكرهة لان المحلية وأصل الفعل هناك قد ظهر في حقها و لهذا سقط إحصانها به و حديث سهل بن سعد قد ضعفه أهل الحديث ثم تأويل الحديث أنها أنكرت و طالبته بحد القذف فحده رسول الله صلى الله عليه و سلم بقذفه إياها بالزنا لا بإقراره بالزنا على نفسه و على هذا لو أقرت إمرأة أنه زنى بها فلان أربع مرات و أنكر الرجل فهو على الخلاف الذي بينا في اقامة الحد عليها و كلام أبي حنيفة رحمه الله تعالى هنا أظهر لان المباشر للفعل هو الرجل فلا يثبت أصل الفعل مع إنكاره و ان قال الرجل صدقت حدت المرأة و لم يحد الرجل لانه بالتصديق صار مقرا بالزنا مرة واحدة و قد بينا ان بالاقرار الواحد لا يقام الحد ( قال ) الحربي المستأمن في دارنا إذا أقر بالزنا أربع مرات لا يقام عليه الحد و قد بينا الخلاف في هذا في البينة فكذلك في الاقرار و علل في الاصل فقال بأنه لا يؤخذ منه الخراج و معناه ان الجزية تؤخذ من أهل الذمة حقا لله تعالى ثم لا تؤخذ من المستأمن عرفنا انه لا يجرى عليه ما هو خالص حق الله تعالى ( قال ) و إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فزنى هناك بمسلمة أو ذمية ثم خرج إلى دار الاسلام فأقر به لم يحد و هذا عندنا و قال الشافعي يحد لان المسلم ملتزم لاحكام الاسلام حيث ما كان و من أحكام الاسلام وجوب الحد على الزان و لكنا نستدل بقوله صلى الله عليه و سلم لا تقام الحدود

(100)

في دار الحرب و المعنى فيه ان الوجوب لايراد لعينه بل للاستيفاء و قد انعدم المستوفي لانه لا يملك اقامة الحد على نفسه و ليس للامام ولاية على من في دار الحرب ليقيم عليه الحد فامتنع الوجوب لانعدام المستوفي و إذا لم يجب عليه حين بأشر السبب لا يجب بعد ذلك و ان خرج إلى دارنا ( قال ) و كذلك سرية من المسلمين دخلت في دار الحرب فزنى رجل منهم هناك أو كانوا عسكرا لان أمير العسكر و السرية انما فوض اليه تدبير الحرب و ما فوض اليه اقامة الحدود و أما إذا كان الخليفة غزا بنفسه أو كان أمير مصر يقيم الحدود على أهله فإذا غزا بجنده فانه يقيم الحدود و القصاص في دار الحرب لان أهل جنده تحت ولايته فمن ارتكب منهم منكرا موجبا للعقوبة يقيم عليه العقوبة كما يقيمها في دار الاسلام هذا إذا زنى في المعسكر و أما إذا دخل دار الحرب و فعل ذلك خارجا من المعسكر لا يقيم عليه الحد بمنزلة المستأمن في دار الحرب ( قال ) و لا حد على من زنى أو شرب الخمر في معسكر أهل البغي منهم و لا من كان تاجرا من أهل العدل nو أسرائهم فيه لان يد امام أهل العدل لا تصل إليهم لمنعة أهل البغي و ولايته في الاستيفاء منقطعة لقصور يده و قد بينا أن الوجوب للاستيفاء فإذا انعدم المستوفي امتنع الوجوب كما لو فعل ذلك في دار الحرب و ان كان خروجه من دار الحرب أو من عسكر أهل البغى بعد تطاول المدة فلا اشكال في أنه يدرأ العقوبة إذا تطاولت المدة في حد الشرب سواء ثبت بالاقرار أو بالبينة و في حد الزنا إذا ثبت بالبينة ( قال ) و يقام الحد على العبد إذا أقر بالزنا أو بغيره مما يوجب الحد و ان كان مولاه غائبا و كذلك القطع و القصاص لان الوجوب عليه باعتبار النفسية في محل لاحق للمولى فيه فان حق المولى في المالية و قد بينا أنه في حكم النفسية هو و الحر سواء و أبو حنيفة و محمد رحمهما الله تعالى يفرقان بين حجة البينة و الاقرار باعتبار ان للمولى حق الطعن في البينة دون الاقرار و ان الاقرار موجب للحق بنفسه و البينة لا توجب الا بالقضاء و قد قررناه في الآبق ( قال ) و إذا وجب على المريض حد من الحدود في زنا أو شرب أو سرقة حبس حتى يبرأ لما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أمر عليا رضى الله عنه بإقامة حد على أمة فرأى بها أثر الدم فرجع و لم يقم عليها و لم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم و انما يحمل هذا على أن أثر الدم بها كان نفاسا لا حيضا لان الحائض بمنزلة الصحيحة في اقامة الحد عليها و النفساء بمنزلة المريضة و لانه لو أقام الحد على المريض ربما ينضم ألم الجلد

(101)

إلى ألم المرض فيؤدى إلى الاتلاف و الحد انما يقام على وجه يكون زاجرا لا متلفا و الذى روى أن النبي صلى الله عليه و سلم أقام الحد على مريض تأويله انه وقع اليأس عن برئه و استحكم ذلك المرض على وجه يخاف منه التلف و عندنا في مثل هذا يقام عليه الحد تطهيرا و هذا إذا لم يكن الحد رجما فاما الرجم يقام على المريض لان إتلاف نفسه هناك مستحق فلا يمتنع أقامته بسبب المرض ( قال ) رجل ثبت عليه بإقراره الزنا و السرقة و شرب الخمر و القذف و فقء عين رجل فانه يبدأ بالقصاص في الفقء لانه محض حق العباد و حق العبد مقدم في الاستيفاء لما يلحقه من الضرر بالتأخير لانه يخاف الفوت و الله تعالى يتعالى عن ذلك ثم إذا بري من ذلك أخرجه و أقام عليه حد القذف لانه مشوب بحق العباد فيقدم في الاستيفاء على ما هو محض حق الله تعالى و هذا لان المقصود من اقامة حد القذف دفع العار عن المقذوف فلهذا يبدأ به قبل حد الزنا و الشرب و إذا بري من ذلك فهو بالخيار ان شاء بدأ بحد الزنا و ان شاء بدأ بحد السرقة لان كل واحد منهما محض حق الله تعالى و هو ثابت بنص يتلي و يجعل حد شرب الخمر آخرها لانه أضعف من حيث أنه لا يتلي في القرآن و قد بينا ذلك و كلما أقام عليه حدا حبسه حتى يبرأ ثم أقام الآخر لانه ان و إلى اقامة هذه الحدود ربما يؤدي إلى الاتلاف و قد بينا أنه مأمور بإقامة الحد علي وجه يكون زاجرا لا متلفا و لكنه يحبس لانه لو خلى سبيله ربما يهرب فلا يتمكن من اقامة الحد الآخر عليه و يصير مضيعا للحد و الامام منهى عن تضييع الحد بعد ظهوره عنده و ان كان محصنا اقتص منه في العين و ضربه حد القذف لما فيهما من حق العباد ثم رجمه لان حد السرقة و الشرب محض حق الله تعالى و متى اجتمعت الحدود لحق الله تعالى و فيها نفس قتل و ترك ما سوى ذلك هكذا نقل عن ابن مسعود و ابن عباس رضى الله عنهم و المعنى فيه ان في الحدود الواجبة لله تعالى المقصود هو الزجر و أتم ما يكون من الزجر باستيفاء النفس و الاستيفاء بما دونه اشتغال بما لا يفيد فلهذا رجمه و درأ عنه ما سوى ذلك الا أنه يضمنه السرقة لان الضمان قد وجب عليه بالاخذ و انما يسقط لضرورة استيفاء القطع حقا لله و لم يوجد ذلك فلهذا يضمنه السرقة و يأمر بايفائها من تركته ( قال ) و لا يقام حد في المسجد و لا قود و لا تعزير لما فيه من و هم تلويث المسجد و لان المجلود قد يرفع صوته و قد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رفع الصوت في المسجد بقوله صلى الله عليه و سلم جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و رفع

(102)

أصواتكم و لكن القاضي يخرج من المسجد إذا أراد اقامة الحد بين يديه كما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث الغامدية أو يبعث أمينا ليقام بحضرته كما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم في ماعز ( قال ) و إذا زنى الرجل مرات أو قذف مرات أو سرق مرات أو شرب مرات لا يقام عليه الا حد واحد لان مبنى الحدود على التداخل لما أن المقصود بها الزجر و ذلك يحصل بحد واحد و لان المقصود اظهار كذب القاذف لدفع العار عن المقذوف و ذلك يحصل بإقامة حد واحد و لان المغلب في حد القذف حق الله تعالى عندنا على ما نبينه في بابه ( قال ) و ليس على واطي البهيمة حد عندنا و لكنه يعزر و من الناس من أوجب عليه الحد لحديث روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من أتى بهيمة فاقتلوه و لكن الحديث شاذ لا يثبت الحد بمثله و لو ثبت فتأويله في حق من استحل ذلك الفعل ثم ليس لفرج البهيمة حكم الفرج حتى لا يجب ستره و الايلاج فيه بمنزلة الايلاج في كوز أوكوة و لهذا قلنا أنه لا تنتقض طهارته بنفس الايلاج من إنزال و لان الحد مشروع للزجر و لا يميل طبع العقلاء إلى اتيان البهيمة فانها ليست بمشتهاة في حق بني آدم و قضاء الشهوة يكون من غلبة الشبق أو فرط السفه كما يحصل قضأ الشهوة بالكف و الالية و لكنه يعذر لارتكابه ما لا يحل ( قال ) في الاصل بلغنا عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه أتى برجل أتى بهيمة فلم يحده و أمر بالبهيمة فذبحت و أحرقت بالنار و هذا ليس بواجب عندنا و تأويله أنه فعل ذلك كيلا يعير الرجل به إذا كانت البهيمة باقية ( قال ) لو قذف قاذف رجلا بإتيان البهيمة فلا حد عليه لان القاذف انما يستوجب الحد إذا نسبه إلى فعل يلزمه الحد بمباشرته و ذلك موجود هنا ألا ترى أنه لو قذفه بوطء الميتة أو تقبيل الحرام لا يجب الحد فكذلك إذا قذفه بإتيان البهيمة ( قال ) و ان قذفه بعمل قوم لوط لم يحد الا أن يفصح معناه إذا قال يالوطى لاحد عليه بالاتفاق لانه نسبه إلى نبى من أنبياء الله تعالى فلا يكون هذا اللفظ صريحا في القذف فأما إذا أفصح بنسبته إلى ذلك الفعل فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يعزر و لا يحد لانه نسبه إلى فعل لا يلزمه الحد بذلك الفعل عنده و عندهما يلزمه حد القذف لانه نسبه إلى فعل يستوجب بمباشرته الحد عندهما ( قال ) و من وطي إمرأة في نكاح فاسد ثم قذفه رجل لا حد عليه لانه ارتكب وطءا حراما مملوك فيسقط به إحصانه ( قال ) و لا ينبغي للقاضي أن يلقن الشهود ما تتم به شهادتهم في الحدود

(103)

لانه مأمور بالاحتيال لدرء الحد لا لا قامته و فى هذا احتيال لاقامة الحد فلا يكون للقاضي أن يشتغل به ( قال ) و ينبغي للقاضي إذا أشكل عليه شيء أن يسأل من هو أفقه منه و لا يسعه الا ذلك لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون و قال صلى الله عليه و سلم هلا سألوه إذا لم يعرفوه و انما شفاء العى السوأل و لانه مأمور بالقضاء بحق و لا يتصل إلى ذلك فيما أشكل عليه الا بالسؤال فلا يسعه الا ذلك فان أشار عليه ذلك الذي هو أفقه منه في رأى نفسه بما هو خطأ عند القاضي فعليه أن يقضي بما هو الصواب عنده إذا كان يبصر وجوه الكلام لانه مأمور شرعا بالاجتهاد إذا كان مستجمعا شرائطه و لا يحل للمجتهد أن يدع رأيه برأى غيره و ان كان أفقه منه فقد يسبق وجه الصواب في حادثة لانسان و يشتبه على غيره و ان كان أفقه منه و ان ترك رأيه و عمل بقول ذلك الفقية كان موسعا عليه أيضا لان هذا نوع اجتهاد منه فان عند تعارض الاقاويل ترجيح قول من هو أفقه منه نوع اجتهاد ألا ترى ان القاضي إذا لم يكن مجتهدا و اختلف العلماء في حادثة كان عليه ان يأخذ بقول من هو أفقه عنده و يكون ذلك اجتهاد مثله و هناك أيضا إذا قدم رأى من هو افقه منه على رأى نفسه كان ذلك نوع اجتهاد منه فكان موسعا عليه و الله أعلم بالصواب ( باب الرجوع عن الشهادات ) ( قال ) و إذا شهد ثمانية نفر على رجل بالزنا كل أربعة يشهدون على الزنا بإمرأة على حدة فرجمه القاضي ثم رجع أربعة منهم عن الشهادة لم يضمنوا و لم يحدوا لانه قد بقي على الشهادة أربعة منهم و لان ما يثبته عليه شهادة الاربعة و المعتبر في مسائل الرجوع بقاء من بقي على الشهادة فان بقي على الشهادة من تتم به الجحة لم يضمن الراجعون شيئا و لا يحدون أيضا لانه محصن في حق أحد ما بقيت حجة تامة على زناه فان رجع واحد من الآخرين أيضا فعلي الراجعين ربع الدية لانه قد بقي علي الشهادة من يستحق بشهادته ثلاثة أرباع النفس و انما انعدمت الحجة في الربع فعلى الراجعين ذلك القدر و ليس بعضهم بالوجوب عليه بأولى من البعض لانه قبل شهادتهم جميعا و يحدون حد القذف في قول أبى حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله تعالى و فى قول محمد رحمه الله تعالى لا يحدون و كذلك ان رجع

(104)

الفريقان جميعا فعليهم ضمان الدية و يحدون عندهما و لاحد عليهم عند محمد لان كل أربعة أثبتوا بشهادتهم زنا آخر فالزنا بزينب الزنا بعمرة ففي حق كل فريق يجعل كان الفريق الاول ثابتون على الشهادة في حكم سقوط الاحصان ألا ترى ان شهود الزنا لو رجعوا و قذف المرجوم إنسان فلا حد على القاذف و يجعل في حقه كانهم ثابتون على الشهادة و كذلك لو شهد أربعة سواهم أنه كان زانيا بعد رجوعه لا يحدون الا ان هذا المعنى لا يعتبر في سقوط ضمان يدل النفس لانه يؤدى إلى إهدار الدم و يعتبر فى امتناع وجوب الحد عليهم لان الحد يندرئ بالشبهات و أبو حنيفة و أبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا هم في حق الرجوع كالشاهدين عليه بزنا واحد لان المقصود بهذه الشهادة اقامة الحد و لا يقام عليه الاحد واحد و ان تعدد فعل الزنا منه و الدليل عليه ان في حكم الضمان جعلوا كالشاهدين بزنا واحد و أنه لو رجع اثنان من كل فريق لا يضمنون شيئا أيضا و لو لم يجعلوا كذلك لضمنوا لان الباقى على الشهادة شاهدان أنه زنى بإمرأة و شاهدان أنه زنى بإمرأة أخري و الحجة لا تتم بهذا فعرفنا أنهم جعلوا كالشاهدين عليه بزنا واحد ( قال ) و لو شهدوا بذلك ثم رجع خمسة حدوا جميعا فهذا مثله و هذا لانهم إذا رجعوا جميعا فقد حكمنا في حقهم بأنه محصن مقتول ظلما حتى غرمناهم الدية فيبعدان يقال لا يقام عليه الحد و من زعمهم أنه عفيف و انهم قذفوه بغير حق ( قال ) و ان شهد خمسة على رجل بالزنا و الاحصان فرجم ثم رجع واحد فلا شيء عليه لبقاء حجة تامة فان رجع آخر غرما ربع الدية لان الباقى على الشهادة من يستحق بشهادته ثلاثة أرباع النفس و يحدان جميعا لانه لم يبق على الشهادة من تتم به الحجة و قد انفسخت الشهادة في حقهما بالرجوع فعليهما الحد ( فان قيل ) الاول منهما حين رجع لم يجب عليه حد و لا ضمان فلو لزمه ذلك انما يلزمه برجوع الثاني و رجوع غيره لا يكون ملزما إياه الحد ( قلنا ) لم يجب لانعدام السبب بل لمانع و هو بقاء حجة تامة فإذا زال برجوع الثاني وجب الحد على الاول بالسبب المتقرر في حقه لا بزوال المانع فلو اعتبرنا هذا المعني لوجب القول بأنهم لو رجعوا معا لم يحد واحد منهم لان في حق كل واحد منهم لا يلزمه شيء برجوعه وحده لو ثبت أصحابه على الشهادة و هذا بعيد ( قال ) و قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا فعل الامام الذي ليس فوقه امام شيئا مما هو إلى السلطان فليس فيه عليه حد الا القصاص و الاموال فانه يؤخذ بها لان استيفاء الحد إلى الامام و هو الامام فلا يملك اقامة الحد على