مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 18 -صفحه : 29/ 2
نمايش فراداده

(1)

( الجزء الثامن عشر من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبية ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

(2)

بسم الله الرحمن الرحيم ( باب الاقرار بالعارية ) ( قال رحمه الله و إذا أقر الرجل ان هذا الثوب أو هذه الدار عنده عارية بملك فلان أو بميراثه أو بحق فلان هذا كله اقرار ) لان الباء في الاصل للالصاق فقد جعل المقر به ملصقا بملك فلان و ميراثه و حقه و لم يتحقق هذا الالصاق الا بعد أن يكون مما له وكالة و قد تكون الباء صلة كما في قوله تعالى ينبت بالدهن و ان حملناه علي معنى الصلة هنا كان اقرارا أيضا لانه يصير تقدير كلامه انه ملك فلان أو ميراث فلان أو حق فلان و قد تكون الباء للتبعيض أيضا عند بعضهم كما في قوله تعالى و امسحوا برؤسكم اقتضى المسح ببعض الرأس و إذا حمل على هذا كان اقرارا أيضا لانه جعل المقر به بعض ملكه و ميراثه و حقه و كذلك لو قال عارية عندي من ملك فلان أو من ميراثه أو من حقه لان من في الاصل للتبعيض فذلك اقرار يكون المقر به بعض ملكه و قد تكون من صلة كما في قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم و قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الاوثان و إذا كانت بمعنى الصلة فهو اقرارا أيضا و قد تكون بمعنى الباء قال الله تعالى يحفظونه من أمر الله يعنى بأمر الله فعلي هذا المعنى هذا و الاول سواء و قد تكون من للتمييز كما يقال سيف من حديد و خاتم من فضة و علي هذا يكون اقرارا أيضا لانه ميز المقر به عن سائر ما في يده بإقراره ان للمقر و لو قال عارية عندي لملك فلان أو لميراثه كان اقرارا أيضا و لو قال و الثوب و الدابة عارية عندي لحق فلان لا يكون اقرار لان اللام قد تكون للتأكيد و قد تكون للوقت كما في قوله تعالى لدلوك الشمس و قوله تعالى فطلقوهن لعلتهن و قد تكون للتمليك و قد تكون للتعليل فعلى هذه الوجوه حمل قوله لملك فلان أو لميراث فلان اقرارا مؤكدا و أما إذا قال لحق فلان فنقول الكلام قد تكون بمعنى المجازاة كقول الرجل لغيره أكرمتك لتكرمنى و زرتك لتزورنى و قد تكون لبيان الحرمة كالرجل يريد ان يضرب عبده فنهاه الغير فيقول تركته لك اى لحرمتك و شفاعتك فهنا قوله لحق

(3)

فلان يحتمل معنى الشفاعة و الحرمة يعنى لاجل شفاعته و حرمته اعادة صاحبه فهنا قوله منى فلما احتمل هذا المعنى لم يجعل اقرارا له بالشك بخلاف قوله لملك فلان أو لميراثه فان ذلك لا يحتمل معنى الحرمة و الشفاعة و كذلك لو قال هذا الالف مضاربة عندي لحق فلان لم يكن اقرارا لانه محتمل لمعنى الحرمة و الشفاعة أي انما رفعها صاحبها إلى مضاربه لاجل شفاعة فلان و حرمته بخلاف ما لو أقر بالقرض لحق فلان فانه يكون اقرارا لان القرض لا تجزي فيه الشفاعة عادة انما تجزي فيه الكفالات فاذن انتفى معنى الشفاعة في القرض فبقى اقرار لملكه بخلاف العواري و المضاربة فانه تجزي فيهما الشفاعات عادة و لو قال هذه الدار عم عندي عارية لحق فلان فهذا اقرار له بها لان العارية في الدراهم قرض فكان هذه و الاقرار بالقرض سواء بخلاف الدابة و الثوب و لو قال أخذت هذا الثوب منك عارية و قال المقر له بل أخذته منى بيعا فالقول قول الاخذ مع يمينه لانهما تصادقا على أن الاخذ حصل باذن المالك و ذلك لا يكون سببا لوجوب الضمان على الاخذ باعتبار عقد الضمان هو من منكر له فكان القول قوله و هذا إذا لم يلبسه فان لبسه فهلك كان ضامنا له لان لبس ثوب الغير سبب لوجوب الضمان على اللابس الا أن يكون باذن من صاحبه و اللابس و صاحبه منكران فان ( قيل ) لا كذلك فان بيع الثوب من الغير تسليط منه على لبسه فلما اقر صاحبه بالبيع فقد ثبت الاذن في اللبس فينبغي أن لا يضمن اللابس كما قلنا في الاخذ ( قلنا ) التسليط بإيجاب البيع من حيث التمليك ليلبس ملك نفسه فإذا لم يثبت الملك له لانكاره لم يثبت تسليط صاحبه إياه علي لبسه و هو في اللبس عامل لنفسه و ذلك سبب موجب الضمان عليه في ملك الغير بخلاف الاخذ فقد يكون في الاخذ عاملا للمأخوذ منه كالمودع في أخذ الوديعة ليحفظها فلا يتقرر الضمان عليه بالاقرار بالاخذ إذا لم ينكر صاحبه أصل الاذن و لو قال أقرضني ألف درهم فقال المقر له لا بل غصبني فالمقر ضامن لها لانهما تصادقا على كون المال مضمونا عليه للمقر له و ان اختلفا في سببه و الاسباب مطلوبة لاحكامها لا لاعيانها فعند التصادق على الحكم لا ينظر إلى اختلاف السبب و هذا لان قول المقر له لا بل غصبني لا يكون ردا لاصل الواجب انما يكون ردا للسبب فيبقى إقراره معتبرا في وجوب المال لتصديق المقر له إياه في أنه واجب و ان كانت الدراهم بعينها فللمقر له ان يأخذها لانهما تصادقا علي ملك العين للمقر له فبعد ذلك المقر بدعوى القرض يدعي ملكها عليه فلا يصدق الا بحجة و لو قال هذه الدراهم في يدى عارية لفلان أو من فلان أى أو من

(4)

قبل فلان فهذا اقرار له بها لما بينا أن العارية في الدراهم قرض فان الانتفاع بها لا يتأتى فيما هو المقصود الا باستهلاك عينها فكانت الاعارة فيها تسليطا بشرط ضمان الرد و ذلك حكم القرض و ان قال هذا الدراهم عارية بيدي علي يدى فلان فليس هذا باقرار و ذكر بعد هذا أنه اقرار وجه هذه الرواية أن قوله على يدى فلان معناه أرسلها صاحبها إلى عارية على يدى فلان فانما إقراره فلانا كان رسولا فيها فلا يصير مقرا بالملك له و وجه الرواية الاخرى انه أقر بأن وصولها إلى يده كان من يد فلان و المتعين انما يلزمه الرد على من أخذ منه كما يلزم الرد المكارى الذي أخذ منه فوجب عليه بحكم هذا الاقرار ردها على فلان فلهذا كان منه اقرار لفلان ( باب الاقرار بالدراهم عددا ) ( قال رحمه الله رجل قال لفلان على مائة درهم عددا ثم قال بعد ذلك هى وزن خمسة أو ستة و كان الاقرار منه بالكوفة فعليه مائة درهم وزن سبعة و لا يصدق على النقصان الا أن بين الوزن موصولا بكلامه ) لان ذكر الدراهم عبارة عن ذكر الوزن فانه لا طريق لمعرفة الوزن فيه الا بذكر العدد من الدراهم و مطلق ذكر الوزن ينصرف إلى المتعارف منه فإذا كان إقراره بالكوفة فالمتعارف بها في الدراهم سبعة و كما ينصرف مطلق البيع و الشراء بالدراهم اليه فكذلك مطلق الاقرار ينصرف اليه فقوله وزن خمسة بيان معتير لما اقتضاه مطلق إقراره فقد بينا بيانه و التعبير يصح موصولا بالكلام و لا يصح مفصولا و معني قولنا وزن سبعة أن كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل و كل درهم أربعة عشير قيراطا و إذا كان الدرهم أربعة عشر قيراطا تبني عليه أحكام الزكاة و نصاب السرقة و غيرها وأصل المسألة أن الاوزان في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و عهد أبى بكر رضي الله عنه كانت مختلفة فمنها ما كان الدرهم عشرين قيراطا و منها ما كان عشرة قراريط و هو الذي يسمى وزن خمسة و منها ما كانت اثنى عشر قيراطا و هو الذي يسمى وزن ستة فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه طلبوا منه أن يجمع الناس على نقد واحد فأخذ من كل نوع من الانواع الثلاثة درهما و كان الكل اثنين و أربعين قيراطا و أمر أن يضرب من ذلك ثلاثة دراهم متساوية فكل درهم أربعة عشر قيراطا و هو وزن سبعة التي جمع عمر رضى الله عنه عليها الناس و بقى كذلك إلى يومنا هذا و ان كان في بلد يتبايعون على دراهم معروفة الوزن بينهم ينقص من وزن سبعة صدق في ذلك لان تعيين

(5)

وزن سبعة لم يكن نص من لفظه انما كان بالعرف الظاهر في معاملة الناس به و ذلك يختلف باختلاف البلدان و الاوقات فيعتبر في كل موضع عرف ذلك الموضع كما في سائر التصرفات سوى الاقرار و ان ادعي وزن دون المتعارف كما في تلك البلدة لم يصدق الا إذا ذكره موصولا بكلامه و ان كان في البلد نقود مختلفة فان كان الغالب منها نقدا بعينه ينصرف مطلق الاقرار اليه و ان لم يكن البعض غالبا على البعض ينصرف إقراره إلى الاقل لان الاقل متيقن به و عند التعارض لا يقضى الا بقدر المتيقن و هذا لان المقر بين الاول لان الاقل متيقن به و عند التعارض لا يقضى الا بقدر المتيقن و هذا لان المقر بين الاول لا محالة و هذا بيان التفسير حين استوت النقود في الرواج و بيان التفسير صحيح مفصولا كان أو موصولا كبيان الزوج في كنايات الطلاق و لو قال بالكوفة على مائة درهم بيض عددا ثم قال هى تنقص دانقا لم يصدق لان مطلق لفظه انصرف إلى الاقرار بوزن سبعة فدعواه النقصان بمنزلة الاستثناء لبعض ما أقر به و الاستثناء لا يصح الا موصولا و لو قال على مائة درهم اسبهبديه عددا ثم قال عنيت هذه الصغار فعليه مائة درهم وزن سبعة من الاسبهبدية لان قوله اسبهبديه يرجع إلى بيان النوع كقوله سود يرجع إلى بيان الصفة فلا يتغير به الوزن و الاسبهبديه فارسية معربة معناه اسبه سالادية و الصغار هو الذي تسميه الناس مهر تكون ستة منه بوزن درهم و لكنه مصدق فيما يدعى من نقصان الوزن مفصولا على ما بينا و لو قال له على مائة درهم من السود الخيار ثم قال هى وزن سبعة و قال الطالب هى مثاقيل فالقول قول المقر مع يمينه لما بينا ان تسمية الدراهم بيان للوزن و قوله من السود بيان للصفة و قوله الخيار بيان العرض و به لا يزداد الوزن فان ادعى المقر له زيادة عليه فالقول قول المنكر مع يمينه و كذلك لو قال له على درهم صغير فهو على وزن سبعة و وصفه بالصغر اما للاثقال أو لصغر الحجم و به لا ينتقص الوزن و كذلك لو قال علي درهم كبير و لو قال علي دراهم فعليه ثلاثة دراهم لانه أقر بلفظ الجمع و أدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة و لا غاية لاقصاه فينصرف إلى الادنى لانه متيقن به و قد بينا ان الاقرار إيجاب لا يقابله الاستيجاب فيكون بمنزلة الوصية في انه يؤخذ بالاقل مما يلفظ به و كذلك لو قال له على دريهمات فهو تصغير بجمع الدراهم و هذا التصغير لا ينقض الوزن فعليه ثلاثة دراهم و كذلك لو قال له على فليس أو قفيز أو رطيل فهو و قوله فلس و قفيز و رطل سواء ينصرف ذلك الي التمام من ذلك وزنا وكيلا و لو قال له على مائه ردهم مثاقيل كما قال

(6)

و كان عليه مائة مثقال عن الدراهم لانه نص علي وزن هو أكثر مما اقتضاه مطلق كلامه و لو نص على وزن هو دونه قبل منه إذا كان موصولا فكذلك إذا نص على وزن هو أكثر الا أن في هذا لا يلحقه التهمة فيصح سواء ذكره موصولا أو مفصولا و لو قال له على ربع حنطة فعليه ربع حنطة بربع البلد الاكبر و ان قال عنيت الربع الصغير لم يصدق و الربع اسم لمكيال كالقفيز و الصاع و المتعارف في المعاملات به الاكبر فينصرف مطلق الاقرار اليه على قياس ما بينا في الوزن .

ثوب في يدى رجل فقال وهبه لي فلان فقال نعم أو أجل أو بلى أو صدقت أو قال ذلك بالفارسية فهو اقرار لان ما ذكره في موضع الجواب مستقل بنفسه فانه ليس بمفهوم المعنى و هو مما يصلح أن يكون جوابا و ما تقدم من الخطاب يصير كالمعاد للجواب قال الله تعالى فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم أى نعم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا و قال الله تعالى ألست بربكم قالوا بلى أى بلى أنت ربنا فهنا أيضا يصير ما قدم من عقد الهبة معادا في الجواب فيثبت العقد بإقراره و القبض موجود فيجعل صادرا عن ذلك العقد و ان لم يكن الثوب في يد الموهوب له و لكنه في يد الواهب فادعي الموهوب له الهبة و التسليم و جحد ذلك الواهب فان شهد الشهود بمعاينة القبض قبل بالاتفاق و كان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة و ان شهدوا على اقرار الواهب بالتسليم كان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا لا يقبل لان تمام الهبة يقبض بحكم و القبض فعل لا يصير موجودا بالاقرار به كاذبا فان المخبر عنه إذا كان باطلا فبالاخبار عنه لا يصير حقا كقرية المقرين و جحود المبطلين فإذا لم يشهدوا بهبة تامة لا تقبل الشهادة ثم رجع و قال الشهادة مقبولة و هو قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله لان ثبوت إقراره بالبينة كثبوته بالمعاينه و القبض و ان كان فعلا هو يثبت في حق المقر بإقراره كالقتل و الغصب في حق المقر بإقراره فهذا مثله فان أقر الواهب بالهبة و القبض ثم أنكر التسليم بعد ذلك و أراد استحلاف الموهوب له لم يحلفه القاضي في قول أبى حنيفة و محمد رحمهما الله و يحلفه في قول أبى يوسف رحمه الله استحسانا وأصل المسألة البائع إذا أقر بقبض الثمن ثم جحدوا أراد استحلاف المشترى لم يكن له ذلك عندهما و هو لانه مناقض في كلامه راجع عما أقر به من القبض و المناقض لا قول له و الاستحلاف ينبنى على دعوى صحيحة و استحسن أبو يوسف رحمه الله بما عرف من العادة الظاهرة ان البائع يقر بالثمن للاشهاد و ان لم يكن قبضه حقيقة فالاحتياط لحقه يستحلف الخصم إذا طلب هو ذلك و الله أعلم بالصواب