مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 21 -صفحه : 28/ 3
نمايش فراداده

(7)

الورثة إتلافا لحق الموصي له بطريق المباشرة و التسبب و إذا لم يكن تعديا لا يكون موجبا للضمان بخلاف العتق فانه لا يتصور انفصال الولد رقيقا بعد عتق الام فكان ذلك منه إتلافا لحق الموصي له بطريق المباشرة و ان صالحوه بعد الذبح على شيء لم يجز لانه لم يكن للموصى له حق استحقاق و كذلك الامة لو قتلوها هم أو غيرهم كانت القيمة للورثة و لا شيء للموصي له لان قتل الام لا يكون قتلا للجنين و يتوهم انفصال الجنين حيا قبل الام فلهذا لا شيء للموصى له من قيمة الولد و لو أوصي له بما في ضروع غنمه فصالحه الورثة على لبن أقل من ذلك أو أكثر لم يجز لانه مبادلة اللبن باللبن مجازفة و لا يقال ينبغى أن يصحح الصلح بطريق الاسقاط كما لو صالحوه على دراهم لانا و ان جعلناه إسقاطا للحق حكما فمن حيث الحقيقة اللبن موجود في الضرع و الوصية لا تصح الا باعتبار هذه الحقيقة و باعتبار هذه يكون تمليك اللبن بلبن هو أقل منه أو أكثر و باب الربا ينبنى على الاحتياط فلهذا لا يجوز و كذلك الصوف لانه مال الربا كاللبن و هذا بخلاف ما سبق فيما إذا صالح الموصى له الورثة عما في بطن الامة بعد عتق الام على أكثر من قيمته لانا لا نتيقن بوجوب القيمة و ان تيقنا به فالقيمة ليست من جنس ما قبض لا محالة فالتقويم تارة بالدراهم و تارة بالدنانير فيمكن تصحيح ذلك الصلح بطريق الاسقاط بخلاف ما نحن فيه و لو أوصى لصبي بما في بطن أمته أو لمعتوه فصالح أبوه أو وصيه الورثة على دراهم جاز بطريق إسقاط حقه بعوض فوليه في ذلك يقوم مقامه لما فيه من النظر و لكن لو كانت الوصية لمكاتب فصالح جاز لان إسقاط الحق بعوض من باب اكتساب المال و المكاتب فيه كالحر و لو أوصى بشيء لما في بطن فلانه لم تجز له الوصية الا أن تضعه لاقل من ستة أشهر فحينئذ تيقن انه كان موجودا حين أوجب الوصية له و ان جاءت به لاكثر من ستة أشهر لا يتيقن بوجوده حين وجبت الوصية له و الوصية أخت الميراث و الجنين إذا كان موجودا في البطن يجعل في حكم الميراث كالمنفصل و كذلك في حكم الوصية و ان أقر الموصى أنها حامل ثبتت الوصية له ان وضعته ما بينه و بين سنين من يوم أوصى لان وجوده في البطن عند الوصية ثبت بإقرار الموصى فانه متهم في هذا الاقرار لانه يوجب له ما هو من خالص حقه بناء على هذا الاقرار و هو الثلث فيلحق بما لو صار معلوما هنا بأن وضعته لاقل من ستة أشهر فان صالح عنه أبوه على شيء لم يجز فعل الاب على ما في البطن فان ثبوت الولاية لحاجة المولى عليه إلى النظر و لا حاجة للجنين إلى

(8)

ذلك و لان الجنين في حكم جزء من اجزاء الام ما دام متصلا بها من وجه فكما لا يثبت للاب الولاية على الام فكذلك على ما هو من أجزائها و كذلك الام لو كانت هى التي صالحت لان الابوة في إثبات الولاية أقوى من الامومة فإذا كان لا نثبت الولاية على ما في البطن للاب فللام أولى و الجنين و ان كان بمنزلة جزء منها من وجه فهو أولى في الحقيقة في نفس مودعة فيها و لاعتبار معنى النفسية صحت الوصية فالوصية للاجزاء لا تصح و لا يمكن تصحيح هذا الصلح من الام باعتبار الحرية لهذا المعنى فان ولدت غلاما و جارية فالوصية بينهما نصفان لان استحاق الوصية بالايجاب بالعقد و الذكر و الاثنى في ذلك سواء و انما التفاوت بينهما فيما يستحق ميراثا و ان ولدت أحدهما ميتا و هو للحي منهما بمنزلة ما لو أوصى لحي و ميت فان ولدتهما ميتين أو لاكثر من سنتين حيين فالوصية باطلة و ان ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا فالوصية تبطل أيضا لان الارش لا يقوم مقامه أن لو انفصل حيا في استحقاق الوصية كما لا يقوم مقامه في استحقاق الميراث و الوصية له في هذا الوجه مخالفة للوصية به لان البدل لا يقوم مقام الاصل في الحكم الذي يصلح أن يكون مبادلة و الارش يجوز أن يكون مستحقا بالوصية كالاصل أن لو انفصل حيا فقام مقامه في ذلك و الارش لا يجوز أن يكون مستحقا بالوصية فلا يقوم مقامه الاصل في حكم تصحيح الوصية له فلهذا بطلت وصيته و لو كان الحمل عبدا فصالح مولاه عليه لا يجوز لان الولاية كما لا تثبت على ما في البطن باعتبار الابوة فكذلك لا تثبت باعتبار الملك بل أولى فان المالكية على القدرة و الاستيلاء و ذلك يتحقق على ما في البطن فان صالح مولى الابن الحمل بعد موت المريض على صلح ثم أعتق المولى الامة الحامل عتق ما في بطنها ثم ولدت غلاما فالغلام حر لانه انفصل منها و هي حرة و لا وصية له و الوصية لمولاه لان وجوب الوصية بالموت و عند الموت كان مملوكا فصار الموصي به ملكا للمولى ثم عتق بعد ذلك بإعتاق الام و هو لا يبطل ملكه عما صار مستحقا له من كسبه و لا يجوز الصلح أيضا لانه لا يمكن تصحيح الصلح بطريق الولاية على ما في البطن و لا باعتبار حقه لان ثبوت حقه بطريق الخلافة فالمولى يخلف العبد في استحقاق كسبه خلافة الوارث المورث و ما لم يتم سبب الاستحقاق للمملوك لا يخلفه المولى في ذلك و انما يتم السبب إذا انفصل حيا و الصلح قبل ذلك فلهذا لم يجز و كذلك لو باع الامة و كذلك لو دبر ما في بطنها و هذا أظهر فالتدبير لا يخرج المولى من أن يكون مستحقا لكسب المدبر و لو كان الموصي له حيا ثم أعتق

(9)

المولى الامة و الولد أو أعتق الامة دون الولد ثم مات الموصى كانت الوصية للغلام دون المولى لانه صار حرا سواء أعتقه مقصودا أو أعتق أمه و انما وجبت الوصية بالموت و لو كان حرا يومئذ فكانت الوصية له دون المولى و لو صالح الورثة من الوصية قبل موت الموصى لم يجز لان استحقاق الوصية بالموت و الصلح قبل ثبوت الاستحقاق لا يصح لان صحته على وجه إسقاط الحق بعوض فإذا لم يكن العوض مستحقا كان الصلح باطلا ( باب الصلح في الجنايات ) ( قال رحمه الله ) و الصلح من كل جناية فيها قصاص على ما قل من المال أو كثر فيها فهو جائز لقوله تعالى ( فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف و أداء اليه بإحسان ) و معناه من أعطى له من دم أخيه شيء و ذلك بطريق الصلح و لقوله صلى الله عليه و سلم من قتل له قتيل فأهله بين خيرين ان أحبوا قتلوا و أن أحبوا فادوا و المفاداة بالصلح تكون و لا يتعذر بدل الصلح بالارش عندنا خلافا للشافعي رحمه الله و هي مسألة الديات و اعتمادنا فيه على ما روى أن رسول الله الله صلى الله عليه و سلم قضي بالقصاص على القاتل و لما رأى الصحابة رضى الله عنهم الكراهية في ذلك من وجهه صلوات الله و سلامه عليه صالحوا أوليآء القتيل على ديتين و استحسنه رسول الله صلى الله عليه و سلم و لان حق استيفاء القود قد يؤل إلى المال عند تعذر الاستيفاء فيجوز إسقاطه بمال بطريق الصلح كحق الرد بالعيب بخلاف حد القذف فان لا يؤل ما لا بحال ثم البدل يكون في مال الجاني حالا لانه التزمه بالعقد و لانه وجب باعتبار فعل هو عمد و قال صلى الله عليه و سلم لا تعقل العاقلة عمدا و لا عيبا و لو صالحه من الجرح أو الجراحة أو الضربة أو القطع أو الشجة أو اليد على شيء ثم برأ فالصلح جائز لانه أسقط بهذه الالفاظ حقه بعوض و ان مات بطل الصلح في قول أبى حنيفة رحمه الله و عليه القصاص في القياس و فى الاستحسان عليه الدية في ماله و ان آل الجرح إلى قتل كانت الدية على عاقلته و عند أبي يوسف و محمد رحمهما الله الصلح ماض و لا شيء عليه لانه أسقط الحق الواجب له بالجراحة بالصلح و بعد الموت سبب حقه الجراحة كما بعد البرء و عند أبى حنيفة رحمه الله هو انما أسقط بالصلح قطعا أو شجة أوجبت له قصاصا و بالموت يتبين أن الواجب له القصاص في النفس لا القطع و الشجة فكان هذا إسقاطا لما ليس بحقه فيكون باطلا و لهذا كان عليه القصاص

(10)

في النفس في القياس و لكنه استحسن فقال يتمكن فيه نوع شبهة من حيث ان أصل القتل كان هو الشجة و القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات و لكن المال يثبت مع الشبهات وأصل المسألة في العفو و موضع بيانها كتاب الديات و لو كان صالحه عن ذلك و ما يحدث منه كان الصلح ماضيا ان مات أو عاش لان ما يحدث منه السراية يكون هو بهذا اللفظ مسقطا حقه عن النفس بعوض و القصاص في النفس و ان كان يجب بعد الموت فانما يجب بسبب الجناية و إسقاط الحق بعد وجود سبب الوجوب قبل الوجوب صحيح و كذلك من الجنابة صحيح ان عاش أو مات لان اسم الجناية يعم النفس و ما دونها حتى لو قال لا جناية لي قبل فلان ثم ادعى عليه النفس لم تسمع دعواه بخلاف ما لو قال لا شجة لي قبل فلان و الصلح بإسم الجناية يكون مسقطا حقه بري أو سرى فان كان مريضا صاحب فراش حين صالح فهو جائز في العمد و ان صالحه على عشرة دراهم لانه أسقط ما ليس بمال و لو أسقطه بغير عوض بالعفو لم يعتبر خروجه من الثلث فإذا أسقط بالصلح ببدل يسير أولى و فى الخطأ ما حط يكون من الثلث لان الواجب الدية و هو مال فيكون ما حط وصية من الثلث و لا يقال هى وصية القاتل لان الدية في الخطأ على العاقلة فيكون هذا منه وصية لعاقلة قاتله و ذلك صحيح من الثلث و إذا قطع رجل أصبع رجل عمدا أو خطأ فصالحه منها على ألف درهم ثم شلت أصبع أخرى سواها فلا شيء له عليه في قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله لانه أسقط بالصلح موجب ذلك القطع و ذلك يعم الاصبع الاولى و الثانية و عند أبى حنيفة رحمه الله عليه أرش الاصبع الاخرى لانه انما أسقط بالصلح قصاصا واجبا في الاصبع فلا يتناول الصلح الاصبع الاخرى فيلزمه أرشها الا أن هنا لا يتبين بهذه السراية ان الاصبع الاولى لم تكن مستحقة له فيبقى الصلح عنها صحيحا بخلاف الاول فان هناك بالسراية إلى النفس يتبين أن الشجة لم تكن مستحقة له قصاصا فكان الصلح باطلا لانه صالح من حقه و إذا كانت الشجة موضحة فصالحه منها على مائة درهم فصارت منقلة فلا يبقى عليه شيء عندنا لما قلنا و عند أبى حنيفة رحمه الله عليه ألف و أربعمأة درهم لان المنقلة الموضحة و الموضحة ما يوضح العظم و لا يؤثر فيه و المنقلة ما يكسر العظم و ينقله من موضعه و هو انما أسقط من موضحة موجبة له قصاصا و قد تبين أنها لم تكن حقا له و انما كان حقه في المنقلة و أرش المنقلة عشر الدية و ذلك ألف و خمسمأة استوفى من ذلك مائة فالباقي عليه ألف و أربعمأة رجل قتل عمدا و له ابنان فصالح أحدهما

(11)

من حصته على مائة درهم فهو جائز و لا شركة لاخيه فيها لانه أسقط نصيبه من القود بعوض و لو أسقط بغير عوض جاز و المال عوض عن القصاص استحقه بالعقد و هو المباشرة للعقد فلا شركة لاخيه فيها باعتبار العقد و لا باعتبار الشركة في أصل القود لان ذلك ليس بمال ثم كل ما يصلح أن يكون صداقا في النكاح يصلح أن يكون عوضا في الصلح عن القصاص لانه مال يستحق عوضا عما ليس بمال بالعقد و على هذا يجوز التصرف في بدل الصلح قبل القبض و ان كان عينا كما يجوز التصرف في الصداق لانه لم يبق في الملك المطلق للتصرف عذر حتى لا يبطل بالهلاك و لكن تجب قيمته و كذلك لو استحق العبد كان على القاتل قيمته لان بالاستحقاق لا يبطل الصلح و لكن تعذر استيفاء العبد مع قيام السبب الموجب له فتجب قيمته كما في الصداق و هذا لان الصلح عن القود لا يحتمل الفسخ بالتراضي كالنكاح بخلاف الصلح عن المال و كذلك ان وجد به عيبا فاحشا فرده رجع بقيمته و لا يرده بالعيب اليسير كما في الصداق و لو كان العبد حرا كان على القاتل الدية لاولياء القتيل في ماله و على قياس قول أبى يوسف رحمة الله عليه قيمته أن لو كان عبدا وأصل الخلاف في الصداق و قد بيناه في النكاح و لو اختلفا في العبد الذي وقع الصلح عليه كان القول فيه قول القاتل مع يمينه لان القابل للقود سقط باتفاقهما و انما تنازعا في المال المستحق على القاتل بمقابلته فالقول فيه قوله مع يمينه كما في الخلع بخلاف الصداق عند أبى حنيفة و محمد رحمهما الله فان هناك يصار إلى تحكيم مهر المثل لان صحة النكاح موجبة ما لا و هو مهر المثل فعند الاختلاف في المسمى يصار إلى موجبه الاصلى وهنا ليس لسقوط العقود بالعفو موجب من حيث المال فيكون هذا نظير الخلع و ان كان القتل خطأ فصالحه أحدهما على مال كان لشريكه أن يشركه في ذلك لان الواجب في الخطأ الدية و هو مال وجب مشتركا و صلح أحد الشريكين من الدين المشترك على شيء صحيح و لشريكه أن يشركه في ذلك و لو صالح أحدهما من نصيبه على عبد بعينه كان لشريكه أن يشركه في ذلك الا أن يشاء المصالح أن يعطيه ربع الارش و يمسك العبد كما في سائر الديون المشتركة إذا صالح أحدهما من نصيبه على عين و هذا لانه يملك العبد بالعقد و هو في العقد عامل لنفسه فله أن يختص به و يعطى صاحبه ربع الارش لان ذلك أصل حقه فيما وقع الصلح عنه و هو نصف الارش و ان شاء أبى ذلك و أعطاه نصف العبد لان مبنى الصلح على التجوز بدون الحق و هو يقول انما توصلت إلى حقى لانى رضيت

(12)

بدون حقى فعليك أن ترضى به أيضا و تأخذ نصف ما وقع عليه الصلح ان شئت و الا فاتبع القاتل بحقك و لو صالحه من ذلك على عرض بغير عينه لم يجز لان هذا العرض بمقابلة الدية يكون بيعا و بيع ما ليس عند الانسان لا يجوز و كذلك لو صالحه على موصوف من المكيل أو الموزون مؤجلا و المكيل و الموزون إذا قوبل بالنقد يكون مبيعا و لو صالحه منه على عبد بعينه فاستحق أو مات قبل أن يقبضه رجع بنصف الارش لان هذا صلح عن مال على مال و هو محتمل للفسخ فبالاستحقاق أو الهلاك قبل التسليم يبطل الصلح و كذلك لو وجد به عيبا صغيرا أو كبيرا رده لان المصالح عليه بمنزلة المبيع في الصلح عن المال فيرد بالعيب اليسير و الفاحش و ليس له أن يتصرف فيه قبل أن يقبضه كما في المبيع و كذلك لو صالح عن الجاني غيره بإقرار أو إنكار كما في الصلح عن سائر الديون و لو صالحه من دم العمد على سكنى دار أو خدمة عبد سنة جاز لان المنفعة المعلومة يجوز استحقاقهما عوضا في الصلح عن المال ففى الصلح عما ليس بمال أولى و قد بينا أن هنا العوض بمنزلة الصداق و السكنى و الخدمة إذا كانت معلومة ببيان المدة تثبت صداقا في النكاح و ان صالحه عليه أبدا أو على ما في بطن أمته أو على غلة نخلة سنين معلومة أو أبدا لم يجز لان هذا كله لا يثبت صداقا بالتسمية في النكاح فكذلك لا يستحق عوضا عن دم العمد في الصلح و هذا بخلاف الخلع و انها لو اختلعت نفسها على ما في بطن أمتها صحت التسمية و الفرق من وجهين أحدهما أن بالخلع المرأة لا تستحق شيئا هو متقوم و لكن يبطل ملك الزوج عنها و البضع عند خروجه من ملك الزوج متقوم فكان التزامها بالوصية و الاقرار و ذلك صحيح مضافا إلى ما في البطن و لهذا لو اختلعت بمال في مرضها اعتبر من ثلثها كالوصية و أما الصلح عن القود فالقاتل يستفيد العصمة و المتقوم في نفسه و لهذا لو صالح في مرضه على قدر الدية اعتبر من جميع المال فكان المال عوضا عما هو متقوم في حق من التزمه فيكون نظير الصداق لان البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم فيكون الصداق عوضا عما هو متقوم في حق من التزمه و الجنين لا يصلح عوضا في مثله يوضح الفرق أن أحد البدلين في الخلع و هو الطلاق يحتمل الاضافة فكذلك البدل الآخر و الايجاب في الجنين بمعنى المضاف إلى حال بعضها إذا جنى و هو وحده حقيقة لا يصير معلوما الا عند ذلك فأما في الصلح فاحد البدلين و هو إسقاط القود لا يحتمل التعليق و الاضافة بالشرط فكذلك البدل الآخر فلا يمكن تصحيحه في الجنس مضافا و لا يمكن

(13)

تصحيحه في الحال لانه معلوم الوجود و التقوم فكان كالصداق من هذا الوجه ثم على القاتل الدية لان فساد التسمية لا يمنع سقوط القود كما أن فساد التسمية لا يمنع صحة النكاح و إذا سقط القود وجبت الدية لان الولي ما رضى بسقوط حقه مجانا و قد صار مغرورا من جهة القاتل بما سمى له فيرجع عليه ببدل ما سلم له و هو العصمة و التقوم في نفسه و بدل النفس الدية و لو صالحه على ما في نخله من ثمرة جاز لان الثمرة الموجودة تستحق صداقا و تستحق مبيعا فيجوز الصلح عليها أيضا بخلاف ما إذا صالح على ما يحمل نخله العام و لو صالحه على أن عفى الآخر عن قصاص له قبل رجل آخر كان جائزا لان كل واحد منهما أسقط حقه عما له من القود و كل واحد منهما متقوم صالح للاعتياض عنه فيجوز أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر و هذا بخلافه فان القصاص لا يصلح أن يكون صداقا لان الشرط في الصداق أن يكون ما لا قال الله تعالى ( أن تبتغوا بأموالكم ) و القصاص ليس بمال وهنا الشرط أن يكون ما يستحق بالصلح متقوما و ذلك موجود في القصاص كما قررنا ( ألا ترى ) أنه لو صالح عن القود على أقل من عشرة دراهم يجوز و ان كان ما دون العشرة لا يستحق صداقا و لو قطع رجل يد رجل عمدا فصالحه على خمر أو خنزير أو على حر و هو يعرفه فهو عفو و لا شيء للمقطوعة يده لانه أسقط حقه بغير عوض فالخمر و الخنزير و الحر ليس بمال متقوم فلا يكون هو باشتراطه طالبا للعوض عن إسقاط القود و لم يصر مغرورا من جهة القاطع فلا يرجع عليه بشيء كما في الخلع إذا خالع إمرأته على خمر أو خنزير أو حر و هذا بخلاف النكاح فانه لو تزوجها على خمر أو خنزير أو حر كان لها مهر مثلها لان استحقاق مهر المثل هناك باعتبار صحة النكاح لا باعتبار تسمية العوض حتى لو لم يسم شيئا وجب مهر المثل في الخلع و الصلح عن دم العمد استحقاق البدل باعتبار تسمية البدل حتى لو لم يسم له شيئا كان العفو مجانا و على هذا التحقيق يتبين أنه لا فرق فانا نجعل تسمية الخمر و الخنزير وجودها كعدمها في المواضع كلها و هذا لانه يتملك الزوج بالنكاح ما هو متقوم مصون عن الابتذال فلا يملك الا بعوض اظهار الخطره وهنا من له القود يسقط القود و لا يملك القاتل شيئا و إسقاط القود مصون عن التبذل فلهذا لا يجب المال الا باعتبار تسمية عوض هو مال متقوم و كذلك لو صالح على أن يقطع رجله فهذا عفو مجانا لانه لو لم يسم عوضا ما لا هو متقوم فكان ذكره و السكوت عنه سواء و لو كان القتل خطأ كان عليه الدية لان هذا صلح من مال فيكون سائر صلح الديون إذا بطل بقي المال واجبا كان هو الدية و لو