مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 30 -صفحه : 46/ 29
نمايش فراداده
(189)

سمي لان النخل صفة في الارض بمنزلة البناء حتى أنها تدخل من الذكر و زيادة الصفة لا توجب زيادة في الثمن و لا يثبت الخيار للمشتري ثم بعد هذا ثلاث فصول أحدها أن يشترى براح أرض فيها نخل مطلقا أو يشتريها بدون النخل أو يشترى النخل الذي فيها دونها فأما إذا اشتراها مطلقا دخل في العقد ما فيها من النخل و الاشجار المثمرة و غير المثمرة و الطرفاء و الحطب و القصب في ظاهر الرواية و ان لم يذكر الحقوق و المرافق و روى بشر عن أبى يوسف أن القصب لا يدخل في البيع الا بذكر الحقوق و لا خلاف في قصب السكر و الدريرة أنه لا يدخل في البيع بدون ذكر الحقوق لان ذلك من جملة ريع الارض بمنزلة الزرع و لهذا يجب فيه العشر و أبو يوسف الحق القصب الفارسي بقصب السكر فان كل واحد منهما يقطع إذا أدرك و فى ظاهر الرواية القصب الفارسي ليس من ريع الارض و لهذا لا يجب فيه العشر فهو بمنزلة النخل و الشجر يدخل في البيع من ذكر و الثمار التي علي رؤوس الاشجار لا تدخل بدون ذكر الحقوق و المرافق الا على قول ابن أبى ليلي و عند ذكر الحقوق و المرافق يدخل في قول أبى يوسف رحمه الله و فى ظاهر الرواية و هو قول محمد رحمه الله لا يدخل الا بالتنصيص عليها أو بذكر كل قليل أو كثير هو فيها أو منها من أن يقول و من حقوقها و قد بينا هذا فيما سبق و الزرع الذي في الارض لا يدخل في العقد بدون ذكر الحقوق و ما عليه من الحمل لا يدخل الا بذكر الحقوق لان شجرة لا يعد من زرع الارض و لهذا لا يجب فيه العشر ( ألا ترى ) أنه يوجد منه جملة من أن يقطع من أصله كما يؤخذ الثمر من الشجر و الورد من الشجرة فكما أن شجر الورد و الياسمين يدخل في بيع الارض بدون ذكر الحقوق و لا يدخل ما عليه من الورد و الياسمين فكذلك ما سبق و ان اشترى الارض بدون النخل فالشراء صحيح لان النخل في الارض بمنزلة البناء فكما يجوز استثناء البناء في الارض يجوز استثناء النخل ثم يكتب أنه اشترى البراح بكل حق هو له بمنزلة النخل التي فيه في موضع كذا و هو كذا نخلة فانها لم تدخل فيما اشتراه بطريقها إلى باب البراح و انما يستثنى الطريق لكيلا يتعطل علي البائع الانتفاع بملكه الذي استثناه لنفسه و هو النخل فان بذكر النخل يصير مستثنيا أصول النخل في الصحيح من الرواية لانها انما تكون نخلا إذا كانت ثابتة على أصولها فاما بدون ذلك جذوعا و لهذا لو رفع البائع تلك النخل كان له أن يغرس في منابتها نخيلا آخرا و يضع في ذلك الموضع أسطوانة أو ما أحب و ان

(190)

اشترى النخل الذي في الارض دون الارض فهو جائز بمنزلة شراء البناء بدون الارض لان ما يجوز استثناؤه من الارض يجوز إيراد العقد عليه مقصودا بمنزلة الجزء الشائع و ما لا يجوز إيراد العقد عليه لا يجوز استثناؤه من العقد بمنزلة أطراف العبد ثم يكتب حدود البراح في كتاب الشراء و حدود الموضع الذي فيه النخل و يكتب أنه اشترى النخل بمواضعها من الارض و طريقه في البراح لانه إذا لم يذكر بمواضعها من الارض يتمكن فيه اختلاف الروايات و فى النوادر يذكر فيه اختلافا بين أبى يوسف و محمد رحمهما الله في دخول مواضعها من الارض على قولين أحدهما لا يدخل لانه سمى في العقد النخل و اسم النخل لا يتناول الارض و النخل تبع للارض و الاصل لا يصير مذكورا بذكر التبع و على القول الآخر يدخل لانه لا يسمى نخلا الا و هو ثابت في الارض فكان دخوله في الارض من ضرورة ما سماه في العقد فلهذا يذكر مواضعها من الارض حتى لا يتمكن فيه منازعة بينهما و لم يذكر هذا فيما إذا اشترى النخيل و لا فرق بينهما في الحقيقة بل الاحوط أن يذكر ذلك في الموضعين و يذكر طريق النخل في البراح لانه إذا لم يذكر ذلك الطريق بدون ذكر الحقوق فلا يتمكن المشترى من الانتفاع بملكه و يذكر عدد النخلات هنا لانها صارت مقصودة بالعقد فلا بد من بيانها على وجه لا يبقي منازعة ما بعد التسليم و التسلم و لا يكون الا بذكر عدد النخلات و ربما يقلع البائع بعضها قبل التسليم أو يستحق بعضها فيسقط عن المشترى حصة ذلك من الثمن و إذا اشترى أرضا فيها عيون النفط و الغاز فالعين تدخل في الشراء عندنا و ما هو حاصل من النفط و الغاز لا يدخل الا بذكر لان الحاصل فيه بمنزلة الريع للارض و أما العين فهي جزء من الارض فتدخل في العقد بدون ذكر و هذا بخلاف الماء الذي في البئر فانه لا يدخل ذلك في شراء الارض و الدار لان الماء قبل الاحراز لا يكون مملوكا لاحد فلا يتناوله البيع ذكر أو لم يذكر بخلاف النفط و الغاز فانه مال مملوك بمنزلة الملح في المملحة و من العلماء من قال العين لا تدخل في بيع الارض بدون الذكر لان اسم الارض يتناول الموضع الذي يمكن الانتفاع به بالزراعة أو السكنى و العين ليس من ذلك في شيء فلا تدخل في العقد بدون الذكر فللتحرز عن هذا لخلاف ذكر انه يكتب اشترى منه الارض التي يقال لها كذا و العيون التي فيها الغاز و النفط أحد حدوده هذه الارض التي فيها العيون اشترى منه هذه الارض المحدودة في كتابنا هذا و العيون التي فيها النفط و الغاز و ما في العيون من النفط و الغاز بحدودها كلها و إذا

(191)

قال المشترى للشفيع أنا أبيعكها بما اشتريتها به فقال قد قبلت ذلك فأبى المشترى بعد ذلك أن يعطيه فلا شفعة له لانه أظهر الرغبة في شراء مستقبل و ذلك يتضمن إسقاط حقه في الشفعة و لا يتم البيع بينهما بما جرى من اللفظ لان تمام البيع بلفظين هما عبارة عن الماضي و قول المشترى أبعتها عبارة عن المستقبل فهو وعد لا إيجاب و المواعيد لا يتعلق بها اللزوم و إذا اقتسم القوم دارا فانه ينبغى لهم أن يكتبوا للقسمة بينهم كتابا لان في قسمة الدار معنى المعاوضة فكل واحد منهم يسلم لاصحابه بعض ملكه عوضا عما يأخذ منهم من انصبائهم و القسمة تكون مستدامة بينهم فينبغي أن يكتب منهم الوثيقة وصفة ذلك هذا ما اقتسم عليه فلان و فلان و فلانة بنو فلان اقتسموا الدار التي هى في بني فلان أحد حدودها و الرابع اقتسموها علي فرائض الله تعالى و كان ذرع جميع هذا الدار كذا ذراعا مكسرة و كان جميع الذي لفلان من هذه الدار بكل حق هو له كذا ذراعا مكسرة فأصابه ذلك عند القسمة في موضع كذا من هذه الدار و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله نرى أن يكتب ما أصابه ذلك في موضع كذا من هذه الدار أحد حدود الذي أصابه كذا و الرابع و هذا قولهم جميعا فان أبا حنيفة رحمه الله لا يخالفهما في تحديد الموضع الذي أصاب كل واحد منهم عند القسمة لان كل واحد منهم عند المشترى في معنى المشترى لذلك الموضع فقبل هذه القسمة كان حقه شائعا في جميع الدار و قد تعين ألان في موضع منها فلا بد من تحديد الموضع الذي أصاب كل واحد منهم حتى يصير معلوما بذكر الحدود فيتم الكتاب و تنقطع المنازعة و إذا كان الحائط بين رجلين نصفين و لاحدهما عليه خشب كان للآخر أن يضع عليه من الخشب مثل ما وضع صاحبه لانهما استويا في أصل الملك ينبغى أن يستويا في الانتفاع بالمملوك فالانتفاع بالحائط من حيث وضع الخشب فللشريك أن يضع عليه من الخشب مثل ما وضع صاحبه و ليس له أن يرفع شيأ من خشب صاحبه لان فيه ضررا بصاحبه من حيث هدم البناء عليه و انما له حق الانتفاع بالملك المشترى و لا يكون له حق الاضرار بشريكه و قيل هذا إذا كان الحائط بحيث يحتمل مثل ذلك الخشب ان لو وضعه عليه فان كان يعلم انه لا يحتمل ذلك و هما متصادقان في ان أصل الحائط بينهما نصفان فحينئذ يكون له أن يأمر صاحبه برفع بعض الخشب حتى يضع عليه من الخشب مثل ما يبقى لصاحبه ما يحتمله الحائط و هذا لانه ان وضع الزيادة بغير اذن الشريك فهو غاصب و ان وضعها عليه باذنه فالشريك معير نصيبه من الحائط منه و للمعير أن يسترد العاية

(192)

و ان أراد أحدهما أن يزيد عليه خشبة واحدة على صاحبه أو يفتح كوة أو يتخذ عليه سترة أو يفتح فيه بابا لم يكن له ذلك الا باذن صاحبه لانه تصرف في الملك المشترك واحد الشريكين لا ينفرد بالتصرف في الملك المشترى و انما ينفرد بالتصرف في نصيبه خاصة و هذه التصرفات لا كانت في نصيبه خاصه و لان في هذا التصرف ضرر من حيث توهين البناء أو زيادة الحمل عيه و ليس لاحد الشريكين ولاية إلحاق الضرر بشريكه فلهذا كان ممنوعا من هذه التصرفات الا باذن شريكه و إذا انهدم الحائط فقال أحدهما نبنيه كما كان و نضع عيه جذوعنا كما كانت و أبى الآخر لم يجبر الآخر على البناء معه لانه يحتاج في البناء إلى الانفاق بماله و الانسان لا يجبر على إتلاف ماله في مثل ذلك فان صاحب الشرع صلى الله عليه و سلم ذم الانفاق في البناء فقال شر المال ما تنفقه في البنيان و قال عليه السلام انما يتلف المال الحرام الربا و البناء فلهذا لا يجبر أحد الشريكين على ذلك عند طلب الآخر و هذا لانه انما يجبر الآخر عند طلب أحدهما على قسمة المشترك و لا شركة بينهما فيما ينفق كل واحد منهما على البناء من ملك نفسه فان قال الطالب أنا أبنيه بنفقتى واضع عليه جذوعى كما كانت فله ذلك لانه ينفق ماله ليتوصل إلى الانتفاع بملكه و لا ضرر على شريكه في ذلك فلا يمنع منه و إذا منعه شريكه من ذلك يكون متعنتا قاصدا إلى الاضرار به فلا يمكن من ذلك فان فعله فاراد الاخر أن يضع عليه جذوعه كما كانت فله ذلك بعد ما يرد عليه نصف قيمة البناء لان البناء ملك الثاني فيكون له أن يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يرد عليه نصف قيمته فإذا رد ذلك يصير متملكا عليه نصف البناء بنصف قيمته و هو نظير العلو و السفل إذا انهدما فأبى صاحب السفل أن يبنيه كان لصاحب العلو أن يبنى السفل و يبنى فوقه بيته ثم يمنع صاحب السفل من الانتفاع بسفله حتى يرد عليه قيمة البناء و قد بينا هذا في الدعوي اشراة هنا إلى أنه استحسان و ليس له في القياس أن يبنى السفل لانه يضع البناء في ملك غيره و لا ولاية له على الغير في وضع البناء في ملكه و لكنه استحسن ذلك لدفع الضرر عنه فانه لا يتوصل إلى بناء علوه و الانتفاع به ما لم يبن السفل و هذا القياس و الاستحسان في الحائط المشترك أيضا و إذا كانت الدار بين رجلين فاقتسماها على نصفين و باع أحدهما حصته ثم استحقت حصة الآخر قال يرجع على صاحبه بنصف ما باع يعنى بنصف قيمة ما باع لان ما أخذ كل واحد منهما فانما أخذ نصفه بقديم ملكه و نصفه عوضا عما سلم لصاحبه من نصيبه فكأنه ملك ذلك على صاحبه من جهة المعاوضة

(193)

فحين استحقت حصة أحدهما فقط ظهر ان نصف ما أخذه عوضا عما هو مستحق و بدل المستحق يملك بالقبض و ينفذ تصرف القابض فيه بالبيع ثم بعد الاستحقاق وجب عليه رده و قد تعذر رد عينه بإخراجه من ملكه فيرد نصف قيمته لهذا و ان لم يكن باع رجل عليه بنصف ما في يده من الدار لان المعاوضة قد بطلت بالاستحقاق و لانه لما استحق نصيب أحدهما فقد بطلت القسمة و تبين ان المشترك بينهما النصف الذي هو في يد الآخر فرجع عليه شريكه بنصف ذلك و ان لم يستحق الا بيت واحد أعيدت القسمة على ما بقي نصفين لان باستحقاق بيت واحد يتبين انه كان لهما في الدار شريكا في البناء و القسمة لا تصح بدون رضاه لان فيما يخص البيت القسمة تبطل فلو بقيت فيما سوي ذلك تضرر به المستحق عليه من حيث انه يتفرق نصيبه في موضعين و القسمة لدفع الضرر فلهذا تعاد القسمة على ما بقي نصفين و لو كانت الدار بينهما نصفين فاقتسماها فاخذ أحدهما الثلث من مقدمها بجميع نصيبه و أخذ الآخر الثلثين من مؤخرها بنصيبه و باع صاحب الثلثين ثم استحق نصف الثلث قال يرجع على صاحب الثلثين بربع قيمة الثلثين و قال أبو يوسف رحمه الله يرجع عليه بنصف قيمة الثلثين و يكون ما بقي من الثلث بينهما نصفين و هو قول محمد رحمه الله فان قول محمد مع قول أبى حنيفة رحمهما الله و قد بينا أصل هذه المسألة في كتاب القسمة أن باستحقاق نصف نصيب أحدهما عند أبى حنيفة لا تبطل القسمة فيما بقي و هو الصحيح من قول محمد رحمه الله على ما ذكره الكرخي رحمه الله في كتابه فان ابن سماعة رحمه الله كتب إلى محمد رحمه الله يسئله عن قوله في هذه المسألة فكتب اليه في جوابه ان قوله كقول أبى حنيفة و عند أبى يوسف رحمه الله تبطل القسمة باستحقاق نصف نصيب أحدهما و هذه المسألة تنبني علي تلك المسألة فان عند أبى حنيفة و محمد رحمهما الله لو لم يبع صاحب الثلثين لكانت القسمة تبقي و يتخير المستحق عليه ان شاء رد ما بقي فتبطل القسمة في الكل و ان شاء أمضي القسمة و رجع على صاحبه بربع الثلثين فإذا باع نصيبه فقد تعذر نقض القسمة لاخراجه نصيبه من ملكه بالبيع فانما يرجع صاحب الثلث عليه بما يخص به المستحق من الثلثين و لو استحق جميع نصيبه رجع على شريكه بنصف قيمة الثلثين فإذا استحق نصف نصيبه رجع عليه بربع قيمه الثلثين و على قول أبى يوسف رحمه الله القسمة تبطل بظهور شريك ثالث لهما في الدار و لكن إخراجه عن ملكه بالبيع كان صحيحا فيرجع عليه بقيمة

(194)

نصيبه من ذلك و هو نصف قيمة الثلثين و يكون ما بقي من الثلث بينهما نصفين على أصل الشركة و لو كان عشرون جريب أرض بين رجلين نصفين فاقتسما فأخذ أحدهما خمسة عشر جريبا تساوي ألف درهم و أخذ الآخر خمسة أجربه تساوي ألفا حصته فباع صاحب الخسمة عشر ما في يده و استحق نصف ما في يد الآخر قال يرد صاحب الخمسة عشر ربع قيمة ما كان في يده على الآخر لانه لو استحق جميع ما في يده رجع على صاحبه بنصف قيمة ما في يده فان بدل المستحق كان مملوكا له فكان بيعه نافذا فيه فإذا استحق نصفه رجع عليه بربع قيمة ما كان في يده و هذا لان ما أخذه البائع كان نصفه له بقديم ملكه و أخذ نصفه من نصيب شريكه عوضا عما سلم لصاحبه من نصيبه في الخمسة عشر الاجر بة و قد استحق نصف الخمسة شائعا فيما كان للمستحق عليه باعتبار قديم ملكه و فيما أخذه بطريق المعاوضة فلهذا لا يرجع على صاحبه بربع قيمة ما في يده و لو كانت الارض خمسة عشر جريبا بينهما أثلاثا فاخذ صاحب الثلث سبعة أجربة بحصة قيمتها خمسمأة و أخذ صاحب الثلثين ثمانية أجربة بحصة قيمتها ألف درهم فباع صاحب الثلث و استحق نصف ما في يد صاحب الثلثين و باع ما بقي فانه يرجع على صاحب الثلث بثلث قيمة ما كان في يده و ذلك مائة و ستة و ستون و ثلثان و قد سلم له مما كان في يده خمسمأة فجملة ذلك ستمأة و ستة و ستون و ثلثان و انما سلم لصاحب الثلث ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثين و ثلثا و بالاستحقاق تبين ان قيمة المشترك بينهما كان ألف درهم فإذا سلم لصاحب الثلثين ما يساوى ثلثي الالف و للآخر ما يساوي ثلث الالف استقامت القسمة و لانه لو استحق جميع ما في يد صاحب الثلثين رجع على شريكه بثلثي قيمة ما كان في يده فإذا استحق نصفه رجع عليه بنصف ذلك و هو ثلث قيمة ما كان في يده و لان ما أخذه صاحب الثلث فانما سلم ثلثه له بقديم ملكه و ثلثيه بطريق المعاوضة و قد استحق نصف العوض فرجع بما هو عوض المستحق و هو ثلث قيمة ما كان في يده و فى جميع هذه الفصول إذا كتب الكاتب بينهما كتاب القسمة ينبغي أن يبين كيفية القسمة بينهما ان وقعت بقضاء القاضي بين ذلك في الكتاب و ان كانت بتراضيهما بين ذلك لان الحكم يختلف باختلاف القسمة بقضاء أو قضأ حتى ان في القسمة بقضاء القاضي إذا ظهر العيب في نصيب أحدهما ترد القسمة و القسمة بالتراضي لا ترد لمكان العيب فلهذا ينبغى أن يبين صفة القسمة فيما بينهما و إذا كانت الدراهم بين رجلين و هي موضوعة عند أحدهما

(195)

فقال له الآخر أقسم ما عندك فأعطني حصتى فأعطاه حصته فهو جائز لان هذه قسمة تمت بين اثنين و تمامها بدفع نصيب صاحبه اليه و إمساكه حصة نفسه بمنزلة أخذه ابتداء بحكم القسمة لان الاستدامة فيما يستدام بمنزلة الانسان و ان قال خذ حصتك ودع ما بقي حتى أقبضها فاخذ حصته لم يكن ذلك قسمة حتى لو هلك ما بقي كان للآخر أن يأخذ من صاحبه نصف ما في يده لان القسمة لا تتم بالواحد فان تمامها بالحيازة و ذلك لا يكون الا بين اثنين فكان شرط سلامة المقبوض للقابض أن يسلم ما بقي للآخر فإذا هلك فقد انعدم الشرط فكان ما هلك من النصيبين و ما بقي من النصيبين و إذا كانت الدار لقوم واحدهم شاهد و الاخرون غيب فأراد الشاهد أن يسكنها إنسانا أو يؤاجرها إياه ففيما بينه و بين الله تعالى لا ينبغي له أن يفعل ذلك لانه يكون معيرا أو مؤاجرا نصيب شركائه بغير رضاهم و لا ولاية له عليهم و كما لا يتصرف في عين ملكهم بغير رضاهم لا يتصرف في منفعة ملكهم أيضا و لا يمكنه أن يتصرف في نصيب نفسه بالاسكان و الاجارة الا بعد القسمة و القسمة لا تتم بالواحد و أما في القضاء فإذا لم يكن لهم خصم يخاصمه لم يحل بينه و بين ذلك لان القاضي لفصل الخصومة لا لانشائهما و إذا لم يحضر خصم لا يكون له أن يمنع صاحب اليد من التصرف فيما في يده بالاسكان و الاجارة و لكنه إذا علم حقيقة الحال أفتاه بالكف عن ذلك كما يفتيه به غيره و ان أراد أن يسكنها بنفسه ففى القياس يمنع ذلك فيما بينه و بين ربه لانه يصير مستوفيا منفعة نصيب شركائه و هو ممنوع من ذلك شرعا ( ألا تري ) لو كانوا حضورا منعوه من ذلك فإذا كانوا غيبا لم يبطل حقهم بغيبتهم فكان هو ممنوعا من ذلك شرعا و فى الاستحسان يرخص له في ذلك لانهم قد رضوا جميع الدار في يده و ليس في سكناه الا إثبات اليد اليه ( ألا ترى ) ان من لا يضمن العقار باليد لا يضمنه بالسكنى أيضا لان في سكناه منفعة لشركائه لان الدار إذا لم يكن فيها ساكن فانها تخرب و إذا سكنها إنسان كانت عامرة ففى هذا التصرف منعفة لشركائه بخلاف ما تقدم فانه بالاسكان يثبت يد غيره على الدار و لم يرض به شركاؤه فربما لا يتمكنون إذا حضروا من إرجاعه و استرداد انصبائهم و ان أجرها الحاضر و أخذ الآخر حصة نصيبه من ذلك تطيب له و حصة نصيب شركائه لا تطيب لانه بمنزلة الغاصب يؤاجر في حصتهم فلا يطيب له الاجر و لكنه يتصدق به لان ملكه حصل له بسبب خبيث و يعطى ذلك شركاءه ان قدر عليهم لان تمكن الخبث كان لمراعاة حقهم فيرتفع بالرد عليهم