مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 30 -صفحه : 46/ 43
نمايش فراداده
(287)

الله تعالى الامر علينا فلا نضيق على أنفسنا و لا على أحد من المؤمنين قال محمد بن سماعة رضى الله عنه قال محمد بن الحسن رضى الله عنه و هذا الذي ثبت لك في هذا الكتاب قول عمر و عثمان و على و ابن عباس و غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و رضى عنهم أجمعين و هو مذهب أبى حنيفة و أبى يوسف و زفر و من بعدهم من الفقهاء رحمهم الله و بذلك كله نأخذ و الله تعالى أعلم بالصواب وصلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم و حسبنا الله و نعم الوكيل كتاب الرضاع قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة فخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله املاء يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة سبع و سبعين و أربعمأة اختلف الناس في كتاب الرضاع هل هو من تصنيف محمد رحمه الله أم لا قال بعضهم هو ليس من تصنيف محمد رحمه الله و انما صنفه بعض أصحابه و نسبه اليه ليروج به و فى ألفاظه ما يدل على ذلك فقد ذكر في حرمة المصاهرة سبب الوطء الحرام قال و التنزه عنه أفضل ان شاء الله تعالى و محمد رحمه الله ما كان يصحح الجواب في مصنفاته في الاحكام خصوصا فيما فيه نص من الكتاب و السنة فعرفنا أنه ليس من تصنيفاته و لهذا لم يذكره الحاكم الجليل في المختصر و قال أكثرهم هو من تصنيفاته و لكنه من أوائل تصنفاته و لكل داخل دهشة و قد بينا فيما سبق انه كان صنف الكتب مرة ثم أعادها الا قليلا منه فهذا الكتاب من ذلك لانه حين أعاد اكتفى في أحكام الرضاع بما أورد في كتاب النكاح و اكتفى الحاكم رضى الله عنه أيضا بذلك فلم يفرد هذا الكتاب في مختصره قال رضى الله عنه و لكني لما فرغت من املاء شرح المختصر بحسب الامكان و الطاقة عند تحقق الحاجة و الفاقة و أتبعته باملاء كتاب الكسب رأيت الصواب اتباع ذلك باملاء شرح هذا الكتاب ففيه بعض ما لابد من معرفته و ما يحتاج فيه إلى شرح و بيان ثم انه بدأ الكتاب ببيان المحرمات من النساء فقال أسباب حرمة النساء ثلاثة النسب و الصهر و الرضاع و المحرمات بالنسب سبعة و ذلك يتلى في قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله تعالى و بنات الاخت و المصاهرة كالنسب في ثبوت الحرمة المؤبدة بها بطريق الاكرام فان الله تعالى جمع بينهما قال و هو

(288)

الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و المحرمات بالمصاهرة أربع و ذلك يتلى في القرآن قال الله تعالى و أمهات نسائكم و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن و قال تعالى و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم و قال عز و جل و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم ثم حرم بالرضاع مثل هذا العدد الذي حرم بالنسب و الصهر و ثبوت الحرمة بسبب الرضاع منصوص في قوله تعالى و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك بقوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و زعم بعص العلماء رحمهم الله أن طريق معرفة هذه المحرمات النص خاصة و لو خلينا و القياس لم نقل بشيء من هذه المحرمات فان الاناث خلقن للذكور و هذا محل النكاح باعتبار أنهن مكان حرث للولد و ان التناسل بين الذكور و الاناث و بهذه الاسباب لا يختل هذا المعنى و الاصح أن نقول هذه المحرمات ثابتة بالنص و هي مستحسنة في عقول العقلاء أيضا عند رفض العادات السيئة و العاقل يحرص على حماية أمه و ابنته و أخته و دفع العار و الشنار عنهما كما يحرص على دفع ذلك عن نفسه و المقصود بالنكاح الاستعراض للوطء و العاقل يأنف من ذلك الفعل في أمه و ابنته كما يأنف من ذلك في نفسه ( ألا ترى ) ان الله تعالى أشار إلى ذلك في الاخبار عن الذين لم يعرفوا الشريعة و كانوا عقلاء فقال جل و علا و إذا بشر أحدهم بالانثي إلى قوله تعالى أ يمسكه على هون أم يدسه في التراب فإذا كان يأنف من ذلك كيف يستجيز من نفسه أن يباشر فعله و كذا يأنف من ذلك في حق إمرأة أبيه التي ربته و هي بمنزلة أمه باعتبار التربية و فى حق إمرأة ابنه التي هى له بمنزلة الولد و المتولد منها يكون ولدا له و كذلك يأنف من ذلك باعتبار الرضاع الذي هو أحد سببي الكون فان النشر و التسوية يحصل به و لهذا كانوا في الجاهلية يعظمون أمر الرضاع كما يعظمون أمر النسب ثم بسبب النسب تتمكن بينهما العصبية أو شبه العصبية و اليه أشار رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله أولادنا أكبادنا و قال صلى الله عليه و سلم ان فاطمة بضعة منى الا ما كان لآدم صلوات الله عليه و قد كان ذلك بطريق الكرامة لكون الاصل الاول واحدا كما قال تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ثم شبهة التعصبية تعتبر بحقيقة العصبية و فى المصاهرة شبهه العصبية باعتبار الواسطة و فى الرضاعة شبهة العصبية باعتبار البنوة و اليه أشار صلى الله عليه و سلم في قوله الرضاع ما أنبت اللحم و انشر العظم ثم بين نوعا آخر من الحرمة فقال و من

(289)

ذلك ما حرم بالكفر قال الله تعالى و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن و هذا في المعنى ليس نظير ما تقدم فتلك حرمة مؤبدة و هذه حرمة مؤقتة إلى غاية هى الاسلام و هذا النوع من الحرمة سبعة أيضا أحدها إذا كان تحت الرجل إمرأة فاختها محرمة عليه إلى غاية و هي أن يفارقها و كذلك ما في معنى الاخت كالعمة و الخالة و بنت الاخ و بنت الاخت ثبت ذلك بقوله تعالى و أن تجمعوا بين الاختين و بقوله صلى الله عليه و سلم لا تنكح المرأة على عمتها و لا على خالتها و لا على ابنة اختها و لا على ابنة أخيها و الثانية إذا كان تحته أربعة نسوة فالخامسة محرمة عليه إلى أن يفارق احدى الاربع ثبت ذلك بقوله تعالى مثنى و ثلاث و رباع و بإجماع الجمهور من علماء المسلمين رحمهم الله على حرمة الجمع بين أكثر من أربع نسوة و الثالثة إذا كان تحته حرة فالأَمة محرمة عليه إلى غاية و هي أن يفارق الحرة ثبت ذلك بقوله صلى الله عليه و سلم لا تنكح الامة على الحرة و هي حرمة ثابتة شرعا عندنا لا لحق المرأة حتى انها و ان رضيت لم تحل الا على قول مالك رضى الله عنه فانه يقول إذا رضيت الحرة جاز و ذكر في الكتاب هذا القول منسوبا إلى بعض العلماء و مراده مالك رضى الله عنه و الرابعة إذا وطي إمرأة بشبهة فاختها محرمة عليه إلى غاية و هي انقضاء عدة هذه باعتبار أن العدة حق من حقوق النكاح كأصل النكاح في إيجاب الحرمة كما يجعل الرضاع بمنزلة النسب في إيجاب الحرمة و الخامسة منكوحة الغير أو معتدة الغير فانها محرمة عليه إلى غاية و هي انقضاء العدة ثبت ذلك بقوله تعالى و المحصنات من النساء أى أخوات الازواج و بقوله عز و جل و لا تقربوا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله و السادسة مكاتبة الرجل فانها محرمة عليه لا يطؤها بالملك إلى أن تعتق بالاداء فينكحها أو تعجز فيطؤها بالملك و السابعة المشركة فهي محرمة على المؤمن و زعم مالك رضى الله عنه أن نكاح المشركة لا يجوز لمشرك و لا للمسلم فكان يقول ببطلان أنكحة المشركين أهل الشرك منهم و هو باطل عندنا فان الله تعالى قال و إمرأته حمالة الحطب فلو لم يكن بينهما نكاح لما سماها إمرأته و قال صلى الله عليه و سلم ولدت من نكاتح و لم أولد من سفاح و لم يفرق رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أحد ممن أسلم و بين زوجته حين أسلمت معه و لم يأمرها بتجديد العقد بل أقرهما على النكاح فعرفنا ان للانكحة فيما بينهم حكم الصحة و ان نكاح المشركة حرام على المسلم خاصة لخبثها و كرامة المسلم ففيه معنى الصيانة له عن فراش الخبيثة و بالنكاح ثبت الازدواج و انما يتحقق ذلك

(290)

بين المتساويين أو متقاربى الحال و لا مساواة بين المشركة و المسلم فكانت محرمة عليه إلى أن يؤمن ( قال ثم ان الله تعالى أحل نساء أهل الكتاب في قوله عز و جل و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) فأحل نساء أهل الكتاب من جملة أهل الكفر و ترك باقى أهل الكفر على التحريم في قوله تعالى و لا تنكوا المشركات حتى يؤمن و من الناس من قال هذا الكلام مختل فان اسم المشركة لا يتناول الكتابة حتى يقال انها خرجت من هذه الحرمة بالنص ( ألا ترى ) ان الله تعالى عطف المشركين على أهل الكتاب فقال عز وجل لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين و انما يعطف الشيء على غيره و لكنا نقول ما ذكره الكتاب صحيح فان أهل الكتاب في الحقيقة مشركون و ان كانوا يدعون التوحيد قال الله تعالى و قالت اليهود عزير ابن الله إلى قوله عز و جل سبحانه عما يشركون و عطف المشركين على أهل الكتاب لا يدل على انهم مشركين قال الله تعالى و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين أشركوا فقد عطف أهل الشرك على المجوس و المجوس مشركون تتناولهم الجهة الثابتة في قوله عز و جل و لا تنكحوا المشركات فعرفنا ان أهل الكتاب خصوا من هذه الحرمة بالنص و كان ابن عمر رضى الله عنه لا يخص أهل الكتاب من هذه الحرمة و كان يقول معنى قوله تعالى و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم اللاتي أسلمن من أهل الكتاب و لسنا نأخذ بهذا فعلى هذا التأويل لا يبقى للآية فائدة لان نكاح المسلمة حلال للمسلم سواء كانت كتابية و أسلمت أو لم تكن و انما المراد بقوله تعالي و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم العفائف منهن أو الحرائر منهن و الله أعلم بالصواب باب تفسير التحريم بالنسب و هو مانصه الله تعالى في كتابه و ما حرمته السنة و اجمع عليه المسلمون فأما نص الله تعالى فيكتابه فتحريم الام و حرمت السنة و الاجماع أم الام وأم الاب و ان بعدت من قبل الامهات كانت أو من قبل الاباء و زعم بعض مشايخنا رحمهم الله ان ثبوت حرمة الجدات بالنص أيضا فاسم الام يتناول الجدات قال الله تعالي يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة فدل على أن الجدة أم و ان الجواب ما ذكره في الكتاب و هو أصح فان اسم الام يتناول الجدة مجازا حتى ينفى عنها هذا الاسم بإثبات غيره فيقال انها جدة و ليست بام و لا

(291)

يجمع بين الحقيقة و المجاز من اداتى لفظ واحد فان قيل لا كذلك فمن أصول علمائنا رحمهم الله الجمع بين الحقيقة و المجاز في لفظ واحد حتى إذا حلف ان لا يضع قدمه في دار فلان فدخلها حافيا أو منتعلا ماشيا أو راكبا كان حانثا في يمينه و هذا اللفظ للنهار حقيقة و يتناول الليل مجازا و قال في السير الكبير إذا استأمن الحربي على بنية دخل في الامان بنو بنية مع بنية لصلبه و الاسم لبنيه حقيقة و لبني بنية مجاز قلنا لا كذلك فالحقيقة استعمال الشيء في موضعه و المجاز استعارة الشيء و استعماله في ما وضع له و لا يتصور أن يكون اللفظ الواحد مستعملا في موضعه و مستعارا كما لا يتصور أن يكون الثوب على اللابس ملكا له و عارية في يده في حالة واحدة فأما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان فذلك عبارة عن الدخول علم ذلك بالعرف ثم يحنث في الوجوه كلها لانه دخول لا لاعتبار الحقيقة و المجاز و كذلك اليوم فيما لا يمتد عبارة عن الوقت الذي هو ظرف له فيحنث في الوجهين لوجود وقت القدوم لا للحقيقة و المجاز فلهذا قلنا ان فيما يمتد يحمل ذكر اليوم على بياض النهار ليكون معيارا له و فى مسألة الامان روايتان كلاهما في السير و فى القياس لا يدخل بنو الابن و انما أدخلهم استحسانا لان أمر الامام مبنى على التوسع و أدنى الشبه يكفى لاثباته و السبب الداعي له إلى طلب هذا الامان شفقته عليهم و شفقته على بنيهم كشفقته على بنية فلهذا أدخلهم في احدى الروايتين فإذا ثبت انه لايراد باللفظ الحقيقة و المجاز في حالة واحدة عرفنا ان حرمة الجدات ثبتت بالسنة و الاجماع كما أشار اليه و على هذا حرمة الابنه ثابتة بالنص و حرمة ابنه البنت و ابنة الابن ثابته بالاجماع و السنة قال و حرم الله تعالى الاخوات و بنات الاخت و بنات الاخ بالنسب و حرمت السنة أسفل من ذلك من ولد الاخت و الاخ إلى أسفل الدرجة و حرم الله تعالى العمة بالنسب و حرمت السنة و الاجماع أم العمة و ان كانت أمها أم الاب أو أم الاب لان العمة ان كانت لاب وأم أو لام فان العمة أمها أم الاب و هي محرمة عليه و ان كانت العمة لاب فامها إمرأة أب الاب و هي محرمة بقوله تعالى و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء و أقامت السنة إمرأة الجد مقام إمرأة الاب و عمة العمة حرام إذا كانت العمة لاب وأم أو لاب لانها أخت أبى الاب لان العمة بمنزلة الام كما ان العم بمنزلة الاب قال الله تعالى قالوا نعبد الهك و اله آبائك إبراهيم و إسماعيل و هو كان عما و قال صلى الله عليه و سلم لا تؤذونى في بقية آبائى يعنى العباس رضى الله عنه فإذا كانت العمة بمنزلة الام أو الاب فعمة العمة

(292)

بمنزلة عمة الاب فإذا كانت العمة أخت الاب لام فعمة عمتها ليست بمحرمة لان أباها رجل أجنبي ليس بذى رحم محرم و حرم الله تعالى الخالة و حرمت السنة و الاجماع أم الخالة لان أم الخالة هى الجدة أم الام و ان كانت لاب فأم الخالة إمرأة أب الام و الجدة بالسنة قائمة مقام الاب فامرأة الجد أبى الام كامرأة الاب في الحرمة و خالة الخالة محرمة عليه إذا كانت الخالة لاب وأم أو لاب كما بينا في عمة العمة فان كانت الخالة لاب فخالتها تكون أجنبية عنها على نحو ما ذكرنا في عمة العمة فاما ابنة العم و ابنة العمة و ابنة الخالة و ابنة الخال فمن جملة المحللات و ذلك يتلى في سورة الاحزاب قال الله تعالى و بنات عمك و بنات عماتك و بنات خالك و بنات خالاتك و يتلى في سورة النساء أيضا فان الله تعالى بين المحرمات ثم قال و أحل لكم ماوراء ذلكم فما تناوله نص التحريم تناوله هذا النص و قوله تعالي و أحل لكم ماوراء ذلكم و منكوحة الاب من جملة المحرمات على الابن و على ابن الابن و ان سفل باعتبار السنة و الاجماع و يستوى ان دخل بها أو لم يدخل بها لانها مبهمة في كتاب الله و قال ابن عباس رضى الله عنهما أبهموا ما أبهمه الله تعالى و كذلك أمهات النساء فأما الربائب فلا يحرمن الا بالدخول بالام قال الله تعالى و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن و الحجر ليس بشرط و ذلك ثابت في قوله تعالى فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناج عليكم و ذكر الحجر في قوله و ربائبكم اللاتي في حجوركم بطريق العادة لا أن يكون الحجر مؤثرا في هذه الحرمة ( ألا ترى ) ان الانسان قد يكون في بيته إمرأة لها ولد يعولها و ينفق عليها ثم يتزوج الابنة إذا كبرت فيجوز ذلك لان أمها لم تكن في نكاحه و ان كانت هى في حجره فعرفنا انه لا تأثير للحجر و انه مذكور علي طريق العادة بمنزلة قوله تعالى و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد و المباشرة حرام على المعتكف في المسجد كان أو في المسجد و ذكر المساجد للعادة اذ الاعتكاف في العادة يكون في المساجد و حليلة الابن من النسب حرام بالنص و زعم بعض أهل العلم ان حليلة الابن من الرضاعة لا تكون حراما للقيد المذكور في قوله تعالى و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم و لكن نقول حليلة الابن من الرضاعة كحليلة الابن من النسب ثبت بقوله صلى الله عليه و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و المراد بقوله عز و جل من أصلابكم يعنى حرمة حليلة الابن من التبنى فقد كان التبنى معروفا فيما بين أهل الجاهلية و كان مشروعا في الابتداء ثم نسخه الله تعالى بقوله أدعوهم لآبائهم و تبني رسول الله صلى الله

(293)

عليه و سلم زيد بن حارثة ثم تزوج زينب إمرأة زيد بعد ما فارقها و فيه نزل قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله فالمراد بالتقييد نفى حرمة حليلة الابن من التبنى ثم تحريم حليلة ابن الابن و ان سفل بالسنة و الاجماع فان قيل كيف ثبت ذلك مع قوله عز و جل الذين من أصلابكم فان ابن ابنه ليس من صلبه قلنا لا كذلك بل يتناوله هذا الاسم باعتبار ان أصله من صلبه قال الله تعالى هو الذي خلقكم من تراب و المخلوق من التراب هو الاصل و الله أعلم و ما سوى هذا من المسائل المذكورة إلى تفسير لبن الفحل قد تقدم بيانه في كتاب النكاح و بعض هذه الفصول قد تقدم بيانه هناك أيضا فلهذا لم تستقص هنا و الله أعلم بالصواب باب تفسير لبن الفحل ( قال رحمه الله ) ذكر عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الرجل يكون له إمرأتان أو أمتان قد ولدتا منه فترضع احداهما صبيا و الاخرى صبية قال ابن عباس رضى الله عنهما اللقاح واحد و به نأخذ فنقول تحرم المناكحة بين هذين الصبيين بسبب الاخوة لاب من الرضاع و من العلماء من يقول لا تثبت فقالوا حرمة الرضاع انما تثبت من جانب الآباء فما لم يجتمع صغيران على ثدي واحد لا تثبت بينهما الاخوة من الرضاعة و هذا لان السبب هو الارضاع و انما يتحقق ذلك من جهة النساء دون الرجال و ثبوت الحرمة بسبب البعضية تشبهه حرمة اللبن لقرب بعضها إلى بعض و لو بأشر الرجل الارضاع بان نزل اللبن في تندؤته فارضع صبيين لا تثبت الاخوة بينهما فبارضاع غيره كيف تثبت الاخوة في جانبه و حجتنا في ذلك حديث عروة عن عائشة رضى الله عنها ان أفلح بن أبى قعيس استأذن عليها فسألت رسول الله صلي الله عليه و سلم عن ذلك فقال ليلج عليك أفلح فانه عمك من الرضاعة فقالت انما أرضعتنى المرأة دون الرجل فقال ليلج عليك أفلح فانه عمك من الرضاعة و فى حديث آخر عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في بيتها فسمعت صوت رجل يستأذن علي حفصة رضى الله عنها فقالت يا رسول الله هذا رجل يستأذن على حفصة فقال ما أحسبه الا بداح عمها من الرضاعة فقالت أ رأيت لو كان فلان عمي من الرضاعة حيا أ كان يدخل على فقال نعم و لان النبي صلي الله عليه و سلم شبه الرضاعة بالنسب و الحرمة بالنسب تثبت من الجانبين