نفحات القرآن

ناصر مکارم شیرازی

جلد 4 -صفحه : 159/ 104
نمايش فراداده

جمع الايات وتفسيرها

العين لا تطيق مشاهدة جماله

قـالت الاية الاولى من البحث بصراحة (لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار) ثم تضيف (وهو اللطيف الخبير).

وعليه فان هذه الاية تنفي كل امكانية لرؤيته تعالى سوا في هذا العالم ام في العالم الاخر.

وبـديهي ان المقصود من معنى (لاتدركه الابصار) هو عدم قدرة البشر على رؤيته بواسطة العين , وجلي ايضا ان كلمة ( الابصار ) وردت بصيغة الجمع هنامن اجل التعميم والشمول لتشمل اي عين مهما كانت قدرتها البصرية شديدة .

وبـالـرغـم من الصراحة التامة الموجودة في تعبير هذه الاية لادا المقصود ,نلاحظ ان ((الفخر الرازي )) ومؤيديه استدلوا بهذه الاية على امكانية رؤية اللّه ,وتشبثوا لاثبات هذا المدعى بتعابير واهية ومضحكة .

فقد قال ـ الفخر الرازي ـ في بعض كلامه في ذيل الاية اعلاه ( استدل اصحابنا بهذه الاية لاثبات امكانية رؤية اللّه يوم القيامة بطرق متعددة 1 ـ ان قـول الـقـرآن الـكريم (لاتدركه الابصار) يفيد المدح وثبت ان ذلك انمايفيد المدح لو كان صحيح الرؤية , وهذا يدل على ان قوله تعالى ولاتدركه الابصار) يفيد كونه تعالى جائز الرؤية , وتمام التحقيق فيه ان الشي اذا كان في نفسه بحيث يمتنع رؤيته , فحينئذ لايلزم من عدم رؤيته مدح وتعظيم للشي .

وبـعـدماثبتت امكانية رؤية اللّه يجب التسليم بان هذه المسالة تحدث في يوم القيامة سـوى رايـيـن حول هذه المسالة الاول جواز الرؤية مع ان المؤمنين لايرونه ولا تجوز رؤيته مـطـلقا فاما القول بانه تعالى تجوز رؤيته مع انه لايراه احد من المؤمنين فهو قول لم يقل به احد من الامة فكان باطلا فثبت بما ذكرنا ان هذه الاية تدل على انه تعالى جائز الرؤية في ذاته .

2 ـ لايرى بالعين وانما يرى بحاسة سادسة يخلقها اللّه تعالى يوم القيامة .

3 ـ قـولـه (لاتـدركـه الابصار) يفيد انه لايراه جميع الابصار فهذا بعينه سلب العموم ولا يفيد عموم السلب ((126)) .

كان ذلك قسما من استدلالاته بصورة ملخصة ومضغوطة , والحق انه يبعث على الاسف في ان يحوك مفسر مثله ويخلط المسائل مع بعضها بصورة محيرة , على الرغم من قدرته الفكرية , عندما يتورط في اسر التعصبات الطائفية ويستدل من دليل واضح على ضده ونـحن لا نرغب ابدا في سرد مثل هذه التعابير بشان اي احد , ولكن لوشاع هذا الاسلوب , اي ان يـتـشـبث الانسان لاثبات مطلب معين بامور تدل بالضبط على عكس ذلك المطلب , ويستدل بكل شي لاثبات كل شي لتعرضت الحقائق للاندثار والضياع , ولامكن ايجاد استدلال قرآني لاي مطلب ,ولذا كـان لا بـد لـنـا مـن الـتـكـلـم بـهذه الطريقة , ولزيادة توضيح هذا البحث نتطرق الى تحليل تلك الاستدلالات الثلاثة المذكورة اعلاه .

اولااننا نمدح اللّه تعالى بصفات سلبية كثيرة وجميعها محال بشانه ,كقولنا بان اللّه لايفنى ولا يهلك ابدا (كل شي هالك الا وجهه ) , ومن المسلم به ان هلاك واجب الوجود محال , فهل يمكن ان يستدل احـد بـهـا عـلى امكانية هلاك وفنا اللّه تعالى ؟ بحجة انه لو كان محالا لما صح مدحه بعدم الهلاك كمايدعي فهل يتفوه عاقل بمثل هذا وكـذلك مدح القرآن للّه تعالى بتنزيهه عن الاب والصاحبة والولد والشريك (انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) ( الانعام ـ 101 ) , (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد) ( التوحيدـ 3 ).

وبـالاسـاس ان جـميع الصفات السلبية امور محالة بشان اللّه تعالى , لانهامن صفات الممكنات واللّه واجب الوجود.

ثانيالايوجد في الاية اعلاه اي اشارة الى الحاسة السادسة وما شاكلها ,ولا تدخل في اطار اي من الـمـفاهيم المعروفة الموجودة في كتب الاصول , اذن فليس اثبات الشي بمعنى نفي غيره , ولا نفي الشي يثبت شيئا آخر , وعليه فاذاقالت الاية ((لا تدركه الابصار)) فليس مفهومها امكانية رؤية اللّه بواسطة اخرى علاوة على ذلك فما هو المقصود من الحاسة السادسة ؟.

فان كان المقصود منها المشاهدة القلبية والرؤية بعين العقل فلا احدينكرها , ولا علاقة لها بالرؤية الـبـصرية , وان كان المقصود شيئا آخر فينبغي توضيحه وتشخيصه ليمكن بحثه , لان التكلم في موضوع مبهم وغير مفهوم يعتبر لغوا.

ثـالـثـاان قـول الاية (لاتدركه الابصار) معناه عدم قدرة اي بصر على رؤيته ,وهو من قبيل ( العموم الافرادي ) , ويمر علينا مثل هذا التعبير في كلامنا اليومي بكثرة , كقولنا لا تطوله الايدي , او لا يعرف الناس قدره اي , اي يد واي انسان .

كـمـا ورد فـي بـعـض الادعـيـة (( كـلت الالسن عن غاية صفته , والعقول عن كنه معرفته )) ((127)) .

وكذلك نقرا في نهج البلاغة (( واعجز الالسن عن تلخيص صفته )) ((128)) .

والحاصل ان دلالة الاية على عدم امكان الرؤية واضح جدا ولايمكن باي سفسطة اتخاذها دليلا على امكان الرؤية .

ياموسى ارنا اللّه جهرة . تـحدثت الاية الثانية عن القصة المعروفة لبني اسرائيل الذين الحوا على (موسى ) ( (ع ) ) ليريهم اللّه تعالى , فاخذهم موسى بامر من الباري عز وجل الى جبل (طور) ليحصلوا على جواب ماسالوا , فحدثت هناك حادثة عجيبة انكشفت فيها جميع الحقائق المرتبطة بهذا الموضوع .

قـال تعالى (ولما جا موسى لميقاتا وكلمه ربه قال رب ارني انظراليك ) فسمع (موسى ) (ع ) هذا الجواب الجلي الواضح من ربه (قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني ) .

فنظر موسى وسبعون رجلا من بني اسرائيل , الذين كانوا معه الى الجبل فتجلى اللّه للجبل (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا).

وكذلك الحال بالنسبة لمن معه من بني اسرائيل , (فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين ) .

ولتكملة تفسير هذه الاية ينبغي الاجابة هنا على عدة اسئلة

الاول اذا كانت مشاهدة جمال اللّه محالة ( كما يستنتج من عبارة ( لن تراني ) فلم سال موسى ربه الرؤية مع انه كان رسولا ؟.

يمكن الاجابة على هذا السؤال بسهولة وذلك بالاستعانة بيات قرآنية اخرى , وهو ان هذا السؤال صـدر مـن جـهـلا بـني اسرائيل الذين كانوا يشكلون الاغلبية , كما نجد في الاية 155 من سورة الاعراف ان موسى قال بعد هذه الحادثة مخاطبا ربه (اتهلكنا بما فعل السفها منا) ؟.

فيستنتج من هذا التعبير ان هذا السؤال لم يصدر من موسى ( (ع ) ) , بل قدتعرض لضغوط اجبرته على طرح سؤال اولئك الجهلا ليحصل لهم على جواب من ربه وكذلك لالقا الحجة عليهم .

ويـسـتفاد بوضوح من الاية ( 153 ) من سورة النسا (يسالك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من الـسما فقد سالوا موسى اكبر من ذلك فقالوا ارنا اللّه جهرة فاخذتهم الصاعقة بظلمهم ) , وكذلك من الايـة ( 55 ) مـن سـورة الـبقرة (واذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فاخذتكم الـصـاعـقة وانتم تنظرون ) ان تعنت سفها بني اسرائيل هو الذي دفعهم لتوجيه مثل هذا السؤال الى موسى (ع ) وكان (ع ) قام بنقل سؤالهم فقط , ليسمعوا الجواب الالهي الرادع .

وان اصر امثال الفخر الرازي على كون هذا السؤال قد صدر من موسى ( (ع ) ) لكن يستفاد امكانية رؤيـة اللّه تـعـالـى البصرية , والا لما سال رسول عظيم كموسى ( (ع ) ) مثل هذا السؤال , فهو اصرار في غير محله , وقد ابطلته الايات اعلاه بوضوح .

عجيب حقا , فبالرغم من ان الاية الشريفة تصرح (لن تراني ) وكون ( لن )اداة للنفي الابدي , اي انك لن تراني ابدا , وعدت الاية هذا السؤال من قبل بني اسرائيل تعديا ووقاحة , وانذرت بالصاعقة عـقابا عليه , مع كل ذلك نجد ان جماعة من المتعصبين يصرون على عدم دلالة الاية باي شكل على نفي رؤية اللّه , بل بالعكس ويجب الاعتراف ان آفة التعصب آفة عجيبة تستطيع ان تحط حتى من مستوى عالم كبير اذا اصيب بها وتجعله في حالة الهذيان والكلام اللامنطقي .

والـنقطة الاخرى هو ان المقصود من التجلي الالهي في هذه الاية هي ( الصاعقة ) بذاتها , والتي تعد مخلوقا من المخلوقات , وشعاعا من الافعال الالهية , وهي كناية عن انكم اذا لم تقدروا على رؤية الـصـاعـقـة الـتـي تعد شرارة صغيرة في هذا الوجود العظيم وما لها من تاثير عليكم , حيث تكون مـصـحـوبـة بالهول والرعب , فهي قادرة على ان تصرعكم جميعا , وتدك الجبل , وتزلزل الارض فكيف تريدون رؤية الذات الالهية المنقطعة النظير؟ وبالحقيقة فان التجلي الالهي كان اجابة وعقوبة لهم في نفس الوقت وآخر الكلام هو ماذا طلب موسى ( (ع ) ) التوبة من الباري بعد ان افاق ؟.

ان هذا الطلب يمكن ان يحمل على احتمالين

الاول كـمـا ان طلب موسى ( (ع ) ) الرؤية كان نيابة عن بني اسرائيل فان طلبه التوبة من الباري كان نيابة عن قومه ايضا.

الـثـاني ان موسى ( (ع ) ) كان يخشى من ان هذا المقدار من ( النيابة عن بني اسرائيل ) يمكن ان يثلم ساحة ايمانه المقدسة , لذا تاب واعلن ايمانه لتسموقداسته قدر الامكان .

وكـذلـك نـجد ان الفخر الرازي غرق في دوامة تعصبه ايضا , ولم ينكر دلالة الاية على استحالة رؤيـة اللّه تعالى فحسب , بل اصر في قوله على ان جوانب عديدة من الاية تدل على امكانية الرؤية اخرى ؟ وقد لاحظتم نماذج منها في تفسير الاية الماضية .

ويـتـضـح تفسير الاية الثالثة ضمن تفسير الاية الثانية , ولزيادة التوضيح نضيف ان اللّه سبحانه وتـعالى عد طلب بني اسرائيل الذين قالوا لموسى (ارنااللّه جهرة ) ذنبا عظيما وظلما فاحشا؟ انه الـذنب الذي اعقبه نزول العذاب الالهي , لذا قال اللّه تعالى (يسالك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السما فقدسالوا موسى اكبر من ذلك فقالوا ارنا اللّه جهرة فاخذتهم الصاعقة ).

مـاذا ارتـكـب الـيهود من ظلم في هذا المجال ؟ لم يكن سوى انهم نزلوابربهم العظيم الى مستوى موجود جسماني مادي , وطلبوا مشاهدته .

وبسبب اساتهم الادب مع الباري جل وعلا اخذتهم الصاعقة لتكون عقوبة وعبرة لهم في نفس الوقت , ولـيعلموا انهم عندما لا يقدرون على مشاهدة هذا المخلوق الالهي الصغير الذي لايساوي اكثر من شـرارة فـي عـالـم الـوجـود الـعـظـيـم , فكيف يريدون مشاهدة خالق الشمس والقمر والنجوم وعالم الوجود ان هذه المسالة يستطيع كل واحد ان يتوصل اليها بدون ان يطالع ويحقق في قرائن الاية .

ومـا ورد في بعض كلام ( الاشاعرة ) بان هذا التوبيخ والعقاب الذي نزل بهم كان بسبب طلبهم هذا الشي من اللّه تعالى في الدنيا , مع كون الاخرة هي محل المشاهدة ((129)) يعد كلاما ضعيفا جدا.

لان الـتـفاوت الموجود بين الدنيا والاخرة في مثل هذه الموارد مطلب لايستحق التوبيخ والعقاب , ولـحـن الايـة يدل على انهم قد ارتكبوا اساة فظيعة تجاه ساحة القدس الالهية , وهي وصفهم الذات الالهية بصفة لاتليق به سبحانه ,بل هي خاصة بالممكنات , وانهم سلكوا طريق الشرك .

واما ماهو مقصود اهل الكتاب بطلبهم انزال كتاب من السما عليهم ؟فهناك تفاسير متعددة

قيل ن مقصودهم هو الاستهانة بالقرآن , وسالوا الرسول ان ينزل عليهم الواحا كالالواح التي نزلت على موسى ( (ع ) ).

وقيل انهم كانوا يريدون كتابا خاصا بهم او برؤسائهم وكبرائهم وقيل ايضا انهم كانوا يريدون كتابا خاصا من اللّه تعالى يدعوهم الى الايمان بالرسول ( (ص ) ).

وايـا كان من هذه المعاني فانه يدل على عنادهم ولجاجتهم وعدم تسليمهم للحق , وبديهي ان مثل هذا الطلب يستحق التوبيخ والعقوبة .

يجب ان نرى اللّه . واما الاية الرابعة والاخيرة فقد وبخت وبشدة اولئك الذين سالوا الرؤية .

قال تعالى وقال الذين لايرجون لقائنا لولا انزل علينا الملائكة او نرى ربنا) ان استكبارهم وعدم ايـمـانـهم بالمعاد كان ورا طلبهم هذين الامرين ثم يضيف تعالى (لقد استكبروا في انفسهم وعتوا عتوا كبيرا).

فهم قد سالوا احد امرين اما نزول الملائكة عليهم او رؤية اللّه عز وجل والمقصود من الملائكة هو ملك الوحي جبرائيل , اي ان ينزل عليهم بصورة مباشرة بدلا من رسول الاسلام محمد ( (ص ) ) , او ان ينزل عليهم ليشهد على صدق الرسول ( (ص ) ) وقـد نزل الجواب القرآني على شطرين ايضا , والذي يعتقد بان الاول يخص سؤال نزول الملائكة فيقول (لقد استكبروا في انفسهم ) بسؤالهم هذا.

والشطر الثاني يخص سؤال رؤية اللّه حيث قال (وعتوا عتوا كبيرا).

واي عـتـو اكبر من مقارنة الذات الالهية الفريدة بالاجسام المادية والموجودات الامكانية , وجعلها عرضة للزمان والمكان والعوارض الجسمانية ؟.

ويـشـير لحن الاية بوضوح الى عدم امكانية رؤية اللّه عز وجل , لانه لو كان ممكنا لما كان هنالك خلل واشكال في سؤالهم ذاك .

النتيجة

يـسـتـفـاد من مجموع الايات اعلاه عدم امكانية رؤية اللّه عز وجل باي شكل , على خلاف عقيدة البعض الذين يقولون ( بان مراد هذه الايات هوالحياة الدنيا ولا يشمل الاخرة ).

فـالايات التي ذكرت ذات مفهوم واسع وعميق يشمل كلا الحياتين ,ولحنها يدل على استحالة تحقق هذا الامر , والمحال محال في كليهما ( تامل جيدا ).