نفحات القرآن

ناصر مکارم شیرازی

جلد 4 -صفحه : 159/ 32
نمايش فراداده

ونحن اقرب اليكم

وفي الاية الثانية عشرة تعابير جديدة ولطيفة حول علم اللّه , فقد طرحت فيها ايضا مسالة علم اللّه كـتحذير لجميع الناس ليراقبوا افكارهم ونياتهم ,وماتكن صدورهم , قال تعالى ( ولقد خلقنـا الا نسـان و نعلم مـا توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ).

اشـارت هذه الاية الى قسمين من علم اللّه تعالى الاول يعتمد على مسالة خلق الانسان , اي , كيف يمكن ان يجهل الخالق الحكيم فعله ؟ خصوصاوان خلقه مستمر وفيضه ينزل كل لحظة على جميع مـوجـودات عـالـم الـوجود ,وبتشبيه ناقص , هو التيار الذي ينبعث من المولد الكهربائي ويزود المصابيح بالنور باستمرار.

والـثاني هو انه غير بعيد عن مخلوقاته , فهو اقرب اليهم من انفسهم , لذافحضوره الدائمي وقربه يعد دليلا آخر على احاطته بجميع الامور.

وقد ذكرت في كتب التفسير واللغة تفاسير متعددة بخصوص كلمة ((وريد))منها ان (الراغب ) فسره بمعنى الشريان الذي يتصل بالقلب والكبد , وقال جماعة انه بمعنى وريد الرقبة .

وقـال آخرون انه بمعنى الوريد الذي يتصل بالفم او تحت اللسان وفسره جماعة بانه بمعنى جميع الاوعـيـة الدموية الموجودة في البدن وبديهي فان المعنى الاول (الشريان الرئيسي الابهر) اكثر تناسبا مع مفهوم الاية , لانه اراد ان يبين قرب اللّه الشديد من الانسان , وهذا المعنى اقرب خصوصا مع ملاحظة وجود وريدين في الرقبة .

والـتـعبير بكلمة ((حبل )) يشير ايضا الى ان المقصود ليس جميع اوردة البدن , بل الرئيسة منها , وكما عبر البعض حيث قالوا بان المقصود هو الاوردة التي لها منزلة الانهار لا الجداول .

وعـلـى اي حـال فـهذه الكلمة مشتقة من كلمة (ورود) اي بمعنى الوصول الى الما ـ التي لها تناسب واضح مع اوردة الدم .

ومن هنا يعبر عن الازهار بالورد , اي الثمرة الاولى التي ترد من الشجرة ((48)) .

((تـوسـوس )) مـن الوسوسة والوسواس , وهو بمعنى الصوت الهادئ الخارج من آلات الطرب , والـنـدا والـصـوت الـخـفي , والخواطر القلبية ,والتصورات الفكرية الخاطفة , والافكار غير المرغوبة ((49)) .

وعـلى اي , فعندما يحيط اللّه تعالى بالخواطر الفكرية الخاطفة , فانه لايبقى مجال للشك والترديد بـانـه سـبـحانه يحيط علما بسائر اعمالنا وافعالناواعتقاداتنا وتعبيره ونحن اقرب اليه من حبل الوريد , اضافة الى كونه تحذيرا ,فهو ينزل علينا نوعا من السكينة الباعثة للامل , ونور هذا الامل هو الذي ملاجميع اجزا وجودنا.

اليس عجيبا ان يبتعد الانسان من معشوقه بعد ان يعلم بانه اقرب اليه من نفسه ؟ من الذي يقاسمنا الم هذه المصيبة عندما يكون المعشوق مع الانسان ويحترق الاخير بنار الهجران ؟.

نحن اقرب قال من حبل الوريد ـــــ انت قد هاجرت عنه وتوغلت بعيد.

ايها المالي قوسا من نبال ـــــ قرب الصيد وترمي للجبال وبضم الايات القرآنية المذكورة اعلاه الى بعضها , يتضح بان القرآن الكريم قد وضع برنامجا دقيقا واسعا لتبيان علم اللّه واحاطته اللامحدودة بجميع الامور بذكر ادلة دقيقة ضمن عبارات مختلفة , وجعلها اساسا لتربية الانسان في جميع الاحوال التوضيحات