نفحات القرآن

ناصر مکارم شیرازی

جلد 10 -صفحه : 135/ 129
نمايش فراداده

قصة تجسس حاطب وسارة :

يـظـهـر ان النبي الاكرم (ص ) كان له جهاز تجسس قوي من خلال قصة ((حاطب بن ابي بلتعة )) الواقعة قبيل فتح مكة المكرمة .

وتـوضـيـح ذلك : كان النبي الاكرم (ص ) يستعد لفتح مكة وكان حريصا على عدم انتشار اخبار ذلك وانـتـقـالـهـا الى اسماع المشركين وكان هناك رجل من المسلمين يقال له ((حاطب بن ابي بلتعة )) اشـتـرك فـي غـزوة ((بـدر)) و ((بـيـعـة الرضوان )), وكان يخاف على اهله في مكة من كيد الـمـشـركين فوسوس له الشيطان , فاراد ان يقدم خدمة لهم ليامن كيدهم على عياله , فاتفق مع امراة تدعى ((سارة )) كانت قد جات من مكة الى المدينة , وعندما ارادت العودة الى مكة كتب حاطب كتابا مـعـهـا لـتوصله الى اهل مكة يخبرهم بنية رسول اللّه (ص ) واعطاها عشرة دنانير, وقيل عشرة دراهـم , وكـان قـدكـتـب فـي الكتاب : من حاطب بن ابي بلتعة الى اهل مكة ان رسول اللّه يريدكم فـخـذواحـذركـم , فخرجت سارة , ونزل جبرئيل فاخبر النبي (ص ) بما فعل حاطب , فبعث رسول اللّه (ص ) عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الاسود وابا مرثد,وكانوا كلهم فرسانا وقـال لهم : انطلقوا حتى تاتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب الى المشركين فخذوه مـنـهـا فخرجوا حتى ادركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول اللّه (ص ) فقالوا لها: اين الكتاب ؟ فـحـلـفت باللّه ما معها من كتاب , فنحوهاوفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا, فهموا بالرجوع فقال علي (ع ): واللّه ما كذبنا ولاكذبنا وسل سيفه وقال لها: اخرجي الكتاب والا واللّه لا ضربن عنقك , فـلـمـا رات الـجـداخـرجـتـه مـن ذوائبـهـا قـد اخـبـاتـه فـي شـعرها, فرجعوا بالكتاب الى رسـول اللّه (ص )فـارسـل الـى حـاطب فاتاه , فقال له : تعرف الكتاب ؟ قال : نعم , قال ما حملك على ما صـنعت ؟ قال : يا رسول اللّه , واللّه ما كفرت منذ اسلمت , ولا غششتك منذنصحتك ولا احببتهم منذ فـارقـتـهم ولكن لم يكن احد من المهاجرين الاوله بمكة من يمنع عشيرته وكنت عزيزا فيهم ـ اي غريبا.

وكان اهلي بين ظهرانيهم فخشيت على اهلي فاردت ان اتخذ عندهم يدا وقدعلمت ان اللّه ينزل بهم بـاسـه وان كـتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول اللّه (ص )وعذره , فقام عمر بن الخطاب وقال دعـنـي يا رسول اللّه اضرب عنق هذاالمنافق , فقال رسول اللّه (ص ): وما يدريك يا عمر لعل اللّه اطلع على اهل بدر فغفرلهم , فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .

فـنـزلـت الايـات الاولـى مـن سـورة ((الممتحنة )) وحذرت بشدة المسلمين من تكرارمثل هذه التصرفات , لانها تذهب بدنياهم وآخرتهم((440)) .

فـفـي هـذه القصة , نجد ان هناك تجسسا لصالح الاعدا, ولكن جهاز الامن المضادعند النبي (ص ) ـ سوا كان عن طريق اطلاع جبرئيل الامين او اي طريق آخر ـ احبطمؤآمرة العدو, بنحو لم يصل اي خـبـر عـن تـحرك النبي (ص ) ومخططة لفتح مكة الى اسماع قريش وفوجي مشركوا قريش بـدخـول جيش الاسلام الى مكة , وكان ذلك سببا في تحرير اقوى قلاع الشرك بلا اراقة دما ولا حرب , ولو كانت الجاسوسة قداوصلت ذلك الكتاب الى مكة , كان يحتمل ان تراق دما كثيرة في هذا الـطـريـق , وهـذايـدل عـلى اهمية دور الاجهزة الجاسوسية او الامن المضاد في تحديد مصير مجتمع وامة بكاملها.