تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب

محمد هادی معرفت

جلد 2 -صفحه : 28/ 3
نمايش فراداده

و اخـرج جلال الدين السيوطي باسناده الى ابن مبارك , انه قال بشان حديث فضائل السور المعزوة الى ابي بن كعب : اظن الزنادقة وضعته ((40)) , و ذلك تشويها لسمعة القرآن الكريمة .

و ذكـر ابـن الجوزي ان جماعة من الكذابين ندموا على كذبهم و تنصلوا من ذلك فقد حدث عن ابي شيبة , قال : كنت اطوف بالبيت و رجل من قدامي يقول : اللهم اغفر لي , و مااراك تفعل قـنـوطـك اكـثـر من ذنبك ؟ خمسين حديثا, و طارت في الناس , ما اقدر ان ارد منها شيئاو قال ابن لهيعة : دخلت على شيخ و هو يـبـكـي فـقلت : ما يبكيك ؟ فقال : وضعت اربعمائة حديث ادرجتها ادراجا مع الناس ,فلاادري كيف اصنع ؟ ((41)) .

2ـ الـوضـع لـنصرة المذاهب في اصول الدين و فروعه فان المذاهب و الارا لما تشعبت , جعل كل فـريق يستفرغ ما بوسعه لاثبات مذهبه و دعم عقيدته , لاسيما بعد ما فتح باب المجادلة و المناظرة فـي الـمـذاهـب و الارا و لم يكن المقصود من ذلك الا افحام الجانب الاخر مهما بلغ ثمن ذلك , و لو بالحط من كرامة الدين .

فقد روى ابن الجوزي باسناده الى الدارقطني عن ابي حاتم ابن حبان , قال : سمعت عبد اللّه بن علي يـقول : سمعت محمد بن احمد بن الجنيد يقول : سمعت عبد اللّه بن يزيد المعري يقول عن رجل من اهـل الـبدع رجع عن بدعته , فجعل يقول : انظروا هذا الحديث ممن تاخذونه , فانا كنا اذا راينا رايا جعلنا له حديثا.

و بـاسناده الى ابن لهيعة قال : سمعت شيخا من الخوارج تاب و رجع , و هو يقول : ان هذه الاحاديث ديـن , فانظروا عمن تاخذون دينكم , فانا كنا اذا هوينا امرا صيرناه حديثا و عن آخر, قال : كنا اذا اجـتمعنا استحسنا شيئا جعلناه حديثا ((42)) قال ابورية : و ليس الوضع لنصرة المذاهب محصورا فـي الـمـبـتـدعة و اهل المذاهب في الاصول , بل ان من اهل السنة المختلفين في الفروع من وضع احاديث كثيرة لنصرة مذهبه او تعظيم امامه .

مـن ذلك ما رواه الاحناف , قدحا في الشافعي و مدحا لابي حنيفة , باسناد رفعوه الى ابي هريرة عن النبي (ص ) : ((يكون في امتي رجل يقال له : محمد بن ادريس , اضر على امتي من ابليس و يكون في امتي رجل يقال له : ابوحنيفة , هو سراج امتي )).

و قـد رواه الخطيب مقتصرا على ما ذكروه في ابي حنيفة , و قال : موضوع وضعه محمد بن سعيد الـمـروزي البورقي ,و هكذا حدث به في بلاد خراسان ثم حدث به في العراق , و زاد فيه : ((و سيكون في امتي رجل يقال له : محمد بن ادريس ,فتنته اضر على امتي من فتنة ابليس )).

قـال ابـوريـة : و هـذا الافك مما لايحتاج الى بيان بطلانه , و مع هذا تجد فقها الاحناف المعتبرين يـذكـرون فـي كتبهم الفقهية شق الحديث الذي يصف ابا حنيفة بانه سراج الامة و يسكنون اليه , بل يستدلون به على تعظيم امامهم على سائر الائمة .

الامر الذي اضطر الشافعية ازا ذلك ان يضعوا في امامهم حديثا يفضلونه على كل امام , و هذا نصه : ((اكرموا قريشا فان عالمها يملا طباق الارض علما)) و انصار الامام مالك لم يلبثوا ان وضعوا في امـامـهـم هـذا الـحـديـث : ((يخرج الناس من المشرق الى المغرب , فلايجدون اعلم من عالم اهل المدينة )) و احاديث مشابهة وضعوها بهذا الشان ((43)) .

هذا فضلا عن الدس و التزوير فى الاحاديث لنصرة المذهب .

هـذا ابوالعباس القرطبي ـ في شرح صحيح مسلم ـ يقول : اجاز بعض فقها اهل الراي , نسبة الحكم الذي دل عليه القياس الجلى الى رسول اللّه (ص ) نسبة قولية فيقولون في ذلك : قال رسول اللّه (ص ) : كـذا و كـذا, و لـهـذا نرى كتبهم مشحونة باحاديث تشهد متونها بانها موضوعة , لانها تشبه فتاوي الفقها, و لاتليق بجزالة كلام سيد المرسلين , كما لايقيمون لها اسنادا.

قـال ابـوشامة في مختصر كتابه ((المؤمل )): مما يفعله شيوخ الفقه في الاحاديث النبوية و الاثار الـمـرويـة , كثرة استدلالهم بالاحاديث الضعيفة على ما يذهبون اليه , نصرة لقولهم , و ينقصون في الفاظ الحديث , و تارة يزيدون فيه قال : و ما اكثره في كتب ابي المعالي و صاحبه ابي حامد ((44)) .

3ـ شـدة الـتـرهـيب و زيادة الترغيب لاجل هداية الناس فقد تساهل الوعاظ و علما الاخلاق في تـصـحـيـح ما يروونه بهذاالشان , و ربما تنازل بعضهم فاجاز الاختلاق في ذلك , مادام الغرض هو هـدايـة الناس , و ليس اغواهم فقد كان الوضع للّه , و برربعضهم ذلك بانه انما كذب لرسول اللّه و لم يكذب عليه .

يـقـول ابـوريـة عـن العباد و الصوفية : انه راجت عليهم الاكاذيب و حدثوا عن غير معرفة و لا بصيرة , فيجب ان لايعتمد على الاحاديث التي حشيت بها كتب الوعظ و الرقائق و التصوف , من غير بـيـان تخريجها و درجتها و لايختص هذا الحكم بالكتب التي لايعرف لمؤلفها قدم في العلم , ككتاب ((نـزهـة الـمـجـالـس )) المملؤ بالاكاذيب في الحديث و غيره بل ان كتب ائمة العلماك((الاحيا للغزالي )) لاتخلو من الموضوعات الكثيرة ((45)) .

قـلـت : و هكذا بعض كتب الوعظ و الارشاد عندنا, ككتاب ((الانوار النعمانية )) للسيد نعمة اللّه الـجـزائري , مـمـلؤ بالاكاذيب و المخاريق , و مثله كتاب ((خزائن الجواهر)) للشيخ علي اكبر النهاوندي فيه من المخاريق الطامات و ايضا كتب المقاتل و المراثي من المتاخرين , ككتاب ((محرق الـقـلـوب )) لـلـمـولى مهدي النراقي , و كتاب ((اسرار الشهادة )) لاقا بن عابد الدربندي المملؤ بـالاكـاذيـب و الـطـامات و امثال هذه الكتب كثير مع الاسف , كتبتها ايدي اناس ضعاف العقول , ممن تساهلوا في امرالدين , و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا, سامحهم اللّه .

اخـرج ابـن الـجوزي باسناده الى محمود بن غيلان قال : سمعت مؤملا يقول : حدثني شيخ بفضائل سور القرآن الذي يروى عن ابي بن كعب فقلت للشيخ : من حدثك ؟ قال : حدثني رجل بالمدائن و هو حـي , فـصـرت اليه فقال : حدثني شيخ بواسطو هو حى , فصرت اليه فقال : حدثني شيخ بالبصرة , فـصـرت الـيـه فـقال : حدثني شيخ بعبادان , فصرت اليه فاخذ بيدي فادخلني بيتا فاذا فيه قوم من الـمتصوفة و معهم شيخ فقال : هذا الشيخ حدثني فقلت : يا شيخ من حدثك ؟ فقال : لم يحدثني احد,و لـكـنـا رايـنـا الـنـاس قـد رغـبـوا عن القرآن , فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوههم الى القرآن ((46)) .

و من ثم قال يحيى بن سعيد القطان : لم نر الصالحين في شئ اكذب منهم في الحديث .

و اوله مسلم بانه يجري الكذب على لسانهم و لايتعمدون الكذب ((47)) .

قـال الـقـرطبي في ((التذكار)) لا التفات لما وضعه الواضعون و اختلقه المختلقون من الاحاديث الـكـاذبـة و الاخـبار الباطلة في فضل سور القرآن , و غير ذلك من فضائل الاعمال , و قد ارتكبها جـمـاعة كثيرة وضعوا الحديث حسبة ـ كما زعموا ـ يدعون الناس الى فضائل الاعمال , كما روي عـن ابـي عـصـمة نوح بن ابي مريم المروزي و محمد بن عكاشة الكرماني , و احمد بن عبد اللّه الـجـويـبـاري , و غـيرهم قيل لابي عصمة : من اين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور الـقـرآن سورة سورة ؟ فقال :اني رايت الناس قد اعرضوا عن القرآن و اشتغلوا بفقه ابي حنيفة و مغازي محمد بن اسحاق , فوضعت هذا الحديث حسبة و قـال : قد ذكر الحاكم و غيره من شيوخ المحدثين : ان رجلا من الزهاد انتدب في وضع احاديث فـي فـضل القرآن و سوره فقيل له : لم فعلت هذا؟ فقال : رايت الناس زهدوا في القرآن فاحببت ان ارغـبهم فيه انا ما كذبت عليه , انما كذبت له .

قال تحذيرا من الاحاديث الموضوعة : و اعظمهم ضررا, قوم منسوبون الى الزهد, وضعوا الحديث حسبة ((48)) .

و هذا ميسرة بن عبد ربه ـ كان كذابا وضاعا ـ وضع في فضل قزوين اربعين حديثا قال ابوزرعة : كان يقول : اني احتسب في ذلك و قال ابن الطباع : قلت لميسرة : من اين جئت بهذه الاحاديث : ((من قرا كذا فله كذا))؟ قال : وضعته ارغب الناس فيه و قد وصفه جماعة بالزهد.

و هكذا كان الحسن ـ الراوي عن المسيب بن واضح ـ ممن يضع الحديث حسبة .

و كان نعيم بن حماد يضع الحديث في تقوية السنة ((49)) .

و كـان الـهيثم الطائي يقوم عامة الليل بالصلاة , فاذا اصبح يجلس و يكذب , و امثاله كثير من الزهاد كانوا من الوضاعين حسبة للّه فيما زعموا ((50)) .

قـال ابن الجوزي : منهم قوم وضعوا الاحاديث في الترغيب و الترهيب , ليحثوا الناس بزعمهم على الخير و يزجروهم عن الشر و هذا تعاط على الشريعة , و مضمون فعلهم ان الشريعة ناقصة تحتاج الى تتمة , فقد اتممناها ثم اسند الى ابي عبداللّه النهاوندي , قال : قلت لغلام خليل : هذه الاحاديث التي تحدث بها من الرقائق ؟ فقال : وضعناها لنرقق بها قلوب العامة و كان غلام خليل هذا يتزهد و يهجن شهوات الدنيا و يتقوت الباقلا تصوفا و غلقت اسواق بغداد يوم موته ((51)) .

4ـ وضـع الحديث تزلفا لدى الامرا كان بعض ضعفا النفوس من المحدثين الضعيفي الايمان يتزلفون لدى الامراو السلاطين , بوضع احاديث تروقهم , او تشيد من شناعاتهم في السياسة و الحكم .

كان الرشيد يعجبه الحمام و اللهو به , فاهدي اليه حمام , و عنده ابوالبختري القاضي ((52)) , فقال : روى ابـوهريرة عن النبي انه قال : لا سبق الا في خف او حافر او جناح فزاد جناح و قد وضعها تـزلفا لدي الرشيد, فاعطاه جائزة سنية و لما خرج قال الرشيد : واللّه لقد علمت انه كذاب , و امر بـالـحمام ان يذبح فقيل له : و ما ذنب الحمام ؟ قال : من اجله كذب على رسول اللّه (ص ) ((53)) و حكى ابن الجوزي نظير هذه القصة لغياث بن ابراهيم بمحضر المهدي العباسي ((54)) .

و هكذا حدث الرشيد : ان جعفر بن محمد حدثه عن ابيه : ان جبرائيل نزل على النبي (ص ) و عليه قبا اسود و منطقة و انما قال ذلك , لان ذلك كان شعار العباسيين فدخل يحيى بن معين , فقال له : كذبت يا عدو اللّه , و قال للشرطية خذوه فقال فيه المعافى التميمي :.


  • ويل و عول لابي البختري من قوله الزور و اعلانه بالكذب في الناس على جعفر.

  • اذا توافى الناس في المحشر. بالكذب في الناس على جعفر. بالكذب في الناس على جعفر.

الـى آخـر الابيات , و هي مشهورة و لما بلغ ابن المهدي موته قال : الحمد للّه الذي اراح المسلمين منه ((55)) .

و روى ابن الجوزي عن زكريا بن يحيى الساجي , قال : بلغني ان ابا البختري دخل على الرشيد ـ و هـو قـاض ـ و هـارون اذذاك يطير الحمام , فقال : هل تحفظ في هذا شيئا؟ فقال : حدثني هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة : ((ان النبي (ص ) كان يطيرالحمام )) فقال هارون : اخرج عني ثم قال : لولا انه رجل من قريش لعزلته .

قـال ابـن الـجـوزي : هـذا الـحـديث من عمل ابي البختري , و اسمه وهب بن وهب كان من كبار الوضاعين ((56)) .

و روى حـديـث القبا الاسود, قال : لما قدم الرشيد المدينة اعظم ان يرقى منبر النبي (ص ) في قبا اسـود و مـنـطـقـة فـقال ابوالبختري : ((حدثنا جعفر بن محمد عن ابيه قال : نزل جبرئيل على النبي (ص ) و عليه قبا اسود و منطقة , محتجزا فيهابخنجر)).

قـال يـحيى بن معين : وقفت على حلقة ابي البختري و هو يحدث بهذا الحديث , مسندا عن جعفر بن مـحمد عن ابيه عن جابر فقلت له : كذبت يا عدو اللّه , على رسول اللّه قال : فاخذني الشرط فقلت : هـذا يـزعـم ان رسـول رب العالمين نزل على النبي و عليه قبا فقالوا لي : هذا واللّه قاص كذاب و افرجوا عني ((57)) .

و الاحـاديـث فـي اولاد العباس و ملكهم , و لا سيما الزي العباسي الذي تزيا به جبرائيل , كثيرة , اوردها ابن الجوزي في موضوعاته و فندها خير تفنيد فراجع ((58)) .

5ـ الـوضع نزولا مع سياسة الطغاة كان معاويه اول من وضع سياسته على وضع الاحاديث و قلبها, تمشية مع اهدافه المرتذلة , في التغلب على واقع الاسلام الرفيع .

قال الاستاذ ابورية : لابد لنا ان نكشف عن ناحية خطيرة من نواحي الوضع في الحديث , كان لها اثر بـعـيد في الحياة الاسلامية , و لايزال هذا الاثر يعمل عمله في الافكار العفنة و العقول المتخلفة و الـنـفـوس الـمـتعصبة ذلك ان السياسة قد دخلت في هذا الامر, و اثرت فيه تاثيرا بالغا, فسخرته ليؤيدها في حكمها, و جعلته من اقوى الدعائم لاقامة بنائها.

و قـد علا موج هذا الوضع السياسي و طغا ماؤه في عهد معاوية الذي اعان عليه و ساعده بنفوذه و مـاله , فلم يقف وضاع الحديث عند بيان فضله و الاشادة بذكره , بل امعنوا في مناصرته , والتعصب له , حـتـى رفعوا مقام الشام الذي يحكمه الى درجة لم تبلغها مدينة الرسول (ص ) و لا البلد الحرام الذي ولد فيه و اسرفوا في ذلك اسرافا كثيرا, و اكثروا حتى الفت في ذلك مصنفات ((59)) .

و ذكر ابن ابي الحديد عن شيخه ابي جعفر الاسكافي : ان معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين , على رواية اخبار قبيحة في علي (ع ) تقتضي الطعن فيه و البراة منه , و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله , فاختلقوا ما ارضاه منهم :ابوهريرة , و عمروبن العاص , و المغيرة بن شعبة , و من التابعين عروة بن الزبير.

روى الـزهري ان عروة بن الزبير حدثه , قال : حدثتني عائشة , قالت : كنت عند رسول اللّه (ص ) اذ اقبل العباس و علي فقال : يا عائشة , ان هذين يموتان على غير ملتي ـ او قال ـ غير ديني .

و فـي حـديث آخر عنه , قال : حدثتني عائشة , قالت : كنت عند النبي (ص ) اذ اقبل العباس و علي , فقال : يا عائشة , ان سرك ان تنظري الى رجلين من اهل النار, فانظري الى هذين قد طلعا.

و امـا عـمـرو بـن الـعـاص فـقـد اخـرج عـنه البخاري و مسلم باسناد متصل اليه , قال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : ((ان آل ابي طالب ليسوا لي باوليا انما وليى اللّه و صالح المؤمنين )).

و امـا ابـوهـريـرة فـروي عـنـه الـحديث الذي معناه : ان عليا(ع ) خطب ابنة ابي جهل في حياة رسـول اللّه (ص ) فـاسخطه ,فخطب , و قال : لاها اللّه , لاتجتمع ابنة ولي اللّه و ابنة عدو اللّه ابي جهل , ان فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها فان كان علي يريد ابنة ابي جهل فليفارق ابنتي , و ليفعل ما يريد.

و ايـضـا روى ابـو جـعـفـر عـن الاعـمـش قـال : لـمـا قـدم ابوهريرة العراق مع معاوية عام الـجماعة ((60)) , جا الى مسجد الكوفة ,فلما راى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه , ثم ضرب صلعته مرارا, و قال : يا اهل العراق , اتزعمون اني اكذب على اللّه و على رسوله ((61)) و احـرق نـفـسـي بالنار بالمدينة ما بين عير الى ثور فمن احدث فيها حدثا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين )), و اشهد ان عليا احدث فيهافلما بلغ معاوية قوله اجازه و اكرمه و ولا ه امارة المدينة ((62)) .

و ايـضـا روى عـن شـيخه ابي جعفر : ان معاوية بذل لسمرة بن جندب ـ الرجل الوقح ـ مائة الف درهم حتى يروي ان هذه الاية نزلت في علي بن ابي طالب : (و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد اللّه على ما في قلبه و هو الدالخصام و اذا تولى سعى في الا رض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و اللّه لايحب الفساد) ((63)) و ان الاية الاخرى نزلت في ابن ملجم , و هي قوله تـعـالـى : (و من الن اس من يشري نفسه ابتغا مرضاة اللّه و اللّه رؤوف بالعباد) ((64)) فلم يقبل , فـبـذل له مئتي الف درهم فلم يقبل , فبذل له ثلاثمئة الف فلم يقبل , فبذل له اربعمئة الف فقبل , و روى ذلك ((65)) .

نعم كان معاوية يرى لنفسه ما يضاهي به عليا في مثل مقامه و مرتبته , و من ثم كان يحاول الانتشال من مقامه الوضيع ليتسن ى له المقابلة مع مثل امير المؤمنين (ع ) فكان يجعل الجعائل للوضع في تفضيله و تفضيل بلاده التي كان يحكمها, و حاضرة ملكه , كان يجهد جهده في ذلك .

قال ابورية : و معاوية ـ كما هو معروف ـ اسلم هو و ابوه يوم فتح مكة , فهو بذلك من الطلقا و كان كـذلك من المؤلفة قلوبهم الذين كانوا ياخذون ثمنا لاسلامهم و هو الذي هدم مبدا الخلافة الرشيدة في الاسلام , فلم تقم لها من بعده الى اليوم قائمة و قد اتخذ دمشق حاضرة لملكه , و قد وضعوا فيه و فـي تـفضيل الشام احاديث نسبوها الى رسول اللّه (ص ) نذكر منها : مااخرجه الترمذي ان النبي قال لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا و في حديث آخر ان النبي قال : اللهم علمه الكتاب و الحساب و قه العذاب ـ و هناك زيادة ـ : و ادخله الجنة .

و عـلـى كـثرة ما جا في فضائل معاوية من احاديث لا اصل لها, فان اسحاق بن راهويه و هو الامام الكبير و شيخ البخاري قد قال : انه لم يصح في فضائل معاوية شي ((66)) .

و لـلعلامة الاميني هنا مقال ضاف بشان المغالاة في فضائل معاوية , و قد اردفها بما ورد في ذمه من احاديث صحاح لامغمز في اسنادها, جعلنا في غنى عن الكلام فيه هنا, فراجع ((67)) .

و هكذا ذكر الاستاذ ابورية : ان اشادة كهان اليهود ـ يريد كعبا و اذنابه ـ الى ان ملك النبي سيكون بالشام انما هو لامر خبئ في انفسهم و قد تبى ن ان الشام ما كان لينال من الاشادة بذكره و الثنا عليه , الا لـقـيام دولة بني امية فيه , تلك الدولة التي قلبت الحكم من خلافة عادلة الى ملك عضوض , و التي تـحـت كـنـفـها و في ايامها نشات الفرق الاسلامية التي فتت في عضد الدولة الاسلامية و مزقتها تـمزيقا, و استفاض فيها وضع الحديث فكان جديرا بكهنة اليهود ان ينتهزوا هذه الفرصة و ينفخوا في نارالفتنة , و يمدوها بجيوش الاكاذيب و الكيد و كان من هذه الاكاذيب ان بالغوا في مدح الشام و اهله , و ان الخير كل الخير فيه ,و الشر كل الشر في غيره ((68)) .

و مـمـا قـالـه هـؤلا الكهنة بهذا الشان : ان ملك النبي سيكون بالشام , روى البيهقي في الدلائل عن ابي هريرة ـ تلميذكعب ـ مرفوعا : الخلافة بالمدينة و الملك بالشام و عن كعب : اهل الشام سيف من سيوف اللّه ينتقم اللّه بهم ممن عصاه .

و من حديث : ستفتح عليكم الشام , فاذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها : ((دمشق )) ـ و هـي حـاضـرة الامـويـيـن ـ فـانـها معقل المسلمين في الملاحم , و فسطاطها منها بارض يقال لها : ((الغوطة )).

و قـد جـعـلوا دمشق هذه , هي الربوة التي ذكرت في القرآن الكريم : (و آويناهما الى ربوة ذات قـرار و مـعين ) ((69)) و ذلك في حديث مرفوع الى النبي (ص ) و قد جعلها ابوهريرة من مدائن الـجـنـة ايـضـا في حديث رفعه الى النبي (ص ) هذا نصه : ((اربع مدائن من مدائن الجنة : مكة , و المدينة , و بيت المقدس , و دمشق )) ((70)) .

و هـكـذا نـرى معاوية الذي تعلم من كعب كيف يضع الحديث , يصف نفسه بان النبي (ص ) وعده بانه سـيلي الخلافة من بعده قال في خطبته لم ا عاد من العراق الى الشام بعد بيعة الامام الحسن (ع ) سنة (41): ((ايـهـا الـنـاس , ان رسـول اللّه (ص ) قـال : انـك ستلي الخلافة من بعدي , فاختر الارض المقدسة , فان فيها الابدال )) ((71)) قال ابورية : و ماكاد معاوية يذكر ان الشام ارض الابدال الا و ظـهـرت احـاديـث مـرفـوعـة عـن هـؤلا الابـدال و قـد اوردهـا الـسـيـوطي في ((الجامع الصغير)) ((72)) .

و بذلك نكشف عن جانب خطير من كيد الدها اليهودي للمسلمين و دينهم و ملكهم .

ذلك انهم لم يكتفوا بما قالوه في الشام بل زادوا على ذلك بان جعلوا الطائفة الظاهرة على الحق تكون في الشام كذلك ,و حتى نزول عيسى الذي قالوا عنه : سيكون بارضه .

فـقد جا في الصحيحين : ((لاتزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم و لا من خـالـفهم , حتى ياتي امراللّه و هم كذلك روى البخاري : هم بالشام ((73)) و في رواية ابي امامة الباهلي : انهم لما سالوا النبي قال : بيت المقدس و اكناف بيت المقدس ((74)) .

و في مسلم عن ابي هريرة : ان النبي قال : لايزال اهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة قال احمد و غيره : هم اهل الشام .

و فـي ((كـشـف الخفا)) : ان كعب الاحبار قال : اهل الشام سيف من سيوف اللّه , ينتقم اللّه بهم من العصاة .

قـال ابـوريـة : و لعل العصاة هنا هم الذين لاينضوون تحت لوا معاوية , ويتبعون غيره و غيره هو الامام اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع ) ((75)) .

نعم وجد اهل الحقد على الاسلام في معاوية و الشام ارضية خصبة لبذر النفاق و التفريق بين كلمة الـمسلمين , فعادواعليا(ع ) حيث وجدوه المثال الاتم لحقيقة الاسلام الناصعة , و افرغوا عداهم له و للاسلام , في قالب الثنا على معاوية و الشام بلد الابدال , فيما اختلقوه .

اخـرج ابـن الـجـوزي مـن طـريق عبد اللّه بن احمد بن حنبل , قال : سالت ابي ما تقول في علي و مـعـاويـة ؟ فـاطرق , ثم قال :ايش اقول فيهما, ان عليا(ع ) كان كثير الاعدا, ففتش اعداؤه له عيبا فـلـم يـجـدوا, فـعـمـدوا الـى رجـل ـ يـريـد مـعـاوية ـ قد حاربه و قاتله فاطروه , كيدا منهم لعلي (ع ) ((76)) .

قـال ابـن حـجر : فاشار بهذا الى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا اصل له قال : و قد ورد في فضائل معاوية احاديث كثيرة , ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد و بذلك جزم اسحاق بن راهوية و النسائي و غيرهما ((77)) .

و من طريف الامر, ان البخاري في كتاب ((الفضائل )) نراه عنون الباب الذي خصه بمعاوية , بقوله : ((بـاب ذكر معاوية )),و لم يجرا ان يعنونه بلفظة ((الفضائل )) كما في سائر الابواب , و بالفعل لم يات فيه شيئا مذكورا ((78)) , و هكذا ابن الجوزي ((79)) و غيره و من ثم قال ابن حجر في الشرح : عبر البخاري في هذه الترجمة بقوله ((ذكر)) و لم يقل : ((فضيلة )) و لا ((منقبة )), لـكـون ((الـفضيله )) لاتؤخذ من حديث الباب ((80)) , اي لاتستفاد فضيلة من الحديث الذي ذكره تحت هذه الترجمة , و قد عرفت انه لم يصح فيه حديث .

و روى الـذهـبـي قـال : سئل النسائي ـ و هو بدمشق ـ عن فضائل معاوية , فقال : الا يرضى راسا بـراس , حتى يفضل فتوفى بها ((81)) .

و هكذا استمر الحال بعد معاوية مادامت السلطة الاموية قائمة فهذا هشام بن عبد الملك نراه يفرض عـلـى اتـباعه و متملقيه من علما ذلك العصر ان يرووا ان الاية : (والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ((82)) نزلت في علي (ع ) فاقروه على ذلك ((83)) .

6ـ الـوضـع نـزولا مـع رغبة العامة , و رغبة فيما بايديهم من حطام الدنيا و هذه مهنة القصاصين , يقصون على الناس القصص و الاساطير البائدة و يحدثونهم الغرائب و العجائب , ليستدروا ما لديهم من نقود و اعانات و فضول طعام .

و قـد كـان وضـع الـحـديـث لارضـا الناس و ابتغا القبول عندهم , و استمالتهم لحضور مجالسهم الوعظية , و توسيع حلقاتهم , امرا رائجا و لايزال .

قال القرطبي في مقدمة تفسيره : منهم (من الوضاع و الكذابين ) قوم من السؤال و المكدين , يقفون في الاسواق و المساجد, فيضعون على رسول اللّه (ص ) احاديث باسانيد صحاح قد حفظوها, فيذكرون الموضوعات بتلك الاسانيد ((84)) .

قال ابن الجوزي : هناك قوم شق عليهم الحفظ, فضربوا نقد الوقت , و ربما راوا ان الحفظ معروف , فاتوا بما يغرب ممايحصل مقصودهم , فهؤلا قسمان , احدهما : القصاص , و معظم البلا منهم يجري , لانـهـم يزيدون احاديث تثقف و ترقق ,و الصحاح يقل فيها هذا ثم ان الحفظ يشق عليهم و يتفق عدم الـديـن , و مـن يحضرهم جهال , فيقولون و لقد حكى لي فقيهان ثقتان عن بعض قصاص زماننا و كان يـظهر النسك و التخشع , انه حكى لهما, قال : يوم عاشورا, قال رسول اللّه (ص ) : من فعل اليوم كذا فله كذا, و من فعل كذا فله كذا, الى آخر المجلس فقالا له : و من اين حفظت هذه الاحاديث ؟ فقال : و اللّه ما حفظتها,و لااعرفها, بل في وقتي قلتها.

قـال : و لاجـرم كان القصاص شديدي النعير, ساقطي الجاه , لايلتفت الناس اليهم , فلا لهم دنيا و لا آخرة و قد صنف بعض قصاص زماننا كتابا فذكر فيه : ((ان الحسن و الحسين دخلا على عمر بن الخطاب و هو مشغول , فلما فرغ من شغله رفع راسه فرآهما, فقام فقبلهما, و وهب لكل واحد منهما الـفا, و قال : اجعلاني في حل , فما عرفت دخولكما, فرجعا و شكراه بين يدي ابيهما على (ع ) فقال على : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : عمر بن الخطاب نور في الاسلام و سراج لاهل الجنة فرجعا فحدثاه فدعا بدواة و قرطاس و كتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم , حدثني سيدا شباب اهل الجنة عن ابيهما المرتضى عن جدهماالمصطفى انه قال : عمر نور الاسلام في الدنيا و سراج اهل الجنة في الجنة و اوصى ان تجعل في كفنه على صدره , فوضع فلمااصبحوا وجدوه على قبره , و فيه : صدق الـحـسـن و الـحـسين و صدق ابوهما و صدق رسول اللّه (ص ) : عمر نور الاسلام و سراج اهل الجنة )).

قـال ابن الجوزي : و العجب بهذا الذي بلغت به الوقاحة الى ان يضيف مثل هذا و ماكفاه حتى عرضه على كبار الفقها,فكتبوا عليه تصويب ذلك التصنيف فلا هو عرف ان مثل هذا محال و لا هم عرفوا و هـذا جـهـل متوفر, علم به انه من اجهل الجهال الذين ما شموا ريح النقل , و لعله قد سمعه من بعض الطرقيين ((85)) .

قال الامام احمد بن حنبل : اكذب الناس السؤال و القصاص .

و عن ابي قلابة : ما امات العلم الا القصاص .

و كان ابو عبد الرحمان يقول : اتقوا القصاص ((86)) .

و كان الذي احدث القصص ـ في المساجد ـ هو معاوية بن ابي سفيان فقد اخرج الزبير بن بكار في اخـبـار المدينة عن نافع و غيره من اهل العلم , قالوا : انما القصص محدث احدثه معاوية حين كانت الفتنة ((87)) .

لـكـن سيوافيك في قصة الاسرائيليات ان القصص في المساجد, حدث في اواخر عهد عمر, حين اسـتـجازه تميم الداري فاجازه ان يقص قائما في مسجد المدينة ((88)) و هكذا استمر على عهد عثمان , حتى كان الامام امير المؤمنين (ع ) هو الذي طردالقصاص من المساجد على عهده ((89)) , الامر الذي قد اصر معاوية على تدوامه في المساجد, منذ ان اجازه عمر بن الخطاب .

و كـان الذي اشاع القص في المساجد هو كعب الاحبار, حيث انتهز الفرصة ايام الفتنة لبث مخاريقه بين المسلمين كيدابالاسلام , و ذلك ان وجد من سياسة معاوية امكان اشاعة اساطيره بين الناس .

كـان كـعـب قـد تـوعـده عـمر بالنفي الى ارض القردة اذا هو روى اسرائيلياته او ما كان يلصقه بالنبي (ص ) من احاديث خرافة (ستوافيك في حقل الاسرائيليات )فلم يجد كعب تلقا هذا التهديد مناصا مـن ان يـذعن في غيظ و موجدة , ثم اخذ يسعى في الخفا لكي يحقق اغراضه التي اسلم من اجلها قال ابـوريـة : و ما لبث ان اتيحت له فرصة المؤامرة التي دبرتها جمعية سرية لقتل عمر, فاشترك هو فيها, و نفخ في نارها.

فـلـمـا خـلا لـه الجو بقتله , اطلق العنان لنفسه لكي يبث ما شا الكيد اليهودي ان يبث من الخرافات الاسـرائيـلـيـات الـتي تشوه بها الدين , يعاونه في ذلك تلاميذه الكبار امثال : عبد اللّه بن عمرو بن العاص , و عبد اللّه بن عمر بن الخطاب , و ابي هريرة .

و قد درس هذا الكاهن اليهودي في ملامح معاوية تحقيق اهدافه و امكان رواج اسرائيلياته , فلم يدع تلك الفرصة ,و اغتنمها منذ عهد عثمان .

ذلك انه لما اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان و اشتد زفيرها, حتى التهمت عثمان فقتلته و هو ـ اي كـعـب الاحبار ـ في بيته , لم يدع هذا الكاهن الماكر هذه الفرصة تمردون ان يبتهلها, بل اسرع يـنـفـخ في نارها, و يسهم بكيده اليهودي فيها ما استطاع الى ذلك سبيلا و قد كان من كيده في هذه الفتنة ان ارهص بيهوديته بان الخلافة بعد عثمان ستكون لمعاوية .

فقد روى وكيع عن الاعمش عن ابي صالح : ان الحادي كان يحدو بعثمان يقول :.


  • ان الامير بعده على و في الزبير خلق رضي ((90)) .

  • و في الزبير خلق رضي ((90)) . و في الزبير خلق رضي ((90)) .

فـقـال كـعب : بل هو صاحب البغلة الشهبا ـ يعني معاوية ـ و كان يراه يركب بغلة , فبلغ ذلك معاوية فـاتاه , فقال : يا ابااسحاق ما تقول هذا؟ و هاهنا على و الزبير و اصحاب محمد لعله اردف ذلك بقوله : اني وجدت ذلك في التوراة ـ كما هي عادته .

و قدر معاوية هذه اليد الجليلة لكعب , و اخذ يغمره بافضاله .

و قـد عـرف مـن تـاريخ هذا الكاهن انه تحول الى الشام في عهد عثمان , و عاش تحت كنف معاوية , فاستصفاه معاوية لنفسه و جعله من خلصائه , لكي يروي من اكاذيبه و اسرائيلياته ما شا ان يروي في قصصه , لتاييده , و تثبيت قوائم دولته .

و قـد ذكـر ابـن حجر العسقلاني بان معاوية هو الذي امر كعبا بان يقص في الشام ((91)) و هو الذي بث احاديث تفضيل الشام و اهلها, سوا بنفسه او على يد تلامذته .

اقسام الوضاعين

قسم ابن الجوزي الرواة الذين وقع في حديثهم الموضوع و الكذب و المقلوب الى خمسة اقسام :. القسم الاول : قوم غلب عليهم الزهد و التقشف , فتغفلوا عن الحفظ و التمييزو منهم من ضاعت كتبه او احـتـرقـت او دفـنـهـا, ثم حدث من حفظه فغلط فهؤلا تارة يرفعون المرسل , و تارة يسندون الموقوف , و تارة يقلبون الاسناد, و تارة يدخلون حديثا في حديث .

و القسم الثاني : قوم لم يعانوا على النقل , فكثر خطاؤهم و فحش , على نحو ما جرى للقسم الاول .

و القسم الثالث : قوم ثقات لكنهم اختلطت عقولهم في آخر اعمارهم , فخلطوا في الرواية .

و القسم الرابع : قوم متغفلون , فمنهم من كان يلقن فيتلقن , و منهم من يروي حديثا فيظن انه سمعه و لـم يـسمعه , او يظن جواز اسناد ما لم يسمع و قد قيل لبعضهم : هذه الصحيفة سماعك ؟ فقال : لا, و لكن مات الذي رواها فرويتها مكانه و منهم من كان بعض اولاده يضع له الحديث , فيدون و لايعلم .

و القسم الخامس : قوم تعمدوا الكذب , و هؤلا على ثلاثة اصناف :.

الـصـنـف الاول : قـوم رووا الـخطا من غير ان يعلموا انه خطا فلماعرفوا وجه الصواب انفوا ان يرجعوا, فاصروا على خطائهم ,انفة ان ينسبوا الى غلط.

و الـصنف الثاني : قوم رووا عن كذابين و عن ضعفا يعلمونهم , لكنهم دلسوا في اسمائهم فالكذب من اولئك المجروحين , و الخطا القبيح من هؤلا المدلسين .

و الصنف الثالث : قوم تعمدوا الكذب الصريح .

و هـؤلا, منهم الزنادقة , وضعوا الحديث قصدا الى افساد الشريعة , و ايقاع الشك في قلوب العامة , والتلاعب بالدين ,امثال : ابن ابي العوجا وضع اربعة آلاف حديث و غيره ممن وضعوا كميات كبيرة , احلوا بها الحرام و حرموا بها الحلال .

و مـنـهم , اصحاب العصبية الجاهلة , كانوا يضعون الحديث نصرة لمذهبهم , و سول لهم الشيطان ان ذلك جائز.

و منهم , اهل التصوف والتقشف , وضعوا الحديث في الترغيب و الترهيب , ليحثوا الناس ـ بزعمهم ـ على فعل الخيرو ترك الشر, و هذا تعاط على الشريعة , و مضمون فعلهم ان الشريعة ناقصة تحتاج الى تتمة فقد اتموها.

و مـنـهـم , قـوم استجازوا وضع الاسانيد لكل كلام حسن , فقد حدث محمد بن خالد عن ابيه قال : سمعت محمد بن سعيديقول : لا باس اذا كان الكلام حسنا ان تضع له اسنادا.

و مـنـهم قوم وضعوا الحديث تزلفا الى سلطان او نيلا الى نوال , كما وضع غياث بن ابراهيم حديث ((لاسبق في جناح )) تزلفاالى المهدي , و كان يحب الحمام .

و منهم من كان يضع الحديث جوابا لسائليه ليحظى منزلة رفيعة لديه .

و مـنـهـم من كان يضع الحديث لقدح او مدح في اناس لاغراض مختلفة , كالاحاديث الموضوعة في قدح و مدح الشافعي و ابي حنيفة .

و مـنهم من كان يضع الغريب من الحديث , استجلابا لانظار العامة , كما كان يفعله القصاص , و معظم الـبـلا مـنـهـم يـجري ,لانهم يزيدون احاديث تثقف و ترقق , و الصحاح يقل فيها هذا لا جرم كان القصاص شديدي النعير ساقطي الجاه , لا التفات اليهم , ليست لهم دنيا و لا آخرة .

و مـن هؤلا القصاص شحاذون , يضعون الحديث و يسندوه الى من شاؤوا, و لاسيما من كان معروفا لدى العامة بالجاه و القبول .

قـال جـعفر بن محمد الطيالسي : صلى احمد بن حنبل و يحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين ايديهم قصاص ,فقال : حدثنا احمد بن حنبل و يحيى بن معين , قالا : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قـتادة عن انس , قال : قال رسول اللّه (ص ) : ((من قال : لا اله الا اللّه , خلق اللّه كل كلمة منها طيرا مـنـقاره من ذهب و ريشه من مرجان )) و اخذ في قصة نحوعشرين ورقة فجعل احمد ينظر الى يـحـيى , و يحيى ينظر الى احمد, فقال له : انت حدثته بهذا؟ فقال : واللّه ماسمعت بهذا الا الساعة , فـلـمـا فـرغ من قصصه و اخذ القطيعات , ثم قعد ينتظر بقيتها, اشار اليه يحيى بيده ان تعال , فجا متوهما النوال فقال له يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال : احمد بن حنبل و يحيى بن معين فقال : انا يحيى و هذا احمد, ماسمعنا بهذا قط في حديث رسول اللّه (ص ) فان كان لابد و الكذب فعلى غيرنا فـقـال لـه : انـت يحيى بن معين ؟ قال : نعم قال : لم ازل اسمع ان يحيى بن معين احمق , ما تحققته الا الـسـاعـة قـال له يحيى : كيف علمت اني احمق ؟ قال : كان ليس في الدنيا يحيى بن معين و احمد بن حـنـبـل غـيـركـمـا قـد كـتـبـت عن سبعة عشر احمد بن حنبل و يحيى بن معين فوضع احمد كمه على وجهه , و قال :دعه يقوم فقام كالمستهزئ بهما ((92)) .

اقطاب الوضاعين

قـال الحافظ ابو عبد الرحمان النسائي ـ صاحب السنن ـ : الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسـول اللّه (ص )اربعة :ابن ابي يحيى بالمدينة , و الواقدي ببغداد, و مقاتل بن سليمان بخراسان , و محمد بن سعيد بالشام , يعرف بالمصلوب ((93)) .

اما ابن ابي يحيى , فهو : ابو اسحاق ابراهيم بن محمد بن ابي يحيى , و اسمه سمعان الاسلمي المدني روى عن الزهري و يحيى بن سعيد الانصاري , و روى عنه الثوري و الامام الشافعي رمي بالقدر و التشيع و الكذب قال ابن عدي : لم اجدلابراهيم حديثا منكرا الا عن شيوخ يحتملون و قد حدث عنه ابـن جريج و الثوري و الكبار له كتاب صنفه في المسانيد اسماه ((الموطا)) اضعاف موطا مالك , و احاديثه كثيرة , رواه عنه الشافعي بمصر, و كان يكنى عنه و في مسند الشافعي عنه احاديث ,و كان يـقول عنه : لان يخر ابراهيم من بعد, احب الى من ان يكذب , و كان ثقة في الحديث و قال ابو احمد ابـن عـدي : سـالت احمد بن محمد بن سعيد ـ يعني ابن عقدة ـ فقلت له : تعلم احدا احسن القول في ابراهيم غير الشافعي ؟ فقال : نعم , حدثنااحمد بن يحيى الاودي , قال : سمعت حمدان بن الاصبهاني , قلت : اتدين بحديث ابراهيم بن ابي يحيى ؟ قال : نعم ثم قال لي احمد بن محمد بن سعيد : نظرت في حديث ابراهيم كثيرا و ليس بمنكر الحديث قال ابن عدي : و هذا الذي قاله , كماقال و قد نظرت انا ايـضـا فـي حـديثه الكثير فلم اجد فيه منكرا الا عن شيوخ يحتملون , و انما روي المنكر من قبل الرواي عنه او من قبل شيخه قال : و هو من جملة من يكتب حديثه .

نـعـم يـقال : ان الرجل كان يقع في بعض السلف , و من ثم اتهم و رمي بالاعتزال تارة , و بالرفض و التشيع اخرى ((94)) .

فـي حـيـن ان الرجل مستقيم لاباس به , و لامغمز فيه سوى جانب اخلاصه لاهل البيت و صحبته لـلائمـة مـن ذريـة الـرسـول (ص ), و قد عده الشيخ ابو جعفر الطوسي من رجال الامامين الباقر والصادق (ع ) قال : ابراهيم بن محمد بن ابي يحيى ابو اسحاق مولى اسلم , مدنى روى عن ابي جعفر و ابي عبداللّه (ع ), و كان خاصا بحديثنا, و العامة تضعفه لذلك .