هي الجوامع الحديثية الكبرى ، الخالدة من بين العشرات من أخواتها ، والسرّ في خلودها اعتماد الطائفة بالإجماع على مؤلّفيها أوّلا ، وعلى أعمالهم العظيمة هذه من حيث التصنيف والتبويب والجمع والاستيعاب ثانيا .فقد بذلوا عناية فائقة في جمع ما حوته جمعأ من الروايات والأحاديث المرتبطة بمجالات العقائد والأخلاق والشريعة ، ممّا وقع الاتّفاق عليه بين الطائفة الحقّة ، والتزموا بالإجماع العملي بها ، فلم يُعْهَد شي عنهم ، إلاّض أودعوه في هذه الكتب الأربعة الش-ريفة .وقد أبدعوا تفنّ-نا وفقها وعلما ، في تصنيف تلك الروايات على ترتيب الكتب ، ثمّ على الأبواب التي حافظوا عليها كما هي في الأُصول ، فصانوها من الضياع والتش-تّت والتفرّق ، كما راقبوا في نقلها كلّ أدوات الحيطة ، والضبط والإتقان ، وأثبتوا كلّ ما له دخل في المعنى من الاختلافات حسبما تلقّوه من المشايخ ، بالطرق الأمينة للرواية والنقل .وبذلك عملوا هذه الكتب الأربعة التي أصبحت بحقّ مراجع أمينةً للمعرفة الإسلامية بكلّ فروعها كما سهّلوا على المراجعين أمر العثور على مقاصدهم في مظانّها ، ووفّروا الوقت على الطالبين لحديثٍ منها .وقبل أن ندخل في البحث الذي نتابعه في هذه الكتب ، لا بُدّ من حديث موجز عن هذه الكتب العظيمة ومؤلّفيها العظمأ فأوّلها تأليفا ومقاما هو كتاب الشريف ، للإمام أبي جعفر ، محمّ-د بن يعقوب الكليني الرازي البغ-دادي ( ت 329 ه- ) .وهو من أجلّ كتب الإسلام ، وقد اعتمد عليه العلمأ كافّةً ، فقهأ وغيرهم ، منذ تأليفه ، وتداولوه بالرواية والضبط والحفظ والصيانة ، والدرس والبحث والعناية ، فهو من أضبط ما في الإسلام من الكتب المصنّفة والجوامع الحديثيّة المؤلّفة ، الجامعة لنصوص الحديث الشريف .ثمّ لشيخ المحدّثين الإمام الش-يخ أبي جعفر ، محمّ-د بن عليّ بن الحس-ين ابن بابويه ، القمّي ، الشهير بالص-دوق ( ت 381 ه- ) .وهو يُعَدّ ثانيا بالنسبة إلى في القِدَم والأهمّ-يّة ومميّزا بما التزم فيه مؤلّفه العظيم من المنهج المبتكَر ، وما بذل فيه من جهدٍ عظيم في الضبط والتقويم ، والتصنيف والتبويب .ثمّ كتاب لشيخ الطائفة الإمام الشيخ أبي جعفر ، محمّ-د بن الحس-ن بن عليّ ، الطوسي البغ-دادي ( ت 460 ه- ) .الذي خصّصه لجمع أحاديث أحكام الشريعة المقدّسة ، وجدّ في ضبط الأسانيد والمتون ، والجمع بين المختلفات وتنقيح الدلالات ، بما لم يُسبق إليه ، وقد تميّز مع ذلك باحتوائه على جميع ما احتمل أن يكون دخيلا في الحكم ممّا قد تجاوزه السابقون لاعتبارات شتّى ، من قبيل الإعراض عنه أو عدم وضوح معناه أو مخالفته للأصحّ ، فحاول إثبات ذلك كلّه ، وحاول الجمع بين ما ظاهره المخالفة ، مهما أمكن .وهو أعظم كتب الإماميّة في مجال أحاديث الأحكام ، وآخر الأُصول الأربعة تأليفا وجمعا .وقد جمع محاولاته العظيمة في باب الجمع بين الأخبار في كتاب مستقلّ باسم استخرجه من كتابه الكبير وأضاف عليه فوائد قيّمة ممّا جعله رابعا للكتب الحديثيّة الأُصول .وأمّا أصحاب هذه الكتب ، فقد كانوا في القمّة الرفيعة في المعرفة بالحديث الشريف وعلومه ، وإليك طرفا من التعريف بهم أمّا الشيخ الكلينيّ الرازيّ البغداديّ رحمه الله فقد قال فيه النجاشيّ شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف الكتاب الكبير المعروف ب- ويُسمّى في عشرين سنة(22) .وقال الشيخ الطوسيّ يكنّى أبا جعفر الأعور ، جليل القدر ، عالم بالأخبار ، له مصنّفات يشتمل عليها الكتاب المعروف ب- ، مات سنة تسع وعشرين وثلاثمائة في شعبان ، ببغ-داد(23) .وقال الطوسي أيضا الكليني ، يكنّى أبا جعفر ، ثقة ، عارف بالأخبار ، له كتب . منها كتاب يشتمل على ثلاثين كتابا(24) .وقال السيّد بحر العلوم ثقة الإسلام ، وشيخ مشايخ الأعلام ، ومروّج المذهب في غَيبة الإمام عليه السلام ، ذكره أصحابنا . . . واتّفقوا على فضله وعظم منزلت-ه(25) .وقال الشيخ المفيد عن كتاب هو من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة(26) .وقال السيّد محمّ-د صادق بحر العوم هو أصحّ الكتب الأربعة المعتمد عليها في الأحكام الفقهية عند الشيعة ، وضبطت أخباره في 61991 حديث-ا(27) .وقال السيّد الداماد إنّ كتاب لشيخ الدين وأمين الإسلام ، نبِيْهِ الفِرقة ، ووجيه الطائفة ، رئيس المحدّثين ، حجّة الفقه والعلم والحقّ واليقين(28) .وقال الدكتور حسين علي محفوظ قد اتّفق أهل الإمامة من جمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب ، والأخذ به والثقة بخبره ، والاكتفأ بأحكامه ، وهم مجمِعون على الإقرار بارتفاع درجته وعلوّ قدره ، على أنّه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان إلى اليوم ، وعدّوه (29) من سائر أُصول الحديث ، وقد ظلّ حجّة المتفقّهين عصورا طويلةً ، ولا يزال موصول الإسناد والرواية ، مع تغيّر الزمان وتبدّل الدهور(30) .وأمّا الشيخ الصَدُوق القمّي الرازيّ رحمه الله قال النجاشي أبو جعفر القمّيّ ، نزيل الريّ ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان(31) .وقال الشيخ الطوسي جليل القدر ، حَفَظة ، بصير بالفقه والأخبار والرجال(32) .وقال الطوسي أيضا جليل القدر ، يكنّى أبا جعفر ، كان جليلا حافظا للأحاديث ، بصيرا بالرجال ، ناقدا للأخبار ، لم يُ-رَ في القمّ-يّين مثله في حفظه وكثرة علمه(33) .وقال المحقّق التستري الصدوق ، رئيس المحدّثين ، ومحيي معالم الدين ، الحاوي لمجامع الفضائل والمكارم . . . الشيخ الحفظة ، ووجه الطائفة المستحفظة ، عماد الدين ، أبو جعفر(34) .وقال السيّد بحر العلوم أبو جعفر ، شيخ من مشايخ الشيعة ، وركن من أركان الش-ريعة ، رئيس المحدّثين ، والصدوق في ما يرويه عن الصادقين عليهم السلام (35) .أجمع الأصحاب على نقل أقواله ، واعتبار مذاهبه في الإجماع والنزاع ، وقبول قوله في التوثيق والتعديل ، والتعويل على كتبه خصوصا فإنّه أحد الكتب الأربعة التي هي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رائعة النهار ، وأحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقفٍ من أحد .ومن الأصحاب مَنْ يذهب إلى ترجيح أحاديث على غيره من الكتب الأربعة ، نظرا إلى زيادة حفظ الصدوق رحمه الله وحسن ضبطه وتث-بته في الرواية ، وتأخّر كتابه عن وضمانه فيه صحّة ما يورده ، وأنّه لم يقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما يرووه ، وإنّما يورد فيه ما يُفتي به ويحكم بصحّته ، ويعتقدُ أنّه حجّة بينه وبين ربّه(36) .وأمّا الشيخ أبو جعفر الطوسيّ رحمه الله قال النجاشي أبو جعفر ، جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين(37) .وقال السيّد بحر العلوم شيخ الطائفة المحقّة ، ورافع أعلام الشريعة الحقّة ، إمام الفرقة بعد الأئمّة المعصومين ، وعماد الشيعة الإمامية في كلّ ما يتعلّق بالمذهب والدين ، محقّق الأُصول والفروع ، ومهذّب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الإطلاق ، ورئيسها الذي تُلوى له الأعناق ، صنّف في جميع علوم الإسلام ، وكان القدوة في كلّ ذلك والإمام(38) .وقال السيّد أيضا وأمّا الحديث ، فإليه تشدّ الرحال ، وبه يبلغ رجاله غاية الاَمال ، وله من الكتب الأربعة التي هي أعظم كتب الحديث منزلةً ، وأكثرها منفعةً كتاب وكتاب ولهما المزيّة الظاهرة باستقصأ ما يتعلّق بالفروع من الأخبار ، خصوصا ، فإنّه كافٍ للفقي-ه في ما يبت-غيه ، من روايات الأحكام ، مغ-نيا عمّا س-واه في الغ-الب ، ولا يُغني عنه غيره في هذا المرام ، مضافا إلى ما اشتمل عليه الكتابان من الفقه والاستدلال ، والتنبيه على الأُصول والرجال ، والتوفيق بين الأخبار ، والجمع بينها بشاهد النقل والاعتبار(39) .منهاج المشايخ الثلاثة في كتبهم الأربعة في مجال الألفاظ أمّا الشيخ الكليني فقد استخدم ألفاظ التحمّل والأدأ ، كقوله و و و في بداية الكتب التي عنون لها في .ففي أوّل حديث من كتاب العقل والجهل وهو أوّل كتبه قال أخبرنا أبو جعفر محمّ-د بن يعقوب ، قال حدّثني عدّة من أصحابنا . . .(40) .وفي كتاب التوحيد في أوّل باب منه ، وأوّل حديث من الباب ، قال أخبرنا أبو جعفر محمّ-د بن يعقوب ، قال حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم . ..(41) .وفي أوّل حديث من أوّل باب من كتاب الحُجّة قال أبو جعفر محمّ-د بن يعقوب الكليني مصنّف هذا الكتاب رحمه الله حدّثنا عليّ بن إبراهيم(42) .