اندفاع نحو الشهادة - شهید نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شهید - نسخه متنی

مرتضی مطهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها .وهذا يعني أن القدرة والقوة لا تنفصلان عن الأمة الإسلامية، والإسلام دين القوة والقدرة ومدرسة تخريج المجاهدين .

يقول ويل ديورانت في "تاريخ الحضارة":

ليس كالإسلام دين في حث اتباعه على التزود بالقوة والمقدرة .وحديث آخر عميق المغزى، روي عن النبي -ص-يقول:

"من لم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق".فالإنسان المسلم أما أن يعيش حياة الجهاد عمليا أو على مستوى الأمل على الأقل.وبهذا المعيار يعرف صدق الإنسان وإخلاصه في إسلامه .وروي أنه سئل النبي -ص--ما بال الشهيد لا يفتن في قبره ؟أجاب:

كفى بالبارقة فوق رأسه فتنه.فالشهيد قد اجتاز امتحانه تحت السيوف التي كانت مشهورة بوجهه، أي أنه اثبت إخلاصه وصدقه وبين حقيقة حين اختار الشهادة، فليس من اللازم أن يؤدي امتحانا آخر في عالم البرزخ.

اندفاع نحو الشهادة

الإندفاع نحو الشهادة ظاهره نلمسها بوضوح في جمرة غفيرة من مسلمي صدر الإسلام.وحين يتطلع الإنسان إلى هذه الظاهرة يحس أن في أعماق هذه الفئة المؤمنة شوقا ولهفة إلى الشهادة.

هذا علي -عليه السلام- يقول:

(أنه لما أنزل الله سبحانه، قوله:

"أفحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " علمت أن الفتنه لا تنزل بنا ورسول الله - صلى الله عليه وآله - بين أظهرنا .فقلت:

يا رسول الله، ما هذه الفتنه التي أخبرك الله تعالى بها ؟فقال:

"يا علي، إن أمتي سيفتنون من بعدي .فقلت:

يا رسول الله أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من أستشهد من المسلمين .وحيزت عني الشهادة، فشق ذلك علي . فقلت لي " أبشر فان الشهادة من ورائك "؟فقال لي:

"إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن ؟فقلت:

يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر . ولكن من مواطن البشرى والشكر"!!ويقول علي أيضا:

"إن أكرم الموت القتل!والذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في غير طاعة الله ".هذا الإندفاع لم يكن مقصورا على عليّ وأمثال علي، بل إن عامة الناس كانوا يأتون إلى الرسول يطلبون منه أن يدعو الله لهم بالشهادة (تكررت هذه الظاهرة في إيران أبان الثورة الإسلامية، فاندفعت الملايين تطلب الموت، فوهب الله لها الحياة . والإمام القائد ذكر مرارا ان الأفراد ياتون اليه باستمرار يطلبون منه ان يدعو الله لهم أن يرزقهم الشهادة !!.

هذا "خثيمة" واحد من سائر الناس يتنازع مع ابنه ليسبقه في الإستشهاد .الأب يصر على الإبن أن يبقى في البيت ليذهب هو للجهاد .والإبن يصر على الأب كذلك بالبقاء في البيت ليذهب هو .. فيقترعان .. فتقع القرعة على الإبن، فيذهب، ويستشهد .ثم يرى الأب ولده في عالم الرؤيا يقول له:

يا أبت، انه قد وعدني ربي حقا !!تصاعد شوق الإستشهاد في نفس الرجل العجوز فهرع إلى النبي يقول له:

لقد وهن عظمي وخارت قواي، لكني اشتاق إلى الشهادة، فاسأل الله أن يرزقني إياها .

فدعا له رسول الله، ولم يمر عام حتى نال الرجل ما تمناه .. فقد سقط في معركة أحد مضمّخا بدم الشهادة !و"عمر بن الجموح" .. كان قد أصيب في إحدى رجليه وسقط عنه حكم الجهاد إذ (ليس علىالأعرج حرج" .

وحانت معركة أحد فتجهز أولاد هذا الرجل للمعركة، وهم هو أيضا أن يشارك مع أبنائه.

نصحه أولاده فلم يستجيب لهم، اجتمع أهله وأقاربه ينصحونه بالبقاء فأبى أن يصغي لهم.. وذهب إلى الرسول شاكيا يقول:

أبنائي يمنعوني أن أفوز بالشهادة .فأجازه رسول الله أن يشارك في المعركة، وطلب من أبنائه أن يدعوه يحقق أمنيته في الإستشهاد . فخاض المعركة واستشهد .وعندما بلغ خبر فشل المسلمين في أحد إلى المدينة سارع من كان في المدينة إلى جبل أحد ، وبينهم امرأة عمر بن الجموح .

عثرت هذه المرأة على جسد زوجها وإبنها وأخيها، فوضعت

الأجساد على ظهر بعير، وقفلت راجعة إلى المدينة لتدفن قتلاها في البقيع .. لكنها الفت البعير يأبى الإتجاه نحو المدينة، ولا يتحرك إليها إلاّ بمشقة . فالتقت بنسوة قادمات من المدينة نحو أحد بينهن عائشة زوج الرسول .سألتها عائشة:

من أي مكان تأتين ؟أجابت:

من أحد .قالت عائشة:

فما هذا الذي على ظهر البعير ؟أجابت ببرود تام:

أجسام زوجي وإبني وأخي، اذهب بهم إلى المدينة لأدفنهم هناك .ثم سألتها عمّا وراءها .أجابت المرأة:

خيرا .. النبي سالم والحمد لله، ورد الله الذين كفروا بغيظهم .ثم قالت المرأة لعائشة:

إن هذا البعير يأبى العودة إلى المدينة وكأنه يروم الذهاب إلى أحد .قالت عائشة:

لننطلق معا إلى النبي في أحد، ثم قصت المرأة على النبي ما كان من شأن البعير . فسألها رسول الله عما قاله زوجها حين غادر المنزل، قالت:

رفع يده إلى السماء وسأل الله تعالى أن لا يعيده إلى بيته .

فأخبرها النبي باستجابة دعوة زوجها، وأمر بدفنه مع سائر الشهداء في أحد .روح الاندفاع نحو الشهادة تجسدت في كل أئمة آل البيت وأتباعهم، وهذه الروح تطفح في أدعيتهم التي خلفوها لنا ومنها:

اللهم برحمتك في الصالحين فأدخلنا، وفي عليين فارفعنا .. وقتلا في سبيلك مع وليك فوفق لنا.

والحسين بن علي -عليه السلام - يردد وهو يسير نحو كربلاء هذه الأبيات:

فان تكن الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب الله أعلى وأنبلوان تكن الاموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخلوان تكن الأبدان للموت انشأت فقتل امرئ بالسيف في الله أجمل

منطق الشهيد لكل إنسان منطق خاص، وطريقة تفكير خاصة . ولكل معايير ومقاييس يحدد بموجبها موقفه من المسائل والظواهر المختلفة .وللشهيد منطق خاص .. انه (منطق الشهيد) الذي لا يمكن قياسه بمنطق الأفراد العاديين . فمنطق الشهيد أسمى .. انه مزيج من منطق المصلح ومنطق العاشق .. منطق المصلح الذي يتضور قلبه ألما لمجتمعه، ومنطق العارف العاشق للقاء ربه.بعبارة أخرى - لو امتزجت مشاعر عارف عاشق للذات الإلهية بمنطق إنسان مصلح لنتج عن ذلك "منطق الشهيد".لا أحسب أني استطعت أن أعطي "منطق الشهيد" حقه من التصوير والتوضيح فلأضرب لذلك مثلا:

حين توجه الحسين بن علي -عليه السلام - نحو الكوفة، اجمع

عقلاء القوم على منعه من السفر قائلين:

إن عزمه على السفر إلى العراق غير منطقي .

وكانوا صادقين فيما يقولون ..لم يكن عزم الإمام ينسجم مع منطقهم .

مع منطق الإنسان الاعتيادي .. مع منطق الإنسان الذي يدور فكره حول محور مصالحه ومنافعه . لكن الحسين كان له منطق أسمى، كان منطقه منطق الشهيد، ومنطق الشهيد أسمى وأرفع من منطق الأفراد العاديين.لم يكن "عبدالله بن عباس" و"محمد بن الحنفيه" من عامة الناس، بل كانا سياسيين عالمين، ومنطقهما منطق السياسة والمصلحة، منطق الحنكة والذكاء الذي يدور حولالمصلحة الفردية والانتصار الشخصي على المنافسين .وذهاب الحسين إلى العراق عمليه خاطئة استنادا إلى هذا المنطق .

وهنا تجدر الإشارة إلى اقتراح ذكي قدمه ابن عباس إلى الحسين .

لقد اقترح عليه أن يسلك طريقا سياسيا من نوع الطرق التي يسلكها "الأذكياء " ممن يتخذون الناس وسيلة لتحقيق أهدافهم وممن يقفون في المؤخرة دافعين الجماهير نحو مقدمة الجبهة، فان أحرز النصر نالوا ما جنته يد الجماهير، وإن فشلت الجماهير وقفوا على التل سالمين .قال ابن عباس للحسين:

"يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذا

الوجه الهلاك والاستئصال، إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربهم، أقم في هذا البلد، فانك سيد أهل الحجاز، فان كان أهل العراق يريدونك -كما زعموا- فاكتب إليهم، فلينفوا عاملهم وعدوهم، ثم أقدم عليهم " (ابن الأثير ج4 ص16)فابن عباس يريد أن يضع جماهير العراق في مقدمة الجبهة والحسين في المؤخرة .يريد أن يقول للحسين:

دع أهل العراق يواجهون العدو بأنفسهم فان انتصروا فقد استتب الأمر لك، وان لم يفعلوا كنت في حل منهم، ولن يصيبك مكروه.لم يعر الحسين أي اهتمام لهذا الاقتراح وأعلن عن عزمه على الذهاب.فقال له ابن عباس:

فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك .أجابه الحسين:

يا ابن عم، إني لأعلم أنك ناصح مشفق، وقد أزمعت وأجمعت المسير !! نعم .

منطق الشهيد منطق آخر .

منطق الشهيد

منطق الاشتعال والإضاءة، منطق الانصهار والانحلال في جسم المجتمع من أجل بعث

الحياة في هذا الجسم وبعث الروح في القيم الإنسانية الميتة .. منطق تسجيل الملاحم ..منطق النظرة البعيدة .. البعيدة جدا .ومن هنا كانت كلمة "الشهيد" مقدسة عظيمة .ومن هنا فإننا لا نعطي الشهيد حقه إن وصفناه أنه "مصلح" لأنه فوق المصلحين .أو أنه "بطل" لأنه أعظم من الأبطال .لا يمكن وصف الشهيد إلا انه "شهيد" وليس بمقدورنا أن نستعمل كلمة أخرى .

دم الشهيدالشهيد يقف بوجه العدو، فأما أن يصرعه وأما أن يصرع لكن عمل الشهيد لا ينحصر في هذا الموقف!فلو كان عمله منحصرا بهذا لذهب دمه هدرا حينما يخر صريعا في ساحة المعركة. وهذا مالا يحدث، فدم الشهيد لايذهب هدرا .. دم الشهيد لايراق على الأرض .كل قطره من دم الشهيد تتحول إلى آلاف القطرات .. بل إلى بحر من الدماء يدخل جسد المجتمع. ومن هنا قال الرسول-صلى الله عليه وآله- ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيل الله . الشهادة تزريق لجسد الأمة بدم جديد . والشهداء يضخون في شرايين المجتمع، وخاصة المجتمع الذي يعاني من فقر الدم، دما جديدا.

ملحمة الشهيد

الشهيد يسجل بدمه ملحمة يحيي بها روح الحماسة في مجتمع ماتت فيه روح الحماسة وخاصة الحماسة الإلهية .ولهذا فالإسلام بحاجة دوما إلى شهيد .

لأنه بحاجة مستمرة إلى حماسة متجددة .. وإلى ولادة متجددة.

خلود الشهيد

العالم يخدم المجتمع بعلمه، وعن طريق قناة العلم يخرج هذا العالم من فرديته ليرتبط بالمجتمع.أي، عن طريق العلم تتحد شخصيته الفردية بشخصية المجتمع كما تتحد القطرة بالبحر .بهذا الإتحاد، يخلد العالم جزءا من شخصيته، أي يخلد فكره وعمله .والمخترع يتحد بالمجتمع عن طريق اختراعه، ويخلد وجوده عن طريق ما يقدمه للمجتمع من مخترعات .. وهكذا الفنان والشاعر ومعلم الأخلاق .

والشهيد يخلد نفسه في المجتمع عن طريق دمه . أي عن طريق الدم الجديد الخالد الذي يهبه شرايين المجتمع، وبعبارة أخرى يكتسب

الشهيد صفة الخلود عن طريق تقديم كل وجوده وحياته .. لا عن طريق تقديم جزء من وجوده وشخصيته، كما يفعل غيره من الخالدين .ولهذا فالنبي الكريم يقول:

"فوق كل ذي بر بر حتى يقتل في سبيل الله، وإذا قتل في سبيل الله، فليس فوقه بر".

شفاعة الشهيد

ورد في الأثر أن الله يقبل الشفاعة يوم القيامة من ثلاث طبقات:

طبقة الأنبياء وطبقة العلماء ثم الشهداء .وهنا ينبغي أن نوضح أن الشفاعة هذه هي "شفاعة الهداية" .

إنها تجسيد لما حدث في الدنيا من حقائق .

فعن طريق الأنبياء اهتدى الناس ونجوا من الظلمات .والعلماء -في هذا الحديث - هم العلماء الربانيون بما فيهم الأئمة الأطهار والرهط الصالح من أتباعهم ومن حذا حذوهم، وهؤلاء أيضا ساروا على طريق الأنبياء واخرجوا الناس من الظلمات إلى النور .والشهداء ينهضون بنفس الدور، يضيئون الدرب أمام الناس ، فيهتدي من يريد الهداية ، وبذلك يكون الشهداء شفعاء لمن اهتدى بهم .

البكاء على الشهيد

"حمزة بن عبدالمطلب " عم النبي الكريم، أستشهد في أحد، ولمع اسمه بين شهداء صدر الإسلام، وحاز لقب "سيد الشهداء، وقبره الآن بين شهداء أحد مزار لكل الذين يقصدونزيارة المدينة المنورة.كان حمزة قد هاجر من مكة إلى المدينة حيث مكث وحيدا ليس معه فيها من ذويه أحد، حتى استشهد .حين رجع النبي -ص- بعد معركة أحد إلى المدينة، وجد أصوات البكاء تتصاعد من بيوت الشهداء إلاّ بيت حمزة .. فقال عبارته المعروفة:

"أما حمزة فلا بواكي له".سرعان ما انتشرت هذه الكلمة في أرجاء المدينة، فأسرعت النساء

الثكلى والأيامى إلى بيت حمزة ليبكينه احتراما لمقولة النبي ولحمزة عمه .فأصبحت العادة منذ ذلك الوقت أن يذهب كل من يريد أن يبكي على شهيد، إلى بيت حمزة ليبكيه أولا .وهذه الحادثة دلت على أن الإسلام - وان لم يشجع على بكاء الموتى - يميل إلى أن يبكي الناس على الشهيد .. لأن البكاء على الشهيد اشتراك معه فيما سجله من ملاحم، وتعاطف مع روحه، وانسياق مع نشاطه وتحركه وتياره .بعد حادثة عاشوراء، احتلت شهادة الحسين مركز الذروة على مسرح الشهادة . وانتقل لقب "سيد الشهداء " إلى الحسين -ع- وبقى حمزة سيدا للشهداء، لكن عبارة "سيد الشهداء" إنأطلقت دون ذكر اسم فلا تنصرف إلاّ إلى الحسين .كان حمزة سيد شهداء زمانه، وحاز الحسين على لقب سيد شهداء جميع الأعصر والدهور ، كمريم العذراء التي كانت سيدة نساء زمانها، ثم أضحت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين .كان حمزة - قبل استشهاد الحسين - رمزا للبكاء على الشهيد، وكان البكاء عليه مظهرا منمظاهر الإنشداد بطريق الشهادة، ثم انتقلت هذه المكانة إلى الحسين بعد موقعة كربلاء .

فلسفة البكاء على الشهيد

من الضروري أن نقف - ولو قليلا - عند مسألة "

" وهي مسألة لاكتها الألسن بكثير من عدم الفهم، وواجهت كثيرا من الإعتراضات .تهجم بعضهم بصراحة على هذه الظاهرة مدعيا أنها وليدة نظرة خاطئة إلى مسألة الشهادة وأنها ذات آثار اجتماعيه سلبية .أتذكر أني قرأت أيام التلمذة كتابا للكاتب المعروف آنذاك "محمد مسعود" طرح فيه مسألة البكاء على الحسين بن علي -ع- وقارن ذلك بما دأب عليه المسيحيون بالإحتفال، بل بالإبتهاج في ذكرى استشهاد المسيح !قال:

انظروا إلى أمة تبكي على شهيدها لأنها تحسب الشهادة فشلا وخسرانا وأمرا يبعثعلى الحزن والأسف، وأمة أخرى تبتهج بذكرى شهادة شهيدها لأنها تنظر إليها نظرة اعتزاز وافتخار.

وأمة تبكي ألف عام على استشهاد شهيدها وتتحرق ألما وأسفا عليه لابد أن تكون ضعيفة مهزوزة مهزومة . لكن أمة تبتهج حين تحيي ذكرى شهادة شهيدها خلال القرون المتمادية لهي أمة قويه مقتدرة مضحية حتما .هذا الكاتب يريد أن يقول، أن البكاء على الشهيد مظهر ضعف الأمة وانحطاطها، والإبتهاج بذكرى الإستشهاد ينم عن روح قويه مقتدرة . لكن المسألة في رأيي هي عكس ما ذهب اليه الكاتب، فالإبتهاج في ذكرى الإستشهاد يعبر عن "الروح الفرديه " في المسيحية .والبكاء على الشهيد يعبر عن "الروح الإجتماعية" في الإسلام .

لا أريد هنا طبعا أن ابرر أعمال غير من الناس ممن ينظرون إلى الحسين على أنه مجرد شخصية تثير الحزن والأسف والأسى لأنه قتل مظلوما، ولأنه ذهب ضحية أهواء الطاغوت .لا أريد أن ابرّر أعمال أولئك الذين لا يضعون نصب أعينهم مواقف الحسين البطولية في إحيائهم لذكرى سيد الشهداء، فقد سبق أن انتقدنا هؤلاء حين تحدثنا عن (منشأ القدسية) في الشهيد.بل أريد أن أوضح فلسفة تعليمات قادتنا الميامين في حقل البكاء على الشهيد .هذه الفلسفة التي يتفهمها جيدا كل الواعين ممن يشاركون في مجالس عزاء الحسين.

ما هي طبيعة الموت ؟ثمة اتجاهات متباينة في نظرتها إلى الموت .

- فاتجاه يرى أن علاقة الإنسان بالعالم، وعلاقة الروح بالجسد هي نوع من العلاقة التي تربط السجين بالسجن، وغريق البئر بالبئر، والطير بالقفص .والموت في رأي هذا الإتجاه الفكري خلاص وحرية، والإنتحار بموجبه مشروع .وتنسب إلى ( ماني ) المعروف هذه النظرية، وبموجبها يكتسب الموت صفة ايجابية مطلوبة، إذ أنه نجاة من سجن وخروج من بئر وتحرر من قفص . وليس فيه ما يدعو إلى الأسف بل إلى الإبتهاج.- واتجاه ثان يرى أن الموت عدم وفناء، خلافا للحياة التي هي وجود وبقاء.. والإنسان يميل غريزيا وبالبداهة إلى ترجيح الوجود على الفناء، ولذلك فهو يفضل الحياة - بأيةصورة كانت - على الموت، يتحدث (المولوي) عن (جالينوس) الطبيب الأسكندراني المعروف أنه قال:

إني أفضل أن أبقى حيا حتى ولو قدر أن أعيش في بطن بغلة ورأسي خارجها . هذا الإتجاه ينظر إلى الموت نظرة سلبية تماما .- والإتجاه الآخر يرفض أن يكون الموت إبادة وفناء .. ويرى انه انتقال من عالم إلى آخر، ويرفض أن تكون علاقة الإنسان بالعالم ،

وعلاقة الروح بالجسد من نوع علاقة السجين بالسجن، أو الغريق بالبئر أو الطير بالقفص، ويذهب إلى أنها كعلاقة الطالب بالمدرسة وعلاقة الفلاح بالمزرعة .الطالب يعاني في دراسته مصاعب متعددة كابتعادة عن الأهل والأحبة وعن الوطن أحيانا ، وكتقيده بجدران الصف والمدرسة .

لكن الطريق الوحيد لسعادة هذا الطالب في المجتمع ينحصر في إنهاء دراسته بنجاح .والمزارع يتحمل في حقله أنواع الأتعاب، ويعاني من ابتعاده عن أهله وأطفاله . لكن عمله في المزرعة هو الذي يوفر له وسيلة حياة مرضيه في كنف عائلته طول أيام السنة .وكيف يستقبل الموت أصحاب هذا الإتجاه الأخير ؟هؤلاء يخافون من الموت وينفرون منه إن كانوا قد أضاعوا عمرهم، وأتلفوا حياتهم، وارتكبوا المعاصي والآثام .. لكنهم يستقبلون الموت ببشر وسرور، ويترقبونه بفارغ الصبر إن كانوا قد أدوا ما عليهم من مسؤولية في الحياة، ونجحوا في اجتياز المرحلة الدنيويه، شأنهم في ذلك شأن الطالب الذي جد واجتهد بنجاح في دراسته ويود بلهفة أن يعود إلى وطنه وإلى أحضان أهله وأحبائه . وكالمزارع الذي بذل غاية جهده في عمله ، ويأمل بشوق شديد أن ينتهي من عمله، ويأخذ ما جنته يداه إلى بيته .هذا الطالب يصارع رغبته في العودة إلى وطنه قبل انتهاء دراسته،

ويأبى على نفسه أن يترك دراسته ناقصة . وهكذا المزارع لا يضحي بعمله وواجبه من أجل تحقيق أمله .شأن أولياء الله شأن هذا الطالب .. ينظرون بعين الشوق والأمل إلى الموت باعتباره نقلة إلى العالم الآخر، وهذا الأمل يعتمل في نفوسهم، فلا يقر لهم قرار .. يقول علي -ع-:

"ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب " الخطبة 193ومع هذا .. فأولياء الله لايلقون بأنفسهم نحو الموت، إذ يرون العمر فرصة وحيدة للعمل والتكامل ، ويعلمون انهم يستطيعون اجتياز مراحل أسمى على سلم التكامل إن استمروا على قيد الحياة .. فيطلبون من الله أن يطيل أعمارهم .ومن هنا فلا تعارض بين شوق المؤمنين إلى الموت وطلبهم طول العمر .القرآن الكريم يخاطب اليهود الذين زعموا أنهم (أولياء الله ) قائلا:

فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»(الجمعة6). ثم يقول:

«وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ»(الجمعة7).

هؤلاء هم من النوع الذي أشرنا إليه آنفا في القسم الثالث من وجهات النظر إلى الموت.أولياء الله يعرضون عن طلب طول العمر في موضعين:

الأول - حين يشعرون بعدم قدرتهم على إحراز مزيد من النجاح في حياتهم، بل يحسون بتناقض بدلا من التكامل .يقول علي بن الحسين -عليه السلام - في دعائه:

"إلهي وعمرّني ما دام عمري بذلة في طاعتك، فان كان مرتعا للشيطان فاقبضني إليك" .الثاني - الشهادة، فأولياء الله يطلبون من الله الموت في موضع الشهادة دونما شروط .لان الشهادة تنطوي على الخاصيتين معا:

خاصية العمل، وخاصية التكامل .والحديث النبوي:

"فوق كل ذي بر بر، حتى يقتل في سبيل الله، وإذا قتل في سبيل الله، فليس فوقه بر"يؤكد هذه الحقيقة .ومن هنا الإمام علي يكاد يطير فرحا حين يسمع من النبي أن مصيره الشهادة .وعلي -عليه السلام - تحدث عن الموت كثيرا ومما قاله في هذا الصدد:

"والله ما فجأني من الموت وارد كرهته ولا طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد وطالب وجد " . هذه النظرة إلى الموت بلغت من العمق والرسوخ في نفس (علي ) بحيث رفع عقيرته حين هوى السيف على مفرق رأسه صبيحة التاسع عشر من رمضان مرددا:

/ 4