التربية الصالحة ضمان الاستقامة - مرأة بین مهام الحیاة و مسئولیات الرسالة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مرأة بین مهام الحیاة و مسئولیات الرسالة - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ولكن أن تذهب الأم الى المطبخ وتُشاغل أطفالها بجهاز الفيديو وأفلام الصور المتحركة والأغاني والموسيقى، غافلة أو متغافلة عن مدى التأثير السلبي لهذا الجهاز على شخصية الطفل وتكوينه، فإنّ ذلك يعدّ حماقة مابعدها حماقة، بل الأجدر القول بأنّ ذلك يعد خيانة عظمى ترتكبها الأم بحقّ أطفالها، وهي تتحمل كل المسؤولية أمام القضاء الإلهي في يوم القيامة.


فلتجعل الأم بدلاً عن الغناء -مثلاً- جهاز التسجيل ليبث صوت القرآن بصورة التأهيل والتعليم لأولادها، حتى تتعود آذانهم على سماع كلام الله.


وبكلمة ثانية؛ أؤكد أنّ وظيفة الأمّ الاساسية تجاه أولادها الصغار، خلــق أجـواء ايمانية طيّبـة تحملهم على الأنـس والرغبة في الركون الى


الديـن والإيمـان.


ومن الممكن ايضاً الاستفادة من فرص التزاور العائلي خلال أيام الجمع والعطل، وجعلها مدرسة كبيرة للعائلة، حيث يجمع الأطفال وتلقى عليهم الدروس وقصص التأريخ الاسلامي..


وليعلم الآباء والأمهات أنّ اطفالهم حتى سنّ السابعة من العمر يكونون أحراراً اكثر من غيرهم، فليستغلوا هذه الفرصة التي لاتعوض بإدخالهم في مؤسسات تهتم بتحفيظ القرآن الكريم وروايات أهل البيت عليهم السلام، ولن يضيع ما يصرفه الوالدان من مال في هذا المجال سدىً أبداً، إذ أنهم بخطوتهم المباركة هذه يضعون حجر الأساس الراسخ في بناء شخصية أطفالهم.



التربية الصالحة ضمان الاستقامة



عندما تتواتر المصائب وتتلاحق المآسي على الأمة، فان جوهرها الحقيقي سيظهر لنفسها وللناس جميعاً. وان الأمة التي تصطدم بواقع الضعف والانكسار.. لايسعها الا استخراج كنوزها الذاتية، واستخلاص قواها المكنونة، المتمثلة في الاستقامة.


ولا يخفى؛ ان الاستقامة هي جوهر كل امة، والامة التي لاتتمتع بالاستقامة هي أمة منهزمة في جوهرها وكيانها، عاجزة في قدراتها..


وبناء على ذلك، فان الاستقامة هي مقياس جوهر الأمة، وميزان ثباتها وتحديها..


ولاننا اليوم نعيش تحد حضاري على جبهتين؛ جبهة الخارج، حيث نواجه مطابع المستكبرين، وخططهم في استغلالنا ونهب ثرواتنا.. وبالتالي السيطرة علينا. وجبهة الداخل، حيث نواجه التخلف والانحطاط، والظلم والاستبداد..


فلا مناص لنا من الاستقامة. ولكن ماهو السبيل الذي يجعلنا نحظى بالاستقامة؟


ان الذي يعيننا ويعين ابناء امتنا الاسلامية على الاستقامة، هو ان نتلقّى التربية الاسلامية منذ الطفولة، وفي هذا المجال تلعب المدارس دوراً اساسياً في ترسيخ الاستقامة في نفوس شبابنا .


ومن المعلوم ان الغالبية العظمى من صفات الانسان تبدا بالظهور منذ الطفولة، ومنذ السنين الأولى من حياته، ونحن عادة ننسى المواقف الجزئية التي اثّرت في حياتنا، وصاغت شخصيتنا، وكوّنت افكارنا.. ولكن هذه العوامل ماتزال تعيش معنا متمثّلة في نتائجها.


وعلينا ان لا ننسى في هذا المجال ان نستوحي تعاليمنا وتوجيهاتنا وارشاداتنا التربوية من القرآن الكريم، ولكننا نلاحظ - للاسف الشديد- ان القرآن مهجور في بلداننا الاسلامية، بل ان البعض يدّعون ان القرآن كتاب انزل قبل ابعة عشر قرناً، وانه موجّه الى اولئك الذين كانوا يعيشون في ذلك العصر. فنراهم يهجرون القرآن، ويؤطّرونه - في افضل الاحوال- بأطر تقليدية محدودة ينبغي ان لايخرج منها، فيقول ان الآيات القرآنية قد نزلت بشأن اناس عاشوا في عصر ما ثم انتهوا، وانّه لا يعيننا من قريب او بعيد.


ان مظاهر الانحراف والبعد عن التعاليم القرآنية قد انتشرت - للاسف الشديد- في جميع ارجاء العالم الاسلامي، وعلى سبيل المثال فاننا نلاحظ ان المصارف والبنوك تتعامل من الصباح الى المساء بالربا، ومظاهر الفساد منتشرة في كل مكان، والسبب في ذلك اننا قد (اعتقلنا) القرآن - إن صحّ التعبير-، وعلينا ان نطلق سراحه لكي يطلق سراح الأمة، ولكي تطلق آياته طاقات الأمة وتفجّرها باتجاه البناء.


والقرآن يقول بشأن الاستقامة التي سبقت الاشارة اليها، والتي اعتبرناها العامل الرئيسي في مقاومة التحديات المضارية: « إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ » . (فصلت/30)، ثم يقول بعد ذلك: « وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ الْسَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » (فصلت/34)


وهاتان الآيتان تبيّنان لنا ان الاستقامة لاتتحصل إلاّ من خلال التربية الصالحة، وانا هنا اوجّه حديثي الى الآباء والامهات، والى العاملين في المؤسسات التربوية والتعليمية، فأقول: ان هذا الجيل الذي نحن جزء منه قد يكون عاجزاً عن تحقيق اهداف الأمة، فهو جيل الكوارث والمصائب، جيل احتلال الاراضي المقدّسة عام 48 و67 و73 و82، فهو الجيل الذي تلقّى الصفعات.


فيامن تتولّون مسؤولية تربية الجيل القادم انتم مسؤولون عن تنشئة جيل التصدّي والتحدّي، جيل يكون قادراً على اداء مسؤولياته بالكامل.


وعلـى الآباء والأمهات تقع المسؤولية الكبرى في هذا المجال، وذلك


من خلال اتباع الخطوات والاساليب التالية:


1- تربية الأولاد على الحرية التي هي بنت الفطرة والارادة. علماً ان المسؤولية لاتكون إلاّ بعد ان تتحقق للانسان الحرية، والمسؤولية هي اعظم وافضل صفة للانسان، فعلينا ان لا نقهر الطفل منذ نعومة اظفاره، وان لانهزم نفسيته.


ان الأب اذا هزم نفسيّة الطفل في بيته فانه سيصبح طاغوتاً في حدود هذا البيت، وكذلك الحال بالنسبة الى الأم والطفل والطفلة عندما يشبّان فانهما سيتحولان ايضاً الى طاغوتين ثم تستشري حالة الطغيان في المجتمع كلّه.


وبالاضافة الى ذلك فان الطفل الذي تعوّد على الخضوع والسكوت، واعتاد الكبت والهزيمة النفسية في البيت، فانه سوف لايستطيع غداً ان يتحدى المظاهر الفاسدة.


لنحاول ان نمنح اولادنا الشخصية، ولنزوّدهم بالاعتداد بالنفس، والثقة بالذات، ولنوحِ لهم بانهم مسؤولون عن تصرفاتهم. فتربية الطفل ليست كتربية الدواجن . فالله سبحانه وتعالى خلق الطير -مثلاً- بحيث يعيش باستقلالية بمجرّد ان يخرج من البيضة، ولكنّه خلق الطفل بحيث يحتاج الى ابويه لسنين طويلة. وحكمة ذلك ان يعمل الابوان من اجل تربيته، وصياغة شخصيته، ولكي يتحملا مسؤوليتهما في تنشئته ورعايته، بحيث لايصنعان منه انسانــاً جبانــاً، ضعيف الأرادة، مهزومـاً من الناحية


النفسية، خانعـاً لكل قوة، خاضعـاً لكل سيطرة.


وبناء على ذلك فان على الآباء والأمهات ان لايطردوا -مثلاً- اولادهم من البيت لمجرّد انه قد تحدّاهم، او لم يمتثل لاوامرهم بشأ، المدرسة التي اختارها، او نوع الملابس التي يريد ان يرتديها، وما الى ذلك.


فنحن لسنا آلهة بالنسبة اليهم، وهم ليسوا عبيداً لنا، وصلاحياتنا محدودة ضمن اطر معيّنة بالنسبة اليهم.


فلنعطِ -اذن- كرامة لاطفالنا، ولننمّي فيهم روح الاستقامة، ولنعوّهم على ان يحيوا حياة الابطال دون ان نفرط في (تدليلهم)، ونبالغ في رعايتهم والعناية بهم الى درجة بحيث نجعلهم مرتبطين بنا، معتمدين علينا. وفي هذا المجال يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: شر الآباء من دعاه البرّ الى الافراط .


فعلينا ان لا نفرط في حق ابنائنا، وان نستخدم الحب كطريق ووسيلة لتربيتهم. اما ان نبالغ في رعايتهم، فان هذه الرعاية سوف تضرّ بهم، خصوصاً وان هذا الجيل من المفترض فيه ان يكون جيل الجهاد، مادامت بلداننا محتلّة، ومادامت حقوقنا مغصوبة ومادمنا بؤساء في هذا العالم.


وعلى هذا لابد من ان نخشوشن، وان نربّي اطفالنا على الصعوبات، وعلى النظام الذي يختارونه بأنفسهم.. وهذا الاسلوب هو الذي من شأنه ان يخلق الاستقامة في نفوس الأطفال.


3- علينا ان نربّي اطفالنا على حب الوطن وحبّ الناس، وان نجعلهم يشعرون بلذّة الاحسان الى الضعفاء والبؤساء، وان نحذر كل الحذر من ان نربّي فيهم روح الانانية والذاتية. فاذا ما قام احد اطفالنا بالاحسان الى صديقه، فعلينا ان لا نؤنّبه، بل علينا ان نمدحه ونثني عليه ونشجّعه على سلوكه هذا مستهدفين بذلك تنمية روح التعاون والايثار في نفسه.


وللاسف فانّ هناك ظاهرة مؤسفة منتشرة بين الآباء والأمهات في مجتمعاتنا، وهي انهم يحاولون دائماً - من حيث يشعرون او لايشعرون- الى تنمية روح الانانية والفردية في نفوس اولادهم، وهذه الظاهرة تتجلى في مجال الدراسة اكثر من أي مجال آخر فتراهم يزقّون اولادهم بافكار وتوجيهات لا تؤدّي إلاّ الى تخريج جيل انانيّ، لا يفكّر إلاّ في نفسه ومصالحه. فتراهم يؤكدوا على اولادهم ان يركّزوا اهتمامهم على الدراسة من أجل ان يحصلوا على الشهادات العليا، ويشغلوا المراكز، والمناصب الرفيعة التي من شأنها ان تحقّق مصالحهم، وتجعلهم يصلون الى ما يصبون اليه من الشهرة والمجد والثروة لانفسهم،و ان لايهتفوا بتقديم العون والمساعدة الى الآخرين، وان (يحودوا النار وراء قرصتهم) كما يقول المثل الشعبي المعروف!


وبالطبع فاننا لا نقصد ان على الىباء والأمهات ان لا يحثّوا ابناءهم على الجدّية في الدراسة، والتفكير في بناء مستقبلهم ولكنّ اسلوبهم في هذا الحثّ والتشجيع مغلوط، لأنه يؤدي الى اشاعة روح الانانية والفردية بين اوساطهم، فعليهم بدلاً من تلك التوجيهات، والايحاءات المغلوطة، ان يشجّعوا ابناءهم على الدراسة ولكن من خلال تلقينهم بأنّهم اذا جدّوا في هذه الدراسة واهتمّوا بها، فانّهم سيصبحون في المستقبل افراداً فاعلين في المجتمع، مقدّمين للخدمات المفيدة اليه، ومؤمنين للكوادر المختلفة التي يحتاج اليها والتي من شأنها ان تجعله في غنىً عن البلدان الاستعمارية التي تسعى من أجل ربطنا في جميع مناحي حياتنا بعجلتها.. وبالتالي فانّ علينا ان نخلق في انفسهم الروح الجماعية، وحالة التحدّي، وعدم الاستعداد بأيّ شكل من الأشكال للخضوع للباطل..


4- وقبل كل هذه الخطوات المتقدمة، لابد ان نغرس في قلوب ابنائنا حب الله جل وعلا. وبذلك يمكننا ان نربّي ابناءنا تربية صالحة، عبر التحدّث عن نعم الله عز وجل لهم، وعن آياته في الطبيعة، وحرصه على ان تكون عاقبته سعيدة في الدنيا والآخرة.


وهكذا فان التربية الفاضلة هي التي تصنع جيلاً يستطيع ان يتحدّى المشاكل والصعوبات، حتى يبني حضارة مجيدة سامية، ومثل هذه القمة الرفيعة لايستطيع ان يتسنّمها إلاّ الذين ربّوا في انفسهم روح التحدي والصبر والاستقامة، ووطّنوا انفسهم على الصمود ازاء التحدّيات الحضارية.



التربية الصالحة ضمان السعادة



المشكاة التي يتجلّى فيها نور الله ، والمصباح الذي يضيء هذا النور وينشره، والزيت الذي يوقد هذا المصباح؛ لابد أن تكون كل هذه الوسائل - المجازية - على درجة كاملة من الطهارة والنقاء ، لأنّ هذا النور هو نور ربّ العالمين ؛ خالق السماوات والأرض ؛ نور من بيده ملكوت كل شيء ، ولا يتجلّى هذا النور في كل مشكاة ولا عبر كل مصباح. ولذلك حينما يصف ربنا نوره بالقول الكريم : « اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَاَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ٌّيُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيِّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » (النور/35) ثم يعطف ربّنا على قوله بآية أخرى - تأتي تفسيراً ضمنياً - وهي : « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ» . (النور/36-37) فهذا النور الإلهي الذي يتجلى في بيت النبوة - محمد وآل بيته الطاهرين عليهم السلام- في ذلك البيت الذي قال عنه ربّنا سبحانه وتعالى : «اِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» . (الاحزاب/33)


فالبيت في الآيتين هو هو ، والنور المشار إليه هو حبل الله الممتد بين الله وبين خلقه ، وهو نفسه الذي قال عنه الله تعالى في موقع آخر : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا» (آل عمران/103).


المهـم ؛ أنّ ذلك النور لايتجلى في كل قلب، أو عبر أيّة سلسلة ومرحلـة، إنما يتجلّى في قلب من قال عنه ربنا سبحانه وتعالى في سورة آل عمران المباركة : « ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (آل عمران/34). الذريـة التي نعتهـا القرآن الكريم بقوله : «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ» (ابراهيم/24). وهذا الواقع لم يحكمه الله تبارك وتعالى بين البشر على سبيل الجبر، وإنما هو اختيار حكيم نابع من علمه سبحانه بما سيكون عليه بنو البشر، وان العلم الإلهي يتعالى عن ان يكون فيه جبراً أو تسييراً .


إذاً فالحديث يجرّنا في هذا الإطار الى شيء من التفصيل، حيث الحديث تارةً يكون عن عالم ما قبل عالم الأنساب والأصلاب ، وتارةً يكون عن عالم الذر ، وتارةً يكون عن عالم الولادة والوجود المادي المحسوس .


اما الحديث عن عالم ما قبل الأنساب والأصلاب ، فقد أكدت الروايات الصحيحة بأن الله سبحانه وتعالى خلق أرواح النبيين والأصفياء كأظلّة وأرواح ، وهذه الأرواح كانت تسبّح له وتقدسه وتنزهه سبعين ألف عام على باب العرش وحوله . ثمّ أدخل الله تعالى هذه الأرواح - وفي مقدمتها وأقدمها أرواح النبي محمد صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام - في بحار القدس والقدرة والملكوت والنور. ولقد تجاوز الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بروحه الطاهرة المطهرة كل هذه البحار والأنوار ليصل الى درجة رفيعة حتى اقترب واقترب « فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» (النجم/9).


واحتراماً لهذه الأنوار القدسية ، فقد أدخلها الله سبحانه وتعالى في صورة الذر صلب النبي آدم عليه السلام أبي البشر، وأسجد الملائكة أجمعين لآدم احتراماً لهذه السلسلة المباركة، رغم ما قالته الملائكة بأنها هي التي تسجد لله وتحمده وتقدّس له ، حيث أكد لهم الرب بأنه يعلم ما لا يعلمون. ثم أخرج ذلك النور وتلك الأجسام وتلك الذرية الطيبة لعالم الميثاق ، حيث يقول الله تعالى في هذا الصدد : « وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى» (الاعراف/172). وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أول من لبّى نداء المعرفة ونداء التوحيد الإلهي، ثم لبّى الأئمة عليهم السلام، ثم الانبياء عليهم السلام.


ثم يقول رب العزة لرسوله صلى الله عليه وآله: « وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» (الشعراء/219)؛ أي منذ آدم عليه السلام الى عبد الله أبي النبي عليه السلام. وفي ذلك إشارة واضحة الى مدى العناية الالهية برسول الاسلام الذي هو سيد البشر. كما هو في نفس الوقت تأكيد مباشر على أن الحقيقة والصورة والنطفة التي تكوّن منها رسول الله صلى الله عليه وآله، لايمكن أن تحملها أصلاب غير موحّدة أو ساجدة لرب العالمين ، إذ أن مقام النبوة جدير كل الجدارة بأن يحاط بالعناية الربانية الفائقة، وكذلك بالنسبة لمقام الإمامة في أهل البيت عليهم السلام.


وها نحن نقرأ في زيارة الامام الحسين عليه السلام نصوص النور التي تشهد لهذا الإمام العظيم بأنه طهر طاهر مطهّر من - صلب - طهر طاهر مطهّر ، قد طهر وطهرت به البلاد ، وطهرت أرض هو فيها ، وأنه لم تدنّسه الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمّات ثيابها.. والسبب في كل ذلك هو أن مقام النبوة والامامة الذي يتجلى فيه النور الالهي لابد وأن يكون على مستوى رفيع جداً من النورانية والروحانية والعظمة والطهر والنقاء .


ومن هناء يمكننا القول بأن العظمة التي كان يتمتع بها آباء النبي صلى الله عليه وآله، كانت تؤهلهم لأن يكونوا أنبياء. غير أنّ الحكمة والتقدير السماوي كان قد حتم أن لايكون بعد النبي عليه السلام نبي، ما خلا نبي الاسلام محمد المصطفى صلى الله عليه وآله. فالله أعلم حيث يجعل رسالته.


ثم يستعرض لنا القرآن الكريم قصة ولادة هذه المرأة الطاهرة ضمن قصة هي الغاية في البداعة والبلاغة الروحانية واللغوية ، وقد جاء فيهـا : « إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ اِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (آل عمران/35). فرغم أنّ الإنسان بطبيعته يريد الذرية لنفسه ويريدها امتداداً لشخصه. غير أن هذه المرأة المثالية كانت قد تجردت عن الآمال الشخصية، محدّدة طبيعة ومستقبل وليدها وثمرة فؤادها. فهي قد نذرت أثمن ما تملك لله سبحانه وتعالى، كما أنها خلال ذلك لا لتمنّ على ربّها بهذا النذر ، بل هي كانت تعرف حدودها كإنسان مخلوق ، وتعرف أيضاً عظمة الله وفضله عليها، ولم تكن بين هذا وذاك لترجو أمراً سوى قبول الله لهذا النذر ، الذي هو الأعظم من بين جميع الامور ، وبالتالي كونها تطلب من الله تعالى أن يكون وليدها إنساناً نورانياً إلهياً مادامت عناية الرب محيطة به .


لقد كانت زوجة عمران طيلة فترة حملها تظنّ بأنّ ما في بطنها جنيناً ذكراً ، ولكنها لمّا وضعت مريم : « فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ اِنِّي وَضَعْتُهَآ اُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ» (آل عمران/36). فكان من عظمة مريم عليها السلام، هذه المرأة الجليلة القدر أنه لم يرد ذكر اسم لأيّة امرأة أخرى في القرآن الكريم سوى اسمها .


وختمت أم مريم دعاءها العظيم ببصيرة نورانية اُخرى بقولها : «وَإِنِّي اُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (آل عمران/36). وحينما رأى كل هذا الأخلاص وهذا الإيمان وهذه البصيرة في الدين، استجاب لها أحسن استجابة. « فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا » (آل عمران/37).


زكريا ؛ هذا النبي العظيم أصبح كفيلاً لمريم ، وفي ذلك تكريم لهذه الطفلة الصغيرة، التي كانت - حسب ما يبدو - أكثر يقيناً من زكريا. إذ أنّ سيرة مريم وعبادتها كانت دليلاً لكفيلها الذي تنبه بعد حين الى أن يطلب من الله تعالى الرزق والبنين، رغم كونه قد بلغ من الكبر عتيّاً. « هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ» (آل عمران/38).


وهكذا تلاحظ تناقل الأفكار بين الصالحين؛ زوجة عمران التي نذرت الى الله ما في بطنها محرراً وأعاذته بربّها من الشيطان الرجيم، وبين زكريا الذي لم ينقطع به الرجاء فطلب الى ربّه أن يرزقه ذرية؛ ذرية طيبة تكون خير وارث لحمل أفكار وبصائر رسالات السماء .


من خلال هذه القصة العظيمة التي سردها القرآن الكريم، تتضح لنا معالم العلاقة بين الإنسان وذريته، متى تبدأ ؟ وكيف تكون ؟


إن القرآن الكريم يريد لنا أن نعرف بأنّ هذه العلاقة تبدأ قبل ولادة الذرية؛ بل وقبل الزواج أيضاً، وتستمر حتى تصبح الذرية في رحم الأم وتتنامى حينما يخرج الجنين طفلاً صغيراً ؛ يحسبه الجاهل قطعة من اللحم، غافلاً عن إن الوليد الجديد عبارة عن جهاز متكامل. هذه العلاقة عادةً ما يغفل عنها الإنسان، فيبدر منه التقصير بحق أولاده .


إن تبعات غفلة الوالد والوالدة عن أولادهما لاتأتي دفعة واحدة، بل هي أمر تدريجي التأثير . فالوالد - مثلاً - حينما يذهب الى السوق ، والسوق كما البحر - فيه اللآلئ والدرر و الأسماك الطيبة وما يحل اكله، وفيه أيضاً الحيوانات الخبيثة وما يحرم اكله - في هذا السوق تجارة طيبة وتجارة خبيثة. ومن المؤسف جداً أن هذا الأب الذي يتاجر لا يفكر بغير الربح، وينسى أنّ في صلبه ذرية، وأن الطعام الحرام الذي يتناوله سيؤثر حتماً على طبيعة ذريته الاخلاقية والنفسية. ثم تراه يتساءل عن السبب في فساد بنيه وبناته. ثم حينما تحلّ مرحلة الحمل يتغافل الاب عمّا ينبغي أن يطعم زوجته، والزوجة التي لا ترى في سماع الغيبة والتهمة والأغاني عيباً وضرراً عليها وعلى جنينها. في حين ان الجنين يتأثر بمجرد تفكير أمّه، فضلاً عن فعلها. وفي مدة طفولته البريئة يتصوّره الأب والأم دمية يستريحان اليها..


و قبل هذا وذاك ؛ لابد من التأكيد على ضرورة اختيار القرين الصالح في الزواج ، ليتسنى بذلك ضمان أكبر نسبة ممكنة من النجاح في العلاقة الاسرية، بما في ذلك التناسل وصلاح الأجيال .


ومن يهدف إيقاف الانحدار والانحراف في الامة الاسلامية، لابد له من العمل على تغيير الأرضية التي تؤدي الى الانحراف، إذ بذلك تتم الوقاية الصحيحة. وبكلمة اُخرى؛ إن الآباء والأمهات مدعوون الى التفكير والعمل على تربية جيل سليم الأخلاق. وتربية الجيل لاتعني بالضرورة سوق النصائح تلو الاخرى على مسامع الأطفال ضمن قوالب جامدة، تنـفّر الطفل عن الثقافة السليمة والبناءة أكثر مما تقربها وتحببها إليه .


كما لابد للآباء والأمهات أن يعوا بأن مشاكلهما الشخصية تنعكس بصورة مباشرة على نفسية الاولاد ، مما يعني أن تربيتهما لهم لن تكون سوى هواء في شبك. فانعكاس المشاكل الخارجة عن المنزل أو المشاكل التي لا علاقة للأولاد بها، بمثابة التربية السيئة - العملية - للأولاد. ومعلوم أنّ الإنسان بطبيعته يستجيب ويتأثر ويتفاعل مع العمل أكثر منه بالقول.


ثم من الضروري جداً أن يسعى الآباء والامهات الى النهوض بمستواهم الديني والثقافي، ليوفروا لذريتهم الميدان المناسب الذي من شأنه الإجابة على ما يطمحون إليه من تطور وآمال . وعلى الذين يعكفون على التفكير الدائم بالدينار والدرهم، أن يعرفوا بأنّ السعادة الحقيقية - في واقع الأمر- تكمن في العمل على ضمان سعادة الآخرة عبر تقديم ذرية صالحة للمجتمع.


وفي الوقت الراهن نحن بمسيس الحاجة الى نهضة حقيقية في إدارة الاسرة والتربية ، وتغيير الكثير من العادات والتقاليد الحاكمة التي ما أنزل الله بها من سلطان. التقاليد التي ترسبت في أذهاننا ونفسياتنا السلبية، التي هي الاخرى وليدة أخطاء الماضي وضغوط المادة والانحدار في الحاضر .


وإننا لمدعوون اليوم - في ظل التحديات الجبارة التي تتعرض لها الأمة الاسلامية بشكل عام وشريحة الشباب بشكل خاص - الى التخطيط بدقة متناهية على ضوء تعاليم الرسالة، لرسم مسيرة صالحة بما للكلمة من معنى لتربية الأولاد، ليكونوا بحقّ نموذج البشرية الأفضل.





([1]) بحار الانوار / ج74 / ص216 / رواية1.


([2]) بحار الانوار / ج5 / ص9 / رواية13.


([3]) بحار الانوار / ج1 / ص177 / رواية54 .


([4]) بحار الانوار / ج27 / ص62 / رواية 16.


([5]) المصدر / ج43 / ص19 / رواية 2.


([6]) بحار الانوار / ج37 / ص85 / رواية 52.


([7]) المصدر / ج35 / ص207 / رواية 2.


([8]) بحار الأنوار / ج43 / ص82.


/ 4