بیشترلیست موضوعاتمُلاحَظاتدليل الكتابمَنْ هو ابن عساكر ?الهويّة الشخصيّةتواريخ وأرقام الولادةالمظاهر الخَلْقيةالخُلُقُ العظيمُالطهارة الإلهيّةالقوة الغيبيةشؤون أُخرىرواية الحديث الشريفبيعة الرسولالرسولُ يعملُالرسول يقولالحسين والبكاءالحُب والبُغْضالسلم والحربوديعةُ الرسولضياع بعد الرسول صلّى الله عليه واَله وسلّمموقف من عُمرمع أبيه في المشاهدفي وداع أخيه الحسن عليه السلاممقومات الإمامةالبركة والإعجازالحجّ , في سيرة الحسين عليه السلام:مع الشعر والشعراءرعاية المجتمع الإسلاميّمواقف قبل كربلاءرسالة الإمام إلى معاويةتباشير الحركةعراقيل على المسيرمن أنباء الغيبأصْحابٌ أوفياءيَوْمُ عاشوراءمواقف متأخّرةأحزان الأحلامرثاء الطبيعةالأسى والرثاءالانتقام للدماءتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
أتأخذُ بركابهما وأنتَ أسَن منهما ؟ فقال إنّ هذين ابنا رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ، أوَ ليس من سعادتي أن آخذ بركابيهما ?( 69).بلى ، إنّها من نعم الله الكبرى ، ومن السعادة العظمى ، أن يتشرّف الإنسان بخدمة أشرف الخلق وأفضلهم ، وخاصة في تلك الظروف السياسية الحرجة وأنْ يُقدّم بذلك خدمة للأُمّة فيعرّفها بفضل أهل البيت عليهم السلام .وحتّى أبو هريرة الذي التقى بالنبيّ في أواخر سنّيّ حياته صلّى الله عليه واَله وسلّم , فأسلم في السنة السابعة للهجرة , ملازماً الصُفّة الشريفة بباب المسجد على شبع بطنه , فلابدّ أنّه كان يرى الحسين يروح ويغدو ، بين بيت أُمّه الزهراء وجدّه الرسول ، ويصحب جدّه في رواحه إلى المحراب ، وعلى ظهر المنبر ، وغدوّه منهما . هذا الذي ادّعى ملازمة الرسول أكثر من أصحابه الّذين شغلهم الصفقُ بالأسواق ، وانفضّوا إلى التجارات ، فكان لذلك أكثرهم حديثاً - بزعمه - على الإطلاق ، حتّى اتّخذَ لنفسه موقعاً رفيعاً في نفوس من صدّقه من الناس ، على الرغم ممّن كذّبه من كبار الصحابة وزوجات النبيّ ، كعليّ عليه السلام ، وعمر ، وعائشة (70) فهو إذنْ - حسب زعمه - يعلمُ من الحسين عليه السلام وفضائله أكثر ممّا يعرفه غيره ، لكنّه يبيتُ من أمر إعلانها وروايتها على خَطَرين (69) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 / 128).(70) انظر تدوين السُنّة الشريفة (ص7-488) والمحدّث الفاصل (ص4-555).$88فكيفَ يظهرُها ، في دولة بني أُميّة - وهو يرتعُ في مراعيهم ، ويطمعُ في برّهم ويقصعُ من مضيرتهم ؟ وكيفَ يتغافلُ عنها ، وله دعاوٍٍ طويلةٌ عريضةٌ في سماع الحديث الكثير عن رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ، والاتّصال به باستمرار ؟ وإذا اضطرّ إلى إبراز شيءٍ فهو يعتمد على الإجمال .اقرأ معي هذه الصورة من مواقف أبي هريرة [191] . . . أعْيَى الحسينُ فقعدَ في الطريق ، فجعل أبو هريرة ينفُضُ الترابَ عَن قدميه بطرف ثوبه فقال الحسين يا أبا هريرة ، وأنتَ تفْعَل هذا ؟ قال أبو هريرة دعني ، فو الله ، لو يعلمُ الناسُ منك ما أعلمُ ، لحملوك على رقابهم (71).لكن , لماذا قصّر أبو هريرة في تعليم الناس بعض ما يعلمُ عن الحسين ؟ فلو كان يعلّمهم لم يكن الجهلُ يؤدّي بالناس إلى أنْ يحملوا رأسَ الحسين على رؤوس الرماح , ولا أنْ يطؤوا جسده بخيولهم ، بدل أنْ يحملوه على رقابهم ? أليسَ هذا غَدْراً بأُمّة الإسلام، وإماتة للسُنّة التي كان أبو هريرة ينوء بدعوى حملها ؟ وأمّا القيادة فقد اتّفقتْ كلمةُ مؤرّخي الإسلام فكريّاً وسياسيّاً ، على أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد أدّى دوراً عظيماً في فترة إمامته ، وأنّه بمواقفه كان المانع الوحيد عن (71) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7 /128) .انهيار الإسلام وقواعده ، على أيدي بني أُميّة وعمّالهم ، وأنّه بقيادته الحكيمة للإسلام في تلك الفترة ، وبتضحيته العظيمة في كربلاء، كان الصدّ الأساسي من العودة إلى الجاهلية الأُولى .فالحسين عليه السلام قد أحيى الإسلام بمواقفه قبل كربلاء ، وفي كربلاء، واستمرّت آثار حركته إلى الأبد ، وبذلك تحقّق مصداق قول الرسول صلّى الله عليه واَله و سلّم حسينٌ منّي وأنا من حسين , كما شرحناه في الفقرة [11] السابقة.أمّا عن صلابة الحسين عليه السلام ، وإقدامه في نصرة الحقّ خارج إطار كربلاء فقد مرّ بنا موقفه من عمر في الفصل [17] وسنقف على مواقفه من معاوية في الفصل [25].وأمّا حديث كربلاء وبطولاتها ، وأشجانها فقد عقدنا له الباب الثالث التالي ، بفصوله المروّعة .21-البركة والإعجاز من معجزات النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم المذكورة في سيرته ، أنّه تفلَ في بئرٍ قد جفّتْ ، فكثرَ ماؤها وعذبَ وأمهى ، وأمرى ، وهذا المعجزُ من بركة نبيّ الرحمة للعالمين قليلٌ من كثيرٍ ، وغيضٌ من فيضٍ .والحسينُ عليه السلام ابنُ ذلك النبيّ ، وبضعةٌ منه ، وعصارةٌ من وجوده ، والسائر على دربه ، والساعي في إحياء رسالته ، فهو يمثّلُ في عصره جدّه الرسول جسدّياً ، ويمثّلُ رسالته هدياً ، فلا غروَ أنْ يكون له مثلُ ما كان لجدّه من الإعجاز ، وهو سائر في طريقه إلى الشهادة والتضحية من أجل الإسلام ، ليفعلَ ما لم يفعله أحَدٌ من قبله .والإمامةُ - عندنا نحنُ الشيعةَ الإمامية - تشترك مع النبّوة في كلّ شيء إلاّ أنّ النبوّةَ تختصُّ بالوحي المباشر ، وبالشريعة المستقلّة ، أمّا الثبوت بالنصّ ، والأهداف ، والوسائل ، والغايات ، فهما لا يفترقان في شيء من ذلك .بل الإمامةُ امتدادٌ أرضيٌّ للرسالة السماويّة ، فلا غروَ أنْ يَمُدّ اللهُ الإمامَ بما يمدُّ النبيّ من القُدرة على الخوارق التي لا يستطيعها البشرُ .أليس الهدفُ من الإعجاز إقناعُ الناس بالحقّ الذي جاء به الأنبياء ? فإذا كان ما يدعو إليه الأئمّةُ هو عينُ ما يدعو إليه الأنبياء ، فأيّ بُعْدٍ في دعم هؤلاء بما دعمَ به أولئك ? من دون تقصيرٍ في حقّ اُولئك ، ولا مغالاةٍ في قدر هؤلاء ؟ومهما كانَ ، فإنّ الحسينَ عليه السلام لمّا خرج من المدينة يريدُ مكّة مرّ بابن مطيع ، وهو يحفر بئره ، وجرى بينهما حديثٌ عن مسير الإمام ، وجاء في نهايته [201] قال ابن مطيع إنّ بئري هذه قد رشحتُها ، وهذا اليوم أوان ما خرجَ إلينا في الدلو شيء من الماء ، فلو دعوتَ اللهَ لنا فيها بالبركة .قال الحسينُ عليه السلام هاتِ من مائها . فأُتيَ من مائها في الدلو ، فشرِبَ منه ، ثمّ تمضمضَ ، ثمّ ردّه في البئر ، فأعذَبَ ، وأمْهى (72) وهذا من الحسين عليه السلام - أيضاً - غيضٌ من فيضٍ ، وهو معدن الكرم والفيْض . إلاّ أنّ حديثَ الماء ، والحسينَ في طريقه إلى كربلاء، فيه عِبْرة ، تستدرّ العَبْرة (72) في مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7 / 130) وأُمْريَ ، هكذا مضبوطاً ، بدل (وأمهى)فهل هي إشارات غيبيّة إلى أنّ الحسينَ سيواجهُ المنعَ من الماء، وسيُقتلُ عَطشاً , وهو منبعُ البركة ، من فيض فمه يعذبُ الماءُ وينفجرُ ينبوعُه ؟ وهل كان ذلك يخطرُ على بالٍ ؟ لكنّ ذكر العطش والبحث عن الماء ، له شأنٌ آخر في حديث كربلاء
22-الحجّ , في سيرة الحسين عليه السلام:
للحجّ في تراث أهل البيت عليهم السلام شأنٌ عظيم ، وموقعٌ متميّزٌ بين عبادات الإسلام ، فهم يبالغون في التأكيد على أنّ الكعبة هي محورُ الدين ، ومدار الإسلام ، ونقطة المركز له ، وقطب رحاه ، على المسلمين غاية تعظيمه والوفادة إليه .ومن الواضح أنّ من الفوائد المنظورة للحجّ ، والتي صرّحتْ بها الآَياتُ الكريمة ، وأصبحتْ لذلك أفئدةُ المؤمنين تهوي إليه هو دلالته الواضحة على خلوص النيّة ، والتركيز على وحدة الصفّ الإسلامي ، وتوحيد الأهداف الإسلامية ، التي تركّزت عند الكعبة ، وتمحورت حولها .وأهلُ البيت عليهم السلام كانوا في هذا التكريم العظيم جادّين أقوالاً وأفعالاً ، فالنصوص الواردة لذلك مستفيضةٌ بل متواترةٌ ، وقد أقدموا على ذلك عملياً بأساليب شتّى منها الإكثار من أداء الحجّ ، وقد جاء في سيرة الحسين عليه السلام [2 - 193] إنّه حجّ ماشياً خمساً وعشرين , وإنّ نجائبه معه ،تُقاد وراءه(73 ) إنّها الغاية في تعظيم الحجّ ، بالسعي إلى الكعبة على الأقدام ، لا عن قلّة راحلة ، بل إمعاناً في تجليل المقصد والتأكيد على احترامه .وهذا على الرغم من ازدحام سنيّ حياته بالأعمال ، فلو عدّدنا سنيّ إمامته العشر ، وسنوات إمامة أخيه الحسن العشر كذلك ، وسنوات إمامة أبيه الخمس ، لاستغرقت خمساً وعشرين حجّة .فهل حجّ الحسينُ عليه السلام في الفترة السابقة بعض السنوات ؟ وأُسلوبٌ آخر من تعظيم أهل البيت للكعبة والبيت والحرم أنّهم لم يُقْدموا على أيّ تحرّكٍ عسكريّ داخلَ الحرم المكّيّ ، وكذلك الحرم المدنيّ ، رعايةً لحرمتهما أنْ يُهدَر فيهما دمٌ ، وتهتكَ لهما حرمةٌ على يد الحكّام والأُمراء الظالمين ، وجيوشهم الفاسدة ، المعتدية على حرمات الدين .ومن أجل ذلك خرج الإمام عليّ عليه السلام من الحجاز ، وكذلك الإمام الحسين عليه السلام ، وكلّ العلويّين الّذين نهضوا ضدّ جبابرة عصورهم ، وطواغيت بلادهم ، خرجوا إلى خارج حدود الحرمين حفظاً لكرامتهما ، ورعاية لحرمتهما (74)وبهذا الصدد جاء في حديث سيرة الحسين عليه السلام أنّه خرج من مكّة معجّلاً ، جاعلاً حجّه عمرةً مفردة ، حتّى لا تُنتهك حرمةُ البيت العتيق بقتله ، بعد أنْ دسَّ يزيدُ جلاوزته ليفتكوا بالإمام ، ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة (73) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 /129) (74) راجع جهاد الإمام السجّاد عليه السلام (ص68- 69)وإذا كان الظالمون لا يلتزمون للكعبة والحرم بأيّة حرمة ، ويستعدّون لقتل النفوس البريئة فيه ، وهتك الأعراض في ساحته ، وحتّى لهدمه وإحراقه ، كما أحدثوه في تاريخهم الأسود مراراً ، وصولاً إلى أغراضهم السياسية المشؤومة .فإنّ بإمكان الحسين عليه السلام أنْ يسلبهم القدرةعلى تلك الدنائة ، فلا يوفّر لهم فرصة ذلك الإجرام ، ولا يجعل من نفسه ودمه موضعاً لهذا الإقدام الذي يريده المجرمون ، فلا يحقّق بحضوره في الحرم ، للمجرمين أغراضهم الخبيثة ، بقتله وهتك حرمة الحرم ، وإن كان مظلوماً على كلّ حال .وهذه هي الغاية القصوى في احترام الكعبة ، وحفظ حرمة الحرم .وقد صرّح الإمام الحسين عليه السلام بهذه الغاية لابن عبّاس ، لمّا وقف أمام خروجه إلى العراق ، فقال [243] لئنْ أُقتل بمكان كذا وكذا ، أحَبُّ إليَّ من أنْ استحلَّ حرمتها .[244] وفي نصّ آخر . . . أحبُّ إليَّ من أنْ يُستحلَّ بي ذلك( 75) والنص الوارد في نقل الطبراني . . . أحبُّ إليَّ من أنْ يُستحلَّ بي حرمُ الله ورسوله (76) وهذه مأثرةٌ اختصَّ بها أهلُ البيت عليهم السلام لابُدّ أنْ يمجّدها المسلمون .(75)لاحظ مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7/ 142)(76)تاريخ دمشق ،ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص190-193) هامش(3).
23-مع الشعر والشعراء
الشعرُ يجري في وجدان الشعوب مجرى الدم ، ومعه يجري ما يحتويه الشعر من معنىً ومضمون ، وللشعراء في المجتمعات - وخاصة المجتمع العربيّ - وجودٌ مؤثّرٌ لا يمكن إنكاره .واختلف الشعراءُ في أغراضهم وأهدافهم ، باختلاف طبائعهم ، وأُصولهم ، وانتماءاتهم القبليّة والطائفيّة ، وأهدافهم وأطماعهم الدينيّة والدنيوية ، وما إلى ذلك من وجهات نظر ، وغايات ، وآمال .والمالُ الذي يسيلُ له لعابُ كثيرٍ من الناس ، يُغري من الشعراء مَن امتهنوا الشعرَ ، وحمّلوه مؤونة حياتهم المادّية ، قبلَ أنْ يكونَ بنفسه غرضاً ، يحدوهم إلى نيل مكانة اجتماعية في الأدب واللغة ، أو خلود الذكر في الحضارة البشرية ، أو علوّ الكعب والشرف بين الأقران والأهل والعشيرة ، أو الخُلْد والثواب والأجر في الآَخرة .أمّا المالُ عند أهل الشرف والكرامة والإنسانية والعزّة النفسيّة ، من أصحاب الأهداف السامية الكُبرى ، فهو وسيلةٌ وليس هدفاً .وكما أنّ الله تعالى ذكره استخدمَ المالَ لأغْراض العُبور على الجسور ، والوصول بها إلى الأهداف الربّانيّة ، فجعلَ للمؤلَفة قلوبهم حقّاً في أموال الله , فكذلك الحسينُ عليه السلام ، اتّباعاً للقرآن ، وتطبيقاً له فإنّه كانَ يستخدمُ المالَ لهدف معنويّ إلهيّ سامٍ . فكان يُعطي شعراء عصره ، ولمّا عوتبَ ، قال [199] إنّ خيرَ المال ما وقَى العِرْضَ (77)مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 -129)و العِرضُ هُنا ليس هو النامُوس , إذْ ليس بين المسلمين من يَخالُ أنْ يَنالَ من عِرض أهْل بَيْت الرسالة بل المراد به العِرْض السياسيّ الذي اسْتَهدفه من آل محمّد الأُمويّون ، فكانوا يكيلون سَيْلَ التهم والافتراء ضدّ عليّ وآل محمّد ، على حساب المدائح لمخالفيهم من آل عثمان و مروان وطواغيت آل أبي سفيان .فكانت مبادرةُ الإمام الحسين عليه السلام قطعاً لأعذار المتسوّلين بشعرهم والمستغلّين لهذا المنبر الشعبيّ الفاعل ، في سبيل جمع الحُطام الزائل ، وعلى حساب تحكيم سلطة الظلمة الجائرين , فكان عطاءُ الحسين عليه السلام يحدّ من اتجّاه الشعراء إلى أبواب الحكّام ، ويقلّل من فرص استغلالهم من قبل الجائرين ، كما يُوصِدُ أمام السفلة أبواب التعرّض للشرفاء من معارضي السلطة وأنصارِها الطُغاة البغاة( 78) ويُمكن أنْ تُفسَر ظاهرة رواية الشعر المنسوب إلى الأئمّة عليهم السلام ، على أساس من هذا المنطلَق ، فبالرغم من أنّ قول الشعر لا يليقُ بأُولئك العلماء ، القادة ، السادة ، الّذين كانت لهم اهتمامات كبرى ، ومع أنّ الشعر المنسوب أكثرهُ ضعيف اللفظ والوزن ، ولا وقع له في مجال اللغة والأدب فضلاً عن أنْ يُقاسَ بكلماتهم النثريّة التي هي في قمّة البلاغة والفصاحة , إلاّ أنّ من الممكن أن تصدُرَ - لو صحّت النسبةُ - من أجْل ملىء الفراغ في دنيا الشعر ، والذي انهمك فيه الشعراء بأغراضٍ أُخرى ، وقلّت فيها النخوة الدينية عندهم ، فلا يبعدُ أنْ يكون للأئمّة عليهم السلام شعرُ يسدّ بعض هذا الفراغ ، (78) انظر موقف الحسين عليه السلام من الفرزدق الشاعر هامش (ص207) من تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام .ويجذب قلوب الناس إلى المعاني والأغراض الصالحة التي تحتويه , أو يكون بعضُ الموالين قد حاول ذلك ، فأخذ من الأئمّة المعاني ونظمها بشكل سهل ، ليتهيّأ لكلّ الناس حفظه وتداوله ، فنسب إلى الأئمة باعتبار معانيه .ومن الشعر المنسوب إلى الإمام الحسين عليه السلام ومهما يكن ، فإنّ ابن عساكر قد روى من الشعر المنسوب إلى الإمام الحسين عليه السلام ، الشيء الكثير ، نختار منه ما يلي [205] خرجَ سائل يتخطّى أزقّة المدينة ، حتّى أتى باب الحسين بن عليّ ، فقرع الباب ، وأنشأ يقول لم يَخَبِ اليَوم مَنْ رجاكَ ومَنْ * حرّكَ من خلف بابك الحَلَقَهْ فأنْتَ ذو الجودِ أنْتَ معدِنُه(79) * أبوكَ قد كان قاتلَ الفَسَقَهْ وكان الحسينُ بن علي واقفاً يُصلّي ، فَخَفَفَ من صلاته ، وخرجَ إلى الأعرابيّ ، فرأى عليه أثر ضُرّ وفاقة ، فرجع ونادى بقَنْبرٍ فأجابه لبّيك ، يابنَ رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم , قال ما تبقّى معكَ من نفقتنا ؟ قال مائتا درهم ، أمرتني بتفريقها في أهل بيتك , قال فهاتها ، فقد أتى مَنْ هو أحقُّ بها منهم. فأخذها ، وخرج ، فدفعها إلى الأعرابيّ ، وأنشأ يقول (79) في مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور وأنت جود وأنت معدنه .خُذْها فإنّي إليك معتذِر *واعلم بأنّي عليك ذو شَفَقَهْ لو كان في سيرنا الغداة عصاً (80) * كانَتْ سمانا عليك مُنْدَفقهْ لكنّ ريبَ الزمان ذو نَكَدٍ *والكف منّا قليلة النَفَقهْ فأخذها الأعرابيُّ وولّى وهو يقول مُطَهرونَ نقيّات ثيابُهم * تجري الصلاةُ عليهم أينما ذُكروا فأنتمُ أنتمُ الأعلونَ عندكمُ *علمُ الكتاب وما جاءتْ به السورُ من لم يكنْ علويّاً حين تنسبُه*فماله في جميع الناس مُفتخرُ(81) [208] وأنشدوا ، له عليه السلام أغْنِ عن المخلوق بالخالقِ *تغن عن الكاذب والصادقِ واسترزق الرحمنَ من فضله *فليس غير الله من رازقِ مَنْ ظنَ أنّ الناس يُغنونَه *فليس بالرحمن بالواثقِ (80) في مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور لو كان في سيرنا عصاً تمدّ إذن! (81) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 / 1 - 132)أو ظنَ أنَ المال من كسبهِ*زلّتْ به النعلان من حالقِ(82) [209] وروى الأعمش ، له عليه السلام كلّما زِيْدَ صاحبُ المال مالا * زِيْدَ في هَمّه وفي الاشتَغالِ قد عرفناكِ يا منغصّة العيشِ ويا دارَ كلّ فانٍ وبالِ ليس يصفو لزاهدٍ طلب الزهدِ إذا كانَ مثقلاً بالعيالِ(83) [210] وروي أنّ الحسين عليه السلام أتى المقابر بالبقيع فطاف بها ، وقال ناديتُ سُكّان القبور فأُسْكتوا * وأجابني عن صمتهم ندب الجثى قالت أتدري ما صنعتُ بساكني * مزّقتُ ألْحُمَهم وخرّقتُ الكِسا وحشوْتُ أعينهم تراباً بعدما *كانتْ تؤذى بالقليل من القذى أمّا العظام فإننّي فرّقتها *حتّى تباينتِ المفاصل والشوى (82)و ( 83 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7 /132) .قطّعتُ ذا من ذا ومن هاذاك ذا * فتركتُها رمماً يطول بها البِلى(84) [211] وأنشدوا له عليه السلام لئن كانت الدُنيا تُعدُّ نفيسةً *فدارُ ثوابِ الله أعلى وأنْبلُ وإن كانت الأبدان للموت أُنشِئتْ*فقتلُ سبيل الله بالسيف أفضلُ وإن كانتِ الأرزاقُ شيئاً مقدَراً * فقلّة سعي المر في الكسب أجملُ وإن كانتِ الأموال للترك جُمِعَتْ *فما بالُ متروكٍ به المرُ يبخلُ(85) -
24-رعاية المجتمع الإسلاميّ
إنّ من أهمّ واجبات الإمام هو رعاية المجتمع الإسلامي عن كَثَبٍ ، وملاحظة كلّ صغيرة وكبيرة في الحياة الاجتماعيّة ، ورصدها ، ومحاولة إصلاحها وإرشادها ، ودفع المفاسد والأضرار ، بالأساليب الصالحة ، وبالإمكانات المتوافرة ، دَعْماً للأُمّة الإسلاميّة ، وحفظاً للمجتمع من الانهيار أو التصدّع .وقد ورد عن الإمام الحسين عليه السلام حديث مهمّ يدلّ على عمق اهتمام الإمام بهذا الأمر الهامّ (84)مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 /132) باختلاف يسير(85)مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 /133) .