« دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول و إن الآفاق قد اغامت والمحجة قد تنكرت و اعلموا إني أن أجبتكم ركبت بكم ما اعلم و لم أَصغَ إلى قول القائل و عتب العاتب و إن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلى أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم و إنا لكم وزيرا خير لكم منى أميرا »366قال ابن أبي الحديدو معنى قوله الآفاق قد اغامت و المحجة قد تنكرت ان الشبهة قد استولت على العقول و القلوب و جهل أكثر الناس محجة الحق أين هي فأنا لكم وزيراً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أفتى فيكم بشريعته و أحكامه خير لكم منى أميراً محجوراً عليه مدبراً بتدبيركم فإني اعلم انه لا قدرة لي أن أسير فيكم بسيره رسول الله صلي الله عليه وآله في أصحابه مستقلاً بالتدبير لفساد أحوالكم و تعذر صلاحكم أقولبقيت تلك الجذور الخبيثة متركّزة رغم محاولات أمير المؤمنين في أيام خلافته، وحيث قد عوّدوا المسلمين على نمطٍ خاص من العيشة فلم يمكنهم أن ينسِّقوا معيشتهم وأفكارهم مع ما أراده أمير المؤمنين بل لم يكونوا يستوعبون أسلوب عليٍ في الحكم ، الذي كان هو أسلوب رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يتقبلوا عدالة عليٍ وقسطه وكما قال أحدهم عدلُ عليٍّ قتله .التكليف المزدوج بعد ارتحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم (السكوت والصراخ)مثاللو وقعت سرقه كبيرة في بيت فيه أطفال و فيه أموال كثيرة تهمُّ السارقين لأنهم قد خطَّطوا تخطيطاً مستقبلياً شاملاً لبناء مشروع يبتنى على هذه الأموال.. و لا يمكنهم الغضّ والتغافل عنها أبداً ، و من ناحية أخرى تلك الأموال لها أهمية لصاحبها و تشكل العصب الرئيسي في حياتهم مضافا إلى الأشياء الأثرية الثمينة التي لا يمكنهم التخلِّي عنها.فيدور الأمر بين حالات ثلاثة لها نتائج مختلفةالصراخ وإخبار الناس عن السرقة من أهل البيت جميعاً و بالنتيجة حرق البيت و من فيه و ما فيه. التزام السكوت و الهدوء من جميع العائلة و إسكات الآخرين و أيضا خلق جو إعلامي يؤكِّد للناس أن البيت و ما فيه لم يسرق بل قد بِيع على هؤلاء في مقابل ثمن فالبيت إذا هو حقُّهم الشرعي و القانوني و ليس لصاحبه الأول المطالبة به أصلا.التزام الهدوء من صاحب البيت و تحريض الأولاد على السكوت حفاظاً على البيت علماً بأن هناك من يُعلن عن السارقين (وهي الأم) و يصرخ في وجههم لأجل أخذ وثائق البيت ليس إلاّ.. (و المفروض أنَّ الوثائق مسجله باسمها).فهاهنا نواجه ازدواجية المواقف موقف الوالد والأولاد و موقف الأم و المفروض على الوالد أن يُهدِّئ الكل ولكن الأم لا تسكتُ حيث تطالب بحقِّها وهي الوثائق والمستندات ولن تسمح بأن يسجَّل البيت باسم الغاصبين و إن أدَّى ذلك إلى موتها حيث يترجَّح ذلك الأهم على هذا المهمّ ، حيث أنَّه من الطبيعي أن يرجع البيت بالأخير إلى صاحبه و إن طال الأمد عليه.« الحفاظ على الولاية »مادام الخلافة قد انحرفت عن المسير الأساسي الذي أكد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في مواطن كثيرة و مادام قد اغتصبت بطريقة شيطانية محتالة فلا يمكن إرجاعها بالسكوت و التسليم لما حدث لأن العدو سوف يكتسب هذا السكوت لصالحه إعلامياً و سوف يدَّعي أن هذا السكوت دليل على الرضا و من ثم سوف يكون الغاصب وكأنَّه هو المالك الحقيقي ومن ثم يكتسب الشرعية في الوسط المسلم لا هو فحسب بل كل من يسير على خطاه إلى يوم القيامة!! و هذا هو التدمير الواقعي للإسلام أصلاً و فرعاً و لكن باسم الإسلام وإمرة المسلمين ، و من ناحية أخرى هناك خطورة ثانية لأصل الإسلام و هذا يتطلب السكوت و الهدوء و التساير و في نفس الوقت الإشراف و التطلع على ما سيحدث و محاولة دفع الانحرافات الأساسية التي ترجع إلى أصل الإسلام بدقة ، تلك الانحرافات التي يخطط لها النظام الحاكم بين آونة و أخرى.. من غير مساس و تعرض للجهاز الحاكم.. لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، وذلك حفاظا على الإسلام و لا بدَّ له من السكوت و التساير الظاهري معهم مادام الإسلام في أمان من شرهم.اللهم إلاّ إذا اشتد الخطر و صعب فحينئذ سوف يتطلب الشدة نوعا ما.« صعوبة الموقف و حسّاسيته »عند ملاحظة جوانب الشخصيتين ، شخصيَّة الصدِّيقة الزهراء سلام الله عليها وشخصيَّة أمير المؤمنين عليه السلام وأيضاً عند ملاحظة مدى الارتباط و التعلق بينهما نعرف شدة البلاء الذي ابتليا به و عظمة الامتحان الإلهي و مستوى التكليف السماوي الموجه إليهما.فلو أرادا أن يتحقق الهدف الذي هو الحفاظ على ظاهر الإسلام (و هو تكليف علي عليه السلام) و الحفاظ على واقع الولاية (و هو تكليف الزهراء عليها السلام) فلا بد و أن تتوفر أمورٌ كثيرةٌ لو اختل أحدها سوف لن يتحقق الهدف فمن ناحية أمير المؤمنين لا بد منخلق جو إعلامي واضح ينادى بصريح القول أن عليا ليس من المعارضين و إن كان فهو من المسالمين الذين يبتعدون عن تعكير الجو و تزعزع الرأي.. و هذا يتطلبإلتزام الهدوء و السكوت الكامل و عدم التعرض للحكم أصلا.التساير و التنسيق مع الخليفة و ربما يقتضي ذلك الصلاة خلفه و الجلوس في مجلسه.و من ناحية الزهراء عليها السلام ينبغي لهاأن تخلق جواً مناقضاً تماماً لما أوجده علي عليه السلام.. فتصرخ في وجه الطغاة و تقف أمامهم و تفضحهم و تبين مثالبهم و تكشف عن جريمتهم العظيمة وفى نفس الوقت تدافع عن علي عليه السلام كخليفةٍ للمسلمين فتُبيِّن للناس فضائله و مناقبه و مواقفه وذلك من غير أن يكون ذلك أعني ولاية عليٍّ هو الأساس في قضيَّتها ظاهراً(وهو الأساس بالفعل) ولكن يبقى هنا أمرٌ مهمّ ينبغي أن تراعيه الزهراء عليها السلام وهو عدم إثارة عليٍّ أصلاً لأنَّ ذلك سوف يؤدِّي إلى فشل عليٍّ في موقفه ومن ثمَّ انتصار العدوّ ونجاحه وذلك سوف يؤدِّي إلى الرجوع إلى الجاهليَّة الأولى أعاذنا الله من شرِّها.والوصول إلى ذلك إذاً صعبٌ يتطلَّب أموراًالخروج من البيت و لا مانع مادام هي من المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس.2-خلق أجواء مثيرة للأحاسيس (بكاؤها وأنينها راجع الخطبة).3-كتمان ما تواجهه من الضرب وكسر الضلع وسقط الجنين وغيره عن عليٍّ عليه السلام .4-أن لا يشترك العدو المتظاهر بالإسلام في تشييع جنازتها ودفن الجنازة سراً .5-أن تكون مجهولة القدر والقبر.المعاناةوأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فهل يمكنه أن يتغافل عمّا سيحدث على بضعة الرسول الزهراء عليها السلام ؟ وهل يمكن للإنسان أن يتصور شدة المعاناة التي كان يعانيه أمير المؤمنين عليٌ عليه السلام و كذلك مستوى صبره عليه السلام ؟ كيف وهو يرى تراثه المنهوب! ويعرف عن ضلع زوجه المكسور ؟ يقول سلام الله عليه« أما و الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة و انه ليعلم إن محلى منها محل القطب من الرحى ينحدر عنى السيل و لا يرقى إلى الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو اصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجا أرى تراثي نهبا »367ويقول في موضع آخر « فنظرت فإذا ليس لي رافد و لا ذاب و لا مساعد إلاّ أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى و جرعت ريقي على الشجى و صبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم و آلم للقلب من وخز الشفار »368الكفؤأعتقد أن التكافؤ بين الزهراء عليها السلام وعليٍّ سلام الله عليه الوارد في الأحاديث الكثيرة كالحديث التالي« عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لولا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على الأرض »369إن الحديث لا يعنى التكافؤ في الحيوة الزوجية فحسب و لا يعني أيضاً أنهما مجمع النورين و البحرين بعد تفرقهما في عبد الله وأبي طالب حيث ورد في تفسير قوله تعالى(كنز العمّال محمد بن العباس عن محمد بن احمد عن محفوظ بن بشر عن ابن شمر عن جابر عن أبي عبد الله قال عليه السلام في قوله عز و جل مرج البحرين يلتقيان قال على و فاطمة.. )370 وهناك أحاديث كثيرة في هذا المجال راجع مضانِّها.بل هناك أمر أهم من ذلك و أرفع مستوى و هو التكافؤ في أداء التكليف الإلهي بحيث كل يكمل الآخر.. و كل يؤدى تكليفه المتناقض مع تكليف الآخر ظاهراً و المطابق معه واقعا فهو تكليف واحد و لكن قد تجلّى وظهر في موقفين متضادين تماماً. و من هنا نعرف السر في الحديث القدسي حيث يقول ( لو لا علي لما خلقت فاطمة الخ..« فدك هو المبرر لهذا الموقف »و مبرِّر ثورتها هي فدك وهذه فدك لها بعدان رئيسيّانأحدهما أنَّها قرية في الحجاز، بينها و بين المدينة يومان، و قيل ثلاثة و هي أرض يهودية ، و كان يسكنها طائفة من اليهود، و لم يزالوا على ذلك حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) على النصف من فدك، و روي أنه صالحهم عليها كلها. و ابتدأ بذلك تاريخها الإسلامي، فكانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، لأنها مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، ثم قدمها لابنته الزهراء، و بقيت عندها حتى توفى أبوها (صلى الله عليه و آله) فانتزعها الخليفة الأول و أصبحت من مصادر المالية العامة و موارد ثروة الدولة يوم ذاك حتى تولى عمر الخلافة)ثانيهما انَّها هي الولاية بعينها أو من لوازمها التي قد تجسَّدت في ذلك اليوم وهى عصب حياة الخلافة الإسلامية لا يمكن الاستقرار على منصة الحكم بدونها.. ومن حكمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أنه منح فدك لابنته الزهراء وذلك حين نزل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقَّه) « مصباح الأنوار عن عطية قال لما نزلت و آت ذا القربى حقه دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة فأعطاها فدك »« عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أعطى فاطمة فدك قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وقفها فانزل الله و آت ذا القربى حقه فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم حقها قلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أعطاها قال بل الله تبارك و تعالى أعطاها »371فلو لم يفعل رسول الله ذلك ماذا ترى سيحدث بعد ارتحاله ؟كان الحاكم هو الذي يصطحبها و ذلك على مبرر شرعي لا غبار عليه و هو أنَّ فدك من بيت مال المسلمين الذي هو تحت تصرف الخليفة المنصوب من قبلهم فليس لأحد أن يطالب بها أصلا ،وحينئذ لم يتواجد أيُّ مبرر لصراخ الزهراء و مواجهتها الحكم إلاّ دفاعاً عن زوجها و هذا يعنى أن موقف زوجها هو موقفها لا فرق بينهما أصلاً وحينئذ يمكن للخليفة أن يسكتها و يرغمها بحجة أنها امرأة لا حق لها أن تتدخل في شئون الحكم أو يجبر علياً على إسكاتها و تهدئتها و إلاّ سوف يتخِّذ أيَّ قرار أراد ضدّ عليٍّ وضدّ فاطمة، وعلى فرض ما لو طلب منها عليٌّ السكوت والتراجع فلا بد لها إذاً أن تهدأ لأنه حسب الفرض أنَّ صاحبَ الحق قد تراجع عن حقه فلا معنى للصراخ و المجابهة منها بعد ذلك ، و إن أصرت على ذلك فيمكن التعامل معها بالشدة و سوف لا يثير ذلك أحاسيس المسلمين لأن هذا التعامل له مبرر شرعي و هو الحفاظ على الوحدة الإسلامية و الوقوف دون شق عصا المسلمين.وهل بإمكان الخليفة إعطائها فدك؟ كلا؟ لأن ذلك يعنى نجاح عليٍّ عليه السلام ولقد عرف أبو بكر هذا الأمر ولهذا لما سمع خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر و قال أيها الناس ما هذه الرعة إلى كل قاله أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم إلاّ من سمع فليقل و من شهد فليتكلم إنما هو ثعالة شهيدة ذنبه مرب لكل فتنه هو الذي يقول كروها جذعه بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء..)372أقولأما الرعة بالتخفيف أي الاستماع و الإصغاء و القالة القول و ثعالة اسم الثعلبولكنكل ذلك يتعاكس مع الفرض الآخر و هو مطالبة فدك (و هو المطالبة للولاية في لباس آخر) فإرجاع فدك إليها يعنى التخلي عن الولاية و الخلافة و هو المطلوب الأول.و عدم إرجاعها إليها يعنى أنهم غصبوا حقها المسلم و الواضح عند كل المسلمين أنَّ الغاصب لا يليق بالحكم فكيف لو كان من ابنة رسول الله أخلست الزهراء !إنَّ الكلمة الآتية كلمة عليٌّ عليه السلام عند دفنه الزهراء عليها السلام.ويظهر للمتأمِّل فيها أمورٌ كثيرةٌ وحوادث جليلة وكأنَّه عليه السلام أراد بيانها ضمن السلام لتبقى مدى الدهر. ونحن ننقل النصّ الذي نقله المحدِّث الكليني رضوان الله تعالى عليه حيث يقول(احمد بن مهران رحمه الله رفعه و احمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار لشيباني قال حدثني القاسم بن محمد الرازي قال حدثنا على بن محمد الهرمزاني عن أبي عبد الله الحسين بن على عليه السلام قال لما قبضت فاطمة عليها السلام دفنها أمير المؤمنين سراً وعفا على موضع قبرها ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال السلام عليك يا رسول الله عنِّي وعن ابنتك و زائرتك... إلى أن قالقد استرجعت الوديعة و أُخذت الرهينةُ و أُخلست الزهراء فما اقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله أمّا حزني فسرمد و أما ليلى فمسهد و هم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح و هم مهيج سرعان ما فرق بيننا و إلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا و ستقول و يحكم الله و هو خير الحاكمين سلام مودع لا قال و لا سئم فان انصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين واه واها و الصبر ايمن و اجمل و لو لا غلبه المستولين لجعلت المقام و اللبث لزاما معكوفا و لأعولت اعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سرا و تهضم حقها و تمنع ارثها و لم يتباعد العهد و لم يخلق منك الذكر و إلى الله يا رسول الله المشتكى و فيك يا رسول الله احسن العزاء صلى الله عليك و عليها السلام و الرضوان)373« مرضت فاطمة عليها السلام مرضا شديدا و مكثت أربعين ليله في مرضها إلى أن توفيت صلوات الله عليها فلما نعيت إليها نفسها دعت أم ايمن وأسماء بنت عميس و وجهت خلف على و احضرته فقالت يا ابن عم انه قد نعيت إلى نفسي و إني لا أرى ما بي إلاّ إنني لاحق بأبي ساعة بعد ساعة و أنا أوصيك بأشياء في قلبي قال لها على عليه السلام أوصيني بما أحببت يا بنت »374مفاجأةفما هي الحيلة التي ينبغي أن يتخذها الخليفة لإسكات بنت رسول الله ليس هناك حل إلاّ الضرب و الجرح و الحرق و من ثم القتل و الشهادة و هذا الأمر هو الذي سوف يفضح الخليفة و من تبعه و شايعه كما فضحهم بين الأشهاد حين مارسوا ذلك فضيحة لا خلاص منها إلى يوم القيامة.« الهدف = السكوت + الصراخ »و بالفعل قد تحقق الهدف المطلوب من هذا السكوت و ذلك الصراخ فبقي الإسلام و القرآن كأطروحة حديثة في صون من شر الجاهلية الثانية و انكشفت جرائم من أراد بالإسلام سوء ا ، و ذلك بعد استشهاد بنت الرسول على أيديهم وهي مبغضة لهم غير راضية عنهم بصريح الأحاديث الكثيرة التّي نقلها الجمهور منها« حدثني محمد بن رافع أخبرنا حجين حدثنا ليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك قال فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي الخ »375بقيت أطروحة الولاية ثابتة كأطروحة ليس إلاّ ، وأخذ الخلَّص من الموالين لأهل البيت يترصدون الفرصة المناسبة لتنفيذ تلك الأطروحة المباركة أعنى الولاية ، و بدأ مفهوم الانتظار يترسخ في قلوب الشيعة المخلصين حتى صار أفضل عبادة . .و كان هو المطلوبهذا وقد استمرت غربة الإسلام المحمدي الأصيل أي إسلام الغدير قروناً متوالية ومرّت على المؤمنين وفي طليعتهم أئمة الشيعة عليهم السلام ظروفٌ صعبة للغاية، وضحّوا ما ضحّوا من الأموال والأنفس الطاهرة ،كل ذلك لأجل الحفاظ على أصالة الإسلام المحمدي (الذي هو إسلام الرفض) ومن منطلقه تبلورت مدرسة الانتظار و الترقب ، تلك المدرسة التي تمتلك روحية الانتقام و أخذ الثأر إلى أن يأتي صاحبه ولي العصر عليه السلام.ومن الواضح أنَّ أئمتنا عليهم السلام كلهم كانوا يعيشون منتظرين للفرج ويحرضون أصحابهم أيضاً على ذلك وهم مع ذلك كانوا يسعون عملا للتمهيد لتلك الدولة المباركة المأمولة أعني دولة المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف . ولأجل تثبيت هذه النظرية الإسلامية في ضمائر المؤمنين كنظرية يجب الاعتقاد بها ويجب الترصدّ لها حتَّى يخرج من يُحقِّقها ويجتني ثمارها ،مرّت على المؤمنين ظروفٌ صعبة للغاية.وقد حقق أئمتنا عليهم السلام ذلك الهدف ضمن مجالين الأول تربية نخبة من المؤمنين الخُلّص في كل عصر لا أعني من الخُلَّص ما يستنبطه البعض من الكلمة بل أعني أولئك الذين قد فهموا الإسلام- بمعنى الكلمة -حقّاً فهم بطبيعة الحال الغرباء بين الصديق والعدوّ وهم الحجة علي الآخرين وإن كان عددهم لا يتعدّى أصابع اليد في أكثر الأزمنة ، والجدير أن التأريخ يذكرهم بأسمائهم وأوصافهمالثاني تثبيت الإسلام الخالص صريحا أو إيماء اً ضمن التراث العظيم من الأحاديث الذي حافظ عليها السلف الصالح بقدر الإمكان حرفاً بحرف وحيث لم يكن بإمكانهم فهمها فضلاً عن العمل بها لربما غفلوا عن محتواها أو فسروها تفسيرا غير مرضيٍّ.هذا واستمرَّ هذا الوضع إلى أن انتهى عصر الغيبة الصغرى للمهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وبدأت الغيبة الكبرى وهو عصر اليُتم وانتظار فرج آل محمَّد عليهم السلام.نبتهل إلى الله سبحانه أن يجعلنا من المنتظرين الحقيقيين لوليِّه المهدي المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداءإنتهيت من كتابة هذه الكلمة في ليلة الأربعاء 8ربيع الأوَّل 1417ليلة الإمام الحسن العسكري عليه أفضل الصلوة والسلام .