الجانب السلبي أو الجلالي .الثاني الجانب الإيجابي أو الجماليّ.وكلا الجانبين قد بُينّا في الحديث الشريف ولكنْ بنحو كلّيٍّ فقوله عليه السلام (أتدرى أي شئ تفسير فاطمة قلت اخبرني يا سيدي قال فطمت من الشر) يشير إلى جانب الجلال في شخصيّتها. وقوله عليه السلام (لو لا أن أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه) يبيّن جانب الجمال في وجودها عليها السلام .الكفؤأعتقد أن التكافؤ بين الزهراء عليها السلام وعليٍّ سلام الله عليه الوارد في الأحاديث الكثيرة كالحديث التالي((عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفو على الأرض »400لا يعنى التكافؤ في الحيوة الزوجية فحسب و لا يعني أيضاً أنهما مجمع النورين و البحرين بعد تفرقهما في عبد الله وأبي طالب حيث ورد في تفسير قوله تعالى(كنز العمّال محمد بن العباس عن محمد بن احمد عن محفوظ بن بشر عن ابن شمر عن جابر عن أبي عبد الله قال عليه السلام في قوله عز و جل مرج البحرين يلتقيان قال على و فاطمة.. ) 401وهناك أحاديث كثيرة في هذا المجال راجع مضانِّها.بل هناك أمر أهم من ذلك و أرفع مستوى و هو التكافؤ في أداء التكليف الإلهي بحيث كل يكمل الآخر.. و كل يؤدى تكليفه المتناقض مع تكليف الآخر ظاهراً و المطابق معه واقعا فهو تكليف واحد و لكن قد تجلّى وظهر في موقفين متضادين تماماً. و من هنا نعرف السر في الحديث القدسي حيث يقول ( لو لا على لما خلقت فاطمة الخ..فهذا الحديث هو الأصل مرتكز فيه جميع المفاهيم المذكورة في الأحاديث الأُخر بنحو التفصيل.خلاصة الوجوه للإسم (فاطمة)1-لأنّ الله فطم محبيها من النار.2-لأنّها فطمت عن الطمث.3-لأنّها فطمت بالعلم (أي من الجهل).والمستفاد من الأحاديث أنّها عليها السلام فاطمة فطمت عن جميع العيوب والنقائص وهذا يعني طهارتها المطلقة وهي العصمة.والمهمّ ما في الحديث( محمد بن القاسم بن عبيد معنعنا عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال إنا انزلناه في ليلة القدر الليلة فاطمة و القدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنما سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفته)402المــقارنة بتن ليلة القدر و فاطمة الزهراء عليها السلام1-إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة كذلك بضعة المصطفى .2-أنّه كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها كلّ أمر حكيم، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل.3-كما أنّ ليلة القدر صارت ظرفاً زمانيّاً لنزول الآيات والسوَر كذلك فاطمة أرضيّة مكانية لنزول جبرئيل .4-ليلة القدر معراج الأنبياء والأوصياء ، وكذلك ولايتها مرقاة لهم (ما تكاملت النبوّة لنبيٍّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبَّتها).5-إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات و الكمالات ، كذلك التوسّل بها وسيلة للبركات ودفع البليّات.6-إنّ ليلة القدر خير من ألف شهر فهي عليها السلام خير نساء الأولين والآخرين ، بل إنّ فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.7-إنّ ليلة القدر هي بداية سنة العرفاء بالله كما في الأحاديث الكثيرة وهي منطلق السير إلى الله فكذلك فاطمة هي منطلق الورود في الولاية والتعلّق بأهل البيت عليهم السلام .مقتطفات من أرجوزة المحقق الإصفهاني في شأن الزهراء عليها السلامجوهرة القدس من الكنز الخفي بدت فأبدت عاليات الأحرف وقد تجلى من سماء العظمة من عالم الأسماء أسمى كلمة بل هي أم الكلمات المحكمة في غيب ذاتها نكات مبهمةأم الأئمّة العقول الغرّ بل أم أبيها وهي علّة العــــــلل روح النبي في عظيم المنزلة وفي الكفاء كفؤ من لا كفؤ له تصوّرت حقيقة الكمال بصـــورة بديعةِ الجـــــمال فإنّها الحوراء في النزول وفي الصعود محور العقوليمثل الوجوب في الإمكان عيانها بأحســــــن البيان فإنّها قطب رحى الوجود في قوسي النزول والصعود وليس في محيط تلك الدائرة مدارها الأعظم إلاّ الطاهرة مصونة عن كلّ رسم وسمة مرموزة في الصحف المكرمّة وحبّها من الصفات العالية عليه دارت القرون الخالية تبتلت عن دنس الطبيعة فيا لها من رتبة رفيعة مرفوعة الهمّة والعزيمة عن نشأة الزخارف الذميمة في أفق المجد هي الزهراء للشمس من زهرتها الضياء بل هي نور عالم الأنوار ومطلع الشموس والأقمار رضيعة الوحي من الجليل حليفة المحكم والتنزيل مفطومة من زلل الأهواء معصومة عن وصمة الأخطاء راضية بكل ما قضى القضا بما يضيق عنه واسع الفضا زكيّة من وصمة الوجود فهي غنيّة عن الحدوديا قبلة الأرواح والعقول وكعبة الشهود والوصول من بقدومها تشرّفت منى ومن بها تدرك غاية المنى وبيتها المعمور كعبة السما أضحى ثراه للثريّا ملثما وخدرها السامي رواق العظمة وهو مطاف الكعبة المعظّمة حجابها مثل حجاب الباري بارقة تذهب بالأبصارتمثّل الواجب في حجابها فكيف بالإشراق من قبابها لك الهنا يا سيد الوجود في نشئات الغيب والشهودبمن تعالى شأنها عن مثلِ كيف ولا تكرار في التجلّي بشراك يا أبا العقول العشرة بالبضعة الطاهرة المطهرة مهجة قلب عالم الإمكان وبهجة الفردوس والجنان غرّتها الغراء مصباح الهدى يعرف حسن المنتهى بالمبتدى بشراك ياخلاصة الإيجاد بصفوة الأمجاد والأنجاد أم الكتاب وابنة التنـزيل ربّة بيت العلم بالتأويل بحر الندى ومجمع البحرين قلب الهدى ومهجة الكونين واحدة النبيّ أوّل العدد ثانية الوصيِّ نسخة الأحد ومركز الخمسة من أهل العبا ومحور السبعة علوا وإبا لك الهنا يا سيد البريّة بأعظم المواهب السنية أتاك طاووس رياض القدس بنفحة من نفحات الأنس من جنّة الصفات والأسماء جلّت عن المديح والثناء فارتاحت الأرواح من شميمها واهتزّت النفوس من نسيمها والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمّد وآلــــــــه الطــــــــاهرين ليلة الثلاثاء 20 جمادي الثانية 1416 ليلة ولادة الصدّيقة الزهراء عليها السلام.
ذخيرة الله
الحمد لله ربِّ العالميـن ثم الصلاة و السلام على خاتـم الأنبياء و المرسليـن أبي القاسـم محمـد صلى الله عليه وعلى آله المعصوميــن المنتجبـــيـن .((السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة ، السلام عليك أيتها الرضية المرضية ، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكيّة السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية السلام عليك أيتها التقية النقية السلام عليك أيتها المحدثة العليمة السلام عليك أيتها المغصوبة المظلومة السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله و رحمه الله و بركاته))403الإمام الخميني يتحدَّث عن الزهراء((الأسوة هي الزهراء سلام الله عليها)) 404((إنّها امرأة قد ربّت في حجرتها الصغيرة وبيتها المتواضع أناساً قد انبثق نورهم من البسيطة إلى عمق الأفلاك وكان ذلك النور يتلألأ من عالم الملك إلى جانب الملكوت الأعلى صلوات الله وسلامه على هذه الحجرة المتواضعة التّي أصبحت تجلٍّ لنور العظمة الإلهيّة ومحلاً لتربية المصطفين من أولاد آدم))405وفي كلمة أخرى يشير إمامنا إلى الحديث المعروف المنقول في الكافي الشريف وهو((الكافي محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيده عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنَّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خمسة و سبعين يوما و كان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها و كان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها و يُطيب نفسَها و يُخبرها عن أبيها و مكانِه و يُخبرها بما يكون بعدها في ذرِّيتِها و كان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليه السلام))406ثم يُعلق الإمام على هذه الرواية فيقول((ظاهر الرواية هو أنّه كانت مراودة أي ذهاب وإياب كثير لجبرئيل الأمين وذلك في 75 يوماً ، ولا أظنّ حدوث هذا الأمر لغير الطبقة الأولى من الأنبياء العظام بحيث يتراود إليهم جبرئيل الأمين في 75 يوماً ))ثم(( إنّ كاتب الوحي للصديقة الزهراء كان أمير المؤمنين عليه السلام كما أنّه عليه السلام كان كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وآله (الذي انتهى ذلك الوحي بارتحال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلّم ، إنّه ليس من السهل مجيءُ جبرئيل للإنسان .ولا يُتَخيل أنّ جبرئيل يأتي لكلّ أحد وأنّ هذا الأمر من الأمور الممكنة !!إنّ هذا الأمر يفتقر إلى تناسب و انسجام بين روح من يتوجه إليه جبرئيل وبين مقام جبرئيل الذي هو الروح الأعظم . وليس هناك فرق بين القولين سواء قلنا أنّ تنزيل جبرئيل إنّما هو بواسطة الروح الأعظم للولي أو النبي ، وأنّه هو الذي ينزّل جبرئيل أم قلنا بأنّ الله سبحانه يأمره بأن يأتي ويُخبر عنه سبحانه فعلى القولين الأوّل الذي هو قول بعض من أهل النظر أو الثاني الذي قال به بعض أهل الظاهر ، فلولا التناسب بين روح من يأتي إليه جبرئيل وبين جبرئيل نفسه الذي هو الروح الأعظم ، لا يمكن هذا المعنى أعني (إتيان جبرئيل إليه) وهذا التناسب كان في الدرجة الأولى بين جبرئيل الذي هو الروح الأعظم والأنبياء وهم الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وموسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وإبراهيم عليه السلام وأمثالهم ، ولم يتحقق هذا الأمر بالنسبة إلى الآخرين ، حتّى بالنسبة إلى الأئمّة عليهم السلام أنا لم أعثر على مستند يدلُّ على نزول جبرئيل عليهم بنفس المستوى الذي وصلت إليه الزهراء عليها السلام هذه الأمر كان منحصراً بالزهراء عليها السلام لا غيرها .... وأمّا بما يتعلّق بالمسائل التّي كان جبرئيل يبيّن لها، فربّما كانت إحدى تلك المسائل المبيّنة لها من قِبَل جبرئيل تتعلّق بما يحدث في عهدِ واحدٍ من ذريتها العظيمة أعني صاحب الأمر سلام الله عليه ، ومسائل إيران كان من ضمنها ، نحن لا نعلم، ربّما كان ذلك وعلى أيّ حال إننّي أرى هذه الفضيلة أسمى فضائلها (مع أنّ جميع فضائلها عظيمة) وهي الفضيلة التي لم تحصل لغير الطبقة العالية من الأنبياء عليهم السلام ( لا كلّهم ) وبعض الأولياء الذين كانوا في رتبة تلك الطبقة من الأنبياء .وأمّا قضيّة مراودة جبرئيل في الخمس والسبعين يوماً فلم يتحقق لأحدٍ حتّى الآن وهذه من الفضائل المختصّة بالصدّيقة سلام الله عليها))407.ليلة القدر فاطمة((عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال إنا أنزلناه في ليله القدر الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنما سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفتها))408.أقول ومن خلال هذا الحديث نستفيد أموراً كثيرةً فكما أن المعنى الحقيقي لليلة القدر غير معروف للخلق كذلك الزهراء عليها السلام فهي مجهولة للخلق أجمع أعم من الناس والملائكة والجن فهي باطن تلك الليلة المباركة و لا يعرفها إلاّ المعصومون عليهم السلام« وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ »409كذلك من حيث موضع قبرها فهناك ثلاثة احتمالات في ذلك فربَّما يكون القبر في البيت و ربَّما في البقيع و ربَّما بين المنبر و قبر الرسول حيث ورد أنَّ هناك روضة من رياض الجنَّة ? إشارةً إلى قبرها سلام الله عليها و الليلة أيضاً مردَّدةٌ بين ليالٍ ثلاث ، و كما أنَّ الليل هو مظهر الستر والعفاف فهي سلام الله عليها كذلك .و الأهمّ من ذلك أنَّه كما أنَّ ليلة القدر ظرف زماني قد احتمل كلَّ ما أنزله الله تعالى الذي كان في الكتاب المكنون في كتابه الكريم ففاطمة ظرف مكاني قد احتمل كلَّ ما أنزله الله تعالى ، فهي سلام الله عليها محلِّ لتجلي الاسم الأعظم و من هنا نسبت إلى الله تعالى مباشرةً من غير واسطة وهذا يدلُّ على خصوصيَّة في خلقها فالله الفاطرُ خلق فاطمة و قد شرحنا هذا الأمر في كلمتنا حول الفاطر فراجع410ومن هنا نعرف ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام حيث قال(( فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر))411فلا يمكن إدراك تلك الليلة المباركة و الوصول إلى فضائلها إلا بمعرفة فاطمة عليه السلام .وفي حديث آخر في الكافي ((الكافي أحمد بن مهران و على بن إبراهيم جميعا عن محمد بن على عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام إذ أتاه رجل نصراني فسأله عن مسائل فكان فيما سأله أن قال له أخبرني عن حم و الكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ، فيها يفرق كل أمر حكيم ، ما تفسيرها في الباطن ؟ فقال ..... و أمّا الليلة ففاطمة عليها السلام .))412فا طمة مـحد ثة فعلى ضوء ما قلنا نعرف السرّ في إطلاق المحدَّثة عليها ، و في هذا المجال هناك أحاديث كثيرة دالة على أنَّ الملائكة كانت تهبط عليها من السماء وتناديها فتحدِّثهم و يحدِّثونها ، كما ورد في كتاب علل الشرائع للصدوق رضوان الله تعالى عليه(( بإسناده حدثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال حدثنا سليمان قال محمد بن أبي بكر لما قرأ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث قلت وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء قال إن مريم لم تكن نبية وكانت محدثة وأم موسى بن عمران كانت محدثة ولم تكن نبية وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبية وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله كانت محدثة ولم تكن نبية ))413.أهمية المــصحفلمعرفة أهمية مصحف الزهراء عليها السلام يكفي التأمُّل في الحديث التالي المنقول في كتاب الكافي الشريف للكليني رضوان الله تعالى عليه (( أحمد بن محمد ، ومحمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة قال سأل أبا عبد الله عليه السلام بعض أصحابنا عن الجفر ، فقال هو جلد ثور مملوء علماً ، فقال له ما الجامعة ؟ قال تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا ، في عرض الأديم ، مثل فخذ الفالج ، فيها كل ما يحتاج الناس إليه ، وليس من قضيَّة إلا وفيها ، حتى أرش الخدش ، قال له فمصحف فاطمة ، فسكت طويلاً ، ثم قال إنكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه واله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزنٌ شديد على أبيها ، وكان جبرئيل يأتيها ، فيُحسن عزاءَها على أبيها ، ويُطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانِه ، ويخُبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة ))414أقولإنَّ الإمام الصادق عليه السلام يمهِّد لحماد بن عثمان ، ليسأل عن مصحف فاطمة عليها السلام ، فهو سأل عن حقيقة المصحف ، بعد ما سمع بعض الشيء عن الجفر والجامعة ، وتلاحظ أنَّه عليه السلام في بيان الجفر قال (( جلد ثور مملوء علماً )) و من الواضح أنَّ الإتيان بالنكرة المنوَّنة ، أعني (( علماً )) يدليل على عظمة ذلك العلم ، كما أنَّ كلمة تلك في قوله عليه السلام عندما سأل عن الجامعة (( تلك صحيفة طولها سبعون )) مع أنَّ الجامعة فيها كلُّ ما يحتاج إليها الناس ، حتى أنَّها تشتمل على جميع الأحكام الشرعية ، بل جميع القضايا ((وليست من قضية إلا و فيها)) حتى أرش الخدش .ولكنبمجرد أن سأل عن مصحف الزهراء ، واجه موقفاً غريباً من الإمام عليه السلام حيث ((سكت طويلاً )) وهذا السكوت ، إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على عظمة الأمر وأهميته (( ثم قال إنكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون)) وعندما يجيب عليه السلام عن سؤال الراوي ، يبيِّن له الأمر بنحوٍ مجمل لأنَّه و غيره من الناس لا يمكنهم تحمُّل حقيقة المصحف .نزول المــلَكالأرضية التي من أجلها جاء الملَك415 ، أعني الروح الأمين إلى الصديقة فاطمة سلام الله عليها ، وحدَّثها ، هي شدَّة حزنها على أبيها ، صلوات الله و سلامه عليه ، فقد ورد في حديث الكافي ((..عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال إنَّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلّم ، خمسة و سبعين يوما ، و كان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها..))416وفي حديث بصائر الدرجات((إن الله تباك وتعالى لما قبض نبيه ، صلى الله عليه واله ، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فأرسل إليها ملكا..وكان حزنها من وفاة أبيها ، قد وصل إلى غايةٍ من الشدَّة ، بحيث لا يعلمه إلاّ الله عزَّ وجلَّ .من هنا يمكننا معرفة عمق معاني كثير من الأحاديث التي وردت في شأنها ، وفي شأن أبيها ، صلوات الله وسلامه عليهما ، و أيضاً في العلاقة المتواجدة بين الأب و البنت ، وبينهما وبين الله ،فمنها ما روى العلامّة المجلسي (( قال خرج النبي ، صلى الله عليه واله ، وهو آخذ بيد فاطمة ، عليها السلام ، فقال من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها ، فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة مني ، وهي قلبي ، و روحي التي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ))417.و في الحديث المنقول (( عن جعفر بن محمد ، عليهما السلام ، قال قال رسول الله ، صلى الله عليه واله إن الله ليغضب لغضب فاطمة ، ويرضى لرضاها ))418.(( وعنه عليه السلام ، قال قال رسول الله ، صلى الله عليه واله إن فاطمة شجنة ، مني يسخطني ما أسخطها ، ويرضيني ما أرضاها ))419 .أقولهذه العلاقة القويمة ، قد انـثلمت بعد وفاة الرسول الأكرم ، صلى الله عليه وآله ، على مستوى عالم المُلك و الدنيا ، ففقدانه ،صلوات الله عليه للزهراء ، سلام الله عليها ، يعني فقدان كلِّ شيء ، فمن الطبيعي أن يشتدُّ حزنها ، بحيث لا يعلمه إلاّ الله .فما ذا حصل بعد ا لحزن ؟الأحاديث تدلُّ على أنَّ جبرئيل كان يأتيها ، كما في حديث الكافي ، وفي الحديث المنقول عن بصائر الدرجات ورد (( دخل على فاطمة من وفاته ، من الحزن ما لا يعلمه إلا الله ، عز وجل فأرسل إليها ملكا..و لا يخفى عليك ، ما يستفاد من كلمة الفاء ، في فأرسل إليها مَلكاً ، حيث تدلُّ على أنَّ الملك إنَّما أُرسل إليها ، فلأجلِ حُزنها على أبيها ، و حيث أنَّ الحزن لم يكن منقطعاً ، بل كان مستمرّاً طوال خمسة وسبعين يوماً ، فكان جبرئيل يتراود إليها بنحو مستمرِّ ، كما في حديث الكافي الذي مرّ، (( مكثت بعد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلّم ، خمسة وسبعين يوما،و كان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها ، و كان جبرئيل ،عليه السلام ، يأتيها ، فيُحسن عزاءها على أبيها ، و يُطيب نفسَها ، و يُخبرها عن أبيها ، و مكانِه ، و يُخبرها بما يكون بعدها في ذرِّيتِها ))420.تأمّل في كلام الإمام الخميني قدس سرُّه حيث شرح الرواية بقوله((ظاهر الرواية هو ، أنّه كانت مراودة ، أي ذهاب وإياب كثير ، لجبرئيل الأمين وذلك فى خمس وسبعين يوماً ، ولا أظنّ حدوث هذا الأمر ، لغير الطبقة الأولى من الأنبياء العظام ، بحيث يتراود إليهم جبرئيل الأمين في خمس وسبعين يوماً )) لذلك ، نشاهد الإمام ، عليه السلام ، قد استخدم الأفعال المضارعة ، الدالة على الاستمرار ، و هي (يأتيها فيُحسن...و يُطيب ... يُخبرها)مهمــة جبرئيل الأميـنكانت مهمَّة المَلك المرسل إليها هي 1-أن يحسن عزاء الزهراء ، عليها السلام ، على أبيها وليسلِّي عنها غمَّها .2-أن يطيب نفسها عليها السلام .3-أن يخبرها عن منـزلة الرسول ، صلى الله عليه وآله ، و شأنه الرفيع ، و مقامه العلي ، و مكانته العظيمة عند الله عزَّ و جلَّ .4-أن يخبرها عليها السلام عمّا يكون بعدها في ذرِّيتها .و في الحقيقة ، الذي يُسلِّي غمَّ الزهراء و يطيب نفسها ، هو الله سبحانه وتعالى و هو الذي يتأذَى لأذاها ، كما يتأذَّى لأذى رسوله ، لأنَّ هناك سرّاً مستودعاً فيهما ، لا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى ، و الأئمة المعصومون ، عليهم السلام ، وفي الحديث ((و خلفت فاطمة ، عليها السلام مصحفاً ، ما هو قرآن ، و لكنه كلام من كلام الله ، أنزله عليها ، إملاء رسول الله ، و خط على عليه السلام))421ولذا سمِّيت فاطمة ، فهي مظهر فاطر السموات و الأرض .422وحيث أن الملك المرسل من قبَله تعالى يحدِّثها ، سمِّيت المحدَّثة ، كما مرَّ أنه كان يخبرها عمّا سيحدث بعدها في ذريّتها من المصائب والبلايا ، والأهم من ذلك ما ستكتسبها الذرية ، من انتصارات عظيمة ، ونجاح كبير في عصر الغيبة ، ومن ثمّ ظهور ابنها المهدي المنتظر ، عجلّ الله تعالى فرجه الشريف ، كما أشار إلى ذلك الإمام قدَّس الله نفسه في بعضِ خُطبه .عليٌّ عليه السلا م كا تبُ المـصحفالمستفاد من الأحاديث الشريفة التي مرَّ ذكرها أنَّ الزهراء ،سلام الله عليها ،كانت تحسُّ بالملك ، و تسمع صوته ، ولم تكن تشاهده ، فبمجرَّد أن حصل ذلك ، شكت إلى أمير المؤمنين عليٍ ، عليه السلام ، حيث لم تكن تتوقَّع هذا الأمر بهذه الصورة المستمرَّة .و يستفاد أيضاً ، أنَّ الذي اكتشف بالفعل ، أنَّ المُحدِّث مع الزهراء ، عليها السلام ، هو جبرئيل الأمين، هو أمير المؤمنين عليه السلام كيف و هو الذي كان يلازم رسول الله في جميع حالاته فكان مأنوساً بصوت جبرئيل .فهو سلام الله عليه ، كان صاحب فكرة كتابة المصحف ، حيث يسمع صوت روح الأمين ، فيكتب كلما يسمعه ، إلى أن اجتمع في مصحف متكامل ، و هو مصحف الزهراء عليها السلام .و لا يخفى عليك ، أنّه ليس من السهل كتابة ما يلقيه جبرئيل ، بل كان ذلك ضمن العلوم الخاصَّة الإلهيَّة التي امتاز بها أمير المؤمنين ،عليه السلام ،فهو الذي كتب من قبل ما أملاه رسول الله عليه ، و هو الذي جمعَ القرآن الكريم في المصحف الشريف كما هو ثابت في محلِّه .
محتوى المـصحف
إنَّ المصحف يشتمل على أمورٍ كثيرةٍ تتلخص في كلمة واحدة و هي استيعابه لجميع الحوادث الخطيرة الآتية ، خصوصاً ما سيواجه ذريتُها ، من المصائب و البلايا ، و أيضاً الانتصارات ، ويشتمل على أسماء جميع الملوك والحكّام إلى يوم القيامة ، كما ورد في الحديث((ما من نبي و لا وصي و لا ملك إلا و في مصحف فاطمة))423ويحتوى على أمور ترجع إلى شخص رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، و أيضاً يشتمل على وصيتها سلام الله عليها.((ابن هاشم عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن رجل عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله عليه السلام.. فان فيه وصية فاطمة عليها السلام..))424و من الطبيعي أنَّ الوصيَّة تشتمل على أمورٍ خاصَّة ، تتعلَّق بحزنها ، عليها السلام ، و بالمصائب الواردة عليها ، من أعدائها ، ليُنفِّذها ابنها الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ، عجَّل الله تعالى فرجه الشريف ، لأنَّه هو الإمام مبسوط اليد ، الذي به يملأ الله الأرض قسطاً و عدلاً ،كما مُلئت ظلماً و جوراً .الأ ئِّمَّة عليهم السلام و مصحف فا طمةكان الإمام الصادق ،عليه السلام ، يؤكِّد دائماً على علوم أهل البيت عليهم السلام ، ففي الحديث أنَّه " كان يقول " أنَّ علمهم ، عليهم السلام ، " غابر و مزبور و نكتٌ في القلوب ونقر في الأسماع " وأنَّهم يمتلكون " الجفر الأحمر ، و الجفر الأبيض ، ومصحف فاطمة ، والجامعة " فهم عليهم السلام رغم ارتباطهم و سماعهم صوت الملائكة و رغم تبعيّتهم لمصحف الإمام عليٍّ الذي هو الجامعة المشتملة على جميع الأحكام حتى أرش الخدش و رغم معرفتهم بعلم الجفر الذي يشتمل على " علم ما يحتاج إليها الناس إلى يوم القيامة من حلال و حرام " إلاّ أنَّهم كانوا يعتمدون في فهم الحوادث الخطيرة على مصحف فاطمة عليها السلام كما ورد في الحديث" فنحن نتبع ما فيها فلا نعدوها " حيث يشتمل على الحوادث الخارجية جميعاً . و أيضاً أسماء الملوك إلى يوم القيامة ، ففي الحديث ((سئل عن محمد بن عبد الله بن الحسن فقال عليه السلام ما من نبي و لا وصى و لا ملك إلاّ و هو في كتاب عندي . يعنى مصحف فاطمة ، و الله ما لمحمد بن عبد الله فيه اسم))425.و في حديثٍ آخر « عن الوليد بن صبيح قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام ، يا وليد إنّي نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام ، فلم أجد لبني فلان فيها إلاّ كغبار النعل »426و عند التأمُّل في جملة إنِّي نظرتُ نعرف أنَّهم عليهم السلام كانوا يدقِّقون النظر في مصحف أمهم فاطمة عليها السلام ، عند طروِّ حادثة من الحوادث المهمَّة ، أو ظهور من يدَّعي المُلك و إمامة المسلمين ، بل قد وصل المصحف إلى مستوى من الرفعة والسموّ بحيث صار مصدر سرورهم واستبشارهم ، كما يستفاد من جملة قرت عينه في الحديث التالي« عن فضيل بن عثمان عن الحذاء قال قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا عبيدة كان عنده سيف رسول الله صلى الله عليه و آله و درعه و رايتُه المغلبة و مصحف فاطمة عليها السلام قرَّتْ عينُه »427.
هل مصحف فا طمة هو القرآن ؟
إنَّ الكثير من الناس كانوا و لا زالوا يتصوَّرون أنَّ المصحف يشتمل على الآيات القرآنية الشريفة ، أو أنَّ هناك قرآناً آخر عند الشيعة ،كما يزعم بعضُ الجُهالُ من العامَّة .ولكنَّ الواقع هو خلاف ذلك ، فإنَّ المصحف لا يشتمل حتى على آية واحدة من آيات القرآن الكريم ، كما هو المستفاد من الأحاديث الكثيرة ،كما أنَّه ليس من قبيل القرآن و لا يشبهه من ناحية المحتوى أصلاً ، فهو من مقولةٍ أخرى ، فأحاديثنا صريحةٌ في ذلك فقد ورد في حديث « ... عن على بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام...ما فيه آيةٌ من القرآن »428.و في أحاديث أخر« ...عن على بن الحسين عن أبى عبد الله عليه السلام .. عندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما فيه حرفٌ من القرآن »429.« عبد الله بن جعفر عن موسى بن جعفر عن الوشاء عن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال مصحف فاطمة عليها السلام ما فيه شيء من كتاب الله.. »430.« عن عنبسة بن مصعب قال كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ..و مصحف فاطمة أما و الله ما ازعم انه قرآن »431.عند ملاحظة الأحاديث تعرف أنَّ الشبهة كانت منتشرة في عصر الأئمة عليهم السلام ، ولهذا نراهم يستنكرون بكلِّ حزم و جدّ ، و يتوسَّلون بالقسم لنفي ذلك ،غير أنَّ هناك حديثا يدلّ على أنّ المصحف ،« فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات »432.والظاهر أنّ المقصود هو من ناحية الكميّة وحجم المعلومات ، لا من حيث المحتوى .ثمَّ لا يخفى عليك ما في كلمة قرآنكم من معانٍ فتأمَّل جيِّداً .وأيضاً المستفاد من أحاديث كثيرة أنَّ مصحف الزهراء عليها السلام ليس فيه شيء من الحلال و الحرام أصلاً ، و من تلك الأحاديث قوله عليه السلام « أما إنَّه ليس من الحلال و الحرام »433.
علامات الإمام
هناك علائم ذكرت كدليل لإمامة الإمام عليه السلام تتلخَّص في الأمور التالية صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة.صحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة.تكون عنده الجامعة ، و هي مصحف عليٍّ عليه السلام .يكون عنده الجفر الأكبر و الأصفر .يكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام .من خلال ذلك نعرف أنَّ مصحف فاطمة عليها السلام مع صِغر حجمه ، يشتمل على رموز كثيرة ومحاسبات دقيقة ، يمكن من خلال تلك المحاسبات الوصول إلى الحقائق ، فهو كعلم الجفر الذي هو علم الحروف والأعداد .وأمّا مصحف عليٍّ عليه السلام فيختلف تماماً ، و لأهميته نفرد له عنواناً مستقلاً فنقول مصحف عليٍّ (الجامعة)إنَّ هناك أحاديث تبيِّن مصحفاً آخر ، هو مصحف عليٍّ عليه السلام و من تلك الأحاديث « محمد بن عيسى عن الأهوازي عن فضالة عن قاسم بن بريد عن محمد عن أحدهما عليهما السلام قال إن عندنا صحيفة من كتاب على عليه السلام ، أو مصحف على عليه السلام طولها سبعون ذراعاً »434.و عند استقراء الأخبار الواردة في هذا الباب نصل إلى النتيجة الآتية وهي أنَّ (مصحف عليٍ عليه السلام هو نفس الجامعة المذكورة في الأحاديث السابقة ، وهي الصحيفة التي طولها سبعون ذراعاً ، و فيها كلُّ ما يحتاج إليها الناس) وهذا المصحف يمتاز بالأمور التالية