« يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ35 قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً36 نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً37 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً »38كلُّ هذه العبادات لماذا ؟ قال تعالى « إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً »39فهل بإمكاننا نحن القُصَّر أن نصل إلى شيء من مستوى الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلَّم !!ومن المناسب هنا الحديث عن آية النور ذات المحتوى العرفاني العميق قال تعالى« اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »40أقول ظاهر المثال هو نوع من التشبيه لنور الله جلَّ شانه كمشكاة فيها مصباح وهو سراج والمصباح فى قنديل من الزجاج و هو مضيىء متلالىء كأنَّه كوكب درِّي وهذا المصباح يتوقَّد من شجره مباركة هي شجرة الزيتون المتكاثر نفعها و الشجرة لبركتها جيئت مبهمة ، كما أنَّ الزيتونة لفخامة شأنها جاءت بدلاً من الشجرة ، وهي لا شرقية ، و لا غربية ، تستطع الشمس عليها بنحو متواصل من غير انقطاع ، كالتِّى على قمَّة جبل ، أو صحراء واسعة ، فان ثمرتها تكون أنضج و زيتها أصفى . أو أنَّهما إشارة إلى أرض الشام الواقعة في وسط المعمورة لا شرقها ولا غربها ، فإن زيتونه أجود الزيتون أو أنَّه لا فى مضحى تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها و لا مقناه تغيب عنها دائماً فيتركها نياً و فى الحديث « لا خير فى شجرة و لا فى نبات فى مقناة و لا خير فيها في مضحى »يكاد زيتها يضيىء و لو لم تمسسه نار وذلك لتلألؤه وبياضه الشديد ، فجميع تلك الأمور ضاعفت في النور و لم تنقص منه أصلاً فإن نور المصباح زاد فى إنارته صفاء الزيت و القنديل و ضبط المشكاة ، فهو نور على نور و إن كان النور حقيقة من المعدن ، كما جاء في المناجاة الشعبانية(( إلهى هب لي كمال الإنقطاع إليك ، و أنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور ، فتصل إلى معدن العظمة ، و تصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك))و لكن عند التأمل في الأحاديث الشريفة التي وردت في تفسير الآية المباركة و الآية التي بعدها ، و ملاحظة القرائن المحيطة بها ، نصل إلى النتيجة التالية عند ملاحظة سياق الآيات نرى أنَّها تنوِّه إلى حقيقة واحدة وهي إنَّ الله هو نور السماوات و الأرض ، إنَّ هذا ليس هو إلاّ مثالٌ يشير إلى حقائق أخرى كما أشرنا سابقاً في بيان الفروق بين النور الحسِّي و الحقيقي41 .فالأحاديث على اختلافها الظاهري تؤكِّد على أنَّ المصباح هو المصطفى صلى الله عليه وآله وسلَّم ، فقد جاء في الحديث التالي ((عن عبد الله بن جندب قال كتبت الى أبى الحسن الرضا صلوات الله عليه أسأله عن تفسير هذه الاية فكتب الى الجواب أما بعد فان محمدا صلى الله عليه واله كان أمين الله فى خلقه فلما قبض النبى كنا أهل البيت ورثته فنحن أمناء الله فى أرضه ... مثلنا فى كتاب الله عزوجل "كمثل مشكوة "المشكوة فى القنديل فنحن المشكوة "فيها مصباح " المصباح محمد صلى الله عليه واله ))42وكانوا عليهم السلام يستشهدون بآيات أخر تعزيزاً لهذا المعنى ، فقد ورد في تفسير قوله تعالى « مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ »43و قوله تعالى « هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا... » 44وقوله تعالى« وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ »45((على بن محمد عن على بن العباس عن على بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابى جعفر عليه السلام فى قول الله عز و جل...في حديث طويل ..قال في تفسير الآية المباركة أضاءت الأرض بنور محمدٍ كما تضىء الشمس فضرب الله مثل محمد صلى الله عليه وآله الشمس و مثل الوصى القمر و هو قوله عز و جل جعل الشمس ضياءا و القمر نورا و قوله و آيه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذاهم مظلمون))46و الجدير بالذكر ما ورد في تفسير الآيتين المباركتين وهماقوله تعالى « فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ »47« فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ »48(( علي بن ابراهيم باسناده عن ابى عبد الله عليه السلام فى قول الله تعالى "الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ...إلى قوله... فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" قال النور فى هذا الموضع على امير المؤمنين و الأئم عليهم السلام ))49((أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن على بن اسباط و الحسن بن محبوب عن أبي ايوب عن أبي خالد الكابلى قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى فآمنوا باللّه ورسوله والنّور الّذي أنزلنا فقال يا أبا خالد النور و الله الائمه عليهم السلام يا ابا خالد لنور الامام فى قلوب المؤمنين انور من الشمس المضيئه بالنهار و هم الذين ينورون قلوب المؤمنين و يحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم و يغشاهم بها ))50وقال تعالى في شأن رسوله صلوات الله عليه « وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا »51وأمّا كلام القوم في تفسير النور وقال ابن عباس من أن المقصود من الآية أنَّ " مثل نور الله الذي يهدي به المؤمن" .وقال الحسن "مثل هذا القرآن فى القلب كمشكاة" .وقيل مثل نوره وهو طاعته .وقال سعيد بن جبير " النور محمد كأنه قال مثل محمد رسول الله" .وقيل هو مثل ضُرب لقلب المؤمن .أقولو لا تعارض بين الأحاديث و الأقوال المختلفة في هذا المجال بل يمكن الجمع بينهافنور الله ليس هو إلا رسوله و هو متَّحد مع القرآن .(3)كلمات الله.الكلمات التكوينيَّة والكلمات التدوينيَّة هناك نوعان من الحروف والكلمات والجمل النوع الأوَّل التكوينية.النوع الثاني التدوينية .الكلمات التكوينية هي الأساس التِّي لها المصداقية العينيَّة وأمّا الكلمات التدوينيَّة فهي ليست على الحقيقة ، بل إطلاق الكلمات عليها مجازاً ، وسميت تدوينية باعتبار أنها تُدَون و تكتب وهي الألف والباء والجيم والدال ....تلك الحروف التي إن اجتمعت دلَّتْ على الحقائق العينيَّة الخارجيَّة .فعندما نقول مثلاً "الباب" فهناك في عالم الخارج بابٌ هو مصداق للكلمة التي تلفظنا بها والكلمة تُمثِّل ذلك الباب العينيِّ الخارجيِّ ، وكذلك كلمة "البحر" و"البرّ" و "السماء " و "الأرض" فالكلمة إذاً ليست هي حقيقة مستقلة في قبال الحقيقة الموجودة في الخارج ، وعليه لا يمكن إطلاق الكلمة على الألفاظ ، وإن أطلقت عليها فهو ليس اطلاقا حقيقيا بل هو على نحو المجاز .والكلمات ليست هي إلاّ تَبْيين أو بالأحرى إيجاد الأشياء الخارجيَّة في ذهن السامع ، فهناك شيء موجود في الخارج وهناك أمر آخر نحن تلفظنا به ، ذلك كي نحقِّق صورةً من تلك الحقيقة في ذهن السامع .فعندما سمينا الأرض بهذه الاسم أعني الهمزة والراء والضاد وسمينا البحر بالباء والحاء والراء والسماء بالسين والميم والألف والهمزة فلا نقصد بذلك إلا الوصول من خلال تلك الكلمات إلى واقع الأرض والبحر والسماء ، و لنقل ذلك الواقع إلى أذهان الآخرين ،كي يتصوَّروا ما تصوَّرناه فيعرفوه .فلو كان هناك إنسانٌ يعيش في البر ولم يرَ البحر قطّ ونحن أردنا أن نبين له واقع البحر فأفضل وسيلة لذلك هي استعمال الكلمات ، حيث أنَّ هذه الكلمات حينئذ سوف توجد صور ذهنية عندنا ، شريطة أن نبيِّن الواقع بشكلٍ صحيح وصورةٍ واضحةٍ لا غموض فيها فلربَّ متكلِّمٍ لا يمكنه نقل كلّ ما في ذهنه إلى الآخرين وذلك لضعف بيانه وقلة ممتلكاته و معرفته للكلمات التي يستخدمها حين الحديث أو عدم رعايته أدب تلك اللغة ، فكميَّة الكلمات مضافاً إلى فهم أدب اللغة لهما دورٌ رئيسيٌّ في نقل المفاهيم إلى الآخرين .الكلمات التكوينيَّةوأمّا الكلمات التكوينيَّة فهي الأمور الخارجية والحقائق العينيَّة التِّي لها وجودٌ حقيقي ، فواقع السماء والأرض والبرّ والبحر والجبال كلمات تكوينيَّة ، سميت تكوينية لأن الله كوَّنها وأوجدها « إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »52فقول الله هو الإيجاد لا التكلُّم ، وليس هناك فاصل زمني بين الإيجاد والوجود نعم هناك فاصل في الرتبة فقط فهو الذي أوجدَها فوُجدت و هذا شأن كلّ علةٍّ ومعلول كما هو ثابت في محلِّه 53.فجميع الموجودات التِّي كوَّنها الله سبحانه وخلقها هي كلماته ، وهي غير مختصَّة بعالم المُلك و الدنيا بل تشمل عالم الملكوت والجبروت فالجنَّة وما فيها كلمات الله التكوينيَّة ، ولكثرتها وعدم إمكان إحصائها قال تعالى « قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا »54 « وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ »55ومن الواضح أنَّه ليس المقصود من الآية هي الكلمات المكتوبة بل هي الكلمات الواقعيَّة العينيَّة .ومن أبرز كلمات الله هم أصحاب الكساء الخمسة الذين بهم قبل الله توبةَ آدم عليه السلام كما قال تعالى « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »56و في هذا المجال أحاديث كثيرة نكتفي بذكر حديث واحد (( عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت الخطيئة بآدم و أخرج من الجنَّة أتاه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم ادع ربك قال يا حبيبي جبرئيل ما أدعو ؟ قال قل ربِّ أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلا تبت علي و رحمتني فقال له آدم يا جبرئيل سمِّهم لي ، قال قل اللهم بحق محمد نبيك و بحق على وصي نبيك و بحق فاطمة بنت نبيك و بحق الحسن و الحسين سبطي نبيك إلا تبت علي فارحمني فدعا بهن آدم فتاب الله عليه ، و ذلك قول الله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، و ما من عبد مكروب يخلص النية و يدعو بهن إلا استجاب الله له))57ولا تخفى عليك لطافة كلمة " فتلقَّى " فهي تدل على نوعٍ من الانسجام بين آدم وبين تلك الأنوار الطاهرة بحيث أنَّه بمجرد التلقِّي حصلت التوبة قهراً " فتاب عليه" .وقال تعالى « وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ »58وفي تفسير علي بن إبراهيم(( بالأئمة و القائم من آل محمد صلى الله عليه و آله ))59كما أنَّ القرآن الكريم يطلق على النبي عيسى عليه السلام أنَّه كلمة من كلمات الله قال عزَّ شأنه « إِذْ قَالَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ »60نلاحظ في هذه الآية المباركة أنَّ المسيح عيسى ابن مريم اسم ذلك النبي الذي هو كلمة الله وهو حقيقة خارجية مقدَّسة ، وقال تعالى « فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ »61والكلمة التي صدَّق بها يحيى هو المسيح عيسى بن مريم كما يستفاد ذلك بانضمامها إلى الآية السابقة وذهب إليه أكثر المفسِّرين.وربَّما أطلقت الكلمة على الحوادث التِّي لها بالغ الأهميَّة كما في قوله تعالى « وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »62فالآية تشير إلى الوقائع والحقائق الخارجية التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام وهي تتمثَّل في قضية ذبح ابنه إسماعيل وإلقائه في النار ومواجهته لنمرود وغيرها ، فكلُّ هذه القضايا حقائق خارجية أطلقت عليها كلمات .وقد ورد في التوقيع الصادر من الناحية المقدسة حرسها الله تعالى (( اللهم صل على محمد حجتك في أرضك و خليفتك في بلادك و الداعي إلى سبيلك و القائم بقسطك و الثائر بأمرك ، ولي المؤمنين و بوار الكافرين ، و مجلي الظلمة ، و منير الحق ، و الناطق بالحكمة و الصدق ، وكلمتك التامة في أرضك ، المرتقب الخائف ، و الولي الناصح ، سفينة النجاة ، و علم الهدى ، و نور أبصار الورى ، و خير من تقمص و ارتدى ))63والأدعيَّة المأثورة عنهم عليهم السلام مليئة بذلك كدعاء السمات ودعاء جوشن الكبير وغيرهما .و على ضوء ذلك يستنتج أنَّ الكلمات هي حقائق خارجيَّة قبل أن تكون ألفاظاً ، وتلك الحقائق لايفرق فيها بين أن تكون أمور عينيَّة خارجيَّة أو وقائع وحوادث مهمَّة .ثمَّ إنَّه ليس من الضروري مشاهدة جميع الكلمات التكوينيَّة حسّاً بل يمكن لنا أن ننظر إلى بعضها بأعيننا المُلكيَّة وأمّا البعض الاخر فتفتقر إلى عين ملكوتيَّة برزخيَّة (ما وراء الطبيعة).ومن هنا نرى بان الله سبحانه و تعالى يقول« فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ »64فهناك أشياء و حقائق يمكن ان نُبصرها وهناك ما لا يمكن ، ولكنّ كليهما تكوينيتان واضحتان ، وإنَّما النقص و الضعف فينا نحن الضعفاء فيمكننا أن نبصر بعضها باعتبار أنَّها من عالم الملك ولا يمكننا ان نبصر البعض الآخر-مع وضوحها-لأنَّنا نحن لم نصل إلى مستوى الملكوت ، فالملائكه وجودهم واضح وضوح الشمس إلاّ أنَّنا لا يمكننا رؤيتهم ، كما أنَّ وجود الأرواح ولكن لا يمكننا أن نُبصرها ، و سر ذلك أنَّنا لا نعيش ذلك العالم .ولشدة وضوحها وفرط ظهورها قال ( لا أُقسمُ ) فهي لا تحتاج إلى قسم كقوله تعالى « فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ »65« فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ »66« لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ »67 « لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ »68فاللاء النافية هاهنا ليست زائدة تأكيديَّة كما يتصوَّر الكثير من المفسِّرين ، بل هي على حقيقتها ، وإنَّما ذكرت لتبيِّن وضوح الشيء ، ومن الطبيعي أنَّ هذه اللاء تنفي لتُثبِت ، فنفيُ القسم ههنا يعادل سبعين قسماً و كأنَّه تعالى يقول إن أردتم أن أقسم فسوف أُقسم كثيراً .ورب إنسان لا يفهم الكلمات التكوينيَّة المُلكية ولا يبصرها مع أنَّه ينظر اليها بعينيه ! فهو يرى و لا يبصر ، كما ورد في القرآن الكريم عن الذين كانوا ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله « وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إلى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ »69فليس كل مانراه نعرفه بل نحن لا نعرف حقيقة الاشياء أصلاً ، فالبصر في عالم الدنيا أيضا يحتاج إلى دقَّة وإلى مستوى من الرقيِّ الروحي ، فلا يتحقَّق البصرُ بمجرَّد النظر حيث أنَّ الحيوانات أيضاً تنظر لكنها لا تفهم ، فإذن هناك ثلاثة احتمالات الأوَّلى النظر والفهم .الثانية النظر وعدم الفهم .الثالثة عدم النظر وعدم الفهم .هذا كلُّه بالنسبة إلى الكلام التكويني .الكتاب التكويني و الكتاب التدويني كتاب الله أيضاً ينقسم إلى قسمين الأوَّل تكويني .الثاني تدويني .جميع الحقائق الموجودة في الكتاب التكويني موجودة في الكتاب التدويني الذي هو كتاب الله ، لأنَّ القرآن ليس هو إلاّ مظهراً للكتاب التكويني ، فجميع الكتب مهما توسَّعت فهي لا تستوعب كلَّ الكتاب التكويني و لا تمثِّله ، بل ينعكس فيها كمٌّ ضئيلٌ من الكتاب التكويني ، فمثلاً كتب الطب أو البيئة أوالعلوم الأخرى لاتمثِّل جميع التكوين بل تمثِّل قسماً من عالم التكوين ، كلّ بحسبه .الكتاب الوحيد الذي يمثل جميع ما في عالم التكوين هو القرآن الكريم حيث أنَّ الله سبحانه و تعالى بقدرته المطلقة قد جمع الكلام التكويني بما فيه من الخصوصيات ، في كتابه العزيز .فهو كتاب تدويني مشتمل على جميع الكلمات التكوينية لاشتماله على فصول و أبواب و حروف ، فنفس الحقائق الموجوده في الخارج أصبحت حروفاً ، فلو سمعتَ عن الإسم الأعظم ، أوعلم من الكتاب ، أوعلم الكتاب فلا تتوهم أنَّ المقصود من ذلك صرف الكلمات بل المراد الكلمات التي تمثل عالمَ العين و الخارج ، فهي في الحقيقة ليست إلاّ وقائع خارجية ، ولكن ليس كلّ انسان يعرف ما في القرآن بل يحتاج ذلك إلى الجدّ و الجهد ، فكما أنه تعالى وبالنسبه إلى كتاب التكوين يقول « فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ »70فلابد للانسان من البحث للعثور على الرزق ، فكذلك بالنسبة إلى القرآن لا بد من السير والفحص والدقّة حتى الوصول إلى كنوزه غير النافدة .فاتحة الكتاب التكويني قال الإمام الخميني قدِّس سرُّه(( ففاتحة الكتاب التكويني الإلهى الذي صنفه (تعالى جدّه) بيد قدرته الكامله بالوجود الجمعي الإلهي المنزّه عن الكثرة المقدّس عن الشَين والكدورة بوجهٍ هو عالم العقول المجردة والروحانيين من الملائكة والتعين الأوَّل للمشيئة وبوجهٍ عبارةٌ عن نفس المشيئة فإنِّها مفتاح غيب الوجود وفي الزيارة الجامعه بكم فتح الله ، لتوافق أفقهم عليهم السلام لأفق المشيئة كما قال الله تعالى حكاية عن هذا المعنى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، وهم عليهم السلام من جهة الولاية متحدون أوَّلنا محمّد ، أوسطنا محمد ، آخرنا محمد ، كلّنا نور واحد ، ولكون فاتحة الكتاب فيها كلّ الكتاب والفاتحة باعتبار الوجود الجمعى في بسم الله الرحمن الرحيم وهو في باء بسم الله وهو في نقطه تحت الباء قال علي (عليه السلام ) أنا النقطة وورد بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميَّز العابد عن المعبود ))71فكما أنَّ الكتاب التدويني يبدأ بسورة الفاتحة فالكتاب التكويني أيضاً كذلك ففاتحة الكتاب التدويني هو (( بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين...)) قال في مجمع البيان(( سمِّيت بذلك لافتتاح المصاحف بكتايتها، ولوجوب قرائتها في الصلوة ، فهي فاتحة لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقرآءة ))72وقد وردت أحاديث تؤكِّد أهميَّة هذه السورة منها ما ورد (( إن الله خص بسوره الفاتحه محمداً (صلى الله عليه وآله) و شرفَّه بها ، و لم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام ، فإنَّه أعطاه منها بسم الله الرحمن الرحيم ، ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت إنِّي ألقي إليَّ كتاب كريم إنَّه من سليمان و إنَّه بسم الله الرحمن الرحيم ))73وهي أوَّل سورة من الكتاب التدويني من حيث الافتتاح لا من حيث النزول ، فكذلك للكتاب التكويني فاتحة و هي أوَّل سورة لها و هي أوَّل ما ظهر من العوالم بعد مرحلة الغيب المطلق أعني عالم الأحديَّة الذي لاسبيل للوصول اليه ، فأوَّل ما ظهر هو التعيُّن الأوَّل ، وهو عالم العقول المجردة أعني عالم الروحانية ، وهو أوَّل مصداقٍ لمشيئته تعالى .هذا و لو تأمَّلنا أكثر لعرفنا بأنَّ أوَّل ما ظهر إنَّما هو نفس المشيئة الإلهيَّة كما شرحنا هذا الأمر بالتفصيل فراجع 74وفي الحديث (( عن زيد الشحام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيّما أفضل الحسن ام الحسين ؟ فقال إن فضل أوَّلنا يلحق بفضل آخرنا ، و فضل آخرنا يلحق بفضل أوَّلنا ، و كلُّ له فضل ، قال قلت له جعلت فداك وسِّع عليَّ فى الجواب فإنِّي و الله ما سالتك إلا مرتاداً ، فقال نحن من شجرة طيبة برانا الله من طينة واحدة ، فضلُنا من الله ، و علمُنا من عند الله ، و نحن أمناؤه على خلقه ، و الدُّعاة إلى دينه ، و الحجاب فيما بينه و بين خلقه ، أزيدك يا زيد ! قلت نعم ، فقال خلقُنا واحد ، و علمُنا واحدٌ ، و فضلنا واحد ، و كلُّنا واحدُ عند الله تعالى ، فقال أخبرني بعدَّتكم ، فقال نحن إثنا عشر هكذا حولَ عرش ربنا عزّ و جلّ في مبتدأ خلقنا أوَّلنا محمد ، و أوسطنا محمد ، و آخرنا محمد ))75وفي حديث طويل قال عليٌّ عليه السلام مخاطباً أبا ذر وسلمان (( أنَّه لا يستكمل أحدٌ الايمانَ حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية ...ثمَّ قال معرفتى بالنورانية معرفه الله عزّ و جلّ ، و معرفةُ الله عزّ و جلّ معرفتي بالنورانية ، و هو الدين الخالص الذي قال الله تعالى و ما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين ))76وفي حديث آخر عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال