انوار الالهیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

انوار الالهیة - نسخه متنی

مرتضی انصاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



ربَّما تكون سبباً ووسيلةً لسلوك الإنسان في مراتبَ طوليَّةٍ تقرِّبُه إليه تعالى .

وأمّا العلوم الإنسانيَّة فبطبيعتها تصنع الإنسان و تبنيه فتوسِّع في أفقه وترفعه إلى مستويات عالية تقرِّبه إليه تعالى ، ومن هنا تكون للإنسان الكامل ولاية تكوينيَّة على غيره من الموجودات ، بل على الإنسان الذي دونه شأناً ومنزلةً 126.

وهذا هو مقام رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمَّة المعصومين عليهم السلام الذين هم خلفاء الله في الأرض ومظاهر صفاته وأسمائه ، فجميع الموجودات تكون تحت ولايتهم التكوينيَّة ، فلهم الولاية على جميع ذرات الكون فلا تظهر صفة من صفاته سبحانه حتَّى الإرادة في موجود من الموجودات إلاّ من خلال تلك الأنوار الطاهرة ، وهذه الولاية هي مرآة ولاية الله سبحانه .ثمَّ إنَّ الله سبحانه هو منشأ الخيرات « بيده الخير »127ولكن حيث أنَّهم عليهم السلام أوَّل فيض من فيوضاته لأنَّ بهم فتح لله ، فلهذا و صلوا إلى مرتبة نخاطبهم (( إن ذكر الخير كنتم أوّله ، وأصله ، وفرعه ، و معدنه ، و مأواه ، و منتهاه))128 فجميع ذرات الكون حتى الجمادات لا يمكن أن تصل إلى غاية كمالها إلاّ بهم ، فكما أنَّ القرآن الكريم يشتمل على جميع الحقائق « وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ »129« وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ »130فكذلك ولي الله الأعظم ، حيث أنَّ له الولاية التكوينيَّة ، فكلُّ شيءٍ تحت سلطانه و إرادته بإذن الله تعالى « وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ »131وقال تعالى « وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا »132والآية تشير إلى الهداية بالأمر التي هي الولاية التكوينيَّة ، و قد تحدَّث العلامَّة الطباطبائي قدس سرُّه في الميزان حول الهداية بالأمر 133وفي الحديث ((محمد بن يحيى و غيره عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل قال أخبرني شريس الواشي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال إنَّ اسم الله الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا ، و إنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه و بين سرير بلقيس حتّى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ، و نحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان و سبعون حرفاً ، وحرفٌ واحدٌ عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ، و لا حول و لا قوه إلاّ بالله العلي العظيم ))134(5)مرآةُ ولاية الله المقدّمة.في أسـمـاء الله جلّ جلالهإن الله سبحانه و تعالى تجلّى بأسمائه و صفاته في الخلق كما تجلى بألوهيته في القرآن الكريم ، حيث أنّ القرآن هو الجامع لجميع صفاته الكمالية و أسمائه الحسنى وفيه تبيان لكلّ شيء .وكلما كانت الأسماء نابعة عن الذات ، كان للتجليات والمظاهر الدوام و البقاء لأنَّ الله هو الباقي قال تعالى« كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ »135و قال تعالى « كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »136ومن ناحية أخرى الاسم الأعظم هو "الله" سبحانه و تعالى و هو الكلمة العليا المشتملة على رموزٍ و أسرار من ناحيتين ، لفظيَّة و معنويَّة ، فمن البعد اللفظي هي كلمة دالَّة على تلك الذات المنزَّهة من جميع العيوب ، و المتحلِّية بجميع المحاسن ، و الجدير بالذكر أنَّها باقية على ما عليها من المعنى مهما نقصت منها الحروف ، فلو كانت كاملة فهي "الله" قال تعالى« اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ »137ولو أخذت الألف منها صارت "لله" قال تعالى« وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ » 138ولو نقصت الألف واللام الأولى صارت "له"قال تعالى« لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ »139وفي صورة ما لو نقصت الألف واللامان صارت "ه" أو "هو" قال تعالى« إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »140وقال جلَّ وعلا« قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ »141فلاحظ السرّ المكنون في هذا الاسم ، فهو يدلّ على نفس المسمّى في جميع الحالات و كافة الاحتمالات .وأما سائر الأسماء سواء أسماء الذات منها أو أسماء الفعل ،كالملك و القدوس و السلام و المؤمن و المهيمن و العزيز و الجبار و المتكبر و الخالق و الباري ء و المصور وكالشافي و الوافي و المعافي و الغفور و الرحيم فلكلُّ واحدة منها شأن و منزلة رغم أنَّها جميعاً نابعة عن تلك الذات و مظاهر ذلك الواحد الأحد و لذلك قال تعالى « هُوَ اللَّهُ »ثمَّ عقَّبه بقوله « الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَــوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » 142وكذلك في سائر الصفات كرِّرت كلمة "الله "سورة التوحيد وعلم الأسماء من أهم العلوم وأعمقها ، ومن خلاله يصل العارف إلى علومٍ لا حدَّ و لا حصر لها ، فالكلام عن أسمائه تعالى بالتفصيل يتطلَّب بحثاً مستقلاً لسنا بصدد بيانه في هذا المختصر ، فنقتصر بالحديث التالي المنقول في الكافي للمحدِّث الكليني رضوان الله تعالى عليه ((علي بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن هشام بن الحكم انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله و اشتقاقها ، الله مما هو مشتق قال فقال لي يا هشام الله مشتق من إله و الإله يقتضي مألوها و الاسم غير المسمَّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر و لم يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المعنى فقد كفر و عبد إثنين ، و من عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أ فهمت يا هشام ؟ قال فقلت زدني قال إن لله تسعة و تسعين اسما ، فلو كان الاسم هو المسمَّى لكان كلّ اسم منها إلهاً ، و لكن الله معنىً يدل عليه بهذه الأسماء ، و كلُّها غيره ، يا هشام الخبز إسم للمأكول ، و الماء إسم ، للمشروب ، و الثوب اسم للملبوس ، و النار اسم للمحرق أ فهمت يا هشام فهماً تدفع به و تناضل به أعداءنا و المتخذين مع الله جلَّ و عزّ غيره قلت نعم قال فقال نفعك الله به و ثبتك يا هشام ، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا ))143الوليّ من أســماء الله الشاملةالولي هو اسم من أسماء الله الشامل لجميع الأزمنة ، و المحيط على جميع الموجودات ، و قد وصف الله نفسه بالولي في آيات كثيرة قال تعالى « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ »144« وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ »145.« قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ »146« وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ »147بخلاف كلمة الرسول فهي ليست من أسماء الله ، بل عندما يبعث سبحانه رسولا إلى أمّة من الأمم ، فحينئذٍ يتصف ذلك الشخص المرسَل بهذه الصفة . فالرسالة ليست من مظاهره سبحانه ، تلك المظاهر التّي لها الاستمرارية والأبديّة.

ومن هذا المنطلق اختُتمت الرسالة دون الولاية ، فهي أبدية ، و لها الاستمرارية و البقاء .ومن هذا المنظار تكون الولاية أعظم من الرسالة والنبوّة ، و أشمل منهما ، و بطبيعة الحال هي أفضل ، وإنّما صار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله و سلَّم هو الأفضل من سائر الأنبياء والأولياء فلأنَّه تحلَّى بكلا المقامين ، فهو صلى الله عليه وآله وليٌّ مطلق ثمَّ رسول خاتم .الولاية والحكم لله وحدهالولاية بالأصالة إنّما هي لله تعالى ، حيث أنه هو الخالق الموجد للكون بإرادته الأزلية « إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »148ومن هذا المنطلق صارت الولاية لله « هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ... »149والحكم لله « إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ » 150« وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ »151والعزَّة لله جميعاً « فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا »152وكل من يريد أن يتولى الآخرين لا بدَّ و أن يكتسب الشرعية منه تعالى ، و إلا فلا اعتبار لولايته أصلا ، وحيث لا ولاية ، فلا قدرة و لا قوة و لا عزَّة .ولاية الأنبياءهناك عدد خاص من الأنبياء قد اكتسبوا الولاية من الله عزَّ وجلَّ ، و ذلك في إطار خاص حسب مرتبة النبي لاختلاف مراتبهم « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ... »153داود عليه السلام من خلفاء الله إنَّ الله سبحانه يخاطب داود النبي بقوله« يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ »154 فكان هو نبياً لأنَّ الله خاطبه قبل أن يتحلَّى بمنصب الخلافة الإلهيّة ، فلم يؤذن له أن يحكم بين الناس إلاّ بعد وصوله إلى هذه المرتبة ، ومن هنا نشاهد أنّه سبحانه يُفرِّع الحكم على الخلافة بقوله « فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ »إمامة إبراهيم عليه السلام قال تعالى « وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »155و لم تكن هذه الامتحانات سهلة ، بل كانت شديدة للغاية ، فبعد إتمامها أصبحت نفس إبراهيم مهيأة لقبول تلك المرتبة السامية ، أعني الإمامة و الولاية .إبراهيم محطم الأصنامولأهمية هذا الامتحان ينبغي لنا أن نتحدّث عنه شيئاً فنقولبعد أن أتى إبراهيم الخليل ربَّه بقلب سليم وفطرة صافية سأل قومه مستغرباً ومتعجباً « مَاذَا تَعْبُدُون »156و هذا النوع من الاستغراب أمر طبيعي ،حيث أنَّ الشرك هو أمر غريب عن فطرة الإنسان وهو إفك وبهتان ، ومن هنا قال« أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُون فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ »157 وكيف يواجههم ليُقنعهم ؟!لا توجد طريقة غير ترك الحوار والنقاش معهم فالحلّ الصحيح الإلهي يتطلب أن يخلّى ونفسه وأن يواجه بنفسه هذا الإفك المبين « فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ »158 فلا أقدر الخروج معكم والمشاركة في عيدكم ، وربما استدلَّ بالنظر في النجوم على وقت حمى كانت تعتريه فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ و أراد من ذلك أنَّه قد حضر وقت السقم وقرب نوبة العلَّة ، فكأنه قال إني سأسقم لا محالة و حان الوقت الذي يعتريني فيه الحمى ، و قد يسمى المشارف للشيء باسم الداخل فيه ، قال الله تعالى« إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ »159 و شاهد ذلك أنَّ القوم كانوا يعتمدون على النجوم كثيراً ، فقد ورد في شأنه « وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ »160فهو عليه السلام انطلق من نفس ما يعتقدونه ليجرُّهم إلى التوحيد (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) وخلَّفوه في المدينة وحيداً فاغتنم هذه الفرصة الذهبية (فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ) وذلك بالغيظ و السخرية (فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) وأراد منهم أن يأكلوا تلك الأطعمة والثمار التِّي عرضت عليهم من قِبل الجهلة ، وجعلت أمامهم في أيام العيد ( مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُون) وهاهنا يأتي دور الحركة والفعل بدلاً من القول ( فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِين فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) أي يسرعون الخطى ، فجعل يصرخ في وجه هؤلاء المشركين ويخاطبهم ببيان فصيح لا غبار عليه ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) وهل يكون المصنوع المنحوت خالقاً ليكون ربًّا ؟ ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) فكل وجودكم حتَّى أعمالكم التَّي هي من عوارض وجودكم ومن شؤونه مخلوقة لله تعالى (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) فهم عزموا على قتل إبراهيم ومحوه من البسيطة بالمرّة ليجعلوه من الأسفلين (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأسْفَلِينَ) .هذا بداية ما امتحن به إبراهيم عليه السلام ، وهكذا استمرّت الامتحانات ، و كان من أعظمها القرار الحاسم لذبح إسماعيل ابنه الذي كان عطاء الله له في الكبَر استجابة لدعائه ، ثمَّ الهجرة إلى وادٍ غير ذي زرع ، و بناء البيت حيث يقول« رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ »161فبعد نجاحه عليه السلام وإتمامه لجميع تلك الكلمات قال تعالى مخاطبا له « إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »162وفي حديث الكافي(( محمد بن سنان عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إنَّ الله تبارك و تعالى اتخذ إبراهيم عليه السلام عبداً قبل أن يتَّخذه نبيّاً ، و إن الله اتخذه نبيّاً قبل أن يتَّخذه رسولا ، و إن الله اتَّخذه رسولا قبل أن يتَّخذه خليلاً ، و إن الله اتَّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً ، فلما جمع له الأشياء ، قال إنّي جاعلك للناس إماماً . قال(ع) فمن عِظمها في عين إبراهيم قال و من ذرِّيتي ! قال لا ينال عهدي الظالمين )) 163عصمة الإمامفكلّ من يصدر منه ذنب صغيراً كان أو كبيراً فهو ظالم لنفسه ، هذا في غير الإمام أما لو كان إماماً فهو ظالم لنفسه ولغيره ممن يأتمّ به ، بالإضافة إلى أنّ الأمّة سوف تفقد حينئذٍ الاطمئنان به ، فلا يمكن أن يصدر من الإمام ذلك ، لأن فيه نقضاً للغرض الذي من أجله نُصب الإمام ، و هو محال في حقه تعالى .وأيضاً لا يمكن أن يتصور صدور الذنب منه حتى في الخفاء ، لأن الذنب ينقص من شأن الإنسان ويورث حزازة فيه ، فلا تكون فيه الأرضية لتقبّل الوحي أو الإلهام أو الكرامة ، فالإمامة ليست هي إلاّ انعكاس صفات الله الجمالية و الجلالية في مرآة قلب الإنسان الكامل .وكذلك بالنسبة إلى الأفعال الأخرى التي لم تصل إلى مرحلة الذنب فالميزان فيها هو الاطمئنان ، فكلُّ أمر يوجب سلب اطمئنان الناس عنه فمن الحال صدوره من المعصوم ، وأمّا مالا يؤدِّي إلى سلب الاطمئنان فلا مانع من إتيانه ، وإن كان ظاهره عملاً لا يُرغب فيه ، وعلى ضوء ذلك صارت درجات الأنبياء متفاوتة .محمد ولي و رسولوأمّا ولاية نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله فهي الولاية العظمى على جميع الخلق آدم فمن دونه حيث أنّ « النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ »164فمادام هو ولياً على أنفس الناس ، فولايته صلى الله عليه وآله على أموالهم وسائر شؤونهم بطريق أولى ، قال تعالى « وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا »165أنظر إلى شدَّة التعبير في الآية الكريمة ، فلا خيرة للمؤمنين في قبال قضائه صلى الله عليه وآله وسلَّم ، وعصيانه هو عصيان الله وهو الضلال المبين.وقال « فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا »166وفي هذه الآية ثلاثة مراحل مترتِّبة 1-أن يكون الرسول هو الحَكم لا غيره .2-أن يتقبَّل المؤمن بكلّ ما حَكم به الرسول من صميم قلبه وعمق ذاته .3-أن يُسلّم أمره إلى الرسول ولا يتخطى عن أمره مثقال ذرّة.وقال تعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ »167عليٌّ عليه السلام هو الوليمضافاً إلى النفس القدسية والصفاء منقطع النظير ، والأرضية المميّزة الكامنة في شخصيَّة أمير المؤمنين عليه السلام التّي تفضِّله على جميع الأنبياء والأوصياء ما عدا خاتمهم.و هناك أدلّة نقلية كثيرة من الكتاب و السنة تثبت صحة ما نذهب إليه ، فآية الولاية والإطاعة والبلاغ والسؤال و مئات من الآيات ، وأيضاً حديث المنزلة والسفينة ومئات من الأحاديث هي من أعظم الأدلَّة على أنّه هو الوليّ المطلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، ولوضوح دلالتها و مضمونها لم نتطرق إليها هاهنا ، إلاّ أننا نحاول أن نتوسَّع شيئاً ما في خصوص حديث الغدير و بعض من الآيات التي نزلت في شأن تلك الواقعة العظيمة ، وقد أفردنا له عنواناً خاصاً وهو النعيم الإلهي .النعيم الإلهيإنَّ حديث الغدير ، متواتر بين العامّة والخاصة قد نُقل بأسانيد كثيرة جداً حتَّى صارت واقعة الغدير كبعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم من ناحية الأهمِّية و الوضوح وقد ورد الحديث في أكثر كتب العامَّة 168، نكتفي بما يليففي مسند الإمام أحمد بن حنبل(( حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال كنّا مع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم في سفر ، فنزلنا بغدير خمٍ فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين ، فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضي الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون أنِّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قالوا بلى ، قال ألستم تعلمون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه ، قالوا بلى ، قال فأخذ بيد عليٍّ ، فقال من كنت مولاه فعليٌّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال هنيئًا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة))169وفي سنن ابن ماجة ((عن سعد بن أبى وقاص قال قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل عليه سعد ، فذكروا عليا فنال منه ، فغضب سعد وقال تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كنت مولاه فعلي مولاه " وسمعته يقول أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدى ". وسمعته يقول

/ 14