" لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله " ))170وفي سنن الترمذي بإسناده ((عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلَّم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ، فقال كأنِّي قد دعيت فأجبت إنِّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ،كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما فإنَّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض . ثمَّ قال إن الله عز وجل مولايَّ وأنا مولى كل مؤمن ثم اخذ بيد علي رضى الله عنه فقال من كنت مولاه فهذا وليُّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ))171.وذكر الحديث بطوله ثم قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .ولم يقتصر صدور هذا النصّ من الرسول في غدير خم ، بل صدر منه في مواقع عديدة نكتفي بواحدٍ منها من طرق غيرنا .ففي مستدرك الحاكم ((حدّثنا الفضل بن دكين حدّثنا ابن أبي غنيّة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عن بريدة قال غزوت مع عليّ اليمن ، فرأيت منه جفوة ، فلمّا قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكرت عليّا فتنقّصته فرأيت وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتغيّر ، فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، قلت بلى يا رسول اللّه ، قال من كنت مولاه فعليّ مولاه ))172و لا بأس بالإشارة إلى بعض أسناد الحديث من خلال كتب القوم قال الخطيب البغدادي في تاريخه - أنبأنا عبد الله بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى الخلال ، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة ، قال((من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بيد علي بن أبي طالب (ع) فقال ألست ولي المؤمنين؟ قالوا بلى يارسول الله. قال (ص) من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فأنزل الله عز وجل- ((اليوم أكملت لكم دينكم))و قال أخبرنية الأزهري ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي ميمي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري -إملاء- حدثنا علي بن سعيد الشامي ، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة، وذكر الخبر مثل ما تقدم أو نحوه. وأخرجه الحافظ ابن عساكر بطريقه إلى أبي بكر الخطيب ، وأخرجه بالإسناد عن أبي بكر الخطيب ابن الجوزي في العلل الواهية، حيث قال أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت...الخ.173و الحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل و العاصمي في زين الفتى و المرشد بالله الشجري في الأمالي من طريقين و الخطيب الخوارزمي في مناقبه والحافظ الجويني في فرائد السمطين و الحافظ ابن المغازلي في المناقب ، والحافظ أبو الحسين عبد الوهاب الكلابي المعروف بابن أخي تبوك في مسنده ، و البلاذري في أنساب الأشراف و الحافظ ابن عدي الجرجاني في كامله ، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب ، و الحافظ أبو القاسم الطبراني في المعجم الأوسط و الصغير .و أخرجه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف قال حدثنا شريك، عن أبي يزيد الأودي، عن أبيه، قال دخل أبو هريرة المسجد، فاجتمعنا إليه، فقام إليه شاب، فقال أنشدك بالله، أسمعت رسول الله(ص) يقول(( من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ قال نعم، فقال له الشاب أنا منك بريء، أشهد أنك قد عاديت من والاه، وواليت من عاداه. قال فحصبه الناس بالحصا))وفي الأمالي للمرشد بالله الشجري (( فقال له الناس(أي للفتى) أسكتْ أسكتْ))وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة الخبر مع بعض الاختلاف في التعبير .وأمّا حديث الغدير في مصادرنا فأكثر من أن يحصى .ألست بربِّكم فلنسلط الضوء على واحد من أهم مفردات الحديث و هو قوله صلى الله عليه وآله ((ألست أولى بكم من أنفسكم)) أو ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم))و أنت إذا تأملت فستلاحظ أنَّ لسان هذا المقطع المهم في الحديث يساوق لسان الآية الكريمة التالية « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ »174 .إنَّ الله سبحانه وتعالى ومن منطلق ربوبيته للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله (ربك) ، طلب من بني آدم الاعتراف بربوبيته والتسليم له ، وأشهدهم على أنفسهم كي لا يُنكروا هذه الحقيقة ، ومن الطبيعي أن يقرَّ العبد بالعبودية لربِّه .ومن المعلوم أنَّ الرسول لا ينطق عن الهوى ، فكل ما يصدر منه إنَّما هو طبقاً لما يوحى إليه حتى استخدام الكلمات و طريق التكلُّم و السياق في خطبه و وصاياه .فإنّنا نشاهد نفس المضمون قد صدر منه صلى الله عليه وآله في الغدير .فبعد أن أخذ الاعتراف والإقرار من الناس بالنسبة إلى نبوَّته وأولويته من أنفسهم ، قال لا بدَّ من قبولكم ولاية عليٍّ عليه السلام الذِّي خلَّفتْه السماء عليكم من بعدي ، وكان يؤكِّد على كلمة (اللهم اشهد) إتماماً للحجة و إيضاحاً للمحجَّة .فالقضيَّة إذاً ليست مما يمكن التغاضي عنها و جعلها في طيِّ النسيان ، بل هي تتعلَّق بأصل خلق الإنسان وفلسفته الوجوديَّة ، حيث أنَّ الوصاية ما هي إلا استمرارٌ للنبوَّة التي هي مظهر حاكميّة الله على الإطلاق .ولو أردنا أن نصل إلى عمق هذه الحادثة فينبغي لنا أن نتأمَّل في الآيات النازلة بشأنها فهي« يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ »175 .يا أيَّها الرسولإنَّ نبيَّنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلَّم قد نودي في الذكر في تسعة عشر مورداً ، وذلك بتعبيرات أربعة ، والملاحظ أنَّ الله سبحانه لم يخاطبه باسمه كما خاطب سائر الأنبياء بل في ثلاثة عشر مورداً يخاطبه بقوله (يا أيها النبي ) وفي موردين يخاطبه (يا أيُّها الرسول) وهناك خطابات أخر مثل (يا أيُّها المُزَّمل ) (يا أيُّها المدَّثر) و قوله (طه) (يس) على ما في أحاديثنا .فبالنسبة إلى النداءات التِّي تخاطب النبي (يا أيُّها النبيّ) فهي تتمحَّض في سور (الأنفال و التوبة و الأحزاب و الممتحنة و التحريم) و تنحصر في أمرينألف ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله .ب الأمور المتعلقة بنساء النبيّ.والجدير بالذكر هو أنَّ الموردين اللذين قد خاطب الله فيهما نبيَّنا بقوله (يا أيُّها الرسول) كليهما متعلقان بالولاية والإمامة .وسياق الآيتين متقاربان من حيث أنَّ هناك من يحارب الولاية و يقف دون تحقّقها في المجتمع ، فالله سبحانه لأجل ذلك يواسي رسولَه ويسليه كي يحقق الهدف السامي الذي بُعث لأجله .فأمّا قوله سبحانه وتعالى « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ » 176 فهو يتعلَّق بواقعة الغدير المتواترة لدى الفريقين.وأمّا قوله سبحانه« يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ »177فهناك حديث دالٌّ على أنَّها تختصُّ بالولاية ، وهذا نصُّه ((عن تفسير علي بن إبراهيم القمِّي عن الإصفهاني ، عن المنقري ، عن شريك عن جابر ، قال قال رجلٌ عند أبي جعفر عليه السلام ، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً و باطنةً ، قال أمّا النعمة الظاهرة فهي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و ما جاء به من معرفة الله عزّ و جلّ و توحيده ، و أمّا النعمة الباطنة ولايتُنا أهل البيت ، و عقد مودتنا فاعتقد و الله قوم هذه النعمة الظاهرة و الباطنة ، و اعتقدها قوم ظاهرة و لم يعتقدوها باطنه فأنزل الله ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ )178ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عند نزولها إذ لم يقبل الله تبارك و تعالى إيمانهم إلاّ بعقد ولايتنا و محبتنا ))179 ومن الواضح أنَّ الخطاب بقوله(يا أيُّها الرسول ) في الآيتين بدلاً عن سائر الصفات هو دليل على أنَّ الرسالة هي التِّي لها هذا الاقتضاء و أنَّ تبيين الولاية هي أهم أهداف الرسالة .وفي خصوص آية التبليغ قد صرَّح سبحانه بقوله « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ »180وأما الرسالة فهي شأن آخر لها جانبان 1-جانب ربوبي .2-جانب خلقي .فربُّ العالمين يربِّي الأمَّة على مرِّ الزمن بواسطة الرسول بما هو رسول و يهديهم تشريعاً وتكويناً أعني الهداية بالأمر الذي مرَّ تفصيلها 181وعلماً بأنّه كان خاتم الأنبياء و المرسلين فلو لم يبلِّغ رسالته بتنصيب الإمام لم يتحقَّق الغرض من رسالته ،كيف والولاية هي من صميمها .ومن هنا نعرف السرَّ في تعبير القرآن بقوله "لقد منَّ" بصيغة الفعل الماضي الدال على المُضي و الانقضاء ، حيث أنَّ الرسالة قد ختمت به صلوات الله عليه وآله « لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ »182وأمّا بالنسبة إلى الإمامة فهي مستمرَّة لا نهاية لها ولا انقضاء إلى يوم القيامة ، حيث أنَّها تتمثَّل في الإنسان الكامل الذّي هو النور الصِرف الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، لأنَّه مظهر النور المطلق وهو الله سبحانه وتعالى ولهذا جاء كلمة المنَّة بنحو الفعل المضارع الدال على الاستمرار و الدوام في قوله « وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ »183فمن أولويات شئون الرسالة هو تعريف الإمام و تنصيبه للناس ، الذي من خلاله تنزل الفيوضات الإلهيَّة وسوف يبقى الوحي من ربِّ العالمين مستمرّاً.ولهذا نشاهد العلاقة الوثيقة بين الإمامة والرسالة المحمَّدية كما دلت عليها أحاديث كثيرة فالإمام هو ((سليل الرسالة-معدن الرسالة-موضع الرسالة-مفاض الرسالة-محكم الرسالة-محطّ الرسالة -رواسي الرسالة-أهل بيت الرسالة -فيهم نزلت الرسالة-أحق الخلق- بسلطان الرسالة-مودتهم أجر الرسالة))فيستفاد من الآية الكريمة الأمور التالية1-إنّ من وظائف الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم هو إبلاغ الوحي الإلهي في جميع جوانبه وزواياه .2-إنَّ هناك رسالة مميَّزة قد أُمر رسول الله بإبلاغها للناس ، وليس المقصود الشريعة بأجمعها لأنَّ لا معنى حينئذٍ لقوله فإن لم تفعل فما بلغت رسالته .3-إنَّ تلك الرسالة الخاصَّة تُضاهي جميع الأمور الأخرى التِّي بيَّنها الرسول خلال حياته بل هي الرسالة بعينها.4-إنَّ تنصيب عليٍّ عليه السلام إماماً للمؤمنين هو الحكم الإلهي النازل على الرسول في ذلك اليوم .5-إنَّ عدم تبيين تلك الرسالة تعني عدم تبليغ الرسالة من الأساس .6-ينبغي للرسول أن يتَّخذ خطَّة عمليَّة من خلالها يتمكَّن من ابلاغ الرسالة الخاصَّة وذلك لمكان قوله تعالى "فإن لم تفعل"و لهذا لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالإبلاغ فحسب بل طلبَ من الناس رجالاً و نساءً أن يُبايعوا علياً عملاً وفي الحديث ((...و أمر علياً عليه السلام أن يجلس فى خيمة له بإزائه ، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنؤه بالمقام و يسلِّموا عليه بإمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلّهم ، ثمَّ أمر أزواجه و سائر نساء المؤمنين معه ان يدخلن عليه و يسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن...))1847-كانت هناك مؤامرة تواجه الرسول من قِبَل بعض الناس إزاء تبليغ هذه الرسالة المميَّزة ، فأخبره الله سبحانه بأنَّه هو المتكفِّل للقضاء على هذه المؤامرة الخطيرة حيث يقول "والله يعصمك من الناس".8-هؤلاء المتآمرون بوقوفهم ضد رسالة الرسول و إنكارهم الولاية جُعلوا في عداد الكفّار بدليل "والله لا يهدي القوم الكافرين" فكلّ من يقف ضدّ الولاية فقد دخل في زمرة الكفّار وابتلي بالعذاب الأليم.لا تقيّةَ بعد نزول الآيةإنَّ الظاهر من الآية المباركة أنّه صلى الله عليه وآله كان يعيش التقيَّة في أمر الولاية قبل نزولها وأمّا بعد نزولها فانتفت التقيَّة ، ويشهد لذلك الحديث التالي ((الحسين بن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن سهل بن القاسم النوشجاني قال قال رجل للرضا عليه السلام يا بن رسول الله أنه يروى عن عروة بن زبير أنَّه قال توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و هو في تقيةٍ ؟ فقال أما بعد قول الله عز و جل "يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس" فإنَّه أزال كلَّ تقيةٍ بضمان الله عزَّ و جلَّ له و بيّن أمر الله))185ومن اللازم هاهنا أن نجيب على السؤال التالي و هو ما هو الضرر الذي كان يواجه الأمّة لولا التبليغ ؟ و هل كان رسول الله يحافظ على نفسه كي يخاطبه الله بقوله "والله يعصمك من الناس" ؟كيف وهو الذي وهو المخاطب بقوله « فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً »186ويقول أمير المؤمنين عليه السلام (( كنّا إذا احمر البأس إتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يكن أحدٌ منّا أقربَ إلى العدوِّ منه ))187كلُّ ذلك كان قبل فتح مكّة وأمّا بعد الفتح ، فقد اتَّسعت قدرة الإسلام وقويت شوكته ، فلا خوف من الناحية العسكرية ، فممَّ كان الخوف ؟نقول في الجواب إنَّ الخوف كان من جانب آخر أهمّ و هو الجانب السياسي ذلك لأنَّ موضوع الولاية كان مهماً و حسّاساً للغاية ، حيث يثير الأحقاد القبلية ، والضغائن البدرية والخيبرية الكامنة في صدور القوم ، وحيث التخطيط الدقيق المركَّز لتصاحب الخلافة بعد الرسول ، و التسلُّط على رقاب المسلمين ، وهذا هو من أهم المخاطر التي كانت تواجه الإسلام ، ولكنَّ القوم فوجئوا بالغدير فيَئسوا من نجاح خطَّتهم الإسلام ، كما يشهد بذلك التأرخ وهذا ما يستفاد من الحديث التالي((عن المفضَّل بن صالح ، عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام أنَّه قال لما نزلت هذه الآية "إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا" شقَّ ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ، و خشي أن يكذَّبه قريش ، فأنزل الله " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية" فقام بذلك يوم غدير خم ))188.أهميَّة هذا التبليغإنَّ أهمِّية هذا الأمر قد وصل إلى مستوى بحيث ورد في الحديث عن أبي جعفر محمد بن على عليه السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله مخاطباً لعليٍّ عليه السلام قال ((لقد أنزل الله فيك "يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربِّك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته "فلو لم أبلِّغ ما أُمرتُ به لحبط عملي))189ولا يخفى أنَّه من المستحيل أن يخالف الرسول ربَّه في هذا الأمر ، ولكن يدلُّ ذلك على الأهميَّة الكبيرة لتبليغ ما أنزِل إليه من ربِّه ، وهو تعيين أمير المؤمنين عليه السلام خليفةً على المسلمين .وتأييداً لذلك نذكر حديثاً في هذا المجال (( على بن إبراهيم عن أبيه عن الحكم بن بهلول عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ"190 ، قال يعنى إن أشركت في الولاية غيره ، بل الله فاعبد و كن من الشاكرين يعنى بل الله فاعبد بالطاعة و كن من الشاكرين إن عضدتك بأخيك و ابن عمك ))191.والجدير بالذكر أنَّ سورة محمَّد صلى الله عليه وآله قد بيَّنت بصورة صريحة النتائج السلبيَّة التِّي تترتَّب إنكار الولاية أو كراهتها ، حيث يقول سبحانه وتعالى« ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ...إلى أن قال.. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ »192.ونذكر هاهنا حديثاً يتعلَّق بالآية الأولى ((عن أحمد بن القاسم ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال قوله تعالى "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله " في عليٍّ عليه السلام فأحبط أعمالهم ))193 ومن أراد أن يتوسَّع في هذا المجال فليراجع كتاب كنز العمّال .ثمَّ إنَّه ومن خلال هذا البحث سوف نواجه قضيَّة أخرى نجعلها تحت عنوانما أنزل إليكعندما التأمُّل في الآية 66 من سورة المائدة التِّي جاء ت قبل آية التبليغ ، ينفتح أمامناه زاويةً يمكن من خلالها أن نعرف مدى خطورة أمر الولاية ودورها في حياة المجتمع معنويةً ومادِّيةً حيث يقول سبحانه « وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالآنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ....الخ )) 194فهناك ارتباط وثيق بين إقامة ما أنزل من ربِّ العالمين وبين نزول البركات السماوية والأرضيَّة على الأمَّة .ومن هنا نعرف السرّ في استشهاد الصديقة فاطمة عليها السلام بهذه الآية عند بيانها الإعوجاج الذي حدث في الإسلام حيث قالت وفي الحديث ((عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ و جلّ