« الفطرة التي فَطر اللهُ الناسَ عليها هي تلك الحالةُ و الهيئةُ التي هي من لوازم وجود الناس و من أسس بنائهم ، و هي لطف من الله سبحانه للإنسان خاصَّة في قبال سائر الموجودات ، ينبغي أن نعلمَ أنَّ كلَّ أمرٍ يتعلق بالفطرة لابدّ و أن لا يقع فيه أيُّ شَكل من الخلاف و الاختلاف بل من اللازم أن يتَّفق الناس كلُّهم مع الحكم الفطري ، العالم منهم و الجاهل ، المدنيُّ و البَدَويّ و حتّى الإنسان الذي يعيش مع الوحوش في الغابات و الذي لم يشمَّ رائحة الحياة الاجتماعية . ومن ناحية أخرى إن اختلاف البلدان و الأمكنة و الأذواق و الأهوية و الآراء و العادات رغم تأثيرها على كلِّ شيء حتّى على الأحكام العقلية القطعية ، يستحيل أن تؤثِّر و تغيِّر أحكام الفطرة قيد أنملة و أيضا الاختلاف في الأفهام من ضعف الإدراك و قوَّته لا يؤثِّر في أحكام الفطرة ، و ذلك حيث تقول الآية « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ »226ثمَّ إنّ من الأمور الفطرية التي جُبِل عليها جميعُ البشر من غير استثناء هو (العشق للكمال ) فمع التجوّل في الأدوار التي مرَّت بها البشرية ، و استنطاق كلِّ فرد من أفرادهم و كلِّ طائفة من طوائفهم نجد أن هذا العشق و الحبّ قد جُبل في طينته و نجد أن قلبَه متوجِّه نحو الكمال ، بل جميع حركاته و مساعيه ليست هي إلاّ لأجل هذا الحب الكامن في ضميره فهو يريد الوصول إلى الكمال ، و يطلب مشاهدة معشوقه و محبوبه ؟ و كلٌّ يجد معشوقه في شيء فيطلب ذلك الشيء و يتفانى في سبيله ، فأهلُ الدنيا يحسبون الكمال في الثروة فيسعون للوصول إليها و أهل العلم في العلم و أهل الآخرة في العبادة و هكذا ، فالناس جميعهم يسعَون نحو الكمال ، فإذا تصوَّرُوه في موجودٍ أَو موهومٍ تعلَّقُوا به و عشقوه ، ولكن على الرغم من ذلك فليس عشقُهم لهذا الذي ظنوه بأنه معشوقهم ، و هذا الذي توهموه و تخيَّلوه ليس هو كعبة آمالهم إذ لو رجع الإنسان إلى فطرته لوجد أن قلبه في الوقت الذي يُظهر العشق لشيءٍ ما فإنَّه يتحوَّل عن هذا المعشوق إلى غيره إذا وجد الثاني أَكمل من الأول و هكذا ، بل إن نيران عشقه لتزداد اشتعالاً فالإنسان يحبُّ الجمال فيصل إليه ولا يقتنع به بل يطلب أجمل منه و هكذا ، و يعشق القدرة فيصل إليها ثم لا يستقر بل يتزايد حبُّه إليها و لا تخمد نار اشتياقه أصلاً.. بل تزداد لهيباً.. و هذه الحالة تشمل جميع البشرية من غير استثناء.ثمَّ إنَّ الإنسان إنَّما يعشقُ الكمال الذي لا عيب فيه و لا كمال بعده ، و العلم الذي لا جهل فيه و القدرة التي لا عجز فيها و الحياة التي لا موت فيها أي الكمال المطلق »227فعندما ينظر الإنسان إلى الوردة الجميلة مثلاً ويلذُّ ، فهو في الواقع لا يلتذ من الوردة ولا يُريدها كَوردةٍ بل النفس تلتذ بالجمال وتحبُّ الجمال فلو فقدت الوردة جمالَها فلا تحبُّها النفس أصلاً ، وهكذا بالنسبة إلى كلِّ هالك وآفل ، فالمطلوب إذاً هو الجمال والكمال غير المحدود وغير المؤطَّر ، وهو الله سبحانه .من هنا نشاهد شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل على نبيِّنا وآله وعليه السلام ينفي كلَّ آفل حتَّى يصل إلى الربّ « وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ »228الكمال المطلق هو اللهثمَّ استنتج الإمام قدِّس سرُّه و قال« فهل هناك كمال مطلقٌ سوى الله سبحانه وتعالى ؟وهل هناك جمال مطلق و علمٌ مطلق و قدرة مطلقة سواه تعالى ؟ فإذاً الكلّ يطلبه سبحانه و هو أمل الآملين « إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ »229العشق فعلي حقيقي فالمعشوق فعلي حقيقيوحيث إن العشق في الإنسان أمرٌ فعليٌ حقيقيٌّ و ليس بموهوم أو متخيل إذ أنَّ كلَّ موهوم هو ناقص ، و الفطرة إنما تتوجَّه إلى الكامل ، فإذاً هناك معشوقٌ فعليٌّ حقيقي و هو الكمال المطلق و هو الله سبحانه و هو موجود بالفعل « أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ »230وهو واحد لا شريك له وأحدٌ غير مركَّب231 لأنَّ كلَّ كثير و مركب ناقص ، لأنَّ الكثرة لا تكون دون محدودية و المحدودية نقص232 ، وكلُّ ناقص مرغوب عنه من جانب الفطرة »الشيطان والتزيينمن حيَل الشيطان هو تزيين القبيح كي يشتاق إليه الإنسان لأنَّ الإنسان لا يحبُّ إلاّ الجميل ، فهذا إبليس يقول وبكلِّ جدٍ وعزم « رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ »233و قال تعالى « زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ »234والذي قد أغواه الشيطان سوف يصل إلى مستوى يقول عنه تعالى« وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ »235ليس ذلك إلاّ لأنَّه يرى القبيح جميلا فيفرح به .وأيضاً من حِيَل الشيطان هو إظهار الفاني236 وكأنَّه باقٍ لا فناء يعتريه ولا نقصٍ يواجهه وذلك لأجل أن يرغب فيه الإنسان المحبّ للمطلق ، ومن هنا استطاع أن يغوي آدم وزوجته« فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى »237ولأنَّ آدم كان يعشق الكمال المطلق فبطبيعته انجذب إلى الشجرة التي كان يظنُّها شجرةَ الخلد والملك الذي لا يبلى .وحيث زيَّن الشيطان ما أوتي قارون من أموال ، كان جماعة من قومه يتمنون أن يصلوا إلى ذلك مستواه قال تعالى « فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ »238ومن هذا المنطلق نشاهد الإنسان يسعى وراء كل ما يراه مشتملاً على الكمال فيعشقه .وجميع مصاديق العشق المجازي239 ترجع إلى هذا الأمر حيث يرى العاشق محبوبه الحقيقي أعني المطلق في ذلك الموجود الخارجي فيحبَّه ويرغب إليه.يقول محيي الدين ابن العربي« ما أحب أحدٌ غير خالقه ولكنَّه تعالى احتجب تحت اسم سعاد وهند وزينب »دور الأ نبياء و الأ ولياءومن هنا يمكننا أن نعرف دور الأنبياء والأولياء فهم لم يُبعَثوا لإزالة ذلك العشق الفطري للكمال وتحطيمه ، بل بُعثوا لأجل تصحيح وجهة العشق وهدايته إلى الكمال المطلق الحقيقي الفعلي لا الكمال الموهوم .وبعبارة أخرى مهمَّةُ الأنبياء و الأولياء هي إرجاع العباد إلى الله سبحانه وتعالى الذي هو أمنيتهم ومأمولهم الواقعي فلا يطلب العبد من ربِّه شيئاً سوى نفسَه فهو يريد كل البهاء240 وكل الجمال وكل الرحمة وكل النور وكل الأسماء فهو إذاً يطلب الله سبحانه ويريد أن يرجع إليه« إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى »241 ويلقاه ويسرَّ ويأنس به « يا سرور العارفين يا منى المحبين يا أنيس المريدين يا حبيب التوابين يا رازق المقلين يا رجاء المذنبين يا قرة عين242 العابدين »243« يا سرور الأرواح ويا منتهى غاية الأفراح »244ولا دواء للنفوس إلاّ اسمه ولا شفاء للقلوب إلاّ ذكره « يا من اسمه دواء وذكره شفاء »245هل الدين إلاّ الحبفاتَّضح مما تلونا عليك أنَّ الدين ليس هو الشريعة فحسب أعني القانون الصادر من الشرع المقدس المشتمل على الأحكام المختلفة من الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و الإباحة ! فليس الدين هو الصلاة ! و الزكاة !وسائر العبادات وليس هو المعاملة كما تصوَّر البعض! بل كلُّ تلك الأمور هي ظاهر الدين وأمّا باطنه وروحه هو العشق بالله تعالى و التقرُّب إليه .و قد أكَّدت الأحاديث الكثيرة على ذلك نذكر بعضها ففي الكافي« عن على عن أبيه عن حماد عن حريز عن فضيل بن يسار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحبّ و البغض أَمِنْ الإيمان هو ؟ فقال و هل الإيمان إلاّ الحبّ و البغض ! ثمَّ تلا هذه الآية « حبَّب إليكم الإيمان و زيَّنَه في قلوبكم وكرَّه إليكم الكفر و الفسوق و العصيان أولئك هم الراشدون »246و في حديث آخر عن الحسين بن سيف قال« سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا يمحّض رجلٌ الإيمانَ بالله حتى يكون الله أحبَّ إليه من نفسه و أبيه و أمِّه و ولده وأهله و ماله و من الناس كلّهم »247.ومن هنا تعرف السر في أهميَّة النيَّة قربةً إلى الله في العبادات وحتى في المعاملات وأيضاً تعرف الدور التخريبي الفضيع للرياء و العُجب في العبادات وقد وردت أحاديث كثيرة في أثر داء الرياء ففي الكافي« عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن علي بن سالم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قال الله عز و جلَّ أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عملٍ عمِله لم أقبلْه إلاّ ما كان لي خالصا »248تهذيب النفــسإن القلب رغم صغر حجمه المادِّي لكنَّه هو المنشأ لجميع الخيرات أو الشرور ، و من الواضح أنَّنا لا نقصد من القلب حينئذٍ هو العضو الجسماني بل ننظر إلى الجانب الآخر منه وهو المرتبط بروح الإنسان ، ونظراً إلى هذا الجانب قد وصفه القرآن الكريم بصفات حسنة و سيِّئة ، فأهم الصفات الحسنة للقلب هي« الربط249 و الاطمئنان و الوجل250 و الإخبات251 و الهداية و اللين و السلامة و التآلف252 و الرغبة و الطهارة و الإيمان و الرأفة و الرحمة و الخشوع و التقوى و الحميَّة253 والسكينة254 والفقه »كما أنَّ أهم الصفات السيِّئة له « المرض و الرين255 و الطبع256 و الغلّ257 و القساوة و الكفر و الفسوق و العصيان و الكنان258 و النفاق و القفل و الاشمئزاز259 و الريب260 و العمى و اللهو و الغيظ261 و الختم و الغلظة و الحسرة و الزيغ262 و الإثم »ومن الطبيعي أن نتساءل ونقولما هي الوسيلة التِّي يمكننا من خلالها أن نُصلح أنفسنا و نُهذِّب قلوبنا من الأرجاس والأنجاس وأن نبعدها ونطهِّرها من الأقذار لتتلبَّس بالحسنات والخيرات ؟هناك طرق مختلفة لذلك أهمُّهاسبيل العقلوهي الطريقة السقراطية ، يقول أصحاب هذا الأسلوب إنَّ الطريق الوحيد لتهذيب النفس هو الاعتماد على العقل و التدبير ، فينبغي للإنسان أن يتعرف على فوائد التزكية و يؤمن بها وأيضاً يعرف مَضرّات إهمالها ، ثم و بالاستعانة بالعقل يعثر على الصفات الذميمة فيبدأ في قلع جذورها واحدة تلو الأخرى إلى أن يتخلَّص منها تماماً.ومَثَله كمثل الزارع الذي يعثر على النبت غير الصالح والأعشاب المضرَّة فيقلعها من مزرعته أو كمن يَفصل ذرّات التراب من حبّات الحنطة ، فينبغي للإنسان أن يتأمَّل في نفسه و يبحث فيها لغرض العثور على المساوئ و المفاسد الخُلقية ثم يبدأ بقمعها و إزالتها واحدةً واحدةً حتَّى يتخلَّص منها جميعاً .تلاحظ أنَّ الفيلسوف يريد أن يحقق إصلاحَ النفس من خلال المعادلات العقلية ومعرفة الخير والشرّ فيقول مثلاًإنَّ العفة و القناعة تؤديان إلى عزة الإنسان و بروز شخصيته لدى الناس و الطمع يجرُّه إلى الذلِّ و الهوان ، أو أن العلم يورث القدرة في الإنسان وهو مصباح يميِّز به الطريق السويِّ من الطريق المعوج ، أو أن الكبر من الأمراض الروحيَّة التِّي تنتج منه عواقب سيِّئة للفرد والمجتمع ، و الرياء يورث الشرك و هكذا بالنسبة إلى سائر الصفات الحسنة و السيئَّة ، ثمَّ يبدأ بقمع الشرور و تثبيت الحسنات ، فَمثَل هذا الإنسان مَثَلُ من أراد فصلَ بُرادةِ الحديد المختلَط بالتراب وذلك بواسطة يديه ، فكم ينبغي أن يعاني من تعبٍ ومشقَّة كي ينجح في إزالة جميع حُبيبات الحديد المتفرِّقة في التراب ، و بالأخير سوف لن يتمكَّن من ذلك بل لا مُحالةَ سوف يتبقى شيء من البرادة في التراب قطعاً .فإذاً هذا الأسلوب يتطلَّب الصبر الجميل و الاستقامة المتواصلة ، ومن الصعب أن يُوَّفق الإنسان للوصول لذلك المستوى بحيث يمكنه تصفية نفسه من العيوب تمامًا فهو إذاً أسلوبٌ جيِّدٌ ولكن الكلام كلّ الكلام في مستوى جودته عندما نقايسه بالأسلوب الثاني .سبيل العشق و الحبّوهو سبيل العرفاء وهذا الأسلوب هو الأسرعُ تأثيراً والأقلُّ خَطراً وهو سبيل الحبّ والعشق و الذوبان في المعشوق من أجل تطهير النفس م العيوب .من نحبّ ؟قد اتَّضح لك أنَّ المحبوب بالأصالة هو الله سبحانه لا غيره فكلُّ ما يُطلَب من دون الله مهما كان مستواه فهو موهوم و التوجه إليه يورث الشرك بالله تعالى ، و ذلك لأنَّ القلب هو محلّ الحبّ و لا يمتلك الإنسان إلاّ قلباً واحداً قال تعالى « مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ »263.وقال الصادق عليه السلام « القلبُ حرم الله فلا تُسكن حرمَ الله غير الله »264.ولكن هل بإمكاننا أن نتعلَّق بالله سبحانه و نرتبط به بصورةٍ مباشرة ؟ هذا ما سنجيب عنه فنقولمشيئة الله سبحانهإنَّ الله سبحانه أراد فخلق ، والمخلوقات ليست هي إلاّ فيوضات الله سبحانه وتعالى265، فعندما أفاض الله الوجود على الأشياء صارت كلُّ واحدة منها مظهراً من إفاضاته و تجلِّياً من تجلِّياته ، فبعضها مظهر الجمال وبعضها مظهر الكرم ، وبعضها مظهر اللطف وهكذا.ولكن المهمّ أنَّ الله شاء فخلق فأوَّل مظهر من مظاهر الله هو المشيئة الإلهيَّة266 التِّي يُطلق عليها الأمر حيث يقول « أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ » 267.فبالمشيئة خُلقت الأشياء ولأجلها سُمِّيَت الأشياءُ أشياءً ، فالرابط الأوَّل بين النور المطلق وسائر الأنوار هو النور الأوَّل ، والواسطة بين الله وسائر العقول هو العقل الأوَّل وهو نور محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين ، ومن خلالهم خلقت الأشياء فهم أولوا الأمر وبهم فتح الله فجميع المخلوقات مستهلكة في المشيئة التي هي مقام التدلي « دَنَا فَتَدَلَّى »268قال الإمام قدِّس سرُّه« وهو المشيئة المطلقة المعبَّر عنها بالفيض المقدَّس و الرحمة الواسعة والاسم الأعظم والولاية المطلقة المحمدية أو المقام العلوي وهو اللواء الذي آدم عليه السلام ومن دونه تحته والمشار إليه بقوله ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين أو بين الجسد والروح) أي لا روح ولا جسد ليس شيء وهو العروة الوثقى والحبل الممدود بين سماء الإلهية وأراضي الخلقية وفي دعاء الندبة قوله عليه السلام(أين باب الله الذي منه يؤتى أين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء أين السبب المتصل بين الأرض والسماء) »269وتفصيل ذلك يُطلب في محلِّه.وعلى هذا الأساس ينقسم المحبُّون لله إلى طائفتين هما1-المحبُّون غير المحبوبينفهؤلاء لا تخلو محبتهم عن شوب أَلم فقدٍ وحزنِ فراقٍ .2-المحبُّون المحبوبونوهم الذين وصلوا إلى محبوبهم فصاروا أحبّاء الله وهم محمَّد وآل محمَّد والمخلَصون من الأنبياء و الأولياء ولذلك ورد في زيارة الرسول صلى الله عليه وآله« السلام عليك يا حبيب الله »270ومن هنا يختلف سلوك الطائفة الأولى عن الطائفة الثانية ، فالمحبوبون قد وصلوا إليه تعالى من غير معلِّمٍ ومُرشدٍ بل العناية الأزلية271 والهداية الإلهيَّة قد شملتهم يقول سبحانه« الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى »272وفي قرب الإسناد « عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى والسابقون السابقون أولئك المقربون قال نحن السابقون و نحن الآخرون »273واليهم أشار بقوله تعالى « وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا »274قال الحكيم السبزواري« وفيهم قال أمير المؤمنين عليه السلام (إنَّ للهِ تعالى شرابا لأوليائه إذا شربوا سكروا و إذا سكروا طابوا و إذا طابوا ذابوا و إذا ذابوا خلصوا و إذا خلصوا طلبوا وإذا طلبوا وجدوا و إذا وجدوا وصلوا و إذا وصلوا اتَّصلوا و إذا اتَّصلوا لا فرق بينهم و بين حبيبهم) وهو إشارة إلى شراب المحبَّة بكاس الشوق والإرادة في عالم الأرواح قبل الأجساد حتى لا يبقى بينهم وبينه مغايرة ولا من إنِّيّاتهم275 بقيَّة وتكون المحبة والمحبّ والمحبوب شيئاً واحداً »وأمّا المحبُّون فينبغي لهم أن يسلكوا الطريق بالترويض والمجاهدة وبالزهد والتقوى وهم أصحاب اليمين .العشق بمن يحبُّه الله هو العشق باللهفينبغي أن يتعرَّفَ الإنسانُ على وليِّ الله الأعظم و يُربِطُ نفسه به و يعقد قلبه بولائه ومن ثمَّ سوف يتمكَّن من تصفيةِ نفسه من جملة العيوب والشوائب من دون عناءٍ كبير.والسرُّ في ذلك أنَّ التصفية الروحيَّة ليست هي إلاّ ارتباط الإنسان بالله والتخلُّق بأخلاقه تعالى حيث أُمرنا أن نتخلَّق بأخلاق الله« قال عليه السلام تخلَّقوا بأخلاقِ الله »276ومن هنا قال عرَّفوا الفلسفة بأنَّه عبارةٌ عن« التشبُّهِ بالإله بقدر الطاقةِ البشريَّة »و يعنُون بذلك تقليل التعلُّقات و إضافة الخيرات و الحسنات، فاكتساب الطهارة و الكرم و الجمال و العلم و غيرها من الصفات الإلهيَّة يعني الارتباط بالطهارة المطلقة و الكرم و الجمال و العلم المطلق ، و كلُّ هذه الصفات بالمستوى الرفيع متوفِّرة في مظهر المشيئة الإلهيَّة و هم محمَّد و آل محمَّد عليهم السلام و هم الذين يحبُّهم الله و يحبُّونه حيث اتصافهم بصفات محبوب الله فإنّ الله« يحبُّ المقسطين » « يحبُّ المتقين »« يحبُّ المتوكلين » « يحبُّ المحسنين » « يحبُّ التوّابين ويحبُّ المتطهِّرين »« يحبُّ الصابرين » و« يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ »277فهم مظهر هذه الصفات ومن يريد أن يكتسب حبَّ الله باتِّصافه بها ينبغي له أن يُربط نفسه بهم عليهم السلام فالله لا يحب المتطهرين إلاّ لذوبانهم في الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً .ومثَل هذا الأسلوب كمثل من يستعين بمغناطيسٍ قويٍ لجذب برادة الحديد المختلط بالتراب ، فبمجردِ امراره على التراب سوف تجتمع جميعُ ذرات الحديد حول المغناطيس من غير أن تتبقى حتَّى ذرَّة واحدة منها في فكم فرقاً بينه وبين الذي يخرج البرادة حبَّة حبَّة كما مرَّ.فقوةُ المحبَّة و الإرادة بالكُمَّلين و هم محمَّد و آل محمَّد عليهم السلام هي المغناطيس الذي يجذب الصفات الرديئة و يعزلَها عن الصفات الحسنة فيهذِّب الأخلاق ويُصفِّيه من الشوائب الدخيلة ويبعد الروح عن كلِّ ما سوى الله تعالى.و على ضوئه يمكن الوصول إلى حقيقة ما في كثير من الكلمات المأثورة عنهم عليهم السلام كما في زيارة الجامعة الكبيرة « وجعل صلواتنا عليكم و ما خصَّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا و طهارةً لأنفسنا و تزكيةً لنا و كفارةً لذنوبنا »278.وفي زيارة أخرى « و جعل ما خصَّنا به من معرفتكم تطهيراً لذنوبنا و تزكيةً لأنفسنا »279.وقد ورد في الحديث « عن أبي جعفر عليه السلام في قوله وينزِّلُ من السماء ماءً ليطهِّركم به و يُذهب عنكم رجز الشيطان و ليربط على قلوبكم و يثبِّت به الأقدام قال وأمّا قوله ليطهِّركم به فذلك عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يطهِّر الله به قلبَ من والاه و أمّا قوله و يذهب عنكم رجز الشيطان فإنه يعني من والى عليّ بن أبي طالب أذهب الله عنه الرجس و قوّاه عليه »280ولا يخفى أنَّ ما ذكره عليه السلام ليس بعيداً عن ظاهر الآية المباركة بل كلُّ من يتأمَّل فيها بعيداً عن العصبيَّة سوف يذعن بذلك ، لأنَّه لا توجد مناسبة كبيرة بين الماء النازل من السماء (لو أريد منه الماء المادي ) و بين ذهاب رجز الشيطان وربط القلوب وتثبيت الأقدام التِّي هي أمور معنويَّة ، فما هو رجز الشيطان ؟ هل المقصود منه هو الوسخ أو الميكروب !! ولو فُسِّر الرجس بذلك فما هو المراد من ربط القلوب وتثبيت الأقدام ؟ وهل للماء هذان المفعولان ؟ فلا محالة ينبغي أن نلتمس معنىً آخر للآية وهو ما ذكره الإمام الباقر عليه السلام الذي يمثِّل الثقل الكبير من الثقلين الذين أشار إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في الحديث المتواتر عنه .وفي الكافي « على بن محمد عن سهل بن زياد عن موسى بن القاسم بن معاوية البجلي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل قل أ رأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ مَعين قال إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد »281فالالتجاء إلى من خصَّهم الله بالطهارة يؤدِّي إلى تطهير النفوس وتزكية القلوب من الأنجاس و الأرجاس ، ومحبَّتهم سوف تُسلِّطُ الضَوءَ على جميع أركانِ وجود المحبِّ و تَصبغُه صبغةَ المحبوب .فإذاً ينبغي لكل من هو بصدد إصلاح نفسه وتهذيبها أن يودَّ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، وهذا الوُّد مدرسةٌ متكاملةٌ وهو منشأ جميع الخيرات والصفات الحسنة كالصبر والإيثار والإخلاص والتواضع والسكينة والشجاعة وغيرها بل حتَّى العبادات العمليَّة .ومن هذا المنطلق ورد في الأحاديث أنَّ الدين ليس هو إلاّ الحبّ فكلُّ متهاون في عمل الخير بعد أن ينطلق من منطلق الحب و العشق سوف يكتسب نشاطاً لا مثيل له و سوف يكتسب عزماً يجعله قوياً و مُصراً على الاستباق في الخيرات.والتأريخ الإسلامي خير شاهد على ذلك ، نذكر نموذجاً من تلك المواقف العظيمة التي صدرت من أحد العشّاق وهو أبو ذرٍ الغفاري « كان أبو ذر تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلَّم في غزوه تبوك ثلاثة أيام و ذلك إن جَمَلَه كان أعجف282 فلحق بعد ثلاثة أيام و وقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه و حمل ثيابه على ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخصٍ مقبلٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلَّم كأَنَّ أبا ذرٍ فقالوا هو أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلَّم أدركوه بالماء فإنَّه عطشان فأدركوه بالماء و وافى أبو ذرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم و معه إداوة فيها ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يا أبا ذر معك ماء و عطشت فقال نعم يا رسول الله بأبي أنت و أمِّي انتهيت إلى صخرةٍ و عليها ماءُ السماء فذقتُه فإذا هو عذبٌ باردٌ فقلت لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يا أبا ذر رحمك الله تعيش وحدك و تموت وحدك و تبعث وحدك و تدخل الجنة وحدك يسعد بك قوم من أهل العراق يتولَّون غسلك و تجهيزك و الصلاة عليك و دفنك »283فاتبعوني يحببكم اللهثمَّ إنَّ التمسك بأهل البيت عليهم السلام هو تحقيق مصداقيَّة الحبّ في الخارج ، ومن أبرز مميَّزات المحبِّ هو تنسيق حركاته وسكناته مع محبوبه وهذا يعني تبعيَّته في جميع الأمور وجعلَه أسوة في اتخاذ المواقف إيجابياً وسلبياً قال تعالى« قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ »284.فلا نتيجة عظيمة في حبِّ الإنسان لله بل لا بد أن يصل الحب إلى مستوى يكون الإنسان محبوباً لله أيضاً .وقد أكَّدت أحاديثنا على أنَّ التمسك بهم عليهم السلام لا يتحقق إلاّ من خلال العمل المستمر والسعي المتواصل « عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة و أنا حبل الله المتين و أنا عروة285 الله الوثقى »286يقول سبحانه و تعالى « ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ.. »287فالآية الكريمة تشير إلى ذلك حيث أنَّ الحبل له طرفان طرَفٌ إلهيّ وطَرفٌ خَلقيّ« عن المفضل قال سمعت مولاي الصادق عليه السلام يقول كان فيما ناجى الله عزَّ و جلّ به موسى بن عمران عليه السلام أن قال له يا ابن عمران كذب من زعم انه يحبُّني فإذا جنَّه الليل نام عنِّي أليس كلّ محبٍّ يحبّ خلوة حبيبه ، ها أنا ذا يا ابن عمران مطلع على أحبائي إذا جنَّهم الليل حولت أبصارهم من قلوبهم و مثلت عقوبتي بين أعينهم يخاطبوني عن المشاهدة و يكلموني عن الحضور ، يا ابن عمران هب لي من قلبك الخشوع و من بدنك الخضوع و من عينيك الدموع في ظُلم الليل و ادعني فإنَّك تجدني قريباً مجيباً »288 ومن أهمِّ صفات المؤمن الذي يحبُّ الله ويحبُّه الله هو ما ورد في الآية الآتية« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ »289.فالتواضع للمؤمنين والتكبر على الكافرين والجهاد في سبيل الله هي أبرز مصاديقهم .ثمَّ إنَّ من الجدير بالذكر ما ورد في دعاء الصباح« أصبحت اللهم معتصما بذمامك290 المنيع...بجدار حصين الإخلاص في الاعتراف بحقهم و التمسك بحبلهم جميعاً موقناً أنّ الحق لهم و معهم و فيهم و بهم أُوالي من والوا و أجانب من جانبوا فأعذني اللهم بهم من شرِّ كلّ ما اتقيه »291فالإعتصام بذمام الله لا يتحقق إلاّ بالتمسك بحبلهم جميعاً.(6)المطهَّرون عند اللهفي بداية الحديث ينبغي لنا أن نذكر نص الآيات المباركة الواردة قبل آية التطهير وبعدها ، وأيضاً عدداً من مئات الأحاديث الواردة في هذا المجال.وأماّ الآيات« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً ، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا ، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا »292فآية التطهير هي من أهم الآيات الدالّة على الطهارة المطلقة والشاملة لأهل البيت عليهم السلام قال تعالى « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » 293 .نحن لا نريد أن نذكر ما تحدَّث عنه الآخرون حول هذه الآية ، ولكن نحاول أن نتطرّق إلى جوانب أخرى في هذه الآية المباركة أو بالأحرى في مقطع منها فقبل الغور في الحديث لا بأس بأن نشير إشارة خاطفة إلى بعض شئون هذه الآية فنقولشأن نزولهاوقد وردت في شأن نزول هذه الآية روايات كثيرة تزيد على السبعين ، وما ورد منها من طرق أهل السنة أكثر مما ورد منها من طرقنا ، فقد أخرجوها بطرق كثيرة عن أم سلمة و عائشة و أبي سعيد الخدري و سعد و وائلة بن الأسقع و أبي الحمراء و ابن عباس و ثوبان مولى النبي و عبد الله بن جعفر و علي و الحسن بن علي عليهما السلام ، في قرابة من أربعين طريقاً. و روتها الشيعة عن علي و السجاد و الباقر و الصادق و الرضا عليهم السلام و أيضاً أم سلمة و أبي ذر و أبي ليلى و أبي الأسود الدؤلي و عمرو بن ميمون الأودي و سعد بن أبي و قاص في بضع و ثلاثين طريقاً.وإليك نصّ إحدى تلك الأحاديث الواردة عن طريقنا