« عن عمر بن الخطاب عنه صلى الله عليه وآله فاطمة و علي و الحسن و الحسين في حظيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عز وجلّ »328ولا يخفى اللطفَ الكامن في توسيط البيت لبيوتكن في قوله تعالى وقرن في بيوتكن...أهل البيت ...ما يتلى في بيوتكنّ.فلا يمكن لأحدٍ أن يختلج في ذهنه أنّ البيت هو بيوتهن إلاّ المعاند المكابر وهو ليس من مخاطَبينا نحن .وسدّ الأبواب إلاّ بابهومن الطبيعي أن لا يسدّ رسول الله باب هذا البيت لأنّه ليس من بيوت الدنيا و لا يترتب عليه أحكام تلك البيوت .« تفسير الإمام روى عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث سد الأبواب أنه قال لا ينبغي لأحد يؤمن بالله و اليوم الآخر يبيت في هذا المسجد جنبا إلاّ محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليه السلام و المنتجبون من آلهم الطيبون من أولادهم »329الحصر بإنّما !!ولا يخفى أيضاً في هذا الحصر من الإشارة إلى الوقوف في قبال كلّ من يريد أن يتجاوز هذا الحدّ ومنهم نساء النبي فالآية تقول بأنّ الإذهاب من الرجس بمعنى الكلمة والتطهير الكامل الموصل إلى العبودية المطلقة لله تعالى غير متوفر في أحدٍ مهما بلغ من المرتبة غير أهل البيت وقسم من الأنبياء « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ » 330وأمّا سائر الناس فيقول عنهم تبارك وتعالى « وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » 331فكيف بهذا المقام السامي الذي وصلوا إليه .وفي زيارة الجامعة الكبيرة« موالي لا أحصي ثناءكم و لا أبلغ من المدح كنهكم و من الوصف قدركم و أنتم نور الأخيار و هداة الأبرار و حجج الجبار »الضمير المذكّر " كُمْ " !ينقل العلاّمّة المجلسي كلمةً عن الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه إليك نصّه« لا خلاف بين أهل العربية أن جمع المذكر بالميم و جمع المؤنث بالنون و أن الفصل بينهما بهاتين العلامتين و لا يجوز في لغة القوم وضع علامة المؤنث على المذكر و لا وضع علامة المذكر على المؤنث و لا استعملوا ذلك في الحقيقة و لا المجاز و لما وجدنا الله سبحانه قد بدا في هذه الآية بخطاب النساء و أورد علامة جمعهن من النون في خطابهن فقال يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض إلى قوله و أطعن الله و رسوله ثم عدل بالكلام عنهن بعد هذا الفصل إلى جمع المذكر فقال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا فلما جاء بالميم و أسقط النون علمنا أنه لم يتوجه هذا القول إلى المذكور الأول بما بيناه من أصل العربية و حقيقتها ثم رجع بعد ذلك إلى الأزواج فقال و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إنَّ الله كان لطيفاً خبيراً فدل بذلك على أفراد من ذكرناه من آل محمد عليهم السلام بما علقه عليهم من حكم الطهارة الموجبة للعصمة و جليل الفضيلة و ليس يمكنكم معشر المخالفين أن تدعوا أنه كان في الأزواج مذكوراً رجل غير النساء أو ذكر ليس برجل فيصح التعلق منكم بتغليب المذكر على المؤنث إذ كان في الجمع ذكر و إذا لم يمكن ادعاء ذلك و بطل أن يتوجه إلى الأزواج فلا غير لهن توجهت إليه إلاّ من ذكرناه ممن جاء فيه الأثر على ما بيناه »332أقول إنّ قضيّة نساء النبي تبدأ من قوله تعالى « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ » 333والأمور الراجعة إليهن سواء بصريح العبارة أو بضمير الغائب أو المخاطب تبلغ ثمانيةَ وعشرين مورداً ، ستّةٌ وعشرون منها قبل آية التطهير واثنان بعدها.الإرادة التكوينيّة لا التشريعيةمن المعلوم أنّ الله إذا أراد شيئاً فمجرد تعلّق الإرادة بذلك الشيء يساوي تحقّقه ووقوعه من دون أي فاصلٍ في البين ، وأراد الله ليذهب الرجس عن أهل البيت وقد تحقّق ذلك وهذا لا يتناسب مع التعبيرات الواردة بالنسبة إلى نساء النبي حيث اشتمالها على النصيحة .والتحريض وأحياناً التهديد كما في قوله تعالى« يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا » 334.وهذه الإرادة هي الإرادة التكوينيّة في قبال الإرادة التشريعيّة كقوله تعالى« يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ » 335 ولو كانت الإرادة هاهنا تعني التشريعيّةَ منها و كان المراد من الرجس هي الأمور التّي مرت قبل هذه الآية فلا معنى إذاً لحصرها بنساء النبي . فالحصر لا يتلاءم إلاّ مع العصمة بمستواها الرفيع المنحصرة بهم عليهم السلام فالله هو الذي طهّرهم تطهيراً حيث سقاهم ربّهم شراباً طهوراً.ماذا كان يتلى في بيوتهنّولم ينتهِ الحديث عن نساء النبي بعدُ بل هناك أمر آخر يجب التوجّه إليه وهو« وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا » 336فما هي الآيات التّي كانت تُتلى عليهن وما هي الحكمة ، القدر المتيقنّ هي آية التطهير التّي جاءت قبل هذه الآية وقد كان يتلوها رسول الله في بيوتهنّ حيث أنّ بيوتهنّ كانت متصلةً ببيت فاطمة ، ولعلّ الرسول كان قاصداً إسماعهنّ للآيات عندما كان يتلو آية التطهير كما مرّ الحديث الدال على ذلك وقد أشار الحديث إلى نقاطٍ يمكن الاعتماد عليها كدليل لإثبات المدّعى وهي« في رواية أبي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يأتي باب فاطمة و على تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس و يطهركم تطهيراً »337.فلم يكن رسول الله يدخل البيت بل كان يقف أمام الباب سواء الباب الذي كان ينتهي إلى بيت نسائه أو الباب الذي كان ينفتح على المسجد ومن الطبيعي أنّ الناس كانوا يسمعون كلامه عليه السلام ونساء النبي كنّ يسمعن ذلك بطريق أولى ، خصوصاً أنّ هذا الأمر كان مستمرّاً طوال تسعة أشهر في كلّ يوم وقت الصلوة . وقد كان صلى الله عليه وآله وسلَّم يريد أن يبيّن منزلتهم عليهم السلام كما دلّ عليه الحديث الصادر عن الإمام الباقر عليه السلام .اللطيف الخبيرثمّ لماذا تذيّلت الآية الأخيرة بهاتين الصفتين ؟!الظاهر أنّ التأكيد على اللطيف خاصّة لأجل أنّ بيان تلك الآيات مع ما فيها من النصائح والمواعظ وآية التطهير نابعٌ من مصدر اللطف الإلهي بنساء النبي فربّما يتفاعلن مع الجانبين الجانب الراجع إلى أنفسهنّ والجانب الراجع إلى أهل البيت عليهم السلام .وأمّا بيان الخبير فلربّما هو إشارة لما سيحدث من المشاكل والمنازعات بينهنّ وبين النبيّ وأيضاً بينهنّ وأهل البيت ، خاصّة ما سيحدث في المستقبل من الحرب بين إحدى النساء وبين أمير المؤمنين عليه السلام .المطهرّون هم مفسرو مكنون القرآنوختاماً ينبغي لنا أن نشير إلى مسألة أخرى كحسن الختام وهيفي سورة الواقعة « إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » 338وهاهنا قد حصر سبحانه المطهّرين بتفسير القرآن الكريم الذي هو في كتاب مكنون .ولو جمعنا هذه الآية مع آية التطهير لوصلنا إلى النتيجة التاليّة وهي إنّ مسّ الكتاب المكنون من شئون المطهرين ليس إلاّ .جعلنا الله من المتمسكين بهم والسائرين على نهجهم والمهتدين بهداهم إنّه وليّ المؤمنين والحمد لله ربّ العالمين .وقد أكملت هذا البحث في يوم الأربعاء 14 جمادي الثانية 1416(7)الوسيلة إلى اللهلا شكَّ أنَّ نظام الكون يحكمه قانون العليَّة ، أي أنَّ كلَّ معلول لا بدَّ وأن تكون له علَّة وسبب ، فأبى الله أن يُجري الأمور إلاّ بأسبابها ، وهذا الحكم يجري على جميع الحوادث الطبيعيَّة ، فهناك تأثير وتأثُّر في الحوادث ، والاعتقاد بمثل هذه القدرة العادية المتعارفة ليس من الشرك أصلاً ، بل ينسجم مع الروح التوحيديَّة ، و هو من صميم الإيمان بالله تعالى .ويبقى سؤال في هذا المجال وهوالإعتقاد بمافوق الطبيعةأفهل الإعتقاد بقدرة ما فوق الطبيعة و ما وراء القوانين العادية كالقدرة عند بعض الملائكة أو الناس ، كالنبي صلى الله عليه وآله و الإمام عليه السلام ، يعدُّ من الشرك بالله ؟ثمَّ ، هل الاعتقاد بقدرة الإنسان المتوفى ، و تأثيره على الأشياء يسوق إلى الشرك ، مهما كانت هذه العقيدة ؟ وذلك لأنَّ الميت جمادٌ يفتقد الشعور القدرة والإرادة ، و بالنتيجة فالاعتقاد بأن الميت يُدرك ويسمع ويرى وأيضاً السلام عليه ، واحترامه ، وتعظيمه ، ونداؤه ، والتوسل إليه ، وطلب الحاجة منه ،كل ذلك شركٌ بالله تعالى ! لأنَّه يستلزم الاعتقاد بقوة ما وراء الطبيعة لغير الله تعالى ؟وأيضاًهل الاعتقاد بتأثير تراب ما كتراب قبر سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في شفاء المريض ، أو تأثير مكان خاص كحرم الرسول صلى الله عليه وآله ، في استجابة الدعاء ،كلُّ ذلك من الشرك بالله تعالى ؟ وهل هناك دليلٌ شرعيٌّ من الكتاب والسنَّة يمنع من هذه الأمور ؟أقولإن القائل بأن تلك الأمور من الشرك ، متورِّط في أخس مظاهر الشرك !وذلك لأنَّ الذي يعتقد بأنَّ العلل الطبيعيَّة لها التأثير في معلولاتها وقع (ومن حيث لا يشعر) في ظلمات الشرك وتورَّط في الانحراف حيث اعتقد بأنَّ الأشياء الطبيعيَّة لها استقلالها الذاتي وهذا يعنى أنه شكَّل قطباً مستقلاً في قبال الله تعالى وقدرةً منعزلة عن قدرته تعالى !بإذن الله؟فالموجود المرتبط به تعالى بجميع هويته الذي ليس له حيثية وهويَّة مستقلةٌ ، فتأثيره غير الطبيعي كتأثيره الطبيعي لا يُستند إلى نفسه بل كل ما يصدر منه فهو مستند إلى الحق تعالى وليس له دور ومهمَّةٌ مستقلَّة إلاّ أنَّه يكون مجرىً لمرور فيوضات الحق إلى الأشياء الأخرى وشأنه شأن الملائكة في أداء مهمَّتهم ؟ فهل الاعتقاد بأنَّ جبرئيل واسطة فيض الوحي والعلم و ميكائيل واسطة الرزق واسرافيل واسطة الأحياء وعزرائيل واسطة قبض الأرواح هو شرك بالله تعالى؟الوهَّابيَّة والشرك بالله تعالىإنَّ عقيدة الوهابية هي المشتملة على أقبح أنواع الشرك وذلك حيث أنَّهم قد قسَّموا الأعمال بين الخالق وبين المخلوق ، فالأمور التي هي ما وراء الطبيعة خصَّصوها بالله تعالى والأمور الطبيعية جعلوها للمخلوقات!فكون المخلوقات لها نطاقٌ معيَّنٌ من الأفعال غير النطاق الإلهي هو نوع من الشرك في الفاعلية !!فما يتوهمه هؤلاء لا يعارض أصل الإمامة فحسب بل هو يعادى ويتعارض مع أصل التوحيد و الإنسان.أمّا تعارضه مع أصل التوحيد فلأنَّهم قد قسَّموا الأعمال بين الخالق وبين المخلوق حيث اعتقدوا أنَّ هناك من المخلوقات (وهي الموجودات الطبيعية) ما لها التأثير المباشر والمستقل في أعمالها وآثارها .وأما تعارضه مع الإنسان فحيث أنَّهم قد نزَّلوا من مستوى الاستعداد الذاتي للإنسان فأوصلوه إلى حضيض الحيوانيَّة.. علماً بأنَّ الإنسان هو خليفة الله في الأرض وقد نفخ الله سبحانه فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له فهو أفضل من جميع الملائكة.مضافا إلى أن التفكيك بين الميت والحي و توهُّم الفرق بينهما يعني أن كلَّ شخصية الإنسان هو بدنه الذي ينقلب إلى جماد وهي فكرة مادية بحتة تعارض المعتقدات الإلهية.ومن هنا نصل إلى عمق كلام رسول الله صلى الله عليه وآله كما في الحديث التالي« قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفوانه سوداء في ليله ظلماء »339.ما هو الميزان في التوحيد والشرك؟ثم ينبغي أن يعلم أن الميزان في التوحيد والشرك هوإنّا لله1-أنَّه لو اعتقدنا أن الموجودات في ذاتها وصفاتها وأفعالها هي من الله (إنا لله) فنحن قد عرفناها من منظار التوحيد الحقيقي سواء كان ذلك الشيء له أثرٌ أو آثارٌ أو لم يكن كذلك وسواء كانت الآثار طبيعيةً أو كانت ما فوق الطبيعة ، فالله هو ليس إله الملكوت والجبروت فحسب بل هو إله العالمين فهو قريب إلى الطبيعة بنفس المقدار (إن صحَّ التعبير) الذي هو قريب إلى ما وراءها وله معيَّةٌ قيوميَّةٌ على الطبيعة وعلى ما وراء الطبيعة قال تعالى« إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي »340فهذا هو التعلق المحض وحقيقة "إنا لله" حيث لا استقلالية لأعمال الأنبياء ما وراء إرادة الله تعالى فالاعتقاد بموجود ليس راجعاً إليه تعالى هو الشرك الحقيقي كما أن الاعتقاد بتأثير موجود من غير إرادته تعالى أيضاً فهو من الشرك سواء كان الأثر أثرا طبيعياً أم كان ما فوق الطبيعة فلا فرق بين خلق السموات والأرض وبين حركة ورق الشجر فكلُّها بإذن الله تعالى ومن هنا نشاهد التأكيد في كثير من الآيات على هذه الحقيقة ، قال تعالى« تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ »341 « يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ »342وقال تعالى« وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ »343وقال تعالى« فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ »344وقال تعالى« وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ »345وإنّا إليه راجعون2-وأيضا من حدود التوحيد والشرك هو "إنا إليه راجعون" فلو نظرنا إلى موجود ما أعم من النظر الظاهري أو النظر المعنوي وكان نظرنا لأجل أن يكون ذلك الشيء وسيلةً للوصول إلى الله تعالى لا انه هو المقصد والغاية فهذا هو عين التوجه إلى الله تعالى.فالأئمة المعصومون عليهم السلام هم السبيل إليه وقد ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة« أنتم السبيل الأعظم و الصراط الأقوم و شهداء دار الفناء و شفعاء دار البقاء و الرحمة الموصولة و الآية المخزونة و الأمانة المحفوظة و الباب المبتلى به الناس من أتاكم فقد نجى و من لم يأتكم فقد هلك إلى الله تدعون و عليه تدلُّون »346 وهم علامات للمسير إلى الله « و منارا في بلاده و أعلاما لعباده »347« السلام على الأدلاء على الله »348 وهم الهداة والدعاة إلى الله« السلام على الدعاة إلى الله »349 النتيجة إن التوسل بهم عليهم السلام وزيارتهم واستصراخهم والإستشفاع بهم والتوقُّع منهم الكرامات التي هي أمور ما وراء الطبيعة ليس من الشرك في شيء بل هي عين التوحيد.وذلكأوَّلاً إنَّه ينبغي أن نعلم بأنَّ الأنبياء والأولياء قد وصلوا إلى مستوى من القرب الإلهي بحيث أن الله تعالى قد خصَّهم بهذه الموهبة الربانية ؟ كما يدلُّ على ذلك القرآن الكريموبالنسبة إلى أهل البيت عليه السلام قال تعالى« عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا »350حيث أنَّ الآية تدلُّ على قدرتهم الإلهية المعنوية حيث أنَّهم وبإرادتهم قد فجَّروا العين وذلك لوصولهم إلى مستوى من العبودية لله والتحرر من جميع القيود حيث « وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا »351قال في مجمع البيان « يطهرهم عن كلِّ شيءٍ سوى الله ، إذ لا طاهر من تدنَّس بشيءٍ من الأكوان ، إلاّ الله رووه عن جعفر بن محمَّد عليه السلام »352ثانيا إنَّ الذين يتوسلون بهم ويطلبون منهم قضاء حوائجهم إنَّما ينطلقون من الرؤية التوحيدية أي من منطلق "إنا لله" فلاشك أنَّهم لا يتوسلون بهم إلاّ وهو موحدُّون فالتوسُّل بهم عليهم السلام هو من شئون التوحيد وطاعة الله تعالى ، فهم الحبل المتصل بين الأرض والسماء وهم العروة الوثقى التي لا انفصام لها وفي دعاء الندبة « أين باب الله الذي منه يؤتى اين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء أين السبب المتصل بين الأرض و السماء »353 وقال تعالى« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »354وفي تفسير علي بن إبراهيم القمِّي « تقربوا إليه بالإمام »355 فمن تأمَّل في حقيقة التوسُّل عرف أنَّه هو المنطبق مع النظام الكوني وفطرة الإنسان ، فالذي ينكره إنما هو في ضلال بعيد ومنحرف عن الصراط المستقيم ومن هنا نشاهد بني إسرائيل يقولون« يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا »356فيطلبون من موسى أن يدع لهم وكذلك أولاد يعقوب عليه السلام يطلبون من أبيهم أن يستغفر لهم« قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ »357وفي خصوص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم قال تعالى« وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا »358فالرسول له دورٌ رئيسي في قبول توبة العباد لوجاهته عند الله تعالى وقربه المعنويِّ وهذا لا يختص بحال حياته بل يشمل حال مماته أيضاً بل في هذه الحال يكون المجيء إليه آكد ، فلا فرق بين حضوره وغيبته وفي زيارته صلى الله عليه وآله« اللهم و إني اعتقد حرمه نبيك في غيبته كما اعتقد في حضرته و اعلم إن رسلك و خلفاءك أحياء عندك يرزقون يرون مكاني في وقتي هذا و زماني و يسمعون كلامي في وقتي هذا و يردون على سلامي و انك حجبت عن سمعي كلامهم و فتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم »359 فالمشكلة راجعة إلينا نحن المحجوبون لا إليهم عليهم السلام.وأمّا بالنسبة إلى الاعتقاد بتأثير تراب قبر سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في شفاء المريض ، أو تأثير مكان خاص كحرم الرسول صلى الله عليه وآله في استجابة الدعاء فالحديث عنه يتطلب بحثاً آخر إلاّ أننا نشير إلى ذلك بإيجاز فنقولإنَّه ليس للتراب كتراب هذا التأثير ولا القبر كقبر بل الأثر كل الأثر يرجع إلى صاحبهما وليسا هما إلاّ وسيلة للتقرُّب إلى من يرتبط بهما وهذا يعني التقرب إلى الله الشافي الذي الفاض هذا الاسم في أوليائه فصاروا وجهاً له ومرآةً ينعكس فيها ذلك الإسم.وما أحسن ما قيل هنيئاً لمن زارَ خير الورى وحطَّ عن النفس أوزارها فإن السعادة مضمونةٌ لمن حلَّ طيبة أو زارَها . وما أحسن ما قيل أمرُّ على الديار ديار ليلى اقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حبُّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سَكن الديارا .والحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمَّدٍ وآله .الكويت 9-3-1997 29 شوال 1417.إنتهيت من كتابة هذه الكلمة في يوم 2ربيع الأوَّل 1418(8)الهداة إلى اللهقال الإمام قدِّس سرُّه حول شخصية عليٍّ عليه السلام« هل عليٌ عليه السلام هو إنسان مُلكي ودنيويٌّ حتّى يتحدّث عنه المُلكيّون أم أنّه موجود ملكوتيّ كي يُقيِّمه الملكوتيون . فكلُّ من تحدّث عنه إنّما تحدّث عنه من منظاره الخاص وقيّمه من منطلق نفسانيّته المحدودة ، وأمير المؤمنين غير ذلك »عليٌّ عليه السلام عبدُ الله« فالأولى أن نجتاز هذا الوادي ونقول أنّ الإمام علي عليه السلام إنّما هو عبدٌ من عباد الله وهذه أبرز مميزاته عليه السلام ، وأيضاً أنّه قد تربّى على يد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلَّم وهذا من مفاخره العُظمى » وقال قدِّس سرُّه في التعريف على شخصيَّة الزهراء عليها السلام« لم تكن الزهراء امرأة عاديَّة، بل كانت امرأة روحانيَّة ، امرأة ملكوتيَّة ، إنساناً بكلِّ ما للإنسان من معنى ، إنَّها موجود ملكوتي ظهر في عالمنا على صورة إنسان ، بل موجود إلهي جبروتي ظهر بصورة امرأة »أقولحيث أنَّ هذه الكلمة جديرة بالدِّقة والتأمُّل من ناحية ، و من ناحية أخرى لها دور كبير في عقيدة الإنسان المؤمن في مجال فهم الإمام عليه السلام بل الإمامة بنحو عام بل المعصومين عليهم السلام فنرى من اللازم أن نفصِّل في الحديث حول الإنسان الملكوتي بل الجبروتي وصفاته المميَّزة عن الإنسان المُلكي الناسوتي .السموات والأرض وغيبهماإنَّ الله سبحانه وتعالى بعد أن أنبأ آدم بأسمائهم و هم المعصومون الأربعة عشر و قد أثبتنا هذا الأمر في محلِّه360 خاطب الملائكة « قال ألم اقل لكم إنِّي أعلم غيب السموات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون »والظاهر أنَّ غيب السموات والأرض المذكور هنا هو نفس العلم الذي جاء في قوله تعالى « إنِّي أعلمُ ما لا تعلمون »ومن هنا يُعلم أنَّ الأسماء هي أمور غيبية عن عالم السماوات والأرض .و الظاهر أن غيب السموات والأرض هي أرواح أئمتنا الأطهار عليهم السلام حيث أنَّها فوق السموات والأرض وفوق جميع الموجودات حيث أنَّ جميع الموجودات تُعدُّ من عالم الخلق وهي من عالم الأمر والمشيئة وتفصيله في كلمتنا حول المشيئة 361هبوط آدم وبنيه إنّ آدم و حواء عليهما السلام عندما خلقهما الله سبحانه جعلهما في الجنَّة يعيشان فيها حيث شاءا رغداً قال تعالى « فكلا منها حيث شئتما رغداً »و كان المفروض أن يعيش الإنسان في تلك الجنَّة لا يخرج منها أبداً ، و كانت تلك الجنة لها مميّزات غير متوفرة في هذه الدنيا على رغم أنها لم تكن من جنّات الآخرة ، ومن تلك المميزات ما ذكرها سبحانه« إن لك ألاّ تجوع فيها و لا تعرى »362و من الطبيعي أنه لم يكن الإنسان هناك مكلفاً بتكاليف من نوع تكاليفنا حيث لم يكن بحاجة إلى مثل هذه التكاليف ما دام هو يعيش في جوار ربّه إنسانا نورانياً لا يفتقر حتى إلى اللباس حيث لم تبدُ عورته ليسترها و شأن الإنسان النوراني يختلف عن شأن الإنسان الجسماني بادي البَشرة خَشِن الأعضاء والبُنْية ، فلا تزاحم في عالم النور و لا تضارب و لا تصادم بين الأنوار و مع عدم التضارب لا حاجة إلى القانون و النظام بنحو السالبة بانتفاء الموضوع .الشيطان و إغواء آدمالنجاح الأوَّل للشيطان في إغواء آدم وإن لم يكُن بمثابة سائر إغوائاته لبني آدم و لكن الوسوسة الأولى أعني تحريض آدم عليه السلام على الأكل من الشجرة كانت هي أساس لسائر وساوسه الشرِّيرة وتزيينا ته و تسويلاته ، بل لم يكن يخرج آدم من الجنَّة لولا إطاعته للشيطان في وسوسته الأولى ، فبعد خروجه من تلك الدار النورانيَّة انبسطت أيادي الشيطان في عالم المُلك والدنيا ، فتضاعفت التكاليف الإلهيَّة وتنوَّعت لأجل الخلاص من شرِّه و العروج إلى جوار الله سبحانه و تعالى .فإذاً التكاليف بما لها من السعة إنما نشأت بعد خروج آدم عليه السلام من الجنة و بعد هبوط بَنِيه منها « قلنا اهبطوا منها جميعاً »و هذا الوضع أعنى العيش في الدنيا هو وضع طارئ على بنى آدم لم يكن ضمن المخطَّط الإلهي الأوَّل و إن كان هو معلوماً للّه سبحانه ، ولا منافاة بينهما لأن العلم أمرٌ و الإرادة أمرٌ آخر و توضيح ذلك موكول إلى محله.المسلِّمون أمرهم إلى اللههناك تساؤلات كثيرة تدور في الأذهان وتتداول بين الألسن حول موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قبال أولئك الذين تقمَّصوا الخلافة بعد ارتحال رسول الله صلى الله عليه وآله .وهى تتلخص في1-عليٌّ عليه السلام ذلك الرجل الذي قتل أبطال العرب و ناوش ذؤبانهم ، هو الذي قدَّ مرحباً وعمرو بن عبد وُدّ وهو صاحب الضربات الوتر ، كيف يمكننا أن نتصور استسلامه للغاصبين ومن ثم إخراجه من البيت قهراً ، وتهديده بالقتل؟2-هل يمكننا أن نتصور أن الزهراء و هي بنت رسول الله و فِلذة كبده و بضعته أن تُضربَ و يُكسرَ ضِلعُها ويُسقط جنينها بمرأى و منظر من زوجها أمير المؤمنين عليٍ عليه السلام ؟ من غير أن تكون هناك أيّةُ ردَّة فعل منه عليه السلام في قبال هذه الجريمة الكبرى ؟ثم إن المسلمين عامَّةً هم الذين انتخبوا علياً خليفةً عليهم فلِم أكبُّوا بعد ذلك على مخالفته فخالفُوه و قاتلوه ثمَّ قتلوه في محرابه ظلماً؟4-وأخيراً ما هي حصيلةُ السنوات الخمس التِّي استلم فيها عليٌّ إمرةَ المسلمين من الزاويتين العملية و النظرية ؟5-وما هو سرُّ سكوت الإمام المجتبى عليه السلام وصلحه مع معاوية من ناحيةٍ وصراخِ الإمام الحسين عليه السلام وخروجه على حكومة يزيد من ناحية أخرى ؟ وكذا مواقف سائر أئمَّتنا عليهم السلام السلميَّةِ ظاهراً.وأيضاً عشرات من الأسئلة في هذا المجال التي تخطر بالبال ؟ومن الطبيعي أنَّ حلَّ هذه الشبهات له الدور الحيويّ المهمّ في مسيرة الإنسان المؤمن ومواقفه الرساليَّة ..فهل يمكننا الإجابة عليها وعلى غيرها من الأسئلة التي تدور حول نفس المحور؟أقولإنَّ الغرض من كتابةِ هذه الكلمة المتواضعة هو الوصول إلى حلٍّ مناسب بالنسبة إلى مثل هذه الشبهات ودفعها منطقيّاً كي نكون على بصيرة في ديننا ومذهبنا فنعانقه من دون أيّ تزلزل وتشكيك .فأقولقبل الورود في البحث ينبغي تقديم مقدماتالأولىالإسلام مدرسة متكاملة و مترابطةالإسلام أطروحة متكاملة تتركَّز على أسس و تشتمل على قوانين إلهية ثابتة لا يمكن أن يعتريها أيُّ خلل و ترديد ، والهدف من الإسلام هو نفس الهدف من خلق الإنسان أعني العبودية والرجوع إلى الله سبحانه وهو إيصال الإنسان إلى الكمال المطلوب أعني القرب من الكمال المطلق وهو الله سبحانه. فالإسلام ليس هو إلاّ تجلٍّ من تجليات الحق المطلق جلَّ وعلا فلا بدَّ أن يظهر على جميع أصعدته وزواياه وهذا من لوازمه غير المنفكة عنه.الثانيةأبعاد الإ نسان الثلا ثةوحيث أن للإنسان أبعاداً ثلاثة البعد العقلي و البعد النفسي (الجوانحي) والبعد العملي (الجوارحي) فالإسلام أيضاً قد ركَّز في توجيهاته على هذه الجهات الثلاث في الإنسان و لاحظها بعين الاعتبار فطرح لها أطروحات وبرمج لكل واحدة منها برنامجاً يتناسب معه وهيعقائد الإسلام التِّي تعالج الجانب العقلي للإنسان.الأخلاق وهي ما تتعلق بشئون النفس الإنسانيَّة.الأحكام العمليَّة وهي القوانين المختصة بجوارح الإنسان وما يصدر منه من خير و شر.ولا يخفى على من له أدنى معرفة و اطِّلاع على الإسلام أنَّ هناك ترابطاً قوياً وعلاقةً موثقة بين هذه الجوانب الثلاثة بحيث يستحيل التحلِّي بجانب مع غضِّ النظر عن الجانب الآخر.مثالإعطاء الزكاة كواجب عملي يتوقَّف على قصد التقرب إليه تعالى كعقيدة وفي أسلوب العطاء والأخذ لا بدّ من التوجُّه إلى الجانب الروحي للمعطي والمعطى إليه (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها).وعلى هذا الأساس نقول إنه لابد وأن يُطبَّق الإسلام بحذافيره وبأكمله من دون فصلٍ بين الأبعاد الثلاثةِ أصلاً ومن يُفكِّر في تطبيق جانبٍ واحدٍ من الإسلام مع غضِّ النظر عن الجوانب الأخرى فتفكيره شطط ليس له أساس قويمٌ بل يبتني على الوهم والخيال.وبعبارة أخرى(الإسلام وَحدَةٌ شاملة ومتكاملة ومتكاتفة ومنسجمة لن تتفرق ولن تتفكك أبداً ،وتفكُّكها يعني فناءها بالمرَّة وتغيُّر ماهيتها إلى ماهيَّة أخري بل لو اختلفت الكمِّية والكيفيَّة في قبول أو ردّ معالمه لتغيَّرت الماهية أيضاً فلا بد من مراعاة الكميَّة والكيفيَّة في تلك الأبعاد الثلاثة لئلاّ ينجرّ الأمر إلى تضخَّم جانبٍ و ضعف جانب آخر).وذلك كالأوكسجين والهيدروجين فمن الضروري أن يتحدا معاً ليُشكِّلا الماء كما أنّه لا بدَّ من رعاية النسبة بينهما كمّاً وكيفاً حصولاً على النتيجة فمع بروز أدنى اختلاف بين العنصرين سوف لا يبقى شيءٌ يُطلق عليه اسم الماء.ومن هذا المنطلق نشاهد التأكيد البالغ على الإيمان بالكلِّ لا بالبعض سواء الكتاب أو الرسل أو أيّ شيء يرتبط بالدينقال تعالى« أَ فَتؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »363وقال تعالى« إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ، أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا »364الثالثةالدولة الإسلاميَّة العالميَّةمضافاً إلى أنه لا بدَّ من وجود دولة مقتدرة بأجهزتها القويَّة ورجالها المؤمنين، تستهدف التنسيق بين هذه الجوانب الثلاثة من الإسلام كي تُركِّز هذه الشجرة الطيِّبة جذورها فيرتفع أساسها فتتوزَّع وتنتشر أغصانها فتثمر فيأكل من ثمرها. فإذا يستحيل أن نطبق الإسلام في حياتنا بمعنى الكلمة إلاّ مع تأسيس دولة عالميَّة تستوعب أو بالأحرى تتسلَّط على جميع أرجاء البسيطة من غير استثناءٍ لمنطقة دون أخرى فكلُّ الأرض تكون تحت سلطة الإسلام وهذا لا ينافي وجود كفّار فيها مادام الحكم للإسلام . فلا معنى لطرح دولة إسلامية في هذا المكان وذاك كدولة مستقلة تستهدف تطبيق بعض أو كلِّ جوانب الإسلام عملاً ولا تحمل إيدئولوجية الإسلام العالمي أو تجعل هذه الغاية في المراحل المتأخرة من أفكارها . بل لو نظرنا نظرة شاملة إلى الكون وعرفنا خالقه لوصلنا إلى حقيقة أخرى وهي أنَّ الإسلام لا ينظر إلى البشرية منحصرة بل يستوعب ويُخيِّم على كلَّ زوايا الكون وجميع العوالم من الإنس والجن حتى عالم الجمادات والنباتات والحيوانات وحتى في الكواكب الأخرى حيث أنّ كلّ تلك العوالم لها نوعٌ من العلاقة بالإنسان.« الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم و دولة إسلاميّة عالميَّة »ومن هذا المنطلق شرع رسولنا محمد صلى الله عليه و آله في تأسيس دولة إسلامية من البداية تستهدف تطبيق الإسلام بجميع جوانبه و أبعاده وإزالة جميع الظواهر الزائفة الموروثة من الجاهليَّة فكتب إلى ملكي الفرس و الروم آن ذاك كتباً لأجل أن يهتديا وقومهما إلى الدين الإسلامي ويتحررا من عبودية غير الله . وقد استطاع الرسول صلى الله عليه وآله -بسعيه المتواصل ودعمٍ من أخيه ووزيره عليٍّ عليه السلام وعدد قليل من الصحابة المخلصين - أن يكتسب النجاح في المدَّة القليلة على رغم كلّ ما عاناه من مصاعبَ ومشاكل وأذى (ما أوذي نبيٌّ بمثل ما أوذيت) سواء من الكفّار الملحدين أو من المنافقين الحاقدين. فقد انبثق نور الإسلام وانتشر صيتُه وتوسعت دولته إلى أقصى العالم حتى دخل الفرس والروم والحبشة وذلك لا على مستوى عامّة الناس فحسب بل شمل حتّى رجال الدولة وأصحاب المناصب المختلفة.« الإسلام كان غريباً غير مألوف »بعد ما كان الإسلام غريباً وذلك لأنَّ القيَم الإسلامية بطبيعتها لا تنسجم مع الوضع الذي كان يسود الجاهلية وذلك لاشتمال الإسلام على الجانب التعبدي الذي لا يلائم تلك الذهنيات التّي لم تترسخ فيها سوى الدنيا وسوى المادة وما يحوم حول المادة ، فقد انتشر الإسلام المحمَّدي في أنحاء البلاد وأخذت الأفكار الإسلامية تتمركز في الأذهان وتعثر على مكانتها في المجتمع وأخذ المسلمون يستأنسون بالإسلام شيئاً فشيئاً حتّى صار تنفيذ حكم الله في مجتمعهم أمراً مألوفاّ وصار المسلمون يتعاملون مع الإسلام تعاملاً طبيعياً بعد ما كان غريباً عندهم غير مأنوس به .« المفروض والواقع »المفروض أن يستلم الخلافة عليٌّ عليه السلام ويسير على نفس الأسلوب الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وينتقل الحكم من إمامٍ إلى إمام حتَّى يأتي دور المهدي المنتظر عجلَّ الله تعالى فرجه الشريف فيملأ الله به الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً. ولكن الواقع كان خلاف ذلك حيث تسلَّم زمام الأمر من لا يليق به ولا أهليَّة له.« البداية المظلمة »فبعد ارتحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم و استيلاء أول الخلفاء على الدولة الإسلامية الفتيَّة وفي أوائل خلافته كان الوضع نوعاً ما كسابقه ولكن بمجرد أن رُسخت قواعد تلك الخلافة اللاشرعيَّة بدأ الوضع يتغيّر شيئاً فشيئاً وبدأت المعادلات تنعكس وتتغير واستمرَّ الوضع الجديد إلى أن وصل إلى مرحلة خطيرة حيث أخذ حكُّام المسلمين الثلاثة ينسقون أفكارهم وأعمالهم مع الحضارات الدخيلة وعلى رأسها الروم والفرس فحاول الخلفاء تكييفَ أنفسهم مع المجتمعات المحاطة بهم وأخذوا في تنسيق برامجهم طبقاً لتلك الحضارات المزيّفة ، وذلك في جميع أبعادها حتى العقائديّة والأخلاقية !! (والناس على دين ملوكهم ) وهؤلاء الثلاثة نسَوا أو تغافَلوا عن أن للإسلام حضارةً و إيدئولوجية مميزة تنبثق من الوحي والغيب وترتبط بالله الواحد القهار. وتدريجياً انقلب الإسلام الغريب عند المِلل غير المسلمة ، المأنوس لدى المسلمين إلى إسلام مأنوسٍ لدى الكلّ ، حتى الكفار والمنافقون لا يستوحش منهم أحد إلاّ المسلمُ الحقيقيّ!! والحاصل أن الجــوّ الــعام الذي أوجده الخلفاء بين المسلمين كان مصبوغاً بصبغةٍ خاصَّــة تتلاءم والواقعَ المعاش آن ذاك وذلك بقيمة تضحية الإسلام ومسخه تماماً بل قلبه وجهاً على عقب وحينئذٍ تحققت مصداقيَّة قوله تعالى « وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ »365.فانحرف الإسلام وتغيَّرت السنن وقلبت القيم ومن ثَمَّ خَسِر المسلمون تلك الفرصة الذهبية التي أوجدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وضحّى من أجلها بأبرز أنصاره وكانت هي الخسارة العظمى التي جرَّت العالم الإسلامي إلى الخسارات المتوالية .والتأريخ الإسلاميّ خير دليل على ما ندعيه فمن أراد أن يتطلَّع على جزئيّات الأمر فليراجع التأريخ .السقيفة وآثارهافهاهنا وقعت الجريمة العظمى وهي جريمة الإنحراف والإغفال ومن ثَمّ إحراف المُغفَلين وإغوائهم من زاوية وغرس شجرة النفاق ورعرعتها من زاوية أخرى ..ويالها من جريمة غبراء قاسية !! تلك الفجيعة الفظيعة التي نشأت من السقيفة السخيفة كانت مبدأ كلِّ عثرة وزلّة حدثت بعدها ، فجميع الفروع الخبيثة ليست هي إلاّ من تلك الشجرة المشؤومة.البناء المعوجيقول أحد الشعراء الفرس(خِشت أول جون نهاد معمار كج تا ثريّا ميرود بنيان كج) أي أنَّ البنّاء حيث وضع الأساس للبناء وضعاً معوجّاً فسوف يعوج البناء مهما يُرتفع إلى الثريا) ومن الواضح أنَّ الذنب والعتاب كلُّه يُوجَّه إلى أوَّل من أسس أساس الظلم والجور ومن هذا المنطلق نشاهد التأكيد البالغ في الأحاديث(كالأحاديث التِّي تتحدَّث حول يوم الاثنين وأنَّه يوم نحس قبض الله عز و جل فيه نبيه وما أصيب آل محمد إلاّ في يوم الاثنين فيتشاءم أئمتنا عليهم السلام به و تتبرك به عدوُّهم) وأيضاً الزيارات خصوصاً زيارة عاشوراء، وأشعار كبار شعراء الإماميّة كدعبل الخزاعي وكبار العلماء كالعلامَّة الشيخ محمَّد حسين الإصفهاني قدس سرُّه بل حتّى بعض علماء العامَّة على هذه الحقيقة وتفصيل هذا الأمر سوف نذكره في موضع آخر.أمير المؤمنين عليه السلام والخلافةوهذا الوضع أو بالأحرى الجريمة استمرت ربع قرن -وليس بقليل -إلى أن استلم الحكم ، وبعد اللتيا والتي ، أميرُ المؤمنين علي عليه السلام . استلمها بعد ماذا؟؟ بعد أن تغيرت جميع القيم والأسس التي بناها الإسلام .فماذا يصنع عليُّ إذاً ؟؟غير أن يصرخ في وجه المسلمين الذين أرادوا أن يبايعوه