حجر بن عدي الكندي\ص22-ص40
صحبته:
تحدثنا عن تعريف الصحابي، والتابعي والمخضرم، في دراستنا لابي الاسود الدؤلي، ويظهر مما ذكرناه هناك أن حجراً صحابي وذلك لان الصحابي هو من لاقى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مسلم، ومات على اسلامه ومثل هذا التعريف ينطبق على حجر. وهناك آراء اخرى في تعريف الصحابي.
وقد عرفنا، ان حجراً وفد على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع اخيه هانئ بن عدي، وكان من الصحابة. وروى بعض أحاديثه، إضافة الى تصريح المترجمين والمؤرخين انه من الصحابة. قال في الاستيعاب: (وكان حجر من فضلاء الصحابة، وصغر سنه عن كبارهم)[26]، وقال في اسد الغابة: (وكان ـ حجر ـ من فضلاء الصحابة)[27]، ويقول ابن سعد: (قال: وذكر بعض رواة العلم انه وفد على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع اخيه هانئ بن عدي، وكان حجر جاهليا إسلامياً)[28]، وقال عنه ابن عساكر: (حجر بن عدي الادبر بن معاوية بن عدي يتصل نسبه بكهلان بن سبأ. وفد على النبي وكان مع الجيش الذي فتح الشام)[29] وفي الاصابة: (انه وفد على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هو وأخوه هانئ بن عدي)[30]، ولعل وفادته هو واخيه على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كانت من اجل الاسلام على يديه.
اضافة الى احاديث رويت عنه انه رواها عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه.
ولكن هناك من القدماء والمعاصرين من اعتبر حجراً من التابعين، وانكر اعتباره من الصحابة. ففي الاصابة: (وأما البخاري وابن ابي حاتم عن ابيه وخليفة بن الخياط وابن حبان فذكروه في التابعين، وكذا ذكره ابن سعد في الطبقة الاولى من أهل الكوفة، فاما ان يكون ظنه آخر، واما ان يكون ذهل، وروى ابن قانع في ترجمته من طريق شعيب بن حرب عن شعبة عن ابي بكر بن حفص عن حجر بن عدي رجل من اصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ان قوماً يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها)[31]. اذن فصاحب الاصابة نفسه يناقش من ذهب الى أن حجراً كان تابعياً.
وفي دائرة المعارف الاسلامية: حجر بن عدي الكندي اول شهداء الشيعة، وتميل هذه الطائفة الى تلقيبه (بصاحب النبي) ولكن اقدم الثقات ينكرون ذلك[32]. ولكن ما ذكرناه يرد هذا القول.
واعترض السبيتي على هؤلاء المنكرين لكونه صحابياً: (وأول ما نلاحظ ان هؤلاء لم يقدموا دليلاً على انه لم يكن صحابيا وارسلوا القول ارسالاً، والذي لا شك فيه انه صحابي، وعليه إجماع الشيعة وهو سلفهم)[33].
ولكن الملاحظ ان علماء الشيعة، وكتب رجالهم لم تصرح بانه صحابي، بل جميعها ذكر أنه من اصحاب امير المؤمنين(عليه السلام)، ولكن كلمات علمائنا لم تنكر كونه صحابياً. وانما ذكرت أنه كان من اصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهذا لا ينفي كونه صحابياً. نعم ذكر في الدرجات الرفيعة نقلاً عن غيره (انه حامل راية النبي(صلى الله عليه وآله وسلم))[34]. ولكن لم اجده في غيره. والسيد الامين اثبت صحابته بمختلف الادلة[35]. كما ان بعض كتب علمائنا قد نقلت اقوال اهل السنة التي تصرح بانه كان من الصحابة دون ان تناقشه، ولعله يؤيد امضاء هذا الرأي، كما يلاحظ ذلك في تنقيح المقال، وبهجة الامال وغيرهما.
على كل حال. فلعل الرأي الاصح ان حجراً لم يكن من التابعين، وانما كان من الصحابة، لما ذكرناه من أدلة وشواهد على ذلك.
ولعل السبب في عده من التابعين ـ في رأي البعض ـ انه عاصر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)فترة قصيرة، وكان صغير السن آنذاك، وكانت علاقته أكثر بالامام(عليه السلام) وسائر الصحابة من أنصاره، ولم يذكر التاريخ مشاركته في الغزوات والوقائع والحوادث في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ ماذكره الشهيد ولم يذكره غيره. كما لم يذكر الشهيد اين حمل الراية، ولعل العلماء وسعوا مفهوم (التابعي) تجوزاً بما يشمل بعض الصحابة أيضاً ممن كانوا صغار السن في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، او لم يلاقوا الرسول إلاّ فترة قصيرة جداً.
ومما يثير التساؤل اكثر حول صحابيته، هو اختفاؤه في زمان أبيبكر، وحوادث السقيفة، مع انه كان من الموالين للامام(عليه السلام)، ولم يذكر اي دور او موقف عنه في مثل هذه الحوادث، ويدل كلامه وأحاديثه ان ولاءه للامام(عليه السلام)كان منذ بدايات اسلامه.
لقد كان صغير السن، ولم يسلم الا في اواخر حياة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يبق في المدينة مع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اسلامه ولقائه به بل رجع الى بلده. ويمكن ان يدل على ذلك قولهم: (وفد على..) مما يشعر بانه لم يستقر في اقامته كثيراً.
وذهب قاموس الرجال الى كونه صحابيا، فناقش من لم يعده من الصحابة بقوله: ثم عدم عدّه من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) غفلة، وقد اتفقت العامة كابن قتيبة وابن عبد البر وابي موسى والجزري على كونه منهم، وأما عدّ الفضل بن شاذان له من التابعين فالظاهر انه اشترط في الصحابة الكبر والرواية، وهو كان من صغارهم ولم ينقل عنه رواية، والشيخ لم يشترط ذلك، بدليل انه عد في اصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) محمد بن أبي بكر الذي ولد في حجة الوداع[36].
ولكن ذكرنا بعض الاحاديث التي نقلها حجر عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولعل الخلاف حول صحابة حجر ناشئ من الخلاف حول تعريف (الصحابي). وقد ذكرت عدة تعريفات للصحابي، ذكرها الشيخ المامقاني في مقباس الهداية، وابي الصلاح في مقدمته، وغيرهما من كتب الدراية والحديث.
ففي الدرجات الرفيعة في تعريف الصحابة وهو على اظهر القول من لقي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمناً به ومات على الاسلام ولو تخللت رده. والمراد من اللقاء ماهو اعم من المجالسة والمماشاة ووصول احدهما إلى الاخر وان لم يكالمه...
وقال أيضاً: قيل: ان الصحابي هو من طالت مجالسته له(صلى الله عليه وآله وسلم)على طريق السمع والاخذ عنه، فلا يدخل من وفد عليه وانصرف بدون مكث. وهو قول اصحاب الاصول. وحكي عن سعيد بن المسيب انه قال: لا يعد صحابياً الا من اقام معه(صلى الله عليه وآله وسلم) سنة او سنتين وغزا معه غزوة او غزوتين[37].
وذكرت تعريفات اخرى للصحابي، تلاحظ في الكتابين المذكورين.
ولعل من اعتبر حجراً تابعياً، نظر لتعريف الصحابي بانه من طالت مجالسته مع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وروى عنه كثيراً، ولا يكفي الوفود عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كان حجر من صغار الصحابة، ومن اعتبره صحابياً نظر الى تعريفه بانه من لقي الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو مسلم ومات على اسلامه، وبذلك نجمع بين اقوال العلماء حول صحابية حجر، ونرفع التعارض والتنافي بينها.
ولابد ان نشير الى ظاهرة اعترف بها المؤرخون، وهو تفوق حجر بالرغم من صغر سنه على بعض الصحابة الكبار، فكيف فضل عليهم، مع انه لا زال في دور التغيير والتحول من مرحلة الجاهلية إلى مرحلة الاسلام، وكيف لم يتأثر برواسب الجاهلية ومخالفاتها، وكيف تحول الى ذلك المؤمن المفضل وهو في دور الانقلاب؟
هذه اسئلة تجيب عنها المميزات التي كانت تتمتع بها شخصية حجر، التي انكشفت أكثر في مستقبله، من الوعي والثبات على العقيدة، وبفضل مؤهلاته الوراثية والتربوية، وهذه المؤهلات قد زودته بقوة في الايمان والعقيدة.
وأما عدم تزعزع إيمانه الجديد بترسبات الجاهلية، فيعلله السبيتي: بأن اسلامه كان متأخراً لان حجراً تقدم الى الاسلام ولم تكن قد اختمرت في نفسه المبادئ الجاهلية. تقدم وهو فارغ من النوازع الوثنية الجاهلية وعوامل الوراثة[38].
اذن. فانما فضل على بعض الصحابة الكبار الذين عاشوا الجاهلية مدة اطول، لانه كان صغير السن حينما عاصر الجاهلية ودخل الاسلام، لذلك لم تؤثر فيه ظروف الجاهلية ورواسبها كثيراً، بالاضافة الى ما ذكرناه من مؤهلاته الوراثية والتربوية وخصاله النفسية، من الفتوة، والثبات والوعي، ظهرت آثارها في مستقبل أيامه، ونضيف لذلك انه اتجه في عقيدته منذ بدايات اسلامه لموالاة الامام علي واهل البيت(عليهم السلام)، حيث رأى ان ولاءهم وخطهم يمثل طريق السعادة والفلاح في الدنيا والاخرة، وآمن به عن عمق ووعي، متجرداً عن كل المطامع الدنيوية، وقد اثبتت التجارب ان من آمن بالائمة وبخطهم عن عمق ووعي، لا لاغراض شخصية أو اطماع دنيوية او عوامل تقليدية، لم يتزعزع ايمانه تجاه كل التحديات والعقبات.
ومما يدل على هذه الخصال الحميدة فيه، تقواه والتزامه الشديد بالاحكام والتعاليم الشرعية، فانه كان مواضباً على ممارسة الواجبات والمستحبات والامر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى في اشد الظروف، وهذه الحالة الشرعية، اضافة لخصاله التي ذكرناها، قد اوجدت فيه ملكة الزهد بهذه الدنيا، والشجاعة، وعدم التخوف من مخاطر الجهاد في سبيل عقيدته. فان هذا الالتزام وتلك المواظبة كما انهما ناشئان من ايمان الانسان وتقواه وارادته المؤمنة، فإنهما بدورهما يزيدان من قوة تقواه وارادته المؤمنة، لما ذكره علماء الاخلاق من أن حقيقة الانسان تتمثل بروحه، وروحه تتمثل بملكاته النفسية، وملكاته يصنعها التعود على ممارسة الافعال الملائمة في طبيعتها لتلك الملكات. وحجر كان قد تعود على الاخلاق الفاضلة، وممارسة الوظائف الشرعية، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهر بالحق بشجاعة مهما كانت الظروف. وبذلك تطبعت روحه بما يتلاءم وهذه الممارسات، وكل ذلك ناتج من عمق معرفته وايمانه بالله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)وشريعته، وولائه لاهل البيت(عليهم السلام)، وعدم انشداده لادران الدنيا واغلالها واهوائها المنحرفة، ولما بذله من مجاهدة في سبيل هذا الالتزام والوصول لهذه الملكات (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، فلم يصل لما وصل اليه بدون مجاهدة ومعاناة.
اذن فالمؤمن الملتزم في جميع لحظات حياته بتعاليم الشريعة الاسلامية، يزرع فيه هذا الالتزام قوة الارادة والعزيمة، فإنه يشعر بانه قد انجز بحسب امكانه ما عليه من تكاليف، وسيلاقي الله بنفس مطمئنة، وهو عنه راض، وانما يخاف لقاء الله اولئك الغارقون بالجرائم والذنوب، لذلك يواصل مثل هذا المؤمن جهاده بكل بسالة وشجاعة، بالرغم من كل وسائل الاغراء والترهيب، كما هو الملاحظ في حياة حجر.
ويتجلى التزام حجر في الكثير من الشواهد التي نقلها التاريخ. وسنذكرها خلال هذه الدراسة، اضافة الى ما ذكره المؤرخون عنه بانه راهب اصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بكل ماتحمله كلمة الراهب من مداليل، وانه كان من عباد الله وزهادهم، وكان باراً بامه، وكان كثير الصلاة والصيام، وما احدث إلاّ توضأ وما توضأ إلاّ صلى، وانه من المخبتين اي الخاشعين كما عن الامام الحسين(عليه السلام)، ولم يفارقه هذا الالتزام حتى في حالة استشهاده.
ولاجل التزامه هذا افاض الله تعالى عليه مدده الغيبي، وارتقى الى درجة عالية، كما قال عنه المؤرخون: وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء. وينقل صاحب الاصابة شاهداً لكراماته ان حجراً اصابته جنابة ـ في مرج عذراء ـ فقال للموكل به: اعطني شرابي اتطهر به ولا تعطني غداً شيئاً. فقال له: اخاف ان تموت عطشاً فيقتلني معاوية، فدعا الله فانسكبت له سحابة ماء فاخذ منها الذي احتاج اليه، فقال له اصحابه: ادع الله يخلصنا، فقال: اللهم خرلنا، فقتل وطائفة منهم.
اذن.. فلم يفكر في نفسه، وانما كان يفكر في دينه وهو في اشد لحظات حياته، وبهذا الالتزام والتسليم لله، بلغ هذه الدرجة العالية من الايمان، وتفوق على الكثير من الصحابة بالرغم من صغر سنه.
وثاقته رجالياً:
لم يتأمل أحد في مدح حجر واعتباره، وقد شهد بذلك الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)والامام علي والحسنان(عليهم السلام)، وسيأتي نقل اقوالهم خلال هذه الرسالة، من خلال الانباء بقتله، او استنكار قتله، حيث مدحوه بأفضل المدح.
وكذلك مدحه واكد على ايمانه وفضله الكثير من الصحابة والتابعين والعلماء.
كما ان سيرة حياته وثباته على عقيدته حتى الاستشهاد، ومواقفه في هذا السبيل واسناد الائمة(عليهم السلام) المناصب والمهام اليه، وغيرها من الشواهد دالة على مدحه واعتباره.
ولم يختص مدحه بعلماء الشيعة وكتابهم، بل ان اهل السنة في كتبهم اتفقوا على مدحه واعتباره.
وقد نقلنا، وسننقل خلال هذه الدراسة، الكثير من هذه الشواهد والاقوال التي تدل على ذلك، ولا حاجة معها الى الاستدلال عليه، ولكن ننقل هنا بعض الاقوال في مدح حجر ووثاقته، حتى نستدل بذلك على بطلان وانحراف الذين شهدوا ضده، او الذين ارتكبوا جريمة مطاردته وقتله، ولم يكن ذنبه إلاّ انه آمن بالله العزيز الحميد، فكان هو وجماعته كاصحاب الاخدود، كما عبر عنهم بذلك الامام امير المؤمنين(عليه السلام) وشبههم بهم.
وننقل هنا اقوال علماء الشيعة واهل السنة في حقه، وقد وصفه الامام الحسين(عليه السلام) بانه من العابدين المخبتين اي الخاشعين.
قال عنه الشيخ الطوسي في رجاله: من اصحاب علي(عليه السلام)حجر بن عدي كان من الابدال[39].
وقال عنه ابن داود الحلي: حجر بن عدي من عظماء اصحابه ـاي الامام علي(عليه السلام) [40].
وقال عنه العلامة الحلي في رجاله: انه من اصحاب امير المؤمنين(عليه السلام)وكان من الابدال[41].
وفي الدرجات الرفيعة: وهو يعد من الرؤساء والزهاد، ومحبته واخلاصه لامير المؤمنين(عليه السلام) أشهر من أن يذكر[42].
وفي الوجيزة: وابن عدي الكندي من الشهداء السعداء[43].
وفي اسد الغابة: وكان من فضلاء الصحابة، وكان مجاب الدعوة، اخرجه ابو عمر وابو موسى[44]، والمراد من مصطلح (الفاضل) هو الخيّر والمتدين.
وفي طبقات ابن سعد: وكان ثقة معروفاً، ولم يرو عن غير علي شيئ[45].
وقال عنه الحاكم في المستدرك: وهو راهب أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)[46].
وغيرها من الاقوال من الشيعة واهل السنة في اعتباره ومدحه.
وقال الشيخ المامقاني بعد أن نقل أقوال العلماء: أقول: مقتضى ما سمعت كله أن الرجل فوق الوثاقة، وفي غاية الجلالة، ولذا عدّه العلاّمة وابن داود في القسم الاول، وعدم تعرّض النجاشي والشيخ في الفهرست لحاله، إنما هو لعدم بروز أصل أو كتاب منه، وقصرهما على ذكر المصنفين من أصحابنا فلا وجه لما في الحاوي من عدّه من الحسان، ولا لما في الوجيزة من الاقتصار على أنه من الشهداء السعداء، ولا لما في البلغة من أنه من الشهداء الابدال، بل كان من اللازم أن يقولوا: من أجلاّء العدول و الاخيار المختوم أمرهم بالشهادة على يد أمير الاشرار، وكفاك في فضله أن العامة مع اعترافهم بكونه من أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام) اعترفوا بفضله[47] ثم ينقل أقوال أهل السنة في حقه.
وقال عنه الشيخ الاميني في الغدير: حجر بن عدي من عدول الصحابة، أو أحد الصحابة العدول، راهب أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) كما قاله الحاكم. من أفاضل الصحابة وكبارهم مع صغر سنّه، مستجاب الدعوة، كما في الاستيعاب. وكان ثقة معروفاً كما قال ابن سعد. وقال المرزباني: إنه وفد إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان من عباد الله وزهادهم، وكان باراً بأمّه، وكان كثير الصلاة والصيام. وقال أبو معشر: كان عابداً وما أحدث إلا توضّأ وماتوضّأ إلاّ صلى. وكان له صحبة ووفادة وجهاد وعبادة كما في الشذرات، وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء مع التسليم إلى الله[48].
وقد لخّص الشيخ الاميني أقوال العلماء ومترجميه في حقه.
وذكره السيد الامين في الاعيان، وذكر فضائله وأحواله بما يدل على الوثاقة، أو بما يزيد على الوثاقة[49].
وقال عنه الشيخ التستري في قاموس الرجال: وبالجملة جلاله لا يحتاج الى برهان[50].
وقد ذهب بعض العلماء الى ان وثاقة الرجل لا تنحصر في ذكره بلفظ (ثقة) او (عدل) بل هناك الفاظ وقرائن أخرى تشير إلى مدحه بافضل المدح والتقدير، تدل على هذا المعنى[51]. وربما فاقت الوثاقة المصطلحة احياناً، وقد استفاد بعض العلماء هذا المعنى من هذه الاقوال والشواهد، كالسيد الامين في اعيان الشيعة، والاميني في الغدير، وغيرهم، كما يجدها القارئ، ومن هذه القرائن والامارات، تعيينه من قبل المعصوم(عليه السلام) لاداء الشهادة او تحملها، لانه تشترط العدالة في الشاهد، او محبة المعصوم له، وتعيينه والياً على بلدة او قيماً على اموال الوقف والصغار او وكيلاً من قبله في الامور الدينية وغيرها، من الامارات التي ذهب البعض الى دلالتها على وثاقة الشخص، سواء تقبلها العلماء او ناقشوا في مدى دلالتها على ذلك[52].
على كل حال فان هذه الاقوال والاخبار والسيرة وغيرها، شواهد وقرائن موجبة للقطع أو الاطمئنان بوثاقته اصطلاحاً، فلا مجال للتأمّل في ذلك، بأن يعتبر حديثه حسناً في اصطلاح علم الدراية.
وقد ذكرنا أن الشيخ الطوسي قال عن حجر: إنه كان من الابدال، وقد فسّر السيد الامين واحد الابدال، كما فسّره غيره بقوله: (رجل بدل بالكسر ويحرّك شريف كريم والجمع أبدال). ويظهر منه موافقته لهذا التفسير، ولعل هذا المعنى يناسب ما ذكره البعض في تفسير الابدال (قال أبو الحسن الخوارزمي: انما سُمّوا أبدالاً لانهم ابدلوا من كل خلق دني بخلق سني)[53]، ولكني أظن أن هذا هو المعنى اللغوي، وأما المعنى الاصطلاحي للفظة الابدال، فلعله أعمق من هذا المعنى، وهو ماذكره الشيخ الطريحي في مجمع البحرين: (وفي الحديث: إن جامعت ليلة الجمعة بعد العشاء الاخرة فإنه يرجى أن يكون الولد من الابدال، الابدال: قوم من الصالحين لا تخلوا الدنيا منهم إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر)[54].
وهذا المعنى أكثر ملاءمة لسيرة حجر وحياته وأعماله ومواقفه، ولاقوال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة(عليهم السلام)، والعلماء والمؤرخين في حقه.
وفي النهاية لابن الاثير في مادة (بدل): في حديث علي(رضي الله عنه): (الابدال بالشام) هم الاولياء والعُبّاد، الواحد بدل كحمل وأحمال، وبدَلَ كجمل، سمّوا بذلك لانهم كلما مات واحد منهم اُبدل بآخر[55].
وفي سفينة البحار في مادة (بدل) ذكر عدة معاني للفظة الابدال، ومنها: (ويحتمل أن يكون المراد به خواص أصحاب الائمة(عليهم السلام)[56].
وفي لسان العرب: قال ابن السكّيت: سمّي المبرّزون في الصلاح أبدالاً لانهم اُبدلوا من السلف الصالح، والابدال: الاولياء والعبّاد، سمّوا بذلك لانهم كلما مات منهم واحد اُبدل آخر[57].
وهذا المعنى هو المناسب لحجر، ولما وصف به من أوصاف وفضائل من أنه راهب أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه مستجاب الدعوة وغيرها من الصفات، وكذلك هو المناسب لذكره في كتب الرجال.
أحاديث و روايات من طريق حجر
لم تنقل عن طريق حجر أحاديث وروايات كثيرة، وأكثر ما رواه عن الامام أمير المؤمنين(عليه السلام) بسبب علاقته الشديدة به، وولائه له. وفي الطبقات: كان ثقة معروفا لم يرو عن غير علي شيئ[58]، كما ذكر له بعض الاحاديث عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). وننقل هنا بعض الاحاديث والروايات التي نقلت من طريقه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أو الامام(عليه السلام) أو غيرهما:
ذكر الحاكم في المستدرك: عن مخشي بن حجر بن عدي عن أبيه أن نبي الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خطبهم فقال: أي يوم هذا؟ فقالوا: يوم حرام. قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام، قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، كحرمة شهركم هذا، كحرمة بلدكم هذا، ليبلّغ الشاهد الغائب، لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض[59].
وذكر في الاصابة: روى ابن قانع في ترجمته، (أي ترجمة حجر بن عدي) من طريق شعيب بن حرب عن شعبة عن ابي بكر بن حفص عن حجر بن عدي رجل من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن قوماً يشربون الخمر يسمونها بغير اسمه[60].
وفي الطبقات بسنده عن غلام لحجر بن عدي الكندي قال: قلت لحجر: اني رايت ابنك دخل الخلاء ولم يتوضأ، قال: ناولني الصحيفة من الكوة. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما سمعت علي بن ابي طالب يذكر: أن الطهور نصف الايمان[61].
يظهر منه أن له صحيفة أو كتاباً سجل فيها الاحاديث التي سمعها من الامام(عليه السلام)، فان مصطلح (الصحيفة) يطلق على الكتاب الذي سجل فيه الاحاديث[62].
وروى ابن عساكر في تاريخه عن حجر انه قال: سمعت علي بن ابي طالب يقول: الوضوء نصف الايمان وروى ابن عساكر ايضاً باسناده إلى حجر بن عدي قال: سمعت شراحيل بن مرة يقول: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي: ابشر يا علي، حياتك وموتك معي[63].
وفي شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: وروى شريك قال: اخبرنا عبدالله بن سعد عن حجر بن عدي قال: قدمت المدينة فجلست الى ابي هريرة، فقال: ممن انت؟ قلت: من اهل البصرة، قال: ما فعل سمرة بن جندب؟، قلت: هو حي، قال: ما احد احب اليّ طول حياة منه، قلت: ولِمَ ذاك؟ قال: ان رسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قال لي وله ولحذيفة بن اليمان: آخركم موتاً في النار)، فسبقنا حذيفة، وانا الان أتمنى ان اسبقه، قال: فبقى سمرة بن جندب، حتى شهد مقتل الحسين[64].
واما الاحاديث والروايات التي وردت في حق حجر وقتله، فقد ذكرنا بعضها خلال هذه الرسالة، كما ان بعض هذه الروايات عن طريق حجر نفسه، كما سيأتي.
[26] الاستيعاب ج 1 / ص 313.
[27] اسد الغابة ج 1 / ص 385.
[28] الطبقات ج 6 / ص 217، المستدرك ج3 / ص 468.
[29] تاريخ ابن عساكر ج 4 / ص 85.
[30] الاصابة ج 1 / ص 314.
[31] الاصابة ج 1 / ص 314.
[32] دائرة المعارف الاسلامية ج 7 / ص 320.
[33] حجر بن عدي / ص 67.
[34] الدرجات الرفيعة / ص 423.
[35] اعيان الشيعة ج 4 / ص 572.
[36] قاموس الرجال ج3 / ص124.
[37] الدرجات الرفيعة / ص10، ومقباس الهداية للمامقاني / ص114، ومقدمة ابن الصلاح / ص172.
[38] حجر بن عدي / ص 75.
[39] رجال الشيخ الطوسي / ص38.
[40] كتاب الرجال / ص 70.
[41] رجال العلامة الحلي / ص 59.
[42] الدرجات الرفيعة / ص 423.
[43] الوجيزة / ص29.
[44] اسد الغابة ج 1 / ص 385.
[45] الطبقات ج 6 / ص 220.
[46] المستدرك ج 3 / ص 468.
[47] تنقيح المقال ج 1 / ص 257.
[48] الغدير ج 11 / ص 53.
[49] اعيان الشيعة ج 4 / 571.
[50] قاموس الرجال ج 3 / ص 131.
[51] لاحظ مقدمة تنقيح المقال / ص 197.
[52] يلاحظ في مدى دلالة هذه الامارات على الوثاقة أو الحسن لمعناهما المصطلح كتاب تنقيح المقال 1 / 197، وقاموس الرجال 1 / 70، ومعجم رجال الحديث 1 / 87، وبحوث في علم الرجال ص15.
[53] آداب النفس 1 / 160.
[54] مجمع البحرين ج 5 / ص 319.
[55] النهاية في غريب الحديث والاثر ج 1 / ص 107.
[56] سفينة البحار ج 1 / ص 64.
[57] لسان العرب ج11 / ص49.
[58] الطبقات ج 6 / ص220.
[59] المستدرك ج 3 / ص 470.
[60] الاصابة ج 1 / ص 313.
[61] الطبقات ج 6 / ص 220.
[62] علوم الحديث ومصطلحه / ص 12 ، لسان العرب ج 9 / ص 186.
[63] تاريخ ابن عساكر ج 4 / ص 85.
[64] شرح نهج البلاغة ج 4 / ص 78.