خاتمیـة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خاتمیـة - نسخه متنی

جعفر السبحانی التبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فإذا كانت الهداية تكمن في التمسك بهما فالاُمة الإسلامية في غنى عن المهمة التبليغية إذ مهمتها موجَدة بالتمسك بهما فالعترة الطاهرة مشاعل الحق، ومنارات التوحيد، أغنت الأمة، علومُهم وتوجيهاتُهم عن بعث نبي يبلّغ رسالات الله، وهذا إجمال الكلام في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والتفصيل موكول إلى محلّه.


الوجه الثاني: انّ علماء الأُمة المأمورين بالتبليغ بعد التفقه أغنوا الأُمة عن أيّ نبوّة تبليغية، قال سبحانه (فَلو لا نفَر مِنْ كُلِّ فِرقة مِنهُمْ طائفةٌ لِيتفقَّهوا في الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَومَهُمْ إذا رَجَعوا إلَيهم لَعلَّهم يَحذَرون)(التوبة/122) وقال سبحانه (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمةٌ يَدعونَ إلى الخيرِ ويأمُرونَ بالمَعرُوفِ وَينهَونَ عَنِ المُنكَرِ) (آل عمران/104).


* * *


السؤال الثالث: لماذا حرم الخلف من المكاشفة الغيبية والاتصال بعالم الغيب واستطلاع ما هناك من المعارف والحقائق؟


الجواب: انّ الفتوحات الغيبية من المكاشفات والمشاهدات الروحية لم توصد بابها وإنّما أوصد باب خاص وهو باب النبوة الذي يحمل الوحي التشريعي أو التبليغي.


قال سبحانه: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنفسهِم حتّى يتبيَّنَ لَهُمْ أنّهُ الحقُّ أوَلَمْ يَكفِ بِربِّكَ أنَّهُ على كُلِّ شيء شَهيد) (فصلت/53).


فالفتوحات الباطنية من المكاشفات والإلقاءات في الروع غير مسدودة بنصّ الكتاب العزيز قال سبحانه (يا أيُّها الذينَ آمَنوا إن تَتَّقوا يجعلْ لَكُمْ فُرقانا)(الأنفال/29) أي يجعل في قلوبكم نوراً تفرِّقون به بين الحقِّ والباطل وتميِّزون به بين الصحيح والزائف لا بالبرهنة والاستلال بل بالشهود والمكاشفة، قال سبحانه (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا اتَّقوا اللهَ وآمِنوا برسولهِ يُؤْتِكُمْ كِفلَينِ مِنْ رَحمتهِ ويَجعلْ لَكُمْ نُوراً تَمشونَ بهِ ويَغفرْ لَكُمْ واللهُ غَفورٌ رَحيم)(الحديد/28).


وهناك آيات وروايات تدل بوضوح على انفتاح هذا الباب في وجه الإنسان، نكتفي بما ذكرناه.


* * *


السؤال الرابع: ادّعاء النقص في التشريع الإسلامي.


كلّما تكاملت جوانب الحضارة وتشابكت، وتعددت ألوانها، واجه المجتمع أوضاعاً وأحداثاً جديدة وطرحت عليه مشاكل طارئة لا عهد للأزمنة السابقة بها، إذن فحاجة المجتمع إلى قوانين وتشريعات جديدة لا تزال تتزايد كل يوم تبعاً لذلك، وما جاء به الرسول لا يجاوز قوانين محدودة، فكيف تفي النصوص المحدودة بالحوادث الطارئة غير المتناهية؟


الجواب: انّ خلود التشريع وبقاءه في جميع الأجيال ومسايرته للحضارات الإنسانية، واستغناءه عن كل تشريع سواه، يتوقف على وجود أمرين فيه:


الأول: أن يكون التشريع ذا مادة حيوية خلاّقة للتفاصيل بحيث يقدر معها علماء الاُمة والأخصّائيون منهم، على استنباط كلّ حكم يحتاج إليه المجتمع البشري في كلّ عصر من الأعصار.


الثاني: أن ينظر إلى الكون والمجتمع بسعة وانطلاق، مع مرونة خاصة تماشي جميع الأزمنة والأجيال، وتساير الحضارات الإنسانية المتعاقبة، وقد أحرز التشريع الإسلامي كِلا الأمرين، أمّا الأول فقد أحرزه بتنفيذ أُمور:


الف ـ الاعتراف بحجية العقل في مجالات خاصة:


إنّ من سمات التشريع الإسلامي التي يمتاز بها عن سائر التشريعات هي إدخال العقل في دائرة التشريع والاعتراف بحجيته في الموارد التي يصلح له التدخّل والقضاء فيها، فالعقل أحد الحجج الشرعيّة وفي مصاف المصادر الأُخرى للتشريع، وقد فتح هذا الاعتراف للتشريع الإسلامي سعةً وانطلاقاً وشمولاً لما يتجدّد من الأحداث ولما يطرأ من الأوضاع الاجتماعية الجديدة.


إنّ الملازمة بين حُكمي العقل والشرع (إنّه كلّما حكمَ بِه العقلُ حكمَ بِه الشرع) ترفع كثيراً من المشاكل التي لم يرد فيها نص، فللعقل دور كبير في استنباط كثير من الأحداث التي يصلح للعقل القضاء فيها ويقدر على إدراك حكم الشرع من حكم نفس العقل، وذلك في الموارد التالية:


1 ـ القول بالملازمة بين وجوب المقدمة وذيها.


2 ـ القول بالملازمة بين حرمة الشيء ومقدمته.


3 ـ الحكم بالبراءة عند عدم النص.


4 ـ الحكم بالامتثال القطعي عند العلم الإجمالي.


5 ـ الحكم بالملازمة بين الحرمة وفساد العبادة.


6 ـ الحكم بالملازمة بين تعلّق النهي بنفس المعاملة وفسادها.


7 ـ الحكم بالاجزاء عند الامتثال وفق الأمر الاضطراري.


8 ـ الحكم بالاجزاء عند الامتثال وفق الأمر الظاهري.


9 ـ استكشاف الأمر الشرعي بالأهم عند التزاحم.


10 ـ استكشاف بطلان الصلاة عند اجتماع الأمر والنهي بتقديمه على الآمر.


إلى غير ذلك من الأحكام التي تعدّ من ثمرات القول بالتحسين والتقبيح العقليين، فمن عزل العقل عن الحكم في ذلك المجال، فقد قصرت فكرته عن تقديم أيّ حلّ لهذه الأحكام وما ذكرناه نماذج لما للعقل من دور، وإلاّ فالأحكام المستنبطة من العقل في مجالات مختلفة أكثر من ذلك.


ب ـ إنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد عند العدلية:


إنّ من أمعن في الكتاب والسنّة يقف على أنّ التشريع الإسلامي تابع لملاكات، فلا واجب إلاّ لمصلحة في فعله ولا حرام إلاّ لمفسدة في اقترافه ويشهد بذلك كتاب الله في موارد:


يقول سبحانه: (إنّما يُريدُ الشَّيطانُ أن يُوقِعَ بَينكُمُ العَداوةَ والبَغضاءَ في الخمرِ والمَيسِرِ ويَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكرِ اللهِ وعنِ الصَّلاةِ فَهلْ أنتم مُنتَهون)(المائدة/91) فالآية تعلّل حرمة الخبيثين باستتباعهما العداوة والبغضاء وصدهما عن ذكر الله، يقول سبحانه: (... وأقِمِ الصَّلاةَ إنّ الصَّلاة تَنهى عَنِ الفَحشاءِ والمُنكَرِ...)(العنكبوت/45).


إلى غير ذلك من الآيات التي تصرّح بملاكات الأحكام.


وقد تضافرت النصوص عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على أنّ الأحكام الشرعية تخضع لملاكات، قال الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا (عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً إلاّ لما فيه المنفعة والصلاح، ولم يحرّم إلاّ ما فيه الضرر والتلف والفساد»(31).


وقال (عليه السلام) في الدم: «إنّه يسيء الخلق ويورث القسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة ولايؤمن أن يقتل ولده ووالده»(32).


وهذا باقر العلوم وإمامها (عليه السلام) يقول: «إنّ مدمن الخمر كعابد وثن، ويورثه الارتعاش، ويهدم مروّته ويحمله إلى التجسّر على المحارم من سفك الدماء وركوب الزنا»(33).


وغيرها من النصوص المتضافرة عن أئمة الدين(34).


فإذا كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في الموضوع، فالغاية المتوخّاة من تشريعها إنّما هي الوصول إليها، أو التحرّز عنها، وبما أنّ المصالح والمفاسد ليست على وزان واحد، بل رُبّ واجب يسوغ في طريق إحرازه اقتراف بعض المحارم، لاشتماله على مصلحة كبيرة لا يجوز تركها أصلاً، ورُبّ حرام ذي مفسدة كبيرة، لا يجوز اقترافه، وإن استلزم ترك الواجب أو الواجبات.


ولأجل ذلك فقد عقد الفقهاء باباً خاصاً لتزاحم الأحكام وتصادمها في بعض الموارد، فيقدّمون الأهم على المهم والأكثر مصلحة على الأقل منها، والأعظم مفسدة على الأحقر منها، وهكذا... ويتوصلون في تمييز الأهم عن المهم، بالطرق والامارات التي تورث الاطمئنان، وباب التزاحم في علم الأُصول غير التعارض فيه، ولكلٍّ أحكام.


وقد أعان فتح هذا الباب على حلّ كثير من المشاكل الاجتماعية التي ربما يتوهم الجاهل أنّها تعرقل خطى المسلمين في معترك الحياة، وأنّها من المعضلات التي لاتنحل أبداً، ولنأت على ذلك بمثال وهو:


إنّه قد أصبح تشريح بدن الإنسان في المختبرات من الضروريات الحيوية التي يتوقف عليه نظام الطب الحديث، فلا يتسنّى تعلّم الطب إلاّ بالتشريح والاطّلاع على خفايا الأمراض والأدوية.


غير أنّ هذه المصلحة، تصادمها مسألة احترام الإنسان حيَّه وميِّته، إلى حدّ أوجب الشارع الإسراع في تغسيله وتكفينه وتجهيزه للدفن، ولا يجوز نبش قبره إذا دفن، ولا يجوز التمثيل به وتقطيع أعضائه، بل هو من المحرّمات الكبيرة التي لم يجوزها الشارع حتى بالنسبة إلى الكلب العقور، غير أنّ عناية الشارع بالصحة العامة وتقدم العلوم جعلته يسوّغ اقتراف هذا العمل لتلك الغاية، مقدماً بدن الكافر على المسلم والمسلم غير المعروف على المعروف منه، وهكذا...


ج ـ التشريع الإسلامي ذو مادة حيوية:


إنّ التشريع الإسلامي في مختلف الأبواب مشتمل على أُصول وقواعد عامة تفي باستنباط آلاف من الفروع التي يحتاج إليها المجتمع البشري على امتداد القرون والأجيال.


أخرج الكليني عن عمر بن قيس عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: سمعته يقول إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأُمة إلاّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله، وجعل لكلّ شيء حدّاً وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّا.


روى الكليني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: ما من شيء إلاّ وفيه كتاب أو سنّة(35).


وقال الإمام الطاهر موسى الكاظم (عليه السلام) عندما سأله عن وجود كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه قال مجيباً: بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه(36).


نعم تتجلّى حيوية مادة التشريع إذا أخذنا بسنّة رسول الله المرويّة عن طريق أئمة أهل البيت، فقد حفظوا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)عندما كانت كتابة الحديث أمراً معرضاً عنه ولذلك صارت أدلّة الفقه الإسلامي متوسّعة كافلة لاستنباط الأحكام وبذلك أغنوا الأُمة الإسلامية عن مقاييس ظنّية كالقياس والاستقراء وما لا دليل عليه من الكتاب والسنّة على وجه القطع واليقين.


إنّ الاكتفاء بما ورد عن النبي عن طريق الصحابة وعدم الرجوع إلى ما رواه أئمة أهل البيت عن جدّهم متسلسلاً كابر عن كابر لخسارة عظمى، فعلى المشغوف بتجديد حياة الإسلام وإغنائه عن أيّ تشريع غربيّ وشرقيّ وتجسيد الخاتمية في مجال التشريع أن يجتاز الحدود التي ضربها الأمويون ومَن لفّ لفّهم بين الناس وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)فعند ذلك ستنفتح آفاق من حديث الرسول مما يحتار اللبّ به، ويثير الحسرة لما فات الأُمة من التنوّر بنورهم في القرون الماضية.


د ـ تشريع الاجتهاد وعدم غلق بابه:


ومما أضفى على التشريع الإسلامي خلوداً وغضاضة وشمولية وإغناءً عن موائد الأجانب، فتح باب الاجتهاد فيما تحتاج إليه الأُمة في حياتها الفردية والاجتاعية، ومن أقفله في الأدوار السابقة قطع الأُمة الإسلامية عن مواكبة التطور والحضارة ومِن ثَمَّ جعل التشريع الإسلامي ناقصاً غير كامل لما تحتاج إليه الأُمة، وأمّا لزوم فتحه فهو أنّ الأُمة الإسلامية في زمن تتوالى فيه الاختراعات والصناعات، وتتجدّد الأحداث التي لم يكن لها مثيل في عصر النبي ولا بعده، فهم أمام أحد أُمور:


1 ـ إمّا بذل الوسع في استنباط أحكام الموضوعات الحديثة من الأُصول والقواعد الإسلامية.


2 ـ أو اتباع المبادئ الغربية من غير نظر إلى مقاصد الشريعة.


3 ـ والوقوف من غير إعطاء حكم.


ومن المعلوم بطلان الثاني والثالث فيتعيّن الأول.


نعم لم يزل هذا الباب مفتوحاً عند الشيعة بعد رحيل صاحب الرسالة إلى يومنا هذا، وبذلك أنقذوا الشريعة من الانطماس وأغنوا الأُمة الإسلامية عن التطلّع إلى موائد الغربيين.


وبما أنّ الاجتهاد الحر والخروج عن قيد المذاهب صار واضح اللزوم نقتصر على هذا المقدار.


هـ ـ حقوق الحاكم الإسلامي أو ولاية الفقيه:


من الأسباب الباعثة على بقاء الدين وكونه مادة حيوية صالحة لحلّ المشاكل والمعضلات الطارئة، كون الحاكم الإسلامي بعد النبيّ والأئمة ممثّلاً لقيادتهم الحكيمة في أُمور الدين والدنيا، التي من شأنها أن توجّه المجتمع البشري إلى أرقى المستويات الحضارية، فقد فتحت لمثل هذا الحاكم الصلاحيات المؤدّية إلى حقّ التصرّف في كلّ ما يراه ذا مصلحة للأُمة في إطار القوانين العامة، لأنّه يتمتع بمثل ما يتمتع به النبيّ والإمام من النفوذ المطلق، إلاّ ما كان من خصائص النبيّ والأئمة.


فبما أنّ المحققين أسهبوا الكلام في معنى ولاية الفقيه اقتصرنا على هذا المقدار.


مرونة التشريع الإسلامي:


لقد سبق الحديث عن أنّ استغناء التشريع الإسلامي عن كل تشريع سواه رهن أمرين:


الأول: إنّه ذو مادة حيوية خلاّقة للتفاصيل بحيث يقدر على الإجابة ببيان حكم جميع الأحداث التالية والطارئة.


الثاني: النظر إلى الكون والمجتمع بسعة وانطلاق مع مرونة خاصة تماشي جميع الأزمنة والأجيال وقد مرّ الكلام في الأمر الأول وإليك الكلام حول الأمر الثاني.


إنّ الذي فتح للتشريع الإسلامي خلوداً وغناءً عن سائر التشريعات هو مرونة أحكامه التي تماشي جميع الأزمنة والحضارات، وقد تمثلّت هذه المرونة باُمور:


الأول: كونه جامعاً بين الدعوة إلى المادة والروح:


إذا غالت المسيحية في التوجّه إلى الناحية الروحية، فدعت إلى الرهبانية والتعزّب، أو غالت اليهودية في الدعوة إلى ملاذّ الحياة والانكباب على المادة حتى نسيت كلّ قيمة روحية، فالإسلام دعا إلى المادية والمعنوية على وجه يطابق الفطرة الإنسانية وجعل الفطرة مقياساً للحلال والحرام وشرع للإنسان ما يسعده في الدنيا والآخرة على ما هو مذكور بالتفصيل في محله.


الثاني: النظر إلى المعاني لا إلى الظواهر:


الإسلام ينظر إلى المعاني والحقائق لا الظاهر والقشور فيأمر بالأخذ باللبّ لا بالقشر وهذا هو السرّ في خاتمية الدين الإسلامي وتمشّيه مع تطوّر الحياة، ولا يتوهّم من ذلك جواز التدخّل في التشريع بحجة الأخذ باللبّ دون القشر، فإنّ الكبريات الواردة في الكتاب والسنّة كلّها لبّ وأمّا القشر فإنّما يرجع إلى التخطيط والتجسيد.


وسيوافيك عند الإجابة على السؤال الخامس من أنّ الإسلام دعا الإنسان إلى الملبس والمسكن وإشاعة العلم والتربية، وهذا هو اللبّ وأمّا الأشكال والأنماط لهذا التشريع فمتروك إلى مقتضيات العصور.


إنّ الذي يهتمّ به التشريع كون البيت مُقاماً على أرض غير مغصوبة ومن مال حلال بحيث يتمكّن المسلم من إقامة فرائضه عليها وحفظ كيانه، وقد أناط شكل البيت وهندسته إلى مقتضيات الظروف والمصالح وكذا الملابس ووسائل التعليم ابتداءً من الحفر على الصخر والجدران والكتابة على الجلود والقراطيس، إلى ابتكار وسائل إلكترونية متطوّرة لإنجاز الغرض، فمن أراد الحفاظ على الصور، فقد عرقل الأُمة الإسلامية عن التقدم وأثار مشاكل في تطبيق الشريعة في الأزمنة الحاضرة.


الثالث: الأحكام التي لها دور التحديد:


من الأسباب الموجبة لمرونة هذا الدين وانطباقه على جميع الحضارات الإنسانية تشريعه القوانين الخاصة التي لها دور التحديد والرقابة بالنسبة إلى عامة تشريعاته وقد اصطلح عليها الفقهاء بالأدلة الحاكمة، لأجل حكومتها وتقدّمها على كل حكم ثبت لموضوع بما هو هو فهذه القوانين الحاكمة، تعطي لهذا الدين مرونة يماشي لبّها كل حضارة إنسانية، مثلا: قوله سبحانه: (وما جعلَ عَليكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَج...) (الحج/78) حاكم على كلّ تشريع استلزم العمل به حرجاً، لا يتحمل عادة للمكلف فهو مرفوع، في الظروف الحرجة، ومثله قوله(صلى الله عليه وآله)«لا ضرر ولا ضرار» فكل حكم استتبع العمل به ضرراً شديداً، فهو مرفوع في تلك الشرائط، وقس عليهما غيرهما من القوانين الحاكمة.


نعم تشخيص الحاكم عن المحكوم، ومايرجع إلىالعمل بالحاكم من الشرائط، يحتاج إلى الدقّة والإمعان والتفقّه والاجتهاد، ومن رأينا أنّ الموضوع يحتاج إلى التبسّط أكثر من هذا، فإلى مجال آخر أيّها القارئ الكريم.


* * *


السؤال الخامس: القوانين الثابتة والحياة المتطورة.


إنّ مقتضى كون الإسلام ديناً خاتماً، ثبات قوانينه وتشريعاته، ومن المعلوم أنّ المجتمع الإنساني لم يزل في تطوّر وتغيّر، فعند ذلك يُطْرح السؤال التالي:


كيف يمكن للقانون الثابت معالجة متطلّبات المجتمع المتغيّر، لأنّ من لوازم التغيّر والتطوّر، تغييرُ ما تسُود عليه من قوانين وتشريعات؟


هذا هو السؤال الذي يُطرح بين آونة واُخرى، والإجابة عنه تتوقف على بيان ما هو الثابت من حياة الإنسان عن متغيّرها، وأنّ للثابت من جانب حياته تشريعاً ثابتاً، وللجانب المتغيّر منها تشريعاً متغيّراً فالتشريع الثابت لما هو الثابت والمتغير لما هو المتغيّر، وإليك البيان:


الجانب الثابت من حياة الإنسان:


1 ـ إنّ للحياة الإنسانية جانبين: متغيّر وثابت، فالثابت منها عبارة عن الغرائز الثابتة والروحيات الخالدة التي لا تتغيّر ولا تتبدّل مادام الإنسان إنساناً ولا يتسرّب التغيّر إليها.


/ 9