خاتمة المطاف - خاتمیـة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خاتمیـة - نسخه متنی

جعفر السبحانی التبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فالإنسان الاجتماعي بماهو موجود ذو غرائز يحتاج لحفظ حياته وبقاء نفسه إلى العيش الاجتماعي والحياة العائلية، وهذان الأمران من أُسُس حياة الإنسان لا تفتأ تقوم عليهما حياته منذ وجوده إلى يومنا هذا.


فإذا كان التشريع الموضوع منسجماً ومتطلبات الغرائز ومعدِّلاً إياها عن الإفراط والتفريط ومرتكزاً على العدل والاعتدال فذلك التشريع يكون خالداً في ظلّ خلود الغرائز.


2 ـ إنّ التفاوت بين الرجل والمرأة أمر لا ينكر فهما موجودان مختلفان اختلافاً عضوياً وروحياً رغم كل الدعايات السخيفة المنكرة لذلك الاختلاف فلكل من الرجل والمرأة متطلّب وفق تركيبه، فلو كان التشريع متجاوباً مع التركيب والفطرة، يكون خالداً حسب خلود الفكرة والتركيب.


3 ـ الروابط العائلية كعلاقة الأب بولده وبالعكس، علاقات طبيعية مبنية على الفطرة، فالأحكام الموضوعية وفق هذه الروابط من التوارث ولزوم التكريم ثابته لا تتغير بتغير الزمان.


إنّ السؤال مبنيّ على أنّ الإنسان بفطرته وتركيبه يقع في مهبِّ التغيّر، والتطوّر، فلا يبقى منه شيء عبْر القرون، فكأنّ الإنسان الحالي غير الإنسان الغابر، مع أنّها فكرة باطلة، فلو كان هناك تغيّر فإنّما يعود هذا إلى غير الجانب الثابت من حياته.


4 ـ إنّ في حياة الإنسان قضايا أخلاقية ثابتة عبر الزمان لايتسرَّب إليها التغيير ككون الظلم قبيحاً والعدل حسناً، وجزاء الإحسان بالإحسان حسناً وبالسيّئ قبيحاً، والعمل بالميثاق حسناً ونقضه قبيحاً، إلى غيرها من القضايا الأخلاقية الثابتة في حياة الإنسان. سواء أقلنا بأنّها أحكام فطرية نابعة من الخلقة أو قلنا انّ هناك عوامل عبر التاريخ رسخت هذه المفاهيم في ذهن الإنسان، فإنّ الاختلاف في جذور تلك المُثُل لا يضر بما نحن بصدده لأنّها على كل تقدير ثابتة في حياة الإنسان، والتشريع الموضوع وفقها يتمتع بالثبات.


إنّ هناك موضوعات في الحياة الإنسانية لم تزل ذات مصالح ومفاسد أبدية، فما دام الإنسان إنساناً فالخمر يزيل عقله والميسر ينبت العداوة في المجتمع، والإباحة الجنسية تفسد النسل والحرث مدى الدهور والأجيال، فبما أنّ هذه القضايا قضايا ثابتة في حياته، فالتشريع على وفقها يكون ثابتاً وفق ثباتها.


فهذه نماذج من الجانب الثابت من حياة الإنسان تناولناها لإيقاف القارئ على أنّ التغيّر في حياة الإنسان ليس أمراً كلّياً ولا يتسرَّبُ إلى أعماق حياته، وإنّما التغيّر يرجع إلى صور من حياته فالتغير ـ كما سيوافيك بيانه ـ إنّما يكون مثلاً: في المواصلات، وفي التكتيك الحربي، وفي طراز البناء وأشكاله وفي معالجة الأمراض وغيرها، فأين مثل هذا التغير من حرمة الظلم، ووجوب العدل، ولزوم أداء الأمانات، ودفع الغرامات، ولزوم الوفاء بالعهد والأيمان، وتكريم ذوي الحقوق إلى غير ذلك من القوانين الثابتة الموضوعة على غرار الفطرة مبنياً على الجانب الثابت من حياته فهو يحتل مكان التشريع الدائم.


الجانب المتغيّر في الحياة الإنسانية:


إنّ للإنسان جانباً آخر في حياته لا يزال يتغير من حال إلى حال فمثل هذا يتطلّب تشريعات متغيّرة حسب تغيّره وتبدّله، ومن حسن الحظ أنّه ليس في الإسلام الخاتم تشريعاً ثابتاً لهذا الجانب من الحياة مظاهر حياته وقشورها لا جوهرها ولذلك لم يتدخّل فيه الإسلام تدخُّلا مباشراً، بل ترك أمرها للمجتمع الإسلامي في ظلّ إطار خاص. وسُوَّغ للمجتمع البشري إدارة شؤون حياته في مجال العمران والبناء وتطور وسائل الحياة المختلفة في مجال الثقافة والدفاع والاقتصاد في ظلّ إطار عام الذي يتجاوب مع التغيّر والتطوّر.


فترك للإنسان مجالاً متحرّكاً يختار به أيّ نوع من الألبسة والبناء والمعدات والوسائل المختلفة ضمن شروط معلومة في الفقه الإسلامي، ولأجل هذه المرونة في الإنسان نرى أنّه يتجاوب مع جميع الحضارات الإنسانية وما هذا إلاّ لأنّه لم يتدخل في الجزئيات المتغيّرة إلاّ بوضع إطار خاص لا يمنع حرّيته ولا يزاحم التغيّر، وهناك كلمة قيّمة للشيخ الرئيس ابن سينا نذكرها، قال:


يجب أن يفوّض كثير من الأحوال خصوصاً في المعاملات إلى الاجتهاد فإنّ للأوقات أحكاماً لا يمكن أن تنضبط، وأمّا ضبط المدينة بعد ذلك بمعرفة ترتيب الحفظة ومعرفة الدخل والخرج وإعداد أهب الأسلحة والحقوق والثغور وغير ذلك فينبغي أن يكون ذلك إلى السائس من حيث هو خليفة ولا تفرض فيها أحكام جزئية، فإنّ في فرضها فساداً لأنّها تتغيّر مع تغيّر الأوقات، وفرض الكليات فيها مع تمام الاحتراز غير ممكن فيجب أن يجعل ذلك إلى أهل المشورة(37).


نعم إنّ عنوان مقتضى الزمان صار رمزاً لكلّ من أراد أن يتحرّر من القيم الأخلاقية، ويعيش متحلّلاً من كلّ قيد وحد، خالعاً كل عذار.


وهؤلاء حيثما رأوا الإباحة الجنسيّة، واختلاط الرجال والنساء، واتّخاذ الملاهي على أنواعها وشرب المسكر، واللعب بالميسر، واقتراف المعاصي وأخذ الربا وغير ذلك ممّا حرّمته الشريعة الإسلامية، لم يجدوا مبرِّراً لاقترافها إلاّ بالتمسّك بمقتضيات الزمان وجبر التاريخ.


وهذا أبرز دليل على انّ التمسّك به، غطاء للتحرر من القيود الشرعية والأخلاقية وإلاّ فلو كان المقصود من تطبيق الحياة على مقتضيات الزمان، هو ترفيع الثقافة الإنسانية والاستفادة من أحدث الأجهزة في عامة المجالات فهذا ممّا لا يرفضه الإسلام وليس له فيه قانون يعرقل خطى الترقّي، وحدوده بإطار عام، وهو عبارة ان لا يزاحم سعادة الإنسان وأن لا يكون فيه ضرر على روحه وجسمه، والقيم التي بها يمتاز عن الحيوان.


وها نحن نأتي في المقام بنماذج من الأحكام المتغيرة بتغيّر الظروف وراء ماذكرناه في مجال الصناعة والمسكن والملبس بشرط أن لا يزاحم المثل والقيم.


1 ـ في مجال العلاقات الدولية الدبلوماسية:


يجب على الدولة الإسلامية أن تراعي مصالح الإسلام والمسلمين، فهذا أصل ثابت وقاعدة عامة، وأمّا كيفية تلك الرعاية، فتختلف باختلاف الظروف الزمانية والمكانية، فتارة تقتضي المصلحة السلام، والمهادنة والصلح مع العدو، وأُخرى تقتضي ضدّ ذلك.


وهكذا تختلف المقررات والأحكام الخاصة في هذا المجال، باختلاف الظروف ولكنّها لا تخرج عن نطاق القانون العام الذي هو رعاية مصالح المسلمين، كقوله سبحانه:


(ولَنْ يَجعلَ اللهُ للكافرينَ عَلى المُؤمِنينَ سَبيلاً) (النساء/141).


وقوله سبحانه: (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ في الدِّينِ وَلَمْ يُخرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقسِطُوا إلَيهِمْ إنَّ اللهَ يُحبُّ المُقسِطينَ * إنَّما يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ قاتَلُوكُمْ في الدِّينِ وَ أخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وظاهَروا على إخراجِكُمْ أنْ تَوَلَّوهُمْ وَمنْ يَتولَّهُمْ فَأُولئك هُمُ الظّالِمونَ)(الممتحنة/8-9).


2 ـ في العلاقات الدولية التجارية:


قد تقتضي المصلحة عقدَ اتفاقيات اقتصاديّة وإنشاء شركات تجارية، أو مؤسسات صناعية، مشتركة بين المسلمين وغيرهم، وقد تقتضي المصلحة غير ذلك. ومن هذا الباب حكم الإمام المغفور له، المجدِّد، السيد الشيرازي بتحريم التدخين ليمنع من تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية التي عقدت في زمانه بين إيران وإنكلترا، إذ كانت مُجحِفة بحقوق الأُمة المسلمة الإيرانية لأنّها خوّلت لإنكلترا حقّ احتكار التنباك الإيراني.


3 ـ في مجال الدفاع عن حريم الإسلام:


الدفاع عن بيضة الإسلام وحفظ استقلاله وصيانة حدوده من الأعداء، قانون ثابت لا يتغير، فالمقصد الأسنى لمشرِّع الإسلام، إنّما هو صيانة سيادته عن خطر أعدائه وأضرارهم، ولأجل ذلك أوجب عليهم تحصيل قوة ضاربة ضدّ الأعداء، وإعداد جيش عارم جرّار تجاه الأعداء كما يقول سبحانه: (وأعِدُّوا لَهُمْ مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة) (الأنفال/60) فهذا هو الأصل الثابت في الإسلام الذي يؤيده العقل والفطرة أمّا كيفية الدفاع وتكتيكه ونوع السلاح، أو لزوم الخدمة العسكرية وعدمه، فكلها موكولة إلى مقتضيات الزمان، تتغير بتغيره، ولكن في إطار القوانين العامة فليس هناك في الإسلام أصل ثابت، حتى مسألة لزوم التجنيد العمومي، الذي أصبح من الأُمور الأصلية في غالب البلاد.


وما نرى في الكتب الفقهية من تبويب باب، أو وضع كتاب خاص، لأحكام السبق والرماية، وغيرها من أنواع الفروسية التي كانت متعارفة في الأزمنة الغابرة ونقل أحاديث في ذلك الباب عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأئمة الإسلام، فليست أحكامها أصلية ثابتة في الإسلام، دعا إليها الشارع بصورة أساسية ثابتة، بل كانت هي نوع تطبيق لذلك الحكم، والغرض منه تحصيل القوة الكافية، تجاهَ العدو في تلكم العصور وأمّا الأحكام التي ينبغي أنْ تطبق في العصر الحاضر فإنّه تفرضها مقتضيات العصر نفسه.


فعلى الحاكم الإسلامي تقوية جيشه وقواته المسلّحة بالطرق التي يقدر معها على صيانة الإسلام ومعتنقيه عن الخطر ويصدّ كل مؤامرة عليه من جانب الأعداء حسب إمكانيات الوقت.


والمقنِّن الذي يتوخّى ثباتَ قانونه ودوامه وسيادة نظامه الذي جاء به، لا يجب عليه التعرض إلى تفاصيل الأُمور وجزئيّاتها، بل الذي يجب عليه هو وضع الكليات والأُصول ليساير قانونه جميعَ الأزمنة بأشكالها وصورها المختلفة، ولو سلك غير هذا السبيل لصار حظّه من البقاء قليلاً جداً.


4 ـ في نشر العلم والمعارف والثقافة:


نشر العلم والثقافة، واستكمال المعارف التي تَضمنُ سيادةَ المجتمع ماديّاً ومعنويّاً، يعتبر من الفرائض الإسلامية، أمّا تحقيق ذلك وتعيين نوعه ونوع وسائله فلا يتحدّد بحد خاص، بل يوكّل إلى نظر الحاكم الإسلامي، واللجان المقررة لذلك من جانبه حسب الإمكانيات الراهنة في ضوء القوانين الثابتة.


وبالجملة: فقد ألزم الإسلام، رُعاة المسلمين، وولاة الأمر نشرَ العلم بين أبناء الإنسان واجتثاث مادة الجهل من بينهم ومكافحة أيّ لون من الأُمية، وأمّا نوع العلم وخصوصياته، فكل ذلك موكول إلى نظر الحاكم الإسلامي وهو أعلم بحوائج عصره.


فربّ، علم لم يكن لازماً، لعدم الحاجة إليه، في العصور السابقة، ولكنّه أصبح اليوم في الرعيل الأوّل من العلوم اللازمة التي فيها صلاح المجتمع كالاقتصاد والسياسة.


5 ـ في مجال إقامة النظام:


حفظ النظام وتأمين السبل والطرق، وتنظيم الأُمور الداخلية ورفع مستوى الاقتصاد و... من الضرورات، فيتبع فيه وأمثاله مقتضيات الظروف وليس فيه للإسلام حكم خاص يتبع، بل الذي يتوخّاه الإسلام هو الوصول إلى هذه الغايات، وتحقيقها بالوسائل الممكنة، دون تحديد وتعيين لنوع هذه الوسائل وإنّما ذلك متروك إلى إمكانيات الزمان الذي يعيش فيه البشر، وكلها في ضوء القوانين العامة.


6 ـ في مجال المبادلات المالية:


قد جاء الإسلام بأصل ثابت في مجال الأموال وهو قوله سبحانه: (ولا تَأْكُلُوا أموالَكُمْ بَينكُمْ بِالباطل)(البقرة/188) وقد فرع الفقهاء على هذا الأصل شرطاً في صحة عقد البيع أو المعاملة فقالوا: يشترط في صحة المعاملة وجود فائدة مشروعة وإلاّ فلا تصح المعاملة ومن هنا حرّموا بيع (الدم) وشراءه.


إلاّ أنّ تحريم بيع الدم أو شراءه ليس حكماً ثابتاً في الإسلام بل الحكم الثابت هو حرمة أكل المال بالباطل، وكانت حرمة الدم في الزمان السابق صورة إجرائية لما أفادته الآية من حرمة أكل المال بالباطل ومصداقاً لها في ذلك الزمان فالحكم يدور مدار وجود الفائدة (التي تخرج المعاملة عن أن تكون أكل المال بالباطل) وعدم تحقّق الفائدة، فلو ترتبت فائدة معقولة على بيع الدم أو شرائه فسوف يتبدّل حكم الحرمة إلى الحلّية، والحكم الثابت هنا هو قوله تعالى: (ولا تَأْكُلُوا أموالَكُمْ بَينكُمْ بِالباطل).


وفي هذا المضمار ورد أنّ علياً (عليه السلام) سئل عن قول الرسول (صلى الله عليه وآله): غيّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود؟ فقال: (عليه السلام): «إنّما قال (صلى الله عليه وآله) ذلك والدين قَلّ، فأمّا الآن فقد اتّسع نطاقه وضرب بجرانه فالمرء وما اختار»(38).


خاتمة المطاف


الشيعة والخاتمية




اتفقت الشيعة ـ قاطبة ـ تبعاً للكتاب والسنّة على أنّ نبيّ الإسلام، هو النبيّ الخاتم، وكتابه خاتم الكتب، ورسالته خاتمة الرسالات، وقد اُوصِد برحيله باب الوحي، وأُقفل بموته باب التشريع، فلا وحي ولا تشريع بعد ذهابه وقد وقفت على كلام الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)عند تغسيل النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتجهيزه فلا نعيد(39).


غير أنّ هناك شبهات ضئيلة في المقام تطرح من جانب أُناس، لاعرفان لهم بمذهب الشيعة ولا تعرّفَ لهم عليه من كثب وقد تلقّوها من المستشرقين أو من البعداء عن البيئات الشيعية.


وهذه الأسئلة تجمعها الأُمور التالية.


1 ـ كيف تقولون بالخاتمية وإيصاد باب الوحي والتشريع وأنتم تعملون بكتاب عليّ (عليه السلام)؟


2 ـ كيف تقولون بذلك، وعندكم مصحف، باسم مصحف فاطمة وهل كان عند بنت المصطفى (صلى الله عليه وآله) قرآن غير القرآن الحاضر عند المسلمين؟


3 ـ كيف تقولون ذلك وأنتم تعتمدون على روايات مروية عن الأئمة الاثني عشر، بصورة موقوفة غير متصلة إلى النبيّ الأكرم وهل الأئمة الاثنا عشر ممّن يوحى إليهم؟


إنّ هذه الأسئلة ربما تنطلي على الجاهل غير العارف بمعتقدات الشيعة فيرميهم بما هم براء منه، ولأجل رفع الغطاء نأخذ كلَّ واحد بالدراسة بوجه موجز.


1 ـ كتاب عليّ وإملاء رسول الله:


إنّ السؤال الأوّل يرجع إلى كتاب عليّ وأنّه ما هو. وهل هو أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي دوّنها الإمام دون غيره وإليك التفصيل:


كانت لمدرسة أئمة اهل اللبيت عناية خاصة لضبط وتدوين كل ما اُثِر عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) من قول وفعل، لأنّه (صلى الله عليه وآله) لا يصدر في مجال التشريع والتعليم إلاّ عن الوحي قال سبحانه: (ومايَنطِقُ عنِ الهَوى * إنّ هوَ إلاّ وَحيٌ يُوحى)(النجم/3ـ4) وكان (صلى الله عليه وآله) على علم قاطع بأنّه سوف ينتقل إلى رحمة الله، وأنّ الأُمة الإسلامية سوف تحتاج إلى كلماته وأقواله، وأفعاله وأعماله ولا تبقى خالدة إلاّ بالضبط والتدوين.


إنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان وليدَ البيت النبويّ وكان مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) منذ نعومة أظفاره إلى رحيل رسول الله عن الدنيا وهو (عليه السلام) يصف حياته في صباه وما بعده ويقول: «ولقد كنتُ أتّبعُه (يعني رسول الله) اتِّباع الفصيل أثر أُمه، يرفعُ لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بِحِراءَ فأراه ولا يراه غيري. ولم يجتمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله)وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي، والرسالة وأشمّ ريح النبوّة(40).


كان ربيبه علي (عليه السلام) يلازمه ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، في موطِنه ومهجَره، لم يفارقه في غزوة إلاّ غزوة تبوك وقد أقامه رسول الله مقامه في المدينة ليكون عيناً للمسلمين، على المنافقين، وصاعقة على المتمردين إذا حاولوا المؤامرة، أو إيذاء من بقي من المسلمين من الشيوخ والأطفال، إلى أن دخل العام الحادي عشر للهجرة وقد قرب أجله وارتحاله ومرض وكان علي هو الممرّض له وقُبض ورأسه لعلى صدره.


إنّ علياً (عليه السلام) يشرح ذلك الموقف ويقول: «ولقد قُبِضَ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإنّ رأسه لَعلَى صدري ـ إلى أن يقول ـ ولقد ولّيتُ غسلَه(صلى الله عليه وآله)والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط، وملأ يعرُج وما فارقَتْ سمعي (هينمة)(41) منهم، يصلّون عليه. حتى واريناه في ضريحه. فَمَن ذَا أحقُّ به منّي حيّاً وميِّتا؟(42).


كل ذلك يعرف عن لواذ الإمام واحتصانه بالنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)والتجائه إليه.


وقد اختص الإمام بهذا المقام من بين الصحابة ولم يشاركه غيره وبذلك صار باب علم النبي(43) والحاكم الروحي على الأطلاق حتى عصر الخلفاء ولا يشك في ذلك من فتح عينيه على سيرة الخلفاء وتاريخ المسلمين.


ولمثل هذا النوع من التلاحم


يصف علي (عليه السلام) حاله مع النبيّ ويقول: «إنّي إذا كنت سألته أنبأني، وإذا سكتُّ ابتدأني»(44).


كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر علياً (عليه السلام) أن يكتب كل ما يملي عليه فقال(عليه السلام)مرّة لرسول الله:


«يا نبيّ الله أتخاف عليَّ النسيان؟ قال: لستُ أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله أن يحفظك ولا ينسيك ولكن اكتب لشركائك قال قلت: ومن شركائي يا نبيّ الله؟ قال: الأئمة من ولدك(45).


وكان من جملة ما أملاه عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتب علي (عليه السلام)بخطه، كتاب طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم وهذا هو المعروف بكتاب عليٍّ أو صحيفته اشتهر أمره بين الشيعة وأئمتهم وفيها ما يحتاج إليه الناس في مجال الأحكام إلى يوم القيامة، وكانت الأئمة بعد الإمام يصدرون عنه ويروُونَ عنه، ويستشهدون في مواقع خاصة به، وليس كتابه سوى أحاديث أملاه النبيّ، وكَتبه الوصيّ وورثه أبناؤه كابر عن كابر، ونقلوا عنه شيئاً كثيراً وبذلك صار الإمام هو المدوِّن الرسمي للحديث النبويّ، وإن كان بعض الصحابة(46) شاركه في ضبط الحديث النبوي، لكن صحائفهم وكتبهم أُحرقت ـ ويا للأسف ـ في عصر الخلفاء لمصالح هم أعرف بها، وبذلك خسر المسلمون والسنّة النبوية خسارة كبرى لاتستقال وبالتالي صار الحديث النبوي مرتعاً لوضع الوضاعين والكذابين يلصقون بها ما شاءوا من الاسرائليات والمسيحيات والمجوسيات، لكن بقي كتاب الإمام غضّاً طريّاً مصوناً من الشرّ، يرثه إمام بعد إمام.


ولأجل إيقاف القارئ بواقع الأمر، نذكر مواصفات الكتاب وميزاته، وشيئاً من نصوصه، حتى يتبيّن إنّ كتاب عليّ (عليه السلام) لم يكن إلاّ جامعاً حديثياً وكان تدويناً مبكراً للسنّة النبوية المطهرة وكتابه هذا هو سمة إكمال الدين الذي هو العماد لمسألة الخاتمية.


أ ـ روى: بكر بن كرب الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: إنّ عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإنّ الناس ليحتاجون إلينا وإنّ عندنا كتاباً إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخطّ عليّ (عليه السلام)، صحيفة فيها كلّ حلال وحرام(47).


ب ـ روى فضيل بن يسار قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا فضيل! عندنا كتاب علي سبعون ذراعاً، ما على الأرض شيء يحتاج إليه إلاّ وهو فيه حتى أرش الخدش(48).


ج ـ روى أبو بصير ـ في حديث ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبا محمد! وإنّ عندنا الجامعة وما يُدريهم ما الجامعة قال قلتُ: جعلتُ فداك، وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإملائه من فِلق فيه، وخط عليّ (عليه السلام) بيمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش(49).


د ـ روى أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول ـ وذكر ابن شبرمة في فتياه ـ فقال: أين هو من الجامعة: إملاء رسول الله وخطّه عليّ بيده، فيها جميع الحلال والحرام حتى أرش الخدش فيه(50).


إلى غير ذلك من الروايات الحاكية لخصوصيات الكتاب وميزاته التي رواه أصحاب المعاجم من محدّثي الشيعة، فتسمية أئمة أهل البيت تارة بكتاب عليّ وأُخرى بالجامعة وثالثة بصحيفة عليّ والكتاب يعرب عن عنايةالإمام بضبطأحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله)، كما يعرب عن عناية سيد الثقلين، بكتابة حديثه، ليبقى مرّ العصور والقرون، لا يعتريه الوضع والدسُّ.


وفي العصر الذي كان الناس يروون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: لاتكتبوا عنّي ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه(51) وانّ فريقاً من الصحابة استأذنوا النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يكتبوا عنه فلم يأذنهم(52).


وفي العصر الذي كانت مدرسة الخلفاء تروّج تقليل الرواية عن الرسول، وكلّما يبعث الخليفة عمر بن الخطاب والياً إلى قطر أو بلد يوصيه في جملة ما يوصيه بقوله: «جرّدوا القرآن واقلّوا الرواية عن محمد وأنا شريككم»(53) وربما يعيب افشاء الحديث عنه (صلى الله عليه وآله)ويقول مخاطباً لأبيذر، وعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء «وما هذا الحديث الذي تفشون عن محمد»(54).


ففي تلك العصور الحرجة، نرى أئمة أهل البيت يحتفظون بكتاب علي، ويعتمدون عليه في نقل الحلال والحرام، وبه يردون ما كان يصدر من الفتيا الشاذة عن الكتاب والسنة ولا يقميون للمنع عن الكتابة والرواية وزناً ولا قيمة، ولنذكر نماذج من روايات كتاب علي ليعلم موقفه من صيانة السنة من الضياع.


1 ـ روى أبو بصير عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: كنت عنده فدعا بالجامعة فنظر فيها أبو جعفر (عليه السلام) فإذا فيها المرأة تموت وتترك زوجَها ليس لها وارث غيره قال: فله المال كلّه(55).


2 ـ روى أبو بصير المرادي قال: سألت أبا عبد الله عن شيء من الفرائض، فقال: ألا اُخرِج لك كتاب عليّ (عليه السلام) ـ إلى أن قال: ـ فأخرجه فإذا كتاب جليل وإذا فيه: رجل مات وترك عمّه وخاله فقال: للعم الثلثان وللخال الثلث(56).


3 ـ روى عبد الملك بن أعين قال: دعا أبو جعفر بكتاب عليّ فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً فإذا فيه: إنّ النساء ليس لهنّ من عقار الرجل ـ إذا هو توفّي عنها ـ شيءٌ فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا والله خطّ عليّ بيده وإملاء رسول الله(57).


/ 9