4 ـ روى محمد بن مسلم الثقفي: قال: أقرأني أبو جعفر كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله وخطّ علي فإذا فيها انّ السهام لاتعول(58).
5 ـ روى عذافر الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عتيبه عند أبي جعفر (عليه السلام)فجعل يسأله وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرماً فاختلفا في شيء فقال أبو جعفر: يا بُنيّ قُم فأخرِج كتابَ عليّ، فأخرج كتاباً مدرّجاً عظيماً وفتحه وجعل ينظر حتى أخرج المسألة فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خط عليّ (عليه السلام) وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)(59).
وهذه الروايات تكشف عن أنّ كتاب الفرائض الذي ذكر لعليّ(عليه السلام) كان جزءاً من كتابه الكبير.
6 ـ روى ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده، وبوله وروثه وألبانه وكلّ شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلّي في غيره ممّا أحل الله أكله ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول الله(60).
وقد اقتصرنا على هذا المقدار ليعلم أنّ الكتاب، أقدم جامع حديثي، أملاه النبيّ وكتبه الإمام عليّ وكان الكتاب موجوداً بين أئمة أهل البيت يرثه كابر عن كابر، يصدرون عنه في الإفتاء وشاهده غير واحد من أصحابهم، والكتاب وإن لم يكن موجوداً بشخصه بيننا، لكن روى أصحاب الجوامع الحديثية كالكليني، والصدوق والطوسي، قسماً كبيراً منه وفرقوا أحاديثه على أبواب كتبهم على الترتيب المألوف، وقد جمعها العلامة الحجة الشيخ علي الأحمدي في موسوعته (مكاتيب الرسول)(61).
نعم بقي هنا سؤال:
هل هذا الكتاب، نفس الصحيفة التي كانت في قراب سيفه أو غيره؟
الجواب: قد ذكر غير واحد من المحدثين انّه كانت لعليّ في قراب سيفه صحيفة لكن الخصوصيات التي ذكرت للكتاب في الروايات تدل مائة بالمائة على أنّه غير الصحيفة التي كان يجعلها في قراب سيفه، وكيف وقراب السيف لا يسع إلاّ صحائف صغار، مهما لفَّت واُدرِجت فأين هي من المواصفات التي وقفت عليها من أنّه كتاب طولها سبعون ذراعاً، أو طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم، أو مثل فخذ الفالج(62) أو أخرج أبو جعفر كتاباً مدرّجاً عظيماً، أو كتاباً جليلاً أو هو مثل فخذ الرجل مطوياً، إلى غير ذلك ممّا مرّ ذكرها.
نعم روى أبو جحيفة، قال: سألت علياً (رضي الله عنه): هل كان عندكم من النبيّ (صلى الله عليه وآله)شيء سوى القرآن؟ قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إلاّ أن يوتي الله عبداً فهماً في القرآن، وما في الصحيفة، قلت: وما الصحيفة؟ قال: العقل وفِكاك الأسير، ولايقتل مؤمن بكافر(63).
إنّ هذه الرواية مهما صحّت ونقلها أئمة الحديث، لا تقابل ما نقلناه عن أئمة أهل البيت حول كتاب عليّ، ومواصفاته، ومشاهدة جمّ غفير لهذا الكتاب، وقد نقلنا النزر اليسير من الكثير، وهذا الحديث وما شابهه في التعبير وضعت لنفي ما عند عليّ من ودائع النبوة وعلوم النبيّ (صلى الله عليه وآله)، والذي يعرب عن ذلك، الاصرار على أنّه ليس عند علي سوى كتاب الله أو الصيحفة الموجودة في قراب سيفه، فقد رووها بالعبارات التالية:
أ ـ ما كتبنا عن النبيّ إلاّ القرآن وما في هذه الصحيفة.
ب ـ من زعم أنّ عندنا شيئاً نقرأه إلاّ كتاب الله أو هذه الصحيفة فقد كذب.
ج ـ ما خصّنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشيء لم يخص به الناس إلاّ ما في قراب سيفي هذا.
د ـ ما عهد إليَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً خاصاً دون الناس إلاّ شيء سمعته، وهو في صيحفة قراب سيفي...(64).
إلى غير ذلك من التعابير الهادفة إلى نفي علمه بشيء إلاّ بالكتاب والصحيفة الصغيرة.
نحن نغض الطرف عمّا ذكرنا، فلو صح ما في هذه الرواية، فما معنى قوله (صلى الله عليه وآله)لعليّ، أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وقد نقل كثير من الحفاظ والمحدّثين، وهذا شمس الدين المالكي يذكره في شعره بقوله:
وقال رسول الله إنّي مدينة من العلم وهو البابوالبابَ فاقصدِ
وقد رواه من الحفاظ والأئمة لفيف ربّما يناهز مائة وثلاثة وأربعين شخصاً(65) وقد ذكروا حول الحديث كلمات تعرب عن مفاد الحديث.
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (المتوفى 658هـ): قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل عليّ (عليه السلام) وزيادة علمه وغزارته، وحدّة فهمه ووفور حكمته، وحسن قضاياه، وصحّة فتواه، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام ويأخذون بقوله في النقض والإبرام، اعترافاً منهم بعلمه، ووفور فضله، وبرصانة عقله، وصحة حكمه، وليس هذا الحديث في حقّه بكثير، لأنّ رتبته عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين أجلّ وأعلا من ذلك(66).
وقال فضل بن روزبهان في ضمن ردّه على حجاج العلامة بأعلمية أمير المؤمنين بحديثي: أقضاكم عليّ، و: أنا مدينة العلم، من طريق الترمذي، قال ما هذا نصّه: وأمّا ما ذكره المصنف من علم عليّ فلا شك في أنّه من علماء الأُمة، والناس محتاجون إليه فيه وكيف لا، وهو وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف، فلا نزاع لأحد فيه، وما ذكره من صحيح الترمذي صحيح(67).
وقال المناوي في فيض القدير تفسيراً لقوله (صلى الله عليه وآله): عليّ عيبة علمي: أي مظنّة استفصاحي وخاصتي وموضع سرّي، ومعدن نفائسي. والعيبة: ما يحرز الرجل فيه نفائسه قال ابن دريد: وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل بشيء أراده اختصاصه بأُموره الباطنة التي لا يطّلع عليها أحد غيره، وذلك غاية في مدح عليّ(68).
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنّه قال: كنّا نتحدّث معاشر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) عهد إلى عليّ سبعين، لم يعهدها إلى غيره(69).
ورواه القندوزي في ينابيعه ثمانين عهداً مكان سبعين(70).
فقد خرجنا بالنتائج التالية:
1 ـ إنّ كتاب عليّ من إملاء رسول الله وخطّ علي.
2 ـ إن الكتاب أول جامع حديثيّ قام بكتابته عليّ لتدوين السنّة وصيانتها من الضياع.
3 ـ كانت في قرابة سيف عليّ صحيفة، ولكن لم تكن هيالشيء الوحيد عند عليّ، وإنّ كتاب عليّ ـ حسب ما مرّ من المواصفات ـ غير تلك الصحيفة.
4 ـ إذا كان عليّ هو باب علم النبيّ، والحاكم الروحيّ في عصر الخلفاء وما بعده فيلزم أن يكون عنده ودائع النبوّة، وجميع ماتحتاج إليه الأُمة في مجال الأحكام.
* * *
2 ـ مصحف فاطمة:
لا شك أنّه كان عند فاطمة مصحفاً، حسب ما تضافرت عليه الروايات، ولكن المصحف ليس اسماً مختصّاً بالقرآن، حتى تختص بنت المصطفى بقرآن خاص، وإنّما كان كتاباً فيه الملاحم والأخبار.
المصحف: من أصحف، بمعنى ما جعل فيه الصحف وإنّما سمي المصحف مصحفاً لأنّه جعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدفتين.
ولم يكن ذلك اللفظ علماً للقران في عصر نزوله، وإنّما صار علماً له بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال السيوطي: روى ابن أشتة في كتاب المصاحف انّه لمّا جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر: التمسوا له إسماً، فقال بعضهم: السفر: وقال بعضهم المصحف فانّ الحبشة يسمّونه المصحف قال: وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسمّاه المصحف(71).
وأمّا ما هو واقع هذا الكتاب، فقد كشف عنه الروايات المتضافرة عن أئمة أهل البيت، وقد جمع قسماً كبيراً منها العلاّمة الشيخ مصطفى قصير العاملي في دراسته كتاب عليّ ومصحف فاطمة.
وإليك بعضها:
روى أبو عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ... إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً، و كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليّ (عليه السلام) يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة(72).
روى أبو حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مصحف فاطمة مافيه شيء من كتاب الله وإنّما هو شيء أُلقي إليها بعد موت أبيها صلوات الله عليهما(73).
والعجب أنّ الدس الإعلامي قد اتّخذ لفظ مصحف فاطمة ذريعة لاتّهام الشيعة بأنّ عندهم قرآناً يسمى مصحف فاطمة، وقد سعى غير واحد من دعاة التفرقة إلى نشر تلك الفكرة الخاطئة بين المسلمين، ولكن خاب سعيهم، فإنّ للحق دولة، وللباطل جولة.
ولعلّ القارئ يسأل نفسه عن كون فاطمة محدَّثة تحدّثها الملائكة كما ورد في الرواية السابقة، غير أنّ فاطمة (عليها السلام) لا تقل شأناً عن مريم البتول، ولا عن امرأة الخليل. قال سبحانه: (وإذْ قالَتِ الملائكةُ يا مريمُ إنَّ اللهَ اصطَفاكِ وطَهَّركِ واصطَفاكِ على نساءِ العالَمين)(آل عمران/42) إلى غير ذلك من الآيات الواردة في سورتي آل عمران، ومريم.
وهذه امرأة إبراهيم تسمع كلام الملك، يقول سبحانه: (ولَقدْ جاءتْ رُسلُنا إبراهيمَ بالبُشرى.. وامرأتُهُ قائمةٌ فضَحِكَتْ فَبشَّرناها بإسحقَ ومن وراءِ إسحقَ يَعقوب * قالَتْ يا ويلتَى أألِدُ وأنا عَجوزٌ وهذا بَعْلي شَيخاً إنّ هذا لَشيءٌ عَجيب * قالُوا أتَعجَبينَ مِنْ أمرِ اللهِ رحمتُ اللهِ وبركاتُهُ عَليكُمْ أهلَ البَيتِ إنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ)(هود/69-73).
فإذا كانت مريم وامرأة الخليل محدّثتين، ففاطمة سيدة نساء العالمين أولى بأن تكون محدّثة.
3 ـ ما هو مصدر روايات أئمة أهل البيت؟
هذا هو السؤال الثالث من الاسئلة الثلاثة المطروحة حول الخاتمية لدى الشيعة فنقول:
انّ لعلوم أئمة أهل البيت مصادر مختلفة ونشير الى اصولها تاركين البحث في فروعها.
أ ـ النقل عن آبائهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إنّهم (عليهم السلام) كثيراً ما يروون الحديث عن آبائهم عن رسولالله (صلى الله عليه وآله)معنعناً، من دون أن يتوسّط بين الأسانيد شخص بين آبائهم وأجدادهم.
إنّ عليّ بن موسى الرضا لمّا ترك نيسابور عازماً إلى مرو، اجتمع حوله لفيف من المحدّثين، فطلبوا منه أن يحدّثهم بحديث جدّه (صلى الله عليه وآله)، فقال:
حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر الصادق، قال: حدثني أبي أبو جعفر الباقر، قال: حدّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي عليّ بن أبي طالب، قال: حدثني رسول الله عن جبرئيل (عليه السلام) عن الله قال: لا إله إلاّ الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي(74).
إنّ هذا النوع من الأحاديث متوفّر في الجوامع الحديثية للشيعة، فلو قام باحث بجمع هذا النوع الذي يروي فيه كابر عن كابر والإمام بعد الإمام لبلغ موسوعة كبيرة.
هذا هو هشام بن سلمان، وحماد بن عثمان، وغيرهما من أصحاب الإمام الصادق، قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)وحديث رسول الله قول الله عزوجل(75).
ب ـ النقل عن كتاب عليّ
إنّ أئمة أهل البيت كانوا يستندون إلى كتاب عليّ ويحتجّون به، فكان الكتاب أحد مصادر علومهم التي يصدرون عنها، وقد وقفت على قسم قليل منها.
ج ـ الإلهام أو تحديث الملائكة
إنّ أئمة أهل البيت حسب النصوص محدّثون، تحدّثهم الملائكة، كما كانت تحدّث مريم البتول وامرأة الخليل، فما كان يخبرون به من الملاحم أو يجيبون عن الأسئلة فالكلّ ممّا كان يلقى في روعهم.
وهذا النوع من المصدر وإن كان ثقيلاً على من لم يعرف مقاماتهم، إلاّ أنّه صحيح لمن درس حياتهم، ووقف على أحوالهم. ولأجل إيقاف القارئ على أنّ المحدَّث أمر مما اتفق عليه الأعلام نبحث عنه على وجه الإيجاز:
المُحَدّث في الإسلام:
المحدَّث بصيغة المفعول: من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره.
المحدّث بهذا المعنى ممن اتفق عليه الفريقان: الشيعة والسنّة، ولو كان هناك خلاف فإنّما هو في مصداقه.
وقبل ذلك نجد المحدّث في الأُمم السالفة، فهذا صاحب موسى كان محدّثاً، فقد أخبره عن مصير السفينة والغلام والجدار على وجه جاء في سورة الكهف(76) فهو لم يكن نبيّاً ولكنّه كان عارفاً بما سيحدث وقد عرفه بإحدى الطرق المذكورة.
وهذه مريم البتول، كانت الملائكة تكلّمها وتحدّثها ولم تكن نبيّة، قال سبحانه:
(وإذْ قالَتِ الملائكةُ يا مريمُ إنَّ اللهَ اصطَفاكِ وطَهَّركِ واصطَفاكِ على نساءِ العالَمين) (آل عمران/42).
وهذه أُمّ موسى يلقى في روعها ويوحى إليها ولم تكن نبيّة، قال سبحانه:
(وأوحينا إلى أُمّ موسى أنْ أرضِعيهِ فإذا خِفتِ عَليهِ فَألقيهِ في اليَمِّ ولا تخافي ولاتَحزني إنّا رادُّوهُ إلَيكِ وجاعِلوهُ مِنَ المُرسَلين)(القصص/7).
وأمّا السنّة النبوية ففيها تصريح بأنّ في الأُمة الإسلامية ـ نظير الأُمم السالفة ـ رجالاً يكلّمون من دون أن يكونوا أنبياء; وإليك بعض هذه النصوص:
1 ـ أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال النبي: لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أُمّتي منهم أحد فعمر بن الخطاب(77).
2 ـ أخرج البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً أنّه قد كان فيما مضى قبلكم من الأُمم محدّثون، إن كان في أُمتي هذه منهم فإنّه عمر بن الخطاب(78).
قال القسطلاني في شرح الحديث: يجري علىألسنتهم الصواب من غير نبوّة وقال الخطّابي: يلقى الشيء في روعه فكأنّه قد حُدّث به، يظنّ فيصيب ويخطر الشيء بباله فيكون. وهي منزلة رفيعة من منازل الأولياء(79).
3 ـ أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة عن النبي: قد كان في الأُمم قبلكم مُحدّثون فإن يكن في اُمتي منهم أحد فإنّ عمر بن الخطّاب منهم، قال ابن وهب: تفسير «محدّثون» ملهمون.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: اختلف العلماء في تفسير المراد بـ (محدثون) فقال ابن وهب: ملهمون، وقيل: مصيبون إذا ظنّوا فكأنّهم حدّثوا بشيء فظنّوه، وقيل تكلّمهم الملائكة وجاء في رواية مكلّمون وقال البخاري: يجري الصواب على ألسنتهم وفيه، كرامات الأولياء(80).
ومن راجع شروح الصحيحين يجد نظير هذه الكلمات بوفرة; والرأي السائد في تفسير المحدّث هو تكليم الملائكة أو الإلقاء في الروع هذا ما لدى السنّة، وأمّا الشيعة، فعندهم أخبار عن أئمتهم تصرّح بأنّهم محدّثون وفي الوقت نفسه ليسوا بأنبياء.
روى الكليني في باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث أحاديث أربعة:
قال: المحدّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة. وفي رواية أُخرى سألته عن الإمام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك.
إلى غير ذلك من الروايات المصرّحة بأنّ الأئمة الاثني عشر محدَّثون(81).
روى الصفار في بصائر الدرجات عن بريد: قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله(عليهما السلام): ما منزلتكم بمن تُشَبَّهون ممن مضى؟
فقال: كصاحب موسى وذي القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيّين(82).
هذا ما لدى الفريقين وبذلك يُعْلَم أنّ الإخبار عن الغيب بإذن من الله سبحانه لايلازم كون المخبر نبياً، وإنّ تَكَلُّم الملائكة مع إنسان لايصلح دليلاً على كونه مبعوثاً من الله سبحانه للنبوة.
ولو اعتمدت الشيعة على علم الأئمة لأجل كونهم وارثين لعلم النبي ووارثين لما عند عليّ من الكتب التي كتبها بإملاء من رسول الله، أو محدَّثين تلقى في روعهم الإجابات على الأسئلة، فلا يدل على أنّهم أنبياء ومن نسبهم إلى تلك القرية الشائنة بحجة إخبارهم عن الملاحم، فقد ضلّ عن سواء السبيل، ولم يفرق بين النبوّة والرسالة والتحدّث. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.