ابن تیمیة، حیاته و عقائده نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابن تیمیة، حیاته و عقائده - نسخه متنی

صائب عبد الحمید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



ومن قوله ايضا: لم يزل الناس يسالون من اتفق من العلماء من
غير تقيد بمذهب، ولا انكار على احد من السائلين، الى ان
ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين، فان احدهم
يتبع امامه مع بعد مذهبه عن الادله، مقلدا له فيما قال كانه
نبى ارسل ! وهذا ناى عن الحق وبعد عن الصواب، لا يرضى به
احد من اولى الالباب.


ومع هذا كان العز بن عبدالسلام اكثر هيبه وجلالا ونفوذا من
ابن تيميه ، فقد قال السيوط ى فى وصف الملك الظاهر وهو
اقوى سلاطين المماليك : كان الظاهر بمصر منقمعا تحت
كلمه الشيخ عزالدين بن عبدالسلام لا يستطيع ان يخرج من
امره، حتى انه قال لما مات الشيخ : ما استقر ملكى الى الان .


فالاولى لدعاه (السلفيه) اليوم ان ينسبوا دعوتهم الى العز بن
عبدالسلام.


غير ان عاملين رافقا دعوه ابن تيميه كانا وراء اشتهارها
واستمرارها:
اولهما : نضاله الدووب فى نصرتها وتثبيتها.


وثانيهما : مواصله تلميذه ورفيقه ابن القيم الجوزيه لهذه
الدعوه وتوسيعها، فعاشت عهدين متصلين متكاملين، مع كثره
ما دونا منها فى مولفاتهما الكثيره.


وقد بنى نظريته على ما ورد عن الامامين مالك بن انس امام
المالكيه، واحمد ابن حنبل، وغيرهما، من ان: كل احد يوخذ
منه ويترك ، الا رسول اللّه (ص).


وان ما جاء عن الفقهاء لايقبل كله قبول التسليم، بل يعرض
على الكتاب والسنه، فما وافق الكتاب والسنه وجب قبوله، وما
خالفهما كان مردودا، وان كان صاحبه مجتهدا من اولياء اللّه.


فالواجب على الناس اتباع ما بعث اللّه به رسوله، واما اذا خالف
قول بعض الفقهاء ووافق قول آخرين، لم يكن لاحد ان يلزمه
بقول المخالف، فيقول له: هذا خلاف الشرع.


= لم يبطل التقليد :
ان القول المتقدم لا يعنى بطلان التقليد - كما يزعم اولئك
الذين ينسبون انفسهم اليوم الى ابن تيميه - فمن لم يمتلك
اهليه الاجتهاد يقلد من صح تقليده.


ومن عمل فى مسائل
الاجتهاد بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ذلك.


واذا كان فى المساله قولان: فان كان الانسان يظهر له رجحان
احد القولين عمل به، والا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم
فى بيان ارجح القولين.


بل المحذور جدا ان يتعرض للاجتهاد من لم تتوفر فيه
شرائطه: فالذى يخاف على بعض العلماء ان يكون قاصرا فى
درك حكم مساله ما، فيقول مع عدم اسباب القول وان كان له
فيها نظر واجتهاد، او يقصر فى الاستدلال فيقول قبل ان يبلغ
النظر نهايته مع كونه متمسكا بحجه، او يغلب عليه عاده او
غرض يمنعه من استيفاء النظر لينظر فى ما يعارض ما عنده،
وان كان لم يقل الا بالاجتهاد والاستدلال، فان الحد الذى يجب
ان ينتهى اليه الاجتهاد قد لا ينضبط للمجتهد.


عذر المجتهد : name="link34">
ان العلماء المقبولين عند الامه متفقون يقينيا على وجوب اتباع
الرسول(ص)، ولكن اذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث
صحيح بخلافه فلا بد له من عذر فى تركه، وجميع الاعذار
ثلاثه اصناف:
احدها : عدم اعتقاده ان النبى (ص) قاله.


والثانى : عدم اعتقاده اراده تلك المساله بذلك القول.


والثالث : اعتقاده ان ذلك الحكم منسوخ.


وفى كثير من الاحاديث يجوز ان يكون للعالم حجه فى ترك
العمل بالحديث لم نطلع نحن عليها.


وفى موارد الاجتهاد
امارات بعضها اقوى من بعض وعلى المجتهد ان يجتهد فى
طلب الاقوى، فاذا راى دليلا اقوى من غيره ولم ير ما يعارضه
عمل به ، ولا يكلف اللّه نفسا الا وسعها.


واذا كان فى الباطن ما
هو ارجح منه كان هو الحكم ، فقد يكون فى نفس الامر دليل
آخر على القول الاخر لم يعلم به المستدل، وهذا هو الواقع فى
عامه موارد الاجتهاد.


والمجتهد مع خطئه له اجر، وذلك لاجل اجتهاده، وخطوه
مغفور له.


لكن نحن وان جوزنا هذا، فلا يجوز لنا ان نعدل عن قول
ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفه من اهل العلم، الى
قول آخر قاله عالم يجوز ان يكون معه ما يدفع به هذه الحجه،
اذ تطرق الخطا الى آراء العلماء اكثر من تطرقه الى الادله
الشرعيه، فان الادله الشرعيه حجه اللّه على جميع عباده،
بخلاف راى العالم.


لكن الغرض انه فى نفسه قد يكون معذورا
فى تركه له، ونحن معذورون فى تركنا لهذا الترك .


وليس لاحد ان يعارض الحديث الصحيح عن النبى (ص) بقول
احد من الناس، كما قال ابن عباس (رضى اللّه) لرجل ساله عن
مساله فاجابه فيها بحديث، فقال الرجل: قال ابو بكر وعمر !
فقال ابن عباس: يوشك ان تنزل عليكم حجاره من السماء،
اقول: قال رسول اللّه (ص)، وتقولون: قال ابو بكر وعمر !! .


يقول ابن تيميه: انه لسبيل خبيث ان يترك القول والعمل
بموجب احاديث رسول اللّه ( ظنا ان القول بموجبها مستلزم
للطعن فيمن خالفها ! .


فهذا الترك يجر الى الضلال، واللحوق باهل الكتابين الذين
اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون اللّه.


- ويفضى الى طاعه المخلوق فى معصيه الخالق.


-ويفضى الى قبح العاقبه.


- ثم ان العلماء يختلفون كثيرا، فان كان كل خبر فيه تغليظ
خالفه مخالف ترك القول بما فيه من التغليظ، او ترك العمل به
مطلقا، لزم من هذا من المحذور ما هو اعظم من ان يوصف:
من الكفر، والمروق من الدين !.


وقفه قصيره : name="link35">
سمها ان شئت طريفه ! .


اتظن ان من احتج لكلامه بحديث ابن عباس المتقدم (اقول:
قال رسول اللّه، وتقولون: قال ابو بكر وعمر)، اتظن انه ستكون
فتواه فى هذه المساله نفسها وفقا لقول ابى بكر وعمر، خلافا
لقول رسول اللّه (ص) ؟ .


انه لكذلك، فمساله ابن عباس هذه اخرجها الامام احمد فى
مسنده، قال: قال ابن عباس: تمتع النبى (ص).


فقال عروه
بن الزبير: نهى ابو بكر وعمر عن المتعه.


فقال ابن عباس: ما يقول عريه ؟! قالوا: يقول: نهى ابو بكر وعمر
عن المتعه.


قال ابن عباس: اراهم سيهلكون ! اقول: قال رسول اللّه (ص)،
ويقول: نهى ابو بكر وعمر !! .


فهل تعجب بعد ذلك ان علمت ان مذهب ابن تيميه فى المتعه
قد جاء تبعا لهذا الاخير! .


التفسير العلمى للاحكام :
يظهر فى بعض فتاويه ميله الى التفسير العلمى لبعض الاحكام
الشرعيه، ففى تفسيره وجوب الغسل من المنى دون البول،
يقول: المنى يخرج من جميع البدن، واما البول فانما هو فضله
الطعام والشراب المستحيله فى المعده والمثانه، فتاثر البدن
بخروج المنى اعظم من تاثره بخروج البول.


وايضا فان الجنابه
توجب ثقلا وكسلا، والغسل يحدث له نشاطا وخفه.


وقد صرح
افاضل الاطباء بان الاغتسال بعد الجماع يعيد الى البدن قوته
ويخلف عليه ما تحلل منه، وانه من انفع شى ء للبدن والروح،
وتركه مضر.


وفى التفريق بين بول الصبى وبول الصبيه ووجوب غسل الثوب
من الثانى بينما يكفى نضحه بالماء من الاول، قال: الفرق بين
الصبى والصبيه من ثلاثه اوجه:
احدها : كثره حمل الرجال والنساء للصبى، فتعم البلوى ببوله
فيشق عليهم غسله !
والثانى : ان بوله لا ينزل فى مكان واحد بل ينزل متفرقا ها هنا
وها هنا، فيشق غسل ما اصابه محله بخلاف بول الانثى.


والثالث : ان بول الانثى اخبث وانتن من بول الذكر، وسببه
حراره الذكر ورطوبه الانثى، فالحراره تخفف من نتن البول
وتذيب منها ما لا يحصل مع الرطوبه.


قول الصحابى :
ابن تيميه يرى ان اجماع الصحابه لا يكون الا معصوما، فالحق لا
يجاوزهم ابدا.


ولكن ماذا عن قول الصحابى الواحد، هل هو حجه مطلقا ؟
وكيف اذا خالف فيه نصا ثابتا او خالفه قول صحابى آخر ؟
ابن تيميه يجعل حجيه قول الصحابى مشروطه وليست
مطلقه، ويحصر هذه الشروط بما يلى:
1 - اذا لم يخالفه غيره من الصحابه.


2 - ولا عرف نص يخالفه.


3 - ثم اذا اشتهر ولم ينكروه كان ذلك اقرارا على القول، وقد
يسمى هذا (اجماع اقرارى).


ومن هذا يظهر انه لا يذهب الى التمسك ب (سنه الخلفاء
الراشدين) الا اذا اقرها سائر الصحابه، عندئذ ستكون (اجماع
اقرارى) وليس سنه واحد او اكثر من الخلفاء الراشدين ! .


قال: اما اذا عرف انه خالفه قول صحابى آخر فليس بحجه
بالاتفاق.


واما اذا لم يعرف هل وافقه غيره او خالفه، لم يجزم باحدهما.


ومتى كانت السنه تدل على خلافه كانت الحجه فى السنه.


غير ان له فى موضع آخر كلام آخر يجعل فيه اختلاف اقوال
الصحابه رحمه وسعه ويسرا على الامه، فاذا ورد القول عن
صحابى، وورد خلافه عن صحابى آخر، كان كلاهما حجه، وفى
وسع المسلم ان ياخذ بايهما شاء ولا جناح عليه، واستدل لقوله
الاخير هذا باقوال ائمه كبار كمالك واحمد، ثم قال: ولهذا كان
بعض العلماء يقول: اجماعهم - اى الصحابه - حجه قاطعه،
واختلافهم رحمه واسعه ! .


قال: وكان عمر بن عبدالعزيز يقول: ما يسرنى ان اصحاب
رسول اللّه( لم يختلفوا، لانهم اذا اجتمعوا على قول فخالفهم
رجل كان ضالا واذا اختلفوا فاخذ رجل بقول هذا، ورجل بقول
هذا، كان فى الامر سعه ! .


اين اذن ما وصفه (بالاتفاق) على ان قول الصحابى اذا خالفه
صحابى آخر فليس بحجه ؟! .


علما ان قوله الاخير فى ان اختلاف الصحابه سعه ويسر ورحمه
هو الذى يعتمده فى سائر مسائله وينتصر له.


لكن عندما وجد فى بعض المسائل قولين عن الصحابه ووجد
ان قول الصحابى الاول يخالف فتواه، ووجده قد روى باسانيد
صحيحه وطرق متعدده لا يمكنه دفعها، عند ذلك اراد ان
يجعل من قول الصحابى الاخر مخالفا له، ثم يضع هذه القاعده
التى تنص على عدم حجيه قول احدهما فقط دون الاخر،
ويرتبها بشكل يحكم من خلاله ببطلان القول المخالف لفتواه،
ثم يجعل من هذه القاعده المبتكره هنا محل اجماع اهل العلم
واتفاقهم ! .


وسيزدادالامر غرابه عندما ترى ان قولى الصحابيين ليس
بينهماادنى خلاف!.


كان ذلك فى مساله التوسل بالنبى (ص) بعد وفاته، التى انكرها
ابن تيميه وعدها من البدع الموديه الى الشرك ، ولكن صدمه
ما ورد عن الصحابى عثمان بن حنيف (رضى اللّه) من انه كان
يعلم الناس ذلك بعد وفاه النبى، فيعملون به وينتفعون منه ما
شاء اللّه لهم ان ينتفعوا، من ذلك ما رواه البيهقى وغيره، ونقله
عنهم الشيخ ابن تيميه: ان عثمان بن حنيف راى رجلا قد
تعسرت عليه حاجته عند عثمان بن عفان (رضى اللّه) ايام
خلافته، فقال له: ائت الميضاه، فتوضا، ثم ائت المسجد فصل
ركعتين، ثم قل: (اللهم انى اسالك واتوجه اليك بنبينا محمد
نبى الرحمه، يا محمد يارسول اللّه، انى اتوجه بك الى ربى
ليقضى لى حاجتى) ثم اذكر حاجتك.


فصنع الرجل ذلك،
فقضيت حاجته من يومها على احسن وجه ! .


قال ابن تيميه: اذا ثبت عن عثمان بن حنيف او غيره انه جعل
من المشروع المستحب ان يتوسل بالنبى ( بعد موته، فقد
علمنا ان عمر واكابر الصحابه لم يروا هذا مشروعا بعد مماته،
كما كان يشرع فى حياته، بل كانوا فى الاستسقاء فى حياته
يتوسلون به، فلما مات لم يتوسلوا به، بل قال عمر فى دعائه لما
استسقى بالناس: (اللهم انا كنا اذا اجدبنا نتوسل اليك بنبينا
فتسقينا، وانا نتوسل اليك بعم نبينا، فاسقنا).


وهذا دعاء اقره
عليه جميع الصحابه ولم ينكره احد.


عندما يكون الانتصار للمذهب هو الغرض، فلا مانع من الايهام
والمغالطات!! .


ففى قوله: (واكابر الصحابه) ايهامان اوقع فيهما القارى:
الاول : ان اكابر الصحابه كلهم او جلهم قد فعلوا ذلك.


فى حين
قاله عمر وحده حين كان هو الخليفه.


الثانى : يوهمك ان عثمان بن حنيف (رضى اللّه) ليس من اكابر
الصحابه ! .


وقوله: (هذا دعاء اقره عليه جميع الصحابه ولم ينكره احد)
ايهام ايضا، فان احدا لم ينكر على عثمان بن حنيف تعليمه
الرجل ذلك الدعاء ! .


وبعد، فان التناقض الذى يفرضه الشيخ ابن تيميه بين الدعاءين
لا وجود له من قريب او بعيد.


واكثر ما يقال: ان كلامنهما قد
دعا بدعاء غير دعاء صاحبه، وليس فى هذا نكير ولا تناقض.


ولكنه لاجل ان ينتصر لفتواه فى منع التوسل والاستشفاع
بالنبى (ص) افترض تناقضا بين القولين، ثم صاغ قاعده تجعل
قول عثمان بن حنيف هنا وحده ليس بحجه، ثم زعم ان هذه
القاعده محل اتفاق اهل العلم.


فى حين ليس فى البين تناقض،
ولم يقل احد ممن يعتمدهم ابن تيميه بتلك القاعده، ولا قال
بها هو الا لهذا الغرض ! .


ذلك اذا قراناه بعقول تحررت من اسر العصبيه للاشخاص
والاراء.


حصاد التجربه : name="link38">
هل نجح فى قهر العصبيه للمذهب الواحد ؟ .


هل خلق من اتباعه جيلا متساميا فوق تلك العصبيه، بغيته
الحق والصواب الموافق للكتاب والسنه وان خالف فتوى ابن
تيميه نفسه ؟ ان شيئا من ذلك لم يحصل، فاتباعه كانوا
يرددون فى حياته: (نحن ما نتبع الا اقوال الامام احمد، وشيخنا
تقى الدين ابن تيميه).


فالنتيجه اذن ان اضيف الى محاور التعصب محورا جديدا تمثل
فى شخص ابن تيميه وفتواه ! .


ولهذا المحور الخامس نزعته الثابته منذ نشاته وحتى يومنا
هذا، ففى حين يحكم على اتباع المذاهب الاخرى بالضلال
لتعصبهم المذهبى، تجد لهذا التعصب ازيزا فى دماغه ودمه لا
يهدا ! .


ثم نشات عند هذا الفريق الدعوه الى اللامذهبيه وترسخت
كعقيده جديده تولى اصحابها شرحها فى كتب عديده
اصدروها، منها كتاب يحمل عنوان (المذهبيه اخطر بدعه) !
غافلين عن انهم قد اسسوا بدعوتهم هذه مذهبا جديدا، بل
فتحوا الطريق لمذاهب لا ينتهى عدها حين منحوا حق
الاجتهاد فى الدين حتى لمن لا يحسن ان يتوضا، فما دام قد
قرا حديثا فله ان يستنبط منه ما يوديه اليه اجتهاده! .


فكم هو جميل ان نعى قوله تعالى: ( اتامرون الناس بالبر
وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتب افلا تعقلون ).


الفصل الثانى- الصفات والتفسير
الصفات منهجه فى التفسير
الصفات
مساله الصفات من المسائل الخطيره التى لا يستحب
الاسترسال فى تفريعاتها وتشعب معانيها ، لذا سنطوى الكلام
فيها طيا سريعا، معتمدين العباره الواضحه، مجانبين تعقيدات
الفلاسفه والمتكلمين ومصطلحاتهم، مع شى ء من التفصيل
المقرب للمعنى.


لم تكن هذه المساله مدار بحث فى عصر الصحابه، واذا طرا
لاحدهم فهم فى شى ء منها فانه يقف عنده، ولا يجعله مدخلا
لسلسله لا تنتهى من الشكوك .


ولما بلغ الشك مبلغه لدى احدهم اتى امير المومنين عليا (ع)،
فقال له: يا امير المومنين، صف لنا ربنا مثلما نراه عيانا، لنزداد
له حبا، وبه معرفه.


فغضب امير المومنين لظهور مثل هذه الشكوك والاوهام فى
الناس، فنادى: الصلاه جامعه ! فاجتمع الناس حتى غص
المسجد باهله، فصعد المنبر، فحمد اللّه واثنى عليه وصلى على
النبى (ص)، ثم خطب خطبته الشهيره بخطبه الاشباح،
فوصف اللّه تعالى بما هو اهله، فقال:
(الحمد للّه الذى لا يفره المنع والجمود، ولا يكديه الاعطاء
والجود..


الاول الذى لم يكن له قبل فيكون شى ء قبله، والاخر الذى ليس
له بعد فيكون شى ء بعده، والرادع اناسى الابصار عن ان تناله او
تدركه.


).


ثم قال: (فانظر ايها السائل: فما دلك القرآن عليه من صفته
فائتم به واستضى بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما
ليس فى الكتاب عليك فرضه، ولا فى سنه النبى (ص) وائمه
الهدى اثره، فكل علمه الى اللّه سبحانه).


فمن عرف هذا الكلام نجا وسلم، ومن ركب الاوهام والظنون
تلقفته مضلات الفتن فاردته فى مهاويها.


يقول الشهرستانى فى (الملل والنحل): ان جماعه كثيره من
السلف كانوا يثبتون للّه تعالى صفات ازليه: من العلم، والقدره،
والحياه، والاراده، والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والاكرام،
والانعام، والعزه، والعظمه.


ولا يفرقون بين صفات الذات
وصفات الافعال، بل يسوقون الكلام سوقا واحدا، وكذلك
يثبتون صفات خبريه، مثل: اليدين، والوجه، ولا يوولون ذلك،
الا انهم يقولون: هذه صفات قد وردت فى الشرع، فنسميها:
صفات خبريه.


ولما كانت المعتزله ينفون الصفات، والسلف يثبتون، سمى
السلف: (صفاتيه)، والمعتزله: (معطله).


فبالغ بعض السلف فى اثبات الصفات الى حد التشبيه بصفات
المحدثات ! واقتصر بعضهم على صفات دلت الافعال عليها، وما
ورد به الخبر.


فافترقوا فيه فرقتين: فمنهم من اوله على وجه يحتمل اللفظ
ذلك.


ومنهم من توقف فى التاويل، وقال: عرفنا بمقتضى العقل ان
اللّه تعالى ليس كمثله شى ء، فلا يشبه شيئا من المخلوقات، ولا
يشبهه شى ء منها، وقطعنا بذلك، الا انا لا نعرف معنى اللفظ
الوارد فيه، مثل قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)،
ومثل قوله: ( خلقت بيدى )، وقوله: ( وجاء ربك ) الى غير
ذلك، ولسنا مكلفين بمعرفه تفسير هذه الايات وتاويلها.


ثم ان جماعه من المتاخرين زادوا على ما قاله السلف، فقالوا:
هذه الايات لا بد من اجرائها على ظاهرها، والقول بتفسيرها
كما وردت من غير تعرض للتاويل، ولا توقف فى الظاهر.


فوقعوا
فى التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما اعتقده السلف.


ولقد
كان التشبيه صرفا خالصا فى اليهود، لا فى كلهم، بل فى
القرائين منهم، اذ وجدوا فى التوراه الفاظا كثيره تدل على
ذلك.


وهذا الاخير هو الذى وقع فيه الشيخ تقى الدين ابن تيميه كما
سنرى.


وحين ابتعد بهم الزمن عن العهد الاول والثانى، وكثر الكلام،
ضاقت الافاق على اكثرهم فاضطربوا فى تحديد المذهب
الصحيح ! .


قال الشهرستانى: ان السلف من اصحاب الحديث لما راوا توغل
المعتزله فى علم الكلام ومخالفه السنه التى عهدوها من الائمه
الراشدين، ونصرهم جماعه من امراء بنى اميه على قولهم
بالقدر، وجماعه من خلفاء بنى العباس على قولهم بنفى
الصفات وخلق القرآن.


تحيروا فى تقرير مذهب اهل السنه
والجماعه فى متشابهات آيات الكتاب الحكيم واخبار النبى
الامين (ص).


فاما احمد بن حنبل، وداود بن على الاصفهانى، وجماعه من
ائمه السلف ، فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من
اصحاب الحديث، مثل: مالك بن انس، ومقاتل بن سليمان،
وسلكوا طريق السلامه، فقالوا: نومن بما ورد به الكتاب والسنه،
ولا نتعرض للتاويل.


وكانوا يتحرزون عن التشبيه الى غايه ان قالوا: من حرك يده
عند قراءه قوله تعالى: ( خلقت بيدى )، او اشار باصبعيه عند
روايه: (قلب المومن بين اصبعين من اصابع الرحمن) وجب
قطع يده، وقلع اصبعيه.


غير ان جماعه من الشيعه الغاليه، وجماعه من اصحاب الحديث
الحشويه صرحوا بالتشبيه.


اما الحشويه، فمن قولهم: يجوز عليه الانتقال، والنزول،
والصعود، والاستقرار، والتمكن.


وله جوارح واعضاء من يد ورجل
ونحو ذلك، ومع هذا فليس كمثله شى ء، لا يشبه شيئا من
المخلوقات، ولا يشبهه شى ء.


وهذا الاخير ايضا كله قال به ابن تيميه وان غير فى اللفظ،
فتعالى اللّه عما يصفون.


وكان له فى بعض مقالاته قصه، كاد
المورخون ان يخفوها لفرط ميلهم.


فالصفدى قال: طلب الى مصر ايام ركن الدين بيبرس
الجاشنكير، وعقد له مجلس فى مقاله قالها ! .


ولكن ما هى هذه المقاله ؟ .


كان ابن الوردى اكثر وضوحا حين قال: استدعى الشيخ الى
مصر، وعقد له مجلس، واعتقل بما نسب اليه من التجسيم.


اذن تلك المقاله كانت فى التجسيم ! .


ولكن اى شى ء قال ؟ لا يرتاح المورخون الذين كانوا جميعا من
اصدقائه ان يكشفوا عنها.


ونظير ذلك قد وقع من قبل، ولكن من غير دعوه الى مصر، او
سجن، بل كان الامر على العكس.


قال ابن كثير: كان وقع - فى دمشق - محنه للشيخ تقى الدين
ابن تيميه، وقام عليه جماعه من الفقهاء وارادوا احضاره الى
مجلس القاضى جلال الدين الحنفى، فلم يحضر ! .


فنودى فى البلد فى العقيده التى كان قد ساله عنها اهل حماه،
المسم-اه ب(الحمويه)، فانتصر له الامير سيف الدين جاعان،
وارسل يطلب الذين قاموا عليه، فاختفى كثيرمنهم، وضرب
جماعه ممن نادى على العقيده فسكت الباقون!.


وبقى هذا الامر يكاد يخفى، حتى جاء الزائر الغريب، الذى لم
يكن ينتمى الى احد من فقهاء دمشق، فلم يتعصب لهذا على
ذاك ، بل هو زائر جوال يحكى ما شهده بنفسه، لا ما نقله اليه
غيره، انه الرحاله الشهير ابن بطوطه ! .


كان فى دمشق تلك الايام، سائحا يمضى فيها اياما ليدون عنها
مشاهداته، ثم يرحل عنها خفيف الظل.


وشاء اللّه ان يكون ابن بطوطه حاضرا ذلك المجلس الخطير
ليصفه لنا من داخل المسجد الاموى، وفى قباله المنبر حيث
يقوم الشيخ تقى الدين، ثم يسجل ما شاهدته عيناه وسمعته
اذناه تحت عنوان ملفت للنظر، فلنقرا مشاهدته كما سجلها فى
رحلته، اذ يقول تحت عنوان:
(حكايه الفقيه ذى اللوثه !):
كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابله تقى الدين ابن تيميه،
كبير الشام، يتكلم فى الفنون، الا ان فى عقله شيئا ! وكان اهل
دمشق يعظمونه اشد التعظيم ويعظهم على المنبر، وتكلم بامر
انكره الفقهاء.


قال: وكنت اذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعه وهو يعظ
الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جمله كلامه ان
قال: (ان اللّه ينزل الى سماء الدنيا كنزولى هذا) ونزل درجه من
المنبر ! .


فعارضه فقيه مالكى يعرف بابن الزهراء، وانكر ما تكلم به، فقامت
العامه الى هذا الفقيه وضربوه بالايدى والنعال ضربا كثيرا حتى
سقطت عمامته وظهر على راسه شاشيه حرير، فانكروا عليه
لباسها واحتملوه الى دار عز الدين بن مسلم قاضى الحنابله،
فامر بسجنه، وعزره بعد ذلك.


ومقوله ابن تيميه هذه ذكرها ابن حجر العسقلانى ايضا فى
الدرر الكامنه.


تلك صوره عن عقيدته فى اللّه تعالى.


فهو يجيز عليه تعالى
الانتقال والتحول والنزول، وفى هذا التصور من التجسيم ما لا
يخفى، فالذى ينتقل من مكان الى مكان ، وينزل ويصعد، فلا بد
انه كان اولا فى مكان ثم انتقل الى مكان آخر، فخلا منه المكان
الاول، واحتواه المكان الثانى، والذى يحويه المكان لا يكون الا
محدودا! فتعالى اللّه عما يصفون !! .


واين هذا من كلام السلف ؟ .


واين هو من كلام امامه احمد بن حنبل الذى كان يقول: من
حرك يده عند قراءه قوله تعالى: ( خلقت بيدى ) قطعت يده !
ومن حرك اصابعه عند روايه: (قلب المومن بين اصبعين من
اصابع الرحمن) وجب قطع اصابعه ! .


انه بناء على قول الامام احمد هذا، وهو قول مالك بن انس ايضا:
يجب ان يقطع ابن تيميه باكمله ! فانه اشار بكل جسده وزعم
ان اللّه تعالى ينزل كنزوله هذا!! .


وقد طعن بعضهم فى هذه القصه لانها لم ترد فى كتب ابن
تيميه، كما شككوا فى كون ابن بطوطه قد راى ابن تيميه ! .


والافضل لهم ان يحتجوا بما كتبه ابن تيميه فى (الحمويه
الكبرى) فى قوله: اذا قال السائل: كيف ينزل ربنا الى السماء
الدنيا ؟ قيل له: كيف هو ؟ فاذا قال: لا اعلم كيفيته.


قيل له:
ونحن لا نعلم كيفيه نزوله .


لكن ابن بطوطه لم ينفرد بما نقله، بل نقله ابن حجر
العسقلانى ايضا، فهل يمتنع ان يذكر الشيخ فى درسه شيئا ثم
يكتب خلافه ؟! .


ان احدا لم يخالف فى ان ابن تيميه لم يقف عند ما وقف عليه
بعض متقدمى السلف من الايمان والتسليم، بل تعدى ذلك الى
لزوم اجراء المعنى على ظاهره، ثم منع من تاويل شى ء من آيات
الصفات، فعند قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى ) لا بد
ان نعتقد بما يوديه الظاهر من حقيقه الاستواء على العرش ! .


يقول: والذين يوولون المعنى فيقولون هنا ان المراد بالعرش هو
الملك، والاستواء هو الاستيلاء والتمكن، اولئك ما قدروا اللّه
حق قدره، وما عرفوه حق معرفته !! .


فيكون عنده الذى جعل للّه حدا، فيكون على عرش محدد
بمعناه الظاهرى، وان العرش يحويه، ذلك هو الذى عرف اللّه
حق معرفته وقدره حق قدره !! .


( سبحانه وتعالى عما يصفون ).


فلا هو تمسك بقول اهل التسليم وامرار الايات كما هى، ولا هو
اخذ بقول من تاول المعنى الظاهر تنزيها للّه تعالى عن
التجسيم والتحديد، ظنا منه ان من ذهب الى التاويل فقد
ذهب الى قول المعطله الذين ينفون الصفات الازليه ، كالعلم
والقدره والحكمه ونحوها.


وهذا وهم كبير، فبين هذه الصفات
الازليه، وما ذهب اليه من صفات الاجسام فى الجلوس
والانتقال والنزول والصعود بون شاسع وفارق كبير ! .


ولعل الذى اوقعه بهذا شده تحامله على منكرى الصفات
وتحمسه الشديد فى الرد عليهم، حتى وضعه حماسه هذا فى
الطرف الاخر نقيضا لهم مبتعدا عن النمط الاوسط.


وزاد فى الامر غرابه حين اراد ان يحتج لعقيدته تلك، فزعم ان
ذلك هو اجماع السلف قاطبه ! وقد قرات عقائد السلف فى ما
جمعه الشهرستانى عنهم فى كتابه (الملل والنحل) مما نقلناه
فى مقدمه هذا الفصل.


ثم زعم ان احدا من السلف لم يذهب الى تاويل آيه واحده من
آيات الصفات او حديث واحد من احاديث الصفات، فقال ما نصه:
اما الذى اقوله الان واكتبه، وان كنت لم اكتبه فيما تقدم من
اجوبتى، وانما اقوله فى كثير من المجالس: ان جميع ما فى
القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابه اختلاف فى
تاويلها، وقد طالعت التفاسير المنقوله عن الصحابه، وما رووه
من الحديث، ووقفت على ما شاء اللّه تعالى من الكتب الكبار
والصغار اكثر من مئه تفسير ! فلم اجد الى ساعتى هذه عن احد
من الصحابه انه تاول شيئا من آيات الصفات او احاديث الصفات
بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف.


ولكى نعرف مدى نصيب هذا الكلام من الصحه نقف عند واحده
من اولى آيات الصفات فى القرآن الكريم، ومع التفسير الذى
عده الشيخ ابن تيميه احسن التفاسير (ليس فيه بدعه، ولا
يروى عن المتهمين)، ذلك هو تفسير الطبرى، والايه هى تلك
التى قال فيها ابن تيميه انها اعظم آيات الصفات، وهى آيه
الكرسى، الخامسه والخمسين بعد المئتين من سوره البقره:
واول شى ء ذكره الطبرى فى تفسير قوله تعالى: ( وسع كرسيه
السموت والارض ) حديثين اخرجهما بالاسناد الى ابن عباس،
فقال:
اختلف اهل التاويل فى معنى الكرسى، فقال بعضهم: هو علم
اللّه تعالى ذكره.


ذكر من قال ذلك:
ابو كريب وسلم بن جناده، عن ابن ادريس، عن مطرف، عن
جعفر بن ابى المغيره، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:
(كرسيه) علمه.


يعقوب بن ابراهيم، عن هشيم، عن مطرف، عن جعفر بن ابى
المغيره، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (كرسيه) علمه،
الا ترى الى قوله: ( ولا يوده حفظهما ) ؟ .


فحين ابتدا الطبرى بقوله: اختلف اهل التاويل، كان الشيخ تقى
الدين يجزم بان السلف لم يختلفوا فى شى ء من آيات الصفات ! .


وحين يجزم الشيخ تقى الدين ابن تيميه قائلا: لم اجد الى
ساعتى هذه عن احد من الصحابه انه تاول شيئا من آيات
الصفات، يفتتح الطبرى تفسيره بتاويل الصحابى الجليل ابن
عباس على خلاف ما يذهب اليه الشيخ ابن تيميه !! .


فهو يذهب الى ما جاءت به الحشويه من اخبار ذكرها الطبرى
بعد قول ابن عباس، مفادها ان الكرسى هو موضع القدمين من
العرش، او هو العرش الذى يقعد عليه اللّه تعالى شانه فلا يفضل
منه مقدار اربع اصابع، وله اطيط كاطيط الرحل الجديد !! .


ثم ختم الطبرى بقوله: واما الذى يدل على صحته ظاهر القرآن
فقول ابن عباس: هو علمه.


وذلك لدلاله قوله تعالى : ( ولا يوده
حفظهما ).


الى آخر كلامه.


ثم ينتقل الى قوله تعالى: ( وهو العلى العظيم ) من نفس الايه
وهى ايضا مما جاء فى الصفات، اذ يذهب اهل التجسيم الى ان
العلو هو علو المكان اى جهه الفوق، وهو الذى ينصره ابن تيميه
ويجزم انه كلام السلف بلا خلاف ! .


فيقول الطبرى: واختلف اهل البحث فى معنى قوله : ( وهو
العلى العظيم )!.


فقال بعضهم: يعنى بذلك: وهو العلى عن النظير والاشباه،
وانكروا ان يكون معنى ذلك هو العلى المكان.


وقالوا: غير جائز
ان يخلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلو المكان، لان ذلك
وصفه بانه فى مكان دون مكان.


فهذا كله من قول السلف فى التاويل، فى آيه واحده، هى اعظم
آيات الصفات، لتعرف بعد ذلك اين موقع مقاله (شيخ الاسلام)
ابن تيميه المتقدمه :
(طالعت التفاسير المنقوله عن الصحابه..


فلم اجد الى ساعتى
هذه عن احد من الصحابه انه تاول شيئا من آيات الصفات) ! .


ثم ان الشيخ ابن تيميه يصف تفسير ابن عطيه بانه ارجح
التفاسير كلها بعد تفسير الطبرى، فماذا يقول ابن عطيه ؟ .


اثبت ابن عطيه ما نقلناه هنا عن الطبرى من تفسير ابن عباس
للكرسى، وتفسير (العلى)، ثم قال فى اخبار الحشويه التى رواها
الطبرى بعد هذا، وبها تمسك ابن تيميه، قال ابن عطيه ما
نصه: هذه اقوال جهله مجسمين، وكان الواجب ان لا تحكى ! .


وفى هذا من الموعظه ما يكفى ! ومن غريب ما استدل به ابن
تيميه على جهه العلو هذه شاهدان عجيبان:
الاول : قول فرعون فى ما حكاه القرآن الكريم: ( وقال فرعون يا
همن ابن لى صرحا لعلى ابلغ الاسباب اسباب السموات
فاطلع الى اله موسى ) فعلم فرعون ان اله موسى انما هو فى
السماء لا غير ! .


ونسب علم فرعون هذا الى اخبار موسى اياه.


ولكن اين اخبره
موسى ؟ القرآن لم يقل بذلك، ولا جاء به حديث، ولكن الشيخ
استظهره من قول فرعون (وانى لاظنه من الكاذبين) ! ولا
يخلو هذا من تعسف ظاهر فى نصره المذهب.


والثانى : رفع اليدين فى الدعاء، دليل على ان اللّه تعالى فى
السماء ! .


ترى هل فى توجه المصلين الى الكعبه الشريفه وقول كل منهم
فى استفتاح صلاته: (وجهت وجهى للذى فطر السماوات
والارض)، هل فيه دليل على انه تعالى هناك فى الكعبه
المشرفه ؟! .


سبحانه وتعالى عما يصفون، وهو تعالى القائل: ( وما قدروا اللّه
حق قدره).


وللشيخ فى الصفات كلام كثير لم يصلنا فى كتبه لكن من
كلامه (المضاع) ما تسرب عنوه، كالذى نقله ابن بطوطه وابن
حجر العسقلانى، وشى ء مما نقله عنه معاصره الكبير ابو حيان
الاندلسى صاحب تفسيرى (البحر المحيط) و (النهر الماد من
البحر)، وقد نقل فيهما اشياء من كلام ابن تيميه فى الصفات
ورد عليه فى مواضع كثيره، غير انك لا تجد الان من هذه
المواضع الكثيره حرفا واحدا فى المطبوع من هذين الكتابين !
ولولا ان آخرين نقلوا عن ابى حيان بعض كلامه لضاع واختفى
اثره ! .


ومن ذلك المنقول عن ابى حيان فى كتابه (النهر)،
قوله: قرات فى (كتاب العرش) لاحمد بن تيميه ما صورته
بخطه: (ان اللّه تعالى يجلس على الكرسى، وقد اخلى مكانا
يقعد معه فيه رسول اللّه).


وقد ذكر اصحاب التفاسير هذا القول منسوبا الى مجاهد، ثم
عقبوا عليه بقولهم: ان لمجاهد قولين متروكين، هذا اولهما.


مثال آخر واخير : name="link41">
فى معنى الوجه، ودفاعه عن عقيدته فى ان للّه تعالى وجها على
الحقيقه، قال فى ما حكاه من مناظره له مع بعض العلماء فى
العقيده، قال:
فاحضر بعض اكابرهم كتاب (الاسماء والصفات) للبيهقى، فقال:
هذا فيه تاويل الوجه عن السلف.


فقلت: لعلك تعنى قوله تعالى: ( فاينما تولوا فثم وجه اللّه ) ؟ .


فقال: نعم، قد قال مجاهد والشافعى: يعنى قبله اللّه.


فقلت: نعم، هذا صحيح عن مجاهد والشافعى وغيرهما، وهذا
حق، وليست هذه الايه من آيات الصفات، ومن عدها من آيات
الصفات فقد غلط، كما فعل طائفه، فان سياق الكلام يدل على
المراد، حيث قال: ( وللّه المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه
اللّه ) والمشرق والمغرب: الجهات.


والوجه: هو الجهه، يقال: اى وجه تريد ؟ اى : اى جهه ؟ وانا اريد
هذا الوجه، اى : هذه الجهه.


كما قال تعالى: ( ولكل وجهه هو
موليها ).


ولهذا قال: (فاينما تولوا فثم وجه اللّه ) اى : تستقبلوا
وتتوجهوا.


واللّه اعلم.


ترى والايات الاخر التى ذكرت الوجه، هل قال احد من السلف
ان المراد هو الوجه على الحقيقه ؟ .


الحق ان من زعم ذلك فقد افترى على السلف افتراء عظيما،
وبين يديك جميع التفاسير التى نقلت اقوال السلف، كتفسير
الطبرى، والبغوى، والقرطبى، والدر المنثور وغيرها.


وعمده
الشيخ فى عقيدته ، قوله تعالى: ( كل شى ء هالك الاوجهه)،
وقوله تعالى: ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ).


فماذا قال فيها السلف ؟ .


قال الطبرى: واختلف فى معنى قوله ( الا وجهه ) فقال
بعضهم: معناه كل شى ء هالك الا هو.


وقال آخرون: معنى ذلك: الا ما اريد به وجهه.


واستشهدوا
لتاويلهم بقول الشاعر:
استغفر اللّه ذنبا لست محصيه
رب العباد اليه الوجه والعمل
ولم يزد على هذا حرفا واحدا .


وقال البغوى: ( الا وجهه ) اى الا هو.


وقيل: الا ملكه.


قال ابو العاليه: الا ما اريد به وجهه.


ولم يزد فوق هذا كلمه
واحده.


وفى الدر المنثور: عن ابن عباس، قال: المعنى الا ما يريد به
وجهه.


وعن مجاهد: الا ما اريد به وجهه.


وعن سفيان: الا ما اريد به وجهه من الاعمال الصالحه.


وليس
فيه كلمه واحده زائده على هذا المعنى.


ومثل هذا تجده عند تفسير آيه سوره الرحمن.


واما سائر الايات الاخر فالمراد من ذكر (وجه اللّه) فيها هو ثوابه،
كما عليه اصحاب التفسير من السلف والخلف، وتلك الايات
جميعها هى:
- قوله تعالى: ( وما تنفقون الا ابتغاء وجه اللّه ).


- وقوله: ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ).


- وقوله: ( ذلك خير للذين يريدون وجه اللّه ).


- وقوله: ( وما آتيتم من زكوه تريدون وجه اللّه ).


- وقوله: ( انما نطعمكم لوجه اللّه ).


- وقوله: ( الا ابتغاء وجه ربه الاعلى ).


فمن اين اتى بتفسير الوجه على ظاهره ؟ .


وهنا غريبتان لا بد من ذكرهما:
الاولى : نقله فى غير موضع عن الامام مالك وقد ساله رجل عن
معنى الاستواء على العرش، فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف
مجهول، والسوال عنه بدعه، وما اراك الا رجل سوء.


فامر
باخراجه فاخرج من المجلس.


ترى ما عسى ان يقول مالك فى رجل افنى عمره خوضا فى هذا
الباب تحديثا وتصنيفا ؟! .


والثانيه : انه رغم تشديده على ان عقيدته هى عقيده السابقين
من الصحابه والتابعين، فهو لم يستطع ان ياتى بشاهد واحد من
قول صحابى، ولا واحد من الجيل الاول من التابعين ! .


فواخيبه المسعى وضيعه الايام.


ثم من سيعود بعد هذا باللائمه على اناس يقف احدهم على
مثل هذه الكلمات الجازمه، والتقريرات القاطعه التى يبنى
عليها الشيخ تقى الدين ابن تيميه عقيدته، من مثل قوله:
(باتفاق اهل العلم) و (اجماع السلف) و (قول السلف) و (لم اجد
الى ساعتى هذه عن احد من الصحابه انه تاول شيئا من آيات
الصفات) ونحو هذا، فيخشع لها ويسلم ؟! فكيف لا وهى اقوال
(شيخ الاسلام) و (امام عصره بلا منازع) ؟! .


وهل يتسرب الى ظن القارى - مسلما كان او غيره - ان احدا
من علماء الاسلام يمارس هذا المستوى من المغالطه والايهام،
حتى مع اتباعه ومقلديه ؟! .


والغريب انه بعد ذلك يرد على احد معاصريه فيقول: انه اساء
الادب مع السلف حين نسب اليهم ما لا يصح عنهم ! .


البراءه من التجسيم : name="link42">
حين يسعى الشيخ لاظهار البراءه من التجسيم فغايه ما يراه ان
ما ينسبه الى اللّه تعالى من الجوارح ، كاليد والرجل والوجه، لا
يصح تشبيهه بجوارح المخلوقات، بل يجب القطع بان اللّه تعالى
ليس كمثله شى ء، وانما يجب اثبات هذه الجوارح وما ينسبها
من صفات كالاستواء على العرش ونحوه مع عدم وصف
الكيفيه.


والحقيقه ان هذا هو التشبيه بعينه، فهو يثبت الاعضاء والاجزاء
كالتى للانسان، الا انه يقول: هذا لا يشبه هذا ! فهل يا ترى وجد
احد يقول بان اللّه تعالى كبعض خلقه ؟ ان اكثر من قال
بالتجسيم لم يقل بهذا، بل يكرر دائما: (ليس كمثله شى ء) ثم
يثبت له تعالى ما اثبته ابن تيميه من الاعضاء والحالات، ثم يعود
فيقول: ليست هى كاعضاء المخلوقات، ولا كحالاتهم ! .


لكن ابن تيميه لا يرى هذا من التشبيه، بل هو عنده الاعتقاد
الصحيح، فيقول: ان السلف انما كانوا يذمون المشبهه الذين
يقولون: بصر كبصرى، ويد كيدى، وقدم كقدمى !! .


نعم، انه لم يوافق هولاء المجسمه الصرحاء الذين غلوا فى
التجسيم، بل حمل عليهم كثيرا وطعن فى الاحاديث التى
يستندون اليها ووصفها بانها موضوعه ليس لها مصدر ولا اسناد
معتبر.


احاديث موضوعه فى التجسيم :
عد من احاديثهم الموضوعه حديث: (ان اللّه ينزل عشيه عرفه
على جمل اورق، يصافح الركبان ويعانق المشاه) ! .


وحديث فيه: (انه (ص) راى ربه حين افاض من مزدلفه يمشى
امام الحجيج وعليه جبه صوف) ! .


وحديث: (ان اللّه يمشى على الارض) فاذا كان موضع خضره
قالوا: هذا موضع قدميه، ويقراون قوله تعالى: ( فانظر الى آثار
رحمه اللّه كيف يحيى الارض بعد موتها ).


قال: وهذا من اعظم الكذب على اللّه ورسوله، وكل حديث فيه
ان محمدا(ص) راى ربه بعينه فى الارض فهو كذب.


لكنه صحح احاديث اخرى، كحديث: (ان اللّه يدنو عشيه عرفه)
و (ان اللّه ينزل الى السماء الدنيا كل ليله).


واما دفاعه عن التجسيم فهو دفاع المجسمه الصرحاء، فيقول
ردا على القائلين بتنزيه اللّه تعالى عن الاعضاء والاجزاء: انهم
جعلوا عمدتهم فى تنزيه الرب عن النقائص على نفى التجسيم،
ومن سلك هذا المسلك لم ينزه اللّه عن شى ء من النقائص
البته.


خلاصه :
ثم يلخص مصادر عقيدته فى ذلك، فيقول مكررا قول
الاشعرى:
(فان قال قائل: قد انكرتم قول الجهميه والقدريه والخوارج
والروافض والمعتزله والمرجئه، فعرفونا قولكم الذى به تقولون،
وديانتكم التى بها تدينون.


قيل له: قولنا الذى نقول به، وديانتنا التى ندين بها: التمسك
بكتاب ربنا وسنه نبينا، وما جاء عن الصحابه والتابعين وائمه
المسلمين، وبما كان يقول به ابو عبداللّه احمد بن حنبل
قائلون، ولما خالف قوله مجانبون، فانه الامام الكامل، والرئيس
الفاضل الذى ابان اللّه به الحق، واوضح به المناهج، وقمع به
بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين وشك الشاكين، وذكر جمله
الاعتقاد، والاعتقاد على علو اللّه على العرش، وعلى الرويه،
ومساله القرآن ونحو ذلك).


اذن نود ان نقف على مصداقيه هذا القول، ومن وجهه نظر
حنبليه صرفه، ومع واحد من كبار ائمه المذهب الحنبلى
ومشاهيرهم: ابى الفرج عبدالرحمن ابن الجوزى (ت 597 ه) اذ
يقول:
(اعلم ان الناس فى اخبار الصفات على ثلاث مراتب:
احدها: امرارها على ما جاءت، من غير تفسير ولا تاويل، الا ان
تقع ضروره، كقوله تعالى: ( وجاء ربك ) اى: جاء امره، وهذا
مذهب السلف).


وهذا كلام صريح فى تحقيق خطا ابن تيميه، فحتى هذا الفريق
الذى كان يتجنب التاويل والتفسير واعطاء شى ء من المعانى
فى هذه الايات، كان يلجا الى التاويل تنزيها للّه تعالى من
التشبيه، كما فى المثال المذكور ونظائره.


وكل هذا نفاه ابن
تيميه عن السلف ليبرر عقيدته فى ان اللّه جل جلاله يجى ء
ويروح وينزل ويصعد ! .


قال ابن الجوزى :
(والمرتبه الثانيه : التاويل، وهو مقام خطر) الا ما كان على نحو
المثال المتقدم، وانما تكمن خطوره التاويل فى الافراط فيه
الى حد التعطيل .


(والمرتبه الثالثه : القول فيه بمقتضى الحس، وقد عم جهله
الناقلين، اذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التى يعرف بها
ما يجوز على اللّه تعالى، وما يستحيل، فان علم المعقولات
يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه، فاذا عدموها تصرفوا فى
النقل بمقتضى الحس).


وهذا وصف دقيق لمذهب ابن تيميه، فهو وان كان له حظ من
المعقولات، الا انه عطل هذا الحظ هنا تماما عندما جزم بوجوب
عدم تدخل المعقولات فى شى ء من الايات والاحاديث الداله
على الصفات، ولزوم اجرائها بحسب ظاهرها وبمقتضى الحس،
كما صنع (جهله الناقلين) بحسب عباره ابن الجوزى الامام
الحنبلى، او كما صنع (جهله المجسمين) بعباره ابن عطيه
صاحب ارجح التفاسير كما تقدم ذكره قبل قليل.


وبعد، فدعوى التمسك بقول السلف من الصحابه والتابعين
وتابعيهم، اين ذهبت به عن امام علماء السلف بلا منازع: على
بن ابى طالب (ع) ؟! .


فهلا وقف على شى ء من كلامه ؟! وهو اول من تكلم فى هذا
الباب منهم واكثرهم كلاما فيه، تكلم وكانه يعلم كيف ستفترق
المذاهب بعده، فاوصد عليهم ابواب التوهم والاختلاف، وجعل
على حافه كل شبهه طرات بعده جوابا محكما، بكلام جلى
وبيان فصيح، فما كان احوجهم اليه ! .


فمن كلامه (ع) فى التوحيد:
(ما وحده من كيفه، ولا حقيقته اصاب من مثله، ولا اياه عنى
من شبهه.


فاعل لا باضطراب آله، مقدر لا بجول فكره.


لا يشمل بحد، ولا يحسب بعد، وانما تحد الادوات انفسها.


ولايجرى عليه السكون والحركه، وكيف يجرى عليه ما هو
اجراه، ويعود فيه ما هو ابداه، ويحدث فيه ما هو احدثه ؟! اذا
لتفاوتت ذاته ولتجزا كنهه ولامتنع من الازل معناه ! ولكان له
وراء اذا وجد له امام !! واذا لقامت آيه المصنوع فيه.


لا تناله الاوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره.


لا يوصف بشى ء من الاجزاء، ولا الجوارح والاعضاء، ولا بالغيريه
والابعاض.


ولا يقال: له حد، ولا نهايه، ولا انقطاع ولا غايه.


ولا ان الاشياء تحويه، فتقله او تهويه، او ان شيئا يحمله، فيميله
او يعدله !.


ليس فى الاشياء بوالج، ولا عنها بخارج.


يخبر لا بلسان ولهوات.


ويسمع لا بخروق وادوات.


العالى على كل شى ء بجلاله وعزته.


).


فهذه الفقرات كلها قد جاءت بنقيض ما قال به الشيخ ابن تيميه
ثم نسبه الى اجماع الصحابه بلا ادنى خلاف من احدهم !! .


فما كان احوجه الى هذا البيان ونظائره الكثيره التى صحت عن
امير المومنين(ع)، ليجد نفسه غنيا كل الغنى عن اخبار
الحشويه وتصوراتهم القاصره، غنيا عن اخبار عكرمه الخارجى
الكذاب ! التى اكثر منها اكثارا مدهشا فى هذا الباب.


عقيده اهل السنه : name="link45">
لم يات نكير فقهاء عصره عليه لدعوته الى التجديد وجمودهم
على التقليد ، كما توهم الكثير ممن خدعه زخرف القول
وصرعه التهويل المتكرر باسم السابقين الاولين، والسلف
الصالح، ودعوى الاجماع المنسوب اليهم ! ثم ممن تناقل
اقوالهم الجاهزه احسانا للظن بهم واعفاء للنفس من عناء
التحقيق والنظر.


ولقد رايت فيما قرات اساتذه كبارا وقعوا فى هذه الشراك !
فالحق ان عقيدته فى الصفات كانت واحدا من اهم محاور
الصراع الذى خاضه مع علماء عصره، فهى السبب الوحيد لما
دار بينه وبين المالكيه من فتن فى دمشق، وهى السبب
الوحيد لاستدعائه الى مصر ثم سجنه هناك ، كما كانت سببا
فى عده مجالس عقدت هنا وهناك لمناقشه اقواله.


ولم ينفرد المالكيه فى الرد عليه، بل كان هذا هو شان الحنفيه
والشافعيه ايضا، واما الحنبليه فقد تقدم ما يفى فى اظهار
شذوذه عنهم.


قال الشيخ الكوثرى الحنفى فى وصف عقيده ابن تيميه فى
الصفات: انها تجسيم صريح.


ثم نقل مثل ذلك عن ابن حجر
المكى فى كتابه (شرح الشمائل).


وللشافعيه دورهم البارز فى مواجهه هذه العقيده، فقد صنفوا
فى بيان اخطاء ابن تيميه فيها كثيرا، وربما يعد من اهم
تصانيفهم تلك ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جهبل،
المتوفى سنه 733 ه.


ويكتسب هذا التصنيف اهميته لسببين:
اولهما : ان هذا الشيخ كان معاصرا لابن تيميه، وقد كتب رده
هذا فى حياه ابن تيميه موجها اليه.


والثانى : انه ختمه بتحد صريح، قال فيه: (ونحن ننتظر ما يرد
من تمويهه وفساده، لنبين مدارج زيغه وعناده، ونجاهد فى اللّه
حق جهاده).


ثم لم يذكر لابن تيميه جوابا عليه رغم انه قد
وضعه ردا على (الحمويه الكبرى) التى القاها الشيخ ابن تيميه
على المنبر فى سنه 698 ه.


ورساله الشيخ ابن جهبل هذه ذكرها السبكى فى طبقاته
كامله، سناتى هنا بجمل قليله منها ليظهر لك البون الشاسع
بين عقيده اهل السنه، وما سطره ابن تيميه فى عقائده:
قال ابن جهبل: الذى دعانى الى تسطير هذه النبذه: ما وقع فى
هذه المده مما علقه بعضهم فى اثبات الجهه، واغتر بها من لم
يرسخ له فى التعليم قدم، ولم يتعلق باذيال المعرفه، فاحببت
ان اذكر عقيده اهل السنه والجماعه، ثم ابين فساد ما ذكره، مع
انه لم يدع دعوى الا نقضها، ولا اطد قاعده الا هدمها.


قال: مذهب الحشويه فى اثبات الجهه مذهب واه ساقط، وهم
فريقان:
فريق لا يتحاشى فى اظهار الحشو.


وفريق يتستر بمذهب السلف ويكذب على السابقين الاولين
من المهاجرين والانصار، ولو انفق مل ء الارض ذهبا ما استطاع
ان يروج عليهم كلمه تصدق دعواه، وتستر هذا الفريق بالسلف
حفظا لرئاسته والحطام الذى يجتلبه، او هوى يجمع عليه
الطغام الجهله والرعاع السفله.


ومذهب السلف انما هو التوحيد والتنزيه، دون التجسيم
والتشبيه.


ولقد كان الصحابه رضى اللّه عنهم لا يخوضون فى شى ء من
هذه الاشياء، مع ان سيوف حججهم مرهفه ورماحها مشحوذه.


ولم ينقل عن سيد البشر (ص) ولا احد من اصحابه رضى اللّه
عنهم انه جمع الناس فى مجمع عام ثم امرهم ان يعتقدوا فى
اللّه تعالى كذا وكذا.


وباللّه اقسم يمينا بره، ما هى مره، بل الف الف مره، ان سيد
البشر (ص) لم يقل : ايها الناس اعتقدوا ان اللّه تعالى فى جهه
العلو.


ولا قال ذلك الخلفاء الراشدون، ولا احد من الصحابه، بل
تركوا الناس وامر التعبدات والاحكام، اما التحريك للعقائد
والتشمير لاظهارها واقامه نائرها فما فعلوا ذلك، بل حسموا
البدع عند ظهورها.


واضاف مخاطبا ابن تيميه فى عقيدته: ثم قلت: (عن السلف
فى ذلك - اى فى اثبات الجهه للّه تعالى - من الاقوال ما لو
جمعته لبلغت مائتين الوفا) فنقول:
ان اردت بالسلف سلف المشبهه كما سياتى فى كلامك فربما
قاربت، وان اردت سلف الامه الصالحين فلا حرفا ولا شطر
حرف، وها نحن معك فى مقام مقام ومضمار مضمار.


وبعد متابعته كلام ابن تيميه ورده فقره فقره، قال:
ونقول له: اول ما بدات به الاوزاعى وطبقته ومن بعدهم ! فاين
السابقون الاولون من المهاجرين والانصار ؟! .


ثم من اين لك صحه هذا النقل عن الاوزاعى ؟! .


ثم قال: ونقل - اى ابن تيميه - عن مالك بن انس والثورى
والليث والاوزاعى انهم قالوا فى احاديث الصفات: امروها كما
جاءت.


فيقال له: لم لا امسكت على ما امرت به الائمه ؟! .


قال: وحكى عن عبدالقادر الجيلى انه قال: اللّه بجهه العلو
مستو على عرشه.


فليت شعرى ! لم احتج بكلامه وترك مثل جعفر الصادق،
والشبلى، والجنيد، وذى النون المصرى، وجعفر بن نصير
واضرابهم، رضى اللّه عنهم ؟!.


ثم ذكركلام جعفر الصادق (ع) فى غير موضع، قال: وذى
الحسب الزكى، والنسب العلى، سيدالعلماء، ووارث خيرالانبياء،
جعفرالصادق (رضى اللّه)، قال: (من زعم ان اللّه فى شى ء، او من
شى ء، او على شى ء فقد اشرك ! اذ لو كان فى شى ء لكان
محصورا، ولو كان على شى ء لكان محمولا، ولو كان من شى ء
لكان محدثا).


ثم اوجز عقيده اهل السنه، فقال: وها نحن نذكر عقيده اهل
السنه، فنقول:
(عقيدتنا: ان اللّه قديم، ازلى، لايشبه شيئا، ولا يشبهه شى ء،
ليس له جهه ولا مكان، ولا يجرى عليه وقت ولا زمان، ولا يقال
له (اين) و (حيث)، يرى لا عن مقابله ولا على مقابله، كان ولا
مكان، كون المكان، ودبر الزمان، وهو الان على ما عليه كان).


ثم ختم الكلام بقوله: ونحن ننتظر ما يرد من تمويهه وفساده،
لنبين مدارج زيغه وعناده، ونجاهد فى اللّه حق جهاده، والحمد
للّه رب العالمين.


منهجه فى التفسير
ماذا فسر من القرآن ؟ name="link47">
لم يفسر القرآن كله، ولا فسر سوره كامله منه، باستثناء بعض
السور القصار كالكوثر، والاخلاص، والفلق، والناس، وانما اكتفى
بتفسير آيات قلائل متفرقه من بعض السور لا كلها، لانه كان
يرى ان آيات القرآن الكريم منها ما هو ظاهر المعنى لا يحتاج
الى تفسير، ومنها ما بينه المفسرون بما فيه الكفايه.


ويمكن حصر الايات التى عنى بتفسيرها فى موضوعين:
الاول : آيات الصفات.


والثانى : الايات التى تقوده الى الرد على الصوفيه وعقائدهم.


وقد كان يسوق الايات سوقا عجيبا الى هذين الموضوعين،
واليك هذا المثال:
فى تفسير سوره الكوثر، يقول: سوره الكوثر ما اجلها من سوره،
واغزر فوائدها على اختصارها، وحقيقه معناها تعلمها من آخرها،
فانه سبحانه وتعالى يبتر شانى رسوله من كل خير.


وهذا جزاء
من شنا بعض ما جاء به الرسول ورده لاجل هواه، او متبوعه، او
شيخه، او اميره، او كبيره، كمن شنا آيات الصفات واحاديث
الصفات.


/ 12