قرآن الکریم فی روایات المدرستین جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قرآن الکریم فی روایات المدرستین - جلد 2

سیدمرتضی العسکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ثامنا ـ مناقشة استدلالهم
بالايتين.

أ ـ مناقشة استدلالهم بآية (مَا
نَنسَخْ مِن آيَةٍ)

مورد مناقشتنا فيها: تفسيرهم
(آية) بمعنى الجزء من السورة، ويكون المعنى على قولهم: ما ننسخ من آية من سور
القرآن، أو ننسها حكما وتلاوةً، نأت بخير منها. ونقول في مناقشتها:

أوّلا ـ ذكرنا أن مادّة (الاية)
مشتركة بين معناها اللّغوي وعدّة معان إصطلاحية، واللفظ المشترك بين عدّة معان
لايستعمل في الكلام دونما وجود قرينة تشخّص المعنى المقصود من بين تلك المعاني.

ثانيا ـ جاءت القرينة على المعنى
المقصود من الاية في الكلام كالاتي:

إنّ هذه الاية جاءت ضمن مجموعة
آيات يعاتب اللّه فيها اليهود إن لم يؤمنوا بهذا القرآن وبشريعة خاتم الانبياء
(ص) ولا بالانجيل وشريعة عيسى ابن مريم (ع)، فقد قال اللّه تعالى فيها:

(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ
رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقا كَذَّبْتُمْ
وَفَرِيقا تَقْتُلُونَ * ـ إلى قوله تعالى ـ وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِنْ
عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ... كَفَرُوا بِهِ... * وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا
وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءهُ... * وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ
بَيِّناتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاّ الْفَاسِقُونَ... * مَا نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا... * أَلَمْ
تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاْ َرْضِ... * وَلَن
تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...).
(البقرة / 87 ـ 120)

وعلى هذا، فإنّ معنى (مَا نَنسَخْ
مِنْ آيَةٍ): ما ننسخ من حكمٍ ـ مثل حكم القبلة والعيد في يوم السبت ـ من كتاب
موسى (ع) التوراة، أو كتاب عيسى(ع) الانجيل، نأت بخير منها، حكم استقبال الكعبة
في القرآن الكريم والعيد في يوم الجمعة، في الكتاب وسنّة الرسول (ص).

* * *.

كان هذا معنى (مَا نَنسَخْ مِنْ
آيَةٍ).

أمّا (نُنْسِهَا) فأمّا أن يكون
من مادّة أنساها ينسيها أو من أنسأها ينسئُها.

وإذا كان من مادّة (أنساها) يتضح
معناها بعد التنبّه على أنّ اللّه سبحانه أرسل عشرات الاُلوف من الانبياء في
أُممٍ أُبيدت وانقرضت ممّن لم ترد أسماؤهم في القرآن، ولم يذكر اللّه أخبارهم
فيه، وإنّما ذكر اللّه في القرآن أسماء بعض أنبياء بني إسرائيل والعرب الّذين
عاشوا في المنطقة ـ الجزيرة العربية ـ وما حولها.

وذكر بعض قصصهم وأنسى قصص سائر
الانبياء أمثال هبة اللّه شيث بن آدم (ع) وعزير(1) الّذي قال اليهود: إنّه ابن
اللّه.

أنسى اللّه سبحانه قصص بعضهم،
وأنسى كتب البعض الاخر وذكر أسماءهم، وبعضهم أنسى أسماءهم مع إنساء قصصهم وكتبهم.

وعلى هذا يكون معنى (أَوْ
نُنْسِهَا) ما ننس ممّا في كتب السابقين، مثل كتاب شيث وغيره، نأت بخير منها
وأكمل، مثل ما في القرآن وشريعة خاتم الانبياء.

وإذا كان من مادّة (ينسئها)
وأنسأه ينسئه، أي: أجَّله وأخّره كما أوردناه في بحث (الاشهر الحرم والنسيء) من
البحث التمهيدي الاوّل.

وعلى هذا يكون المعنى: والحكم
نؤخِّر تبليغه بما فيه خير للناس في ذلك الزمان مثل تأخير تبليغ نسخ حكم استقبال
بيت المقدس إلى هجرة الرسول (ص) إلى المدينة.

وهذا المعنى هو المراد من (ننسها)
وليس المعنى الاوّل.

* * *.

يفهم العربي اللبيب بذوقه السليم
ما ذكرناه إذا اقتصر على ما جاء في كتاب اللّه لدرك معناه.

وإذا رجعنا إلى كتب التفسير،
وجدناهم يعملون ما يأتي:

أوّلا ـ يقتطعون الاية من مكانها
في المجموعة الواحدة من الايات ذات السياق الواحد.

ثانيا ـ يُجرون على الاية الكريمة
أنواع التبديل والتحوير بحسب اجتهادات المفسِّرين، مفسرين وقرّاء بعنوان اختلاف
القراءات.

ثالثا ـ يعتمدون لفهم معنى الاية
الاحاديث المروية في باب نسخ التلاوة الّتي سندرسها في ما يأتي إن شاء اللّه
تعالى.

ب ـ مناقشة استدلالهم بآية
(وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكانَ آيَةٍ...)

في مناقشة استدلالهم بهذه الاية
نقول: هذه الاية ـ أيضا ـ نزلت ضمن مجموعة آيات يتحدّث فيها اللّه ـ جلّ اسمه ـ
عن القرآن وأدب قراءته، وتشكيك المشركين من أهل مكّة، وإدحاض افترائهم، حيث يقول
ـعزّ اسمهـ:

(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ
سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا
سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ
* وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قُلْ
نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسلِمِينِ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ
إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيُّ
وَهذَا لِسَانٌ عَربِيُّ مُبِينٌ... إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النَّحل / 98 ـ 105
إلى ما بعده.

يقول اللّه سبحانه: (فَإِذَا
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا... وَإِذَا بَدَّلْنَا
آيَةً) أي: بعض أحكام القرآن المذكورة في فصلٍ أو فصولٍ منه، (مَكَانَ آيَةً) أي:
مكان بعض أحكام التوراة أو الانجيل المذكورة في فصلٍ أو فصولٍ من أحدهما، واللّه
أعلم بما ينزِّل، وحكمته، قالوا: أنت مفترٍ في ما أتيتَ به من الكتاب المجيد، قل
نزّله روح القدس من ربِّك، ليثبت الّذين آمنوا به وهدى وبشرى للمسلمين، ولقد نعلم
أنَّهم يقولون: إنّما يعلِّمه بشر ـ قيل نصراني كان بمكّة ـ لسان الّذي يلحدون
إليه ـ يطعنون به على القرآن ـ أعجميّ وهذا لسانٌ عربيّ مبين (إِنَّمَا يَفْتَرِي
الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُولئِكَ هُمُ
الْكَاذِبُونَ).

* * *.

هذا التفسير لهذه المجموعة ومن
ضمنها آية (بَدَّلْنَا آيَةً) واضح لكلّ من له أدنى إلمام باللّغة العربية
والمصطلحات الاسلامية.

ويؤكّد ما ذكرناه أربعة أُمور:

1 ـ بدء المجموعة بذكر القرآن:

2 ـ إيراد الضمير المذكور في
(نزّله)، فإنّه لو كان القصد من (نزّله): الاية من السورة لكان ينبغي أن يقول ـ
عزّ اسمه ـ (نزّلها)، أي نزّل الاية من السورة، ولما أعاد اللّه ـ سبحانه ـ
الضمير إلى المذكّر، ظهر أنّ المقصود من الاية هو القرآن أو حكم في القرآن، ولهذا
أعاد الضمير إلى معنى (الاية) وهو القرآن أو الحكم المذكّر.

3 ـ حكايته قولهم بأنّه علمه بشر،
وكان قصد المشركين من تعليم البشر تعليم البشر إيّاه القرآن أو بعض أحكام القرآن
ـ معاذ اللّه ـ ولم يقصدوا تعليمه آية واحدة من القرآن.

4 ـ أمره الرسول باتباع ملة
إبراهيم وقوله تعالى بعد ذلك: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ
اخْتَلَفُوا فِيهِ) النَّحل / 124 وهم بنو إسرائيل، ثمّ ختم الايات بقوله تعالى:
(وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ)
النَّحل / 118.

وأخيرا لم نجد في ما ذكروا من
التفاسير رواية عن رسول اللّه (ص) أنّه فسّر لفظ (آية) في الموردين هنا بالاية
الّتي هي جزء من السورة كما قالوا به، وإنّما نقلوا ذلك من المفسِّرين.

* * *.

كان هذا استدلالهم القرآني على
نسخ التلاوة وجوابه.

وندرس بحوله تعالى تسرب اجتهادات
مدرسة الخلفاء في النسخ إلى بعض تفاسير مدرسة أهل البيت (ع) في ما يأتي.

تاسعا ـ تسرُّب اجتهادات مدرسة
الخلفاء ورواياتهم.

في النسخ إلى تفاسير مدرسة أهل
البيت.

تسرّب تفسير أتباع مدرسة الخلفاء
للايتين أو بالاحرى اجتهادهم فيهما مع الروايات الّتي استدلّوا بها إلى بعض
تفاسير مدرسة أهل البيت، مثل مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي. فقد قال
بتفسير: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ...) في بيان لغة النسخ ما نصُّه كالاتي:

(والنسخ في القرآن على ضروب منها
أن يرفع حكم الاية وتلاوتها، كما روي عن أبي بكر(2) أنّه قال:

كُنّا نقرأ [لاترغبوا عن آبائكم
فإنّه كفر بكم].

ومنها أن تثبت الاية في الخط،
ويرفع حكمها كقوله: (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم...) الاية،
فهذه ثابتة اللفظ في الخط مرتفعة الحكم(3).

ومنها ما يرتفع اللفظ، ويثبت
الحكم، كآية الرجم، فقد قيل : إنّها كانت مُنزَلَة، فرفع لفظها . وقد جاءت أخبار
كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن، فنسخ تلاوتها، فمنها ما روي عن أبي موسى أنّهم
كانوا يقرأون: [لو أنّ لابن آدم واديين...])(4).

وقال في تفسير (وَإِذَا
بَدَّلْنَا آيَةً...) من تفسيره:

(معناه وإذا نسخنا آية، وآتينا
مكانها آية أُخرى... إمّا نسخ الحكم والتلاوة، وإمّا نسخ الحكم مع بقاء
التلاوة...)(5).

هكذا نقل الطبرسي قول مدرسة
الخلفاء بأصناف النسخ دون أن يصرّح بمصدر القول، ونقل استدلالهم برواياتهم دون أن
يصرّح بمصدر الروايات، ويقول إنّها من روايات مدرسة الخلفاء ومنقولة من كتب
حديثهم.

وسبق الشيخ الطوسي الطبرسي بتفسير
الايتين في تفسيره التبيان وأسند الرواية: كنّا نقرأ [لاترغبوا عن آبائكم فإنّه
كفر بكم] إلى أبي بكر، بينما هي مروية عن عمر.

ومن ثمّ اتّضح أنّ الطبرسي نقلها
عن تفسير التبيان للشيخ الطوسي.

ويظهر من كلامهما أنّهما تبنّيا
القول بأصناف النسخ الّذي ابتكرته مدرسة الخلفاء.

ومن تفسير هذين العلمين من أعلام
مدرسة أهل البيت انتشر بعض ما نقلاه في تفسير الايتين إلى تفاسير أُخرى بمدرسة
أهل البيت مثل تفسير أبي الفتوح الرازي وتفسير كازر.

ولا سيّما في تفسير لفظ (آية) في
الموردين، فإنّهم فسّروها بمعنى جزء من السورة، بينما المراد من (آية) فيها غير
هذا المعنى.

وخالفهم في ذلك صاحب أطيب البيان،
فإنّه فسّرها كما تفسر في مدرسة أهل البيت (ع) (6).

وندرس بحوله تعالى روايات النسخ
والايات الّتي قالوا عنها: إنّها منسوخة في ما يأتي.

عاشرا ـ التنبيه على ثلاثة
أُمور قبل دراسة (ما نسخ.

حكمها في قولهم).

قبل دراسة الايات الّتي قالوا
عنها: (نسخ تلاوته وبقي حكمه)(7) وقال بعضهم: (آية نسخت آية أُخرى)(8)، ينبغي
التنبيه على الاُمور الثلاثة الاتية:

أ ـ إنّ كثيرا من الاحكام كانت
تنزل بوحي غير قرآني، وبعد عمل المسلمين بها كان ينزل في القرآن خبر ذلك. وفي هذا
الصدد قال السيوطي في الاتقان:

(النوع الثاني عشر... ما تأخّر
نزوله عن حكمه).

وقال: (ومن أمثلته قوله ـ تعالى
ـ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَراء...) الاية، فإنّها نزلت سنة تسع، وقد فرضت
الزكاة قبلها في أوائل الهجرة)(9).

قال المؤلّف:

وكذلك شأن نزول حكم الصلاة
بسجداتها وركعاتها وأذكارها ووضوئها، فإنّ رسول اللّه (ص) بعث يوم الاثنين،
وعلّمه جبرائيل الصلاة يوم الثلاثاء، فصلّى هو وعليّ بن أبي طالب وخديجة(10)، ثمّ
تتابع نزول أحكام الصلاة وأجزائها وشرائطها في القرآن بعد ذلك.

وكثير من الاحكام الاسلاميّة ـ
أيضا ـ أُنزل على رسول اللّه ابتداء بوحي غير قرآني وعمل بها المسلمون، ثمّ نزل
في القرآن خبره وحكمه.

وفي الاحكام الاسلاميّة وعلومها
ما نزل ابتداء بوحي قرآني، ولعلّ منها قوله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي
النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ...) (النِّساء / 127)، وقوله تعالى:
(وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي...) (الاسراء /
85).

ب ـ قد يأتي في القرآن ذكر
المتأخّر زمانا قبل المتقدّم عليه لداعٍ بلاغي.

وفصَّل الزركشي القول في أسباب
التقديم والتأخير في القرآن في فصلين، ذكر في الاوّل أسبابه وفي الثاني أنواعه،
بعد أن قال: (القول في التقديم والتأخير وهو أحد أسباب البلاغة... وله في القلوب
أحسن موقع، وأعذب مذاق...)(11).

وممّا ذكره مثالا للمتأخّر الّذي
تقدّم ذكره ما يأتي:

قال: (وأمّا قوله: (أَمْ لَمْ
يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (النَّجم /
36 ، 37)، فإنّما قدّم ذكر موسى لوجهين: أحدهما أنّه في سياق الاحتجاج عليهم
بالترك، وكانت صحف موسى منتشرة أكثر انتشارا من صحف إبراهيم. وثانيهما مراعاته
رؤوس الاي)(12).

وفي مكان آخر قال:

(وقد جاء: (فَأَخَذَهُ اللّهُ
نَكَالَ الاْ َّخِرَةِ وَالاْ ُولَى) (النازعات / 25)، و(أَم لِلاْ ِ
نْسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلّهِ الاْ َّخِرَةُ وَالاْ ُولَى) (النَّجم / 24 ـ
25) ـ بتقديم الاخرة على الاُولى ـ لمناسبة رؤوس الاي)(13).

قال المؤلّف:

ومن هذا النوع ما حكاه سبحانه
وتعالى في خبر ذبح بني إسرائيل البقرة وقال:

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً... * ... فَذَبَحُوهَا وَمَا
كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ
مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ
يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ
قَسَتْ قُلُوبِكُم مِّنْ بَعْدِ ذلِكَ...). (البقرة / 67 ـ 74)

فإنّ قوله تعالى (وَإِذْ
قَتَلْتُم نَفْسا فَادَّارَأْتُمُ فِيهَا) مقدّم زمانا على تمام ما جاء سابقا
عليه، إلى قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ).

قال البغوي: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ
نَفْسا فَادَّارَأْتُمْ): هذا أوّل القصة وإن كانت مؤخرة في التلاوة(14).

وإذا أمعنّا النظر في الايات
الانفة الذكر، نرى أن اللّه ـ سبحانه ـ بعد ما ذكر تعنّت بني إسرائيل في تنفيذ ما
أمرهم به، أوجز القصّة أخيرا مع ذكره نهاية الامر لاخذ العبرة منها في قدرته على
إحياء الموتى، ثمّ وصله بقوله لبني إسرائيل: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِنْ
بَعْدِ ذلِكَ).

ونبّه المسلمين بعد ذلك ألاّ
يطمعوا في إيمان بني إسرائيل بخاتم الانبياء وشريعته مع حالتهم الّتي ذكرها مع
نبيّهم موسى بن عمران (ع).

ومن هذا النوع ـ أيضا ـ ما قصَّه
سبحانه من خبر نوح مع ابنه وقال: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ
يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُن مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي
إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ
اللّهِ إِلا مَن رَحِم وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ
الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي
وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِي الاْ َمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ
بُعْدا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ
ابْني مِنْ أَهْلِي وإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ *
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ
صَالِحٍ...). (هود / 42 ـ 46)

إنّ هذه الايات الّتي جاءت ضمن
مجموعة آيات 42 ـ 46 من سورة هود تقصُّ خبر نوح مع قومه وصنعه السفينة وغرق قومه
ونجاته وأهل السفينة وهبوطهم بسلام، وقد جاء ذكر نوح وابنه فيها مرّتين، واتّصال
كلّ منهما مع ما قبلها وما بعدها واضح لمن تدبّر الايات.

وقد جاء في الاخيرة بعد إخباره ـ
تعالى ـ عن استواء السفينة على الجودي، أي تأخّر ذكره هنا، وهو متقدّم على استواء
السفينة.

ونظائره، أي تقديم ذكر المتأخّر
كثيرة في القرآن، كما شاهدنا ذلك في ذكر: (صحف إبراهيم) بعد (صحف موسى) في سورة
النّجم.

ج ـ تعدادهم في هذا الصنف ما ليس
منه:

قال السيوطي في شأن هذا الصنف: ما
نسخ حكمه دون تلاوته:

(وهو في الحقيقة قليل جدّا وإن
أكثَرَ الناس من تعديد الايات).

وقال: (وإنّ الّذي أورده المكثرون
أقسام: قسم ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص).

ثمّ عدّ تسع عشرة أو عشرين آية
اعتبرها ممّا نسخ حكمه دون تلاوته(15) ونحن نقول:

إنّ بعض ما عدّه السيوطي: ممّا
نسخ حكمه ـ أيضا ـ ليس من هذا الصنف.

وقد فصّل القول أُستاذ الفقهاء
السيِّد الخوئي في بيان نيف وثلاثين موردا منه في تفسيره (البيان)(16) ولا حاجة
لبيانها هنا.

* * *.

بعد إيراد المقدّمات الثلاث، ندرس
ـ بحوله تعالى ـ الايات الّتي قالوا: إنّها منسوخة في ما يأتي.

حادي عشر ـ دراسة آيات تقصُّ.

حكاية الحكم المنسوخ.

إنّ الايات الّتي قال العلماء
فيها: (آية نسخت آية) ـ أي أنّ اللّه سبحانه أنزل حكما إسلاميّا بوحي قرآني ـ
وبعد أن عمل المسلمون بتلك الاية نسخها بآية قرآنية أُخرى.

وبناء على ذلك يكون في القرآن
آيات منسوخة وآيات ناسخة، نقول:

إنّ قولهم هذا وتعريفهم له غير
صحيح.

والصحيح: أنّ اللّه ـ سبحانه ـ
كان قد أنزل بعض الاحكام المؤقتة بوحي غير قرآني وبعد عمل المسلمين بها في الوقت
المحدّد له في علم اللّه وانتهاء ذلك الوقت أنزل نسخ تلك الاحكام بوحي غير قرآني،
وبلّغ الرسول (ص) ذلك للمسلمين، ثمّ بعد كلّ ذلك أنزل في القرآن أخبار تلك
الاحكام مع شرح ملابساتها لاخذ العبرة منها.

ولا يسع المجال لدراسة جميع
مواردها، وإنّما نكتفي بدراسة أربعة منها قالوا عنها: أنّ الاية الناسخة تقدّمت
في الذكر على الاية المنسوخة(17)، كالاتي:

آية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ...). (الاحزاب / 50)

قالوا: إنّها ناسخة لقوله تعالى:
(لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّساء مِنْ بَعْدُ). (الاحزاب / 52)

وبناء على ذلك فإنّ الاية الناسخة
متقدّمة في الذكر على الاية المنسوخة. والواقع على حدّ زعمهم خلاف ذلك، كما
سنشرحه بُعيدَ هذا.

قوله تعالى: (سَيَقُولُ
السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ...) (البقرة/ 142)،
قالوا: (إنّها متقدّمة في التلاوة ولكنّها منسوخة لقوله تعالى: (قَدْ نَرَى
تَقَلُّبَ وَجهِكَ فِي السَّمَاء...) (البقرة / 144)(18).

وسوف نذكر الموردين الثالث
والرابع منها بعد دراسة الموردين الاوّلين ونقول في الجواب عنهما:

أوّلا ـ حكم تعدّد أزواج
الرسول (ص).

إنّ الاية قد جاءت ضمن المجموعة
الاتية من الايات في الذكر الحكيم:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ
يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ
وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَلاَتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن
يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا
فَرَضْنَا عَلَيْهمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ
يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيما * تُرْجِي مَن تَشَاء
مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ
فَلاَجُنَاحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْينُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ
وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا فِي
قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيما حَلِيما * لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن
بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء
رَقِيبا). (الاحزاب / 50 ، 51)

دراسة الايات:.

لقد ذكرنا في أوّل كتاب أحاديث
عائشة(19) تفصيل ما حقّقته زواجات الرسول الاكرم (ص) من مصالح الاسلام التشريعية
والسياسيّة ومصالح المسلمين الاجتماعية ومصالح أُمّهات الايامى الفردية وكذلك
مصالح ذوي قرباهنّ، وكيف كانت تلك المصالح السبب في أن يحلّ اللّه له بعد هجرته
إلى المدينة تعداد الزوجات وقبول الواهبات أنفسهن له وكيف انتهت تلك المصالح بعد
فتح مكّة وكانت في عصمته عندئذ تسع منهن فحبسه اللّه عليهن، وقال سبحانه: (لاَ
يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ...)، ولم يكن ذلك قصرا له على العدد (التسع
منهن) كي يحلّ له أن يطلّق بعضهن إذا شاء ويستبدل بها غيرها مهما بلغت إحداهن من
الكهولة والعجز.

وما ذكرناه حقيقة ناصعة يجدها من
قرأ البحث هناك وحقيقة واضحة لمن درس أحوال الاسلام التشريعية والسياسية يومذاك
وأحوال المسلمين الاجتماعية وأحوال أُمّهات المؤمنين الفردية وأحوال من وهبت له
نفسها منهنّ، وما عامل بعضهنّ النبيّ (ص) حين زوّجها بأحدهم بمهر قدره تعليمها ما
حفظ من القرآن، لانّه كان معدما. ـ نعم، المهر ونعم العاقد ونعم مجلس العقد ونعمت
حفلة الزواج ـ.

من درس الايات الثلاث مع ملاحظة
ما جاء في الحديث الصحيح في شأن نزولها ودراسة تلك الاحوال والملابسات يتضح له ما
قلناه بلا لبس فيه ولا غموض.

وهذا النوع من الدراسة أساس لدرس
كلّ مجموعة من آيات اللّه البيِّنات، ولكنّ بعضهم شاء أن يغضّ النظر عن تلك
الاحوال والملابسات ويعتمد على اجتهاده الخاصّ، وقطّع هذه المجموعة من الايات
تقطيعا وعدّ في الناسخ الّذي تقدم على المنسوخ قوله ـ تعالى ـ: (يَا أَيُّهَا
النَّبيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ...).

وقال: إنّها ناسخة لقوله ـ تعالى
ـ: (لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ)(20).

لست أدري كيف لم ينتبه لقوله ـ
تعالى ـ: (مِن بَعْدُ) أي بعدما تقدّم ذكره من تحليل الازواج: (لاَ يَحِلُّ
لَكَ...).

ولست أدري كيف قال أنّ قوله
تعالى: (مِن بَعْدُ) نزل قبلا؟

كان هذا واقع الامر في المورد
الاوّل من أقوالهم في النسخ.

وحقيقة الامر في المورد الثاني
كالاتي:

ثانيا ـ آيات القبلة.

قبل دراسة آيات القبلة ينبغي أن
ندرس أوّلا خبر تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة مع الاشارة إلى ما سبقه من
أخبار وما تبعه من حوادث ـبحوله تعالىـ ثمّ نورد آيات القبلة وندرسها.

أ ـ أخبار ما قبل تحويل القبلة.

كانت الكعبة قبلة الانبياء قبل
موسى بن عمران (ع)، وبعد موسى بن عمران (ع) أصبح بيت المقدس قبلة بني إسرائيل،
ولم تنسخ إلى أن هاجر الرسول (ص) إلى المدينة.

وكان رسول اللّه (ص) في مكّة
يستقبل في صلاته الكعبة وبيت المقدس معا، وعندما هاجر إلى المدينة لم يكن ذلك
ميسورا، فاستقبل في صلاته بيت المقدس، وكان يعلم أنّ القبلة ستتحوَّل إلى
الكعبة(21).

ويدل على ذلك ما رواه ابن هشام في
خبر البيعة الثانية الكبرى بالعقبة، عن كعب بن مالك، وكان قد حضر البيعة الثانية،
قال كعب ما موجزه:

خرجنا في حجّاج قومنا من
المشركين، وقد صَلَّينا وفَقُهنا، ومعنا البراء بن معرور سيِّدنا وكبيرنا، فلما
وجَّهنا لسفرنا فخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء إنِّي قد رأيت رأيا
وواللّه ما أدري أتوافقونني عليه أم لا؟ قال: قلنا: وما ذاك؟

قال: قد رأيت ألا أدع هذه
البَنِيَّة منِّي بِظَهْرٍ (يعني الكعبة) وأن أُصلّي إليها.

قال: فقلنا: واللّه ما بلغنا أنَّ
نبينا (ص) يصلي إلاّ إلى الشام، وما نريد أن نخالفه.

قال: فقال: إنِّي لَمُصَلٍّ
إليها.

قال: فقلنا له: لكنّا لانفعل،
قال: فكنّا إذا حضرت الصلاة، صلَّينا إلى الشام، وصلَّى إلى الكعبة، حتّى قدمنا
مكَّة.

قال: وقد كنَّا عِبْنَا عليه ما
صنع، وأبى إلاّ الاقامة على ذلك، فلمّا قدمنا إلى مكّة قال لي: يا ابنَ أخي!
انطلق بنا إلى رسول اللّه (ص) حتّى أسأله عمّا صنعت في سفري هذا، فإنّه واللّه
لقد وَقَع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إيّاي فيه.

قال: فخرجنا نسأل عن رسول اللّه
(ص) فقيل لنا يجلس مع العباس بن عبدالمطلّب، فقد كنّا نعرف العباس كان لايزال
يقدم علينا تاجرا فدخلنا المسجد، فإذا العباس (رض) جالس ورسول اللّه (ص) جالس
معه، فسلمنا ثمّ جلسنا إليه... فقال البراء بن معرور: يا نبيَّ اللّه! إنِّي خرجت
في سفري هذا وقد هداني اللّه للاسلام، فرأيت ألاّ أجعل هذه البَنِيَّة منِّي
بظهر، فصلَّيتُ إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء،
فماذا ترى يا رسول اللّه؟

قال: ((قَدْ كُنْتَ عَلَى قِبْلةٍ
لَوْ صَبَرْتْ عَلَيْهَا)).

قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول
اللّه (ص)، وصلّى معنا إلى الشام قال: وأهله يزعمون أنّه صلَّى إلى الكعبة حتّى
مات.

قال ـ كعب ـ: وليس ذلك كما
قالوا(22).

* * *.

قال المؤلّف:

مهما يكن من أمر صلاة البراء بعد
ذلك فإنّ الرسول (ص) لم ينكر عليه استقبال الكعبة.

ومفهوم كلام الرسول (ص) له: ((لو
صبرت عليها)) حتّى يحين موعد التحوّل إلى الكعبة.

وهذا الكلام إقرار من الرسول (ص)
لصحّة عمله وإرشاد منه له أن يصبر فعلا حتّى يحين موعد تحويل القبلة.

ب ـ أخبار تحويل القبلة وما
بعدها.

لمّا هاجر النبيّ (ص) إلى المدينة
بقي ـ على الاشهر ـ سبعة عشر شهرا يستقبل في صلاته بيت المقدس، فقالت اليهود:
(يخالفنا محمّد ويتبع قبلتنا).

فكان رسول اللّه (ص) إذا سلم من
صلاته إلى بيت المقدس ، رفع رأسه إلى السماء ينتظر أمر اللّه، فولاّه اللّه قبلة
يرضاها وكان اليهود يعلمون ـ شأن القبلتين ـ ويكتمون صفة النبيّ (ص)، وأمر
القبلتين.

ولمّا صرف اللّه نبيّه إلى
الكعبة، قال أهل الكتاب: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه!

وقال المشركون من أهل مكّة: تحير
على محمد دينه، فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنّكم أهدى منه سبيلا ويوشك أن يدخل في
دينكم!

وأشفق المسلمون على من صلّى منهم
ـ إلى بيت المقدس ـ ألاّ تقبل صلاتهم الماضية، فقالوا: يا رسول اللّه! فكيف
بالّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟

وقيل ـ أيضا ـ إنّ ناسا من أسلم ـ
من الانصار ـ رجعوا ـ عن الاسلام ـ وقالوا: مرَّة هاهنا! ومرَّة هاهنا(23)!

* * *.

كانت تلكم أخبار تحويل القبلة من
بيت المقدس إلى الكعبة، وفي ما يأتي آياتها:

قال اللّه سبحانه:

(سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ
النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل للّهِ ِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *
وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ
وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي
كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنْقَلِبُ
عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ
وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيَمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بالنَّاسِ لَرؤوُفٌ
رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ
قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ
مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ
عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ
آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا
بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِن بَعْدِ
مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وإِنَّ
فَرِيقا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ

الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *
الْحَقُّ مِن رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ
هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ
اللّهُ جَمِيعا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ * وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ
مِن رَبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلايَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلاِ ُتِمَّ
نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). (البقرة / 142 ـ 150)

دراسة مجموعة آيات القبلة.

في ضوء ما درسناه من شأن نزول
آيات القبلة يتيسر لنا فهم معنى الايات بوضوح، وللايجاز ندرس منها ما يخصُّ شأن
القبلة دون ما ذكره اللّه بضمنها لاخذ العبرة منها.

* * *.

بدأ اللّه سبحانه في ذكر أخبار
تحويل القبلة وقال: (سيقول السُّفهاء من النَّاس ـ سواء اليهود منهم أو المشركون
ـ ما ولاّهم عن قبلتهم قل للّه المشرق والمغرب) أي: له كلّتا القبلتين، أو جميع
الارض، وما جعلنا قبلتكم بيت المقدس إلاّ امتحانا للنّاس، فإنّ الذين اتبعوا
الرسول (ص) في صلاتهم بمكّة كانوا قد خالفوا قبلة قومهم، وانفصلوا عنهم.

وفي المدينة عندما تحولت القبلة
أيضا كان منه امتحانا لمن أسلم من اليهود وحلفائهم ولغيرهم في اتباعهم أمر الرسول
(ص) في ما يوحى إليه، وإن كانت لكبيرة إلاّ على من هداه اللّه، وكانت نتيجة عمل
من صلّى إلى البيت المقدس في ما سبق تبديل القبلة، سواء الاحياء منهم أو الاموات،
فإنّ اللّه لا يضيع عملهم.

* * *.

كان هذا ما تحدّث اللّه به ـ
سبحانه ـ من أمر الناس في هذه القصّة.

أمّا ما كان من أمر الرسول (ص)،
فكان شأنه فيها ما أخبر اللّه عنه وقال: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنوليّنك
قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام...) وإنّ الّذين أُوتوا الكتاب علموا أن
هذا التحول في القبلة هو الحقّ من ربّهم غير أنّه: (ولئن أتيت الّذين أُوتوا
الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم) ـ كما زعموا ـ (ولئن اتبعت
أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لمن الظالمين).

قد يكون المقصود من هذا الخطاب
أُمّة الرسول (ص)، وخاطب نبيّه بذلك من باب: (إيّاك أعني واسمعي يا جارة). كما له
نظائر كثيرة في القرآن، ويدلّ على ذلك ما في الاية الّتي قبلها: (قد نرى تقلب
وجهك في السماء فلنولينّك قبلة ترضاها).

إذا فالرسول (ص) هو الّذي كان
يطلب تحويل القبلة، وينتظر الاذن له. ويظهر من فحوى الكلام أنّه كان في أُمّته
مَن ثَقُل عليه هذا الامر، وهو المعنيّ بهذا الخطاب.

ثمّ تصرّح الايات، أنّ أهل
الكتاب: اليهود والنصارى يعرفون النبيّ وصفاته، وأنّه النبيّ الّذي يصلّي إلى
قبلتين، وأنّ الاخيرة منهما الكعبة الّتي بناها إبراهيم، يعرفونه بهذا وبأكثر من
هذا كما يعرفون أبناءهم، ثمّ يؤكد اللّه ـ سبحانه ـ الامر بالتوجه إلى الكعبة،
ويقول: (وحيث ما كنتم فولوا وجُوهَكم شَطرَهُ لِئلاّ يَكون للنّاسِ عليكم حُجّة ـ
في اتباع قبلتهم ـ إلاّ الّذين ظلموا منهم ـوهم المشركون بمكّةـ فلا تخشوهم
واخشوني).

* * *.

كان ذلكم تفسير الايات مع ملاحظة
ما جاء في الروايات بيانا لشأن نزولها، أمّا ما قال علماء مدرسة الخلفاء، فإنّهم
على عادتهم في تجزئة المجموعة الواحدة من الايات القرآنية، ثمّ درسهم كلّ آية على
حدة، قالوا ورووا عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة وعن عدد غير الصحابة
كذلك(24) في تفسير آية:

(وَللّهِ ِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَـا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ) البقرة / 115 إنّ
الناس كانوا يصلّون نحو بيت المقدس، فنزلت آية:

(وَمِنْ حَيْثُ خَرجْتَ فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة / 149) فنسخت تلك الاية.

في حين أنّ الاية الّتي زعموا
أنّه كان فيها حكم القبلة إنّما جاءت تكملة لايات سبقتها، ومنها الاية الّتي
قبلها: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا...) (البقرة / 114)، (وَللّهِ ِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهُ) (البقرة / 115) وهما
بقية الايات السابقة، ولا صلة بين المجموعة وبين القبلة، وإنّما الكلام حول منع
المصلّين من الصلاة في بيت المقدس أو البيت الحرام، وأنّ الارض كلّها للّه أين ما
صلّوا فثمّ وجه اللّه.

إنّهم في ما قالوا: اقتطعوا من
تلك المجموعة آية ومن هذه المجموعة نصف هذه الاية، أو نصف تلك، وجعلوا منهما
ناسخا ومنسوخا، باجتهادهم الخاصّ، دون أن يكون لهم أي دليل على اجتهادهم! ولم
ينحصر اجتهادهم في آيات القبلة بهذا، بل لهم فيها اجتهاد آخر وقول آخر في كشف
الناسخ والمنسوخ بتلك الايات.

وفي الاجتهاد الثاني ضرر كبير في
البحوث القرآنية وهو ما ذكره القرطبي وقال:

قوله ـ تعالى ـ (قَدْ نَرَى
تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاء...).

قال العلماء هذه الاية مقدمة في
النزول على قوله ـ تعالى ـ: (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ)(25).

وعدّ الزركشي ـ أيضا ـ هذا المورد
من الناسخ الّذي تقدّم على المنسوخ في القرآن(26).

ثالثا ـ مورد واحد ذكر فيه
الحكم المنسوخ في القرآن قد يوهم إنّه ينقض ما ذهبنا إليه.

كان في ما تتبعنا من موارد الحكم
المنسوخ في القرآن الكريم نظير ما ذكرناه، عدا مورد واحد قد يقال: انّه يخالف ما
قلناه وهو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ
الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَأَطْهَرُ فَإِن لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (المجادلة /
12)

فقد قال أكثر العلماء أنّها
منسوخة بقوله تعالى: (أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ
صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا
الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ). (المجادلة / 13)

خبر هذا الحكم المؤقت.

كان رسول اللّه (ص) يوزع كلامه
ونظره بين حضار مجلسه بالسوية، لايميز في ذلك أحدا على غيره(27).

كان هذا في ما يملك أمره، وكان
بعضهم يغتصب منه التناجي معه، يبتغي بذلك الامتياز على الاخرين(28).

وكان رسول اللّه (ص) حييّا كريما
لايردّ طلب أحد، ما لم يكن محرّما شرعا(29)، وكان اللّه ـ سبحانه ـ هو الّذي
يؤدّب المسلمين في مثل هذه الحالات ويعلمهم كيف يعاشرون نبيّه (ص)، مثل قوله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ...) (الحجرات/2) وقوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ
لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ
فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَمُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ
إِنَّ ذلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللّهُ لاَ
يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ...). (الاحزاب / 53)

وفي مورد التناجي ثقل ذلك على
رسول اللّه (ص) وصبر عليه كعادته في سائر الموارد المشابهة له فأنزل اللّه حكم
دفع الصدقة لكلّ مناجاة إيّاه، فكفّ أُولئك من عملهم ولم يعمل بهذا الحكم كما
أجمعت عليه روايات الفريقين غير الامام علي (ع)، كانت له حاجة فتصدق وناجى الرسول
في حاجته أو حاجاته(30). وانتهى أمد هذا الحكم بكف المناجين رسول اللّه (ص) في
غير ما حاجة، فنسخ اللّه هذا الحكم إشفاقا على من له حاجة ولا يستطيع دفع الصدقة،
ولم يكن من الطبيعي أن يعود إلى التناجي المعتادون عليه بلا حاجة إليه بعد أن لم
يقدموا على دفع الصدقة للمناجاة في حينه. فنزلت الايتان تحكي القصة عقيب ذلك كما
يعلم ذلك من سياق القول في الاية الثانية: (أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا...)
فإن هذا الكلام تفريع على الكلام في الاية السابقة وتتمة له وليس مستقلا بنفسه كي
يقال جاءت الاية السابقة بالحكم على حدة، وبعد عمل الامام علي بها نزلت الاية
الثانية بنسخ الاية السابقة ومستقلة عنها في التعبير.

هذا إذا اقتصرنا في دراسة المورد
على الاعم الاغلب ممّا جاء في القرآن من أخبار النسخ، حيث وجدنا الايات في تلك
الموارد تنزل لتحكي خبر الناسخ والمنسوخ بعد نزول الحكم ونسخه بوحي غير قرآني.
وإذا رجعنا إلى الاحاديث الّتي ذكرت شأن نزول الايتين نجد في بعض ألفاظها ما يوهم
أنّ الاية الاُولى نزلت بحكم الصدقة لمن أراد أن يناجي الرسول (ص) ثم عمل بها
الامام عليّ (ع) ثمّ نزلت الاية الثانية ونسختها. ونحن نرى أنّ تلك الاحاديث رويت
بالمعنى ولم يتقيد الرواة بالالفاظ وقالوا: عمل الامام عليّ (ع) بالاية(31) بدل
أن يقولوا عمل بالحكم، ومن ثمّ أوجدوا هذا التوهم. هذا ما نراه ولا نشترك في نقاش
مع من أصرّ على رأيه.

رابعا ـ آية أوّلها منسوخ
وآخرها ناسخ.

أكثر العلماء من تعداد هذا الصنف
من النسخ على حد زعمهم في شأن النسخ. قال الزركشي في بيان نوع من هذا الصنف:

(الرابع ما اجتمع فيه الناسخ
والمنسوخ وهي إحدى وثلاثون سورة) ثمّ عدّها وقال:

ومن غريب هذا النوع آية أولها
منسوخ وآخرها ناسخ... وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) المائدة /
105 ، فهذا ـ أي لايضركم ـ ناسخ لقوله: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)(32). انتهى
كلام الزركشي.

لست أدري هل يرى قائل هذا القول:
أنّ النصف الاوّل من هذه الاية هبط بها جبرائيل على النبيّ (ص) وبلغها النبيّ (ص)
للمسلمين وعمل به المسلمون، ثمّ هبط جبرائيل مرّة ثانية من قبل اللّه بالنصف
الثاني، وبلّغ النبيّ (ص) المسلمين ثمّ ألصق النبيّ (ص) نصفي الاية بعضها ببعض
بأمر من اللّه وأصبحت آية واحدة! لست أدري ماذا يقول!

ثمّ لست أدري أين الناسخ والمنسوخ
في هذه الاية! لست أدري!

* * *.

يكفينا ما ذكرنا من الامثلة من
الثلاث والستين سورة الّتي حسبوها في ما نسخ حكمه وبقي تلاوته(33) لمعرفة مدى
تثبتهم في ما كتبوا حول النسخ في القرآن.

وينبغي أن نشير هنا إلى جواب
تساؤل قد يرد بأنّه إذا كانت الاحكام المنسوخة المذكورة في القرآن، كان الحكم
ونسخه قد جاء بوحي غير قرآني فما حكمة ذكرهما في القرآن؟ والجواب كالاتي:

ثاني عشر ـ حكمة ذكر الحكم
المنسوخ.

بوحي غير قرآني في القرآن.

أوّلا ـ في عصر الرسول (ص)

لقد مرّ بنا التشويش العظيم الّذي
أُصيب به المجتمع الاسلامي يومذاك بعد نسخ حكم القبلة بوحي غير قرآني بفعل اليهود
وغيرهم، ثمّ تساؤل المسلمين عن حكم ما مضى من صلاتهم، وكان فيصل القول في الامر
ما فصله القرآن في هذا الصدد، وأدحض أباطيل المشكّكين وأجاب عن تساؤل المتسائلين
وأكّد بوحي قرآني الحكم الموحى بوحي غير قرآني، وانتهى بما أنزله اللّه كلّ بلبلة
وتشويش.

ثانيا ـ بعد الرسول (ص).

إنّ في حكاية حكم الناسخ والمنسوخ
في القرآن بعد تبليغ الرسول (ص) إيّاهما للمسلمين رفع الالتباس الّذي قد يحدث في
الاُمّة بعد الرسول (ص) في بعض الحالات، فقد يقصّ بعض الصحابة ـ مثلا ـ لذريّته
بعد رسول اللّه (ص) أنّهم ائتمُّوا برسول اللّه (ص)، وصلّى بهم الفرائض مستقبلا
بيت المقدس، ومع مرور الزمن يتوهّم الخلف جواز استقبال القبلتين في الصلاة،
ويرتفع هذا الالتباس بما حكاه اللّه في قرآنه عن خبر تحويل القبلة.

هذه بعض حكم ذكر خبر الحكم
المنسوخ في القرآن، وثمّة حكم أُخرى لا مجال لذكرها هنا.

تنبيه لرفع توهم.

لقد كرّرنا القول في هذا البحث
بخطأ تجزئة المجموعة القرآنية الواحدة وتفسير بعض آياتها على حدة.

وهذا القول لايطّرد في ما جاء في
الحديث الصحيح عن رسول اللّه (ص) في بيان معنى آية جاءت ضمن ما نراها مجموعة
قرآنيّة واحدة، فإنّ قولنا يخصّ اجتهادات فرديّة للمفسِّرين في هذا المقام.

أمّا حديث الرسول (ص)، فإنّنا
نُؤمن به، ونصدقه، وليس لاحد من المسلمين أن يجتهد ويعمل برأيه في مقام نصوص
السنّة النبويّة.

* * *.

كان هذا نزرا يسيرا ممّا ينبغي
البحث عنه في باب منسوخ الحكم دون التلاوة.

وفي ما يأتي نستعين اللّه وندرس
الصنفين الاخرين اللّذين ذكروهما في بحث النسخ.

ثالث عشر ـ درجهم روايات نقصان
القرآن ـ معاذ.

اللّه ـ في صنفي منسوخ التلاوة.

أدرج العلماء روايات نقصان القرآن
ـ معاذ اللّه ـ تحت صنفي منسوخ التلاوة وهما حسب تصنيفهم:

أ ـ ما نسخت تلاوته دون حكمه.

أي النصّ القرآني الّذي نسخت
تلاوته من القرآن، وبقي حكمه في الشرع الاسلامي(34).

ب ـ ما نسخت تلاوته وحكمه
جميعا.

أي النصّ القرآني الّذي نسخت
تلاوته من القرآن ونسخ حكمه من الشرع الاسلامي(35).

إنّ ما ذكروه في بحث النسخ بكلاّ
الصنفين يبتني على أساس ثبوت نصّ قرآني أوحى اللّه به إلى خاتم أنبيائه، ثمّ نسخ
اللّه تلاوته وحكمه، وأنساه، أو نسخ تلاوته، وأبقى حكمه.

وقد قال العلماء في كيفيّة ثبوت
النصّ القرآني ما يأتي:

قال الزركشي في علوم القرآن
والسيوطي في الاتقان واللفظ للاوّل:

(لا خلاف أنّ كلّ ما هو من القرآن
يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه.

وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه،
فعند المحققين من علماء أهل السنّة كذلك، أي: يجب أن يكون متواترا، فإنّ العلم
اليقينيّ حاصل أنّ العادة قاضية بأنّ مثل هذا الكتاب العزيز، الّذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنّه الهادي للخلق إلى الحقّ، المعجز الباقي
على صفحات الدهر، الّذي هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم، فمستحيل ألاّ
يكون متواترا في ذلك كلّه، إذ الدواعي تتوافر على نقله على وجه التواتر، وكيف لا،
وقد قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ)، والحفظ إنّما يتحقّق بالتواتر، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

والبلاغ العام إنّما هو بالتواتر،
فما لم يتواتر ممّا نقل آحادا، نقطع بأنّه ليس من القرآن)(36).

رابع عشر ـ ردُّ بعض علماء
مدرسة الخلفاء القول.

بنسخ التلاوة.

نقل الزركشي والسيوطي عن القاضي
أبي بكر في الانتصار أنّه حكى عن قوم إنكار هذا القسم، لانّ الاخبار فيه أخبار
الاحاد، ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها(37).

ويعرف ـ أيضا ـ شأن نسخ التلاوة
بالقياس على ما قاله أبو الوليد الباجي في نسخ الحكم الشرعي، حيث قال:

(النسخ: إزالة حكم ثابت بشرع
متقدم، بشرع متأخّر عنه على وجه لولاه لكان ثابتا)(38).

وبالقياس على هذا القول، فإنّ نسخ
التلاوة إزالة آي أو سور من القرآن بآي أو سور متأخّرة عنها على وجه لولاها لكانت
تلك الايات أو السور ثابتة في المصحف.

ونقل الزركشي عن ابن ظفر في كتاب
الينبوع أنّ: (الخبر الواحد لايثبت القرآن)(39).

ومن المتأخّرين، قال الدكتور صبحي
الصالح ما موجزه:

أمّا الجرأة العجيبة، ففي ما
زعموا أنّها نسخت تلاوة آيات معينة إمّا مع نسخ الحكم وإمّا من دونه.

والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما
يكتشف فيه خطأً مركبا، فتقسيم المسائل إلى أضراب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضرب
شواهد كثيرة أو كافية ـعلى الاقلّـ ليتيسر استنباط قاعدة منها.

وما لعشاق النسخ إلاّ شاهد أو
اثنان من هذين الضربين، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال
القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها.

وبهذا الرأي السديد أخذ ابن ظفر
في كتاب الينبوع إذ أنكر أنّ هذا ممّا نسخت تلاوته، وقال: لانّ الخبر الواحد
لايثبت القرآن(40).

كان هذا أقوال بعض علماء مدرسة
الخلفاء في روايات النسخ. وفي ما يأتي رأي بعض علماء مدرسة أهل البيت في ذلك.

خامس عشر ـ رأي مدرسة أهل
البيت في نسخ.

القرآن بالسنّة ونسخ التلاوة.

إنّ القول بنسخ التلاوة ـ كما
قلنا في حقيقته ـ قول بثبوت نصّ قرآني بروايات الاحاد، ونسخ النصّ القراني ـ أيضا
ـ بروايات الاحاد. وقد قال في ذلك الشيخ المفيد في أوائل المقالات:

(إنّ القرآن ينسخ بعضه بعضا ولا
ينسخ شيئا من السنّة، بل تنسخ السنّة به كما تنسخ السنّة بمثلها من السنّة. قال
اللّه عزّ وجلّ:

(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا). وليس يصحّ أن يماثل كتاب
اللّه تعالى غيره، ولا يكون في كلام أحد من خلقه خير منه)(41).

يقصد أنّ حديث الرسول هو كلام
الرسول (ص) الّذي خلقه اللّه، ولا يصحّ أن يقال إنّ كلام الرسول (ص) مثل كلام
اللّه أو خير من كلام اللّه ـ معاذ اللّه ـ لينسخ به القرآن وهو كلام اللّه.

وقال صاحب المعالم:

(ولا تنسخ الكتاب والسنّة
المتواترة بالاحاد عند أكثر العلماء، لانّ خبر الواحد مظنون وهما معلومان، ولا
يجوز ترك المعلوم بالمظنون)(42).

ويقصد بغير الاكثر من العلماء:
بعض العلماء من الاخباريين.

وقد أفصح القول في نسخ التلاوة
متأخّرو علماء مدرسة أهل البيت، فقد جاء في تفسير البيان وأُصول المظفر واللفظ
للاوّل:

(إنّ القول بنسخ التلاوة عين
القول بالتحريف)(43).

وهذا هو معنى قول الامام الباقر
(ع): (أمّا كتاب اللّه فحرفوا وأمّا العترة فقتلوا).

أمّا الكتاب، فقد حرَّفوه في
كتبهم بأقوالهم بالنسخ.

وأمّا العترة فقد قتلوهم بكربلاء
بأنواع السلاح، ولكن اللّه حفظ كتابه من التحريف كما حفظ خليله إبراهيم من
التحريق.

أُولئك حرَّقوا إبراهيم ولكن
اللّه حفظه من لظى النار.

وهؤلاء حرَّفوا القرآن ولكن اللّه
حفظه من عبث التحريف.

* * *.

بعد عرض ما تقدم، ندرس ـ بحوله
تعالى ـ روايات نقصان القرآن ـ معاذ اللّه ـ والّتي سمِّيت بروايات النسخ
والانساء في ما يأتي:

سادس عشر ـ دراسة روايات النسخ
والانساء.

إنّ روايات النسخ والانساء شيء
واحد. وقد قسموا النسخ في القرآن كما سبق ذكره على ثلاثة أصناف، درسنا منه منسوخ
الحكم في ما سبق، وندرس الصنفين الاخرين في ما يأتي:

أوّلا ـ روايات منسوخ التلاوة
والحكم جميعا:.

وجدوا لهذا الصنف موردا واحدا على
حسب قولهم، وهو ما روته أُمّ المؤمنين عائشة، قال الزركشي:

الثالث: نسخهما جميعا، فلا تجوز
قراءتها ولا العمل بها، كآية التحريم [بعشر رضعات]، فنسخن [بخمس]، قالت عائشة:
كان ممّا أُنزل [عشر رضعات معلومات]، فنسخن [بخمس معلومات]، فتوفي رسول اللّه (ص)
وهي ممّا يقرأ من القرآن.

رواه مسلم(44).

وقال السيوطي: (ما نسخ تلاوته
وحكمه معا، قالت عائشة: كان في ما أُنزل، [عشر...] رواه الشيخان)(45).

وبما أنّ هذا المورد منحصر عندهم
بالرواية عن أُمّ المؤمنين عائشة، إذا نحن نسمِّيه بفتوى أُمّ المؤمنين عائشة.
وندرس أوّلا ظروف هذه الرواية وملابساتها ونقول:

.

.

فتوى أُمّ المؤمنين عائشة في
الرضاع وظروفها.

كانت أُمّ المؤمنين عائشة على أثر
إرجاع الخلفاء إليها في السنن منذ عهد الشيخين حتّى عصر معاوية ـ عدا عليّ بن أبي
طالب ـ أكثر أُمّهات المؤمنين حاجة لملاقاة المستفتين.

وقد شاركت في حوادث سياسيّة عنيفة
ممّا لم نعهد لغيرها من أُمّهات المؤمنين أن شاركنَ في نظائرها.

ولعلّ هذا وذاك كان الباعث لها أن
تتأول وتفتي بأنّ الرجل الكبير إذا أرضعته امرأة خمس رضعات تنتشر الحرمة بينه
وبين المرضع. وتعمل بفتواها وترسل الرجل الّذي (أحبّت أن يراها ويدخل عليها) إلى
أخواتها وبنات أخيها، فيرضعنه كذلك، ويدخل عليها بتلك الرضاعة.

وكان سالم بن عبداللّه بن عمر من
أُولئك، فقد بعثته إلى أُختها أُمّ كلثوم فأرضعته، وقالت في جواب إنكار أزواج
الرسول عليها:

إنّ الرسول أمر سهلة زوجة أبي
حذيفة أن ترضع مولاهم سالما الّذي كان متبناهم قبل ذلك أن ترضعه خمس رضعات، ويدخل
عليها بذلك، وأبت أزواج الرسول أن يدخل عليهن أحد حتّى يرضع في المهد(46).

وفي سنن أبي داود وفتح الباري في
شرح صحيح البخاري واللفظ للاوّل:

(كانت عائشة (رض) تأمر بنات
أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبّت عائشة أن تراه، ويدخل عليها، وان كان
كبيرا، خمس رضعات، ثمّ يدخل عليها بتلك، وأبت أُمّ سلمة وسائر أزواج النبيّ (ص)
أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتّى يرضع في المهد، وقلن لعائشة واللّه
ما ندري لعلّها كانت رخصة من النبيّ (ص) لسالم دون الناس).

وفي لفظ النِّسائي:

(أبى سائر أزواج النبيّ (ص) أن
يدخل عليهنّ بتلك الرضعة أحد من الناس، يريد رضاعة الكبير... وقلن: واللّه لايدخل
علينا أحد بهذه الرضعة ولا يرانا)(47).

* * *.

هكذا كانت القالة حول رضاع الكبير
من أُمّهات المؤمنين واسعة. وكان خير علاج لها الرواية الاتية الّتي رواها إمام
الحنابلة أحمد في مسنده(48) وابن ماجة(49):

عن أُمّ المؤمنين عائشة قالت:

(لقد أُنزلت آية الرجم ورضاعة
الكبير عشرا)، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول اللّه (ص) وتشاغلنا،
دخل علينا داجن فأكله.

وروت، أيضا:

كان في ما أُنزل من القرآن [عشر
رضعات معلومات يحرمن] ثمّ نسخن بـ[خمس معلومات]، فتوفي رسول اللّه وهنّ في ما
يقرأ من القرآن(50).

والحديث يكمل أحدهما الاخر على
هذا النحو:

لقد نزلت رضاعة الكبير عشرا وآية
الرجم الّتي أخبر عنها الخليفة على المنبر معا وأكلهما الداجن.

ونسخت رضاعة الكبير عشرا بخمس
معلومات.

ومن ثمّ كانت تفتي أُمّ المؤمنين
بخمس رضعات للكبير يحرمن، وتعمل بفتواها.

ومن ثمّ قالوا: إنّها الاية
الوحيدة الّتي نسخت تلاوتها وحكمها!

انحصرت هذه الروايات كلّها بأُمّ
المؤمنين عائشة، وهي جميعا مخالفة لفطرة الانسان، فلم يسمع قبل فتوى أُمّ
المؤمنين عن إنسان رضع في الكبر. ولا تبديل لخلق اللّه.

ومخالف ـ أيضا ـ لقوله تعالى:
(حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) فإنّها تدلّ
على أنّ إتمام الرضاعة في الحولين: سنتي الرضاعة.

ومخالف لسنّة الرسول الجامعة
لقوله (ص): ((الرضاعة من المجاعة))، وقوله: ((لا رضاع إلاّ ما فتق من الامعاء))،
وقوله: ((لا رضاع إلاّ ما شدّ العظم، وأنبت اللحم وأنشز العظم)).

وانتبه البعض إلى هذا التناقض
فرده قسم كالاستاذ السايس بقوله على حديث عائشة:

حديث لا يصح الاستدلال به لاتفاق
الجميع على انّه لايجوز نسخ تلاوة شيء من القرآن بعد وفاة الرسول (ص) وهذا هو
الخطأ الصراح(51).

وحاول علاجه آخرون بأوهى من بيت
العنكبوت ولا يستحق الاطالة بإيراده، وإنّما نحن بصدد مناقشة قولهم بصنفين من
النسخ في القرآن استنادا إلى هذه الاحاديث.

* * *.

كانت تلكم ظروف رواية أُمّ
المؤمنين عائشة وملابساتها، وسوف نناقش رواياتها ضمن مناقشتنا سائر روايات النسخ
الاتية إن شاء اللّه تعالى.

ثانيا ـ روايات منسوخ التلاوة
وسائر روايات النسخ.

أوردنا في ما سبق حديث الصحابي
أبي موسى أنّه أنسى سورتين كبيرتين، ونقل الطبري وابن كثير والسيوطي إضافةً إليه
أحاديث نظيرها في تفسير آية: (مَا نَنسَخْ مِن آيَةٍ...)، أربع منها رووها من
الصحابة يعضد بعضها البعض الاخر.

إحداها ـ عن أبي إمامة، قال فيها
ما موجزه:

(قام رجل من جوف اللّيل يريد أن
يفتتح سورة، فلم يقدر على شيء منها إلاّبسم اللّه الرّحمن الرّحيم، ووقع ذلك
لناس من أصحابه، فأصبحوا، فسألوا رسول اللّه (ص)، فقال: نسخت البارحة، فنسخت من
صدورهم ومن كلّ شيء)(52).

والثانية عن ابن عمر، قال: قرأ
رجلان من الانصار سورة أقرأهما رسول اللّه (ص)، وكانا يقرآن بهما، فقاما يقرآن
ذات ليلة يصليان، فلم يقدرا منها على حرف، فأصبحا غاديين على رسول اللّه (ص)،
فقال: إنّها ممّا نسخ أو نسي فالهوا عنه.

والروايتان الاُخريان
نظيرهما(53).

لست أدري هل تعدّ مدرسة الخلفاء
السورة أو السور المنسيّة المذكورة في هذه الروايات ضمن السور الاربع الّتي
أوردناها سابقا أي: سورتي الحفد والخلع، وسورتي أبي موسى المنسيتين، أنّها تضيف
المنسيات في هذه الروايات إلى تلك الاربع، ويزداد بذلك عندهم عدد المنسيات!؟

وفي الدرّ المنثور ـ أيضا ـ عن
ابن عباس قال: كان ممّا ينزل على النبيّ (ص) الوحي بالليل وينساه بالنهار، فأنزل
اللّه (مَا نَنسَخْ مِن آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ
مِثْلِهَا)(54).

وبناء على هذه الروايات رووا
الرواية التالية:

قال السيوطي: أخرج البخاري
والنِّسائي وابن الانباري في المصاحف والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس
قال: قال عمر أقرأُنا أُبيّ، وأقضانا عليّ.

وإنّا لندع شيئا من قراءة أُبيّ
وذلك أنّ أُبيّا يقول لا أدع شيئا سمعته من رسول اللّه (ص) وقد قال اللّه: (مَا
نَنسَخْ مِن آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا)(55).

وفي لفظ رواية بمسند أحمد: وأُبيّ
يقول أخذت من فم رسول اللّه (ص).

ومدلول هذه الرواية أنّ أُبيّا
يعتمد كلّ ما سمع من القرآن من فم رسول اللّه(ص)، وقد يكون ما سمعه أُبيّ من
القرآن من فم رسول اللّه (ص)، ممّا نسخ وأنسي رسول اللّه (ص)، وبقي علمه عند
أُبيّ.

إذا لا اعتبار بما سمعه أُبيّ
أقرأ الصحابة من فم رسول اللّه (ص)!!(56).

ومن رواية النسيان أو الانساء ما
رواها البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ للاوّل عن أُمّ المؤمنين عائشة أنّها قالت:

سمع النبيّ رجلا يقرأ آية، فقال:
((رحمه اللّه لقد أذكرني آية كنت نسيتها)).

وفي رواية ثانية (سمع رجلا يقرأ
من اللّيل فقال: ((رحمه اللّه لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا
وكذا))).

وفي لفظ البخاري (... يقرأ في
المسجد فقال: ((رحمه اللّه لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا
وكذا)))(57).

* * *.

كانت تلكم خلاصة روايات النسخ
والانساء، وقد ردّها بعض علماء مدرسة الخلفاء كما مرّ في البحث الرابع عشر.

أمّا مناقشتنا لها فكالاتي:

سابع عشر ـ مناقشة روايات زيادة
القرآن ونقصانه.

والّتي تسمّى بالنسخ والانساء.

أوردنا في البحث الرابع أمثلة من
روايات مدرسة الخلفاء في زيادة القرآن ونقصانه ـ معاذ اللّه ـ والّتي توصف
بروايات نسخ التلاوة، ومهّدنا لمناقشتها البحوث الماضية. وآن أن ندرسها في ما
يأتي بحوله تعالى، ونقول:

أوّلا ـ يرد على تلكم الروايات
أنّ جلّها تنسب النسيان أو الانساء إلى رسول اللّه (ص) وحده أو مع أصحابه، وذلك
ينافي عصمته في التبليغ، وقد أرسله اللّه بالقرآن ليبلغ به البشر كافّة، فكيف لم
يعصمه اللّه من النسيان كما تزعم الروايات؟

وكيف أسقط آيات من سور القرآن كما
تصرّح به الرواية الموسومة بالصحّة؟

وكيف لم يتداركه الوحي، ولم
يذكّره جبرائيل الّذي كان يعارضه القرآن في كلّ سنة، وبقي ناسيا للايات حتّى
ذكّرته قراءة صحابي إيّاها في مسجده؟

ثانيا ـ إنّ إنساء الرسول ونسيانه
يناقض نصَّ القرآن الكريم في محكم بيانه. فكيف تصحّ كلّ تلكم الاحاديث وقد قال
اللّه سبحانه وتعالى:

(سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى *
إِلا مَا شَاء اللّهُ). (الاعلى / 6 ، 7)

إنّ هذه السورة مكّية وكلّ أحاديث
النسيان والانساء تتحدّث عن زمان كان الرسول (ص) فيها بالمدينة. فهي جميعا تعارض
نصَّ القرآن الكريم وتطرح، ولا يقال: إنّ الاية استثنت وقالت: (إِلا مَا شَاء
اللّهُ)، وإنّ موارد إنسأ الرسول (ص) من مصاديق مشيئة اللّه لانسائه، فإنّ آيات
أُخرى نظيرها تفسِّر معنى مشيئة اللّه فيها، مثل قوله تعالى:

(أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ
كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنا...). (الفرقان / 45)

وقوله تعالى:

(وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ
عَلَى الاْ َرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ). (الحجّ / 65)

بلى لو شاء اللّه لجعل الظّلَّ
ساكنا، وانتقض نظام إضاءة الشمس وتدفئته للكون، وانعدمت حياة ذوي الاحياء على هذا
الكوكب، ولكنّ اللّه لم يشأ ذلك لصلاح عباده بمقتضى ربوبيته.

وكذلك أمسك السماء أن تقع على
الارض وتدمر ما فيها ومن فيها رحمة منه لهم بمقتضى ربوبيته، إلى أجل مسمّى.

وكذلك لم ينس الرسول (ص) شيئا من
القرآن بمقتضى ربوبيته، لئلاّ يخلّ ذلك بعصمته في التبليغ، وينتقض كون الرسول
والكتاب حجّة على الخلق أبد الدهر.

ومن ثمّ نعلم أنّ الاستثناء
بالمشيئة في هذه الموارد بمعنى أنّ الامر المذكور في كلّ مورد ليس خروجا عن إرادة
اللّه وقدرته ومشيئته، وإنّما هو بمقتضى مشيئته وإرادته وقدرته وحكمته، جلّت
قدرته وعظمت حكمته الّتي شاء بموجبها ما شاء وأراد.

ثالثا ـ يرد عليها تناقض بعضها مع
بعض ومع حكمة التشريع الالهي، كالاتي بيانه:

1 ـ إذا كان اللّه قد أنسى
السورتين الصحابي أبا موسى وأنسى الايات من الاحزاب والتوبة بعض الصحابة، فلماذا
الخلف في ما أنساهم اللّه إيّاها ليتذكروا بعض ما أنساهم اللّه إيّاها دون بعض.

2 ـ إذا كان الانساء من اللّه،
فكيف لم يُنْسِ أبا موسى وأُبيّا وغيرهما من الصحابة وأنسى نبيّه (ص) في بعضها
دونهم، فتذكروا من السور والايات ما تحدثت عنها الروايات السابقة.

رابعا ـ ما حكمة نسخ بعض ما ذكروا
من أحكام الاسلام؟!

ما حكمة تبديل حكم عشر رضعات بخمس
رضعات؟

هل كان حكم عشر رضعات محدودا
بزمان وظرف خاصّ وانتهى أمد الحكم بانتهاء ذلك الظرف والزمان كما شاهدنا ذلك في
سائر الاحكام المنسوخة في الاسلام، فنسخت العشر بالخمس؟

وما حكمة تشريع خمس رضعات للكبير؟

وهل من فطرة الانسان أن يرضع
الانسان الكبير، ليترتب عليه حكم إسلامي؟

وما حكمة نسخ تلكم الاحكام من
الاسلام وتلكم الايات؟ والاسلام نظام قدّره لحياة الانسان من قدّر نظام سير
الكهيربات للذّرّة وتناسق الذرّات في الاجسام ونظام سير الكواكب والنجوم في
المجموعات الشمسيّة والمجموعات الشمسيّة في المجرّات والمجرّات في الفضاء
اللامتناهي، كلّ نظام متناسب مع فطرة ما خلق اللّه عليها ونظام الاسلام للانسان
متناسب مع: (فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَتَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ). (الرُّوم / 30)

خامسا ـ لماذا كان اللّه يوحي إلى
نبيّه (ص) ليلا وينسيه صباحا؟ أكان ذلك وحيا، أم لعبة من لعب الهواة!؟

* * *.

كان ما ذكرناه أمثلة ممّا يرد على
تلك وما يشاكلها وليس علاج المعضلة وحلّ المشكلة في ما وصفوه بنسخ التلاوة، فإنّه
يأتي بتسلسل من المتناقضات. والحلّ في نظرنا في ما يأتي بيانه بحوله تعالى:

ثامن عشر ـ شأن الروايات
المتضاربة في نقصان.

القرآن وزيادته وعلاجها.

إنّ تلكم الروايات تنقسم على
ثلاثة أصناف:

أ ـ ما روي فيها تأويل القرآن عن
رسول اللّه (ص) وتفسيره ولم يفسِّر العلماء الحديث على الوجه الصحيح، وزعموا أنّ
الرسول (ص) تلا نصّ القرآن، وليس قوله تفسيرا للقرآن.

ب ـ ما روي فيها سنّة الرسول (ص)،
وفي لفظ بعض رواياته إيهام بأنّ ما في الرواية لفظ القرآن، وليس بسنّة الرسول
(ص).

ج ـ روايات لايصحّ محتواها بوجه
من الوجوه ويجب طرحها جملة وتفصيلا، لانّها تخالف محكم الكتاب وسنّة الرسول (ص)
الجامعة.

وفي ما يأتي أمثلة من الاصناف
المذكورة:

أوّلا ـ ما روي فيها تأويل القرآن
عن رسول اللّه (ص) وحسب العلماء أنّ الرسول (ص) كان قد تلا في حديثه نصّ القرآن،
مثل ما روي عن أُمّيّ المؤمنين عائشة وحفصة أنّهما أمرتا بكتابة (صلاة العصر) بعد
(وَالصَّلاَ ة الوسْطَى) في مصحفيهما، فإنّهما كانتا سمعتا من رسول اللّه (ص)
(صلاة العصر) تفسيرا للصلاة الوسطى، وأمرتا بكتابتها في مصحفيهما على أنّه تفسير
للصلاة الوسطى.

وإنّما التوهم ممّن ظنّ أنّهما
أمرتا بكتابته على أنّه قرآن يتلى، راويا كان المتوهم أم عالما، حسبه من قسم
منسوخ التلاوة.

ثانيا ـ ما روي فيها سنّة الرسول
(ص)، غير أنّ في لفظ بعض تلك الروايات ما يوهم بأنّ المروي كان من سور
القرآن أو من آيات القرآن، وفي بعض الروايات تصريح بذلك كالامثلة الاتية:

أ ـ ما روي في شأن ما سمّيا
بسورتي الحفد والخلع. في دراسة هذه الروايات إذا جمعناها وقارنّا بعضها ببعض
وجدنا أمرهما في الروايات كالاتي:

ـ في بعض الروايات لم يبدأ فيهما
بالبسملة كما يبدأ بها في السور القرآنية.

ـ في بعض الروايات أنّ الامام
عليّا علّم الراوي إيّاهما كدعاء يقرأه في القنوت. وفي هذه الروايات لم تسميا
باسم السورة.

ـ في بعض الروايات سميتا باسم
السورة.

ـ وإلى جانب هذه الروايات روايات
أُخرى توهم بأنّهما كانتا من سور القرآن كالاتي:

ـ في بعض الروايات بدئتا بالبسملة
كما يبدأ بالسور القرآنية وفيها إيهام بأنّها سورتان.

ـ في لفظ بعض الروايات وزاد
(أقرأني النبيّ)، وفي لفظ (أَقْرَأَ) إيهام بأنّهما سورتان أقرأهما النبيّ (ص)
الصحابي كما كان يقرئهم

السور القرآنية.

وكذلك الشأن بالنسبة إلى جمل
أُخرى الّتي جاء في لفظ روايتها: أنّ الصحابي قال: أقرأني رسول اللّه (ص) كذا.

ولعلّ ذكر أمثال هذه الالفاظ في
الروايات كان من تسامح الرواة في التعبير، ونقل الحديث بالمعنى مع عدم تنبّه وعدم
وعي لاثر التسامح في التعبير.

ويصحّ أن نفترض هكذا إذا أحسنّا
الظنّ بالرواة.

وقد ذكرنا في ما سبق ان الزنادقة
دسوا في كتب المحدّثين أكاذيب عداء للاسلام.

ومن دراسة الروايات دراسة مقارنة
تثبت لنا أنّ الخطأ في شأنهما من العلماء الّذين سمّوهما وأمثالهما بمنسوخ
التلاوة من القرآن، أي أنّهم زعموا أنّهما وأمثالهما كانت من النصوص القرآنية
الثابتة وقد نسخت تلاوتها.

في مثل هذه الحالات نأخذ بلفظ
الرواية الّتي ليس فيها لفظ (أقرأني) ـمثلاـ أو ما لم يبدأ فيها الدعاء بالبسملة،
ونرى أنّ الخطأ في عدم دراسة تلك الروايات دراسة مقارنة لتنجلي الحقيقة، ثمّ في
تسميتها باسم قرآنٍ قد نسخت تلاوته.

وفي شأن ما سميتا بسورتي الحفد
والخلع أخطأ السيوطي خطأً فاحشا حين سجّلها في تفسيره مشابها لتسجيله السور
القرآنية.

وإنّما الصحيح في أمرهما وأمر
أمثالهما أن تسجل في عداد سنّة الرسول (ص) بعد التأكّد من صحّة أسنادها، وليس في
عداد السور القرآنية وآياتها مع وصفهم بأنّها منسوخ التلاوة.

وإذا لم تصحّ أسنادها، لنا أن
نطرحها ولا نسجلها في عداد السور القرآنية، ولا في عداد روايات سنّة الرسول (ص).

ب ـ ما روي في شأن رجم الشيخ
والشيخة، إذا قارنّا بين ألفاظ رواياتها وجدنا في لفظ بعضها نصّا على أنّه كان
قرآنا يتلى واعتمادا على لفظ أمثال هذه الرواية حسبوا الجملة قرآنا كان يتلى،
ولمّا كانت غير مكتوبة في المصحف قالوا: انّ الجملة كانت قرآنا نسخت تلاوتها وبقي
حكمها.

وإلى جانب هذه الروايات وجدنا
روايات أُخرى ليس في لفظها ما يوهم أنّه كان قرآنا يتلى.

وفي أمثال هذه الموارد نأخذ
بالرواية الّتي ليس فيها ما يوهم أنّ الجملة كانت قرآنا يتلى ونسجّلها في عداد
سنّة الرسول (ص) إن صحّت أسنادها.

وكذلك الشأن في روايات سورتي أبي
موسى الاشعري وروايات كثيرة غيرها من مثيلاتها.

ولا يفوتنا أن نقول: أنّنا حين
نطلب تسجيل أمثال تلك الروايات بعد دراستها دراسة مقارنة في عداد سنّة الرسول
(ص)، نرى أنّ في بعض ألفاظها ما هو دون بلاغة كلام الرسول (ص).

وعلى هذا فينبغي اعتبار تلك
الروايات في عداد سنّة الرسول (ص) في محتواها دون ألفاظها، أي أنّها رويت بالمعنى
دون التقيد بروايتها بلفظ الرسول(ص).

ثالثا ـ روايات تخالف محكم القرآن
وسنّة الرسول (ص) الجامعة وكالموارد الاتية:

أ ـ ما روي عن ابن مسعود إسقاطه
المعوّذتين من مصحفه بزعم أنّهما ليستا من القرآن. ومغزى هذا القول والعمل أنّ
المصحف المتداول بين المسلمين منذ العصر الاسلامي الاوّل إلى اليوم فيه سورتان
زائدتان وليستا من القرآن ـمعاذ اللّهـ.

وقد سبق أن قلنا في مثل هذه
الموارد إنّ ذلك ممّا افتري به على اللّه وكتابه ورسوله وأصحابه. والصحيح هو
المكتوب في المصاحف الّتي تداولها المسلمون منذ دوّنت المصاحف ودوّنت السور حتّى
اليوم.

إذا فقد كان ذلك ممّا افتراه
أمثال الزنادقة في مقابل نصِّ الكتاب ورواية ما لايحصى من أبناء الاُمّة كما
درسنا ذلك في ما سبق.

ب ـ ما روي عن أُمّ المؤمنين
عائشة أنّها قالت: كان في ما أُنزل من القرآن [عشر رضعات يحرمن] فنسخن بـ [خمس
معلومات]، فتوفي رسول اللّه (ص)، وهنّ ممّا يقرأ من القرآن. وفي حديث آخر لها
[ورضاع الكبير عشرا].

وفسرت الاية المزعومة بما روته هي
من رضاع سالم مولى أبي حذيفة(58) وإرسالها سالم بن عبداللّه إلى أُختها أُم كلثوم
لترضعه أُمّ كلثوم خمس رضعات، فيحرم بتلك الرضعات الخمس، ومن ثم أوردها ابن ماجة
في باب: (رضاع الكبير). وكذلك مسلم وأبو داود والنِّسائي جميعهم أوردوا روايتها
في باب: رضاع الكبير.

ولعلها قصدت ان هذه الجملة كانت
مكتوبة كبيان من الرسول (ص) في حكم الرضاع نظير أمرها بكتابة (وصلاة العصر) بعد
(وَالصَّلاَة الوسْطَى) من مصحفها تفسيرا للصلاة الوسطى.

ج ـ ما روي عن ابن عباس أنّه قال:
كان ممّا ينزل على النبيّ الوحي باللّيل وينساه بالنهار!

لست أدري، هل كان وحي اللّه
لنبيّه من قبيل: كلام الليل يمحوه النهار؟

د ـ ما روي عن الخليفة عمر أنّه
قال: إنّ أقرؤنا أُبيّا، وإنّا لندع شيئا من قراءة أُبي وذلك أنّ أُبيّا يقول: لا
أدع شيئا سمعته من رسول اللّه (ص).

وفي رواية يقول: أخذت من فم رسول
اللّه (ص) ـ وقد قال اللّه: (ما ننسخ من آية أو ننساها...).

وإذا لم يعتمد على الاقرأ الّذي
سمع القرآن من فم رسول اللّه فعلى من يعتمد؟!

مرّ بنا ان هذه الروايات ممّا
افتري بها على اللّه وكتابه ورسوله وأصحابه.

* * *.

هذه أربع روايات أتيت بها مثلا
للروايات الّتي لا علاج لها، ويطول بنا المقام لو أردنا مناقشتها جميعا، ولذلك
نقتصر على مناقشة واحدة منها وجدناها أقواها سندا وأكبرها أثرا.

ومناقشتنا إيّاها هنا خلاصة
لدراستنا السابقة لها، وأخذ العبرة والنتيجة منهما كالاتي:

مناقشة رواية أُمّ المؤمنين
عائشة في الرضاع وبيان أثرها.

استفاد عشاق النسخ في القرآن من
روايتها:

[عشر رضعات معلومات] فنسخن بـ
[خمس معلومات]، فصنفوا النسخ إلى ثلاثة أصناف: منها ما نسخ حكمه وتلاوته وله مورد
واحد وهو قولها: [عشر رضعات معلومات] فقد نسخت حسب روايتها: بـ [خمس معلومات]،
ونسخت تلاوتها ـ أيضا ـ لانّها غير موجودة في المصحف.

وأمّا [خمس معلومات] فقد بقي
حكمها حسب فتواها وعملها، ولمّا كانت ـأيضاـ غير مكتوبة في المصحف ذكروها في عداد
ما نسخ تلاوتها دون حكمها. ووجدنا في رواية ابن ماجة وأحمد بن حنبل عنها، أنّها
قالت:

(لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير
عشرا، ولقد كانت تحت سريري، فلمّا مات رسول اللّه (ص) وتشاغلنا بموته، دخل داجن
فأكلها)(59).

إنّ العلماء استفادوا من نصف هذا
الحديث، وهو قولها [عشر رضعات] واعتبروها صنفا من أصناف النسخ وهو نسخ التلاوة
والحكم، ولم يجدوا لها نظيرا. واستفادوا من النصف الاخر مثالا من أمثلة نسخ
التلاوة دون الحكم.

ومن آثار هذا الحديث ما حصل عند
فقهاء مدرسة الخلفاء من الاختلاف في رضاع الكبير، وأنّه هل يحرم أم لا؟ وإذا كان
يحرم، كيف يرضع الكبير؟ هل يلتقم الثدي أم يشرب اللبن من الاناء(60)؟

مناقشة الحديث.

إنّ حديث رضاع الكبير بمجموعه
يخالف كتاب اللّه وسنّة رسوله وفطرة الانسان.

أمّا كتاب اللّه، فلقوله ـ تعالى
ـ : (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)، وعليه
فإنّ الرضاع لايكون إلاّ في الحولين.

وأما سنّة الرسول، فلقوله (ص):
((إنّما الرضاعة من المجاعة)) وفسّره (ص) في حديث آخر وقال: ((ولا يحرّم الرضاع
إلاّ ما فتق

في الامعاء في الثدي وكان قبل
الفطام))، وقال في حديث آخر: ((لا رضاع إلاّ ما شدّ العظم وأنبت اللحم وأنشز
العظم)).

وأمّا الفطرة، فقد ذكرنا أمرها
سابقا.

وفي خصوص الاية الّتي أكلها
الداجن لست أدري كيف انحصر علمها بأُمّ المؤمنين عائشة، ولم يأت ذكرها على لسان
أي إنسان آخر من أزواج الرسول(ص) وأصحابه وأهل بيته، مع قولها: (فتوفي رسول اللّه
وهنّ ممّا يقرأ من القرآن).

وكيف ذهبت الاية بأكل داجن لها مع
قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)!؟

والصواب في القول ما ذكرناه من
أنّها قصدت أنّ الجملة كانت مكتوبة مع آية الرضاع في قوله تعالى: (حولين
كاملين...) كبيان رسول اللّه (ص) ممّا أنزل اللّه عليه بوحي غير قرآني.

خلاصة القول.

إن تلك الروايات الّتي كان فيها
تهوين بأمر التشريع الاسلامي واستهانة بالوحي والقرآن والرسول وأمر الربّ تنقسم
إلى قسمين:

منها ما هي مخالفة لكتاب اللّه
المجيد وسنّة الرسول (ص) الجامعة وعلّتها في متونها ومحتواها فهي تُرفَض وتُطرَح.

ومنها ما في ألفاظها تشويش
للاذهان وإبهام بما ذكرنا أعلاه.

وهذه إن صحّت أسنادها يؤخذ
بمحتواها، ويُدرج منها ما ليس في ألفاظها اضطراب وتشويش في عداد سنّة الرسول (ص)،
ولا يقال لتبرير أيّ منها انّ اللّه سبحانه كان قد أنزل قرآنا، ثمّ نسخه بعد أن
تلاه المسلمون وعملوا به وأنساهم إيّاه.

وإنّ أمثال تلكم الروايات هي
الّتي شوّشت على بعض الاخباريين من محدِّثي الشيعة، مثل الشيخ النوري، واستدلّ
بها وكتب:

(فصل الخطاب). وجوابه ما ذكرناه،
فإن لم يقبل العلماء ما قلناه وأصرّوا على القول بنسخ التلاوة، فليسمّوا إذا كتاب
المحدث النوري: (فصل الخطاب في بيان منسوخ التلاوة من كتاب ربّ الارباب) ولا
مشاحة في التسمية والاصطلاح.

ولست أُريد بقولي هذا أن أُصوّب
عمل صاحب (فصل الخطاب) ولا قوله، ولكنّي أقول: قد أخطأ من قبله من قال: أنّ اللّه
كان أنزل قرآنا على نبيّه (ص)، ثمّ نسخ تلاوته وحكمه أو تلاوته دون حكمه، ثمّ
أصرّ على قوله.

وأخطأ بعدهم من استدلّ على مدّعاه
بتلكم الاجتهادات وتلكم الروايات.

وأخطأ المحدِّث النوري حين جمعها
في كتاب، ولم يبيّن وجه الصواب فيها، وأخطأ ثانيا حين سمَّـاها (تحريف كتاب ربّ
الارباب) ـ معاذ اللّه ـ، وفيصل القول ما قلناه، والحمد للّه.

الهوامش.

*1
عزير، جاء ذكره في سورة التوبة / 30. وشيث بن آدم ذكرناه في باب الاوصياء من
كتابنا عقائد الاسلام.

*2
المشهور أنّ الرواية عن الخليفة عمر، وليس عن الخليفة أبي بكر، كما جاء ذلك في
الصحاح، وذكرنا مصادره في بحث روايات الزيادة والنقصان في القرآن ـ معاذ اللّه ـ
بمدرسة الخلفاء.

ونسب الواحدي هذا القول إلى أبي
بكر وقد يكون خطأ منه.

راجع البرهان في علوم القرآن
للزركشي 2 / 39.

*3
مجمع البيان للطبرسي 1 / 185؛ والتبيان للطوسي 1 / 137.

*4
نفس المصدر السابق.

*5
أيضا 3 / 385 ، 386.

*6
أطيب البيان في تفسير القرآن ط. طهران سنة 1386ه، 2 / 139. ويختلف معنا في ذكر
المثال فحسب.

*7
البرهان 2 / 35 ـ 36.

*8
الاتقان 2 / 22.

*9
الاتقان 1 / 37 ، 38.

*10
روى ذلك من عني بكتابة بدء الوحي من كتاب سيرة الرسول.

*11
البرهان في علوم القرآن 3 / 233، ولم يعقد بابا لما نحن بصدده، وإنّما ذكر هذا
النوع استطرادا، واستشهدنا بقوله ليعلم أنّ التقديم والتأخير في ذكر الاخبار جاء
لاسباب بلاغية، ولا يصحّ ما زعموا ممّا سنذكره بُعيد هذا إن شاء اللّه.

*12
البرهان في علوم القرآن 3 / 239.

*13
البرهان في علوم القرآن 3 / 264.

*14
البرهان 3 / 276، وقوله هذا يسبب التوهّم بأنّ ترتيب نزول هذه الاية لم يراع في
كتابة المصحف.

*
-15 الا تقان 2 / 22 في الضرب الثاني: ما نسخ حكمه دون
تلاوته.

*16
تفسير البيان للسيِّد الخوئي ص 306 ، 307.

*17
البرهان في علوم القرآن للزركشي 2 / 38.

*18
نفس المصدر السابق.

*19
أحاديث أُمّ المؤمنين، ط. طهران 1414ه، ص 25 في بيان حكمة تعدّد زوجات النبيّ
(ص) بأوّل الكتاب.

*20
راجع البرهان في علوم القرآن للزركشي 2 / 38.

*21
راجع تفسير الطبري 2 / 3 ـ 4؛ وتفسير السيوطي 1 / 146.

*22
سيرة ابن هشام 2 / 47 ـ 48؛ وأُسد الغابة بترجمة البراء بن معرور.

وكعب بن مالك بن القين الخزرجي
السلمي. كان أحد شعراء النبيّ (ص)، وأحد الثلاثة الّذين تخلفوا عن تبوك، وتاب
اللّه عليهم. رووا عنه ثمانين حديثا. توفي في خلافة الامام عليّ (ع). سورة التوبة
/ 118.

أُسد الغابة 4 / 247 ـ 248؛
وجوامع السيرة ص 278؛ وتقريب التهذيب 2 / 135.

والبراء بن معرور الخزرجي السلمي،
كان أوّل من بايع الرسول في العقبة. وتوفي في صفر قبل قدوم رسول اللّه (ص)
المدينة مهاجرا بشهر، وأوصى أن يدفن وتستقبل به الكعبة، ففعلوا ذلك ولما قدم
النبيّ المدينة صلَّى على قبره وكبر أربعا. أُسد الغابة 1 / 173.

*23
ما أوردناه من أخبار تحويل القبلة موجز من الروايات في تفسير آيات القبلة بتفسير
الطبري 2 / 3 ـ 5؛ والسيوطي 1 / 146. وما أضفناه إليها للتوضيح كتبناه بين خطين
تمييزا له من نصوص الروايات.

*
-24 راجع تفسير القرطبي 2 / 83؛ والدرّ المنثور 1 / 108،
وعدّه السيوطي في الا تقان 1 / 23، من العشرين الّذي نسخ حكمه دون تلاوته.

*25
تفسير القرطبي 2 / 158.

*26
البرهان في علوم القرآن 2 / 38.

*27
السيرة الحلبية عند ذكر كرائم أخلاق رسول اللّه (ص) في باب يذكر فيه صفته (ص).

*28
فحوى الاحاديث بتفسير الاية في تفسير الطبري 28 / 15؛ والسيوطي 6 / 185.

*29
السيرة الحلبية 3 / 339.

*30
تفسير الاية بتفسير الطبري 28 / 14 ـ 15؛ والسيوطي 6 / 185.

*31
نفس المصدر السابق.

*32
البرهان في علوم القرآن 2 / 35.

*33
راجع البرهان في علوم القرآن 2 / 37.

*34
سيأتي مثالهما بعيد هذا.

*35
سيأتي مثالهما بعيد هذا.

*36
البرهان في علوم القرآن 2 / 125، النوع التاسع والثلاثون: معرفة وجوب تواتره؛
والاتقان 1/ 79، في (تنبيهات الاوّل) من النوع الخامس والثلاثون.

*37
البرهان في علوم القرآن 2 / 39 ـ 40؛ والاتقان للسيوطي 2 / 26، ورجعنا إلى الاوّل
في النقل؛ والانتصار لابي بكر محمّد بن الطيب الباقلاني (ت: 403ه ).انتهت إليه
رئاسة الاشاعرة ببغداد. ردّ على المعتزلة والشيعة والخوارج والجهمية وغيرهم. من
تآليفه: الانتصار وإعجاز القرآن.

تذكرة الحفاظ ص 1079؛ وهدية
العارفين 2 / 59؛ وترجمة الانتصار من كشف الظنون.

*38
كتاب الحدود في الاُصول، ط. الاُولى، سنة 1392، ص 49. تأليف الحافظ أبي الوليد
سليمان بن خلف الاندلسي، الباجي (ت: 474ه ) ترجمته في الوفيات وتذكرة الحفاظ ص
1178 ـ 1183 وطبقات المفسِّرين للسيوطي.

*39
البرهان في علوم القرآن 2 / 36.

وكتاب ينبوع الحياة في التفسير في
مجلّدات لابي عبداللّه بن ظفر محمّد بن محمّد الصقلي (ت: 568ه ).

كشف الظنون 2 / 2052، ماّدة
ينبوع؛ وبهامش علوم القرآن 2 / 36، منه. أجزاء متفرقة خطية بدار الكتب المصرية،
رقم 310 التفسير؛ وراجع مباحث علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح، ص 266.

*40
مباحث علوم القرآن ص 265 ـ 266.

*41
أوائل المقالات، ط. النجف، سنة 1393، ص 155 ـ 156 للشيخ المفيد (ت: 413ه).

*42
معالم الدين وملاذ المجتهدين للشيخ حسن بن زين الدين العاملي (ت: 1011ه )، ط.
النجف، تحقيق البهبهاني، ص 369، (أصل في نسخ الكتاب والسنّة).

*43
البيان في تفسير القرآن لاُستاذ الفقهاء السيِّد الخوئي، ط. النجف، سنة 1390،
ص224 و 225؛ وأُصول الفقه للشيخ المظفر، ط. النجف 3 / 52، بحث نسخ الكتاب العزيز
ـ حقيقة النسخ ـ.

*44
الزركشي في البرهان 2 / 39.

*45
السيوطي في الاتقان 2 / 22.

*46
طبقات ابن سعد 8 / 271، بترجمة سهلة، وفيه خبر إفتاء عائشة بذلك وإرضاع أُمّ
كلثوم سالما. وفي ص 462 منه بترجمة أُمّ كلثوم ابنة أبي بكر، إرسال أُمّ المؤمنين
سالما إليها وإرضاعها إيّاه. وفي 3 / 87 منه بترجمة سالم مولى أبي حذيفة إباء
سائر أزواج الرسول من ذلك.

*47
سنن أبي داود، كتاب النُّكاح 2 / 223، باب: في من حرم به، أي حرم برضاع الكبير،
الحديث: 2061؛ وفتح الباري 11 / 53، باب: لا رضاع بعد الحولين، وقال ابن حجر في
شأن الحديث: (إسناده صحيح)؛ وسنن النِّسائي 2 / 84، باب: رضاع الكبير؛ وموطأ
مالك، باب: الرضاع، الحديث: 627؛ وروى ـ أيضا ـ مسلم: إباء أزواج الرسول (ص) من
ذلك في صحيحه، باب: رضاعة الكبير، الحديث: 30 و 31، ص 1077 و 1078 منه.

*48
مسند أحمد 6 / 269.

*49
سنن ابن ماجة، كتاب النِّكاح، باب رضاع الكبير، الحديث 1944، ص 625.

*50
سبق ذكر اسناده في بحث (نقصان حكم رضاع الكبير) بأوّل الباب.

*51
فتح المنان علي حسن العريض، ص 216 ـ 217.

*52
في الدرّ المنثور 1 / 105، قال أخرج أبو داود في ناسخه، وابن المنذر وابن
الانباري في المصاحف وأبوذر الهروي في فضائله، عن أبي إمامة.

وفي رواية ثانية بعدها: وأخرج أبو
داود في ناسخه والبيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي إمامة، الحديث.

وأبو إمامة، أسعد، وقيل سعد بن
سهل بن حنيف الانصاري، معدود في الصحابة وله رؤية ولم يسمع النبيّ (ص). أخرج
حديثه جميع أصحاب الصحاح (ت: 100ه ). تقريب التهذيب 1/ 64.

وأبوذر الحافظ عبد بن أحمد بن
محمّد شيخ الحرم. من تصانيفه: فضائل وتفسير القرآن (ت: 434ه )، كما في تذكرة
الحفاظ ص 1103 ـ 1105. واسم تأليفه في هدية العارفين 1/ 437.

*53
في الدرّ المنثور 1 / 104، قال أخرج الطبراني عن ابن عمر... الحديث.

*54
في الدرّ المثنور 1 / 104، قال أخرج ابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن عدي وابن
عساكر عن ابن عباس... الحديث.

وابن عدي، الحافظ الكبير أبو أحمد
عبداللّه بن عدي بن عبداللّه الجرجاني، ويعرف ـأيضاـ بابن القطان. من تصانيفه:
كتاب الانتصار على مختصر المزني في الفروع. (ت: 365ه ).

تذكرة الحفاظ ص 940؛ وهدية
العارفين 1 / 447.

*55
صحيح البخاري 3 / 67، بتفسير الاية، وفي أوّل تفسير أُبيّ من مسند أحمد 5 / 13،
ثلاث روايات عن أبي مع اختلاف يسير في ألفاظ الروايات؛ وفي الدرّ المنثور 1 /
104.

*56
قم يا ناعي الاسلام فانعه، إن صحت هذه الرواية أنّ الخليفة قال: لانأخذ من
الصحابي الاقرأ الّذي أخذ القرآن من فم رسول اللّه (ص).

*57
صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، الحديث: 224 و 225؛ وصحيح البخاري، كتاب
الشهادات، باب شهادة الاعمى 2 / 96؛ ومسند أحمد 6 / 62.

*58
وكان سالم وأبو حذيفة قد استشهدا قبل ذاك أي : يوم اليمامة وسبعة أشهر بعد
استخلاف أبي بكر .

*59
سنن ابن ماجة، كتاب النُّكاح، باب رضاع الكبير، الحديث رقم 1944؛ ومسند أحمد 6 /
269.

*60
راجع فتح الباري بشرح صحيح البخاري 11 / 49 ـ 53 و ص 33 ـ 36 منه، باب الاكفاء في
الدّين من كتاب النُّكاح.

/ 14