التاسع عشر ـ خلاصة بحوث النسخ في القرآن - قرآن الکریم فی روایات المدرستین جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قرآن الکریم فی روایات المدرستین - جلد 2

سیدمرتضی العسکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




التاسع عشر ـ خلاصة بحوث النسخ في القرآن


في مقدّمة هذا البحث القرآني
ينبغي التنبيه على الاُمور الاتية:


1 ـ إنّ هذا القرآن بحسب مقتضى
الحال يستعمل من فنون البلاغة ما يقتضيه المقام، وعليه قد يتحدّث عن المفرد بلفظ
الجمع، ويخاطب المفرد وهو الرسول (ص) ويريد أُمّته، ويخبر عن المستقبل بلفظ
الماضي، ويكلّم الحاضر بلفظ الغائب، وقد يعكس الامر في ما ذكرناه.


2 ـ يخبر عن القصّة الواحدة في
موارد متعددة، يفصل في كلّ مورد ما يناسب أخذ العبرة من القصة لما يناسب المقام
ويوجز الباقي، وقد يقتطع من القصة ما لا جدوى لذكره في المقام ويأتي بالباقي
المناسب ذكره للمقام.


وقد يأتي بتمام القصة موجزة، ثمّ
يبدأ بتفصيل ذكر القصة من حيث يناسب المقام.


وفي مثل هذا المورد يأتي أحيانا
ذكر المتأخر موجزا قبل ذكر المتقدمذكره مفصلا بعده.


وقد يكرّر من الخبر أو الحكم
مفصلا ما ينبغي التأكيد عليه، ويوجز ذكر باقي الخبر قبله أو بعده أو قبله وبعده.


3 ـ في السورة الكبيرة:


أ ـ قد ترد مجموعة واحدة من
الايات تبيّن بمجموعها حكما إسلاميا واحدا، و تكشف عن حقيقة واحدة من حقائق الغيب
أو الشهادة مع إيراد الكلام بما يناسب المقام بالكيفيات الّتي ذكرناها.


ب ـ وقد ترد آية واحدة تبين
بمفردها حكما اسلاميا، أو تكشف عن حقيقة من حقائق الغيب أو الشهادة.


وبناء على ما ذكرناه ينبغي لدارسي
القرآن الكريم أن يدرسوا الثانية على حدة ومنفصلة عما قبلها وما بعدها من الايات،
ويدرسوا الايات الّتي في الاُولى مجتمعة ولا يُجزِّئوا بعضها عن بعض الاخر.


وينبغي في كلّ دراسة قرآنية أن
يؤخذ بنظر الاعتبار كلّ ما ذكرناه عن الاُسلوب القرآني. وكلّ ما ذكروه في علوم
القرآن من خصائص القرآن في فن التعبير والمحاورة.


بعد التنبيه على ما ذكرنا نأتي
إلى درس بحث النسخ في القرآن، ونقول: صنّفوا النسخ في القرآن إلى ثلاثة أصناف:


أ و ب ـ ما نسخ تلاوته وحكمه، وما
نسخ تلاوته وبقي حكمه، أي: أنّ اللّه ـ سبحانه ـ كان قد أنزل على نبيّه (ص) آيات
وسورا، ثمّ نسخها، منها ما نسخها مع حكمها ومنها ما نسخ نصوص الايات والسور وأبقى
أحكامها.


وبهذا القول عالجوا رواياتهم
الّتي ذكرت نقصان سور وآيات من القرآن المتداول بين المسلمين وقالوا: تلكم السور
والايات منسوخة التلاوة.


ج ـ آيات موجودة في القرآن قالوا
عنها إنّها منسوخة، أي: انّ اللّه نسخ أحكامها إما بآيات قرآنية أُخرى، أو بسنّة
الرسول (ص).


ونقول في الجواب:


استدلّوا على قولهم بوجود آيات
منسوخة في القرآن:


أوّلا ـ بآيتي: (مَا نَنسَخْ مِن
آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا) و(وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ).


ثانيا ـ بآيات كثيرة في القرآن
الكريم اعتبروها آيات منسوخة، أي أنّ تلكم الايات جاءت أوّلا بحكم اسلامي وعمل
بها المسلمون، ثمّ نسخ اللّه تلك الايات أي أحكامها بآيات أُخرى. وقال آحاد منهم:
إنّها نسخت بسنّة الرسول (ص) أي حديث الرسول (ص).


وفي ما يأتي ندرس بحوله تعالى
الاستدلالين على التوالي:


دراسة آيات مورد البحث في
النسخ.


أوّلا ـ دراسة الايتين:


أ ـ (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ). (البقرة / 106)


ب ـ (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً
مَكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ
مُفْتَرٍ...). (النّحل / 101)


لمّا كان محور الكلام في الايتين
الاية ونسخها ندرس معنى الاية لغة واصطلاحا في ما يأتي:


الاية في اللغة بمعنى: العلامة
الظاهرة على الشيء المحسوس، أو الامارة الدالة على أمر معقول.


وإذا قيل: آية من آيات اللّه، أي:
أمارة تدلّ عليه أو على بعض صفاته.


والاية في المصطلح الاسلامي اسم
لكل من المعاني الاتية:


أ ـ حكم من أحكام الشرع الالهي،
والّذي جاء في فصل أو فصول من كتب اللّه تبارك وتعالى.


ب ـ معجزة من معجزات الانبياء،
كناقة صالح، وعصا موسى (ع) وسائر الايات التسع الّتي جاء بها.


ج ـ جزء من السور القرآنية المشخص
بالعدد ـ الرقم ـ.


وقد تتبعنا موارد استعمال الاية
بهذا المعنى في القرآن الكريم، فوجدناها لم تأت بغير لفظ الجمع. وقد ثبت في محله
أن اللفظ المشترك في عدّة معاني لايستعمل في الكلام دونما قرينة تدل على المعنى
المقصود من تلك المعاني.


وإذا رجعنا إلى المجموعة الّتي
جاء فيها جملة: (مَا نَنسَخْ مِن آيَةً...)، وجدناها تذكر قبلها خبر تعنت أهل
الكتاب في قبول ما نزل على رسول اللّه(ص)، وبعدها تذكر خبر نسخ حكم استقبال بيت
المقدس في الصلاة إلى الكعبة، ومجادلة أهل الكتاب في هذا الشأن.


ومع وجود هذه القرائن قبل جملة:
(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا...) وبعدها نعلم أنّ المقصود من الاية
هاهنا هو تبديل حكم استقبال بيت المقدس في الصلاة بحكم استقبال الكعبة فيها، ومن
ثمّ ندرك أنّ المقصود من تبديل آية مكان آية في قوله تعالى:


(وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً
مَكَانَ آيَةٍ...) تبديل حكم استقبال الكعبة في الصلاة بحكم استقبال بيت المقدس
أو نظائره مثل تبديل حكم عيد السبت بعيد الجمعة ـ مثلا ـ.


وله نظائر أُخرى في ذكر قصة واحدة
عدّة مرّات في القرآن الكريم، موجزة تارة ومفصلة أُخرى.


هذا ما كان من أمر الايتين وأمّا
استدلالهم بالايات الّتي رووا أنّها منسوخة أو منسيّة، فسنقتصر على دراسة مثال
واحد من كلّ منها:


أ ـ مثال السورة المنسية.


استدلوا على ذلك بسورة الصحابي
أبي موسى الاشعري الّتي قال: إنّه نسيها وإنّها كانت في الشدّة والطول مثل سورة
براءة.


وقد مرّ بنا تفصيل القول في شأن
نظائره.


ب ـ الاية المنسوخة:.


استدلوا بالاية الّتي رويت عن
أُمّ المؤمنين عائشة في شأن رضاع الكبير والّتي أكلها الداجن.


وحقيقة الامر أنّه كان اجتهادا
خطأً منها في تفسير الاية في مقابل سائر أُمّهات المؤمنين اللاّتي خالفنها في شأن
هذا الاجتهاد.


ولقائل أن يقول: إنّ الاحوال
السياسيّة الّتي خاضتها أُمّ المؤمنين عائشة للتحريض على قتل الخليفة عثمان، ثمّ
قيادتها الجيش الضخم لقتال الخليفة الوصي الامام علي (ع) كانت قد ألجأتها إلى
محادثة الرجال ممّن لم يكونوا من محارمها مثل سالم بن عبداللّه بن عمر بن الخطاب،
فاضطرت إلى أن تجتهد وتفتي بانتشار الحرمة من رضاع الكبير كما هو الشأن في رضاع
الطفل الصغير.


واستشهدت لذلك بالخبر الّذي روته
عن أمر رضاع سالم مولى أبي حذيفة في كبره، ولمّا خالفها سائر أُمّهات المؤمنين في
هذا الامر اجتهدت فروت خبرا عن الرسول (ص) في بيان حكم رضاع الكبير بيانا لاية
الرضاع وقالت: إن الداجن أكل بيان الرسول (ص)، ونحن نرى انها اجتهدت، وأخبرت ذلك
عن الرسول (ص) وأن الرسول (ص) لم يقل بانتشار الحرمة من رضاع الكبير(1).


وكذلك الشأن في قصة السورة
المنسيّة، وبيان ذلك أن القرّاء في صدر الاسلام كانوا هم علماء الاُمّة ومورد
احترام الجميع.


ونرى أنّ قرّاء البصرة كانوا
يدلون بذلك على الناس أميرا كانوا أو سوقة فلم يرض ذلك أمير البصرة الصحابي أبا
موسى، فجمعهم وروى لهم حديثا عن الرسول (ص) لم يكن لاحدهم علم به ليفهمهم أن ما
حفظوه وتدارسوه من بيان القرآن ليس كل ما جاء في بيان القرآن عن الرسول (ص)
وإنّما كان من بيان القرآن ما لم يعلم به أحد منهم، وكان علمها عند الامير وقد
جهلوه جميعا.


في هذه القصّة ـ أيضا ـ اجتهد
الصحابي أبو موسى وأخطأ، وإنّه لكلّ من أُمّ المؤمنين عائشة والصحابي أبي موسى
أجر لدى أتباع مدرسة الخلفاء على اجتهادهما الخطأ.


* * *.


نكتفي بدراسه هذين الموردين من
الايات اللاّتي رووا أنّها منسيّة أو منسوخة ـ معاذ اللّه ـ لانّه من العسير
استقصاؤها وشرح زيفها.


ونقتصر هنا على القول بأن القرآن
الّذي بأيدي الناس اليوم هو القرآن الذي نزل على رسول اللّه (ص) وعلّمه الرسول
جميع من


عاشره واستطاع أن يتعلّمه كما سبق
بيانه مفصلا.


بعد إيراد البحوث السبعة الماضية
نقوم باذنه تعالى بدراستها في البحوث الاتية.


دراسة الروايات السابقة.


.


والاجتهادات الخاطئة.


.


خصائص المجتمع الاسلامي
وأخبار القرآن على عهد:.


ـ الخليفتين أبي بكر وعمر..


ـ الخليفة عثمان..


ـ الخليفة الامام عليّ..


ـ بني أُميّة..


ـ بني العباس..


درسنا في الجزء الاوّل من هذا
الكتاب ملامح المجتمع العربي في العصر الجاهلي وخصائصه في الجزيرة العربية وأخبار
القرآن على عهد الرسول (ص) ونبدأ بدراسة خصائص المجتمع الاسلامي على عهد كل خليفة
ثمّ نتبعها بدراسة أخبار القرآن كذلك كما يأتي بحوله تعالى.


خصائص المجتمع الاسلامي وأخبار
القرآن على عهد.


الخليفتين أبي بكر وعمر.


خصائص المجتمع الاسلامي على
عهد الخليفة أبي بكر..


خصائص المجتمع الاسلامي على
عهد الخليفة عمر..


أخبار القرآن بعد الرسول
(ص)..


أخبار القرآن على عهد
الخليفة أبي بكر..


أخبار القرآن على عهد
الخليفة عمر..


خصائص المجتمع الاسلامي على
عهد الخليفة أبي بكر.


من أجل معرفة خصائص المجتمع بعد
الرسول يلزمنا دراسة كيفية اقامة الحكومات المتعاقبة من بعده وما جرى في ظل تلك
الحكومات في المجتمع.


ونبدأ بذكر اخبار اخذ البيعة لابي
بكر وما بعدها.


اجتمع الانصار ـ الاوس والخزرج ـ
بعد وفاة الرسول (ص) في سقيفة بني ساعدة وبينما هم يداورون الرأي، بلغ نبأهم
فريقا من المهاجرين فأسرعوا إليهم وخطبوا فيهم.


وفي صحيح البخاري بسنده عن
الخليفة عمر أنه قال:


إنّه كان من خبرنا حين توفَّى
اللّه نبيَّه، أنّ الانصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليّ والزبير
ومن معهما، فقلت لابي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا الانصار.


فانطلقنا حتّى أتيناهم، فإذا رجل
مزمّل، فقالوا: هذا سعد بن عبادة يوعك، فلمّا جلسنا قليلا، تشهّد خطيبهم، فأثنى
على اللّه، ثمّ قال: أمّا بعد، فنحن أنصار اللّه وكتيبة الاسلام، وأنتم معشر
المهاجرين رهط...


فأردت أن أتكلّم، فقال أبو بكر:
على رسلك.


فتكلّم هو، واللّه ما ترك من كلمة
أعجبتني في تزويري إلاّ قال في بديهته مثلها أو أفضل؛ قال: ما ذكرتم فيكم من خير،
فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الامر إلاّ لهذا الحيّ من قريش، هم أوسط العرب نسبا
ودارا(2).


روى الطبري(3) في تفصيل خبر
السّقيفة وبيعة أبي بكر وقال:


اجتمعت الانصار في سقيفة بني
ساعدة، وتركوا جنازة الرّسول يغسله أهله، فقالوا: نولّي هذا الامر بعد محمّد سعد
بن عبادة.


وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض...


فحمد اللّه وأثنى عليه، وذكر
سابقة الانصار في الدين وفضيلتهم في الاسلام، وإعزازهم للنبي وأصحابه وجهادهم
لاعدائه، حتّى استقامت العرب، وتوفّي الرسول وهو عنهم راض، وقال: استبدُّوا بهذا
الامر دون النّاس.


فأجابوه بأجمعهم أن قد وفّقت في
الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، نولّيك هذا الامر.


ثمّ إنّهم ترادّوا الكلام بينهم،
فقالوا: فإن أبَت مُهاجِرَة قريش فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول اللّه
الاوّلون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلامَ تنازعوننا هذا الامر بعده؟ فقالت طائفة
منهم: فإنّا نقول إذا: منّا أمير ومنكم أمير. فقال سَعْد بن عبادَة: هذا أوّل
الوهن(4).


سمع أبو بكر وعمر بذلك، فأسرعا
إلى السَّقيفة مع أبي عُبَيْدة بن الجرَّاح وانحاز معهم أُسيد بن حُضَيْر(5)
وعُويم بن ساعِدَة(6)


وعاصم بن عَدِيّ(7) من بني
العَجْلان(8).


تكلَّم أبو بكر ـ بعد أن منع عمر
عن الكلام ـ فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ ذكر سابقة المهاجرين في التصديق بالرّسول
دون جميع العرب، وقال: (فهم أول من عبد اللّه في الارض وآمن بالرسول، وهم أولياؤه
وعشيرته وأحقّ الناس بهذا الامر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلاّ ظالم).


ثمّ ذكر فضيلة الانصار، وقال:
(فليس بعد المهاجرين الاوّلين عندنا بمنزلتكم، فنحن الامراء، وأنتم الوزراء).


فقام الحُباب بن المنذر(9) وقال:
يا معشر الانصار! املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلّكم، ولن يجترئ
مجترئ على خلافكم، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وينتقض عليكم أمركم. فإن أبى
هؤلاء إلاّ ما سمعتم، فمنّا أمير ومنهم أمير.


فقال عمر: هيهات! لايجتمع اثنان
في قرن... واللّه لاترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم، ولكنّ العرب
لاتمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم، وولي أُمورهم منهم. ولنا بذلك على
من أبى الحجّة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمّد وإمارته، ونحن
أولياؤه وعشيرته(10) إلاّ مدل بباطل أو متجانف لاثم أو متورّط في هلكة.


فقام الحباب بن المُنذر وقال: يا
معشر الانصار، املكوا على ايديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم
من هذا الامر، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم، فأجلوهم عن هذه البلاد، وتولّوا عليهم
هذه الاُمور، فأنتم واللّه أحقّ بهذا الامر منهم، فإنّه بأسيافكم دان لهذا الدين
من لم يكن يدين به. أنا جُذَيْلُها المُـحَكَّك(11) وعُذَيْقُها المُرَجّب(12).
أما واللّه لو شئتم لنُعيدنها جَذَعَة(13).


قال عمر: إذا يقتلك اللّه.


قال: بل إيّاك يقتل.


فقال أبو عُبيدة: يا معشر
الانصار! إنّكم كنتم أوّل من نصر وآزر، فلا تكونوا أوّل من بدَّل وغيّر.


فقام بشير بن سعد الخزرجيّ أبو
النعمان بن بشير فقال: يا معشر الانصار! إنّا واللّه لئن كنّا أُولي فضيلة في
جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلاّرضا ربّنا وطاعة نبيّنا
والكدح لانفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على النّاس بذلك، ولا نبتغي به من الدنيا
عرضا، فإنّ اللّه وليّ النعمة علينا بذلك، أَلا إنّ محمّدا (ص) من قريش، وقومه
أحقُّ به وأولى، وأيم اللّه لا يراني اللّه أُنازعهم هذا الامر أبدا. فاتّقوا
اللّه، ولا تخالفوهم، ولا تنازعوهم.


فقال أبو بكر: هذا عمر، وهذا أبو
عبيدة، فأيّهما شئتم فبايعوا. فقالا: واللّه لا نتولّى هذا الامر عليك...
الخ(14).


وقام عبدالرّحمن بن عوف، وتكلّم
فقال: يا معشر الانصار! إنّكم وإن كنتم على فضل، فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر
وعليّ.


وقام المنذر بن الارقم فقال: ما
ندفع فضل من ذكرت، وإنّ فيهم لرجلا لو طلب هذا الامر لم ينازعه فيه أحد ـ يعني
عليَّ بن أبي طالب ـ(15).


(فقالت الانصار أو بعض الانصار:
لا نبايع إلاّ عليا)(16).


قال عمر: فكثر اللّغط وارتفعت
الاصوات حتّى تَخَوّفت الاختلاف فقلت: ابسط يدك لاُبايعك(17).


فلمّا ذهبا ليبايعاه، سبقهما إليه
بشير بن سعد فبايعه، فناداه الحُباب بن المنذر: يا بشير بن سعد عَقَقْتَ
عَقاق(18)! أنفست على ابن عمِّك الامارة؟


فقال: لا واللّه، ولكنّي كرهت ان
أُنازع قوما حقّا جعله اللّه لهم.


ولمّا رأت الاوس ما صنع بشير بن
سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض ـ
وفيهم أُسَيْد بن حُضير وكان أحد النُّقباء ـ: واللّه لئن وليَتها الخزرج عليكم
مرَّة، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا،
فقوموا فبايعوا أبا بكر(19).


فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر على
سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم... فأقبل النّاس من كلّ
جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطأون سعد بن عبادة.


فقال أُناس من أصحاب سعد: اتّقوا
سعدا لا تطأوه.


فقال عمر: اقتلوه، قتله اللّه.


ثمّ قام على رأسه فقال: لقد
هَمَمْتُ أن أطأك حتّى تَنْدُر عُضوك. فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر فقال: واللّه لو
حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة.


فقال أبو بكر: مهلا يا عمر! الرفق
هاهنا أبلغ.


فأعرض عنه عمر(20).


وقال سعد: أمّا واللّه لو أنّ بي
قوّة مَا أقوى على النهوض لسمعت منّي في أقطارها وسككها زئيرا يُجْحِرُك وأصحابك.
أما واللّه إذا لالحقنّك بقوم كنتَ فيهم تابعا غير متبوع. احملوني من هذا المكان.
فحملوه فأدخلوه في داره(21).


وروى أبو بكر الجوهري: أنّ عمر
كان يومئذ ـ يعني يوم بويع أبو بكر ـ محتجزا يهرول بين يدي أبي بكر ويقول: ألا
إنّ الناس قد بايعوا أبا بكر... الخ(22).


بايع الناس أبا بكر وأتوا به
المسجد يبايعونه، فسمع العبّاس وعليّ التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول
اللّه (ص).


فقال عليّ: ما هذا؟


قال العباس: ما رئيَ مثل هذا
قطّ!! أما قلت لك(23)؟!


النذير:.


وجاء البراء بن عازب، فضرب الباب
على بني هاشم، وقال:


يا معشر بني هاشم! بويع أبو بكر.


فقال بعضهم لبعض: ما كان المسلمون
يحدثون حدثا نغيب عنه ونحن أولى بمحمّد.


فقال العباس: فعلوها وربِّ
الكعبة!


وكان عامّة المهاجرين وجلّ
الانصار لا يشكّون أنّ عليا هو صاحب الامر بعد رسول اللّه (ص)(24).


وكان المهاجرون والانصار لا
يشكُّون في عليّ(25).


روى الطبري: أنّ (أسلم) أقبلت
بجماعتها حتى تضايق بهم السِّكك فبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول:


(ما هو إلاّ أن رأيتُ اسلم،
فأيقنت بالنصر)(26).


فلمّا بويع أبو بكر، أقبلت
الجماعة الّتي بايعته تزفُّه زفّا إلى مسجد رسول اللّه (ص)، فصعد على المنبر ـ
منبر رسول اللّه (ص) ـ فبايعه الناس، حتّى أمسى، وشُغِلُوا عن دفن رسول اللّه
(ص) حتى كانت ليلة الثلاثاء(27).


البَيْعَة العامّة:.


ولمّا بويع أبو بكر في السَّقيفة
وكان في الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر، فتكلّم قبل أبي بكر، فحمد اللّه
وأثنى عليه...، وذكر أنّ قوله بالامس لم يكن من كتاب اللّه ولا عهدا من رسوله،
ولكنَّه كان يرى أن الرسول سيدبّر أمرهم ويكون آخرهم. ثمّ قال:


وإنّ اللّه قد أبقى فيكم كتابه
الّذي به هدى رسوله.


فإن اعتصمتم به هداكم اللّه لما
كان هداه له.


وإنّ اللّه قد جمع أمركم على
خيركم صاحب رسول اللّه (ص) ثاني اثنين إذ هما في الغار؛ فقوموا فبايعوه.


فبايع الناس أبا بكر بيعته
العامَّة بعد بيعة السَّقيفة.


وفي البخاري: (وكان طائفة منهم قد
بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة أبي بكر العامّة على المنبر). قال
أَنس بن مالك: (سمعت عمر يقول لابي بكر يومئذ: اِصعد المنبر. فلم يزل به حتّى صعد
المنبر فبايعه الناس عامّة).


ثمّ تكلّم أبو بكر، فحمد اللّه
وأثنى عليه ثمّ قال:


(أمّا بعد، أيُّها الناس! فإنّي
قد وُلِّيتُ عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني ـ إلى
قوله ـ:


أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله،
فإذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم، يرحمكم اللّه)(28).


بعد بيعة أبي بكر العامَّة:


(توفّي رسول اللّه يوم الاثنين
حين زاغت الشّمس، فشغل الناس عن دفنه)(29).


شُغِلَ الناس عن رسول اللّه بقيّة
يوم الاثنين حتّى عصر الثلاثاء:


أوّلاً: بخُطب السَّقيفة.


ثمّ: ببيعة أبي بكر الاُولى ثمّ
ببيعته العامّة وخُطبته وخُطبة عمر حتّى صلّى بهم.


قالوا: (فلمّا بويع أبو بكر أقبل
الناس على جهاز رسول اللّه يوم الثلاثاء)(30). (ثمّ دخل الناس يصلّون عليه)(31).
(وصُلّي على رسول اللّه بغير إمام. يدخلُ عليه المسلمون زُمَرا زُمَرا يصلّون
عليه)(32).


بعد دفن الرسول (ص):.


اندحر سعد ومرشِّحوه، وبقي علي
وجماعته ـ بعد أن أصبحوا أقلّية ـ يتناحرون وحزب أبي بكر الظافر وكلّ يجتهد في
جلب الانصار لحوزته.


قال الزُّبير بن بكار: لمّا بويع
أبو بكر واستقرّ أمره، ندم قوم كثير من الانصار على بيعته، ولامَ بعضهم بعضا،
وذكروا عليّ بن أبي


طالب، وهتفوا باسمه(33).


قال اليعقوبي وابن أبي
الحديد(34):


وتخلَّف عن بيعة أبي بكر قوم من
المهاجرين والانصار، ومالوا مع عليّ بن أبي طالب، منهم العبّاس بن عبد المطّلب
والفضل بن العبّاس، والزُّبير بن العوام، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو(35)،
وسلمان الفارسيّ، وأبوذر الغفاري، وعمّار بن ياسر، والبراء بن عازب(36)، وأُبيّ
بن كعب(37)، فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عُبيدة بن الجراح، والمغيرة بن
شعبة.


فقال: ما الرأي؟


قالوا(38): الرأي أن تلقى العباس
بن عبد المطَّلب، فتجعل له في هذا الامر نصيبا يكون له ولعقبه من بعده، فتقطعون
به ناحية عليّ بن أبي طالب (وتكون لكما حجّة)(39) على عليّ إذا مال معكم.


فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة
بن الجراح والمغيرة، حتّى دخلوا على العباس ليلا(40)، فحمد اللّه أبو بكر وأثنى
عليه، ثمّ قال: إنّ اللّه بعث محمّدا نبيّا وللمؤمنين وليّا، فمنّ عليهم بكونه
بين أظهرهم حتّى اختار له ما عنده فخلّى على الناس أُمورهم(41) ليختاروا لانفسهم
في مصلحتهم مشفقين(42). فاختاروني عليهم واليا ولاُمورهم راعيا.


فوليت ذلك وما أخاف بعون اللّه
وتسديده وَهنا، ولا حيرةً، ولا جُبنا، وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه
أُنيب.


وما انفكَّ يبلغُني عن طاعن بقولِ
الخلاف على عامّة المسلمين يتَّخذكم لجأً، فتكونوا حصنه المنيع، وخطبه البديع،
فإمّا دخلتم مع الناس في ما اجتمعوا عليه، وإمّا صرفتموهم عمّا مالوا إليه. ولقد
جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الامر نصيبا يكون لك، ويكون لمن بعدك من عقبك،
إذ كنتَ عمَّ رسول اللّه، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان صاحبك (فعدَلوا
الامر عنكم)(43) على رسْلكم بني هاشم، فإنّ رسول اللّه منّا ومنكم.


فقال عمر بن الخطاب: وأُخرى إنّا
لم نأتكم لحاجةٍ إليكم، ولكن كُرها أن يكون الطعن في ما اجتمع عليه المسلمون
منكم، فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لانفسكم!


فحمد العبّاس اللّه وأثنى عليه،
وقال: إنّ اللّه بعث محمّدا كما وصفت نبيا، وللمؤمنين وليّا، فمنّ على أُمّته به،
حتّى قبضه اللّه إليه واختار له ما عنده، فخلّى على المسلمين أُمورهم، ليختاروا
لانفسهم مصيبين الحقّ لا مائلين بزيغ الهوى.


فإن كنتَ برسول اللّه طلبتَ،
فحقَّنا أخذتَ، وإن كنتَ بالمؤمنين أخذتَ فنحن منهم. فما تقدّمنا في أمرك فَرَطا،
ولا حَلَلْنا وسطا، ولا بَرحنا سخطا، وإن كان هذا الامر وجب لك بالمؤمنين، فما
وجب إذ كنّا كارهين.


ما أبعد قولك من أَنَّهم طعنوا
عليك من قولك أنَّهم اختاروك ومالوا إليك!


وما أبعد تسميتك خليفة رسول اللّه
من قولك خلّى على الناس أُمورهم ليختاروا فاختاروك!


فأمّا ما قلت: إنك تجعله لي، فإن
كان حقّا للمؤمنين فليس لك أن تحكم(44) فيه، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض،
وعلى رسلك فإنّ رسول اللّه من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.


فخرجوا من عنده.


نهاية أمر المعارضة.


وروى مُعَمَّر عن الزُّهري عن
أُمّ المؤمنين عائشة في حديثها عمّا جرى بين فاطمة وأبي بكر حول ميراث النبيّ (ص)
قالت:


فهجرته فاطمة، فلم تُكَلِّمه حتّى
تُوفّيت، وعاشت بعد النبيّ (ص) ستّة أشهر.


فلمّا تُوفيت دفنها زوجها، ولم
يؤذِن بها أبا بكر وصلّى عليها.


وكان لعليّ من الناس وجه حياة
فاطمة، فلمّا تُوفّيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن عليّ. ومكثت فاطمة ستّة أشهر
بعد رسول اللّه (ص) ثمّ توفّيت.


قال معمّر:


فقال رجل للزُّهري: أفلم يبايعه
عليّ ستّة أشهر؟


قال: لا(45)، ولا أحد من بني هاشم
حتّى بايعه عليّ. فلمّا رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضَرَع إلى مصالحة أبي بكر
الحديث(46).


وقال البلاذُري:


لمّا ارتدَّت العرب، مشى عُثمان
إلى عليّ فقال: يا ابن عمّ! انّه لايخرج أحد إلى قتال هذا العدوّ، وأنت لم تبايع.


فلم يزل به حتّى مشى إلى أبي بكر
فبايعه. فسُرّ المسلمون، وجدّ الناس في القتال وقطعت البعوث(47).


ضرع عليّ إلى مصالحة أبي بكر بعد
وفاة فاطمة وانصراف وجوه الناس عنه، غير أنّه بقي يشكو ممّا جرى عليه بعد وفاة
النبيّ حتّى في أيّام خلافته. وذكر شكواه في خطبته المشهورة بالشّقشقيّة(48).


المنافرة بين القبيلتين بعد
بيعة أبي بكر:.


ونتج مما وقع بين الانصار
والمهاجرين(49) ان تهاجت الفئتان فقال ابن أبي عزة القرشي:


قل للاُلى طلبوا الخلافة زلّة


لم يخط مثل خطاهم مخلوق


إن
الخلافة في قريش ما لكم


فيها ورب محمّد معروق(50)


ولمّا بلغ قوله الانصار طلبوا إلى
شاعرهم النعمان بن عجلان الزرقي أن يجيب، فقال شعرا منه:


فقل لقريش نحن أصحاب مكة


ويوم حنين والفوارس في بدر


إلى قوله:


وقلتم
حرام نصب سعد ونصبكم


عتيق بن عثمان حلال أبا بكر(51)


الابيات


ثمّ اجتمع سفهاء قريش، وخطبوا في
ذلك وهاجوا، فبلغ الخبر عليا، فأتى المسجد مغضبا، وخطب فيه وقال:


(يا معشر قريش! ان حبّ الانصار
إيمان، وبغضهم نفاق، وقد قضوا ما عليهم وبقي ما عليكم...) الخطبة.


ثمّ أمر ابن عمه الفضل أن ينصر
الانصار بشعره، فأنشد أبياتا منها:


إنّما
الانصار سيف قاطع


من تصبه ظبّة السيف هلك(52)


فطلب الانصار من حسان أن يجيبه،
فقال:


جزى اللّه
عنّا والجزاء بكفه


أبا حسن عنّا ومن كأبي حسن


الابيات


وخطب علي بعد ذلك في المسجد وقال
في خطبته:


((فواللّه لو زالت الانصار لزلت
معهم)) لان رسول اللّه قال: ((لو زالت الانصار لزلت معهم)).


فقال المسلمون جميعا: رحمك اللّه
يا أبا الحسن! قلت قولا صادقا، وبذلك هدّأ الامام علي الثائرة في الثانية كما
هدّأها في الاُولى ابن عمّه الرسول(53).


وكانت هذه أوّل بادرة لانقسام
الاُمّة على قسمين: مضري، وفيهم الامرة حتّى الخلافة العباسية، ويماني، وقد حرموا
منها أبد الدهر، والتحق بكل قبيلة حلفاء نسبوا إليها، ونسي نسبهم ممّن انتسلوا
منهم، وموالي دعوا بنسب العشيرة والتحقوا به، وكان هذا الدخيل وذلك اللصيق
يشاركان في سرّاء القبيلة وضرّائها، ويدافعان عن القبيلة كالاصيل، والقبيلة
تحتضنهما كأحد أبنائها.


وبقيت الحالة في المجتمع الاسلامي
كذلك إلى عصر الخلافة العباسية.


أمّا سياسة الخلافة، فقد بقي
الحكم قرشيا على عهد الخليفتين أبي بكر وعمر، فلم يولّيا على الاجناد: الكوفة
والبصرة والشام ومصر(54) من الانصار أحدا، وكذلك لم يؤمّروهم على الجيوش الغازية.
وفي هذا الصدد قال اليعقوبي عن خبر تجهيز أبي بكر الجيوش وتأميره الاُمراء في
تاريخه:


(لمّا عقد لخالد بن الوليد قام
ثابت بن قيس بن الشمّـاس فقال: يا معشر قريش! أمّا كان فينا رجل يصلح لما تصلحون
له؟


أمّا واللّه ما نحن عميا عما نرى،
ولا صما عما نسمع، ولكن أمرنا رسول اللّه (ص) بالصبر فنحن نصبر.


وقام حسان بن ثابت فقال:


يا للرجال لخلفة الاطوار


ولما أراد القوم بالانصار


لم يدخلوا منا رئيسا واحدا


يا صاح في نقض ولا إمرار)(55)


فعظم على أبي بكر هذا القول، فجعل
على الانصار ثابت بن قيس، وانفذ خالدا على المهاجرين، وولى ـ أيضا ـ لقتال من
تخلف عن بيعته ومنع الزكاة من أهل اليمن زياد بن لبيد البياضي من ذوي ارومتهم،
وقد ذكرنا خبره في آخر الجزء الثاني من عبداللّه بن سبأ.


* * *.


بناء على ما أوردناه اتّضح أنّ
قريشا استولت على الحكم بعد الرسول (ص) على أساس قبلي وأصبح طابع الحكم قبليّا
قرشيّا اسلاميّا، وعلى أساس العرف القبلي أبعدت الانصار من الحكم وتولية الجيوش
المقاتلة والبلاد المفتوحة.


وكان هذا وذاك خصيصة الحكم وخصيصة
المجتمع على عهد الخليفة أبي بكر، وفي ما يأتي ندرس خصيصة المجتمع على عهد
الخليفة عمر بإذنه تعالى.


خصائص المجتمع الاسلامي على
عهد الخليفة عمر.


استخلاف عمر وبيعته:.


عندما حضر أبو بكر دعا عثمان
خاليا(56) فقال:


أُكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أمّا بعد.


قال: ثمّ أُغمي عليه فذهب عنه،
فكتب عثمان:


أمّا بعد، فإنِّي استخلفت عليكم
عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيرا.


ثمّ أفاق أبو بكر، فقال: إقرأ
عليَّ.


فقرأ عليه، فكبّر أبو بكر وقال:
أراك خفت أن يختلف الناس إن افتُلتت نفسي في غشيتي؟


قال: نعم.


قال: جزاك اللّه خيرا عن الاسلام
وأهله.


وأقرّها أبو بكر (رض) من هذا
الموضع.


وذكر قبل ذلك عن عمر أنّه كان
جالسا والنّاس معه وبيده جريدة ومعه شديد مولى لابي بكر معه الصحيفة الّتي فيها
استخلاف عمر، وعمر يقول: (أيّها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول اللّه إنّه
يقول إنّي لم آلكم نصحا)(57).


كم من الفرق بين موقف أبي حفص هذا
وموقفه من كتابة وصيّة الرسول(ص)!؟


سياسة الخلافة على عهد الخليفة
عمر:.


اتضحت سياسة الخلافة القرشية على
عهد الخليفة عمر أكثر مما كانت عليه في عهد الخليفة أبي بكر، فإنّه لم يولّ طول
حكمه (12 سنة) من الانصار أحدا على الجيوش الغازية، ولا على البلاد المفتوحة، بل
كان ذلك حكرا لبطون قريش عدا بطن هاشم منهم.


وأفصح الخليفة عمر عن سبب ذلك في
محاوراته الثلاث الاتية مع ابن عباس:


روى الطبري محاورتين جرتا بين
الخليفة عمر وابن عباس وقال:


قال الخليفة في إحداهما لابن
عباس:


ما منع قومكم منكم؟ ـ أي ما منع
قومكم قريشا من ولايتكم ـ.


قال ابن عباس: لا أدري!


قال عمر: لكنّي أدري، يكرهون
ولايتكم لهم!


قال ابن عباس: لِمَ ونحن لهم
كالخير!؟


قال: غفرا؛ يكرهون أن تجتمع فيكم
النبوّة والخلافة فيكون بَجَحا بَجَحا. لعلّكم تقولون: إن أبا بكر فعل ذلك، لا
واللّه ولكن أبا بكر أتى أحزم ما حضره، الحديث.


وفي الثانية قال:


يا ابن عباس! أتدري ما منع قومكم
منكم بعد محمّد (ص)؟


فكرهتُ أن أُجيبه، فقلت: إن لم
أكن أدري فأمير المؤمنين يُدريني.


فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم
النبوة والخلافة، فتَبْجَحوا على قومكم بجحا بجحا؛ فاختارت قريش لانفسها فأصابت
ووُفّقَتْ.


فقلت: يا أمير المؤمنين! إن تأذن
لي في الكلام وتُمِط عني الغضب تكلمتُ.


فقال: تكلم يا ابن عباس.


فقلت: أمّا قولك ـ يا أمير
المؤمنين ـ اختارت قريش لانفسها فأصابت ووفقت، فلو أنَّ قريشا اختارت لانفسها حيث
اختار اللّه عزّ وجلّ لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.


وأمّا قولك: إنهم كرهوا أن تكون
لنا النبوة والخلافة؛ فإن اللّه عزّ وجلّ وصف قوما بالكراهية فقال: (ذلِكَ
بِأنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ فأَحْبَطَ أعْمَالَهُمْ).


فقال عمر: هيهات واللّه يا ابن
عباس؛ قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أُقِرَّكَ عليها فتزيل منزلتك مني.


فقلت: وما هي يا أمير المؤمنين؟
فإن كانت حقّا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل
عن نفسه.


فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنّما
صرفوها عنا حسدا وظلما.


فقلت: أما قولك ـ يا أمير
المؤمنين ـ ظلما فقد تبين للجاهل والحليم.


وأمّا قولك حسدا؛ فان إبليس حسد
آدم فنحن ولده المحسودون.


فقال عمر: هيهات! أبت واللّه
قلوبكم ـ يا بني هاشم ـ إلاّ حسدا ما يحول، وضغنا وغشا ما يزول.


فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين! لا
تصِف قلوب قوم أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش؛ فإن قلب رسول
اللّه (ص) من قلوب بني هاشم.


فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس.


فقلت: أفعل.


فلما ذهبت أقوم، استحيا مني،
فقال:


يا ابن عباس مكانك! فواللّه إنِّي
لراعٍ لحقّك محبُّ لما سرك.


فقلت: يا أمير المؤمنين! إن لي
عليك حقا وعلى كل مسلم؛ فمن حفظه فحظه أصاب، ومن أضاعه فحظه أخطأ. ثمّ قام فمضى.


روى المسعودي محاورة ثالثة دارت
بين الخليفة وابن عباس بعد موت عامل حمص حيث خاطب الخليفة ابن عباس بقوله:


يا ابن عباس! إن عامل حمص هلك،
وكان من أهل الخير ـ وأهل الخير قليل ـ وقد رجوت أن تكون منهم، وفي نفسي منك شيء
لم أره منك، وأعياني ذلك، فما رأيك في العمل؟


قال: لن أعمل حتّى تخبرني بالّذي
في نفسك.


قال: وما تريد إلى ذلك؟


قال: أُريده، فإن كان شيئا أخاف
منه على نفسي، خشيتُ منه عليهاخشيتَ، وإن كنت بريئا من مثله علمت أنّي لست من
أهله، فقبلت عملك هنالك، فإنِّي قلّما رأيتك طلبت شيئا إلاّ عاجلته.


فقال: يا ابن عباس! إنّي خشيت أن
يأتي عليّ الّذي هو آت وأنت في عملك فتقول: هلمّ إلينا ولا هلمّ إليكم دون
غيركم... الحديث(58).


دراسة المحاورات الثلاث:.


تدل المحاورتان الاُوليان أن أهل
الحل والعقد من مهاجرة قريش كانوا قد اتفقوا على السعي لتولي الحكم بعد الرسول
(ص) دون بني هاشم، ومسار السياسة القرشية بعد الرسول (ص) يدلّ على أنّه كان منهم
الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان وعبدالرّحمن بن عوف وأبو عبيدة وسالم مولى
أبي حذيفة أمّا الاربعة الاوائل فلاتفاقهم في تعيين الخلفاء الثلاثة واحدا بعد
الاخر وأما الاخيران فلقول الخليفة عمر عندما طعن:


لو كان أبو عبيده حيّا
لاستخلفته... ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا لاستخلفته.


وتدل المحاورة الثالثة أن الخليفة
كان مهتما بأمر تعيين الخليفة من بعده وألاّ يليها أحد من بني هاشم، وقد نفّذ
رغبته ورغبة القرشيين في تعيينه كيفية عمل الشورى من بعده عندما قال:


(... وإذا اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة
فاتبعوا رأي عبدالرّحمن بن عوف وان صفّق عبدالرّحمن بإحدى يديه على الاُخرى
فاتبعوه).


وعلى هذا فقد كان عند عبدالرّحمن
بن عوف كلمة السرّ في تعيين الخليفة.


وكانت كلمة السرّ شرط عبدالرّحمن
في البيعة أن يعمل الخليفة بكتاب اللّه وسنّة رسوله (ص) وسيرة الشيخين.


وكانوا يعلمون أن الهاشمي الوحيد
بينهم الامام عليّا لايوافق على البيعة بالعمل بسيرة الشيخين إلى جنب العمل بكتاب
اللّه وسنّة رسوله (ص)، ووقع ذلك عندما قال الامام علي في جواب عبدالرّحمن:


(إنّ كتاب اللّه وسنّة نبيّه
لايحتاج معهما إلى اِجّيري أحد).


والاجّيري: العادة والطريقة.


و (أيضا ـ يُعرف التخطيط لتولي
عثمان الخلافة بعد عمر من قوله لسعيد بن العاص عندما خطّ له من الارض ليوسع سعيد
داره وقال: يا أمير المؤمنين! زدني، فقال: حسبك واختبئ عندك، انّه سيلي الامر من
بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك).


قال سعيد: فمكثت خلافة عمر بن
الخطّاب حتّى استخلف عثمان وأخذها عن شورى ورضا فوصلني وأحسن وقضى حاجتي وأشركني
في أمانته(59).


وفي ما يأتي تفصيل خبر الشورى
وبيعة عثمان:


الشّورى وبيعة عثمان:.


قال ابن عبد ربّه في العقد
الفريد:


لمّا طعن الخليفة عمر قيل له: لو
استخلفت. فقال:


لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيّا
لاستخلفته، فإن سألني ربّي قلت: نبيّك يقول: إنّه أمين هذه الاُمّة.


ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا
لاستخلفته، فإن سألني ربِّي قلت: سمعت نبيّك يقول: إنَّ سالما ليحبّ اللّه حبّا
لو لم يخف اللّه ما عصاه(60).


وإنّهم قالوا له: يا أمير
المؤمنين! لو عهدت.


فقال: لقد كنت أجمعت بعد مقالّتي
لكم أن أُولِّي رجلا أمركم أرجو أن يحملكم على الحقّ ـ وأشار إلى عليّ ـ ثمّ رأيت
أن لا أتحمَّلها حيّا وميّتا... الخ.


وفي تاريخ الطبري أنهم عادوا
اليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين! لو عهدتَ عهدا!


فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالّتي
لكم أن أنظر فأولِّيَ رجلا أمرَكم؛ هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ ـ وأشار إلى
علي ـ ورَهِقتْني غَشية، فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها، فجعل يقطف كل غضّة
ويانعة، فيضمّه إليه ويصيّره تحته؛ فعلمتُ أنّ اللّه غالب أمره، ومتوفٍّ عمر؛ فما
أُريد أن أتحمّلها حيّا وميتا؛ عليكم هؤلاء الرّهط...(61).


وروى البلاذري في أنساب
الاشراف(62) قال عمر: أُدعوا لي عليّا وعثمان وطلحة والزُّبير وعبدالرّحمن بن عوف
وسعد بن أبي وقّاص، فلم يكلِّم أحدا منهم غير عليّ وعثمان، فقال: يا عليّ! لعلَّ
هؤلاء سيعرفون لك قرابتك من النَّبيّ(ص) وصهرك وما أَنالك اللّه من الفقه والعلم،
فإن وليت هذا الامر فاتَّق اللّه فيه.


ثمّ دعا عثمان وقال: يا عثمان،
لعلَّ هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول اللّه وسِنَّك، فإن وليت هذا الامر
فاتّقِ اللّه ولا تحمل آل أبي مُعيط على رقاب النّاس.


ثمّ قال: ادعوا لي صُهَيْبا.
فدُعي، فقال: صلِّ بالناس ثلاثا، وليخل هؤلاء النفر في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل
منهم، فمن خالفهم فاضربوا رأسه. فلمّا خرجوا من عند عمر قال: إن وَلَّوها الاجلح
سلك بهم الطريق(63).


وفي الرِّياض النَّضرة: (للّه
درّهم إن ولَّوها الاُصيلع كيف يحملهم على الحقّ وإن كان السيف على عنقه)(64).


وروى البلاذري في أنساب الاشراف:
أنّ عمر بن الخطّاب أمر صهيبا مولى عبداللّه بن جُدعان حين طعن أن يجمع إليه وجوه
المهاجرين والانصار. فلمّا دخلوا عليه.


قال: إنِّي جعلت أمركم شورى إلى
ستّة نفر من المهاجرين الاوّلين الّذين قبض رسول اللّه (ص) وهو عنهم راضٍ
ليختاروا أحدهم لامامتكم ـوسمّـاهمـ، ثمّ قال لابي طلحة زيد بن سهل الخزرجي:
اختر خمسين رجلا من الانصار يكونوا معك، فإذا توفّيت فاستَحِثَّ هؤلاء النفر حتّى
يختاروا لانفسهم وللاُمّة أحدهم ولا يتأخَّروا عن أمرهم فوق ثلاث.


وأمر صهيبا أن يصلّي بالناس إلى
أن يتَّفقوا على إمام.


وكان طلحة بن عبيداللّه غائبا في
ماله بالسراة(65)، فقال عمر: إن قدم طلحة في الثلاثة الايام، وإلاّ فلا تنتظروه
بعدها وأَبرموا الامر واصرموه، وبايعوا من تتّفقون عليه، فمن خالف عليكم فاضربوا
عنقه.


قال: فبعثوا إلى طلحة رسولا
يستحثُّونه ويستعجلونه بالقدوم، فلم يرد المدينة إلاّ بعد وفاة عمر والبيعة
لعثمان. فجلس في بيته وقال: أعلى مثلي يُفتات!


فأتاه عثمان، فقال له طلحة: إن
رددت أترُدّه؟ قال: نعم. قال: فانّي أمضيته. فبايعه. وقريب منه ما في العقد
الفريد 2 / 72. وط.


دار التأليف، القاهرة، سنة
1363ه، 4 / 275 ـ 280.


وروى في ص 20 منه، قال:


فقال عبداللّه بن سعد بن أبي سرح:
مازلت خائفا لان ينتقض هذا الامر حتّى كان من طلحة ما كان، فوصلَته رَحِم ولم يزل
عثمان مكرما لطلحة حتّى حُصِر فكان أشدَّ الناس عليه.


وروى البلاذري في 5 / 18 من كتابه
أنساب الاشراف بسند ابن سعد قال:


(قال عمر: ليتبع الاقل الاكثر،
فمن خالفكم فاضربوا عنقه).


وروى في ص 19 منه: عن أبي مِخْنَف
أنّه قال:


(أمر عمر أصحاب الشورى أن
يتشاوروا في أمرهم ثلاثا، فإن اجتمع اثنان على رجل واثنان على رجل، رجعوا في
الشورى، فإن اجتمع أربعة على واحد وأباه واحد كانوا مع الاربعة، وإن كانوا ثلاثة
وثلاثة كانوا مع الثلاثة الّذين فيهم ابن عوف إذ كان الثقة في دينه، ورأيه
المأمون على الاختيار للمسلمين). وقريب منه ما في العقد الفريد 3 / 74، وط. دار
التأليف، القاهرة، سنة 1363ه، 4 / 276.


وروى أيضا عن هشام بن سعد، عن زيد
بن أسلم، عن أبيه، أنّ عمر قال: (إن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة، فاتَّبعوا صفّ
عبدالرّحمن بن عوف واسمعوا وأطيعوا) وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3 / ق 1 / 43.


وفي تاريخ اليعقوبي 2 / 160: وروى
البلاذري في أنساب الاشراف 5/ 15 أنّ عمر قال:


(إنّ رجالا يقولون إنّ بيعة أبي
بكر فلتة وقى اللّه شرها، وإنّ بيعة عمر كانت عن غير مشورة والامر بعدي شورى،
فإذا اجتمع رأي أربعة فليتَّبع الاثنان الاربعة، وإذا اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة،
فاتَّبعوا رأي عبد الرَّحمن بن عوف فاسمعوا وأطيعوا، وإن صفّق عبدالرّحمن بإحدى
يديه على الاُخرى فاتَّبعوه).


وروى المتَّقي في كنز العمال 3 /
160، عن محمّد بن جُبَير عن أبيه، أنَّ عمر قال:


(إن ضرب عبدالرّحمن بن عوف إحدى
يديه على الاُخرى فبايعوه).


وعن أسلم أنّ عمر بن الخطاب قال:


(بايعوا لمن بايع له عبدالرّحمن
بن عوف، فمن أبى فاضربوا عنقه).


إذا فالخليفة عمر قد نبأ سعيد بن
العاص أنّه سيلي بعده ذو رحم سعيد وهو عثمان وطلب منه أن يخبئ الامر عنده؛ ويتّضح
من هذه المحاورة أنّ أمر تولية عثمان الخلافة كان قد بُتَّ فيه في حياة الخليفة
عمر، وتعيين الستّة في الشّورى كان من أجل تمرير هذا الامر بصورة مرضية لدى
الجميع.


الامام عليّ (ع) يعلم بأنّ
الخلافة زويت عنه.


كان الامام عليّ يعلم بأنّ
الخلافة زُويت عنه وإنّما اشترك معهم في الشّورى كي لا يقال: هو الّذي زهد في
الخلافة. ويدلّ على أنّه كان يعلم ما بيِّت له، الحديث الاتي:


روى البلاذري في 5 / 19 من كتابه
أنساب الاشراف:


إنّ عليّا شكا إلى عمّه العبّاس
ما سمع من قول عمر: كونوا مع الّذين فيهم عبد الرّحمن بن عوف، وقال: واللّه لقد
ذهب الامر منّا. فقال العبّاس: وكيف قلت ذلك يا ابن أخي؟ فقال: إن سعدا لا يخالف
ابن عمِّه عبد الرّحمن وعبد الرّحمن نظير عثمان وصهره فأحدهما لايخالف صاحبه لا
محالة. وإن كان الزبير وطلحة معي فلن انتفع بذلك إذ كان ابن عوف في الثلاثة
الاخرين.


وقال ابن الكلبي: عبدالرّحمن بن
عوف زوج أُمِّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط وأُمّها أرْوى بنت كُرَيز وأروى أُمّ
عثمان فلذلك قال صهره. وقريب منه ما في العقد الفريد 3 / 74. وفي ط. لجنة التأليف
4 / 276.


وفي تاريخ الطبري أن عمارا قال
قبل بيعة عبد الرحمن لعثمان: إن أردت ألاّيختلف المسلمون فبايع عليا.


فقال المقداد بن الاسود: صدَق
عمّار؛ إن بايعت عليّا قلنا: سمعنا وأطعنا.


قال ابن أبي سرح: إن أردت ألاّ
تختلف قريش فبايع عثمان. فقال عبداللّه ابن أبي ربيعة: صَدق؛ إن بايعتَ عثمان
قلنا: سمعنا وأطعنا. فشتم عمّار ابن أبي سَرْح، وقال: متى كنت تنصح المسلمين!


فتكلم بنو هاشم وبنو أُميّة، فقال
عمار: أيُّها الناس! إنّ اللّه عزّ وجلّ أكرمنا بنبيّه، وأعزّنا بدينه، فأنّى
تصرفون هذا الامر عن أهل بيت نبيّكم!


فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوتَ
طورَك يا بن سميّة؛ وما أنت وتأمير قريش لانفسهما!


فقال سعد بن أبي وقاص: يا
عبدالرّحمن! افرغ قبل أن يفتتن الناس.


فقال عبدالرّحمن: إنِّي قد نظرت
وشاورت، فلا تجعلُنَّ أيُّها الرهط على أنفسكم سبيلاً.


ودعا عليّا، فقال: عليك عهد اللّه
وميثاقه لتعْمَلنّ بكتاب اللّه وسنّة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟


قال: أرجو أن افعل وأعمل بمبلغ
علمي وطاقتي.


ودعا عثمان فقال له مثل ما قال
لعليّ، قال: نعم، فبايعه.


فقال عليّ: حبوتَه حَبْوَ دهر؛
ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا؛ فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون؛
واللّه ما ولّيتَ عثمان إلاّ ليردّ الامر إليك؛ واللّه كلّ يوم هو في شأن.


فقال عبدالرّحمن: يا عليّ! لاتجعل
على نفسك سبيلا؛ فإنِّي قد نظرت وشاورتُ الناس؛ فإذا هم لايعدلون بعثمان.


فخرج عليّ وهو يقول: سيبلغ الكتاب
أجله.


فقال المقداد: يا عبدالرّحمن!
أمّا واللّه لقد تركتَه من الّذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون.


فقال: يا مقداد؛ واللّه لقد
اجتهدتُ للمسلمين؛ قال: إن كنتَ أردت بذلك اللّه فأثابك اللّه ثواب المحسنين.
فقال المقداد: ما رأيتُ مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم. إني لاعجب من
قريش أنّهم تركوا رجلا ما أقول إنّ أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل.


أما واللّه لو أجد عليه أعوانا!


فقال عبد الرحمن: يا مقداد؛ اتّق
اللّه؛ فإني خائف عليك الفتنة.


فقال رجل للمقداد: رحمك اللّه!
مَن أهل هذا البيت ومَن هذا الرجل؟


قال: أهل البيت بنو عبد المطلب،
والرجل عليّ بن أبي طالب.


فقال عليّ: إنّ الناس ينظرون إلى
قريش، وقريش تنظر إلى بيتها فتقول: إن وُلِّيَ عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبدا،
وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم(66).


وروى البلاذري ـ أيضا ـ وقال:


(لمّا دفن عمر أمسك أصحاب الشورى
وأبو طلحة يؤمُّهم فلم يحدثوا شيئا، فلمّا أصبحوا جعل أبو طلحة يَحوشُهم للمناظرة
في دار المال.


وكان دفن عمر يوم الاحد وهو
الرابع من يوم طُعِنَ، وصلّى عليه صهيب ابن سِنان.


قال: فلمّا رأى عبدالرّحمن تناجي
القوم وتناظرهم، وأنّ كلّ واحد منهم يدفع صاحبه عنها، قال لهم: يا هؤلاء أنا
أُخرج نفسي وسعدا على أن أختار يا معشر الاربعة أحدكم، فقد طال التناجي وتطلّع
الناس إلى معرفة خليفتهم وإمامهم، واحتاج من أقام الانتظار ذلك من أهل البلدان
الرجوع إلى أوطانهم.


فأجابوا إلى ما عرض عليهم إلاّ
عليّا، فإنّه قال: أنظر.


وأتاهم أبو طلحة، فأخبره
عبدالرّحمن بما عرض وبإجابة القوم إيّاه إلاّ عليّا فأقبل أبو طلحة على عليّ
فقال: يا أبا الحسن إنّ أبا محمّد ثقة لك وللمسلمين، فما بالك تخالف وقد عدل
الامر عن نفسه، فلن يتحمَّل المأثم لغيره؟


فأحلف عليّ عبدالرّحمن بن عوف أن
لايميل إلى هوى، وأن يُؤثر الحقّ وأن يجتهد للامّة، وأن لايُحابي ذا قرابة، فحلف
له، فقال: اختر مسدَّدا.


وكان ذلك في دار المال ويقال في
دار المِسْوَرِ بن مَخرمة.


ثمّ إنَّ عبدالرّحمن أحلف رجلا
رجلا منهم بالايمان المغلظة، وأخذ عليهم المواثيق والعهود أنّهم لا يخالفونه إن
بايع منهم رجلا، وأن يكونوا معه على من يناويه، فحلفوا على ذلك، ثمّ أخذ بيد
عليّ، فقال له: عليك عهد اللّه وميثاقه إن بايعتك أن لا تحمل بني عبد المطَّلب
على رقاب الناس، ولتسيرنَّ بسيرة رسول اللّه (ص) لا تحول عنها ولا تقصر في شيء
منها.


فقال عليّ: لا أحمل عهد اللّه
وميثاقه على ما لا أُدركه ولا يدركه أحد. من ذا يطيق سيرة رسول اللّه (ص) ولكنّي
أسير من سيرته بما يبلغه الاجتهاد منّي، وبما يمكنني وبقدر علمي.


فأرسل عبد الرَّحمن يده.


ثمّ أحلف عثمان وأخذ عليه العهود
والمواثيق أن لا يحمل بني أُميَّة على رقاب الناس وعلى أن يسير بسيرة رسول اللّه
(ص) وأبي بكر وعمر ولا يخالف شيئا من ذلك، فحلف له.


فقال عليّ: قد أعطاك أبو عبداللّه
الرِّضا فشأنك فبايعه، ثمّ إنّ عبد الرَّحمن عاد إلى عليّ فأخذ بيده وعرض عليه أن
يحلف بمثل تلك اليمين أن لا يخالف سيرة رسول اللّه وأبي بكر وعمر.


فقال عليّ: عَليَّ الاجتهاد،
وعثمان يقول نعم، عَليَّ عهد اللّه وميثاقه وأشدّ ما أخذ على أنبيائه أن لا
اُخالف سيرة رسول اللّه (ص) وأبي بكر وعمر في شيء ولا أقصر عنها.


فبايعه عبد الرَّحمن وصافقه
وبايعه أصحاب الشورى، وكان عليّ قائما، فقعد، فقال له عبد الرحمن: بايع وإلاّ
ضربت عنقك.


ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره،
فيقال: إنّ عليّا خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى، فقالوا: بايع وإلاّ جاهدناك،
فأقبل معهم يمشي حتّى بايع عثمان)(67).


وفي هذا الخبر حذف من أوّله قول
عبد الرّحمن (وسيرة الشيخين) ونقل أوّل كلام الامام عليّ بتصرُّف وحذف آخره؛
وتمام الخبر في الرواية الاتية:


في تاريخ اليعقوبي ط. بيروت 2 /
162: أنّ عبد الرحمن خلا بعليّ بن أبي طالب، فقال: لنا اللّه عليك، إن وليت هذا
الامر، أن تسير فينا بكتاب اللّه وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر.


فقال: أسير فيكم بكتاب اللّه
وسنّة نبيّه ما استطعت.


فخلا بعثمان فقال له: لنا اللّه
عليك، إن وليت هذا الامر، أن تسير فينا بكتاب اللّه وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر
وعمر.


فقال: لكم أن أسير فيكم بكتاب
اللّه وسنّة نبيّه وسيرة أبي بكر وعمر.


ثمّ خلا بعليّ فقال له مثل مقالته
الاُولى، فأجابه مثل الجواب الاول.


ثمّ خلا بعثمان، فقال له مثل
المقالة الاُولى، فأجابه مثل ما كان أجابه، ثمّ خلا بعلي فقال له مثل المقالة
الاُولى، فقال: إنّ كتاب اللّه


وسنّة نبيّه لايحتاج معهما إلى
إجّيري(68) أحد، أنت مجتهد أن تزوي هذا الامر عنّي.


فخلا بعثمان فأعاد عليه القول،
فأجابه بذلك الجواب، وصفق على يده.


دراسة الاخبار السابقة:.


في خبر عبداللّه بن أُبيّ وأبي
عامر الفاسق اللّذين جاءا في المجلّد الاوّل وإن كان الدافع ممّا فعلاه الحسد على
الرسول (ص) بسبب انّ الاوّل منهما كان الاوس والخزرج اتفقوا على تتويجه ملكا
عليهم وبعد هجرة الرسول (ص) إلى المدينة أهمل أمره.


والثاني منهما كان ينتظر أن يكون
هو النبي الّذي بشرت اليهود ببعثته، فلما رأى أن المبعوث بالرسالة غيره ـ أيضا ـ
قام مما قام به. غير أن أفراد قبائلهما الّذين التفوا حولهما كان ذلك منهم تعصبا
لرئيس قبيلتهم ولم يكن له سبب آخر.


والامر بالنسبة إلى المهاجرين من
قريش أوضح فان تعصب الصحابي أبي بكر لرئيس من قبيلته قريش وهو كافر واضح لا غموض
فيه.


وخبر عبداللّه بن عمرو بن العاص
في نهي قريش إياه أن يكتب حديث الرسول (ص) معللين نهيهم إياه بأنّ الرسول (ص) بشر
يتكلم في الرضا والغضب يدلّ إضافة إلى الدلالة على تعصبهم القبلي أن عبداللّه كان
قد كتب من حديث الرسول (ص) ما فيه إيضاح لمواقف بعض قريش من الرسول (ص) والرسالة
ومواقف آخرين في تأييد الرسول والرسالة، وكان ذلك وصمة على قبيلة قريش في مقابل
إثبات فضائل الاخرين، وأنهم لدفع ذلك اجترأوا على الرسول (ص)، وقالوا: إنّه بشر
يتكلّم في الرضا والغضب ليمنعوا عبداللّه عن كتابة حديث الرسول (ص) أوّلا،
ويسقطوا ما ينتشر من حديث الرسول في هذا الباب عن الاعتبار ثانيا، وإن جميع
الاطراف الّذين ذكرناهم اتخذت تلك المواقف بسبب التعصب القبلي.


وفي ضوء ما ذكرناه ندرس ما وقع
بعد حياة الرسول (ص) في السقيفة:


توفي الرسول (ص)، وانصرف علي
والعباس ومن معهما بتجهيزه ودفنه فاجتمع الانصار في سقيفة بني ساعدة وتركوا جنازة
الرسول (ص) بين أهله وخطب فيهم سعد بن عبادة الخزرجي وهو مريض وقال: استبدّوا
بهذا الامر دون الناس فأجابوه بأجمعهم أن وفقت في الرأي وأصبت في القول، نولّيك
هذا الامر!!


من الواضح ان الانصار لم يستندوا
في ما فعلوا إلى كتاب اللّه ولا سنّة رسوله بل كان باعثهم إلى ذلك التعصب القبلي
الجاهلي، وصدق اللّه حيث يقول:


(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ
عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ
شَيْئا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ). (آل عمران / 144)


وكذلك كان شأن المهاجرين من قريش
كما يتّضح ذلك ـ أيضا ـ من أقوالهم.


فقد قال أبو بكر: (لن يعرف هذا
الامر إلاّ لهذا الحي من قريش هم اوسط العرب نسبا ودارا).


وقال عمر:


من ذا ينازعنا سلطان محمّد
وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته.


وقال الحباب بن المنذر:


لاتسمعوا مقالة هذا وأصحابه،
فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فاجلوهم عن هذه
البلاد.


ولمّا تمّت بيعة أبي بكر تهاجت
القبيلتان فقال ابن أبي عزة القرشي:


قل للاُلى طلبوا الخلافة زلّة


لم يخط مثل خطاهم مخلوق


إنّ
الخلافة في قريش ما لكم


فيها وربّ محمّد معروق


فطلب الانصار من شاعرهم النعمان
بن عجلان ان يجيب فقال شعرا منه قوله:


فقل لقريش نحن
أصحاب مكّة


ويوم حنين والفوارس في بدر


الابيات


ثمّ اجتمع سفهاء قريش وخطبوا في
ذلك وهاجوا فبلغ الخبر عليّا فأتى المسجد مغضبا وخطب فيه وقال:


يا معشر قريش! إنّ حبّ الانصار
إيمان وبغضهم نفاق... الخطبة.


فقال المسلمون جميعا: (رحمك اللّه
يا أبا الحسن قلت قولا صادقا).


وهكذا هدأ الامام علي الثائرة بين
الحيّين.


وبعد ذلك لمّا جهز أبو بكر الجيوش
للقتال لم يؤمر أحدا من الانصار فقام ثابت بن قيس الشمّـاس فقال: يا معشر قريش!
أمّا كان فينا رجل يصلح لما تصلحون له؟


أمّا واللّه ما نحن عميا عمّا
نرى، ولا صمّا عمّا نسمع ولكن أمرنا رسول اللّه بالصبر فنحن نصبر.


وقام حسان بن ثابت فقال:


يا للرجال لخلفة الاطوار


ولمّا أراد القوم بالانصار


لم يدخلوا منا رئيسا واحدا


يا صاح في نقض ولا إمرار


فجعل أبو بكر على الانصار ـ من
الجيش ـ ثابت بن قيس، واستمرّت بعد ذلك سياسة الحكم القرشيّ على ما أُسس عليه
دونما تغيير، ومن ثمّ عيّن الخليفة أبو بكر من بعده الصحابي القرشيّ عمر للحكم
وقام الخليفة الثاني بتنفيذ السياسة القرشية على عهده بكل شدّة وعنف كما ندرس
اخبارها في بحث من تاريخ القرآن الاتي إن شاء اللّه تعالى، وكان من أُصول سياسة
الخلافة القرشية تداول الحكم في بطون قريش دون بطن هاشم كما مرّ بنا في محاورة
الخليفة مع ابن عبّاس.


خلاصة البحوث:.


كانت قبيلة قريش في الجاهلية بحكم
أحوالها الاجتماعية والجغرافية ذات طبيعة استكبارية استعلائية، فقد كانت ترى في
نسبها أنّها من سلالة نبي اللّه إسماعيل وإبراهيم 8 دون جميع قبائل العرب، وأنّها
في أحسابها تتشرف بسدانة بيت اللّه الحرام والقيام باطعام ضيوف اللّه من جميع
قبائل العرب في الحج واروائهم، وتقام حوالي بلدهم أسواق العرب.


وتضيف إلى حسابها اهلاك اللّه جيش
ابرهة الغازي لبلدها، وازدادت تعاليا وبغيا وطغيانا بامتلاكها ثروات ضخمة بسبب
تجارتها في رحلتي الشتاء والصيف، وصدق اللّه العظيم حيث يقول: (إِنَّ الاْ
ِ نْسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَآهُ اسْتَغْنَى).


وبسبب ما أنعم اللّه عليها من
الامن والدعة لمكان بيت اللّه الحرام في بلدهم في حين ان الانسان العربي كان من
حولهم يتخطف في غير الاشهر الحرم ويغزو بعضهم البعض الاخر ويقتل ويسبي ويسلب.


أدّى كل ذلك بهم إلى التمادي في
أنواع الدعارة والفجور، في هذه الاحوال ومن هذه القبيلة المستكبرة المتغطرسة أرسل
اللّه من أوسطها نسبا وأشرفها حسبا خاتم أنبيائه محمّدا (ص) إلى الناس كافة بشيرا
ونذيرا فقابلته قريش، وقاومته بكل ما أُوتيت من حول وقوّة وعذّبت المستضعفين ممّن
آمن به إلى حد الموت كما مرّ بنا بعض أخبارهم في بحث المجتمع الّذي نزل فيه
القرآن. فأوعز النبي إلى المؤمنين أن يهاجروا إلى الحبشة بعيدا عن بلدهم وعن كل
ما يملكون فيه من وسائل الحياة وحفظ اللّه نبيّه بحماية شيخ مكة وسيدها أبي طالب
إيّاه، حتّى إذا توفي ناصره وحاميه تآمرت قريش على قتله بعد ان التقى به رجال من
الاوس والخزرج في الحج في عامين متواليين وبايعوه على القيام بنصرته وتسلّل إلى
المدينة متدرّجا من استطاع ممّن بقي من المؤمنين به، وخرج هو في ليلة تآمرهم على
قتله من مكة والتحق بهم في المدينة وأشاد فيها أوّل مجتمع إسلامي أسس بنيانه على
التآخي بين أهله من الاوس والخزرج ومن هاجر إليهم من قريش والتآلف والتحالف مع
مواطني المدينة من اليهود فلم تتركه قريش وشأنه في مهجره، بل جهّزت لقتاله جيشا
بعد جيش، فأذن اللّه لرسوله قتالهم وقال ـ سبحانه ـ:


(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ
بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا
اللّهُ...). (الحجّ / 39 ، 40)


وواجهت قريش رسول اللّه (ص) في
معارك أشهرها: بدر وأُحد والخندق وفي خلال حروبه مع قريش قلبت له حلفاؤه اليهود
ظهر المجنّ، ونقضت ما عاهدوا اللّه عليه، وحاولوا اغتياله فأجلى منهم قبيلتين من
المدينة.


وفي غزوة الخندق تآمرت عليه آخر
قبيلة بقيت منهم في المدينة مع قريش وحلفائها فأخزاهم اللّه جميعا ورجعت قريش
خائبة وقضى اللّه ورسوله على شأن اليهود في المدينة.


وفي السنة السادسة من الهجرة وقعت
مناظرة بين الانصار والمهاجرين بسبب شجار وقع بين أجيرين: القرشي المهاجري
والانصاري القحطاني أظهر بسببه عبداللّه بن أُبي أحد زعماء الانصار نفاقه وقال:
(لَئِنْ رَجَعْنَا إِلىَ الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاْ َعَزُّ مِنْهَا الاْ
َذَلَّ).(المنافقون / 8)


قصد من الاعزّ نفسه ومن الاذلّ
المهاجرين من قريش، فأخزاه اللّه وأذلّه، وكشف عن نفاقه في ما أنزل على نبيه من
القرآن في سورة المنافقين.


كان ذلكم مثالا واحدا يكشف عما
يدور في خلد ضعاف النفوس من أفراد قبائل اليمانيين في المدينة.


ومثال آخر منه ما جرى في خبر أبي
عامر الفاسق كما سبق ذكره.


وإلى هذا المجتمع انتقل المهاجري
القرشي بأحسابه وأنسابه كما ينجلي ذلك:


أوّلا: في قول أبي بكر لسلمان
وصهيب وبلال عندما قالوا في شأن أبي سفيان: واللّه ما أخذت سيوف اللّه من عنق
عدوّ اللّه مأخذها. قال أبو بكر: أتقولون هذا لِشيخ قريش وسيِّدهم؟


ثانيا: في ما رواه عبداللّه بن
عمرو بن العاص وقال: نهتني قريش وقالوا تكتب كل شيء سمعته من رسول اللّه (ص)
ورسول اللّه بشر يتكلم في الرضا والغضب... الحديث، كما مرّ تفصيل الخبرين في ما
سبق.


وفي السنة السابعة من الهجرة وادع
رسول اللّه (ص) قريشا، وتفرغ بعد ذلك لليهود، واتّجه إلى مراكز التآمر على
المسلمين في خيبر وفتح حصونهم حصنا بعد حصن وقراهم في وادي القرى قرية بعد قرية،
ولم يبق بعد ذلك في الحجاز قوّة يهودية تتآمر على الاسلام والمسلمين.


وعاهدت نصارى نجران الرسول (ص)
وعلى أثر ذلك بدأت قبائل العرب ترسل وفودها إلى الرسول (ص) تعلن إسلامها، وفي هذا
الحال نقضت قريش عهدها في صلح الحديبية مع الرسول (ص)، وقتلت من خزاعة حلفاء
الرسول(ص) فسار الرسول إلى مكة في السنة الثامنة من الهجرة مع عشرة آلاف من
المسلمين فاستسلمت قريش، ودخلوا في الاسلام زرافات ووحدانا.


وبعد ذلك انتقل أبو سفيان وغيره
من سادة قريش إلى عاصمة الاسلام المدينة واجتمعوا مع أفراد قبائلهم من مهاجرة
قريش وتكاثر عددهم وامتهنوا التجارة ونمت ثرواتهم.


وهكذا انقسم سكان المدينة على
اليمانيين من قبائل الانصار والعدنانيين من قبائل قريش.


* * *.


هذه بعض خصائص المجتمع القبلي على
عهد أبي بكر وعمر، وفي ما يأتي ندرس بإذنه تعالى أخبار القرآن بعد الرسول (ص).


أخبار القرآن بعد الرسول (ص).


أوردنا في ما سبق أخبار القرآن في
حياة الرسول، ونذكر في ما يأتي أخبار القرآن بعد وفاة الرسول بدءا بما يتصل خبره
بحياة الرسول (ص) بحوله تعالى.


من المؤسف حقا: أن العلماء لم
يفكروا في ان الرسول (ص) الّذي بعث لتبليغ القرآن وجمعه وبيانه كما شرحناه في أول
البحث كان يستكتب أربعين كاتبا لما يعنيه من أمر، وكان كلما نزلت آية أمر بعضهم
أن يكتبها في مكانها من السورة الّتي عينها اللّه كذلك، هل حفظ هذا الرسول (ص)
نسخة من القرآن خاصة به في بيته أم لم يفعل؟


إنّ العلماء لم يفكروا في هذا
الامر ليبحثوا في مضامين الاخبار والاحاديث لعلهم يجدون في هذا الشأن خبرا وأثرا،
ووفقنا اللّه تعالى ذكره لذلك وتوصلنا إلى النتيجية الاتية بمنه وكرمه:


أمر الرسول (ص) الامام عليا أن
يجمع القرآن الّذي كان في بيته(69):


أ ـ روى النديم في الفهرست / ص 41
بسنده عن علي (ع) وقال: انّه رأى من الناس طيرة عند وفاة النبيّ (ص)، فأقسم انّه
لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتّى جمع القرآن،
فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه...(70).


ب ـ في حلية الاولياء لابي نعيم
بسنده عن الامام علي أنّه قال: لمّا قبض رسول اللّه (ص) أقسمت أن لا أضع ردائي عن
ظهري حتّى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن(71).


ج ـ روى السيوطي في الاتقان بسنده
عن ابن سيرين انّه قال عن الامام علي (ع): (أنّه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ
وانّه قال: تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه)(72).


د ـ روى ـ أيضا ـ ابن سعد في
الطبقات عن ابن سيرين انّه كتبه على تنزيله فلو اصيب ذلك الكتاب كان فيه علم(73).


ه ـ في كتاب سليم بن قيس قال:
روى عن الصحابي سلمان أنّه أخبر عن الامام (ع) بعد وفاة النبيّ (ص) وقال:


لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلفه
ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه، فكان في الصحف والشظاظ والاسيار والرقاع،
فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده، تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو
بكر أن أُخرج فبايع.


فبعث إليه علي (ع) إنِّي لمشغول،
وقد آليت على نفسي ان لا أرتدي رداء إلاّللصلاة، حتى أؤلف القرآن وأجمعه. فسكتوا
عنه أياما، فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثمّ خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر
في مسجد رسول اللّه (ص)، فنادى علي (ع) بأعلى صوته: أيُّها الناس! إنِّي لم أزل
منذ قبض رسول اللّه (ص) مشغولا بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب
الواحد، فلم ينزل اللّه على رسول اللّه آية إلاّ وقد جمعتها، وليست منه آية
إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللّه وعلمني تأويلها، ثمّ قال لهم علي (ع) لئلاّ تقولوا
غدا إنّا كنا عن هذا غافلين، ثمّ قال لهم علي (ع): لا تقولوا يوم القيامة إنِّي
لم أدعكم إلى نصرتي، ولم أُذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب اللّه من فاتحته إلى
خاتمته.


فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا
من القرآن ممّا تدعونا إليه، ثمّ دخل علي(ع) بيته(74).


وانفرد اليعقوبي في تاريخه (2 /
134) وجاء عن بعضهم انّه قال: (ان علي ابن أبي طالب كان جمعه ـ أي القرآن ـ لما
قبض النبي (ص) وأتى به يحمله على جمل، فقال: هذا القرآن قد جمعته وكان قد جزأه
سبعة أجزاء فالجزء الاوّل...).


وقال الكلبي:


لمّا توفي رسول اللّه (ص) قعد
عليّ بن أبي طالب (ع) في بيته فجمعه على ترتيب نزوله. ولو وجد مصحفه لكان فيه علم
كبير(75).


وقال عكرمة:


لو اجتمعت الانس والجن على أن
يألفوه كتأليف علي بن أبي طالب (ع) ما استطاعوا(76).


وأرى الصحيح في ذلك ما رواه
الشهرستاني من أنّه حمله وغلامه، وانّه كان حمل بعير، في مقدمة تفسيره مفاتيح
الاسرار ومصابيح الابرار في تفسير القرآن:


أنّه كان في مصحفه المتن
والحواشي.


ويروي انّه لما فرغ من جمعه أخرجه
هو وغلامه قنبر إلى الناس، وهم في المسجد يحملانه ولا يقلانه.


وقيل انّه كان حمل بعير، وقال لهم
هذا كتاب اللّه كما انزل اللّه على محمّد(ص) جمعته بين اللوحين.


فقالوا: ارفع مصحفك لا حاجة بنا
إليه.


فقال: واللّه لا ترونه بعد هذا
أبدا، إنما كان عليَّ ان اخبركم به حين جمعته. فرجع إلى بيته...(77).


اذا فقد حمله الامام مع غلامه
قنبر، وكان حمل بعير، وليس حمله على جمل وذلك لان بيت الامام علي كان بابه يفتح
إلى المسجد.


وينبغي لنا أن ندرس خبر سليم بن
قيس وأصله.


أصل سليم أو كتاب سليم:.


لابي صادق سليم بن قيس الهلالي
العامري صاحب الامام علي (ع) كتاب. وأدرك سائر الائمة إلى الامام الباقر ـ (ع) ـ.


روى الكتاب عنه مناولة أبان بن
أبي عياش كما رواه عنه النديم في أخبار فقهاء الشيعة وما صنفوه من الكتب وقال:


قال محمّد بن إسحاق (ت: 151ه ):
من أصحاب أمير المؤمنين (ع) سليم ابن قيس الهلالي، وكان هاربا من الحجاج، لانّه
طلبه ليقتله، فلجأ إلى أبان ابن أبي عياش، فآواه، فلما حضرته الوفاة، قال لابان:
إن لك عليَّ حقا، وقد حضرتني الوفاة يا ابن أخي، إنّه كان من أمر رسول اللّه (ص)
كيت وكيت وأعطاه كتابا، وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور رواه عنه أبان بن
أبي عياش لم يروه عنه غيره.


وقال أبان في حديثه: وكان ـ سليم
بن ـ قيس شيخا له نور يعلوه... الحديث(78).


روى عنه المسعودي في التنبيه
والاشراف(79) وقال:


(... ما ذكره سليم بن قيس الهلالي
في كتابه الّذي رواه عنه أبان بن أبي عياش ان النبي (ص) قال لامير المؤمنين عليّ
بن ابي طالب (ع) ...) الحديث.


وروى الفضل بن شاذان (ت: 260ه )
وقال: حدثنا محمّد بن إسماعيل بن بزيغ قال حدثنا ابن عيسى (ت: 208ه ).. ذكرت
هذا


الحديث عند مولاي أبي عبداللّه أي
الصادق (ع) فبكى، وقال: صدق سليم.


ويروي الكتاب عن سليم بغير مناولة
جمع من الرواة ذكرهم الشيخ آغابزرك في الذريعة (2 / 152).


وقد روى عن الكتاب جمع من علماء
الامامية مثل الكليني والصدوق ومن جاء بعدهم.


وينبغي مقابلة الكتاب المتداول
بيننا باسم (اصل سليم) بما رواه أُولئك الاعلام عنه، فان الكتاب المطبوع
والمتداول بين أيدينا غير سليم عن التحريف، شأنه شأن مقتل أبي مخنف، فانّ ما رواه
عنه الطبري سليم، والكتاب المطبوع باسم مقتل أبي مخنف فيه بعض التحريف.


ينبغي أن ندرس من خبر تدوين
الامام علي القرآن ما يأتي:.


1 ـ اهتمام الامام علي (ع) بجمع
القرآن:


من أجل أن نفهم مغزى هذا العمل من
الامام ينبغي ان ندرسه مقارنا باهتمامه تجهيز جثمان الرسول في حين ان الصحابة
اهتموا


بأمر الخلافة وانصرفوا.


ذكرنا في أخبار السقيفة الانفة:


أن الانصار عندما توفي الرسول (ص)
اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وتبعهم المهاجرون يتجالدون على أمر الخلافة، وتركوا
جثمان الرسول (ص) بين أهله يُغسله الامام علي (ع) ومن معه، ولما انتهى اليهم خبر
السقيفة أراد العباس أن يبايع الامام، فأبى، وقال: لنا بجهاز رسول اللّه شغل.


ولم يفارق جثمان الرسول (ص) حتى
صلى المسلمون عليه بقية يوم الاثنين وتمام يوم الثلاثاء ثمّ دفنه (ص) ليلة
الاربعاء بعد ان تمت البيعة لابي بكر.


وكان عملهم ذلك بعد وفاة الرسول
نظير عملهم في حياته كما أخبر اللّه ـ تعالى ـ عنه وقال في سورة الجمعة:


(وَإِذَا رَأوْا تِجَارَةً أَوْ
لَهْوا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِما قُلْ مَا عِنَد اللّهِ خَيْرٌ
مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ...). (الجمعة / 11)


وروى الطبري والقرطبي والسيوطي في
شأن نزول هذه الاية بتفاسيرهم وقالوا:


قدمت المدينة تجارة معها طبل ـ
فانصرفوا إليها ـ وتركوا رسول اللّه (ص) قائما على المنبر ، وبقي منهم في المسجد
اثنا عشر رجلا وسبع نسوة أو أقل من ذلك يخطب خطبة صلاة الجمعة، فقال رسول اللّه
(ص): لو تتابعتم لتأجج الوادي نارا(80).


* * *.


كان ذلك موقف الامام علي من جثمان
الرسول ومن القرآن بعد وفاة الرسول(ص)، وقد درسنا خبره مع جثمان الرسول في أخبار
السقيفة، وندرس في ما يأتي عمل الامام في جمعه للقرآن بعد وفاة الرسول.


2 ـ كيف جمع الامام القرآن مع
تأويله وتنزيله بعد وفاة الرسول (ص):


قالوا ما موجزه: لما انتهى الامام
علي من جهاز رسول اللّه (ص) جلس في بيته وانكب على القرآن يجمعه مع تنزيله
وتأويله وما فيه من ذكر الحكم الناسخ والحكم المنسوخ فبعث إليه أبو بكر بعد ان
تمت البيعة له يدعوه إلى بيعته، فاجابه أني لمشغول بالقرآن أجمعه، وآليت على
نفسسي ألاّ أرتدي رداء إلاّ للصلاة.


خلاصة الروايات:.


أ ـ اتفقت الروايات على ما ذكر مع
اختلاف في التعبير، وشذ من روى مثل ابن أبي داود في ص 10 من المصاحف أن أبا بكر
أرسل إلى الامام فقال: (أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ قال: لا واللّه...)(81).


فقد أوردنا في خبر السقيفة عن
صحيح البخاري وغيره ان الامام لم يبايع حتّى توفيت ابنة رسول اللّه (ص).


ب ـ اتفق محتوى الروايات على ان
الامام كان قد جمع القرآن جمعا كما نسميه اليوم بالتفسير، فقد قال ابن سيرين: كتب
فيه الناسخ والمنسوخ، وليس المقصود الايات الّتي تسمى بالناسخة والمنسوخة، وإلاّ
لقال: الناسخ والمنسوخة، ثمّ إنّ إيراد الايات المسماة بالناسخة والمنسوخة لا يخص
ما كتبه الامام بل إنّه عام لكل من كتب القرآن.


ويؤيد ذلك قول ابن سيرين ((فلو
اصيب ذلك الكتاب كان فيه علم)) فانّه لو كان ما كتبه الامام مجردا عن التفسير كما
دون القرآن بعد ذلك وتناولته الايدي إلى عصرنا لما خصّ ابن سيرين القول في ما
كتبه الامام بأنّ فيه علما(82).


ج ـ اتفق محتوى الروايات بان أحدا
لم ير ما كتبه الامام علي فما خبره؟


نجد تمام الخبر عند سليم حين يروي
عن سلمان أن الامام جاء به إلى المسجد، وعرضه عليهم، فامتنعوا من قبوله، فدخل علي
بيته مع ما كتب.


د ـ وبناء على ما أثبتناه من روى
شيئا عن ذلك الكتاب غير الائمة من أولاد الامام علي كان عمله رجما بالغيب ولا
يصدق.


3 ـ اين كان القرآن الّذي جمعه
الامام عليّ:.


كل الروايات الماضية لم تعين أين
كان القرآن الّذي جمعه الامام بعد وفاة الرسول (ص)، وقد عيّن الامام الصادق جعفر
بن محمّد من أين أخذ الامام ذلك القرآن، وقال: إنَّ رسول اللّه (ص) قال لعلي: يا
عليُّ القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس، فخذوه، واجمعوه، ولا
تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة.


فانطلق عليُّ فجمعه في ثوب أصفر،
ثمَّ ختم عليه في بيته. وقال: لا أرتدي حتّى أجمعه.


وإن كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه
بغير رداء حتّى جمعه.


قال: وقال رسول اللّه (ص): لو
أنَّ النّاس قرأوا القرآن كما أُنزل ما اختلف اثنان(83).


وفي البحار ـ ايضا ـ عن أبي رافع
أنّه قال: إنّ النبيّ (ص) قال في مرضه الّذي توفّي فيه لعليّ: يا عليُّ! هذا كتاب
اللّه خُذه إليك.


فجمعه عليُّ في ثوب، فمضى إلى
منزله، فلمّا قبض النبيُّ (ص) جلس عليُّ فألّفه كما أنزله اللّه، وكان به
عالما(84).


وقال السيوطي: (كان القرآن كتب
كله في عهد رسول اللّه (ص) لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور)(85).


وأصدق القول في هذا الخبر وأجمعه
قول الامام الّذي رواه الطبرسي وغيره، قال:


ولقد جئتهم بالكتاب كَملا مشتملا
على التأويل والتنزيل(86).


دراسة الخبر:.


أ ـ التنزيل: المراد بالتنزيل هنا
القرآن الّذي أنزل اللّه لفظه على الرسول (ص) كما يظهر ذلك من قوله تعالى:


(حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنا عَرَبِيّا لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ). (فصّلت / 1 ـ 3)


ب ـ التأويل: ما يؤول إليه اللفظ،
والمراد منه هنا بيان الايات الّتي بلغها الرسول (ص).


ج ـ الكتاب: جاء تفسيره في قوله
بعده: (كملاً مشتملاً على التأويل والتنزيل) أي كان الكتاب الّذي حمله الامام
إليهم كاملا مشتملا على القرآن الّذي أوحى اللّه لفظه إلى رسوله (ص) مع بيان
الايات وتفسيرها، الّتي أوحى اللّه إلى الرسول (ص) معناها وبلغها الرسول (ص)
بلفظه إلى أصحابه عامة وإلى ابن عمّه خاصّة. وكذلك كانت مصاحف الصحابة قبل أن
يجردوها عن حديث الرسول (ص).


وعلى هذا فإنّ في كلام الامام
تعريضا بالمصاحف الّتي جردت من حديث الرسول (ص) بعد الرسول (ص) وتصريحا بأن
المصحف الّذي جاء به إليهم كان كاملا لم ينقص منه حديث الرسول (ص) في بيان
الايات. وفي ضوء كلام الامام يجوز لنا أن نفسر اختلاف مصاحف الصحابة بوجود بيان
الرسول (ص) في تفسير الايات ببعض مصاحف الصحابة دون بعض الاخر، وأنّه لم يكن
الاختلاف بينها في النص القرآني.


ولولا أنّ القرآن الّذي جمعه
الامام علي بعد وفاة رسول اللّه (ص) مباشرة كان في بيت رسول اللّه (ص) ولم يكن
قبل ذلك في بيت الامام علي لما اقتضى الامر أن يهتم الامام بأمر جمعه بعد وفاة
رسول اللّه (ص) مباشرة وأن لا يغادر بيته ولا يرتدي رداءه، حتى يجمعه.


وبناء عليه فإنّ القرآن الّذي
أخذه الامام عليّ من بيت رسول اللّه (ص) وجمعه هو القرآن الّذي كان رسول اللّه
(ص) يأمر كتّابه بتدوين آياته عند نزولها بإشرافه، غير ان ذلك القرآن كان موزَّعا
في صحف ورقاع وما شابههما فجمعها الامام بضم بعضها إلى بعض في ثلاثة أيام.


ولابدّ أن يكون مع الايات الّتي
دونت بأمر الرسول (ص) ما أوحى اللّه ـ تعالى ـ إليه في شرح ما يحتاج إلى الشرح
والبيان مثل بيان عدد ركعات الصلاة واذكارها وشأن نزول الايات وفي أي مناسبة
نزلت، ولذلك كانوا يقولون (لو أُصيب ذلك الكتاب كان فيه علم).


ولو كان مكتوبا فيه الايات دون
شرح لما قالوا ذلك، وبما أن عصبة الخلافة كانوا يعلمون أن في ما دوّن في ذلك
المصحف في بيان الايات بأمر الرسول (ص) وممّا أُوحي إليه يخالف سياسة الحكم أبوا
أن يقبلوا ذلك المصحف فرجعه الامام إلى بيته، وورثه من بعده الائمة من بنيه كابرا
بعد كابر.


وينبغي أن نشير هنا أن الرسول (ص)
كان قد أعد وصيَّه الامام عليّا (ع) في حياته للقيام بهذا العمل، فقد روى ابن سعد
في طبقاته بسنده عن الامام عليّ (ع) انّه قال: واللّه ما نزلت آية إلاّ وقد علمت
في ما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي أعطاني قلبا عقولا ولسانا ناطقا.


وقال: سلوني عن كتاب اللّه فانه
ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل نزلت أم في جبل(87).


وقد تأتى له ذلك بما اختصَّ به من
قربى رسول اللّه (ص) وقربه.


روى النِّسائي وابن ماجة وأحمد
واللفظ للاول بسندهم عن الامام علي أنّه قال: كانت لي منزلة من رسول اللّه (ص) لم
تكن لاحد من الخلائق، فكنت آتيه كل سحر، فأقول: السلام عليك يا نبي اللّه، فان
تنحنح انصرفت إلى أهلي، وإلاّ دخلتُ عليه.


وقال: كان لي من رسول اللّه (ص)
ساعة آتيه فإذا أتيته فيها استأذنت، ان وجدته يصلي تنحنح، وان وجدته فارغا أذن
لي.


وقال: كان لي من رسول اللّه (ص)
مدخلان: مدخل بالليل، ومدخل بالنهار، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح(88).


وقد روى زيد بن عليّ بن الحسين
(ع) هذا الخبر عن جده وقال:


قال أمير المؤمنين (ع) : ما دخل
في رأسي نوم ولا عهد إليَّ رسول اللّه (ص) حتّى علمت من رسول اللّه (ص) ما نزل به
جبرائيل في ذلك اليوم من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي في ما نزل فيه وفي من
نزل.


قال الراوي: فخرجنا، فلقينا
المعتزلة، فذكرنا ذلك لهم، فقالوا: ان هذا الامر عظيم كيف يكون هذا وقد كان
أحدهما يغيب عن صاحبه فكيف يعلم هذا؟


قال : فرجعنا إلى زيد فأخبرناه
بردهم علينا، فقال: يتحفظ على رسول اللّه (ص) عدد الايام الّتي غاب بها، فاذا
التقيا، قال له رسول اللّه (ص): يا عليّ! نزل علي يوم كذا: كذا وكذا وفي يوم كذا:
كذا وكذا، حتى يعدهما إلى آخر اليوم الذي وافى فيه ما خبرناهم بذلك(89).


وقد يوجه إلينا في هذا المقام
سؤال آخر وهو:


إنْ كان في ما جمعه الامام (ع) من
بيت الرسول (ص) ما يحتاجه الناس في فهم القرآن فما جدواه بعد أن أخذه الامام إلى
بيته وأخفاه؟


والجواب: ان اللّه ـ سبحانه ـ
بمقتضى وعده في قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وقوله:(ثُمَّ إِنَّ
عَلَيْنَا بَيَانَهُ) جمع في صدر الرسول (ص) وبينه له، والرسول (ص) بمقتضى رسالته
بلغ من حضره ما احتاجوها منها وأمر وصيه الّذي كان قد أعده لذلك يجمعه في مصحف
بعد وفاته، ففعل ذلك، ثمّ أخرجه إلى الناس، وعرضه عليهم، ولما امتنعوا من قبوله
أخفاه يومذاك كي لا يصيب ما جمعه ما أصاب مصاحف سائر الصحابة من الحرق كما سنبينه
في ما يأتي ـإن شاء اللّه تعالى ـ، وبفعله ذلك حفظ ما جمعه من بيت الرسول من
التلف آنذاك، ثمّ ورثه الائمة من ولده، ليفيضوا من علمه طوال القرون على من شاء
أن يأخذ منهم علوم القرآن، وقد قال اللّه ـ سبحانه ـ: (كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ
* فَمَن شَاء ذَكَرَهُ) وقال ـ تعالى ـ: (أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا
كَارِهُونَ) حتّى إذا ظهر المهدي (ع) من ولده وحكم الناس أظهره بأمر اللّه ـ جل
اسمه ـ وأمر بتعليم الناس إياه في مسجد الكوفة: كما سنشرحه في المجلد الثالث من
هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى.


لاينافي ما ذكرناه حول هذه النسخة
من القرآن وتفسيره الخاص بالرسول (ص) وجود نسخ أُخرى لدى الصحابة ومن ضمنهم
الامام علي (ع) يكون مع بعضها ما انتهى إليهم من بيان من الرسول حول بعض الايات
كما سندرسه في البحث الاتي إن شاء اللّه تعالى.


*
* *


وقع ما ذكرناه بعد وفاة الرسول
(ص) مباشرة، ولما استقام الامر للخلفاء بعد الرسول (ص) كانت لهم سياسة خاصة بشأن
القرآن نذكرها في ما يأتي بحوله تعالى.


الهوامش.


*1
راجع تفصيل ذلك في فصل مع الصهرين من كتاب أحاديث عائشة، وكذلك بحث رأيها في رضاع
الكبير.


*2
صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا 4 / 120.


*3
نقلنا هذا الخبر ملخصا من تاريخ الطبري في ذكره حوادث بعد وفاة الرسول، وما كان
من غير الطبري أشرنا إليها في الهامش. وقد أوردنا تفصيل الخبر في كتاب عبداللّه
بن سبأ، الجزء الاوّل ـ بحث السقيفة.


*4
الطبري في ذكره لحوادث سنة 11ه، 2 / 456، وط. أوربا 1 / 1838، عن عبداللّه ابن
عبدالرّحمن بن أبي عمرة الانصاري. وابن الاثير 2 / 125.


وتاريخ الخلفاء لابن قتيبة 1 / 5،
قريب منه، وأبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة في الجزء الثاني من شرح ابن أبي
الحديد في خطبة (ومن كلام له في معنى الانصار) 2 / 2.


*5
جاء اسمه في سيرة ابن هشام 4 / 335، وأُسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع ابن
امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل بن الحرث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس
الانصاري الاشهلي، شهد العقبة الثانية وكان ممّن ثبت في أُحد، وشهد جميع مشاهد
النبيّ، وكان أبو بكر لا يقدم أحدا من الانصار عليه. توفي سنة 20 أو 21ه
فحمل عمر نعشه بنفسه. روى عنه أصحاب الصحاح 18 حديثا. ترجمته في الاستيعاب 1 / 31
ـ 33. والاصابة 1 / 64. وجوامع السيرة ص 283.


*6
عويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أُميّة بن مالك بن عوف بن
عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس الانصاري الاوسي: شهد العقبة وبدرا وما بعدها،
وتوفي في خلافة عمر وبترجمته في النبلاء: أنّه كان أخا الخليفة عمر. وقال عمر على
قبره: (لا يستطيع أحد من أهل الارض أن يقول: أنا خير من صاحب هذا القبر).
الاستيعاب 3 / 170 والاصابة 3 / 45 وأُسد الغابة 4 / 158.


*7
عاصم بن عدي بن الجدّ بن العجلان بن حارثة بن ضُبَيْعَة بن حرام البلويّ
العجلاني، حليف الانصار وكان سيد بني عَجْلان. شهد أُحدا وما بعدها.


توفي سنة 45 هجرية. الاستيعاب 3 /
133. والاصابة 2 / 237 وأُسد الغابة 3 / 75.


*8
سيرة ابن هشام، أخبار السقيفة 4 / 330 ـ 339.


*9
الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة
الانصاري، شهد بدرا وما بعدها، وتوفّي في خلافة عمر. الاستيعاب بهامش الاصابة 1 /
353. والاصابة 1/ 302. وأُسد الغابة 1 / 364. ونسبه في جمهرة ابن حزم ص 359.


*10
لمّا سمع عليّ بن أبي طالب هذا الاحتجاج من المهاجرين قال: احتجّوا بالشجرة
وأضاعوا الثمرة. النهج وشرحه لابن أبي الحديد، ط. الاُولى 2 / 2.


*11
جُذيلها ، تصغير الجذل : أصل الشجرة . والمُـحَكَّك : عود ينصب في مبارك الاِبل
لتتمرس به الا بل الجربى ، أي قد جربتني الاُمور ولي رأي وعلم يُشتفى بهما كما
تشتفي هذه الا بل الجربى بالجذل وصغره على جهة المدح .


*12
عذيق: تصغير العذق، وهي: النخلة. والمرجب. ما جعل له رجبة، وهي: دعامة تبتنى من
الحجارة حول النخلة الكريمة إذا طالت وتخوفوا عليها أن تنقعر في الرياح العواصف.


*13
أعدت الامر جذعا، أي جديدا كما بدأ، وإذا أُطفئت حرب بين قوم فقال بعضهم: إن شئتم
أعدناها جذعة، أي: أوّل ما يبتدأ فيها.


*14
لم نسجّل هنا بقيّة الحوار وتعليقنا عليه طلبا للاختصار.


*15
رواه اليعقوبي بعد ذكر ما تقدم في تاريخه 2 / 103، والموفقيات للزبير بن بكار ص
579.


*16
في رواية الطبري 3 / 208، وط. أوربا 1 / 1818 عن إبراهيم، وابن الاثير 2 / 123:
((أن الانصار قالت ذلك بعد أن بايع عمر أبا بكر)).


*17
عن سيرة ابن هشام 4 / 336، وجميع من روى حديث الفلتة. راجع بعده حديث الفلتة في
ذكر رأي عمر في بيعة أبي بكر.


*18
الطبري ط. أوربا 1 / 1842. وفي رواية ابن أبي الحديد: عقّكَ عقاق.


*19
وفي رواية أبي بكر في سقيفته: لمّا رأت الاوس أنّ رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع،
قام أُسيد بن حضير ـ وهو رئيس الاوس ـ فبايع حسدا لسعد ومنافسة له أن يلي الامر.
راجع شرح النهج 2 / 2، في شرحه (ومن كلام له في معنى الانصار).


*20
إن هذا الموقف يوضح بجلاء جماع سياسة الخليفتين من شدّة ولِين.


*21
الطبري 3 / 455 ـ 459، وط. أوربا 1 / 1843. (وتندر عضوك) كذا جاء ويعني تسقط
أعضاؤك.


*22
في كتابه السقيفة، راجع ابن أبي الحديد 1 / 133، وفي ص 74 منه بلفظ آخر.


*23
ابن عبد ربّه في العقد الفريد 4 / 258، وأبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة برواية
ابن أبي الحديد عنه في 1 / 132، ويروي تفصيله في ص 74 منه.


والزبير بن بكار في الموفقيات ص
577 ـ 580 و583 و592. كما يروي عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 / 2 ـ 16، في
شرحه: (ومن كلام له في معنى الانصار).


*24
الموفقيات للزبير بن بكار ص 580.


*25
اليعقوبي 2 / 103، وشرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 74.


*26
الطبري 2 / 458، وط. أوربا 1 / 1843. وفي رواية ابن الاثير 2 / 224: (وجاءت أسلم
فبايعت). وقال الزُّبير بن بكار في الموفقيات برواية النهج 6 / 287، ((فقوي بهم
أبو بكر)) ولم يعيِّنا متى جاءت أسلم، ويقوى الظنّ أن يكون ذلك يوم الثلاثاء.
وقال المفيد في كتابه ((الجَمَل)): إنّ القبيلة كانت قد جاءت لتمتار من المدينة،
(الجمل ص 43).


*27
الموفقيات ص 578. والرياض النضرة 1 / 164. وتاريخ الخميس 1 / 188.


*28
ابن هشام 4 / 340. والطبري 3 / 203 (وط. أوربا 1 / 1829). وعُيون الاخبار لابن
قتيبة 2/ 234. والرياض النضرة 1 / 167. وابن كثير 5 / 248. والسيوطي في تاريخ
الخلفاء ص 47. وكنز العمال 3 / 129، ح 2253. والحلبية 3 / 397. وذكر البخاري في
صحيحه 4 / 165، كتاب الاحكام، باب الاستخلاف عن أنس، خطبة عمر باختلاف يسير.


وممن ذكر خطبة أبي بكر فقط، أبو
بكر الجوهري في كتابه: السقيفة، حسب رواية ابن أبي الحديد عنه 1 / 134. وصفوة
الصفوة 1 / 98.


*29
طبقات ابن سعد 2 / ق 2 / 78، ط. لِيدن.


*30
سيرة ابن هشام 4 / 343. والطبري: 2 / 450 وط. أوربا 1 / 1830. وابن الاثير 2/
126. وابن كثير 5 / 248. والحلبيّة 3 / 392 و 394. وهذا الاخير لم يعين
اليومانتهوا فيه من بيعة أبي بكر واقبلوا على جهاز رسول اللّه (ص).


*31
ابن هشام 4 / 343.


*32
طبقات ابن سعد 2 / ق 2 / 70. والكامل لابن الاثير ج 2 في ذكر حوادث سنة 11 ه.


*33
الموفقيات ص 583.


*34
في تاريخه 2 / 124 ـ 125. والسَّقيفة لابي بكر الجوهري حسب رواية ابن أبي الحديد
2 / 13، والتفصيل في 1 / 74 منه. وبلفظ قريب منه في الامامة والسياسة 1 / 14.


*35
المقداد بن الاسود الكندي: هو ابن عَمْرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن
مطرود البهراني. أصاب دما في قومه، فلحق بحَضْرَموت، فحالف كندة، وتزوّج امرأة،
فولدت له المقداد. فلمّا كبر المقداد، وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي، فضرب
رجله بالسيف، وهرب إلى مكّة فحالف الاسود بن عبد يغوث الزَّهري فتبنّاه الاسود،
فصار يقال له: المقداد بن الاسود الكندي. فلمّا نزلت: (أُدعُوهم لاِ َّبَائِهِم)
الاحزاب / 5 قيل له: المقداد بن عَمْرو.


وقال الرسول: (( إن اللّه عزّ
وجلّ أمرني بحبِّ أربعة من أصحابي وأخبرني أنه يحبّهم)) فقيل: من هم؟ فقال:
((عليّ والمقداد وسلمان وأبوذرّ)). توفّي سنة 33ه. الاستيعاب بهامش
الاصابة 3 / 451. والاصابة 3 / 433 ـ 434.


*36
أبو عمرو البراء بن عازب بن الحارث بن عَدِي بن جشم بن مجدعة بن الحارث بن عمرو
بن مالك ابن الاوس الانصاري الاوسي: كان ممّن استصغره الرسول يوم بدر وردّه. وغزا
مع الرسول 14 غزوة وشهد مع عليّ الجمل وصفين والنَّهروان. سكن الكوفة وابتنى بها
دارا وتوفّي بها في إمارة مصعب بن الزُّبير. الاستيعاب بهامش الاصابة 1 / 143 ـ
144. والاصابة 1 / 146.


*37
أُبيّ بن كعب بن قيس بن عُبيد بن زيد بن معاوية بن عَمْرو بن مالك بن النَّجار:
وهو تَيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الاكبر. شهد العقبة الثانية وبايع
النبيّ فيها وشهد بدرا وما بعدها، وكان من كتّاب النبيّ. مات في آخر خلافة عمر أو
صدر خلافة عثمان. الاستيعاب 1 / 27 ـ 30. والاصابة 1 / 31 ـ 32.


*38
في نص الجوهري أنّ قائل هذا الرأي هو المغيرة بن شعبة، وهذا هو الاقرب إلى
الصواب.


*39
هذه الزيادة في نسخة الامامة والسياسة 1 / 14.


*40
في رواية ابن أبي الحديد أن ذلك كان في الليلة الثانية بعد وفاة النبيّ.


*41
إن ضمير (هم) موجود في رواية ابن أبي الحديد.


*42
في نسخة الامامة والسياسة وابن أبي الحديد 1 / 74: (متفقين) وهو الاشبه بالصواب.


*43
الزيادة في نسخة ابن أبي الحديد والامامة والسياسة.


*44
في نسخة الجوهري والامامة والسياسة: فإن يكن حقّا لك فلا حاجة لنا فيه.


*45
في تيسير الوصول 2 / 46: (قال: لا واللّه ولا أحد من بني هاشم).


*46
قد أوردت هذا الحديث مختصرا من كلّ من الطبري 2 / 448 (وط. أوربا 1 / 1825).
وصحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 3 / 38. وصحيح مسلم 1 / 72، و5 /
153، باب قول رسول اللّه: ((نحن لا نورث؛ ما تركناه صدقة))، وابن كثير 5 / 285 ـ
286، وابن عبد ربّه 4 / 260. وقد ذكره ابن الاثير 2 / 126 مختصرا. والكنجي في
كفاية الطالب ص 225 ـ 226. وابن أبي الحديد 1 / 122. والمسعودي 2 / 414 من مروج
الذهب. وفي التنبيه والاشراف له ص 250: (ولم يبايع علي حتى توفيت فاطمة).
والصواعق 1 / 12. وتاريخ الخميس 1 / 193. وفي الامامة والسياسة 1 / 14: أن بيعة
علي كانت بعد وفاة فاطمة. وأنها قد بقيت بعد أبيها 75 يوما. وفي الاستيعاب 2 /
244: أن عليّا لم يبايعه إلاّبعد موت فاطمة. وأبو الفداء 1 / 156.


والبدء والتاريخ 5 / 66. وأنساب
الاشراف 1 / 586. وفي أُسد الغابة 3 / 222 بترجمة أبي بكر: (كانت بيعتهم بعد ستّة
أشهر على الاصحّ). وقال اليعقوبي 2 / 126 (لم يبايع علي إلاّ بعد ستّة
أشهر). وفي الغدير 3 / 102 عن الفصل لابن حزم ص 96 ـ 97 (وجدنا عليّا رضي اللّه
عنه تأخر عن البيعة ستة أشهر).


*47
أنساب الاشراف 1 / 587.


*48
راجع الخطبة رقم 3 من نهج البلاغة؛ وابن أبي الحديد 1 / 50.


*49
تاريخ الطبري ط. أوربا (1 / 1838 ـ 1849)؛ وابن أبي الحديد 2 / 7، 8، 12، 13.


*50
المعروق: ذو العرق أي الاصل والنسب.


*51
عتيق: اسم أبي بكر واسم أبيه عثمان.


*52
ظبة السيف: حده. راجع أخبار السقيفة في الموفقيات للزبير بن بكار ص 579 ـ 601.


*53
تاريخ اليعقوبي 2 / 129.


*54
في فجر الاسلام كان يقال للبلد الّذي فيه معسكر المسلمين: الجند.


*55
تاريخ اليعقوبي 2 / 129 ـ 130.


*56
دعاه خاليا: انفرد به خلوة.


*57
تاريخ الطبري ط . أوربا 1 / 2138.


*58
الاُولى والثانية في ذكر سيرة عمر من حوادث سنة 21ه من تاريخ الطبري ط. مصر
الاُولى، 1 / 30 ـ 32، وط. أوربا 1 / 2768 ـ 2772، والثانية منها أيضا في تاريخ
ابن الاثير 3 / 24 ـ 25، واللفظ للطبري، والثالثة في مروج الذهب للمسعودي 2 / 321
ـ 323.


*59
راجع تفصيل هذه الاخبار ومصادرها في بحث: (أخبار السقيفة إلى بيعة عثمان) من
المجلد الاول من كتابنا معالم المدرستين.


*60
العقد الفريد 4 / 274، أوردناه ملخصا.


*61
تاريخ الطبري ط. أوربا 1 / 2777.


*62
أنساب الاشراف 5 / 16.


*63
وقريب منه ما في طبقات ابن سعد ج 4 ق 1 ص 247. وراجع ترجمة عمر من الاستيعاب
ومنتخب الكنز 4 / 429، وجلح فلان سار سيرا شديدا، وجلح في الامر اقدم ومضى وركب
رأسه فيه ويقصد منه الامام عليا.


*64
الرياض النضرة ط. 2 بمصر 1373ه، 2 / 95. والاصلع: المنحسر شعر رأسه، وكان
الامام عليّ اصلع الرأس.


*65
السراة: الجبل الّذي فيه طرف الطائف ويقال لاماكن أُخرى. معجم البلدان.


*66
تاريخ الطبري ط. أوربا 1 / 2786 ـ 2787.


*67
أنساب الاشراف 5 / 21 ـ 22.


*68
الاجِّيري بالكسر والتشديد: العادة والطريقة.


*69
كما سيأتي في بحث: اين كان القرآن الّذي جمعه الامام علي الاتي.


*70
الفهرست للنديم ص 41 ـ 42 وقريب منه في الاتقان للسيوطي 1 / 59 وطبقات ابن سعد 2
/ 338. وما جاء في بعض الروايات: (جمع فيه القرآن من قلبه) وفي أُخرى: (وكتبه
بيده) إمّا أن يكون من أوهام الرواة أو من أوهام النساخ فانّه لايتيسر كتابة
القرآن عن ظهر قلب في ثلاثة أيّام، ثمّ إنّهم اتفقوا على انّه كان في تلك النسخة
علم أي تفسير الايات وعليه فلا يتيسر كتابته في ثلاثة أيّام وإنّما الّذي قام به
الامام علي (ع) ربط ما كتب من آي السور بعضها ببعض الاخر بخيط.


*71
حلية الاولياء لابي نعيم 1 / 67؛ وتاريخ القرآن للابياري ص 84.


*72
الاتقان للسيوطي 1 / 59؛ ومناهل العرفان 1 / 247؛ وطبقات ابن سعد 2 / 338؛
والصواعق المحرقة ص 126؛ وتاريخ القرآن للزنجاني ص 48.


*73
طبقات ابن سعد 2 / 338؛ وط. أوربا 2 / ق 2 / 101؛ وتاريخ الخلفاء ص 185؛ وكنز
العمال 2 / 373؛ والصواعق المحرقة ص 126.


*74
كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 18 ـ 19، وذكر ابن كثير موجز هذه الاخبار في (فضائل
القرآن من ذيل تفسيره) ص 28.


*75
التسهيل لعلوم التنزيل 1 / 4.


*76
الاتقان للسيوطي 1 / 59.


*77
تفسير الشهرستاني، المقدّمة، الورقة 15أ.


*78
الفهرست، الفن الخامس من المقالة السادسة، أخبار فقهاء الشيعة وأسماء ما صنفوه من
كتب ص 307 وط. طهران ص 275. وفي الاصل (قيس) ونراه من غلط الناسخ والصحيح ما
أثبتناه.


*79
كتاب التنبيه والاشراف ص 198 ـ 199.


*80
أخرج الروايات مسلم في كتاب الجمعة 2 / 590 من صحيحه مفصلا، والبخاري في صحيحه،
كتاب الجمعة، باب إذا نفر الناس عن الامام 1 / 116.


*81
تاريخ الخلفاء ص 165؛ والصواعق المحرقة ص 126؛ وطبقات ابن سعد 2 / 338؛ وكنز
العمال 2 / 373؛ وأنساب الاشراف 1 / 587.


*82
تاريخ القرآن ص 185؛ وأعيان الشيعة 1 / 89 عن عدّة الرجال للاعرجي؛ وأوائل
المقالات ص 55؛ وبحر الفوائد ص 99.


*83
في البحار 92 / 48 و52 نقلا عن تفسير القمي ص 745؛ وعمدة القاري 20 / 16؛ وفتح
الباري 10 / 386؛ والمناقب لابن شهر آشوب 2 / 41؛ والاتقان للسيوطي 1 / 59.


*84
في البحار 92 / 51 ـ 52. أبو رافع مولى رسول اللّه واختلفوا في اسمه فقيل: أسلم
وقيل إبراهيم وقيل صالح، توفي في خلافة الامام عليّ، راجع ترجمته في تراجم
الاسماء المذكورة في أُسد الغابة. ومناقب آل أبي طالب 2 / 41.


*85
الاتقان للسيوطي 1 / 59؛ ومناهل العرفان للزرقاني 1 / 240.


*86
الاحتجاج للطبرسي ط. النجف الاشرف سنة 1386ه 1 / 383؛ والبحار للمجلسي ط.
طهران 93 / 125 ـ 126.


*87
طبقات ابن سعد ط. بيروت 1376ه 2 / 338.


*88
الروايات الثلاث في سنن النِّسائي 1 / 178، كتاب السهو، باب التنحنح في الصلاة،
وفي طبعة دار إحياء التراث العربي في بيروت 3 / 12، والرواية الثالثة في سنن ابن
ماجة (ح3708) من باب الاستئذان بكتاب الادب، والرواية الاُولى بمسند أحمد 1 / 85
والثالثة في 1 / 80.


*89
بصائر الدرجات ص 197.


/ 14