أخبار القرآن والسنّة على عهد الخليفة عثمان - قرآن الکریم فی روایات المدرستین جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قرآن الکریم فی روایات المدرستین - جلد 2

سیدمرتضی العسکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




أخبار القرآن والسنّة على عهد الخليفة عثمان


متابعة الخليفة عثمان من سبقه في
شأن رواية حديث الرسول (ص):


بدأ الخليفة عثمان في أوّل عهده
هيّنا لينا في سلوكه، ويسمح لكبار الصحابة بالانتشار في البلاد الاسلامية، واتيحت
لكبار الصحابة في هذا العصر فرصة رواية الحديث وكتابة مصاحف جمعوا فيها آيات
القرآن مع ما كان عندهم من بيان الرسول (ص) لبعض الايات، فانتشرت من مصاحفهم ومما
تحدثوا عن رسول اللّه (ص) روايات كان نشرها محظورا في زمن الخليفة عمر.


وكان في ما نشر ما يخالف سياسة
الخلافة وتعارض سلوك الولاة من آل أُميّة على بلاد المسلمين، فاستنكر القرّاء من
الصحابة على ولاته سيرتهم وسلوكهم مثل استنكار عبادة بن الصامت وأبي الدرداء على
معاوية في الشام وابن مسعود على الوليد في الكوفة فبلغ أنباء ذلك إلى الخليفة
فجلب من كان منهم في الشام إلى المدينة(1)، ونكتفي هنا بايراد خبر الصحابي أبي ذر
على عهده في ما يأتي باذنه تعالى.


أبوذر في موسم الحج بمنى:.


في سنن الدارمي وطبقات ابن سعد
بسندهما عن أبي كثير عن أبيه، (قال: أتيت أبا ذرّ وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد
اجتمع النّاس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، ثمّ قال: أَوَلم تُنْه عن
الفتيا؟ فرفع رأسه إليه فقال: أرقيبٌ أنتَ عليّ؟ لو وضعتم الصمصامة على هذه ـ
وأشار إلى قفاه ـ ثمّ ظننتُ أنّي أُنفذ كلمة سمعتها من رسول اللّه (ص) قبل أن
تجيزوا علي لانفذتها)(2).


اختزل هذا الخبر البخاري في صحيحه
وقال:


(وقال أبو ذرّ: لو وضعتم الصمصامة
على هذه ـ وأشار إلى قفاه ـ ثمّ ظننتُ أنّي أُنفذ كلمة سمعتها من النبيّ (ص) قبل
أنْ تجيزوا عليَّ لانفذتها)(3).


وفي شرحه من فتح الباري قال ابن
حجر:


(إنّ الّذي خاطبه رجل من قريش
والّذي نهاه عثمان (رض) )(4).


وقال: (ونكّر [كلمة] ليشمل القليل
والكثير، والمراد به يبلغ ما تحمله في كلّ حال، ولا ينتهي عن ذلك ولو أشرف على
القتل).


انتهى كلام شارح البخاري وفسّر في
ما قال كلام أبي ذرّ بأنّه أراد أنّه سيُبَلِّغ ما سمعه عن رسول اللّه (ص) وإنْ
كان كلمة واحدة ولا ينتهي عن ذلك، ولو أشرف على القتل.


وفي تذكرة الحفاظ للذهبي:


(وعلى رأسه فتى من قريش، فقال:
أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا...) الحديث(5).


أبوذرّ في بيت اللّه الحرام:.


في مستدرك الحاكم(6) بسنده عن حنش
الكنائي(7)، قال: سمعت أبا ذرّ يقول وهو آخذ بباب الكعبة:


أيُّها النّاس! من عرفني، فأنا من
عرفتم، ومن أنكرني فأنا أبو ذرّ، سمعت رسول اللّه يقول:


((مثل أهل بيتي كسفينة نوح من
ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق)).


قال الحاكم: هذا حديث صحيح على
شرط مسلم.


أبوذرّ في مسجد الرسول (ص)
وغيره:.


ذكر اليعقوبي تفصيل خبر أبي ذرّ
مع السلطة في تاريخه(8) وقال:


(وبلغ عثمان أنّ أبا ذرّ يقعد في
مسجد رسول اللّه، ويجتمع إليه النّاس(9)، فيحدّث بما فيه الطعن عليه. وأنّه وقف
بباب المسجد، فقال:


أيُّها النّاس! من عرفني فقد
عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذرّ الغفاري، أنا جندب بن جنادة الرّبذي (إِنَّ
اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
محمّد الصفوة من نوح، فالال(10) من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة
الهادية من محمّد إنّه شرف شريفهم، واستحقّوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء
المرفوعة وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر
الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونيّة أضاء زيتها، وبورك زبدها،
ومحمّد وارث علم آدم وما فُضّل به النبيّون، وعليّ بن أبي طالب وصيّ محمّد، ووارث
علمه.


أيّتها الاُمّة المتحيرة بعد
نبيّها! أما لو قدّمتم من قدّم اللّه، وأخّرتم من أخّر اللّه، وأقررتم الولاية
والوراثة في أهل بيت نبيكم لاكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال وليّ
اللّه، ولا طاش سهم من فرائض اللّه، ولا اختلف اثنان في حكم اللّه، إلاّ وجدتم
علم ذلك عندهم من كتاب اللّه وسنّة نبيّه.


فأمّا إذ فعلتم ما فعلتم، فذوقوا
وبال أمركم، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون).


وقال:


((وبلغ عثمان أيضا أنّ أبا ذر يقع
فيه، ويذكر ما غيّر وبدّل من سنن رسول اللّه وسنن أبي بكر وعمر، فسيّره إلى
الشّام إلى معاوية، وكان يجلس في المسجد، فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه
النّاس، حتّى كثر من يجتمع إليه، ويسمع منه...)) الحديث.


وقال بعد ذلك ما موجزه:


(إنّ معاوية كتب إلى عثمان أنّك
قد أفسدت الشّام على نفسك بأبي ذرّ.


فكتب إليه أن احمله على قتب بغير
وطاء.


فقدم به المدينة وقد ذهب لحم
فخذيه وجرى له مع عثمان ما أدّى بعثمان أنْ ينفيه إلى الرّبذة)(11).


دراسة الخبر:.


قال القرشي لابي ذر: أَوَلم تنه
عن الفتيا؟!


فكان في جواب أبي ذر له: ((واللّه
لو وضعتم الصمصامة على هذه ـ وأشار إلى قفاه ـ ثمّ ظننت أني أُنفذ كلمة سمعتها من
النبيّ قبل أن تجيزوا علي لانفذتها)).


اذا فقد كان الافتاء الممنوع عنه
هو رواية حديث الرسول (ص) وكان في رواية أبي ذرّ تفسير (إنَّ اللّه اصطفى آدم
ونوحا...) بقوله: محمّد الصفوة من نوح والال ابراهيم والسلالة من اسماعيل والعترة
الهادية من محمّد.


ومن هنا ندرك أن سبب منعهم من نشر
حديث الرسول وبيان تفسير آي الذكر الحكيم بأحاديث الرسول، المنع من نشر أحاديث
الرسول الّتي فيها ثناء على من لا ترغب أُسرة الخلافة نشرها وكذلك نشر أحاديث
الرسول (ص) الّتي فيها ذمّ لذوي الجاه والسلطة من قريش.


ولذلك قاموا بتجريد القرآن من
حديث الرسول (ص) ونسخوا عليها سبع نسخ وأحرقوا سائر المصاحف كما سيأتي ذكره في
آخر الكتاب في بحث خلاصة أخبار القرآن بعد الرسول (ص)، أمّا سياسة الامام علي في
ذلك فسندرسها باذنه تعالى في البحث الاتي.


خصائص المجتمع الاسلامي على عهد
الامام عليّ(ع).


قتل عثمان، وعاد إلى المسلمين
أمرهم، وانحلّوا من كل بيعة سابقة توثقهم، فتهافتوا على ابن أبي طالب يطلبون يده
للبيعة؛ قال الطبري(12):


فأتاه أصحاب رسول اللّه (ص)،
فقالوا:


إنّ هذا الرجل قد قتل ولابدّ
للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحقّ بهذا الامر منك، لا أقدم سابقة، ولا اقرب من
رسول اللّه (ص).


فقال: لا تفعلوا فإنّي أكون وزيرا
خير من أن أكون أميرا.


فقالوا: لا، واللّه ما نحن
بفاعلين حتّى نبايعك.


قال: ففي المسجد، فإنّ بيعتي لا
تكون خفيا، ولا تكون إلاّ عن رضا المسلمين.


وروى بسند آخر وقال:


اجتمع المهاجرون والانصار فيهم
طلحة والزُّبير، فأتوا عليّا، فقالوا: يا أبا الحسن! هلُمَّ نبايعك.


فقال: لا حاجة لي في أمركم، أنا
معكم، فمن اخترتم فقد رضيت به، فاختاروا.


فقالوا: واللّه ما نختار غيرك.


قال: فاختلفوا إليه بعدما قتل
عثمان (رض) مرارا، ثمّ أتوه في آخر ذلك، فقالوا له:


إنّه لايصلح الناس إلاّ بإمرة وقد
طال الامر.


فقال لهم: إنّكم قد اختلفتم إليّ
وأتيتم وإنّي قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت امركم وإلاّ فلا حاجة لي فيه.


قالوا: ما قلت قبلناه إن شاء
اللّه. فجاء فصعد المنبر، فاجتمع الناس إليه.


فقال: إنِّي قد كنت كارها لامركم
فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم. ألا وإنّه ليس لي أمر دونكم، أَلا إنّ مفاتيح مالكم
معي. أَلاَ وإنّه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم. رضيتم؟


قالوا: نعم.


قال: اللّهمّ اشهد عليهم. ثمّ
بايعهم على ذلك.


وروى البلاذري(13) وقال:


وخرج عليّ، فأتى منزله، وجاء
الناس كلّهم يُهرَعون إلى عليّ، أصحاب النبيّ وغيرهم، وهم يقولون: (إنّ أمير
المؤمنين عليّ) حتّى دخلوا داره، فقالوا له: نبايعك، فمدَّ يدك فإنّه لابدّ من
أمير.


فقال عليّ: ليس ذلك إليكم إنّما
ذلك إلى أهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة. فلم يبق أحد من أهل بدر إلاّ أتى
عليّا، فقالوا: ما نرى أحدا أحقّ بهذا الامر منك... فلمّا رأى عليّ ذلك صعد
المنبر، وكان أوّل من صعد إليه فبايعه طلحة بيده، وكانت إصبع طلحة شلاّء، فتطيّر
منها عليّ. وقال: ما أخلقه أن ينكث.


روى الطبري(14): (أنّ حبيب بن
ذؤيب نظر إلى طلحة حين بايع، فقال: أوّل من بدأ بالبيعة يد شلاّء لايتمّ هذا
الامر...) انتهى.


وقال الذهبي: لما قتل عثمان صبرا
سعى الناس إلى دار علي فأخرجوه وقالوا: لابد للناس من إمام، فحضر طلحة والزبير
وسعد


بن أبي وقاص والاعيان فأول من
بايعه طلحة، ثمّ سائر الناس(15).


وفي تاريخ اليعقوبي ما موجزه:


واستخلف علي بن أبي طالب يوم
الثلاثاء لسبع ليال بقين من ذي الحجة سنة 35...(16).


سياسة حكم الامام عليّ وآثارها.


في شرح ابن أبي الحديد ان الامام
عليّا خطب بعد بيعته وقال: ألا لا يقولنّ رجال منكم غدا قد غمرتْهم الدنيا
فاتخذوا العَقَار، وفَجّروا الانهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف
الرّوقة(17)؛ فصار ذلك عليهم عارا وشنارا؛ إذا ما منعتُهم ما كانوا يخوضون فيه،
وأصرتُهم إلى حقوقهم الّتي يعلمون، فينقِمون ذلك، ويستنكرون ويقولون: حرمنَا ابنُ
أبي طالب حقوقنا! ألا وأيّما رجلٍ من المهاجرين والانصار من أصحاب رسول اللّه (ص)
يرى أن الفضل له على مَنْ سواه لصحبته، فإنّ الفضل النيِّر غدا عند اللّه، وثوابه
وأجره على اللّه، وأيّما رجلٍ استجاب للّه وللرسول، فصدق ملَّتنا، ودخل في ديننا،
واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده؛ فأنتم عباد اللّه، والمال مال
اللّه، يقسَّم بينكم بالسويّة، لا فضلَ فيه لاحد على أحدٍ؛ وللمتقين عند اللّه
غدا أحسنُ الجزاء، وأفضل الثواب؛ لم يجعل اللّه الدنيا للمتقين أجرا ولا ثوابا،
وما عند اللّه خير للابرار. وإذا كان غدا إن شاء اللّه فاغدُوا علينا؛ فإن عندنا
مالا نقسِّمه فيكم، ولا يتخلّفنّ أحدٌ منكم؛ عربيّ ولا عجميّ، كان من أهل العطاء
أو لم يكن؛ إلاّ حَضَر؛ إذا كان مسلِما حرّا. أقولُ قولي هذا وأستغفر اللّه لي
ولكم، ثمّ نزل.


ثمّ نقل ابن أبي الحديد عن استاذه
أبي جعفر انّه قال: وكان هذا أوّل ما أنكروه من كلامه (ع)، وأورثهم الضِّغن عليه؛
وكرهوا إعطاءه وقَسْمه بالسويّة.


فلمّا كان من الغد، غدا وغَدا
الناس لقبض المال؛ فقال لعبيداللّه بن أبي رافع كاتبه: ابدَأْ بالمهاجرين
فنادِهم، وأعطِ كلّ رجل ممّن حضر ثلاثة دنانير، ثمّ ثَنِّ بالانصار فافْعل معهم
مثل ذلك؛ ومن يحضر من الناس كلّهم؛ الاحمر والاسود فاصنع به مثل ذلك.


فقال سهل بن حَنِيف: يا أمير
المؤمنين! هذا غلامي بالامس؛ وقد أعتقتُه اليوم؛ فقال: نعطيه كما نعطيك، فأعطَى
كلّ واحد منهما ثلاثة دنانير؛ ولم يفضّل أحدا على أحد؛ وتخلّف عن هذا القَسم
يومئذ طلحة، والزُّبير، وعبداللّه بن عمر، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم؛
ورجال من قريش وغيرها.


وسمع عبيداللّه بن أبي رافع
عبداللّه بن الزُّبير يقول لابيه وطلحة ومروان وسعيد: ما خفي علينا أمس من كلام
عليّ ما يريد؛ فقال سعيد بن العاص ـوالتفت إلى زيد بن ثابت ـ: إيّاكِ أعني واسمعي
يا جارة؛ فقال عبيداللّه بن أبي رافع لسعيد وعبداللّه بن الزُّبير: إنّ اللّه
يقولُ في كتابه: (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)(18).


ثمّ إنّ عبيداللّه بن أبي رافع
أخبرَ عليّا (ع) بذلك، فقال: واللّه إن بقيت وَسلِمت لهم لاُقيمنّهم على المحجّة
البيضاء، والطريق الواضح، قاتل اللّه ابنَ العاص! لقد عرَفَ من كلامي ونظري إليه
أمسِ أنِّي أريده وأصحابه ممّن هلك فيمن هَلَك.


قال: فبينا الناس في المسجد بعد
الصبح إذ طلع الزُّبير وطلحة، فجلسا ناحية عن علي (ع)، ثمّ طلع مروان وسعيد
وعبداللّه بن الزُّبير؛ فجلسوا إليهما، ثمّ جاء قوم من قريش فانضمُّوا إليهم،
فتحدّثوا نجيّا ساعة؛ ثمّ قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فجاء إلى علي (ع)؛
فقال: يا أبا الحسن! إنّك قد وَترْتَنا جميعا؛ أمّا أنا فقتلتَ أبي يوم بدر. ونحن
نبايعك اليوم على أن تضعَ عَنّا ما أصبناه من المال في أيّام عثمان، وأن تقتل
قتلته؛ وإنّا إن خفناك تركناك؛ فالتحقنا بالشام.


فقال: أمّا ما ذكرتم من وِتْرِي
إياكم فالحقّ وتركم، وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حق اللّه عنكم ولا
عن غيركم.


وأمّا قتلي قتلة عثمان فلو
لزِمَني قتلُهم اليوم لقتلتُهم أمس؛ ولكنْ لكم عليّ إن خفتموني أن أُؤمِّنَكم وإن
خفتُكم أنْ أُسيرِّكم(19).


وقال اليعقوبي:


وبايع الناس إلا ثلاثة نفر من
قريش: مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، والوليد بن عقبة، وكان لسان القوم. فقال:
يا هذا إنّك قد وترتنا جميعا. أمّا أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر، وأمّا سعيد فقتلت
أباه يوم بدر، وكان أبوه ثور قريش، وأمّا مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين
ضمّه إليه، فتبايعنا على أن تضع عنّا ما أصبنا وتعفي لنا عمّا في أيدينا، ونقتل
قتلة صاحبنا، فغضب عليّ وقال: أمّا ما ذكرت من وتري إيّاكم، فالحق وتركم، وأما
وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حقّ اللّه تعالى؛ وأمّا قتلي قتلة عثمان، فلو
لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب اللّه وسنّة
نبيّه، فمن ضاق عليه الحقّ، فالباطل عليه أضيق، وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم. فقال
مروان: بل نبايعك، ونقيم معك، فترى ونرى(20).


كان هذا خبر اهل المدينة في شأن
بيعة الامام عليّ (ع)، وعندما بلغ الخبر أُمّ المؤمنين عائشة في طريق عودتها إلى
المدينة من الحج وهي تمني نفسها بمبايعة الناس ابن عمها طلحة بالخلافة، قالت:
واللّه ليت هذه انطبقت على هذه ـأي السماء على الارضـ وصاحت ردُّوني ردوني
فانصرفت إلى مكّة وهي تقول: قتل واللّه عثمان مظلوما، لاطلبن بدمه، لليلة من
عثمان خير من عليّ الدهر كله(21).


وفي مكّة التحق بها بنو أُميّة
وحلفاؤهم وانتشر خبرهم واظهر ذلك في من اظهر في المدينة وروى في شأنهم ابن أبي
الحديد وقال:


ظهر ذلك من أمرهم، قال عمار بن
ياسر لاصحابه: قوموا بنا إلى هؤلاء النَّفَر من إخوانكم، فإنّه قد بلغنا عنهم
ورأينا منهم ما نكره من الخلاف، والطعن على إمامهم؛ وقد دخل أهلُ الجفاء بينهم
وبين الزُّبير والاعسر العاقّ ـيعني طلحة ـ.


فقام أبو الهيثم وعمّار وسَهْل بن
حنيف وجماعة معهم، فدخلوا على عليّ(ع) فقالوا: يا أمير المؤمنين! انظر في أمرِك،
وعاتِبْ قومك، هذا الحيّ من قريش فإنهم قد نَقَضُوا عهدك، وأخلفوا وعْدَك، وقد
دعونا في السرّ إلى رفضك، هداك اللّه لرشدك! وذاك لانّهم كَرِهوا الاُسوة، وفقدوا
الاثرة، ولما آسيت بينهم وبين الاعاجم أنكروا، واستشاروا عدوك وعظّموه، وأظهروا
الطلب بدم عثمان فرقةً للجماعة، وتألّفا لاهل الضلالة. فرأيك!


فخرج عليّ (ع) فدخل المسجد، وصعد
المنبر مرتديا بطاقٍ، مؤتزرا ببُردٍ قَطَريّ، متقلّدا سيفا، متوكئا على قوس،
فقال:


أمّا بعد، فإنّا نحمد اللّه ربنا
وإلهنا وولينا، وولي النعم علينا، الّذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، امتنانا
منه بغير حَوْل منا ولا قوة، ليبلُونَا أنشكرُ أم نكفر؛ فمن شكر زاده ومَن كَفَر
عذّبه؛ فأفضلُ الناس عند اللّه منزلة، وأقربهم من اللّه وسيلة، أطوعهم لامره،
وأعملهم بطاعته؛ وأتبعهم لسنّة رسوله (ص)، وأحياهم لكتابه؛ ليس لاحد عندنا فَضلٌ
إلاّ بطاعة اللّه وطاعة الرسول (ص). هذا كتاب اللّه بين أظهرنا، وعهد رسول اللّه
(ص) وسيرته فينا، لايجهلُ ذلك إلاّ جاهلٌ عاند عن الحقّ، منكر، قال اللّه تعالى:


(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ)(22).


ثمّ صاح بأعلى صوته أطيعوا اللّه
وأطيعوا الرَّسول، فإن تَولَّيتُمْ فإنَّ اللّهَ لايحبُّ الكافرين.


ثمّ قال: يا معشر المهاجرين
والانصار أتمنون على اللّه ورسوله باسلامكم، بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم
للايمان إنْ كنتم صادقين.


ثمّ قال: أنا أبو الحسن ـ وكان
يقولها إذا غضب ـ ثمّ قال: ألا إنّ هذه الدنيا الّتي أصبحتم تَمنّونها وترغبون
فيها، وأصبحت تغضِبُكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الّذي خُلقتم له؛ فلا
تغرّنّكم فقد حذرتموها، واستتموا نعم اللّه عليكم بالصّبر لانفسكم على طاعة
اللّه، والذّلّ لحكمه، جل ثناؤه؛ فأمّا هذا الفيء فليس لاحدٍ على أحد فيه أثَرة؛
وقد فرغ اللّه من قسمته؛ فهو مال اللّه، وأنتم عباد اللّه المسلمون؛ وهذا كتاب
اللّه به أقررنا وله أسلمنا، وعهدُ نبينا بين أظهرنا فمن لم يرْض به فليتَولَّ
كيف شاء فإن العامل بطاعة اللّه والحاكم بحكم اللّه لا وحْشة عليه.


ثمّ نزل عن المنبر، فصلّى ركعتين،
ثمّ بعث بعمار بن ياسر، وعبدالرّحمن بن حسل القرشّي إلى طلحة والزُّبير؛ وهما في
ناحية المسجد فأتياهما فدعواهما؛ فقاما حتى جلسا إليه (ع) ؛ فقال لهما: نشدتكما
اللّه؛ هل جئتماني طائعين للبيعة، ودعوتماني إليها، وأنا كارهٌ لها! قالا: نعم،
فقال: غير مجبرين ولا مقسورين، فأسلمتما لي بيعتكما وأعطيتماني عهدكما! قالا:
نعم، قال: فما دعاكما بعدُ إلى ما


أرى؟ قالا: أعطيناك بيعتنا على
ألاّ تقضي الاُمور ولا تقطعها دوننا؛ وأن تستشيرنا في كلّ أمر ولا تستبدّ بذلك
علينا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت؛ فأنت تقسم القَسم وتقطع الامر، وتمضي
الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.


فقال: لقد نقمتما يسيرا؛ وأرجأتما
كثيرا؛ فاستغفرا اللّه يغفر لكما. ألا تخبرانني، أدفعتُكما عن حقٍّ وجب لكما
فظلمتكما إيّاه؟ قالا:


معاذ اللّه! قال: فهل استأثرتُ من
هذا المال لنفسي بشيء؟ قالا: معاذ اللّه! قال: أفوقع حُكم أو حقّ لاحد من
المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه؟ قالا: معاذ اللّه! قال: فما الّذي كرهتما من أمري
حتى رأيتُما خلافي؟ قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القَسم؛ أنّك جعلتَ حقّنا في
القَسم كحقّ غيرنا، وسوّيت بيننا وبين من لا يماثلنا في ما أفاء اللّه تعالى
علينا بأسيافنا ورماحنا وأوجَفنا(23) عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا،
وأخذناه قسرا قهرا، ممّن لا يرى الاسلام إلاّ كرها.


فقال: فأمّا ما ذكرتماه من
الاستشارة بكما فواللّه ما كانت لي في الولاية رغبة؛ ولكنكم دعوتموني إليها،
وجعلتموني عليها؛ فخفت أن أردّكم فتختلف الاُمة، فلمّا أفضت إليّ نظرتُ في كتاب
اللّه وسنّة رسوله فأمضيت ما دلاّني عليه واتبعته، ولم أحتج إلى آرائكما فيه؛ ولا
رأي غيركما، ولو وقع حكمٌ ليس في كتاب اللّه بيانه ولا في السنة برهانه، واحتيج
إلى المشاورة فيه لشاورتُكما فيه؛ وأمّا القسم والاُسوة؛ فإن ذلك أمر لم أحكُم
فيه بادئ بدء! قد وجدت أنا وأنتما رسول اللّه (ص) يحكم بذلك، وكتاب اللّه ناطق
به؛ وهو الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم
حميد. وأمّا قولكُما: جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا؛ سواء بيننا وبين
غيرنا، فقديما سبق إلى الاسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضِّلهم رسول
اللّه (ص) في القسم، ولا آثرهم بالسبق، واللّه سبحانه موفٍ السابق والمجاهد يوم
القيامة أعمالهم؛ وليس لكما واللّه عندي ولا لغيركما إلاّهذا، أخذ اللّه بقلوبنا
وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم الصبر. ثمّ قال: رحم اللّه امرأً رأى حقّا
فأعان عليه، ورأى جَورا فردّه؛ وكان عونا للحق على من خالفه.


قال ابن أبي الحديد:


قال شيخنا أبو جعفر: وقد روي
أنّهما قالا له وقت البيعة: نُبايعك على أنّا شركاؤك في هذا الامر؛ فقال لهما:
لا، ولكنّكما شريكاي في الفيء؛ لا أستأثر عليكما ولا على عبد حبشي مجدّع بدرهم
فما دونه، لا أنا ولا وَلداي هذان؛ فإن أبيتُما إلاّ لفظ الشركة، فأنتما عونان
لي عند العجز والفاقة، لا عند القوّة والاستقامة.


قال أبو جعفر: فاشترطا ما لايجوز
في عقد الامامة وشرط (ع) لهما ما يجب في الدّين والشريعة.


قال ـ رحمه اللّه تعالى ـ: وقد
روي أيضا أنّ الزُّبير قال في ملا من الناس: هذا جزاؤنا من عليّ! قمنا له في أمر
عثمان حتى قُتل؛ فلمّا بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنّا فوقه.


وقال طلحة: ما اللوم إلاّ علينا؛
كنّا معه أهل الشورى ثلاثة؛ فكرهه أحدنا ـيعني سعداـ وبايعناه، فأعطيناه ما في
أيدينا، ومنعنا ما في يده؛ فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجونا أمس؛ ولا نرجو غدا
ما أخطأنا اليوم(24).


وقال الطبري: وسأل طلحة والزُّبير
ان يؤمّرهما على الكوفة والبصرة فقال: ((تكونان عندي فاتجمّل بكما فإنّي وحش
لفراقكما))(25).


وقال اليعقوبي: أنّ طلحة قال:
((ما لنا من هذا الامر إلاّ كلحسة الكلب أنفه))(26).


بقي طلحة والزُّبير في المدينة
أربعة أشهر يراقبان عليّا من قريب، حتّى إذا أيسا منه وبلغهما موقف أُمّ المؤمنين
بمكّة، عزما على الخروج من المدينة، فأتيا عليّا، فقالا:


إنّا نريد العمرة، فأذن لنا في
الخروج، فقال عليّ لبعض أصحابه: ((واللّه ما أرادا العمرة، ولكنّهما أرادا
الغدرة)).


فأذن لهما في الخروج بعد ان جدّدا
له البيعة فخرجا من المدينة والتحقا موكب ام المؤمنين عائشة وساروا جميعا مع من
تبعهما من


بني أُميّة وأعراب البادية إلى
البصرة واقاموا حرب الجمل على الامام عليّ باسم الطلب بدم عثمان وبعدما انتصر
فيها الامام علي عليهم في النصف من جمادي الثانية سنة 36ه قسم بيت المال في
البصرة.


أعطى الناس بالسويّة لم يفضّل
أحدا على أحد، وأعطى الموالي كما أعطى الصلبيّة، وقيل له في ذلك، فقال: قرأت ما
بين الدفّتين، فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضل هذا، وأخذ عودا من الارض،
فوضعه بين إصبعيه(27).


ثمّ سار إلى الكوفة واتخذها كرسي
دولته، وسار منها إلى الشام لاخضاع معاوية الاذي ّظهر العصيان عليه والتقى
الجيشان بصفين سنة ست وثلاثين للهجرة، وجرت تسعون واقعة في عشرة أيام ومائة يوم
كما أوردنا تفصيلها في كتاب أحاديث أُمّ المؤمنين عائشة، ونورد في ما يأتي من
أخبارها ما يلزمنا دراسته في بحوث القرآن الكريم وروايات المدرستين ونقول بحوله
تعالى:


وكان على عهد معاوية ما رواه
المجلسي عن الواقدي وقال:


إن عمر بن ثابت كان يركب بالشام،
ويدور في القرى بالشام، فإذا دخل قرية جمع أهلها ثمّ يقول: أيُّها الناس! ان عليّ
بن أبي طالب كان رجلاً منافقا أراد أن ينخس برسول اللّه (ص) ليلة العقبة فالعنوه
فلعنه أهل تلك القرى، ثمّ يسير إلى القرية الاُخرى فيأمرهم بمثل ذلك(28).


ومن أخبار صفين روى الطبري بسنده،
وتابعه ابن الاثير، واللفظ للاوّل عن ليلة الهرير وقال في ذكره خبر هاشم بن
المرقال قال:


ثمّ انّه مضى في عصابة معه من
القراء فقاتل قتالا شديدا هو وأصحابه عند المساء حتى رأوا بعض ما يسرون به.


قال فانّهم لكذلك إذ خرج عليهم
فتى شاب وهو يقول:


أنا أرباب الملوك غسان


والدائن اليوم بدين عثمان


إنِّي أتاني خبر فأشجان


أن عليّا قتل ابن عفان


ثمّ يشد فلا ينثني حتى يضرب
بسيفه، ثمّ يشتم ويلعن ويكثر الكلام فقال له هاشم بن عتبة: يا عبداللّه! ان هذا
الكلام بعده الخصام، وان هذا القتال بعده الحساب، فاتق اللّه فانك راجع إلى
اللّه، فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به.


قال: فإنّي أُقاتلكم لان صاحبكم
لايصلّي كما ذكر لي وأنتم لاتصلّون أيضا. وأُقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم
اردتموه على قتله.


فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان
إنّما قتله أصحاب محمّد وأبناء أصحابه وقراء الناس حين أحدث الاحداث وخالف حكم
الكتاب وهم أهل الدين وأولى بالنظر في أُمور الناس منك ومن أصحابك وما أظن أمر
هذه الاُمّة وأمر هذا الدين أُهمل طرفة عين.


فقال له: أجل واللّه لا أكذب، فإن
الكذب يضر ولا ينفع.


قال: فان أهل هذا الامر أعلم به
فخله وأهل العلم به.


قال: ما أظنك واللّه إلاّ نصحت
لي.


قال: وأمّا قولك إن صاحبنا
لايصلّي فهو أوّل من صلى وأفقه خلق اللّه في دين اللّه وأولى بالرسول، وأمّا كل
من ترى معي، فكلهم قارئ لكتاب اللّه لا ينام الليل تهجدا فلا يغوينك عن دينك
هؤلاء الاشقياء المغرورون.


فقال الفتى: يا عبداللّه! إنِّي
أظنك امرأً صالحا فتخبرني هل تجد لي من توبة؟


فقال: نعم، يا عبداللّه تب إلى
اللّه يتب عليك، فانّه يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويحبّ المتطهرين.
قال فجشر واللّه الفتى الناس راجعا.


فقال له رجل من أهل الشام: خدعك
العراقي خدعك العراقي قال لا ولكن نصح لي(29).


ولمّا ان عضت الحرب معاوية كرر
على علي طلب الشام، فأبى عليه، ثمّ بان الانكسار في جيش معاوية، فأشار عليهم عمرو
بن العاص برفع المصاحف على الرماح يطلبون الرجوع إلى كتاب اللّه.


وقد أورد أخبارها الطبري وابن
الاثير وابن كثير في تواريخهم، واخترنا لفظ ابن الاثير لايجازه، قال:


فلمّا رأى عمرو ان أمر أهل العراق
قد اشتد، وخاف الهلاك قال لمعاوية: هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلاّ
اجتماعا، ولا يزيدهم إلاّ فرقة.


قال: نعم.


قال: نرفع المصاحف، ثمّ نقول لما
فيها هذا حكم بيننا وبينكم، فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول ينبغي لنا
أن نقبل فتكون فرقة بينهم وان قبلوا ما فيها رفعنا القتال عنا إلى أجل، فرفعوا
المصاحف بالرماح وقالوا: هذا حكم كتاب اللّه عزّ وجلّ بيننا وبينكم، من لثغور
الشام بعد أهله، من لثغور العراق بعد أهله.


وروى نصر بن مزاحم بسنده عن تميم
بن حذلم أنّه قال:


لمّا أصبحنا من ليلة الهرير
نظرنا، فإذا أشباه الرايات أمام صفّ أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية،
فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد رُبطتْ على أطراف الرِّماح، وهي عِظامُ مصاحف
العسكر، وقد شدُّوا ثَلاثة أرماحٍ جميعا وقد ربطوا عليها مصحفَ المسجد الاعظم
يُمْسِكه عشرةُ رهط. وقال أبو جعفر وأبو الطفيل: استقبَلُوا عليّا بمائة مصحفٍ،
ووضعوا في كل مجنَّبةٍ مائتي مصحف، وكان جميعها خمسمائة مصحف(30).


قال الطبري:


فلمّا رآها الناس، قالوا: نجيب
إلى كتاب اللّه، فقال لهم علي:


عباد اللّه امضوا على حقكم وصدقكم
وقتال عدوكم فان معاوية وعمرا وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحاك ليسوا
بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالاً ثمّ رجالاً فكانوا شر
أطفال وشر رجال، ويحكم واللّه مارفعوها إلاّ خديعة ووهنا ومكيدة. فقالوا له لا
يسعنا أن ندعى إلى كتاب اللّه فنأبى أن نقبله.


فقال لهم عليّ: فإنِّي أُقاتلهم
ليدينوا لحكم الكتاب فانّهم قد عصوا اللّه في ما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه،
فقال له مسعر بن فدكي التيمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة من القراء الّذين
صاروا خوارج بعد ذلك:


يا عليّ! أجب إلى كتاب اللّه عزّ
وجلّ إذ دعيت إليه، وإلاّ دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان.


قال: فاحفظوا عني نهيي إيّاكم،
واحفظوا مقالتكم لي فان تطيعوني فقاتلوا وان تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم.


قالوا: ابعث إلى الاشتر فليأتيك.


فبعث عليّ يزيد بن هانئ إلى
الاشتر يستدعيه.


فقال الاشتر: ليست هذه الساعة
الساعة الّتي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي إنِّي قد رجوت أن يفتح اللّه لي، فرجع
يزيد فأخبره وارتفعت الاصوات وارتفع الرهج من ناحية الاشتر.


فقالوا: واللّه ما نراك إلاّ
أمرته أن يقاتل.


فقال علي: هل رأيتموني ساررته؟
أليس كلّمته على رؤوسكم وأنتم تسمعون.


قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلاّ
واللّه اعتزلناك، فقال له:


ويلك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن
الفتنة قد وقعت فأبلغه ذلك فقال الاشتر ألرفع المصاحف؟.


قال: نعم، قال: واللّه لقد ظننت
إنّها ستوقع اختلافا وفرقة إنّها مشورة ابن العاهر ألا ترى إلى الفتح ألا ترى ما
يلقون ألا ترى ما صنع اللّه لنا لن ينبغي أن أدع هؤلاء وأنصرف عنهم.


فقال له يزيد: أتحب أن تظفر وأمير
المؤمنين يسلم إلى عدوه أو يقتل.


قال: لا واللّه سبحان اللّه،
فاعلمه بقولهم فاقبل إليهم الاشتر.


وقال: يا أهل العراق يا أهل الذل
والوهن أحين علوتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما
فيها وهم واللّه قد تركوا ما أمر اللّه به فيها وسنّة من أُنزلت عليه، فامهلوني
فواقا، فإنِّي قد أحسست بالفتح.


قالوا: لا.


قال: امهلوني عدو الفرس فإني قد
طمعت في النصر.


قالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك.


قال: فخبروني عنكم متى كنتم
محقين، أحين تقاتلون وخياركم يقتلون؟ فانتم الان إذا أمسكتم عن القتال مبطلون، أم
أنتم الان محقون، فقتلاكم الّذين لاتنكرون فضلهم وهم خير منكم في النار!


قالوا: دعنا منك يا أشتر قاتلناهم
للّه وندع قتالهم للّه.


قال: خدعتم وانخدعتم، ودعيتم إلى
وضع الحرب فأجبتم، يا أصحاب الجباه السود، كنّا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقا
إلى لقاء اللّه فلا أرى مرادكم إلاّالدنيا، ألا قبحا يا أشباه النيب الجلالة ما
أنتم برائين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون، فسبوه وسبهم وضربوا
وجه دابته بسياطهم وضرب وجوه دوابهم بسوطه فصاح به وبهم علي فكفوا.


وقال الناس: قد قبلنا أن نجعل
القرآن بيننا وبينهم حكما، فجاء الاشعث ابن قيس إلى علي، فقال أرى الناس قد رضوا
بما دعوهم إليه من حكم القرآن فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد، قال ائته
فأتاه فقال لمعاوية لاي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر
اللّه به في كتابه تبعثون رجلاً ترضون به ونبعث نحن رجلا نرضى به نأخذ عليهما أن
يعملا بما في كتاب اللّه لايعدوانه ثمّ نتبع ما اتّفقا عليه.


قال له الاشعث: هذا الحق، فعاد
إلى علي، فأخبره.


فقال الناس: قد رضينا وقبلنا.


فقال أهل الشام: قد رضينا عمرا.


وقال الاشعث وأُولئك القوم الّذين
صاروا خوارج: إنّا قد رضينا بأبي موسى الاشعري.


فقال علي: قد عصيتموني في أوّل
الامر فلا تعصوني الان لا أرى أن أُولي أبا موسى.


فقال الاشعث وزيد بن حصين ومسعر
بن فدكي: لانرضى إلاّ به فانّه قد حذرنا ما وقعنا فيه.


قال علي: فانّه ليس بثقة قد
فارقني، وخذل الناس عني ثمّ هرب منِّي حتّى أمنته بعد أشهر ولكن هذا ابن عباس
أُوليه ذلك.


قالوا: واللّه لا نبالي أنت كنت
أم ابن عباس لا نريد إلاّ رجلاً هو منك ومن معاوية سواء.


قال: فاني أجعل الاشتر.


قالوا: وهل سعر الارض غير الاشتر.


فقال: قد أبيتم إلاّ موسى؟


قالوا: نعم.


قال: فاصنعوا ما أردتم.


فبعثوا إليه وقد اعتزل القتال وهو
بعرض، فاتأه مولى له.


فقال: انّ الناس قد اصطلحوا فقال
الحمد للّه، قال قد جعلوك حكما قال إنّا للّه وإنّا إليه راجعون وجاء أبو موسى
حتى دخل العسكر وجاء الاشتر عليّا.


فقال: ألزنى بعمرو بن العاص،
فواللّه لئن ملات عيني منه لاقتلنه.


وجاء الاحنف بن قيس.


فقال: يا أمير المؤمنين! انّك قد
رميت بحجر الارض وإنِّي قد عجنت أبا موسى وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب
القمر وانّه لايصلح لهؤلاء القوم إلاّرجل يدنو منهم حتى يصير في أكفهم ويبعد حتى
يصير بمنزلة النجم منهم فان أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا أو ثالثا فانّه لم
يعقد عقدة إلاّ حللتها ولا يحل عقدة أعقدها لك إلاّ عقدت أُخرى أحكم منها
فأبى الناس إلاّ أبا موسى والرضا بالكتاب.


فقال الاحنف: ان أبيتم إلاّ موسى
فادفئوا ظهره بالرجال وحضر عمرو بن العاص عند علي ليكتب القضية بحضوره فكتبوا:


بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما
تقاضى عليه أمير المؤمنين.


فقال عمرو: هو أميركم وأما أميرنا
فلا.


فقال الاحنف: لا تمح اسم أمير
المؤمنين فإنِّي أخاف ان محوتها ان لاترجع إليك أبدا لا تمحها وان قتل الناس
بعضهم بعضا، فأبى ذلك عليُّ مليا من النهار ثمّ ان الاشعث بن قيس قال: امح هذا
الاسم فمحاه.


فقال علي: اللّه أكبر سنة بسنة،
واللّه إنِّي لكاتب رسول اللّه (ص) يوم الحديبية فكتب محمّد رسول اللّه (ص)
وقالوا لست برسول اللّه ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فأمرني رسول اللّه (ص) بمحوه
فقلت لا أستطيع فقال أرنيه فأريته فمحاه بيده وقال انّك ستدعى إلى مثلها فتجيب.


فقال عمرو: سبحان اللّه أنشبه
بالكفار ونحن مؤمنون.


فقال علي: يا ابن النابغة ومتى لم
تكن للفاسقين وليا وللمؤمنين عدوا.


فقال عمرو: واللّه لايجمع بيني
وبينك مجلس بعد هذا اليوم أبدا.


فقال علي: إنِّي لارجو ان يطهر
اللّه مجلسي منك ومن أشباهك، وكتب الكتاب:


هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي
طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضى علي على أهل الكوفة ومن معهم وقاضى معاوية على
أهل الشام ومن معهم انّنا ننزل عند حكم اللّه وكتابه وان لا يجمع بيننا غيره وان
كتاب اللّه بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيى ونميت ما أمات فما وجد
الحكمان في كتاب اللّه وهما أبو موسى عبداللّه بن قيس وعمرو بن العاص عملا به وما
لم يجداه في كتاب اللّه فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة، وأخذ الحكمان من علي
ومعاوية ومن الجندين من العهود والمواثيق انّهما آمنان على أنفسهما وأهليهما
والامة لهما أنصار على الّذي يتقاضيان عليه وعلى عبداللّه بن قيس وعمرو بن العاص
عهد اللّه وميثاقه ان يحكما بين هذه الاُمّة لايردانها في حرب ولا فرقة حتّى
يعصيا وأجل القضاء إلى رمضان وان أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه وان مكان قضيتهما مكان
عدل بين اهل الكوفة وأهل الشام.


وشهد الاشعث بن قيس وسعيد بن قيس
الهمداني وورقاء بن سمي البجلي وعبداللّه بن محل العجلي وحجر بن عدي الكندي
وعبداللّه بن الطفيل العامري وعقبة بن زياد الحضرمي ويزيد بن حجبة التميمي ومالك
بن كعب الهمداني ومن أصحاب معاوية أبو الاعور السلمي وحبيب بن مسلمة وزمل بن عمرو
العذري وحمرة بن مالك الهمداني وعبدالرّحمن بن خالد المخزومي وسبيع بن يزيد
الانصاري وعتبة بن أبي سفيان ويزيد بن الحر العبسي.


وقيل للاشتر ليكتب فيها فقال: لا
صحبتني يميني ولا نفعتني بعدها شمالي إن خط لي في هذه الصحيفة ولست على بينة من
ربّي من ضلال عدوي أَوَلستم قد رأيتم الظفر.


فقال له الاشعث: واللّه ما رأيت
ظفرا هلم الينا لا رغبة بك عنا، فقال: بلى واللّه الرغبة عنك في الدنيا للدنيا
وفي الاخرة للاخرة لقد سفك اللّه بسيفي دماء رجال ما أنت خير عندي منهم ولا أحرم
دما.


قال: فكأنّما قصع اللّه على أنف
الاشعث الحمم.


وخرج الاشعث بالكتاب يقرأه على
الناس حتّى مرعلى طائفة من بني تميم فيهم عروة بن ادية أخو أبي بلال فقرأه عليهم
فقال عروة: تحكمون في أمر اللّه الرجال لا حكم إلاّ للّه ثمّ شد بسيفه فضرب به
عجز دابة الاشعث ضربة خفيفة واندفعت الدابة وصاح به أصحاب الاشعث فرجع وغضب
للاشعث قومه وناس كثير من أهل اليمن فمشى اليه الاحنف بن قيس ومسعر بن فدكي وناس
من تميم فاعتذروا فقبل وشكر. وكتب الكتاب يوم الاربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة
سبع وثلاثين.


واتفقوا على ان يوافي أمير
المؤمنين على موضع الحكمين بدومة الجندل أو باذرح في شهر رمضان وقيل لعلي: انّ
الاشتر لايقر بما


في الصحيفة ولا يرى إلاّ قتال
القوم.


فقال علي: وانا واللّه ما رضيت
ولا احببت ان ترضوا فاذا أبيتم إلاّ ان ترضوا فقد رضيت وإذ رضيت فلا يصلح الرجوع
بعد الرضا ولا التبديل بعد الاقرار إلاّ ان يعصى اللّه ويتعدى كتابه فقاتلوا من
ترك أمر اللّه، وأمّاذكرتم من تركه أمري وما أنا عليه فليس من أُولئك فلست اخاف
على ذلك يا ليت فيكم مثله اثنين يا ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوي ما أرى إذا
لخفت عليَّ مؤونتكم ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم وقد نهيتكم فعصيتموني فكنت أنا
وأنتم كما قال أخو هوازن:


وهل أنا إلاّ من غزية إن غوت


غويت وإن ترشد غزية أرشد


واللّه لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة
واسقطت منة واورثت وهنا وذلة، ولمّا كنتم الاعلين وخاف عدوكم الاجتياح واستحر بهم
القتل ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف فدعوكم إلى ما فيها ليفتنوكم عنهم ويقطعوا
الحرب ويتربصوا بكم المنون خديعة ومكيدة فاعطيتموهم ما سألوا وأبيتم إلا ان
تدهنوا وتجيروا وأيم اللّه ما أظنكم بعدها توفقون الرشد ولا تصيبون باب الحزم.


ثمّ رجع الناس عن صفين، فلما رجع
علي خالفت الحرورية وخرجت وكان ذلك أول ما ظهرت وأنكرت تحكيم الرجال، ورجعوا على
غير الطريقأقبلوا فيه أخذوا على طريق البر وعادوا وهم أعداء متباغضون وقد فشا
فيهم التحكيم يقطعون الطريق بالتشاتم والتضارب بالسياط يقول الخوارج يا أعداء
اللّه ادهنتم في أمر اللّه ويقول الاخرون فارقتم امامنا وفرقتم جماعتنا.


وقال:


ولمّا رجع علي من صفين فارقه
الخوارج، وأتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفا ونادى مناديهم ان أمير
القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبداللّه بن الكوّاء اليشكري، والامر
شورى بعد الفتح والبيعة للّه عزّ وجلّ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر(31).


كان ذلكم لفظ ابن الاثير ونورد
باقي الخبر من ترجمة الامام علي بتاريخ ابن عساكر؛ روى بسنده وقال:


أنّ عليّا لما كاتب معاوية وحكّم
الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس حتى نزلوا بأرض يقال لها حروراء من
جانب الكوفة عتبوا عليه وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك اللّه واسم سمّـاك اللّه
به، ثمّ انطلقت فحكمت في دين اللّه الرجال، فلا حكم إلاّ للّه.


فلمّا ان بلغ عليا ما عتبوا عليه
وفارقوا أمره، أذن مؤذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلاّ رجل قد قرأ القرآن،
فلما امتلات الدار من قراء الناس جاء بالمصحف إماما عظيما، فوضعه علي بين يديه
فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدّث الناس!!! فناداه الناس ما تسأل عنه؟
إنّما هو مدادٌ وورق ونحن نتكلم بما روينا منه فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الّذين
خرجوا بيني وبينهم كتاب اللّه، يقول اللّه في كتابه في امرأة ورجل:


(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ
بَيْنِهمَا فَابْعَثُوا حَكَما مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أَهْلِهَا إِن
يُرِيدَا إِصْلاَحا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما
خَبِيرا).(النِّساء / 35)


فأُمّة محمّد (ص) أعظم حقا وحرمة
من امرأة ورجل، ونقموا(32) على أني كاتبت معاوية وكتبت علي بن أبي طالب، وقد
جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول اللّه (ص) بالحديبية حين صالح قومه قريشا فكتب
رسول اللّه (ص): بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قال سهيل: لا أكتب كذا بسم اللّه
الرّحمن الرّحيم. فقال: كيف تكتب؟ فقال: بسمك اللّهمّ. فقال رسول اللّه (ص): اكتب
محمّد رسول اللّه. فقال: لو نعلم أنّك رسول اللّه ما خالفناك. فكتب هذا ما صالح
عليه محمّد بن عبداللّه قريشا. يقول اللّه في كتابه:


(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللّهِ أُسْوَةٌ حَسنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ
وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيرا) (الاحزاب / 21)(33).


ولمّا كان الّذين أقاموا حرب
الجمل وصفين على الامام علي هم رجالات قريش وعادوا الامام بسبب الغائه امتيازاتهم
الّتي حصلوا عليها بعد رسول اللّه (ص) وتسويتهم مع غيرهم من المسلمين كما مرّ بنا
بعض ذلك واستمر في مدّة حكمه في الكوفة على نفس النهج، وقد ذكروا في سياسته في
المال ما رواه الثقفي في كتاب الغارات وقال:


عن عليّ (ع) قال: كان خليلي رسول
اللّه (ص) لايحبس شيئا لغدٍ، وكان أبو بكر يفعل ذلك وقد رأى عمر بن الخطاب في ذلك
رأيا أنْ دوّن الدّواوين وأخّر المال من سنة إلى سنة وأمّا أنا فأصنع كما صنع
خليلي رسول اللّه (ص)(34).


وقال: انّ عليّا (ع) كان ينضح بيت
المال ثمّ يتنفل فيه ويقول: إشهد لي يوم القيامة أنِّي لم أحبس فيك المال على
المسلمين(35).


وقال: أتى عليّا (ع) مال من
اصفهان فقسمه فوجد فيه رغيفا فكسره سبع كُسرٍ ثمّ جعل على كلّ جزء منه كُسرةً ثمّ
دعا أُمرأ الاسباع فأقرع بينهم أيّهم يعطيه أوّلا وكانت الكوفة يومئذٍ
أسباعا(36).


وروى ان الشّعبي قال: دخلت
الرّحبة وأنا غلام في غلمان، فإذا أنا بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) قائما
على صبرتين من ذهب وفضة ومعه مخفقة فجعل يطرد النّاس بمخفقته ثمّ يرجع إلى المال
فيقسمه بين النّاس حتّى لم يبق منه شيء ورجع ولم يحمل إلى بيته منه شيئا، فرجعت
إلى أبي فقلت: لقد رأيت اليوم خير النّاس أو أحمق النّاس، قال: ومن هو يا بنيَّ؟


قلت: رأيت أمير المؤمنين عليّا
(ع) فقصصت عليه الّذي رأيته يصنع، فبكى وقال: با بنيّ بل رأيت خير النّاس(37).


وقال: كان عليّ (ع) يقسم فينا
الابزار، يصرّه صررا والحرف والكمون وكذا وكذا(38).


وفي الغارات للثقفي:


قدم عقيل على عليٍّ (ع) وهو جالسٌ
في صحن مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه.


قال: وعليك السلام يا أبا يزيد.


ثمّ التفت إلى الحسن بن عليٍّ
فقال: قم وأنزل عمّك. فذهب به فأنزله وعاد إليه، فقال له: اشتر له قميصا جديدا
وإزارا جديدا ونعلا جديدة فغدا على عليٍّ (ع) في الثياب، فقال: السّلام عليك يا
أمير المؤمنين.


قال: وعليك السلام يا أبا يزيد.


قال: يا أمير المؤمنين! ما أراك
أصبت من الدّنيا شيئا إلاّ هذه الحصباء؟!


قال: يا أبا يزيد يخرج عطائي
فأُعطيكه... الحديث(39).


وقال: قال عبداللّه بن جعفر بن
أبي طالب لعليّ (ع): يا أمير المؤمنين! لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فواللّه ما
عندي إلاّ أن أبيع بعض علوفتي.


قال له: لا واللّه ما أجد لك شيئا
إلاّ أن تأمر عمَّك أن يسرق فيعطيك(40).


كان عليّ (ع) يقول: يا أهل
الكوفة! إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن، وكانت نفقته
تأتيه من غلّته بالمدينة من ينبع. وكان يطعم الناس الخبز واللحم ويأكل هو الثريد
بالزيت ويكللها بالتّـمر من العجوة، وكان ذلك طعامه، وزعموا أنّه كان يقسم ما في
بيت المال فلا يأتي الجمعة وفي بيت المال شيء، ويأمر ببيت المال في كلّ عشيّة
خميس فينضح المأ ثمّ يصلّي فيه ركعتين(41).


وأنّه كان يضع يده على بطنه
ويقول: والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لا تنطوي ثميلتي على قلّةٍ من خيانة،
ولاخرجنّ منها خميصا(42).


وروى عن أبي رجاء(43) انّه قال:
ان عليّا (ع) أخرج سيفا له إلى السّوق فقال: من يشتري منّي هذا؟ فلو كان معي ثمن
إزار ما بعته.


قال أبو رجاء فقلت له: يا أمير
المؤمنين! أنا أبيعك إزارا وأُنسئك ثمنه إلى عطائك فبعته إزارا إلى عطائه، فلمّا
قبض عطاءه أعطاني حقّي(44).


تقسيم الامام علي بالسويّة
وغضب الاشراف من ذلك:.


روى الثقفي بسنده وقال:


ان امرأتين اتتا عليا (ع) عند
القسمة إحداهما من العرب والاُخرى من الموالي، فأعطى كلّ واحدة خمسة وعشرين درهما
وكرّا من الطّعام، فقالت العربيّة: يا أمير المؤمنين! إنِّي من العرب وهذه امرأة
من العجم؟! فقال عليُّ (ع): إنِّي لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلا على
بني إسحاق(45).


وقال: كان الامام علي (ع) يخطب
فجاء الاشعث، فجعل يتخطى الناس فقال: يا أمير المؤمنين! غلبتنا هذه الحمراء على
وجهك، فغضب، فقال ابن صوحان: ليبيّن اليوم من أمر العرب ما كان يخفى، فقال عليُّ
(ع):


من يعذرني من هؤلاء الضّياطرة
يقبل أحدهم يتقلّب على حشاياه ويهجد قومٌ لذكر اللّه؟! فيأمرني أن أطردهم فأكون
من الظالمين؟


والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة،
لقد سمعت رسول اللّه محمّدا (ص) يقول: (ليضربنّكم واللّه على الدين عودا كما
ضربتموهم عليه بدءا).


قال مغيرة: كان عليُّ (ع) أميل
إلى الموالي وألطف بهم، وكان عمر أشدّ تباعدا منهم.


عن النعمان بن سعد قال: رأيت
عليّا (ع) على المنبر يقول: أين الثّـمودي؟ ـفطلع الاشعث؛ فأخذ كفّا من الحصى
وضرب وجهه فأدماه وانجفل، وانجفل الناس معه ويقول: ترحا لهذا الوجه، ترحا لهذا
الوجه(46).


وقال: كان أشراف أهل الكوفة
غاشّين لعليّ (ع) وكان هواهم مع معاوية، وذلك أنّ عليّا كان لايعطي أحدا من
الفيء أكثر من حقّه، وكان معاوية بن أبي سفيان جعل الشّرف في العطاء ألفي
درهمٍ(47).


وقال ما موجزه:


خاطب معاوية من عنده من أهل الشام
وقال: يا أهل الشّام قد عرفتم حبي لكم، وسيرتي فيكم، وقد بلغكم صنيع علىٍّّ
بالعراق، وتسويته بين الشّريف وبين من لايُعرف قدره.


فقال رجلٌ منهم: لا يهدُّ اللّه
ركنك، ولا يهيض جناحك، ولا يعدمك ولدك، ولا يرينا فقدك.


فقال: فما تقولون في أبي تراب؟ ـ
قال: فقال كلُّ رجلٍ منهم ما أراد، ومعاوية ساكتٌ وعنده عمرو بن العاص ومروان بن
الحكم فتذاكرا عليّا (ع) بغير الحق... الحديث(48).


وقال:


حدّثنا محمّد قال: حدّثنا الحسن
قال: حدّثنا إبراهيم قال: وحدّثني عبداللّه ابن محمّد بن عثمان الثقفي قال:
حدّثنا عليّ بن محمّد بن أبي سيف عن فضيل بن الجعد عن مولى الاشتر قال: شكا عليّ
(ع) إلى الاشتر فرار النّاس إلى معاوية، فقال الاشتر: يا أمير المؤمنين! إنّا
قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة والرأي واحد وقد اختلفوا بعد، وتعادوا
وضعفت النيِّة وقلّ العدد، وأنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحقّ وتنصف الوضيع من
الشّريف، وليس للشّريف عندك فضل منزلةٍ على الوضيع، فضجّت طائفة ممّن معك من الحق
إذ عمّوا به، واغتمّوا من العدل إذ صاروا فيه، وصارت صنائع معاوية عند أهل الغنى
والشّرف؛ فتاقت أنفس النّاس إلى الدّنيا وقلَّ من النّاس من ليس للدنيا بصاحب،
وأكثرهم من يحتوي الحقّ ويستمرئ(49) الباطل ويؤثر الدُّنيا، فإن تبذل المال يا
أمير المؤمنين، تمل إليه أعناق النّاس وتَصْفُ نصيحتهم وتستخلص ودّهم، صنع اللّه
لك(50) يا أمير المؤمنين وكَبَتَ(51) عدوّك وفضَّ جمعهم وأوهن كيدهم وشتّت
أُمورهم إنّه بما يعملون خبير.


فأجابه عليّ (ع) فحمد اللّه وأثنى
عليه وقال: أمّا ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل؛ فإنّ اللّه يقول: (مَنْ عَمِلَ
صَالِحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ
لِلْعَبِيدِ)(52) وأنا من أن أكون مقصِّرا في ما ذكرت أخوف.


وأمّا ما ذكرت من أنّ الحقّ ثقل
عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم اللّه أنّهم لم يفارقونا من جور، ولم يدعوا(53) ـ
إذ فارقونا ـ إلى عدل، ولم يلتمسوا إلاّ دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها،
وليُسألنّ يوم القيامة. أَللدّنيا أرادوا، أم للّه عملوا؟!.


وأمّا ما ذكرت من بذل الاموال
واصطناع الرّجال(54) فإنّا لايسعنا أن نؤتي امرأً من الفيء أكثر من حقّه، وقد
قال اللّه وقوله الحقّ: (كَمْ مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً
بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(55) وبعث اللّه محمّدا (ص) وحده
فكثّره بعد القلّة، وأعزّ فئته بعد الذلّة، وإن يرد اللّه أن يولّينا هذا الامر
يذلّل لنا صعبه ويسهّل لنا حَزنه، وأنا قابلٌ من رأيك ما كان للّه رضا، وأنت من
آمن أصحابي وأوثقهم في نفسي وأنصحهم وأرآهم(56) عندي.


وقال: إن طائفة من أصحاب عليّ (ع)
مشوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين أعط هذه الاموال وفضّل هؤلاء الاشراف من
العرب وقريشٍ على الموالي والعجم ومن تخاف خلافه من النّاس وفراره.


قال: وإنّما قالوا له ذلك، للّذي
كان معاوية يصنع بمن أتاه، فقال لهم عليّ (ع): أتأمرونّي أن أطلب النّصر بالجور؟!
واللّه لا أفعل ما طلعت شمسٌ وما لاحَ في السّماء نجم، واللّه لو كان مالهم لي
لواسيت(57) بينهم، فكيف وإنّما هي أموالهم... الحديث(58).


وقد كان النّاس كرهوا عليّا،
ودخلهم الشّك والفتنة، وركنوا إلى الدُّنيا، وقلّ مناصحوه، فكان أهل البصرة على
خلافه والبغض له، وجلُّ أهل الكوفة وقراؤهم، وأهل الحجاز واهل الشام وقريشٌ
كلّها(59).


وبما ان قريشا هي الّتي بدأت في
قتاله، وحرضت الناس عليه وقادتهم في حرب الجمل وصفين، ثمّ بعث معاوية مَن شنّ
الغارة على اطراف البلاد الّتي كانت تحكم حكم الامام مثل عبداللّه بن عامر
الحضرمي الّذي بعثه إلى البصرة وسفيان بن قيس الغامدي إلى الانبار والنعمان بن
بشير إلى الانبار والضحاك ابن قيس الفهري إلى الحيرة وبسر بن ابي ارطأة إلى مكّة
والمدينة واليمن(60)


فتزعزع حكم الامام علي وخرجت
الخوارج عليه بنهروان، وتجرّأ الناس عليه، فكان الامام يشكو قريشا مثل قوله (ع):


اللّهمّ إنِّي استعديك على قريشٍ
ومن أعانهم! فإنَّهم قطعُوا رَحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على مُنازعتي
أمرا هو لي(61).


وقال:


اللّهمّ إنِّي استعديك على قريش
ومن أعانهم، فانهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا انائي(62).


واستعديك: استعينك، واكفاء الاناء
أو قلبه مجاز عن تضييع حقه.


وكتب في جواب أخيه عقيل بن أبي
طالب:


فدع عنك قريشا وتركاضهم في
الضلال، وتجوالهم في الشِّقاق، وجماحهُم في التِّيه، فإنَّهم قد أجمعوا على حربي
كإجماعهم على حرب رسول اللّه (ص) قبلي، فجزت قريشا عنِّي الجوازي! فقد قطعوا
رحمي، وسلبُوني سُلطان ابن أُمِّي(63).


موجز أخبار المجتمع الاسلامي
على عهد الامام عليّ (ع).


قتل الخليفة عثمان دون أن يعين
خليفة من بعده فملك جماهير المسلمين أمرهم، وهرعوا إلى عليّ يتقدمهم صحابة رسول
اللّه (ص) يطلبون بيعته فأبى عليهم، وألحّت الجماهير عليه، حتى اضطرّ إلى
تلبية طلبهم، فسبق الصحابيان طلحة والزُّبير إلى بيعته ليكون لهما الدالّة عليه
في حكمه، وبدأ الامام حكمه بتقسيم بيت المال بالسويّة، وأعطى كلاّ ً من المهاجرين
والانصار ومواليهم ثلاثة دنانير ولم يفضّل أحدا على احد في العطاء.


فقال الانصاري اليماني: هذا غلامي
بالامس وقد اعتقته اليوم، فقال له: نعطيه كما نعطيك.


وعاتبه القرشي المهاجري على
مخالفته عمر بن الخطاب في تقسيم الاموال وقال له قائلهم: انّك جعلت حقّنا في
القسم كحقّ غيرنا، وسوّيت بيننا وبين من لايماثلنا في ما افاء اللّه علينا
بأسيافنا.


فقال: ان ذلك أمر لم احكم به بادئ
ذي بدء! قد وجدت أنا وأنتما رسول اللّه (ص) يحكم بذلك وكتاب اللّه ناطق به...


وقد ربح الانصاري اليماني في حكم
الامام ما خسره في السابق فقد ولّى على المدينة سهل بن حنيف(64)، وعلى البصرة
عثمان بن حنيف وعلى مصر قيس بن سعد بن عبادة(65)، وفي مقابل ذلك خسر المهاجري
القرشي الّذي كان يعيش على رأس الهرم في النظام الطبقي كلّ امتيازاته فاتفقت
سادات قريش بعضها مع بعض واجتمعوا مع الموتورين من بني أُميّة في مسجد الرسول (ص)
وأسروا القول في ما بينهم ثمّ اجهروا القول، وطلب بنو أُميّة من الامام أن يضع
عنهم ما أصابوا من المال على عهد الخليفة عثمان فقال ليس لي أن أضع حق اللّه عنكم
ولا عن غيركم.


فسكتوا على مضض وبقي طلحة
والزُّبير في المدينة أربعة أشهر يراقبان حكم الامام بعد أن لم يحقق رغبتهما في
توليتهما البصرة والكوفة.


وبلغ أخبار المدينة أُمّ المؤمنين
عائشة وهي في طريق عودتها من الحج إلى المدينة فرجعت إلى مكة وأظهرت الطلب بدم
عثمان وانقلبت من مفتية بقتله إلى طالبة بدمه فالتحق بها الساخطون على الامام
لتسويته في العطاء من قريش يقدمهم طلحة والزُّبير وبنو أُميّة وذهبوا جميعا إلى
البصرة وأقاموا على الامام حرب الجمل باسم الطلب بدم عثمان فسار إليهم الامام من
المدينة في جيش جلّه من الانصار، ولمّا انتصر عليهم في القتال وملك البصرة قسّم
ما في بيت المال في البصرة عليهم بالسويّة ولم يفضّل أحدا على أحد ثمّ اتجه إلى
الكوفة واتخذها عاصمةً لحكمه.


وقادت قريش بزعامة معاوية أهل
الشام لحربه في صفين باسم الطلب بدم عثمان ولمّا بان الانكسار عليهم، رفعوا
القرآن حيلة يطلبون من الامام تحكيمه في ما بينهم، فانطلت الحيلة على جيش الامام،
وأكرهوا الامام على قبول التحكيم، وأن يعيّن من قبله أبا موسى الاشعري، وعين
معاوية عمرو بن العاص فخدع عمرو أبا موسى فخلع الامام ومعاوية وتقدّم بعده عمرو
فنصب معاوية وخلع الامام فأدرك المتنسكون في جيش الامام خطأهم، وقالوا: كفرنا
بقبولنا التحكيم وتبنا، وكفّروا عامّة المسلمين وأحلّوا دماءهم فحاربهم الامام في
نهروان وقتل منهم من حضر القتال، وعاد إلى الكوفة.


وألحّ على تهديم النظام الطبقي
الّذي شيّده الخلفاء قبله واعتاده المجتمع الاسلامي في ربع قرن وساوى في العطاء
ذات مرّة بين امرأة من الموالي وأُخرى عربية فقالت: يا أمير المؤمنين! إنِّي
امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم! فقال: إنِّي لا أجد لبني إسماعيل ـ أي العرب
ـ فضلا على بني إسحاق ـ أي العجم ـ وغضب على الاشعث بن قيس ـ وكان من ملوك كندة
في الجاهلية ـ


لمّا تخطّى الموالي مرّة، وتقدّم
إلى مجلس أمير المؤمنين، ووبّخه وعنّفه. ولمّا كان معاوية يفضّل في العطاء
الرؤساء وأهل الشرف من قبائل العرب على غيرهم مال الرؤساء إليه وهاجروا إليه فمشى
إلى الامام أصحابه وقالوا له: يا أمير المؤمنين!


فضّل في العطاء الاشراف من العرب
وقريش على الموالي والعجم!


فقال: أتأمروني أن أطلب النصر
بالجور واللّه لا أفعل.


هكذا استطاع الامام أن يهدّم ذلك
النظام الطبقي الّذي شيّده الخلفاء قبله واستمرّ زهاء ربع قرن، وأن يعيد إلى
المجتمع العدل الاسلامي الانسانيجاء به الرسول (ص) وكان ذلكم من خصائص المجتمع
الاسلامي في ظل حكم الامام.


ولمّا كانت قريش على رأس هرم ذلك
النظام الطبقي حيث كانت قد حصلت على امتيازات في المجتمع الاسلامي وترى أنّ لها
ميزة على سائر البشر كما يرى بنو إسرائيل أنّ لهم ميزة على سائر البشر وساواهم
الامام بغيرهم من المسلمين الموالي وغير الموالي، قادت قريش الناس إلى قتاله في
الجمل وصفين وفي الغارات على بلاده.


ومن ثمّ كان الامام يشكو قريشا
ويذكرهم بذلك ويقول: اللّهمّ إنِّي أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنّهم قطعوا
رحمي، وأكفأوا إنائي وأجمعوا على حربي كاجماعهم على حرب رسول اللّه (ص).


أخبار القرآن على عهد الامام
عليّ (ع).


أ ـ القراءة والاقراء


بعد أن نجح الخلفاء الثلاثة قبل
الامام علي بتجريد القرآن عن حديث الرسول (ص) وأوصدوا هذا الباب بوجوه المسلمين،
وأمروا بتلاوة النص فقط، فتح وصي الرسول (ص) هذا الباب على مصراعيه، واعاد أمر
اقراء القرآن على ما كان عليه في عهد الرسول (ص)، وحث على نشر حديث الرسول (ص)،
وحث الناس على السؤال عن القرآن مرّة بعد أُخرى كما نراه في الاخبار الاتية:


دعوة عامة للسؤال عن تفسير
القرآن.


أهم أخبار الوصي في دعوته للسؤال
عن تفسير القرآن قوله على المنبر:


(سلوني...) كما رواه ابن عساكر
وغيره واللفظ لابن عساكر عن أبي الطفيل قال:


أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم،
حتى صعد المنبر، فحمد اللّه، وأثنى عليه ثمّ قال: ((يا أيُّها الناس! سلوني قبل
أن تفقدوني فواللّه ما بين لوحي المصحف آية تخفى عليّ في ما أُنزلت ولا أين نزلت
ولا ما عني بها))(66).


وفي رواية قال: سمعت عليّا وهو
يخطب الناس فقال: يا أيُّها الناس! سلوني، فانّكم لاتجدون أحدا بعدي هو أعلم بما
تسألونه مني، ولا تجدون أحدا أعلم بما بين اللوحين منّي، فسلوني(67).


وفي ترجمة الامام علي من
الاستيعاب وتاريخ ابن عساكر والاصابة واللفظ للاوّل عن أبي الطفيل قال: شهدت
عليّا يخطب وهو يقول: سلوني فواللّه لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم، وسلوني عن
كتاب اللّه فواللّه ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم


بنهار أم في سهل أم في جبل(68).


وروى ابن سعد في الطبقات وابن
عساكر بسندين آخرين وقال: قال علي: واللّه ما نزلت آية إلاّ وقد علمت في ما نزلت،
وأين نزلت وعلى من نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا(69).


وروى ابن عساكر عن عمير بن
عبداللّه، قال: خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة فقال: أيها الناس سلوني
قبل أن تفقدوني فبين الجنبين مني علم جم(70).


وروى ـ أيضا ـ عن أبي الطفيل قال:


خطب علي بن أبي طالب في عامه ـ أي
عامه الّذي قتل فيه ـ فقال: يا أيُّها الناس! انّ العلم يقبض قبضا سريعا، وإنِّي
أُوشك أن تفقدوني فاسألوني، فلن تسألوني عن آية من كتاب اللّه إلاّ نبأتكم بها
وفيما أُنزلت وانكم لن تجدوا أحدا من بعدي يحدثكم(71).


وروى ابن عساكر عن ابن شبرمة انّه
قال: ما كان أحد على المنبر يقول: سلوني عن ما بين اللوحين إلاّ علي بن أبي
طالب(72).


عن سعيد بن المسيب قال: لم يكن
أحد من أصحاب النبي (ص) يقول: ((سلوني)) إلاّ علي(73).


وذات مرّة تعرض له ابن الكواء كما
رواه الطبري وغيره عن أبي الطفيل:


قال رأيت أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب (رض) قام على المنبر فقال سلوني قبل ان لا تسألوني ولن تسألوا بعدي
مثلي، فواللّه لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدثتكم به، سلوني عن
كتاب اللّه، فواللّه ما من آية إلاّ انا اعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل نزلت
أم في جبل.


قال: فقام ابن الكواء فقال: يا
أمير المؤمنين! ما الذاريات ذروا؟


قال: ويلك سل تفقُّها، ولا تسل
تعنُّتا.


والذاريات ذروا: الرياح.


قال: فما الحاملات وقرا؟


قال: السحاب.


قال: فما الجاريات يسرا؟


قال: السفن.


قال: فما المقسمات أمرا؟


قال: الملائكة.


قال: فمن الّذين بدَّلوا نعمة
اللّه كفرا وأحلوا قومهم دارَ البوار جهنم؟


قال: منافقو قريش(74).


الامام يحيي سنّة الرسول (ص)
في إقراء القرآن.


في شرح ابن أبي الحديد لنهج
البلاغة بسنده عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (ع) قال: كان علي (ع) إذا صلّى
الفجر لم يزل معقّبا إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين
وغيرهم من الناس فيعلّمهم الفقه والقرآن وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك(75).


دراسة الخبر:.


مرّ بنا في تاريخ القرآن على عهد
الرسول (ص) أنّه كان من سيرته في تعليم القرآن:


أن يعلم أصحابه بمسجده عشر آيات
لا يتعدّونها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.


وعيّن عبادة بن الصامت لاقراء
الفقراء من أهل الصفّة وكان يرسل القرّاء إلى المسلمين خارج المدينة لتعليمهم
القرآن والفقه.


وبناء على ذلك كانت سنّته في إقرأ
القرآن تعليمهم القرآن مع بيان ما فيه من العلم والعمل مع التفقه في الدين وإنما
يتحقق ذلك بتعليم ما جاء من حديث الرسول (ص) في بيان القرآن. وعلى عهد الخليفة
عمر أمر بتجريد القرآن عن حديث الرسول (ص) وتعليمهم تلاوة لفظ القرآن فقط. وبقي
الامر على ذلك زهاء عشرين عاما. وعلى عهد الامام أحيى سنّة الرسول (ص) في إقراء
القرآن فقام بنفسه بتعليم القرآن والفقه للفقراء وغيرهم بمسجده، وتعليم الفقه مع
القرآن يتحقق بتعليم ما جاء من حديث الرسول (ص) في بيان الايات. وهكذا أحيى
الامام سنّة الرسول (ص) في الاقراء.


وأيضا شابه مسجده مسجد الرسول (ص)
في سماع ضجّة من يقرأ القرآن فيه، كما جاء في كنز العمال عن كليب قال:


كنت مع علي، فسمع ضجتهم في المسجد
يقرأون القرآن فقال: طوبى لهؤلاء كانوا أحبّ الناس إلى رسول اللّه (ص)(76).


إهتمام الامام بأمر القرّاء:.


في كنز العمال:


عن علي قال: من وُلدَ في الاسلام
فقرأ القرآن فله في بيت المال في كل سنة مائتا دينار، إن أخذها في الدنيا، وإلاّ
أخذها في الاخرة.


وعن سالم بن أبي الجعد:


أنّ عليا فرضَ لمن قرأ القرآن
ألفين ألفين(77).


دراسة الاخبار:.


على عهد الخلفاء الثلاثة قبل
الامام أمروا بتجريد القرآن عن حديث الرسول (ص) وبلغهم أن نكّلوا بصبيغ بن عسل
لسؤاله عن معنى (الذاريات ذروا) بينما الامام يحرّض المسلمين على تعلّم تفسير
القرآن وفي ذلك العصر كان تفسير القرآن في ما روي عن رسول اللّه (ص)، وبناء على
ذلك فقد كانت سياسة الحكم على عهد الامام نشر حديث الرسول (ص).


وإنّما سأل ابن الكوّاء عن معنى
و(الذاريات ذروا) وقال له الامام: ويلك سل تفقها لانّه ظنّ أن تفسير هذه الاية
معضلة كان يسأل عنها صبيغ في أجناد المسلمين ولم يتلق جوابا فأراد ان يحرج الامام
بسؤاله عن تفسيرها.


وكان أمثال تفسير قول الامام
للاية: (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ...) (إبراهيم / 28
ـ 29)، (منافقو قريش) هي السبب في تجريد حكومة الخلافة القرشية القرآن من حديث
الرسول (ص).


ب ـ أمر تدوين القرآن.


روى السيوطي في الاتقان(78) وقال:


((مرَّ بي علي وأنا أكتب مصحفا،
فقال: أجل قلمك.


فقضمت من قلمي، ثمّ جعلت أكتب،
فقال: نعم هكذا نوِّره كما نوَّره اللّه)).


جلاه: كشف صدأه وصقله، وقضمه:
كسره باطراف أسنانه.


قال المؤلف: ويظهر من الخبر أن
رأس القلم كان قد تشعب وكان يكتب الحروف مشوشة ولما كسر رأسي القلم الّذي كان من
القصب كتب جليا، وكنا نكتب قديما بهذا القلم وإذا كتبنا به كثيرا وتشعب رأس القلم
قططناه بالسكين فيجلو الخط.


كان هذا إرشاد الامام في تحسين خط
القرآن وكتابته واضحة وجلية. وقد أسس نظاما يصان به اللسان عن الخطأ في تلاوة
القرآن كالاتي بيانه بحوله تعالى.


أسس الامام نظاما يصان به
القرآن عن الخطأ في التلاوة:.


مرّ بنا تصوير قلم المصحف في عصر
الرسول (ص) وكيف كانت الحروف فيها مجردة عن التنقيط والحركات والسكنات الّتي تميز
الحروف عن مثيلاتها وتبين نوع الاعراب في أواخر الكلمات، ولم يكن العربي يومذاك
بحاجة إليها فقد تعلم كل ذلك مع تعلمه النطق والتلفظ وهو في حضن أُمّه، وأتقنها
كلما تقدمت سنه ومارس التكلم مع أقرانه، حتى اذا انتشر الاسلام، ودخل فيه اقوام
من العجم وسكن من الفرس عشرات الالوف في بلد الكوفة المركز الاداري لبلاد فارس
واتخذها الامام علي (ع) عاصمة له دعاه ما رآه من حاجة تقويم لسانهم ان يلقي على
تلميذه أبي الاسود أُصول علم النحو تعليما للفرس، تعليما لهم ما يقوّم به لسانهم
أو حفظا للعربي من انتشار اللحن من لسان هؤلاء إلى لسانهم على مر الزمن، وهذا
الخبر مشهور بين العلماء.


قال أبو بكر محمّد بن الحسن
الزبيدي (ت 379ه )(79):


((سئل أبو الاسود الدؤلي عمن فتح
له الطريق إلى الوضع في النحو وارشده اليه فقال: تلقيته من علي بن أبي طالب رحمه
اللّه.


وفي حديث آخر قال: القى اليّ علي
أُصولا احتذيت عليها)).


وقال النديم (ت: 380ه ): ((ان
النحو أُخذ عن أبي الاسود الدؤلي وان أبا الاسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب (ع)، ولما القى اليه شيئا في أُصول النحو، قال أبو الاسود: فاستأذنته أن
أصنع نحو ما صنع، فسمي ذلك نحوا))(80).


وقال ابن خلكان (ت 681ه )
بترجمة أبي الاسود الدؤلي: (انّ عليّا (رض) وضع له ((الكلام كله ثلاثة أضرب: اسم
وفعل وحرف)) ثمّ دفعه اليه، وقال له: تمّم على هذا)(81).


وتواتر نقل هذا الخبر بين العلماء
وكل نقل طرف منه مع اختلاف في اللفظ وبعد دراسة رواياتهم دراسة مقارنة وجدت
أصدقهم قولا أبا الفرج حين قال في الاغاني أوّل خبر أبي الاسود الدؤلي:


وأملى عليه ـ الامام عليّ (ع) ـ
الكلام كلّه لايخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. قال: وهذا المنقول أول كتاب
سيبويه. وقال: ثمّ رسم اصول النحو كلها، فنقلها النحويون، وفرعوها، ثمّ قال: هذا
حفظته وأنا حديث السن فكتبته من حفظي واللفظ يزيد وينقص وهذا معناه(82).


وفي ترجمة أبي الاسود من تاريخ
دمشق لابن عساكر:


قال: كتب معاوية إلى زياد يطلب
عبيد اللّه، فلمّا قدم عليه كلمه، فوجده يلحن فرده إلى أبيه، وكتب إليه كتابا
يلومه فيه، ويقول:


أمثل عبيد اللّه يضيع؟


فبعث زياد إلى أبي الاسود فقال يا
أبا الاسود: ان هذه الحمراء ـ أراد بهم العجم لغلبة الحمرة على ألوانهم ـ قد
أفسدت من ألسُن العرب، فلو وضعت شيئا يصلح به الناس كلامهم، ويعرب به كتاب اللّه.


فأبى ذلك أبو الاسود فوجَّه زياد
رجلا، فقال له: اقعد في طريق أبي الاسود، فاذا مر بك، فاقرأ شيئا من القرآن،
وتعمد اللحن فيه، ففعل ذلك، فلمّا مرّ به أبو الاسود رفع صوته يقرأ (ان اللّه
بريء من المشركينَ وَرَسُولِه) فاستعظم ذلك أبو الاسود فقال عزّ وجه اللّه أن
يتبرأ من رسوله، ثمّ رجع من فوره إلى زياد، فقال: قد جئتك إلى ما سألت ورأيت أن
أبدأ بإعراب القرآن، فابعث إلى ثلاثين رجلا.


فاحضرهم زياد فاختار منهم أبو
الاسود عشرة، ثمّ لم يزل يختارهم حتّى اختار منهم رجلا من عبدالقيس، فقال خذ
المصحف وصبغا يخالف لون المداد، فاذا فتحتُ شفتي، فانقط واحدة فوق الحرف، واذا
ضممتها، فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، فاذا كسرتُهما، فاجعل النقطة في اسفل
الحرف، فإذا اتبعت شيئا من هذه الحركات عنه فانقط نقطتين.


فابتدأ بالمصحف، حتى أتى على
آخره، ثمّ وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك(83).


وقال القفطي (ت 624ه ) في كتابه
انباه الرواة:


ذكر أوّل من وضع النحو وما
قاله الرواة في ذلك:.


الجمهور من أهل الرواية على أن
أول من وضع النحو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) ؛ قال أبو الاسود الدؤلي:
دخلت على أمير المؤمنين علي(ع) فرأيته مطرقا مفكرا، فقلت: فيم(84) تفكر يا أمير
المؤمنين؟


فقال: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن
أصنع كتابا في أُصول العربية.


فقلت له: ان فعلت هذا أبقيت
فينا(85). هذه اللّغة العربيّة، ثمّ أتيته بعد أيّام، فألقى إليَّ صحيفة فيها:


(بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،
الكلام كلّه اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمَّى، والفعل ما أنبأ عن حركة
المسمَّى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل).


ثمّ قال: ((تتبعه وزد فيه ما وقع
لك. واعلم أنّ الاشياء(86) ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنّما
يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر)).


فجمعت أشياء وعرضتها عليه، فكان
من ذلك حروف النصب، فذكرت منها: إنَّ وأن، وليت، ولعلَّ، وكأنَّ، ولم أذكر لكن،
فقال: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بلى هي منها، فزدها فيها.


هذا هو الاشهر من أمر ابتداء
النحو. وقد تعرض الزجَّاجي أبوالقاسم إلى شرح هذا الفصل من كلام علي، كرم اللّه
وجهه.


ورأيت بمصر في زمن الطلب بأيدي
الوراقين جزءا فيه أبواب من النحو، يجمعون على أنّها مقدمة علي بن أبي طالب الّتي
أخذها عنه أبو الاسود الدؤلي.


وروى أيضا عن أبي الاسود قال:
دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فأخرج لي رقعة فيها: (الكلام كله
اسم وفعل وحرف جاء لمعنى). قال: فقلت: ما دعاك إلى هذا؟


قال: رأيت فسادا في كلام بعض
أهلي، فأحببت أن أرسم رسما يعرف به الصواب من الخطأ.


فأخذ أبو الاسود النحو عن عليّ
(ع) ولم يظهره لاحد.


ثمّ إن زيادا سمع بشيء مما عند
أبي الاسود(87)، ورأى اللحن قد فشا، فقال لابي الاسود: أظهر ما عندك ليكون للناس
إماما. فامتنع من ذلك، وسأله الاعفاء، حتّى سمع أبو الاسود قارئا يقرأ: (أن اللّه
بريء من المشركين ورسوله) بالكسر، فقال: ما ظننت أمر الناس آل إلى هذا. فرجع إلى
زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الامير، فليبغني(88) كاتبا لقنا(89) يفعل ما أقول،
فأتى بكاتب من عبدالقيس(90)، فلم يرضه، فأتى بكاتب آخر ـ قال المبرد: أحسبه منهم
ـ فقال له أبو الاسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه،
وإن ضممت فمي، فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت، فاجعل نقطة من تحت الحرف، وإن
مكنت(91) الكلمة بالتنوين فاجعل أمارة ذلك نقطتين، ففعل ذلك، وكان أول ما وضعه
لهذا السبب.


وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل
والتصحيح أن أول من وضع النحو عليّ ابن أبي طالب ـ كرم اللّه وجهه ـ وأخذ عنه أبو
الاسود الدؤلي، وأخذ عن أبي الاسود الدؤلي نصر بن عاصم البصري، وأخذ عن نصر أبو
عمرو بن العلاء البصري، وأخذ عن أبي عمرو الخليل بن أحمد، وأخذ عن الخليل(92)
سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر(93)، وأخذ عن سيبويه أبو الحسن سعيد بن
مسعدة الاخفش الاوسط، وأخذ عن الاخفش أبو عثمان بكر بن محمّد المازني الشيباني
وأبو عمر الجرمي، وأخذ عن المازني والجرمي أبو العباس محمّد بن يزيد المبرد، وأخذ
عن المبرد أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن السراج، وأخذ عن ابن السراج أبو علي
الحسن بن عبد الغفار الفارسي(94).


وكذلك وجدت أتم الروايات وأصوبها
ما رواها أبو عبداللّه ياقوت الحموي بسنده عن أبي الاسود الدؤلي، قال: دخلت على
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) فرأيته مطرقا مفكّرا، فقلت: فيمَ تفكّر يا
أمير المؤمنين؟ قال: إنِّي سمعت ببلدكم هذا لحنا، فأردت أن أضع كتابا في أُصول
العربية.


فقلت: إن فعلت هذا يا أمير
المؤمنين أحييتنا، وبقيت فينا هذه اللّغة.


ثمّ أتيته بعد أيام فألقى إليَّ
صحيفة فيها:


بسم اللّه الرّحمن الرّحيم:
الكلام كلُّه اسم وفعل وحرف، والاسم ما أنبأ عن المسمَّى، والفعل ما أنبأ عن حركة
المسمَّى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل. ثمّ قال لي: تتبعه وزد فيه
ما وقع لك، واعلم يا أبا الاسود أن الاشياء ثلاثة: ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر
ولا مضمر. قال: فجمعت منه أشياء، وعرضتها عليه، وكان من ذلك حروف النصب، فكان
منها إن وأن وليت ولعل وكأن ولم أذكر لكن. فقال لي: لِمَ تركتها؟ فقلت: لم أحسبها
منها. فقال: بل هي منها فزدها فيها(95).


سبب وضع النحو:.


وسبب وضع عليّ (ع) لهذا العلم ما
روى أبو الاسود قال: دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) فوجدت في يده
رقعة. فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: إنِّي تأملت كلام الناس فوجدته قد
فسر بمخالطة هذه الحمراء ((يعني الاعاجم)) فأردت أن أضع لهم شيئا يرجعون إليه
ويعتمدون عليه. ثمّ ألقى إليَّ الرقعة وفيها مكتوب ((الكلام كله اسم وفعل وحرف
فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أُنبئ به، والحرف ما جاء لمعنى)) وقال لي:
أُنحُ هذا النحو وأضف إليه ما وقع إليك. واعلم يا أبا الاسود أنّ الاسماء ثلاثة:
ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر، وانما يتفاضل الناس يا أبا الاسود في ما ليس
بظاهر ولا مضمر، وأراد بذلك الاسم المبهم.


ثمّ قال: وضعت بابي العطف والنعت،
ثمّ بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب (إن وأخواتها) ما خلا لكن فلما
عرضتها على عليّ (ع) أمرني بضم لكن إليها، وكنت كلما وضعت بابا من أبواب النحو
عرضته عليه (ع) إلى أن حصلت ما فيه الكفاية قال: ((ما أحسن هذا النحو الّذي قد
نحوت)) فلذلك سمي النحو.


وكان أبو الاسود ممّن صحب أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) وكان من المشهورين بصحبته ومحبته ومحبة أهل بيته
وفي ذلك يقول:


يقول الارذلون بنو قشير


طوال الدهر لاتنسى عليا


فقلت لهم فكيف يكون
تركي


من الاشياء ما يحصى عليا


أُحب محمّدا
حُبَّا شديدا


وعبَّاسا وحمزة والوصيا


فإن يك حبُّهم رشدا
أُصبه


وفيهم اسوة إن كان غيا


فكم رشدا أصبت وحزت
مجدا


تقاصر دونه هامُ الثُّريا


وكان ينزل البصرة في بني قشير،
وكانوا يرجمونه بالليل لمحبته عليا وأهل بيته فاذا ذكر رجمهم له قالوا: ان اللّه
يرجمك.


فيقول لهم تكذبون، لو رجمني اللّه
أصابني. ولكنكم ترجمون فلا تصيبون.


وروى ان سبب وضع علي (ع) بهذا
العلم انّه سمع اعرابيا يقرأ: لا يأكله إلاّالخاطئين، فوضع النحو.


وفي نزهة الالباء في طبقات
الاُدباء، ذكر من نسب وضع علم النحو لغير الا مام عليّ، ثمّ قال:


والصحيح ان أوّل من وضع النحو
عليّ بن أبي طالب (ع)، لانّ الروايات كلّها تسند إلى أبي الاسود، وأبو الاسود
يسنده إلى علي، فانّه روي عن أبي الاسود انّه سئل فقيل له: من أين لك هذا النحو؟
قال: لفقت حدوده من عليّ ابن أبي طالب(96).


* * *.


وبعد أن علم الامام علي (ع) أبا
الاسود علم النحو أخذ من أبي الاسود من جاء بعده جيلاً بعد جيل ، ورجح عندنا
تسلسل طبقات النحويين كما رسمناه في الجدول الاتي بعيد هذا.


من أخذ النحو عن أبي الاسود:.


قال ابن الانباري:


وأخذ عن أبي الاسود عنبسة
الفيل(97)، وميمون الاقرن(98)، ونصر بن عاصم وعبدالرّحمن بن هرمز(99)4، ويحيى بن
يعمر...(100).


وقال في آخر الكتاب...


وأخذه سيبويه عن الخليل بن أحمد،
وأخذه الخليل(101) عن عيسى بن عمر، وأخذه عيسى بن عمر عن ابن أبي إسحاق، وأخذه
ابن أبي إسحاق عن ميمون الاقرن، وأخذه ميمون الاقرن عن عنبسة الفيل عن أبي الاسود
الدؤلي، وأخذه أبو الاسود الدؤلي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رض) على ما
قدمناه في أوّل الكتاب(102).


ج ـ القرّاء.


من أخبار القرّاء في عصر الامام
علي:


وبلغ كثرة القرّاء في البلاد
الاسلامية إلى حد أنّه خرج على الامام علي بعد تحكيم الحكمين ثمانية آلاف من
قرّاء الناس من بلد الكوفة(103).


وبسبب كل ما ذكرنا، ولم يكن يولد
مولود في أي بقعة أرض من أراضي المسلمين ولا يعتنق الاسلام انسان ما على وجه
الارض منذ عصر الرسول (ص) حتى عصر الامام علي (ع) إلاّ ويشترك مع سائر المسلمين
في حلبة السباق في تقارؤ القرآن مؤمنا كان أم منافقا فالمؤمن طلبا لرضا اللّه،
وأمّا المنافق طلبا للشهرة في مجتمع كان القرآن فيه ميزانا للمفاضلة بين أهله،
ولذلك لما انتشرت الفتوح في عصر الخليفة عمر بلغ عدد القرّاء بين المسلمين عدد
لايحصيه غير اللّه سبحانه.


د ـ حصيلة الاخبار.


آثار تأسيس علم النحو:


أ ـ حفظ النص القرآني من التحريف
والتغيير منذ عصره إلى اليوم وإلى أبد الدهر.


ب ـ استفادة الاُمم الاسلامية من
ضبط الكلمات بالحركات الاعرابية في لغاتها أبد الدهر كما يرى ذلك في الجدول
الاتي:


.


.


.


.


.


الهوامش.


*1
مرت مصادر هذا البحث وتفصيله في خصائص المجتمع الاسلامي على عهد عثمان.


*2
سنن الدارمي 1 / 136 ـ 137 وطبقات ابن سعد 2 / 354.


*3
صحيح البخاري، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل 1 / 16.


*4
فتح الباري 1 / 170 ـ 171.


*5
1 / 18.


*6
2 / 343.


*7
حنش في الاصابة، رجل من غفار.


*8
2 / 171 ـ 173.


*9
يظهر من سياق الخبر أنّ أبا ذرّ كان يفعل ذلك في مسجد الرسول في موسم الحجّ كفعله
في منى وبباب الكعبة، فإنّه لو كان في غير موسم الحجّ لم يكن بحاجة إلى أن
يُعرِّف نفسه لاخوته الّذين كانوا يعاشرونه في المدينة.


*10
في النسخة المطبوعة: (فالاوّل)، تصحيف.


*11
تاريخ اليعقوبي 2 / 171 ـ 172.


*12
الطبري 5 / 153 ط. أوربا 1 / 3066، وراجع الكنز 3 / 161 ح 2471 فإنّه يروي تفصيل
بيعة عليّ ومجيء طلحة والزُّبير إليه وامتناعه عن البيعة... وكذلك حكاه ابن أعثم
بالتفصيل في ص 160 ـ 161 من تأريخه، وط. الثانية، 2 / 250 ـ 252.


*13
الانساب 5 / 70. وقد روى الحاكم في المستدرك 3 / 114 تشاؤم علي من بيعة طلحة.


*14
الطبري 5 / 153 وط. اوربا 1 / 3068.


*15
دول الاسلام للذهبي ط. الهيئة المصرية بمصر عام 1974 ص 28.


*16
تاريخ اليعقوبي 2 / 178 ـ 179.


*17
الروقة: الحسان.


*18
سورة الزخرف / 78.


*19
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ط. مصر 7 / 37 ـ 39.


*20
تاريخ اليعقوبي 2 / 179.


*21
تاريخ فتوح أعثم 2 / 248.


*22
سورة الحجرات 13.


*23
ما أوجفنا: ما أعملنا.


*24
شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 172 ـ 173.


وطبعة تحقيق محمّد أبوالفضل
إبراهيم. القاهرة / دار إحياء الكتب العربية 7 / 29 ـ 42.


*25
الطبري ط. القاهرة دار المعارف 4 / 429، وط. اوربا 1 / 3069؛ وابن كثير 6 / 227 ـ
228.


*26
تاريخ اليعقوبي 2 / 180.


*27
تاريخ اليعقوبي 2 / 183.


*28
عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي من التابعين، تهذيب التهذيب 7 / 430، والغارات
للثقفي ص 397، والبحار ط. الكمباني 8 / 735.


*29
الطبري ط. اوربا 1 / 3323، تاريخ الكامل لابن الاثير 3 / 124 ـ 125.


*30
وقعة صفين لنصر بن مزاحم، ط. مصر سنة 1382ه ص 478.


تميم بن حذلم بالحاء المهملة
والدال المعجمة وزان جعفر ـ ويقال حذيم ـ الناجي الضبي. الكوفي، أبو سلمة، شهد مع
علي وكان من خواصه. قال ابن حجر: ((ثقة، مات سنة مائة)). (تهذيب التهذيب
والتقريب).


والمجنبة، بكسر النون المشدّدة:
ميمنة الجيش وميسرته؛ وبفتحها: مقدمة الجيش.


*31
تاريخ الكامل لابن الاثير 3 / 126 ـ 130.


*32
ونقموا في ـ النص ـ: نقما والصواب كما أثبتناه من مصورة المجمع العلمي الاسلامي
12/ 2 ورقة 182 / أ.


*33
تاريخ ابن عساكر، ترجمة الامام عليّ (ع) 3 / 153 ـ 154، الحديث 1194.


*34
الغارات للثقفي ط. بيروت سنة 1407ه ص 32، وط. طهران ص 48.


*35
الغارات ص 33، وفي ط. طهران ص 50.


*36
الغارات ص 34، وفي ط. طهران ص 50.


*37
الغارات ص 36، وط. طهران ص 55؛ وشرح نهج البلاغة 1 / 180.


والشعبي هو أبو عمرو عامر بن
شراحيل بن عبد أو عامر بن عبداللّه بن شراحيل الشعبي ـمن شعب همدانـ الحميري
الكوفي الفقيه المعروف (انظر تهذيب التهذيب 5 / 65 وجامع الرواة 1 / 427).


*38
الغارات ص 38، وفي ط. طهران ص 60.


والابزار جمع بزر وهو كل حب ينثر
للنبات أو المراد به ما يطيب به الغذاء، والحرف ـ بالضم ـ حبّ الرشاد والكمون
كتنور: حب معروف.


*39
الغارات، باب سيرة علي (ع) في المال، وفي الاصل (فأُعطيكاه) تحريف، ص 41، وط.
طهران ص 64.


*40
الغارات ص 43، وط. طهران ص 67.


(علوفتي) والعلوفة: الناقة أو
الشاة تعلفها ولا ترسلها يستوي بهذا الاسم الواحد والجميع.


عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب.
يكنى أبا جعفر أُمّه أسماء بنت عميس ولدته بالحبشة وهو أوّل مولود في الاسلام
بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه المدينة وحفظ عن رسول اللّه (ص) وروى عنه وكان كريما
جوادا حليما يسمى بحر الجود وقطب السّخاء، واخباره في جوده وحلمه وكرمه كثيرة
لاتحصى توفي سنة 80 عام الحجاف (وعام الحجاف سمي بذلك لانّه جاء سيل عظيم ببطن
مكّة فحجف الحاج وذهب بالابل عليها أحمالها) ودفن بالبقيع وقيل: توفي سنة أربع أو
خمس وثمانين وله تسعون سنة (الاستيعاب 2 / 257، أُسد الغابة 3 / 134، الاصابة،
حرف العين ق 1).


*41
الغارات ص 45، وط. طهران ص 69. وفي معجم البلدان ((ينبع حصن به نخيل ومأ وزروع
وبها وقوف لعلي بن أبي طالب (رض) )). وفي مجمع البحرين: ((قيل لمّا قسم رسول
اللّه (ص) الفيء أصاب علي (ع) أرضا فاحتفر عينا فخرج مأ ينبع في المأ كهيئة عنق
البعير فسماها ينبع)).


العجوة ـ بفتح العين وسكون الجيم
ـ ضرب من أجود التمر بالمدينة ونخلتها تسمى لينة بكسر اللاّم.


*42
الغارات ص 40، وط. طهران ص 63.


والثميلة ـ كسفينة ـ: ما يكون فيه
الطعام والشراب من الجوف، والخميص: الجائع يقال: خمص إذا جاع فهو خميص.


*43
هو أبو رجاء التيمي من تيم الرباب الضبي.


*44
نفس المصدر السابق.


*45
الغارات ص 341، وط. طهران ص 70.


*46
شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده 4 / 544 ط. مصر؛ والغارات ط. طهران ص 501.


الحمراء: الموالي قال ابن الاثير
في النهاية مادّة حمر في حديث علي، غلبتنا عليك هذه الحمراء يعنون العجم والروم،
والعرب تسمي الموالي: الحمراء.


قال ابن الاثير في النهاية مادّة
ضيطر بعد أن ذكر حديث الامام: ((الضياطرة: الضخام الّذين لا غناء عندهم، الواحد
ضيطار)) والحشايا: الفراش واحدها حشيّة بالتشديد.


والمراد المغيرة الضّبّي. وانجفل
الناس: أسرعوا الهرب. والمراد بالترح هنا الهلاك والانقطاع.


*47
الغارات ص 29، وط. طهران ص 44 ـ 45.


*48
الغارات ص 377 وراجع تمام الخبر في الكتاب.


*49
يجتوري: يكره، ويستمرئ: يجد مريئا أي هنيئا سائغا.


*50
صنع اللّه للعبد: ما يفعله سبحانه له من الخير.


*
51 كبت اللّه العدو كبتا: أذله وأهانه، وبابه ضرب.


*52
سورة فصلّت / 46.


*53
ظ (( ولم يلجأوا)) وفي شرح نهج البلاغة م 1 / 180 ((ولا لجأُوا إذ فارقونا)).


*54
الاصطناع ـ هنا ـ: الاستمالة بالمال.


*55
سورة البقرة / 249.


*56
وأرآهم: أسدهم رأيا.


*57
والمواساة بالشيء: الاشتراك فيه، يقال: آساه بماله مواساة أي جعله أُسوته فيه،
كما يقال: واساه أيضا.


*58
الغارات ص 47 ـ 48، وط. طهران ص 71 ـ 75.


*59
الغارات / 48.


*60
راجع الغارات للثقفي ص 307 ـ فما بعد.


*61
نهج البلاغة، الخطبة 170 و 215، والغارات ص 204 و 392.


*62
نهج البلاغة، الخطبة 170 و 215، والغارات ص 204 و 392.


*63
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد طبعة دار إحياء الكتب العربية 16 / 148 والطبعة
المصرية الاُولى 4 / 55. ونهج البلاغة شرح محمّد عبده 3 / 67 ـ 68. (الكتاب /
36).


وتركاضهم: مبالغة في الركض
واستعارة لسرعة خواطرهم في الضلال وكذلك التجوال من الجول والجولان، والشقاق
الخلاف، وجماحهم:


استعفاءهم على سابق الحق، والتيه:
الضلال والغواية، والجوازي جمع جازية بمعنى المكافأة دعاء عليهم بالجزاء على
أعمالهم.


*64
تاريخ الاسلام للذهبي، سنة ست وثلاثين 2 / 148.


*65
تاريخ اليعقوبي (2 / 178).


*66
ترجمة الامام عليّ (ع) من تاريخ ابن عساكر 3 / 20.


وأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي
ولد عام أُحد (ت 110ه ) وهو آخر من مات من الصحابة، أخرج الحديث جميع أصحاب
الصحاح. تقريب التهذيب 1 / 389.


*67
ترجمة الامام علي من تاريخ ابن عساكر 3 / 22.


*68
ترجمة الامام علي من الاستيعاب 2 / 463، وتاريخ ابن عساكر 3 / 22، وشواهد التنزيل
1 / 31، وأنساب الاشراف 2 / 99، والاصابة 4 / 269 ـ 270.


*69
طبقات ابن سعد 2 / 338؛ وتاريخ ابن عساكر 2 / 21؛ وحلية الاولياء 1 / 67؛ وشواهد
التنزيل 1 / 33.


*70
ترجمة الامام علي (ع) من تاريخ ابن عساكر 3 / 24.


وعمير بن عبداللّه الهلالي أبو
عبداللّه المدني مولى أُمّ الفضل ويقال له مولى ابن عباس، أخرج حديثه البخاري
ومسلم وغيرهما. (تقريب التهذيب 2 / 86).


*71
ترجمة الامام علي (ع) من تاريخ ابن عساكر 3 / 20.


*72
تاريخ ابن عساكر 3 / 24.


وعبداللّه بن شبرمة الضبي (ت
144ه ) ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الصحاح. تقريب التهذيب 1 / 422.


*73
تاريخ ابن عساكر 3 / 24.


وسعيد بن المسيب بن حزن المخزومي
قال ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب 1/ 305: أحد العلماء الاثبات، أخرج حديثه
جميع أصحاب الصحاح، مات بعد التسعين.


*74
قد جاء في تفسير أول سورة (والذاريات)، وكتب الحديث الاتي ذكرها طرفا من هذه
الرواية فجمعنا بعضها إلى البعض الاخر وأوردناها في سياق واحد في تفسير الذاريات.


تفسير الطبري 26 / 116؛ ومستدرك
الحاكم وتلخيصه 2 / 466 ـ 467 وصححاه.


وفي فتح الباري أخطأ فقد ذكر بدل
المقسمات أمرا، والمدبرات امرا 10 / 221؛ وتهذيب التهذيب 7 / 338؛ وكنز العمال 2
/ 357.


وابن الكواء: عبداللّه بن عمرو
اليشكري من عتاة الخوارج، قرأ في صلاة الجماعة جهرا (... لئن أشركت ليحبطنّ
عملك...) الزُّمر / 65، فسكت الامام حتّى أنهى الاية فاستمر الامام في قراءته
فأعاد ابن الكواء قراءة الاية جهرا إلى ثلاث مرات فقرأ الامام: (فاصبر إنّ وعد
اللّهِ حقّ ولا يستخفنك الّذين لايوقنون) الروم / 60.


نسبه في جمهرة أنساب العرب ط.
القاهرة عام 1382 ه ص 308؛ والاشتقاق لابن دُريد ط. القاهرة سنة 1378ه،
ص 340؛ والكنى والالقاب ط.


بيروت سنة 1352ه 1 / 383.


*75
شرح نهج البلاغة، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم، ط. الحلبي القاهرة سنة 1379 ه
4 / 109.


*76
كنز العمال ط. بيروت سنة 1409ه 2 / 288 رقم الحديث 4045، وط. حيدرآباد
الدكن الثانية 2 / 185.


وكليب بن وائل بن هبّار التيمي
اليشكري الكوفي أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي. ترجمته في تهذيب التهذيب
8 / 446 ـ 447؛ وتقريب التهذيب 2 / 136.


*77
كنز العمال 2 / 339 الحديث رقم 4185 و4186، وطبعة حيدر آباد الدكن الثانية 2 /
219.


وسالم بن أبي الجعد واسم الجعد
رافع الاشجعي ـ مولاهم ـ الكوفي، تابعي، روى عن الامام علي وصحابة آخرين، ثقة،
كثير الحديث (ت: 99 أو 100 أو 101ه) ترجمته بتهذيب التهذيب 3 / 432.


*78
الاتقان 2 / 170.


*79
طبقات النحويين، بترجمة أبي الاسود ص 13.


*80
الفهرست للنديم المقالة الثانية، الفن الاول من أخبار النحويين 59 ـ 60 وط.
الجديدة ص 45.


*81
وفيات الاعيان 2 / 216؛ والبداية والنهاية لابن كثير 8 / 312.


*82
الاغاني 12 / 302، وط. ساسي 11 / 101.


*83
تاريخ ابن عساكر ترجمة أبي الاسود الدؤلي.


*84
في الاصل: ((فيما تفكر)).


*85
في رواية ياقوت عن الزجاج: ((إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا، وبقيت فينا
هذه اللّغة)) معجم الاُدباء 14 / 49.


*86
وكذا في معجم الاُدباء 14 / 49؛ وفي نزهة الالباء ص 5: ((أن الاسماء))، وهو أوفق.


*87
أي علم النحو الّذي أخذه عن الامام عليّ كما مرّ بنا خبره.


*88
يقال: أبغني الشيء، أي أعني على طلبه.


*89
اللقن: سريع الفهم.


*90
عبدالقيس: قبيلة من أسد، وكانت ديارهم في تهامة، ثمّ خرجوا منها إلى البحرين.


*91
في أخبار النحويين للسيرافي ص 16: ((فان أتبعت شيئا من ذلك غنة، فاجعل مكان
النقطة نقطتين)).


*92
زيادة تقتضيها صحّة الرواية، ولم يذكر أحد من واضعي التراجم أن سيبويه أخذ عن أبي
عمرو بن العلاء. والروايات تجمع على أنّه أخذ عن الخليل، وهذا أخذ عن أبي عمرو بن
العلاء. أُنظر ابن خلكان 3 / 133؛ وابن كثير 11 / 70.


*93
قنبر، بضم ثمّ فتح وسكون. كذا ضبطه في تاريخ العروس 3 / 508.


*94
القفطي؛ أنباه الرواة تأليف أبي الحسن علي بن يوسف القفطي 1 / 4 ـ 6 ط. القاهرة
سنة 1369.


*95
معجم الاُدباء (14 / 49 ـ 50)؛ وراجع أنباه الرواة للقفطي 1 / 4.


*96
نزهة الالبّاء في طبقات الاُدباء، ص 18 ـ 22.


*97
عنبسة بن معدان الفيل، أُنظر الزبيدي، طبقات النحويين: 24، ياقوت الحموي، معجم
الاُدباء 6 / 91.


*98
ميمون الاقرن النحوي، أُنظر السيوطي، بغية الوعاة 401، الزبيدي، طبقات: 24 با،
أبو الطيب اللغوي، مراتب النحويين 20، ياقوت، إرشاد، 19 / 209.


*99
عبدالرّحمن بن هرمز المتوفى 117ه أُنظر السيرافي، أخبار النحويين
البصريين: 21؛ السمعاني، الانساب: 144؛ السيوطي، البغية: 303؛ ابن الاثير، الكامل
4 / 224، ابن عساكر 23 / 463؛ الذهبي، تذكرة الحفاظ 1 / 91؛ ابن حجر، تهذيب
التهذيب 6 / 209؛ ابن العماد، شذرات الذهب 1 / 153؛ الزبيدي، طبقات: 20؛ ابن سعد،
طبقات 5 / 209؛ ابن الجزري، طبقات القراء 1 / 381؛ النديم، الفهرست 39.


*100
نزهة الالبّاء في طبقات الاُدباء، ص 22.


*101
الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي، الازدي كان إماما في النحو وهو أوّل من استخرج
علم العروض وله من الكتب: كتاب العين في اللّغة وكتاب العروض وكتاب النقط والشكل
ومنه أخذ سيبويه علم النحو وكان رجلاً صالحا عاقلاً حليما وقورا، توفي سنة 170ه
كما في ترجمته في الفهرست ص 48 وقال غير ذلك ابن خلكان في ترجمته لوفيات الاعيان
2 / 15 ـ 19.


*102
نزهة الالبّاء في طبقات الاُدباء، ص 302.


*103
تاريخ الاسلام للذهبي 2 / 185، في ذكر حوادث سنة 38ه.


/ 14