الباب الثاني
أزمة التاريخ أم أزمة مؤرخين؟
نموذج ابن خلدون
التاريخ لماذا؟
كثيرا ما كانت الطريقة التي سلكها المؤرخون في بحث أحوال الماضي من هذه
الأمة موغلة في التواطؤ تارة وفي الغباء طورا فالأحداث كما تقع في الماضي تختلف
كلها عما يكتب على أديم التاريخ. وذلك كله راجع إلى أسباب معينة، قصية بأن
تكون مقدمة لهذا الباب، ومدخلا لفهم صراحته وجرأته في تناول الحقائق
التاريخية في صورتها الجلية.
إن تراثنا تشكل من خلال لعبة تاريخية. وقفت من ورائها سلطة الخلفاء التي
كانت تنهج نهجا تحريفيا في كل المؤسسات الاجتماعية والثقافية. من أجل خلق
واقع منسجم. تتطابق فيه البنى السياسية بالاجتماعية والثقافية. ولأن القطاع
الثقافي والتعليمي يشكل ركيزة المجتمع الحضاري. وأساسا للدولة العقائدية.
فإن المؤسسة السلطانية لعبت دورا كبيرا في إعادة ترتيب محتوياتها الداخلية. من
أجل سلب العناصر النقيضة لتلك المؤسسة.
وتفريغ كل ذلك المحتوى من كل ما من شأنه أن يكون قنبلة موقوتة تهدد بقاء
تلك المؤسسة.
وليس عجيبا أن يذكر التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك. تعكس حرص المؤسسة
السلطانية على التصرف في الجهاز المعرفي والثقافي للأمة. ونزوع حالة من
الشمولية تجعل الفكر محكوما برقابة شديدة وتحت رحمة الرغبة الخلفائية.