ابن عربی لیس بشیعی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ابن عربی لیس بشیعی - نسخه متنی

جعفر مرتضی الحسینی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الفصل السابع

قبائح أم مدائح..

توطئة:

تقدمت في الفصول السابقة موارد ظهر منها: أن ابن عربي يتوسل حتى بما فيه وهن لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله، بهدف تعظيم أناس آخرين، أو لتأكيد اعتقاد، أو مفهوم خاطئ، أو فكرةٍ غريبة عن العقيدة الصحيحة، وعن الحديث، والتاريخ الصحيح..

وسوف نذكر هنا: نبذة أخرى مما يدخل في نطاق القبائح التي يسوّقها على أنها مدائح، فنقول:

النبي صلى الله عليه وآله يدافع عائشة لأجل الطعام:

1ـ قال ابن عربي: «دعا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى طعام. فقال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: أنا وهذه؟ وأشار إلى عائشة.

فقال الرجل: لا.

فأبى أن يجيب دعوته صلى الله عليه [وآله] وسلم، إلى أن أنعم له فيها أن تأتي معه.

فأقبلا يتدافعان إلى منزل ذلك الرجل: النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وعائشة الخ..»(330).

ونقول:

انظر إلى هذا الرجل كيف مدح عائشة بذم رسول الله صلى الله عليه وآله!! وإلا!!

فما هذا الحب العارم منه لعائشة؟!

وما هذا الإصرار منه على رجل في استضافة من لا يرغب في استضافته؟؟

وما هذا التدافع بين نبيٍ وزوجته؟

وهل يدافع نبي، الآخرين من أجل الطعام؟!

وهل هذا مما يليق بالأنبياء؟!

ولماذا لا يفسح المجال لها، ويؤثرها على نفسه؟ ألم يمدح الله تعالى الذين {يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}(331).

وهل يتناسب هذا التدافع مع إصراره على ذلك الرجل باستصحابها إلى ذلك الطعام؟!

العلم المكنون لعائشة وحفصة:

2ـ انه يذكر: أنه سأل الثقة، من العلماء، عن الإمام المبين. فكان مما قاله له:

«الذي ذكر الله في حق امرأتين من نساء رسول الله، ثم تلا: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}(332).. فهذا أعجب من ذكر الجنود، فأسرار الله عجيبة..

فلما قال لي ذلك سألت الله: أن يطلعني على فائدة هذه المسألة، وما هذه التي جعل الله نفسه في مقابلتها، وجبريل، وصالح المؤمنين، والملائكة؟!

فأُخبرت بها، ما سررت بشيء سروري بمعرفة ذلك، وعلمت لمن استندتا هاتان المرأتان، ومن يقويهما.

ولولا ما ذكر الله نفسه في النصرة، ما استطاعت الملائكة، والمؤمنون مقاومتهما، وعلمت أنهما حصل لهما من العلم بالله، والتأثير في العالم ما أعطاهما هذه القوة، وهذا من العلم الذي كهيئة المكنون، فشكرت الله على ما أولى..

فما أظن أحداً من خلق الله استند إلى ما استند هاتان المرأتان..

يقول لوط عليه السلام: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}(333).. فكان عنده الركن الشديد، ولم يكن يعرفه. فإن النبي قد شهد له بذلك، فقال: يرحم الله أخي لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد..

وعرفتاه عائشة وحفصة، فلو علم الناس علم ما كانتا عليه لعرفوا معنى هذه الآية: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}(334)..»(335).

ونقول:

انظر كيف يحول ابن عربي آياتٍ، ذمَّ الله تعالى فيها عائشة وحفصة على تظاهرهما على رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى لقد ضرب الله لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط، الكافرتين ـ يحوله ـ إلى أعظم المدح والثناء.

ويعتبر أن ما فعلتاه من أذى وتظاهر على رسول الله صلى الله عليه وآله من دلائل علمهما المكنون بالله تعالى، وأن علمهما هذا قد أعطاهما القدرة على التأثير في العالم إلى حد احتاج معه الرسول إلى الاستعانة بالله، وبالملائكة، وجبرئيل، وصالح المؤمنين..

مع أن الله تعالى قد نصر المؤمنين في بدر، وهم أذلة، ولم يزد على أن أيدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين.

فكان كيد من تظاهر على رسول الله أعظم خطراً عليه من خطر حرب أحد، والأحزاب، وحنين، و.. و..

دفاعه عن بدعة معاوية ومدحه له:

3ـ وحين أراد أن يصوَّب معاوية في ما أحدثه في صلاة العيد، وأنه قد فهم أن ذلك جائز له، قال:

«وكذلك ما أحدثه معاوية كاتب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وصهره، خال المؤمنين، فالظن بهم (الصحابة) جميل رضي الله عن جميعهم، ولا سبيل إلى تجريحهم، الخ..»(336).

الطعن المبطن برسول الله صلى الله عليه وآله:

4ـ وقال: «ورد في الحديث الصحيح: عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، أنه قال لبلال: يا بلال سبقتني إلى الجنة، فما وطئت منها موضعاً إلا سمعت خشخشة أمامي.

فقال: يا رسول الله، ما أحدثت قط، إلا توضأت، ولا توضأت إلا صليت ركعتين..

فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: بهما(337).

ونقول:

إن هذه الروايات، وأمثالها تشتمل على طعن مبطن بالرسول صلى الله عليه وآله، إلى حد أن انساناً عادياً، من سائر الناس، يسبقه إلى أعمال الخير في الدنيا، ويفوز بقصب السبق عليه في الآخرة..

فما هذا الرسول الذي يقصر في عمل الصالحات؟

ويجهل أو يغفل ـ على الأقل ـ عما ينال به المقامات؟!..

وهل أحد سواه علّم بلالاً أن يفعل ما فعل لينال ما نال؟!..

أم أن بلالاً قد وصل إلى ما وصل إليه عن طريق الصدفة، ومن دون تعليم ودلالة؟!.

فلماذا لم يعلِّم الله تعالى رسوله هذا الأمر؟!، وترك معارفه ناقصة إلى هذا الحد؟!

إننا لا ندري كيف نداوي هذه الجراح التي تنال مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، من قِبَل أناس تفننوا في وضع الحديث عليه، تبعاً لأسلافهم الذين اضطر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فضح أمرهم، حين خطب الناس، وقال: ألا وإنه قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي عامداً، فليتبوأ مقعده من النار أو نحو ذلك.. وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة أيضاً.

إهانات أبي بكر للرسول صلى الله عليه وآله:

ومن الفضائح التي يجعلها مدائح، قوله:

5ـ «روينا بالسند الصحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، خرج حين توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر..

فأبى عمر أن يجلس..

فقال: إجلس يا عمر..

فتشهد أبو بكر، ثم قال:

أما بعد، فمن كان يعبد محمداً صلى الله عليه [وآله] وسلم، فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله عز وجل، فإن الله حي لا يموت. ثم تلا قوله تعالى:

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(338)..

فسكن جأشهم بالقرآن، وهو لم يزل ساكن القلب مع الرحمان»
إلى أن قال:

إن نفسه «.. قالت: لا والله يا وليي، إنما أنا بين فناء وبقاء، وتلاشي وانتعاش، وإقبال وإدبار، ووصول ورجوع، وما كنت فهمت قط هذا من هذا الكلام، والذي خرج من فم الصديق، حتى نبهتني عليه، ولا سمعته من أحد من أشياخنا ولا رأيته..

على أن ان بحثاً وأسراراً في الصحابة، وتعظيمهم ومكانتهم ما سُبِقْت إليها، ولا رأيت أحداً ممن لقيته من أصحابنا عثر ذلك، إلا أنهم يجمحون عليه، ويحومون حوله الخ..»(339).

ونقول:

ألف: إن هذا المقطع الذي ذكرناه، قد تضمن كلاماً جافياً وقاسياً، خالياً من أي لياقة، يرتبط برسول الله صلى الله عليه وآله، حتى كأنك تشعر أنه يتكلم عن طاغية أو عن جبار، قد تخلص الناس منه، أو مدّع لمقام ليس له، قد غش الناس، واستحوذ عليهم حتى عبدوه..

وقد جاءت هذه الكلمات الجريئة في احرج اللحظات، وهي لحظات اللوعة، والحرقة، والحنان، والحنين، والأسى والحزن، لفقد من يفترض أن يكون أحب إليهم من آبائهم، وأزواجهم، وذرياتهم، وأنفسهم، ومن كل شيء.

ب: كما أننا لاندري من أين جاء بفرضية وجود من يعبد محمداً. إلى حد أنه سوغ لنفسه أن يطلق هذه الفرضية في هذا الوقت بالذات، ويجعل من الذين يعبدون محمداً صلى الله عليه وآله.. فريقاً يقابل به من كان يعبد الله..

ج: إن أبابكر قد جاء بشيء لم يخف على أحد من الصحابة، ولا على غيرهم من البشر، وان عمر بن الخطاب قد ادعى خلافه، لحاجة في نفسه قضاها، فكيف يدعي ابن عربي: أن ابا بكر قد جاء بأمر غفل عنه غيره؟ وقد ألمحنا إلى ذلك في فصل سابق، حيث نقلنا هناك عبارة مشابهة لهذه..

د: إننا نقول: إن المشكلة تكمن في عدم التحلي بالمستوى المطلوب بالإيمان الصادق بنبوته صلى الله عليه وآله، وليست المشكلة في وجود عابد له صلى الله عليه وآله، ولأجل ذلك لم يحدثنا التاريخ بشيء يدل على وجود مغال فيه صلى الله عليه وآله، أو عابد له.

ورغم ذلك كله، فإن ابن عربي لم يزل يعطي قائل هذه الكلمات بالذات الأوسمة، والمقامات لنفس مقولاته الجريئة هذه. ويجعله يرتفع بها لينال أعظم مراتب الزلفى عند الله!!

نزول السكينة على أبي بكر:

6ـ ويقول: عن أبي بكر أيضاً:

«رب عبد يخص بشهود المعية، ولا يتعدى ذلك منه إلى أتباعه، كقول موسى عليه السلام لبني إسرائيل: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(340).

ورب عبد يتعدى منه نوره إلى أتباعه، فيشهدون به سر المعية، كقول سيدنا محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم: {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}(341).. ولم يقل: معي، لأنه أمدّ أبا بكر بنوره، فشهد سر المعية..

ومن هنا يفهم سر إنزال السكينة على أبي بكر رضي الله عنه، وإلا لم يثبت تحت أعباء هذا التجلي والشهود.

وأين معية الربوبية في قصة موسى عليه السلام، من معية الإلهية في قصة نبينا صلى الله عليه [وآله] وسلم»..(342).

ونقول:

انظر أيها القارئ العزيز كيف أنه بهذا البيان قد حوَّل ما فيه مؤاخذة لأبي بكر، ليصبح من أعظم فضائله ومقاماته.. وذلك بعد أن أفسد سياق الآية القرآنية، بدعوى أن السكينة إنما أنزلها الله على أبي بكر، رغم أن الضمير في الآية يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ إن التأييد الإلهي بالجنود إنما هو لرسوله، في قوله تعالى: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}(343)..

ثم إنه قد حاول تعمية الأمر في موضوع حزن أبي بكر، الذي دل على أن أبا بكر قد رأى الآيات التي هي واضحة الدلالة على أن الله يرعى نبيه، ويحفظه، حيث نسجت العنكبوت، ونبتت الشجرة، وباضت الحمامة الوحشية، وجلست على بيضها بباب الغار.

ولكن ذلك كله لم يفد في طمأنة أبي بكر إلى لطف ورعاية الله سبحانه، وحفظه لنبيه!!!

وأما الكلام عن أن الحزن إنما يكون على أمر قد فات ومضى، وليس المراد بالحزن الخوف مما يأتي من مصائب وبلايا ـ أما هذا ـ فلا نريد الدخول في تفاصيله، ولا حشد الشواهد له، تأييداً أو تفنيداً، رغم توقعاتنا: أنه سوف ينتهي بنا إلى نتيجة لا تصب في مصلحة أبي بكر.

بقي أن نشير إلى ما ذكره ابن عربي عن المعية الالهية، فإن المعية بالنسبة لموسى قد جاءت من موقع الربوبية، لتيسر له صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا و آله سبيل الهداية.. التي كان يحتاج إليها..

ولكن ما يحتاج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، في هذا الظرف الصعب هو المعية التي هي من مقتضيات مقام الألوهية، لأن ردَّ كيد أولئك العتاة الطغاة، إنما من موقع القادرية، والقاهرية، والعزة، والجبارية، والانتقام الإلهي..

مقارنة.. وعبرة:

قد قلنا: إنه قد علم الخاص والعام: أن أبا بكر قد حزن في يوم الغار، رغم أنه كان في موضع الأمن والأمان، وكان يرى الآيات البينات الواحدة تلو الأخرى، تتظافر لتدل على أن الله تعالى يرعى نبيه، ويهيء له سبل النجاة من كيد أعدائه، بعد أن استنفد النبي صلى الله عليه وآله كل وسائله البشرية..

أما علي عليه السلام، فقد كان في موضع الخطر الأكيد والشديد، يواجه احتمالات القتل والتقطيع بالسيوف إرباً إرباً، بيد أعدائه الممتلئين حقداً وحنقاً وغيظاً ولم يكن هناك أية بادرة، أو اشارة مهما كانت إلى ما يخالف هذه التوقعات أو يؤثر على مستوى ودرجة صدقيتها..

ولكن الأمور تنقلب عند ابن عربي رأساً على عقب، فاستمع إليه واقرأ أقواله لتعرف كيف يصور هذه القضية:

{لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}: قالها أبو بكر:

7ـ ويقول: «.. {وَالْفَجْر}(344). ومعناه الباطن الجبروتي {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}(345). وهو الغيب الملكوتي، وترتيب النقطتين الواحدة مما تلي.. والثانية مما تلي الألف. والميم هو رمز وجود العالم الذي وجد فيهم.

والنقطة التي تليه أي تلي الميم، أبو بكر رضي الله عنه. والنقطة التي تلي الألف محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم.

وقد تقببت الياء عليهما، أي على النقطتين، أي على محمد وأبي بكر، كالغار، {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}(346) فإنه، أي أبو بكر، واقف مع صدقه. ومحمد عليه السلام واقف مع الحق، في الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت..

فهو الحكم كفعله عليه السلام يوم بدر في الدعاء والإلحاح، وأبو بكر عن ذلك صاح، فإن الحكيم هو الذي يوفي المواطن حقها.

ولما لم يصح اجتماع صادقين معاً، لذلك لم يقم أبو بكر في حال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وثبت مع صدقه، فلو فقد النبي في ذلك الموطن، وحضره أبو بكر، لقام في ذلك المقام الذي أقيم فيه رسول الله، لأنه ليس ثم أعلى منه يحجبه عن ذلك، فهو رضي الله عنه صادق ذلك الوقت وحكيمه، وما سواه تحت حكمه..

فلما نظرت نقطة أبي بكر إلى الطالبين أثرهما، أسف عليه، أي على النبي، فأظهر الشدة، وغلب الصدق، وقال: {لاَ تَحْزَنْ} لأثر ذلك الأسف على النبي، {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} كما أخبرتنا..

وإن جعل منازع: أن محمداً هو القائل لم نبال، لما كان مقامه صلى الله عليه [وآله] وسلم الجمع والتفرقة معاً، وعلم من أبي بكر الأسف، ونظر إلى الألف، فتأيد، وعلم أن أمره مستمر إلى يوم القيامة. قال: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}(347)..

وهذا أشرف مقام ينتهي إليه الذي هو تقدم الله عليك: «ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله»، شهود بكري، وراثة محمدية..

وخاطب الرسول الناس بـ «من عرف نفسه عرف ربه» وهو قوله يخبر عن ربه تعالى: {كَلاّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(348)..

والمقالة عندنا إنما كانت لأبي بكر رضي الله عنه..

ويؤيدنا قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً.

فالنبي ليس بمصاحب، وبعضهم أصحاب بعض، وهم له أنصار وأعوان، فافهم إشارتنا تهد إلى سواء السبيل»(349)..

فهل بعد هذا يمكن أن يدعي أحد أن ابن عربي شيعي، سواء بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم للتشيع؟!

دفاع عن صلاة أبي بكر:

ثم إنه يذكر صلاة أبي بكر بالناس في المرض الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم مبادرة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عزله، ثم صلاته صلى الله عليه وآله بنفسه بالناس، برغم مرضه، ويقول: إنه لا يستبعد صحة التأويل الذي ذكره الطحاوي، من أن أبا بكر كان هو الإمام للناس بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله.. وإليك نص كلامه:

8 ـ «فكان الناس يقتدون بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. فقال الطحاوي: معنى الاقتداء هنا: أنه كان أبو بكر يخفف لأجل مرض رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم»(350).

مع أن الثابت أنه صلى الله قد عزله، وصلى هو بنفسه بالناس، وأهل التحقيق يعرفون ذلك.

ومع أن من يخفف صلاته رحمة بالضعفاء خلفه، لا يقال إنه قد اقتدى بمن خلفه، وأئتم به..

تصحيح بدعة التثويب:

9ـ يقول عن التثويب، وهو قول: الصلاة خير من النوم، في صلاة الصبح:

«وأما مذهبنا فإنا نقول به شرعاً، وإن كان من فعل عمر، فإن الشارع قرره بقوله: من سن سنة حسنة..

ولا نشك أنها حسنة ينبغي أن تعتبر شرعاً..

وهي بهذا الاعتبار من الأذان المسنون، إلا في مذهب من يقول: إن المسنون هو الذي فُعِل في زمان النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وعرفه، وقرره. أو يكون هو الذي سنه صلى الله عليه [وآله] وسلم»(351).

أبو بكر مجتهد في قتل مانعي الزكاة:

10ـ وهو يعتبر أن ما فعله أبو بكر بمانعي الزكاة، كان رأياً فقهياً له..(352).

مع أن هؤلاء إنما منعوا الزكاة عنه، لأنهم يعتقدون أنه غاصب لمقام الخلافة، ولا يجوز لهم، ولا تبرأ ذمتهم باعطاء هو زكاة أموالهم له..

اجتهاد عثمان ضد اجتهاد الرسول:

11ـ ذكر أن ثعلبة بن حاطب امتنع عن إعطاء الزكاة، فنزلت فيه آية: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}(353).. فلما بلغ ثعلبة ذلك جاء بزكاته، فلم يأخذها منه رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذلك أبو بكر، وعمر من بعده، ولكن عثمان أخذها منه، متأولاً: أنها حق الأصناف الذين أوجب الله لهم هذا القدر في عين هذا المال..

ثم قال: «وهذا الفعل من عثمان من جملة ما انتقد عليه، وينبغي أن لا ينتقد على المجتهد حكم ما أداه إليه اجتهاده، فإن الشرع قد قرر حكم المجتهد.

ورسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ما نهى أحداً من أمرائه أن يأخذ من هذا الشخص صدقته، وقد ورد الأمر الإلهي بإيتاء الزكاة.

وحُكْمُ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، في مثل هذا، قد يفارق حكم غيره، فإنه قد يختص رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بأمور لا تكون لغيره، لخصوص وصف، إما تقتضيه النبوة مطلقاً، أو نبوته صلى الله عليه [وآله] وسلم..».

إلى أن قال:

«فمن شاء وقف لوقوفه صلى الله عليه [وآله] وسلم، كأبي بكر، وعمر.. ومن شاء لم يقف كعثمان، لأمر الله بها».

إلى أن قال تعقيباً على ذلك:

«فساغ الإجتهاد، وراعى كل مجتهد الدليل الذي أداه إليه اجتهاده، فمن خطَّأ مجتهداً فما وفاه حقه. وإن المخطئ والمصيب منهم واحد لا بعينه»(354).

وسؤالنا: هل النبي صلى الله عليه وآله عن اجتهاد،؟!

وهل يخطئ النبي صلى الله عليه وآله في اجتهاده؟!

ومن هو المصيب؟ عثمان، أم رسول الله صلى الله عليه وآله؟!..

تصويب عمر في ما أحدثه في الطلاق:

12ـ وقال: «وسألت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في تلك الرؤيا عن المطلقة بالثلاث في لفظ واحد، وهو أن يقول لها: أنت طالق ثلاثاً؟

فقال لي صلى الله عليه [وآله] وسلم: «هي ثلاث كما قال: [فـ] لا تحلُّ له [من بعد] حتى تنكح زوجاً غيره».

فكنت أقول له: يا رسول الله! فإن قوماً من أهل العلم يجعلون ذلك طلقة واحدة؟

فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أولئك حكموا بما وصل إليهم، وأصابوا.

ففهمت من هذا تقرير حكم كل مجتهد، وأن كل مجتهد مصيب، فكنت أقول له: يا رسول الله، فما أريد في هذه المسألة إلا ما تحكم به أنت إذا استفتيت، وما لو وقع منك ما كنت تصنع؟

فقال: هي ثلاث كما قال: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

فرأيت شخصاً قد قام من آخر الناس، ورفع صوته وقال بسوء أدب، يخاطب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، يقول له:

يا هذا ـ بهذا اللفظ ـ لا نحكِّمك بإمضاء الثلاث، ولا بتصويبك حكم أولئك الذين ردوها إلى واحدة!

فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم غضباً على ذلك المتكلم، ورفع صوته يصيح:

هي ثلاث كما قال [تعالى]: {لاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}(355)، تستحلون الفروج؟!

فما زال صلى الله عليه [وآله] وسلم يصيح بهذه الكلمات حتى أسمع من كان في الطواف من الناس، وذلك المتكلم يذوب ويضمحل حتى ما بقي منه على الأرض شيء.

فكنت أسأل عنه: من هو هذا الذي أغضب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم؟

فيقال لي: هو إبليس لعنه الله. فاستيقظت..»(356).

ونقول:

إن ابن عربي يريد بهذه الدعاوى:

أولاً: أن يصوِّب ما جاء به عمر بن الخطاب من عند نفسه، فإنه هو الذي أمضى طلاق الثلاث على الناس.

ثم هو يريد أن يجعل لهذا الفعل من جهة صلة بالرسول صلى الله عليه وآله، ولو في المنام.. ويخرجه عن كونه بدعة.

ثانياً: إنه يريد أن يقرر مبدأ التصويب الباطل، الذي رفضه شيعة أهل البيت، استناداً إلى الأدلة النقلية والعقلية..

ثم إنه يتابع مدحه لعمر وعثمان، بما كان ينبغي ستره عليهما، لأنه يشتمل أمر مشين لهما، ومن ذلك:

ألف: معصية عمر فضيلة له:

13ـ قد ذكر أن نفسه قد ضربت له مثلاً بعمر بن الخطاب، الذي روي عنه «بالسند المتصل إليه: أنه لما أسلم، قال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: يا عمر، استره.

قال رضي الله عنه: «والذي بعثك بالحق لأعلننه، كما أعلنت الشرك»..(357).

فقد تضمن هذا الحديث الذي يريد أن يجعله من فضائل عمر، مخالفة صريحة من قبل عمر لأمر رسول الله، إذ إن الرسول يأمره بستر إسلامه ـ وعمر يحلف ليعلننه!!.

فهل هو أشجع من رسول الله؟!

أم أنه أعرف بالمصلحة منه؟!

أم أن الله أوحى إليه بخطأ النبي في هذه الواقعة؟!

ألا يخشى من أن يتسبب إعلانه لإسلامه بضرر على الإسلام، وعلى المسلمين؟!

وأين كانت هذه الشجاعة عنه في بدر، وفي أحد، وخيبر، وحنين وو.. ولماذا يشجع هنا، ويفر هناك، تاركاً رسول الله صلى الله عليه وآله ليواجه خطر القتل؟!

ب: عثمان الزاهد:

14ـ ثم إنه وهو يخاطب نفسه، ضرب لها مثلاً آخر بعثمان، فقال:

«.. قلت: نعم، هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه، روينا عنه بالسند الصحيح، عن شرحبيل بن مسلم: أن عثمان رضي الله عنه، كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل في بيته، فيأكل الخبز والزيت.

ناشدتكِ الله، هل فعلتِِ هذا مع أصحابكِ قط، آثرتِهم باللطيف، واستأثرتهم بالخشن الخ..»(358).

وهذه المناشدة تعطينا: أنه لا يرى عثمان مستأثراً ببيت المال لنفسه، ولذويه، بل هو بكلامه هذا يجعله من أعظم الزاهدين.

مع أننا قد ذكرنا في كتاب «مختصر مفيد» بعضاً من أفاعيل عثمان ببيت مال المسلمين، فراجع ذلك الكتاب حين الحديث عن جيش العسرة..

ج: محاولة الطعن بعلي عليه السلام:

15ـ ثم يسوق الكلام مع نفسه إلى أن يصل إلى علي أمير المؤمنين عليه السلام، فيحاول أن يدس في كلامه ما ينقص من قدره عليه السلام، ويثير حوله أكثر من شبهة وسؤال، وذلك حين يشير إلى قضية مكذوبة تتحدث عن تسبيح الحصى في كف النبيصلى الله عليه وآله، وعمر، وعثمان، وسكوته في كف علي..

فاستمع إليه، وهو يتابع مناشدته لنفسه، فيقول لها:

«يا نفس هذا علي رضي الله عنه، على تمكنه فيما تدعينه من المقام والحال، قد علم المقام، وعمله، وأحكمه، ووفى الحقائق حقها على أتم الوجوه»..

إلى أن قال:

«انظري يا نفس إلى تمكنه في المعارف، وتبرزه في صدور المواقف، وضربه بيده إلى صدره، فيقول: إن ها هنا لعلوماً جمة، لو وجدت لها حملة»..

إلى أن قال:

«فلم يعْلَق بقلبه كون، ولم يحجبه ذلك كله عن تحققه في المشاهدة، بل ذلك تمكين على تمكين»..

ثم ناشد نفسه، فقال لها:

«هل صاحبت هذا الحال استصحاب هذا الإمام؟!».

إلى أن قال:

«ومن مثل علي، وهذا مقامه؟!، ومن يعادله وهذا كلامه؟!، لو لم ينبه لغفلتنا عن شرف منزلته إلا بسكوت الحصى في كفه، لكان ذلك تنبيهاً لكل قلب نبيه!!»(359).

ونقول:

إذا كانت الحصى قد سبحت في كف رسول الله صلى الله عليه وآله، فلماذا سكتت في كف علي عليه السلام؟! فإن كان تسبيحها في يده صلى الله عليه وآله كرامة له، فإن سكوتها في يد علي عليه السلام يشير إلى ضد ذلك، وإن كان سكوتها في يد علي كرامة له، فكيف نفسر تسبيحها في يد رسول الله صلى الله عليه وآله..

فقاهة عمر:

16ـ قد تقدم في فصل: عمر بن الخطاب، الولي المعصوم: «تحت عنوان: عمر فقيه يشهد له الرسول صلى الله عليه وآله» أن عمر قد قد فسر قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}(360) تفسيراً خاطئاً.. ولكن ابن عربي قد جعل ذلك من فضائل عمر وكراماته، فراجع ما ذكرناه.

خاتمة المطاف:

واننا في الختام نعيد التأكيد على بضعة نقاط، هي التالية:

1 ـ هل كل ما تقدم كان تقية؟!:

وبعدما تقدم نقول:

أولاً: إن ما ذكرناه في الفصول المتقدمة، على كثرته، وتنوعه، ما هو إلا غيض من فيض، مما جاء في مؤلفات محي الدين ابن عربي.. وكنا نستطيع: أن نذكر أضعاف ذلك، ولكننا أضربنا عنه خشية أن نكون قد اقترفنا بذلك جريمة اغتيال بغيض لوقت القارئ، وتسببنا بنفاد صبره، وتضييع جهده..

كما أن ذلك قد يكون غمطاً لحقه، إذا كان ممن تكفيه الإشارة، إذ لا تبقى هناك حاجة إلى حشد النصوص له بهذه الغزارة..

ثانياً: إن احتمال أن يكون ابن عربي قد استعمل التقية في جميع ذلك وسواه مما أضربنا عن ذكره، ما هو احتمال بارد ورأي فاسد، وتمحل غير وارد..

إذ إن ذلك يفقد كتبه مصداقيتها، خصوصاً إذا كان ثمة شك كبير في أن يكون مبرر للتقية بهذا المستوى في عصره، وفي المناطق التي عاش فيها، وهو الذي لم يكن ملزماً بالإقامة في بلد بعينه، وقد كان ينتقل من مكان إلى مكان، فهل كانت التقية مهيمنة عليه في هذه الأقطار جميعاً؟!

وهل كان غير قادر على التحول عنها إلى مواضع لا يحتاج فيها إلى التقية؟

وإن كان عاجزاً عن ذلك، فلماذا قدر على التحول من بلاد المغرب إلى مكة وإلى الشام وبغداد، والموصل، ومصر، وغير ذلك.. وعجز عن مواصلة تحوله ليصل إلى بلاد الشيعة فيحل فيها، ويكتب فيها ما أحب، ويصرح بما يريد، تماماً كما حل في مكة، فكتب الفتوحات المكية، أو كما حل في الشام فكتب فصوص الحكم؟!

ولماذا ـ لو كان شيعياً ـ يصر على العيش في بلاد السنة، التي لا يتمكن فيها من الجهر بعقائده، وممارسة عباداته، فليأت إلى بلاد أهل نحلته، ليعيش فيها، ويصرح في مؤلفاته بما يريد، تماماً كما هو حال سائر علماء الشيعة، الذين صرحوا في مؤلفاتهم بكل ما عندهم.

ثالثاً: إذا كان الأمر كذلك حقاً، فلماذا ظهرت التقية بهذا الحجم، عند خصوص هذا المؤلف، دون غيره ممن عاصره، وعاش في نفس الظروف التي عاش فيها؟!

رابعاً: إنه يذكر في حق الشيعة أموراً مخترعة ومصطنعة، لا يحتاج إليها لدفع شر الأعداء عنه، بل كان يكفيه أن يظهر رفضه لمقالة الشيعة، ثم يتجنب ذكرهم، ويهمل أمرهم. وليس ثمة ما يضطره إلى ادعاء رؤيتهم بصورة خنازير، ولا إلى غير ذلك مما ذكرنا طرفاً منه..

كما أنه يكفي في التقية في أمر الخلفاء: أن يظهر ما يقوله أهل السنة فيهم، فلا يطلب منه أهل السنة أن يترحم على الحجاج، ولا على أن يرفع المتوكل إلى درجة الأولياء، ولا أن يدعي أنه عرج به إلى السماء؛ فرأى أبا بكر على العرش.. إلى غير ذلك من أمور عجيبة وغريبة.

إن ذلك كله لا تفرضه التقية عليه، بل لا يفرضه عليه سوء السريرة، وخبث الباطن..

خامساً: إن مدائحه العجيبة، والغريبة لنفسه، وما ادعاه من عروج متكرر، ومن أنه بقي في خلوته تسعة أشهر بلا طعام، وأنه هو خاتم الأولياء، كما كان النبي خاتم الأنبياء، وغير ذلك مما تقدم بعضه..

إن ذلك كله، لا تفرضه عليه تقية ولا غيرها!! بل هو مما يأباه له خلقه، فإن المؤمن الصادق ينزه نفسه عنه، وأهل الكرامات الحقيقيين، لا يتبجحون بكراماتهم، ولا يدلون على غيرهم بمقاماتهم، بل هم أكثر الناس تواضعاً، وأشدهم ابتعاداً عن الإدعاء والشهرة.

سادساً: قد قلنا: إن من يراجع كتابه: «الفتوحات المكية» يجد أن قسماً منه مبني على تفاصيل فقهية، كثيرة ومتنوعة، لا تخرج عن دائرة فقه أهل السنة، وحديثهم، وأصولهم الاستنباطية، والرجالية، وغيرها.. رغم أن العلم الذي يتصدى لمعانيه ومراميه لا يتوقف على تبني، ولا على طرح تلك المسائل من الأساس..

فكيف تصح دعوى التقية في كل هذا البناء المتكامل، القائم على مسلمات ومناهج المذهب السني، في قواعده، وفي مناشئه، ومرتكزاته، وفي غاياته وفي كل تفاصيله العقائدية، والفقهية، والحديثية، والتاريخية، و.. و..؟!!.

2 ـ منشأ الشبهة:

وبعد، فإنه ربما يكون السبب في وقوع بعض الأعلام في الشبهة حول ابن عربي، وحول المتصوفة بشكل عام، هو أنهم رأوهم يمدحون الإمام علي عليه السلام في كلامهم، فظنوا: أن ما يتظاهرون به من حب له عليه السلام، وما يمدحونه به، قد نشأ عن أن الحب قد أدى بهم إلى الدخول في التشيع..

وقد غفلوا عن أمور لها أهميتها البالغة في معرفة السبب في إظهار هذا الحب، وهي:

الأول: لعل السبب في إظهارهم لهذا الحب هو سعيهم للتأثير على البسطاء والسذج من الشيعة لاجتذابهم إلى جانبهم.

وقد كان من دأب هؤلاء أنهم يتقربون من كل طائفة بما تحب.

فهم سنة مع أهل السنة.

وهم يحبون الإمام علي عليه السلام مع الشيعة، وقد أخذوا عنه خرقة التصوف.

وهم بالنسبة للسفهاء يدّعون مقامات الألوهية فضلاً عن مقام النبوة، كما أنهم يدّعون الخوارق والمعجزات لأنفسهم ويدّعون علم الغيب، ويسمونه بالكشف.. ويصدقهم الناس البسطاء في ذلك..

الثاني: إن إظهارهم لهذا الحب لا يتناقض مع عقائد أهل السنة، ولا يضر بما يعتقدونه في مسألة الخلافة، ولا مع غيرها من سائر اعتقاداتهم.. خصوصاً مع تصريحهم، ـ وخصوصاً ابن عربي ـ بعقائدهم المخالفة لعقائد أهل البيت وشيعتهم، ومع ما يصرح به من مقامات لمناوئي أهل البيت، وغير ذلك..

الثالث: إن من يدعي أن فرعون من أهل النجاة، ويرى في كل شيء أنه هو الله تعالى، بل هو يحب عبدة العجل، لأنه يرى أن عبادتهم للعجل، عين توحيدهم وإيمانهم، ان من يكون كذلك، فلابد أن يحب كل شيء، فيحب المؤمن والكافر، ويترحم على الحجاج، ويعظم المتوكل، ويحب عبدة العجل، ويعظم فرعون، وأبا سفيان ومعاوية ويزيد، وكل فاسق وفاجر، وشرير ومشرك، لأنهم جميعاً مجالي الحق. وقد اتحد الحق معهم، وإن اختلفت الأسماء الاصطلاحية، على حد تعبيرهم..

ويؤكد ذلك: قولهم بالجبر الإلهي، الذي يؤكد لهم أنه لا حيلة لهم فيما يصدر عنهم، ويقرر معذورية كل أهل الكفر والشرك والانحراف فيما هم فيه وعليه..

الرابع: إنه قد يكون لما يطلقونه من كلمات مستطرفة، وأقوال حكيمة، ومواعظ زهدية، درجة من التأثير على الناس العاديين..

مع أن كثيراً من تلك الأقوال مقتبسة من أقوال الأنبياء والأوصياء، وقد انتحلوه ونسبوه لأنفسهم..

علماً بأن أمثال هذه الأقوال مما يتداوله سائر أهل الملل والنحل، لأنها مما تتوافق عليه العقول، وينساق إليها الناس بفطرتهم، فإن العقلاء، يدركون مساوئ الظلم والحسد، والبغي، والبخل، وما إلى ذلك، ومحاسن الإحسان، والعدل، والصدق، والأمانة، و.. و..

3 ـ حاجة الحكام لهؤلاء الناس:

قلنا فيما سبق: إن الحكام كانوا بحاجة إلى أناس معروفين بالزهد، منسوبين إلى الكمال، والعبادة، ليعارضوا بهم الأئمة عليهم السلام، وليصغروا من شأنهم عليهم السلام.. فكان أن أظهروا تعظيم هؤلاء، واهتموا بشأنهم، وأطروهم، وأظهروا الاتعاظ بمواعظهم، مع علمهم بعدم لحوق أي ضرر بهم، وبحكومتهم من قبلهم.. بل هناك منافع كثيرة ومتنوعة، لاحاجة إلى بسط الكلام فيها.

4 ـ التصوف مطية العاجزين الطامحين:

إن الطريق الذي سلكه هؤلاء يسهل سلوكه على كل أحد، ويسهل ادعاء الوصول فيه إلى الغايات والمقامات، من العالم والجاهل، ومن الكبير والصغير، ومن الذكي والغبي.. ولا يحتاج في ذلك إلى أي دليل، فإن دعوى الكشف والشهود والعلم اللدني تحل أعظم المشكلات، وتسهل كل عسير. وهذا الطريق هو مطية الطامحين العاجزين، والكسالى، حيث يحصلون من خلاله على ما يريدون بلا تعب ولا نصب، وبلا سهر، أو إجهاد فكر في الدراسة طيلة عشرات السنين، لمعرفة أحكام الله، وحقائق الدين، ومعاني آيات القرآن.

وهو يفسح المجال لطلابه ليدعوا: أن أحدهم، حتى وهو يهذي، يكون في نفس هذيانه هذا أحكم الحكماء وأعلم العلماء، وليس لأحد أن يطالبه بدليل، أوبرهان، لأن الكشف هو عصى موسى، والوحي الإلهي الصادق..

5 ـ الابتداع.. والتشريع:

إنهم باختراعهم أوراداً، وأذكاراً، وصلوات، وعبادات، لم يأت بها كتاب، ولا سنة، يستطيعون أن يشغلوا الناس بها عن أهل البيت عليهم السلام، ويصرفوهم عنهم، كما أنهم بذلك ينزعون عن أنفسهم صفة التقليد، والحاجة إلى الأخذ من الغيره..

عصمنا الله من الزلل في الفكر، وفي القول، وفي العمل، إنه ولي قدير..

كلمة أخيرة:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

وبعد..

فإن ما قدمناه في هذه الدراسة ما هو إلا نبذة تكاد تكون يسيرة إذا قيست بمجموع ما سجله ابن عربي في كتبه من تصريحات ـ وما أكثرها ـ أو تلويحات، وإشارات لا مجال لعدها وحصرها.. تدل على المنحى الذي يتخذه ابن عربي لنفسه، ويدين به ربه في السر وفي العلن..

وليت شعري، إذا كان هذا الرجل قد ذكر في مؤلفاته هذا الكم الهائل ـ الذي ذكرنا في هذه الدراسة بعضاً منه، ـ من الدلائل الصريحة في تسننه، حتى إن ما يتعلق به من يدعي تشيعه ما هو إلا نزر يسير، لايكاد يظهر له أثر في هذا البحر العجاج، المتلاطم الأمواج؟!.

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يرضون ببعض ما ذكرناه لإثبات عكس ما يدعون، فيؤكدون على تسننه، بالاستناد إلى كل هذه الأدلة العالية جداً في مستوى الصراحة والجهر.. والقاطعة في هذا الأمر لكل عذر؟!.

وكيف أبصروا خصوص تلك الإيحاءات الضعيفة والعليلة والواهية، ولم يروا بعين إنصافهم هذا القدر العظيم، والكم الهائل الصريح والواضح في مقابله؟!

وما بالهم نظروا بعين كليلة في هذا الإتجاه.. وتركوا ما تريهم إياه العين الصحيحة بالاتجاه الآخر؟!..

وفي جميع الأحوال نقول: ان الحق أحق أن يتبع، ولابد للعاقل المنصف أن يكون من أهل الدليل وكيف ما مال يميل..

والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.

12 جمادى الأولى 1424 هـ. ق.

الموافق 13 آب 2003م.

عيثا الجبل (عيثا الزط سابقاً)

جعفر مرتضى العاملي

عامله الله بلطفه وإحسانه

/ 12