لأمر الأوّل: أوقات الصلاة
تناول الفقهاء المسلمون مسألةوقت الصلاة، واختلفوا في أن الوقت هل هو
شرط لصحة الصلاة؟ أم هو شرط للوجوب ؟يتّجه المذهب الحنفي إلى أنّ
دخول الوقت ليس شرطاً من شروط الوجوب، ولا
من شروط الصحة، وذلك لأنّهم قالوا: إنّ
دخول الوقت شرط لأداء الصلاة، بمعنى أنّ
الصلاة لا يصح أداؤها إلاّ إذا دخل الوقت.
وبهذا نجدهم متفقون مع غيرهم من المذاهب
على أن الصلاة لا تجب إلاّ إذا دخل وقتها،
فإذا دخل وقتها خاطبه الشارع بأدائها
خطاباً موسعاً ، بمعنى إذا فعلها في
أوّل الوقت صحّت، وإذا لم يفعلها في أوّل
الوقت لا يأثم، فإذا أدرك الصلاة كلّها في
الوقت فقد أتى بها على الوجه الذي طلبه
الشارع منه وبرئت ذمّته، كما لو أداها في
أوّل الوقت أو وسطه، أمّا إذا صلاّها
كلّها بعد خروج الوقت فإن صلاته تكون
صحيحة، ولكنه يأثم بتأخير الصلاة عن وقتها [1] .فإذا كانت الصلاة لا تصح إلاّ
بدخول الوقت سواء قلنا إن الوقت شرط
للأداء، أم شرط للصحة أو للوجوب، فماهي
الأوقات التي شرعت للصلاة الخمسة عند
المذاهب وكيف نعرفها؟تعرف أوقات الصلاة بزوال الشمس
والظل الذي يحدث بعد الزوال، وبه يعرف وقت
الظهر ودخول وقت العصر، ثم مغيب الشمس
ويعرف به وقت المغرب، ثم مغيب الشفق
الأحمر أو الأبيض على رأي، ويعرف به دخول
وقت العشاء ثم البياض الذي يظهر في الاُفق
ويعرف به وقت الصبح [2] .أما أوقات الصلاة الخمسة في
مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فمستندها ما
جاء عن أبي عبدالله(عليه السلام)أنه قال: «أتى
جبرئيل رسول الله(صلى الله عليه وآله)
فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال صلِّ الفجر
حين ينشقّ الفجر، وصلّ الاُولى إذا زالت
الشمس، وصلِّ العصر بعيدها، وصلِّ المغرب
إذا سقط القرص، وصلِّ العتمة إذا غاب
الشفق. ثم أتاه من الغد، فقال: أسفر بالفجر
فأسفر، ثم أخّر الظهر حين كان الوقت الذي
صلّى فيه العصر، وصلّى العصر بعيدها،
وصلّى المغرب قبل سقوط الشفق، وصلّى
العتمة حين ذهب ثلث الليل، ثم قال: ما بين
هذين الوقتين وقت» [3] .وبهذا تكون أوقات الصلاة
الخمسة المفروضة ثلاثة، وقت لفريضتي
الظهر والعصر مشتركاً بينهما، ووقت
لفريضتي المغرب والعشاء على الاشتراك
بينهما، وثالث لفريضة الصبح خاصة، قال
تعالى: (أقم الصلاة لدلوك
الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إنّ قرآن
الفجر كان مشهوداً) [4] .قال الفخر الرازي ـ بعد أن أنهى
بيانه لمعنى الدلوك والغسق في الآية
الكريمة ـ : (فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل
الظلمة كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب،
وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية
ثلاثة أوقات: وقت الزوال، ووقت أوّل
المغرب، ووقت الفجر، وهذا يقتضي أن يكون
الزوال وقتاً للظهر والعصر، فيكون هذا
الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين، وأن
يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء،
فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين
الصلاتين، فهذا يقتضي جواز الجمع بين
الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء
مطلقاً، إلاّ أنّه دلّ الدليل على أن
الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز، فوجب
أن يكون الجمع جائزاً بعذر السفر وعذر
المطر وغيره) [5] .قال العلاّمة الحلّي: إنّ لكلّ
من الظهر والعصر وقتين: مختص ومشترك،
فالمختصّ بالظهر من زوال الشمس الى قدر
أدائها، وبالعصر قدر أدائها في آخر الوقت،
والمشترك ما بينهما، وللمغرب والعشاء
وقتين، فالمختص بالمغرب قدر أدائها بعد
الغروب، وبالعشاء قدر أدائها عند
الانتصاف، والمشترك ما بينهما، فلا يتحقق
معنى الجمع عندنا، أما القائلون باختصاص
كل من الظهر والعصر بوقت، وكذا المغرب
والعشاء، فإنّه يتحقق هذا المعنى عندهم [6] .